الرئيسية / النظم السياسية / التحول الديمقراطي / التحول الديمقراطي: الفقر وعدم المساواة – Routldege Handbook of Democratizaion
التحول الديمقراطي: الفقر وعدم المساواة
التحول الديمقراطي: الفقر وعدم المساواة

التحول الديمقراطي: الفقر وعدم المساواة – Routldege Handbook of Democratizaion

المدرسة الهيكلية

 

Gordon Crawford and Abdul-Gafaru Abdulai, “Democratization, poverty and inequality”, in:  Jeffrey Haynes (Ed.) (2012), Routldege Handbook of Democratizaion, New York & London: Routledge), pp. 353-367.

تقديم الافتراض السائد هو أن الديمقراطية ستؤدي دوما إلى التنمية من خلال:

1-النمو الاقتصادي 2-تقليل الفقر 3-توزيع متساوي للدخل

ليس هناك ما يؤكد وجود علاقة بين الديمقراطية وهذه الأوضاع الاقتصادية

تحقيق أي من الثلاث مؤشرات لا يضمن سيرها معا في نفس الاتجاه… فأثناء حكومة بلير في بريطانيا عام 1997 تم تقليل الفقر، ولكن على حساب توزيع غير متساوي للدخل.

الافتراض بوجود علاقة ين الديمقراطية والفقر خطأ… لماذا؟؟…

لوجود أنماط معينة من سيطرة النخبة + أشكال ودرجات متباينة من الديمقراطية

أولا: الديمقراطية والفقر:

1-الانتخابات = استجابة الحكومة لمشكلة الفقر وسعيها لتحقيق رفاهية المواطنين = المساءلة والمحسابية.

القيادات الديمقراطية تكون عادة أميل إلى الاستماع إلى مطالب القواعد والأغلبيات الشعبية لضمان الفوز والمنافسة والحصول على التأييد والدعم والتصويت. ومن ثم فهؤلاء القادة المنتخبون يوفرون السلع العامة مثل التعليم والرعاية الصحية التي يستفيد منها الفقراء بالأساس.

2-بحسب الاقتصادي الحاصل على جائزة نوبل امارتيا سن الديمقراطية توفر “آليات إنذار مبكر” ضد الكوارث كالمجاعات. التعددية الحزبية والتنافسية أداة حماية للفقراء من الجوع…حيث تدفع الكوادر الحزبية والحكومية لبذل أقصى الجهد لتجنب الكوارث والأزمات التي تؤدي إلى المجاعات، بدليل عدم حدوثها أبدا في أي نظام ديمقراطي متعدد الأحزاب.

كما أن الصحافة الحرة –والإعلام يلعب دور مصدر المعلومات للحكومة بحجم الأزمة، وهي في بدايتها وفي الوقت نفسه هو قناة لتوصيل مطالب المواطنين للمسؤولين.

وفي النظم الاستبدادية قد يكون لدى المسؤولين رغبة في منع الكوارث، ولكنهم بسبب افتقارهم لوسائل الإعلام الحرة لا تصلهم المعلومة اللازمة في الوقت المناسب.

مؤشر الفقر = وفيات الأطفال لأنها تزيد في الديكتاتوريات مقارنة بالديمقراطيات.

وهذا المؤشر يعكس أحوال الشريحة الأدنى في المجتمع من ناحية: نوعية التغذية –الظروف الصحية والرعاية الطبية-تعليم الإناث-معدلات الأمية.

الدراسات الامبريقية لأكثر من 100 دولة في مدد طويلة تصل إلى 20 سنة أثبتت أن:

هناك علاقة طردية بين الديمقراطية وتراجع معدلات وفيات الأطفال، أي ارتفاع معدلات فرصهم في الحياة …أي تقليل معدلات الفقر.

لكن هناك دراسات أخرى أثبتت أنه في البلاد التي تتحول نحو الديمقراطية قد يتراجع الفقر في البداية لكنها بعد بناء النظام الديمقراطي بالفعل واستقراره تتقلص  قدرتها على تقليل الفقر…ومن هنا نطرح السؤال: هل الديمقراطية دائما تكون لصالح الفقراء….الإجابة لا.

بالنسبة لتوفير النظام الديمقراطي للخدمات الاجتماعية…فهناك سؤالين:

1-هل النخب والقادة المنتخبين بطريقة ديمقراطية يميلون لزيادة الانفاق على الخدمات وتوفيرها للمواطنين مقارنة بنظرائهم غير المنتخبين في النظم التسلطية؟؟

2-إلى أي حد يستفيد الفقراء بالفعل من هذا النمو في الانفاق على الخدمات، كالتعليم، والصحة، وتوسيع نطاق توفيرها في ظل الديمقراطية؟

هناك دراسات أثبتت صحة الافتراض بمعنى أن الديمقراطية تنفق أكثر على الخدمات الاجتماعية في أمريكا وأمريكا اللاتينية في مجال التعليم العام والابتدائي،

ودراسات أثبتت أنها لا تؤثر بالإيجاب في مجالات الرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي.

حتى لو قلنا أن الديمقراطية مرتبطة بالفعل بالانفاق الواسع على الخدمات الاجتماعية، لكن هذا قد لا يقلل بالضرورة من معدلات الفقر، بمعنى أن هذه الخدمات يتم الانفاق عليها، ولكنها قد لا تصبح متاحة بالفعل للفقراء لتصل إليهم وليستفيدوا منها …وعليه، تظل أوضاع الفقر في نهاية الأمر كما هي دون تغيير.

وقد تتساوى معدلات التعليم في الأنظمة الديمقراطية مع الأنظمة التسلطية، برغم أن الأولى تنفق أكثر، وتنشيء المزيد من المدارس المنتشرة.

تفسير ذلك أن هناك نوع من التحيز الدائم من جانب السلطة تجاه النخب حتى في الأنظمة الديمقراطية، بينما لا يتمتع الفقراء بقدرة مساوية للأغنياء والأقوياء على توصيل صوتهم ومطالبهم. ومن ثم، فزيادة الإنفاق والدعم قد تعود بالنفع على الطبقات العليا والوسطى، بينما الطبقات الدنيا لا يصلها الدعم الذي تستحقه. وهكذا، يظل معدل وفيات الأطفال كما هو، برغم ارتفاع نسبة الإنفاق الحكومي على الصحة ودعمها.

وحتى في حالة رفع شعارات إعادة التوزيع وإعادة تخصيص الموارد، ففي الواقع العملي يذهب الانفاق والدعم الحكومي لتوفير خدمات التعليم والصحة بالأساس إلى الطبقة العليا المستفيدة، والتي تمنع وصوله للطبقات الفقيرة الأدنى. ففي دول أفريقيا التي شهدت التحول الديمقراطي في إطار الموجة الثالثة ظلت انجازاتها قاصرة عن مواجهة مشكلة الفقر الناتج عن سوء التوزيع، برغم ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي التي حققتها growth without prosperity’  مثال: حالة الهند الديمقراطية التي استطاعات تجنب حدوث المجاعة، ولكنها لم تعالج مشكلة الفقر علاجا جذريا أو تقضي عليه تماما، ولا زال ملايين من سكانها يقعون تحت خط الفقر.

وليس صحيحا أن الفقراء يملكون القدرة على التأثير، طالما الأمور لم تصل لحد المجاعة. وليس صحيحا أنهم قادرون على تغيير القيادات التي تفشل في التقليل من الفقر. فالواقع يقول أن هناك دوما نمطا هيكليا يتسم بالتحيز للنخب، والتي تحتفظ بكونها هي المتحكمة والمسيطرة.

والتصويت في الانتخابات ليس دائما موجها ومدفوعا بالاعتبارات الاقتصادية فقد تحركه اعتبارات الهوية الإثنية أو الدينية. فالانتماء الإثني أو الديني قد يحدد الاختيارات التصويتية في الانتخابات مثله تماما مثل الاحتياجات الاقتصادية والمعاناة من الفقر، فضلا عن دور القيادات الحزبية التي قد تحاول هي من جانبها استغلال ورقة الهوية وتسييسها لكي تقلل من تأثير العامل الاقتصادي في الدول التي تعاني من انقسامات إقليمية وإثنية.

هناك فريق من الباحثين يدعي أن فشل الديمقراطية في معالجة الفقر، ليس بسبب الديمقراطية نفسها، وكونها غير قادرة على تقليل الفقر، وإنما بسبب قصور في تطبيق الديمقراطية. فضعف مؤسسات المحاسبة والمساءلة السياسية والموازنة والرقابة، أو وجود قيود على الحريات وعدم تطبيق الليبرالية على النحو الصحيح، يتيح لمن يصلون إلى سلطة الحكم استغلالها للنفع الخاص، ولأهداف شخصية،  بدلا من إعطاء الاهتمام لهدف تقليل الفقر.

تجارب شرق آسيا النمور الأربعة كوريا الج –تايوان –هونج كونج- وسنغافورة، وكذلك ماليزيا وأندونيسيا – ثم الصين أثبتت أنه يمكن القضاء على الفقر أيضا في ظل الأنظمة التسلطية، وأنها تمتلك ميزة الحفاظ على استقلالية المسؤولين العموميين والرسميين، وابقائهم بعيدا عن ضغوط وتأثير جماعات المصالح القوية التي تلعب دور ضاغط على نظرائهم في الديمقراطيات وهذا يساعدهم على تبني السياسات الاقتصادية بعيدا عن الضغوط.

لكن الحقيقة أن هناك أمثلة وحالات أخرى كثيرة تدلل على العكس، ففي خبرة بلدان أمريكا اللاتينية مثلا غياب الأنظمة الديمقراطية مقترن دوما بالفشل الاقتصادي والفقر.  ومع ذلك لا يمكن نفي وجود أي علاقة بين طبيعة النظام من ناحية، وقدرته على التقليل من الفقر من ناحية أخرى….فالديمقراطية مرتبطة بالقدرة على توفير شبكة أمان للفقراء وحمايتهم من خطر المجاعة…ولكن فيما عدا ذلك، يمكن القول أن الديمقراطية لا تضمن بالضرورة تبني سياسات اقتصادية تحقق الرخاء على غرار ما حققته دول المعجزة التنموية الآسيوية.

ثانيا: الديمقراطية وعدم المساواة

يعود الربط بين الاقتصادي والديمقراطية إلى أرسطو –جون ستيوارت ميل-يبست- لينسكي

الفرضية: اعتبار الانتخابات بمثابة عملية صراع طبقي تسعى فيه كل طبقة للتصويت لما يحقق مصالحها، حيث تتضمن الديمقراطية إعادة توزيع للثروات وللقوة السياسية لصالح الأغلبية من الطبقات الأقل حظا، وهذا سيؤدي إلى مزيد من المساواة الاجتماعية من خلال مطالبة الناخبين للنخب السياسية بتحقيق المساواة التوزيعية.

فالديمقراطية = الأغلبية + المساءلة التي تجعل القيادات حريصة على إرضاء الناخبين، ومن ثم تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية.

منحنى كوزنتس Kuznets curve = العلاقة بين الديمقراطية وتوزيع الدخل تأخذ شكل حرف U  بمعنى أنه مع بداية التحول الديمقراطي تقل الفوارق في الدخل، ثم بعد مرحلة معينة من بناء المؤسسات الديمقراطية ستأخذ هذه الفوارق مرة أخرى في الزيادة من جديد.

وجود الفوارق قد يجعلها عاملا من عوامل المطالبة بالديمقراطية …

لكن  الديمقراطية لا تعني بالضرورة القضاء على الفوارق.

تفسير ذلك: أن التصنيع + تراكم رأس المال لدى النخبة يزيد من حجم الفوارق، بما يهدد باندلاع الثورة..وهنا تأتي استجابة النخب الرأسمالية الغنية، وقبولها ببدء عملية التحول الديمقراطي، حتى تتفادى قيام ثورة عنيفة عارمة تطيح بها تماما أو تستولي على ممتلكاتها،  أي أن النخب تنخرط في عملية التحول من أجل حماية مراكزها وثرواتها. وهذا يفسر أنه في بداية التحول: يحدث قدر من إعادة التوزيع، ولكنه أقل كثيرا من ذلك الذي كانت النخب تخشى حدوثه في ظل سيناريو الثورة. هكذا، تصبح عملية التحول الديمقراطي “وسيلة” الغرض منها الحفاظ على سلطة النخب الحاكمة والاحتفاظ بمراكزها تلافيا لخطر الانفجار الثوري.

بيتز: قدم أطروحة عكسية لتلك التي تدعي أن الديمقراطية = مراعاة الأغلبية….فأكد أن النظم التسلطية التي تقيد الحريات السياسية هي التي يكون من مصلحتها تقليل الفوارق والقضاء على عدم المساواة الاقتصادية، وحماية حقوق العمال والطبقات الفقيرة. وهذا بالفعل ما حدث في كوريا وتايوان. فكان سر نجاح هذه الدول في شرق آسيا هو استقلاليتها النسبية embedded autonomy’ وقدرة مؤسساتها على تبني سياسات اقتصادية وتنموية لا تخضع لضغوط أصحاب المصالح الخاصة.

التشكيك في  ارتباط الديمقراطية فعلا بالأغلبية: ليس صحيحا أن الناخبين من الطبقات الدنيا يكون لديهم بالضرورة الوعي الطبقي والقدرة الفعلية على المطالبة بإعادة توزيع الدخل. إذا كانوا غير منظمين مثلا.

وبحسب بولين وجاكمان النخب في الأنظمة الديمقراطية قد تسيء استغلال المؤسسات الديمقراطية وتوظفها لصالحها بما يقلل من المساءلة الديمقراطية أمام الأغلبية.

تبنت دراسة لجرادستاين وميلانوفيك 2004…مفهومين للديمقراطية: أحدهما يعتمد على معدل التصويت في الانتخابات والثاني يعتمد على الليبرالية أي احترام الحقوق والحريات السياسية.

political democracy does not widely exacerbate inequality’

الدراسات الامبريقية أثبتت ان العلاقة قد تكون ايجابية أو سلبية، أو قد لا تكون هناك أي علاقة على الاطلاق.

ودراسة أخرى لرودريك 1999 ركزت على أجور العمال كمؤشر على الفوارق في توزيع الدخل…وأخرى ربطت بين مؤشرات الحريات السياسية وتقليل الفوارق الاقتصادية.

وأثبتت دراسة لوندبرج وسكوير 1999 في بلدان أوروبا الشرقية الشيوعية سابقا أن الديمقراطية تعود بالنفع على الشرائح الدنيا من الدخل، بما يقلل الفقر ويحسن المساواة في التوزيع،…وهي نفس البلدان التي كانت قد شعدت زيادة في الفوارق الاقتصادية بدرجة ملحوظة مع البدايات المبكرة للتحول الديمقراطي.

الديمقراطية التراكمية ‘accumulative democracy أي الخبرة التاريخية الطويلة التي أثبتت أن الديمقراطية عامل حاسم في تبني النظام لسياسات تؤدي إلى تقليل الفوارق. وهو ما أثبته خبرات أوروبا الشرقية والوسطى.

الدراسات التي اهتمت باختبار وقياس هذه العلاقة تعكس تطور كبير في القياس ودراسة العلاقات بفضل التطور في قواعد البيانات، ومؤشرات قياس المشاركة الانتخابية، والحقوق والحريات المدنية والسياسية كدلالة على على مستوى الليبرالية، فاعتمدت مثلا على مقاييس طورتها مؤسسات مثل: بيت الحرية فريدم هاوس أو البنك الدولي.

العلاقة بين الديمقراطية وعدم المساواة مرتبط بالاقتصاد السياسي الذي يقيس علاقة الحرية السياسية بالتعليم الثانوي…وكونها علاقة إيجابية تؤدي إلى تقليل الفوارق. كما يرتبط بمؤشرات عدم الكفاءة في السوق الرأسمالي والتي تزيد من الفوارق وعدم المساواة.

البرتو شونج 2004 بدراسة عينة من الدول خلال الفترة من 1960-1997 وصل إلى:

1-عدم المساواة لا ترتبط بالديمقراطية، فلا هي تقل بزيادتها، ولا تزيد عند تراجعها.

2-عدم المساواة تزيد في المراحل الأولى لليبرالية السياسية، أي في بدايات التحول، ولكن بمجرد تأسيس الحكومة الديمقراطية واستقرارها، ستأخذ الفوارق في التناقص.

التطور في الدراسات يعود إلى تطور نوعية وجودة البيانات المتاحة مثل مؤشر.

Deininger-Squire dataset (WIID,

وانتهت تلك الدراسات بنفي وجود علاقة فالديمقراطية لا تقلل بالضرورة من عدم المساواة

موجة التحول الديمقراطية الثالثة وزيادة عدم المساواة…

Democratization wave and rising inequalities

مع انتشار الديمقراطية زادت عبر الدول المختلفة عدم المساواة، بسبب تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي النيوليبرالية. الديمقراطيات التي ظهرت خلال الفترة من 50-1970 شهدت انخفاضا في عدم المساواة، بينما الفترة من 80-99 شهدت ارتفاعا حادا  في عدم المساواة تزامنا مع تطبيق سياسات الليبرالية الجديدة، لاسيما في البلاد التي تمر بعمليات الانتقال بعد سقوط الشيوعية مثل دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا، والتي عرفت ما سمي بالنمو بدون رخاء بسبب اتساع الفوارق في توزيع ثمار التنمية.

‘growth without prosperity’,

sharp rise in income inequality in the post-communist period.

لكن هذا التأثير اتضح أكثر في بلدان أوروبا الشرقية والوسطى التي شهدت بالتزامن مع عملية التحول الديمقراطي في ال80، صعود حاد في عدم المساواة والفوارق، وانخفاض في مستويات المعيشة وتوقعات الحياة، وهو ما جاء على أثر التحول  نحو تبني اقتصاد السوق.  هكذا، تم تفنيد الفرضية التي تقول أن الديمقراطية تقلل من الفوارق التوزيعية

وهو ما تم تفسيره بسببين:

1-الحاجة إلى مرور وقت كافي : لكي تؤتي الديمقراطية ثمارها التوزيعية، ويتم تحقيق التراكم التاريخي والتدعيم والرسوخ الديمقراطي، حتى وان لم  ينجم عنه تقليل للفوارق بنفس القدر الذي كان يحدث من قبل في النظام الشيوعي, ومن ثم لا يجب استعجال النتائج.

2-اتساع الفوارق ينسب إلى الوضع السابق على التحول الديمقراطي: فمستوى التوزيع كان متساويا نسبيا في ظل السياسات الشيوعية السابقة، على أثر تبني الأيديولوجية والقيم الاشتراكية، ولاشك أن تأثير إعادة التوزيع الناتج عن التحول الديمقراطي يظهر بشكل أكبر في الأوضاع التي كانت الفوارق فيها أصلا ضئيلة.

وهناك من يرى أن السبب يعود إلى تبني أسلوب العلاج بالصدمة ‘shock therapy’

أي الإسراع بوتيرة التحول من اقتصاد الأوامر إلى اقتصاد السوق الحرة من خلال..  رفع يد الدولة عن تنظيم الاقتصاد وتوجيهه + تحرير التجارة + خصخصة المشروعات المملوكة ملكية عامة. وهو نفس ما حدث في البلدان النامية بسبب سياسات المؤسسات المالية الدولية المانحة كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي فرضت على هذه الدول في مقابل الحصول على التمويل التنموي تبني برامج الإصلاح الاقتصادي تحت مسمى التحرير المالي والنقدي والاقتصادي والتكيف الهيكلي.

خاتمة

وهكذا، يمكن القول أن العامل المحدد للفوارق أو عدم المساواة لا علاقة له بالديمقراطية بقدر ما ينتج عن السياسات الاقتصادية المتبعة. فالديمقراطية لا علاقة محددة لها بالفقر، فهي قد تقلل من بعض مؤشراته فقط، وليس كلها ..ومن أهم المؤشرات التي تعكس تأثير الديمقراطية الإيجابي: خفض معدلات وفيات الأطفال، ورفع نسبة التعليم الابتدائي.

تفنيد الفرضية التي تقول أن الديمقراطية ستدفع الدولة لتبني سياسات زيادة الإنفاق العام لتوفير خدمات الرفاهية لنطاق أوسع من المواطنين خصوصا من أبناء الطبقات الدنيا والمتوسطة. أما علاقة الديمقراطية بعدم المساواة، قد أثبتت الدراسات أنها ليس لها تأثير إيجابي أو سلبي،  وإنما تزيد الفوارق أو تقل بحسب السياسات الاقتصادية المتبعة ومدى كونها تتبنى التوجه النيوليبرالي الذي يدفع دائما لزيادة عدم المساواة.

ما تفسير هذه النتيجة ؟؟

1-أن السياسة الاقتصادية ومدى مراعاتها للمساواة التوزيعية في الواقع هي نتاج اختيارات النخب المسيطرة على العملية السياسية حتى في ظل الأنظمة الديمقراطية..

بما يتعارض ويتناقض مع فرضية أن الأغلبية الحاكمة majoritarian assumption سوف تفرض وجهة نظرها وستكون القرارات والسياسات التي تتبناها الحكومة الديمقراطية دوما في صالح الأغلبية. pro-majority outcome

وهو ما أرجعه اسيموجلو وروبنسون 2006 إلى أن البدء في عملية الانتقال الديمقراطي عادة ما تحدث على أيدي النخب السياسية والاقتصادية التي تتبنى الإصلاحات الديمقراطية في مواجهة حركات المعارضة الراديكالية، وذلك كمحاولة من جانبها لاجهاض مشروع الثورة العنيفة التي تدعو لها تلك الحركات …من المحتمل أن يكلف هذه النخب خسائر فادحة، وقد تفقد ثرواتها ومكانتها ….حيث ستؤدي حالة الغضب الشعبي  إلى الانفجار  والانتفاضة الاجتماعية بمخاطرها التدميرية. وليس أدل على استمرار سيطرة تلك النخب واحتفاظها بقدرتها على إدارة المشهد الانتقالي من دورها في تمويل وترتيب الساحة الانتخابية والتأثير على نتائج الانتخابات بواسطة:

1-التمويل: هذا ما يحدث في الديمقراطية الراسخة في أمريكا وبريطانيا، حيث تخضع الأحزاب المتنافسة في تمويلها لرجال الأعمال والقطاع الخاص والشركات، وهو ما عرف في جنوب شرق آسيا بظاهرة “المال السياسي”‘money politics’أو نمط علاقات الوصاية والرعوية أو الزبونية الجديدة أو الرئيس الزبون في أفريقيا

neopatrimonial politics, characterized by patron-client relations

2-السيطرة على وسائل الإعلام وتوجيه الرأي العام والتصويت.

3-التلاعب بورقة الانقسامات الإثنية والدينية  بواسطة العنف ولو أسفر ذلك عن اراقة الدماء

اختبار وممارسة مبدأ “المواطنة المتساوية” وهل بالفعل مجرد اتاحة حق الاقتراع العام للمواطنين كافي أم أن هؤلاء المواطنين لابد أن تكون احتياجاتهم الأساسية مشبعة أولا ؟؟

when a small elite dominates economic and political decisions, the link between democracy and equity can be broken’.

 

الأدهى من ذلك، أنه في عصر العولمة لم تعد النخب المتحكمة في الاقتصاد هي النخب الوطنية المحلية في الداخل، بل أصبح القرار الاقتصادي، وخصوصا في الدول النامية …رهين المشروطية التي تفرضها مؤسسات بريتون وودز والشركات العملاقة الكبرى …مما قيد للحد الأدنى من قدرة الدولة على التدخل لتصحيح الفوارق أو إعادة التوزيع.

 

الأمر يتوقف على شكل ودرجة الديمقراطية، مما يثير سؤالا حول التأثير العكسي للفقر، وعدم المساواة، على الديمقراطية. ومشكلة أغلب الدراسات أنها اعتمدت على التصنيف الثنائي الذي ميز بين النظم على انها إما ديمقراطية أو غير ديمقراطية… ولم  تشر لوجود تفاوتات كبيرة داخل المجموعة المصنفة باعتبارها ديمقراطيات ولكنها ليست متماثلة أو متطابقة.

تعدد أنماط وأشكال ودرجات الديمقراطية

  • الديمقراطية الشكلية والمقيدة وغير الليبرالية

  • الديمقراطيات الصورية التي تطبق الإجراءات الرسمية ولكنها في حقيقة الأمر تسلطية

  • الديمقراطيات الهجين: في ظل احتفاظ النخب الحاكمة بالسيطرة، ومن ثم تنافسها على السلطة، مع تهميش واقصاء كامل للأغلبية الحقيقية.

 

وجود ديمقراطية يضمن طريقة اختيار صناع القرارات والسياسات، لكنه لا يضمن على نحو قاطع بمضمون أو محتوى هذه القرارات.

 

  • الديمقراطيات الاجتماعية المطبقة في بعض الدول الأوروبية تعتبر نظام أفضل نسبيا في مواجهة مشكلتي الفقر وعدم المساواة لأنها تقوم على…  توجيه السوق وتدخل الحكومة، واتباع سياسات للرفاهية تقوم على إعادة التوزيع الاقتصادي.

 

تأثير الفقر وعدم المساواة على الديمقراطية؟

1-تتضاءل امكانية قيام ديمقراطية في ظل حالة الفقر وعدم المساواة التوزيعية الاقتصادية لأنه سيؤدي إلى عدم المساواة السياسية أيضا.

2-في بيئة تسودها الفوارق وعدم المساواة من المرجح أن يحكم نظام تسلطي، ويمنع ظهور أي بارقة أمل في التحول الديمقراطي.

خطورة الوضع في أمريكا اللاتينية أن عجز الأنظمة الديمقراطية عن تصحيح الفوارق سيؤدي إلى إسقاط الديمقراطية نفسها.

وبرغم أنه ليس هناك ما يثبت صحة الفرضية التي تقول أن الديمقراطية تساعد على تقليل الفقر وعدم المساواة، إلا أنها هدف مطلوب في حد ذاته. كما أنه من الناحية القيمية قيم الديمقراطية تستدعي معها دوما قيم المساواة

حيث يرى أودونل أن “حالة انتشار الفقر على نطاق واسع والفجوة الاقتصادية العميقة تتعارض مع القيم التأسيسية للديمقراطية”

Guillermo O’Donnell (1996) ‘Extended poverty and deep inequality [are] deeply offensive to the values on which democracy is grounded.’

 

  • Jorgen Moller and Svend Erik Skaaning (2013), Democracy & “Democratization in Comparative Perspective: Conceptions, Conjuctures, Causes and Consequences, (New York & London: Routledge)

 

ثمة مقولات وافتراضات شائعة

  • الفقر في ظل الديمقراطية أفضل من الثراء في ظل التسلطية…

  • الديمقراطية تؤدي لمزيد من الكفاءة الاقتصادية في إدارة الموارد..

 

  • مخرجات ونتائج الديمقراطية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي هي العامل الذي الذي يبرر التمسك بالديمقراطية، ومن ثم بقاءها واستمرارها.

 

  • والعكس صحيح بمعنى أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة يتم عادة  تفسيرها مثلا في بلدان أمريكا اللاتينية في ظل الحكم العسكري بأنها نتاج غياب الديمقراطية.

 

  • بقي فرناندو كاردوسو رئيس البرازيل في بلده كما بقي جيلرمو أودونل عالم السياسة في الأرجنتين خلال فترة انتشار الانقلابات والمؤامرات العسكرية على أمل خلق مناخ ديمقراطي يسمح باحترام الحقوق السياسية.

 

لقد ساد التفاؤل بشأن نتائج الديمقراطية وأنها قادرة على حل كافة مشكلات الحياة

 

مع الموجة الثالثة للديمقراطية 1983-1988 سقطت النظم العسكرية، وبدأ انتشار مفهوم المواطنة بمعنى مراعاة الحقوق السياسية …ولكن الديمقراطية لم تنجح بالمثل في تحقيق المواطنة المدنية أو الاجتماعية.

 

النص على الحقوق والحريات في الدساتير والتشريعات هو مجرد حبر على ورق.

 

  • نموذج الناخب المتوسط -نظرية المصوت الوسطي = توازن حكم الأغلبية ‘median voter model’ or ‘median voter theorem’

 

  • قانون باريتو = نمط ثابت لتوزيع الدخل = نظرية دوران النخبة

 

  • النخب تحل محل بعضها البعض حتى في النظم الديمقراطية، حيث الديمقراطية تظل مجرد واجهة…تخفي حكم وسيطرة النخبة، حيث أغنى 20% عادة ما يستحوذون على 80% من الثروات الوطنية بغض النظر عن شكل أو طبيعة نظام الحكم.

 

مجموعة دول جنوب شرق آسيا والنمور الأربعة أثبتت أن إعادة التوزيع حدثت بعد الديمقراطية ….بينما بلدان أوروبا الشرقية الشيوعية سابقا …زادت فيها عدم المساواة الاقتصادية تزامنا مع التحول الديمقراطي.

برزوسكي: الديمقراطية لم تكن أبدا لها عبر تاريخها ثمة تأثير على إعادة التوزيع بما يحقق مزيدا من المساواة “the sin was original، لكنه اختلف عن باريتو  واعتبر أن عدم المساواة في آسيا وأوروبا أفضل كثيرا من الفجوة الشاسعة للدخل مقاسا بمؤشر متوسط نصيب الفرد في أمريكا اللاتينية.

 

  • الديمقراطية والنمو

حدد جيسون سي رايت 2010 5 أنماط للعلاقة بين الديمقراطية والنمو…

1-الديمقراطية تنتج النمو

2-الديمقراطية تعرقل النمو

3-الديمقراطية لا تؤثر في النمو

4-الديمقراطية علاقتها بالنمو تأخذ شكل منحنى تتباين

5-الديمقراطية لها تأثيرات مختلطة على النمو

 

سيروي واينكليز 1990 :نظرية التوافق والتناقض  ‘compatibility’ and the ‘conflict’ perspective

 

أصحاب منظور التناسب والانسجام = التعددية السياسية تؤدي إلى التعددية الاقتصادية –

إتاحة المعلومات يساعد على كفاءة الحكومة وقدرتها على تحقيق النمو الاقتصادي

 

أنصار نظرية الصدام والصراع =  الديمقراطية في مراحلها السابقة على النضج غير قادرة على انجاز النمو لأن السياسيين ليست لديهم جرأة تبني السياسات المطلوبة + الحاجة إلى تدخل الدولة في قيادة التنمية.

 

أسسشيوينيتز 1959 Schweinitz (1959), نظرية التحديث التي رأت أن تبني الدول الفقيرة للديمقراطية يجعلها تتبع سياسات الاستهلاك الفوري، مما يقلل من إمكانية الاستثمار الذي يحتاجه النمو. إذن المشكلة في الفقر وليس في كون النظام ديمقراطي أو غير ديمقراطي

 

مانكور أولسون : عرف الديمقراطية بأنها حكم القانون وسيادة القانون ودولة القانون واستقلال القضاء، وليس الانتخابات. وهذا التعريف يستدعي ضمانات حماية حقوق الملكية …مما يربط بين الديمقراطية، بهذا المعنى، والنمو الاقتصادي.

ويرى جون جرينج طول عمر الديمقراطية ووجودها منذ زمن طويل… يعني أنها قد خلقت رصيد مخزون longevity (stock) of democracy لديها من رأس المال بكافة أنواعه المادي (المساواة) والاقتصادي، والبشري (التعليم والصحة)، والاجتماعي (الثقة)، والسياسي (المأسسة) القادر على تحقيق النمو.

 

من هنا جاء التمييز بين نسختي الديمقراطية الرفيعة السميكة thicker than thinner versions of democracy. بحسب درجة مأسسة البيروقراطية.

 

12 ملف مترجم بالكامل لمنهج التحول الديمقراطي من عدد من الكتب والمقالات الأكاديمية

 

1- التحول الديمقراطي – تعزيز الديمقراطية من الخارج

http://arabprf.com/?p=653

 

2- التحول الديمقراطي: النظرية والتجربة

http://arabprf.com/?p=657

 

3- التنمية والديمقراطية – أوجه قصور الدراسات

http://arabprf.com/?p=694

 

4- الأنظمة غير الديموقراطية: استعصاء السلطوية على التغيير

http://arabprf.com/?p=660

 

5- التحول الديمقراطي: الضغوط الخارجية وأنواع النظم السلطوية

http://arabprf.com/?p=664

 

6- عن الديمقراطية والتحول الديمقراطى

http://arabprf.com/?p=667

 

7- التحول الديمقراطي: الجذور الاقتصادیة للدیكتاتوریة والدیمقراطیة

http://arabprf.com/?p=671

 

8- التحول الديمقراطي: سيمور مارتن ليبست ودراسة الديمقراطية

http://arabprf.com/?p=675

 

9- التحول الديمقراطي: الديمقراطية والتنمية الاقتصادية

http://arabprf.com/?p=678

 

10- التحول الديمقراطي: الفقر وعدم المساواة – Routldege Handbook of Democratizaion

http://arabprf.com/?p=681

 

11- التحول الديمقراطي: الجمع بين الوكالة والهيكل

http://arabprf.com/?p=686

 

12- التحول الديمقراطي: ما الذي يسبب الديمقراطية؟ باربرا جيدس

http://arabprf.com/?p=689

 

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …