الرئيسية / علوم بينية / علم اجتماع السياسة / احتراف الإصلاح المجتمعي .. استراتيجية المصلح وأدواته
احتراف الإصلاح المجتمعي .. استراتيجية المصلح وادواته
احتراف الإصلاح المجتمعي .. arabprf.com) استراتيجية المصلح وادواته

احتراف الإصلاح المجتمعي .. استراتيجية المصلح وأدواته

نحو احتراف الإصلاح المجتمعي

استراتيجية المصلح وأدواته

تامر نادي

الاحتراف هو التزام الشخص بنظام محدد من القواعد والضوابط والممارسات الذي يتوافق عليه أعضاء مهنته ويتمسكون به، كما أن الاحتراف هو نوع من الشعور بالوعي الذاتي تجاه هذه المهن، أو الهوية المهنية. والحرفة أكبر من مجرد “وظيفة”، فبخلاف الفارق النظري، ويتضمن الاحتراف الواجب المجتمعي، والمهارات المتخصصة.

ويمكن اعتبر الإصلاح من هذا المنظور “مهنة” و”حرفة”، لأنه يفي بمعايير المهنة، فالمُصلِح يَدّعي معرفة أساسية محددة كمعرفة خاصة به، ولكن ليس من الضروري أن يكون حاصلاً على تعليم رسمي أو شهادة لضمان هذه المعرفة.

ومن الناحية الاجتماعية، المحترف هو الشخص الذي يربط المعايير – أي المثل العليا حول كيفية إدارة المهنة ولماذا ينبغي أن تدار بهذه الطريقة – بالممارسة العملية.

والموضوعية هي العنصر المركزي في احتراف الإصلاح، حيث ترقى إلى كونها “أداء استراتيجي” حيث تربط قراءة الواقع مع الالتزام القوي بالمعياري. وتفحص الموضوعية مدى وجود المثل العليا في كل ما يقوم به المصلح من مهام إصلاحية.

إن الإصلاح موجه في المقام الأول نحو الحقيقة، وتوفير المعلومة المناسبة في الوقت المناسب، وهو يتطلب درجة معينة من الاستقلال الفكري، وهو خدمة مهنية يقدمها المصلح للأمة.

وتتعدد أدوار المصلح – مثل “نشر المعرفة” أو “مراقبة المجتمع” أو “نصرة الحق” أو غيرها – كما تتعدد الساحات التي يمارس فيها دوره، ويتفاعل مع جهات فاعلة أخرى في تحديد معنى الإصلاح ودور المصلح في المجتمع، ورغم ذلك تظل الساحة المركزية لذلك هي مضامين الثقافة والهوية، حيث يتم الصراع على الحفاظ على الهوية أو تغييرها.

وإن المصلحين يقومون بأدوارهم في المجتمع باستخدام مجموعة أدوات مشروعة، والتي تعكس تصوراتهم عن كيفية إصلاح المجتمع، من الناحيتين المعيار المطلوبة، والوصف لحال المجتمع.

ويُعبر المصلح عن أفكاره وتصوراته من خلال انتاجه لمصطلحات ومفردات وتعبيرات وصفية خاصة به، يستخدمها المصلح ليجعل عمله ذا مغزى لنفسه وللمجتمع. ويتضمن خطابه مجموعة من الدلالات التي تشير إلى المهام الإصلاحية التي يقوم بها مثل “نشر العلم” و”رقابة المجتمع” و”التغيير”.

ويبني المصلح هذه المفردات والمصطلحات من مجموعة من المعتقدات المعيارية والمعرفية، ويستخدمها في ممارساته في المجتمع.

هنا، يعبر المصلحون عن مهمة الإصلاح على مستويين متميزين: توجهات المصلح، وأداء أدواره الإصلاحية في المجتمع.

وتشير التوجهات إلى مضامين القيم والمواقف والمعتقدات فيما يتعلق بوضع المُصلح في المجتمع. وتكون هذه التوجهات معيارية وإدراكية معرفية. أما التوجهات المعيارية فهي كل ما هو مرغوب في القيام به، بينما توفر الأفكار الإدراكية الوصفات والمبادئ التوجيهية والخرائط للعمل الملموس.

أما مستوي أداء الأدوار الإصلاحية فيرتبط بجانب الممارسة العملية، من ملاحظة وتفسير المصلح لواقع المجتمع ولممارسته هو ذاته لدوره.

هذه الفئات من الأدوار الإصلاحية تحدد أربع مسارات مفاهيمية: ما يجب على المصلح القيام به؟ وما يريد القيام به؟ وما يفعله المصلح في الواقع وفي الممارسة العملية؟ وما يقول إنه يفعله؟

* ما يجب أن يقوم به؟

وهو الدور الإصلاحي المعياري، أي القيم التي يعتقد المصلح أنها موجودة في المجتمع ومنتشرة بين مختلف فئاته، والتي يرى أنها مقبولة من الناحية المعيارية، وتؤثر على سلوكه أثناء قيامه بعملية الإصلاح، والتي ترتبط أيضا بتوقعاتهم لكيفية تطبيق القيم والمثل في المجتمع.

ويجب على المصلح مراعات واقع المجتمع وسياق الأحداث، وبالتالي يمكن لدوره أن يقبل التمدد والتكاثر بالإضافة إلى التنافس والتحول. وفي هذا السياق، يجب أن نميز بين الممارسة المرغوبة في سياق معين، وبين ما يقوم به المصلح بالفعل.

ويقوم المصلحون بأربع أدوار رئيسية: مراقبة المجتمع ورصد سلوكه، وإثراء الحوار الاجتماعي والمشاركة الفعالة، والنقد بهدف دعم التغيير والإصلاح، والتعاون في الدفاع عن النظام القيمي للمجتمع. حيث يتنظر من المصلحيين أن يتصرفوا بصفتهم بناة الأمة، ووكلاء التمكين.

 

* ما يريد أن يقوم به؟

وتشمل القيم والمواقف والمعتقدات التي يتبناها المصلح، والتي تعكس تطلعاته الذاتية وطموحاته المتعلقة بالإصلاح. وتميل إلى الظهور على أنها واضحة وطبيعية وتشرح نفسها للمصلح. كخطاب يتشاركه المصلحون حول تفسيرات جماعية في المواقف الخاصة بالسياق وكعلامة على هويتهم.

وبالتالي فهذا الدور يتم استيعابه بشكل انتقائي، ففي هذه العملية، يتعلم المصلح المعايير والقيم والأدوار من خلال التنشئة. وتحدث هذه التنشئة في المجتمع من خلال الممارسة، حيث يكون للمصلحين الأسبق أهداف وخبرات يشركون فيها الباقيين.

ويمكن تحديد الأدوار الإصلاحية في أربع مجموعات مختلفة من الأدوار: قراءة الواقع والرقابة المجتمعية والتعبئة الاجتماعية؛ والتعاون ودعم جهود الإصلاح؛ والتدخل من أجل التغيير الاجتماعي والتأثير في الرأي العام والبرنامج السياسية؛ وتوجيه اهتمام الناس في الحياة اليومية.

 

* ما يفعله في الواقع؟

تعكس عملية الإصلاح الجانب السلوكي لأدوار المصلح. حيث يترجم كل من الإدراك والمعرفة والأدوار المعيارية إلى أدوار عملية، حيث يسعي المصلحون إلى الاتساق بين المثل والسلوك، ولهذا السبب من المرجح أن يقوم المصلحون بأدوار تتماشى مع القيم التي يعتنقونها.

 

* ما يقول إنه يفعله؟

تُحدد تصورات المصلح لذاته الأدوار التي يقوم بها في الممارسة العملية. أي العملية الإدراكية التي يتم فيها تصفية التصورات والأفكار وإعادة تفسيرها في مقابل التوقعات والتطلعات المعيارية. أي أن المصلح يقوم بتفسير كل من واقع المجتمع ودوره المنوط به، وبالتالي يحدد ذاتياً كيفية أداءه لدور من حيث تصوره للعلاقة بين المصلح والمجتمع. فيما يعرف بـ”إصلاح النموذج” أي أن المصلح يعيد تصور عمله بناءً على كيفية إدراكه للمجتمع ولأداء هو لدوره.

وبالتالي فإن أداء المصلح لأدواره يرتبط بالممارسة المتصورة، حيث إن الإدراك المعرفي للمصلح له قوة تفسيرية كبيرة فيما يتعلق بكيفية تطبيقه لمعيار الموضوعية. وهو ما يعنى أنه قد توجد فجوة كبيرة بين الأهمية المتصورة لبعض الأدوار وبين أدائها.

وأخيراً، قد يدرك المصلحون في مرحلة ما أن ممارستهم لا ترقى إلى المعايير التي حددتها تطلعاتهم الذاتية. وإحدى الطرق لحل هذا التعارض هو التخصيص، أي عن طريق تخصيص معاير قيمهم ومُثُلِهم في الساحة التي يُسمح بها للممارسة الفعلية.

 

عن تامر نادي

شاهد أيضاً

نحو نهاية الرأسمالية العالمية: بين إعادة الضبط الكبيرة والصحوة العظمي

نحو نهاية الرأسمالية العالمية: بين إعادة الضبط الكبرى والصحوة العظمى

نحو نهاية الرأسمالية العالمية: بين إعادة الضبط الكبرى والصحوة العظمى الكسندر دوجين ترجمة: تامر نادي …