“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين
“سلام ترام” قصة تطور القاهرة في 120 عام عبر خلال خطوط الترام
الكتاب يوثق الأوضاع السياسية والاجتماعية لمصر منذ عام 1894
مؤسس “سرد”: مشروع “سلام ترام” استمر عام ونصف بمشاركة عشرون باحثاً وباحثة
محرر الكتاب: الترام كان مساحة نابضة بالحياة وشاهداً على تاريخ القاهرة
و”أرشيف شبرا” يعمل على حفظ التاريخ الثري ﻷحياء القاهرة وسكانها
سلام ترام
أرشفة قضبان القاهرة المفقودة
صدر حديثاً كتاب (سلام ترام.. أرشفة المسارات المفقودة لترام القاهرة) عن مركز سرد للتاريخ والأبحاث الاجتماعية “أرشيف شبراً”، وهو عمل ميداني إثنوغرافي يناقش تاريخ ترام القاهرة وخطوطه ومساراته في أحياء القاهرة، وعلاقته بالتغيرات الحضرية والسياسية والاجتماعية في مصر خال 125 عام، منذ عام 1894م حتى عام م2019، ويرصد الحقبة الاستعمار والملكية والجمهورية لمصر، حتى قررت الحكومة إزالته مطلع الألفية.
ومن جانبه أوضح الدكتور مينا إبراهيم، مؤسس مركز سرد، أن كتاب “سلام ترام” يهدف إلى ملأ الفجوات المعرفية في دراسة تاريخ القاهرة الحديث، وهو يجمع بين دراسة الأرشيف التاريخي، والتاريخ الشفوي لأشخاص عملوا في الترام أو ركبوه، كما أنه أول مشروع لفريق الباحثين بالمركز، والذي استمر قرابة عام ونصف تم خلالها جمع أكثر من تسعمائة وثيقة بالإنجليزية والفرنسية والعربية للشركة البلجيكية التي أنشأت الترام في شوارع القاهرة، وخطابات بينها وبين والمصالح الحكومية المصرية، وتضمنت الوثائق أيضاً شكاوى تقدم بها ركاب الترام وعماله.
وأكد “إبراهيم” أن هذه الكتاب برصد الطريقة التي ساهم بها الترام في تغيرات اجتماعية وديموغرافية في مدينة القاهرة وضواحيها، من خلال الوثائق أو من خلا عدد كبر من المقابلات المسجلة مع أشخاص تعاملوا مع الترام سواء كانوا موظفين فيه أو من الركاب.
وأضاف إبراهيم أن مشروع “سلام ترام” استمر قرابة العام ونصف بمشاركة قرابة عشرون باحثاً وباحثة، وتم بدعم من مختبر العلوم الإنسانية والاجتماعية بالجامعة الأمريكية في القاهرة، وجمعية استكشاف مصر، مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية بالقاهرة – سيداج. مضيفاً: ونحن في أرشيف شبرا نتطلع إلى تعاون مستقبلي مع مؤسسات قومية ودولية لاستمرار عملنا على أرشفة الظواهر الاجتماعية من أجل الوفاء للتاريخ الثري ﻷحياء القاهرة وسكانها.
ومن جانبه، قال تامر نادي، مشرف المشروع وأحد محرري “سلام ترام”، إن الكتاب يوثق بداية إنشاء أول خطوط الترام في ميدان العتبة عام 1896م، ويتتبع تطوره حتى إذالة آخر قضبانه من حي مصر الجديدة عام 2019، وأن الكتاب يتضمن سبعة فصول تتناول موضوعات متنوعة مرتبطة بتاريخ مدينة القاهرة وتحديثها، وما صاحبها من تغيير ديمغرافي، وكيف كان الترام مساحة نابضة بالحياة يتفاعل فيها الناس، كما كان شاهداً على تحديث وتطور المجتمع المصري.
وأوضح “نادي” أن الترام كان فاعلاً مؤثراً في كثير من جوانب حياة المصريين منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى بداية القرن الواحد والعشرين، ومحوراً لعلاقات وتفاعلات شهدتها القاهرة، وكيف ينقلنا الترام بين مفاهيم التقليدي والحداثة.
وأشار “نادي” إلي أن الكتاب يبدأ بدراسة الباحث حسام جاد عن كيف جعل الترام من ميدان العتبة الخضراء مركزاً يربط بين قاهرتين، القاهرة الإسلامية القديمة والقاهرة الخديوية الحديثة، وفي الفصل الذي كتبته الباحثتان “نوران أحمد” و”أمنية عمر” تناقشان بناء المخيال الاجتماعي والثقافي لسكان أحياء القاهرة الشعبية وضواحيها، وكيف نظر الناس إلى الترام على أنه يخترق مساحة من حياتهم – بقضبانه وعرباته، بينما تطرقت الباحثة “ولاء قطب” إلى علاقة الترام وممارسة الفعل الاجتماعي والسياسي وحركات التغيير.
كما تناولت الباحثة “إيمان عفيفي” كيف استخدم الناس الترام في إنتاج أشكال من السلوك والتعبير عن المشاعر بصور قد لا يتبادر إلى الذهن وجودها في وسيلة مواصلات، وفي الفصل الذي كتبته الباحثة “ياسمين طارق” تطرقت إلى تأثير الترام على الأدباء والمثقفين المصريين، وكيف تعكس الأعمال الأدبية مكانة ترام القاهرة عند الأدباء، وقد اختارت لنا نموذجين عملاقين – نجيب محفوظ وبهاء طاهر، إذ تقدم قراءة إثنوغرافية عن انطباعات الكتاب وتأويلاتهم لذلك المجال، الاستخدامات الرمزية للترام في قصصهم.
وأخيراً تناقش الباحثة “أميرة موسى” علاقة تطوير مدينة القاهرة وتضخمها بقرار إزالته الترام، وتتساءل “موسى” عن سبب اختيار إزالة الترام لتطوير القاهرة بدلا من إعادة الاستخدام للاستفادة منه؟
ويذكر أن “أرشيف شبرا” ومع إصدار الكتاب قد أطلق حلقات إذاعية (بودكاست)، وكذلك كتيب للقصص المصورة عن الترام، وكذلك كتالوج صغير عن مراحل المشروع وجهود الباحثين في المركز.
سلام ترام
أرشفة قضبان القاهرة المفقودة
مقدمة الكتاب:
“سلام ترام” هو أول المشروعات البحثية لمركز سرد للتاريخ والأبحاث الاجتماعية (أرشيف شبرا)، وهو اللبنة الأولي لفكرة تأسس أول أرشيف لتوثيق الأحياء الشعبية في مصر، إذ أُسس مركز أرشيف شبرا رسمياً في عام 2021م بهدف بناء أرشيفات توثيقية وجعلها متاحة وتشاركية مع الجمهور، وذلك لإدراك المركز إشكالية أن الأماكن التي تساهم في إنتاج المعرفة في كتب ومقالات وروايات وأفلام، لا تحظى بفرصة لعرض وتداول تلك المعرفة أو حفظها في مكان انتاجها، وهو ما يجعل أرشيف شبرا يتبنى فكرة إثراء المناقشات والانفتاح على قاطني الأحياء الشعبية، ولم يجد أفضل من حي شبرا مكاناً في مدينة القاهرة لاحتضان المركز، فكون حي شبرا قد ورد ذكره في العديد من الكتابات الأكاديمية والأدبية والأعمال الفنية، العربية والأجنبية، بوصفه نموذجاً مثالياً للحي الشعبي المعبر عن مصر الحداثة، وهو ما يلزمنا أن يكون أرشيف شبرا مركزاً منفتحاً وتشاركياً؛ ودون أن ننكر أن ذلك قد ينطبق أيضاً على أحياء وأماكن أخرى داخل القاهرة وخارجها.
تتمثل أهمية أرشفة خطوط ترام القاهرة من وجهين: الأول، أن إنشاء خطوط الترام، ثم إزالتها بعد ذلك، ارتبط بتطوير مدينة القاهرة وتحديثها، وأن عوامل مثل الاستثمارات الأجنبية، وسياسات الإحلال والتجديد، وما صاحبها من تغيير ديمغرافي، إلى جانب الوعد ببناء بُنى تحتية أكثر “تمدناً”، شكلت بداية خطوط الترام ونهايتها أيضاً. وهذا لا يعني أن التاريخ “يعيد نفسه” أو أننا نطبق النماذج نفسها على أزمنة مختلفة، لكنه يعكس دور خطوط الترام في التغيرات الحضرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر أثناء الاستعمار وبعده، كمل يعكس الأسلوب المتناقض للحكومات المتعاقبة عندما احتفت بعربات الترام أول أمرها، ثم شوهت سمعتها لاحقًا لتحقيق خططها التطويرية.
وأما الوجه الآخر لأهمية خطوط ترام القاهرة يقع في إخباره عن الحركة اليومية للناس، والعلاقات بين مختلف الأحياء، فمنذ تأسيسها في 1896م، وعاش حوالي 120 عام، شهدت خطوط الترام إضرابات عمالية وحوادث وتوترات طبقية وجندرية ومظاهرات إلى جانب علاقات غرامية وأوقات ترفيهية وحكايات غرائبية. فلطالما استولى الناس على مساحات عربات الترام وطرقه وتنازعوا عليها طبقًا لاحتياجاتهم وطموحاتهم ومشاغلهم. كما عبر المسؤولون والكتاب والفنانون والمواطنون العاديون عن تلك المشاعر المختلطة من خلال الوثائق الحكومية وقضايا المحاكم والأغاني والروايات والقصص المصورة ومقالات الجرائد.
وفي هذا السياق، بدأ فريق أرشيف شبرا في اختبار منهجية نسعى إلى تطبيقها على المشروعات المستقبلية، حيث بدأنا بجمع المصادر الثانوية التي تعكس مختلف الآراء عن ترام القاهرة، ففي منتصف القرن العشرين تقريباً، حازت خطوط الترام اهتمام السينما المصرية والأوساط الأدبية، وأصبحت عربات الترام مكوناً رئيسياً لحبكات وسيناريوهات كتبت بناءً على أحداث واقعية. ومن الملاحظ أن فريق أرشيف شبرا اعتبر هذه المرحلة “منتصف الطريق” الذي يتوجب إكماله بما حدث عندما عبر أهل القاهرة عن ترحيبهم بأول وسيلة نقل عامة في عاصمة مصر (واعتراضهم عليها) وتطليقهم الهادئ (والصاخب) لها. وبفضل جهود أعضاء الفريق في أسواق الكتب المستعملة في القاهرة والدعم الكريم من جمعية “استكشاف مصر”، جمعنا أكثر من تسعمائة وثيقة بالإنجليزية والفرنسية والعربية، تتقصى هذه الوثائق السنوات الأولى للشركة البلجيكية التي سيرت عربات الترام في شوارع القاهرة، بالإضافة إلى العلاقات المتوترة بينها وبين والمصالح الحكومية المصرية مثل مصالح الكهرباء والتعليم والبريد والداخلية، كما تضمنت الوثائق أيضاً شكاوى تقدم بها ركاب خطوط الترام وعماله أثرت على إصدار تشريعات معينة. وكما أشرنا من قبل، عكست تلك الشكاوى الطريقة التي ساهمت بها خطوط الترام في تغيرات اجتماعية وديموغرافية في القاهرة وتأثرها بها.
وإلى جانب المصادر الثانوية والوثائق، كان فريق أرشيف شبرا واعياً بضرورة تنفيذ عمل ميداني إثنوغرافي للتعرف على الأشخاص الذين عايشوا السنوات الأخيرة لترام القاهرة ونتعلم منهم، ونجمع الذكريات الشجية، والحنين الرومانسي للماضي، وقصص المواطنين الذين أرهقتهم تكلفة وسائل النقل الحالية مقارنة بأسعار تذكرة الترام سابقاً، والعمال الذين كان عليهم تعلم قيادة الأتوبيسات أو عربات المترو، أجرينا أكثر من 35 مقابلة تكشف وجهات نظر دقيقة ومتنوعة، كما نسخنا المقابلات من أجل دمجها في الأوراق البحثية، بالإضافة إلى ترجمة كثر من الوثائق وتنسيق لائحة أولية بها، وذلك بدعم من مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية (سيداج) في القاهرة.
سيصاحب إصدارنا للكتاب بالتعاون مع دار “هن”، إطلاق حلقات إذاعية (بودكاست)، وذلك قصصاً مصورة قصيرة، وكتالوج صغير يعرض القراءات والآراء المختلفة لأعضاء فريقنا في المصادر الثانوية والوثائق والمقابلات. وبينما تعرض تلك المخرجات مقاربات رائدة تملأ الفجوات في دراسة تاريخ القاهرة الحديث، كما في الحالة الأرشيفية المؤسفة في مصر، فهي تمثل خطوات أولى لطموح فريقنا وشغفه. ونحن نتطلع إلى تعاون مادي وأدبي مع مؤسسات قومية دولية لاستمرار عملنا على أرشفة لا خطوط الترام فحسب، بل أيضًا الظواهر الاجتماعية من أجل الوفاء بالتاريخ الثري ﻷحياء القاهرة وسكانها.
ينطلق هذه الكتاب من فكرة يورجن هابرماس – الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني – عن المجال أو الفضاء، والتي هي مساحات يتحرك فيها الناس ويتفاعلون معاً، وإذا كانت التمييز الأساسي عند هابرماس بين المجال الخاص للفرد، والمجال العام للمجتمع حيث يجمع الناس مع السلطة، فالمجال العام عند هابرماس هو المساحات النابضة بالحياة. كما أنه يزاوج بين الفعل والبنية أو الهيكل، حيث ربط التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية والفلسفية للمجتمع ببعضها، وبالتالي يقع المجال العام في قلب نظرية التحديث وتطور المجتمعات، وهو ما أعطانا إلهاما حول كيف يمكن لأدوات التحديث أو بالأحرى منتجاتها (والتي يمثل الترام أحدها) أن تتفاعل في المجال العام لمدينة القاهرة.
أراد مؤلفو هذا الكتاب ألا يكون الترام شاهداً فقط على تطور الحياة في 120 عاما من عمر القاهرة، بل كيف كان الترام فاعلاً مؤثراً في كثير من جوانب حياة المصريين منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى بداية القرن الواحد والعشرين. وتساءلوا عن كيف يمكن أن نرى المجتمع القاهري من نافذة الترام؟ وكيف تفاعل المجتمع بكل مكوناته مع تلك الآلة؟ فمن خلال وضع الترام محوراً للبحث عن تلك العلاقات والتفاعلات والتصورات الاجتماعية التي شهدتها القاهرة، وخلال فترة طواف الترام على شوارع وأحيائها، يمكن أن نرى التطور المستمر والمتسارعة للحداثة، والتي في جوهرها عملية تغيير مستمر في المفاهيم والتصورات، فيصير المتطور تقليدياً، ويتحول السريع إلى بطيء.
إنها تلك الحداثة التي تستبيح شوارع القاهرة أمام الترام ليتجول كيف يشاء، هي ذاتها التي ضاقت به ذرعا واستبدلته بآلات أخرى، استولت منه ليس فقط على شوارع القاهرة، ولكن أيضاً عن تصور “الترام” كعنصر تحديثي، فأضحى وسيلة قديمة يجب التخلص منها. إن الترام ينقلنا بين مفاهيم التقليدي والحداثة، وأن سؤال “الترام والمجتمع” يعكس تلك الطبيعة السائلة للمجتمع الحديث، بل يعكس تلك السيولة الحداثية ذاتها، وتنوعاتها.
وأحد جوانب هذا التنوع تمثل في تناول الباحثين أنفسهم إلى الترام، فبينما اعتبره البعض جزءاً من المجال العام للقاهرة أثر في وعي المصريين لذاتهم وبيئتهم – كما في ورقة “حسام جاد” وورقة “نوران أحمد” و”أمنية عمر”، ليس فقط على مستوى عامة الناس، ولكن أيضاً على مستوى المثقفين والأدباء – كما في ورقة “ياسمين طارق”. ورأى بعضنا أن الترام فاعلاً يحاول الاستيلاء على المجال العام وإعادة تشكيل هياكله – كما في ورقة “تامر نادي”، وكيف قاومه الناس وتصدوا لشروطه المفروضة عليهم وتمييزه الطبقي – كما في ورقة “ولاء قطب”. فيما كان رأت “إيمان عفيفي” أنه ليس بمجال كامل، بل عتبة بين الأماكن، لكنه في الوقت ذاته كان قادراً على إنتاج الفعل وممارسته.
في جانب آخر من حياة الترام، يمكننا فهم سجال “الترام والمجتمع” من خلال التنوع المفاهيمي لدلالة المجال العام، فبينما تناقش ورقة “حسام جاد” كيف جعل الترام من ميدان العتبة الخضراء مجالاً مادياً مركزيًا يربط بين قاهرتين، القاهرة الإسلامية القديمة والقاهرة الخديوية الحديثة، نجد أن ورقة “نوران أحمد” و”أمنية عمر” تنظر في بناء هذا المجال في المخيال الاجتماعي والثقافي لسكان أحياء القاهرة الشعبية وضواحيها، عامة الناس الذين يعتبرون الشارع والحي مجالا خاصة بهم، وكيف نظروا إلى الترام على أنه يخترق تلك المساحة من حياتهم – بقضبانه وعرباته، بينما رآه البعض الآخر مجالاً عاماً وساحة لممارسة الفعل الاجتماعي والسياسي والتغيير – ورقة “ولاء قطب”؛ أو كما في ورقة “تامر نادي” التي تناقش مدلول “التزويغ” كتعبير عن رفض مستخدمي الترام للمجال العام الذي احتكره الترام نفسه.
وتشير فكرة الاستحواذ على المجال إلى الطرق المختلفة التي حاول بها الناس استيعاب التقنيات وتركيبها في أمور الحياة اليومية، كيف أصبح الترام معتاداً في الخطاب والأفعال اليومية، كيف استخدم الترام باعتباره وسيلة ملائمة لفئات محددة، وكيف اعتبره البعض شيء خاص بهم. في جانب نقدي تأصيلي تطرح ورقة “إيمان عفيفي” مفهوم المجال الحدي أو العتبى، وهي ترى أنه رغم محدودية المجال في الترام، إلا أن الناس كانوا قادرين على إنتاج أشكال من السلوك والتعبير عن المشاعر بصور قد لا تتبادر إلى الذهن وجوده في مجال انتقالي محدود. ولم يكن ذلك عند الفئات الدنيا من ركاب الترام، بل كما تخبرنا “ياسمين طارق” أن الترام كان أشد تأثيراً على الأدباء والمثقفين المصريين، وكيف تعكس الأعمال الأدبية مكانة ترام القاهرة عند الأدباء، وتختار لنا نموذجين عملاقين – نجيب محفوظ وبهاء طاهر، إذ تقدم قراءة إثنوغرافية عن انطباعات الكتاب وتأويلاتهم لذلك المجال، الاستخدامات الرمزية للترام في قصصهم.
وإذا كان الكتاب يبدأ بإنشاء الترام كونه اختيار النخبة الحاكمة في سياق تطوير مدينة القاهرة وتضخمها، فإنه يختتم أوراقه أيضاً بإزالته بقرار السلطة في إطار استمرار هذا التطوير، وتتساءل “أميرة موسى” عن سبب اعتماد إزالة الترام كمقاربة لتطوير القاهرة بدلا من إعادة الاستخدام للاستفادة منه؟ وتقارن ذلك بعدد من التجارب الناجحة في هذه الشأن.
في النهاية نعرب عن شكرنا إلى زملائنا الباحثين في أرشيف شبراً على مجهودهم ومثابرتهم لإخراج هذا العمل في أفضل صورة ممكنة، صبرهم وتقبلهم لملاحظات المحررين. كما نتوجه بالشكر إلى كل الزميلتين مني نجم ومريم رجب، اللتان تشاركتا معنا في هذا الكتاب، وجهودهما في المشروع ككل. ولا ننسي الصديق حسين الحاج المحرر والمترجم البارع، على تعبه منعا أولاً في ترجمة الأوراق التي كتبت بالإنجليزية، وثانياً في مشاركته في القراءة والمراجعة للمسودات الختامية. كما نتوجه بالشكر إلى الأستاذ رجائي موسى مدير دار هن للنشر على صبره معنا وتعبه في إخراج هذا الكتاب إلي النور. ونخص بالذكر الدكتورة حنان سبع، لدعمها المتواصل لنا وتشجيعها لأفكارنا باستمرار.
كما نتوجه بالشكر إلى المشاركين معنا في مشروع توثيق الترام ومرحلة العمل الميداني، أسماء عادل، بسمة حسين، عبده سعيد، عبد الرحمن التلياوي، مريم ياسر، مروة زهدي، منى يسري، نيرة شلبي، يسرا خليل.
وكذلك خالص الامتنان إلى المحاضرين الأفاضل الذين شاركونا من علمهم ومعارفهم في المرحلة الأولي من المشروع، د. عماد أبو غازي، د. هالة بيومي، د. إيمون كريل، د. جيتان دو روي، د. سامية قدري، فرح حلابة، محمد يحي، مينا عادل جيد، منة الله هنداوي، ناريمان مصطفى، نهال حسين، نيرة عبد الرحمن، وعلي أركادي.
وأخيراً، نضع بين يدي القارئ العزيز سبعة أوراق، في أول إصدار بحثي لمركز سرد للتاريخ والأبحاث الاجتماعية (أرشيف شبرا)، تحاول استعادة الروح وإنعاش الذاكرة المصرية، من خلال تجربة لتوثيق وأرشفة ترام القاهرة، كتبها مجموعة من الباحثين الشغوفين بالتاريخ الشعبي والأرشفة وتشارك المعرفة. فرغم اختلاف اهتماماتنا وخلفياتنا البحثية والأكاديمية، فقد جمعتنا الرغبة في التعلم والبحث وزيادة الوعي، ومقاومة النسيان، كما جمعنا حب القاهرة وناسها، بكل من تضمه من تاريخ وتغيرات وأحداث، وبكل ما تثيره من أفكار ومشاعر وذكريات.
خـــــريــف 2022
بـرلـــيــن & القـــــــاهـــــــرة
مـيــنـا إبراهــــيم وتامــــر نــادي