مؤتمر “الاستغلال الغربي لقضية الإويغور في الصين” بمركز الدراسات الآسيوية والصينية ببيروت
أقام مركز الدراسات الآسيوية والصينية في العاصمة اللبنانية بيروت مؤتمراً افتراضياً بعنوان: “هل تهتم الدول الغربية بحقوق الإنسان في شينغيانغ؟ ما هي خلفيات الحملة الغربية ضد الصين؟”، وذلك يوم السبت الموافق ٥ حزيران / يونيو ٢٠٢١.
وناقش المتحدثون واقع إقليم شينجيانغ والسكان المسلمين فيه وأهداف الحملة الغربية وبخاصة الأميركية ضد الصين والمزاعم بشأن إبادة المسلمين في الإقليم.
ترأست المؤتمر وأدارت جلساته د. نادية حلمي وهي أستاذ مساعد العلوم السياسية في كلية السياسة والإقتصاد – جامعة بنى سويف، مصر وخبيرة في الشؤون السياسية الصينية والآسيوية ومحاضرة وباحثة زائرة في مركز دراسات الشرق الأوسط/ جامعة لوند في السويد ومديرة وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا، وعضو ملتقى الخبراء والباحثين العرب في الشؤون الصينية.
افتتحت المؤتمر الإعلامية الأردنية الفلسطينية فاتن سليمان بكلمة رحبت بالمتحدثين والمشاركين.
العميد إلياس فرحات
بداية تحدث العميد المتقاعد في الجيش اللبناني إلياس فرحات، وهو باحث في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، وقال فرحات إن الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تميزت بهجوم شديد على الصين والتحذير من صعود الاقتصاد الصيني ومن التقدم التكنولوجي للصين والتخوف من ان تصبح الصين في غضون سنوات قليلة أول اقتصاد في العالم. وأضاف: كانت الدولة العميقة في الولايات المتحدة (المخابرات، الخارجية، الدفاع، القطاع الصناعي، المصارف، الاعلام) تؤيد تماماً موقف الرئيس ترامب الذي لم يتأخر واتخذ اجراءات حرب تجارية ضد الصين وفرض رسوماً جمركية كبيرة على المنتجات الصينية، كما شن حرباً تكنولوجية ومالية ضد شركة هواوي للاتصالات وحد من انتشار منتجاتها في الولايات المتحدة وخصوصا “جي5”.
وأشار العميد فرحات إلى أنه في السبعينات من القرن الماضي زار الرئيس الأميركي نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر الصين واجتمعا الى القائد التاريخي ماو تسي تونغ في وقت كانت العلاقات الصينية السوفياتية متوترة. عقدت الولايات المتحدة شبه اتفاق استراتيجي مع الصين وبدأت هذه الأخيرة بالانفتاح الاقتصادي ولم تنخرط بالأزمات الدولية خصوصاً بعد نهاية حرب فيتنام. انصرفت الصين في الخمسين سنة الماضية الى تطوير اقتصادها ورفع المستوى المعيشي للشعب الصيني وكرست موازناتها للتنمية.
وأضاف أنه اذا كانت الولايات المتحدة تعتبر ان الخلاف مع الصين اقتصادي وتجاري، فهي لم ترد بالتجارة والتكنولوجيا، بل انتقلت الى السياسة وحركت اجهزتها السياسية والامنية والاعلامية لمهاجمة الصين وتشويه صورتها. وكان أول موضوع تتخذ الولايات المتحدة منه ذريعة هو الحريات وخصوصاً حرية الأقليات الدينية، وتحديدا الأويغور في اقليم تشينجيانغ. ابدت الولايات المتحدة حرصها على هذه الاقلية الاسلامية وابدت حرصها على احترام الدين الاسلامي في الصين. وللمفارقة وفي الوقت نفسه، لم تكترث الولايات المتحدة للابادة التي حصلت في ميانمار لمسلمي الروهينغا وحصدت مقتل الالافوتهجير مئات الالاف من منازلهم واستمرت بدعم النظام الذي ارتكب تلك المجازر. وبالامس القريب دعمت الولايات المتحدة اسرائيل اما بالتجاهل او بغض النظر عن الاجراءات الاسرائيلية ضد مقدسات المسلمين في مدينة القدس لا سيما المسجد الاقصى ولم تكترث لحملات القوات الامنية الاسرائيلية والمستوطنين لاخلاء حي الشيخ جراح من سكانه العرب واحلال مستوطنين مكانهم .
في الصين تدافع الولايات المتحدة عن مسلمين ضد جرائم مزعومة وغير موجودة، بينما تتغاضى عن جرائم واضحة ضد الاسلام والمسلمين في فلسطين وميانمار.
ناهيك عن حملات القمع التي تقوم بها الشرطة الاميركية في معظم الولايات المتحدة ضد رجال ونساء من الاقلية السوداء والتي بلغت ذروتها عندما خنق شرطي ابيض المواطن الاسود جورج فلويد حتى الموت وظهر ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي وتسبب بانتفاضة السود في جميع انحاء البلاد ضد الاجراءات العنصرية للشرطة الاميركية .
وتابع فرحات: انعكس هذا الجو على اول لقاء اميركي صيني تعقده ادارة الرئيس بايدن اذ بدأ وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن خطابه المفترض ان يكون ترحيبيا بالوفد الصيني على ارض اميركية في مدينة انكوراج في ولاية الاسكا، بالهجوم على الصين واتهمها بقمع اقلية الايغور وسكان هونغ كونغ وشن حرب سيبرانية ضد الولايات المتحدة. لكن رد مسؤول السياسة الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني يانغ جيشي كان عنيفا، رفض فيه الاتهامات الاميركية واتهم الولايات المتحدة بقمع الاقلية السوداء. تعمد وسائل اعلام اميركية واخرى عالمية تدور في فلك السياسة الاميركية الى شن حملة تشويه منظمة ضد الصين ومعاملة اقلية الايغور المسلمين. في الوقت نفسه قامت الحكومة الصينية باجراءات اقتصادية اجتماعية ادت الى خلق وظائف ذوات مدخول جيد لسكان تشينجيانغ وأسست مصانع ومنشآت اخرى وعززت الزراعات على انواعها واحرزت تقدما ملموسا في اقتصاد الاقليم . واهم انجاز كان انشاء مدارس مهنية تعلم الشباب على مهن مطلوبة في سوق العمل في الاقليم. منذ عام 2017 لم يسجل اي خلل امني في الاقليم . كما نفذت السلطات الصينية برنامج الغاء الفكر المتطرف وتعلم في هذا البرنامج القوانين والانظمة واللغة الصينية وممارسة الشعائر الدينية بطريقة معتدلة. كما جرى تدريب على الحياة في المدن وتعقيداتها المختلفة عن الحياة الريفية التي يعيشها معظم سكان الإقليم، وابعاد الشباب الصيني عن الافكار المتطرفة التي تدعو الى العنف وتنتشر بين المسلمين في جميع انحاء العالم بما فيها الولايات المتحدة الاميركية والدول الاوروبية والتي سجل فيها انتماء اعداد كبيرة الى تنظيمات القاعدة وداعش وانخرطوا في اعمال ارهابية في سوريا والعراق ومناطق عديدة في العالم. قبل عام 2017 شن الانفصاليون الايغور المتشددون دينيا نحو مائة هجوم ارهابي ضد قوات الشرطة والمواطنين، وذلك بتأثير واضح من الولايات المتحدة والدول الغربية التي حرضت المتشددين الاسلاميين على محاربة دولهم ومجتمعاتهم كما فعلوا في العراق وسوريا.
أوضح فرحات قائلاً: استقبلت السلطات الصينية العديد من الوفود الاعلامية الاجنبية وجالوا في مناطق الاقليم وسمح لهم بالتحدث على انفراد مع الشباب في الاقليم ونشروا مقالات في صحفهم اوضحوا فيها حقيقة الوضع في الاقليم المغاير لما تشيعه وسائل اعلام ترتبط باجهزة سياسية وامنية غربية واميركية . ورغم لك فرضت دول غربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا عقوبات على شخصيات وشركات صينية .
ولعل ابرز دليل على حقيقة نوايا الولايات المتحدة والغرب هو ما قاله الكولونيل لورنس ويلكونسون مدير مكتب وزير الخارجية السابق كولن باول في خطاب في مؤسسة رون بول حيث أقر بخطط الولايات المتحدة لزعزعة استقرار اقليم تشينجانغ ونقل عنه انه قال: “اذا استعملت الولايات المتحدة العشرين مليون من الايغور في شن عمليات مشابهة للعمليات التي شنها اردوغان ضد نظام الاسد في سوريا فإن ذلك يكون افضل طريقة لمساعدة الايغور في طرد الصينيين من اثنية الهان من الداخل الصيني .”
وخلص فرحات إلى أن السيناريوات التي استخدمت ضد سوريا كانت مرشحة للاستخدام ضد الصين وخلق جو من التوتر الامني وعدم الاستقرار. الامر نفسه يحصل في هونغ كونغ حيث تمول وكالة الاستخبارات المركزية ومؤسسات حكومية اخرى مجموعات للقيام باضرابات وتظاهرات والتسبب بعد استقرار هونغ كونغ. بشكل عام هناك اختلاف في رؤية العلاقات الخارجية بين الولايات المتحدة والصين. تتبع الولايات المتحدة اسلوب الهيمنة السياسية والاقتصادية والانتشار العسكري لحماية مصالحها من دون ان تتطلع الى مصالح الدول الاخرى فيما تقوم علاقات الصين مع الدول الخارجية على قاعدة رابح رابح. كل الاعمال التجارية والمشاريع الصناعية التي تنفذها الصين تهدف الى ربح مشترك بينها وبين الدول الاجنبية . الصين تعرضت في تاريخها للاحتلال المغولي كما تعرضت في التاريخ المعاصر لاحتلال ياباني وبريطاني واميركي وفرنسي. لكن سجل ان الصين وهي قوة كبيرة لم تحتل بلداً آخر وتستعمره كما فعلت الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
“شبح آسيا: الصين والغرب والإسلام
الأستاذ الجامعي والباحث السوري الدكتور عقيل محفوض تحدث في ورقته بعنوان “شبح آسيا: الصين والغرب والإسلام: التحدي والإستجابة”، حيث قال إن أصل المشكلة بين الصين والولايات المتحدة، هو أن الأخيرة تخشى من تأثير الصين المتزايد في العالم، ليس لجهة النزاع على قيادة نظام عالمي متأزم، وإنما لجهة أن الصين أخذت تمثل رؤية مختلفة للعالم، ومنوالاً للتنمية والأمن والاستقرار من خارج المنظور الأميركي أو الغربي أو الليبرالي. ذلك أن العالم اليوم أمام “مقاربة صينية لحل المشكلات التي تواجه البشرية”. بتعبير الرئيس الصيني شي جين بينغ
وأضاف محفوض: ما تحاوله الولايات المتحدة هو “إعادة إنتاج” سياسات الاحتواء الأميركية السابقة حيال الاتحاد السوفياتي، بالنظر إلى الصين بوصفها مصدر تهديد يجب التعاطي معه، بدراسة مصادر السلوك أو مصادر القوة، ونقاط الضعف، والسبل الممكنة للتغلب عليه. بكل ما يعنيه ذلك من “شيطنة” الخصم، وإجهاده بأزمات ومشكلات في الداخل والخارج، وتجفيف مصادر قوته، وشن حرب رمزية وثقافية وإعلامية وقيمية ضده، والأهم هو “عولمة السياسة” حياله و”عولمة العداء” له، أي جعل العالم يتعامل مع الخصم بوصفه مصدر تهديد له (العالم) أيضاً.
الحزام والطريق
ورأى الدكتور محفوض أن تقدم “مبادرة الحزام والطريق” سوف يجعل تدفق السلع والأفراد والأفكار أكثر سيولة، وسوف يتغير مسار التفاعلات الاقتصادية والتجارية في جزء كبير من العالم، ولهذا منعكس اجتماعي وثقافي وتنموي واسع النطاق، والأهم أن كل ذلك –كما سبقت الإشارة- غير محكوم باشتراطات سياسية تثقل كاهل المجتمعات والدول المشمولة. هذا تطور ثوري في نظم التفاعلات العالمية، يضع نظام الهيمنة الرأسمالي أو الليبرالي أمام تحديات غير مسبوقة.
أما ما يخص شينجيانغ، فالصين تقرأ اهتمام الولايات المتحدة بالإقليم، باعتباره جزءاً من سياسات الاحتواء، وبؤرة احتدام وخلخلة داخلية، وصولاً إل محاولة جعله “موطئ قدم” أميركية أو بؤرة استنزاف يمكن لولايات المتحدة من خلالها أن تضرب الصين، وتسيء لصورتها وقوتها وتماسكها الداخلي.
وتابع: لا يغيب عن القارئ، تأثير المدارك والخبرة التاريخية لدى الصين حيال سياسة الولايات المتحدة ضد خصومها، مثل: تجرية “الجهاد الأفغاني” ضد السوفيات، وتفكك السوفياتي نفسه، الحرب السورية؛ وثمة بالطبع العديد من الأحداث والخبرات المرجعية والأطر الإرشادية التي تلعب دوراً في تأطير وتحديد وتعيين سياسة بيجين في إقليم شينجيانع. من ذلك مثلاً، أن شريحة في إقليم شينجيانغ، تقع تحت تأثير إيديولوجيا مناهضة، “تتمثل” أو “تستبطن” –بالمعنى السيكولوجي والقيمي- ما يريده مناهضو الصين وخاصة واشنطن، أي يتبنون ايديولوجيا مناهضة للدولة المركزية: ايديولوجيا دينية أو جهادية تكفيرية على غرار تنظيم القاعدة في أفغانستان وسورية والعراق الخ، وعرقية ذات طابع انفصالي، و”ليبرالية” بمعنى أنها مناهضة للشيوعية الصينية.
“الجهاد الصيني“
ورأى محفوض أن الحديث عن “الجهاد الصيني” هو استعارة معدلة لتعبير “الجهاد الأفغاني”، بمعنى أن الجهاديين الإيغور ورقة تتهيأ واشنطن لتحريكها ضد بكين، كما تحركها ضد دمشق، مثلما كان الجهاديون الأفغان ورقة واشنطن ضد الاتحاد السوفياتي. ما تحاوله واشنطن هو احتواء او إعاقة مبادرة “الحزام والطريق”، بمحاولة تفجير أزمة في إقليم شينجيانغ، وبالطبع تفجير أزمات ونزاعات أخرى على طريق “طريق الحرير”، أو الاستثمار فيها أو إعادة تحريكها.
وقال إن التفاعلات الاقتصادية والاستثمارية الصينية مع باكستان وإيران ودول الخليج العربية وغيرها، هي من المؤشرات الدالة على أن لا مشكلة مع الدين أو العرق أو القومية الخ وليس لدى الصين مقاربة محض دينية أو مقاربة خاصة بالإسلام –بما هو دين وقيم روحية- لما يجري في إقليم شينجيانغ، إنما هي مقاربة تحرص على ألا يكون الدين أو الظاهرة الدينية عامل تفجير وتأزيم في الإقليم أو في علاقات الصين الدولية.
وخلص إلى أن الأمر يتطلب من الصين خلق استجابات مركبة وبما أمكن من الفعالية من خلال الاستمرار في خط التنمية الداخلية، والتفاعلات الدولية، ومباشرة دور عالمي يتناسب مع إمكانات الصين ورؤيتها. وقال: إذا واصلت الولايات المتحدة سياسات الاحتواء تجاه الصين، فمن المفترض بالأخيرة تقابل ذلك بنوع من “الاحتواء المعكوس”، كذلك مراجعة مدارك التهديد-الفرصة، وإعادة قراءة السياسات والاستراتيجيات، وتقدير السيناريوهات المحتملة في المواجهة بين الصين والولايات المتحدة، على جبهات ومستويات عديدة: جنوب شرق آسيا، التجارة، التكنولوجيا، الأمن السيبراني، سباق التسلح، الحرب الثقافية والإعلامية، تفجير مناطق توتر في الأطراف أو الجوار، والتطويق بالأزمات والخصوم والأعداء.
سياسات الصين في إقليم شينغيانغ:
لقراءة المداخلة كاملة: “السياسات الإيجابية للصين في إقليم شينغيانغ”
قالت د. نادية حلمي في ورقتها بعنوان “السياسات الإيجابية للصين في إقليم شينغيانغ” إن إقليم “شينجيانغ” الصيني قفز في السنوات الأخيرة إلى قمة الإهتمامات الإقليمية والدولية لعوامل يمكن أن يكون سببها الأساس موقع الإقليم الإستراتيجي وثقله النفطي، مع اعتماد الصين سياسات تنموية فريدة وإتباع خطط وبرامج مدروسة على مدار سنوات طويلة لتنمية الإقليم وتطويره.
وأضافات أن القيادة السياسية في الصين تهتم إهتماماً كبيراً بقضية التنمية في الإقليم للتخلص من التطرف والعنف والإنفصالية بإعتبارها (الشرور الثلاث) في الإقليم، وفقاً للتأكيد الدائم للرئيس الصيني شي جينبينغ في معظم خطاباته السياسية.
وينتسب مسلمو الصين وعددهم نحو 24 مليوناً وفق أرقام العام 2009، وقد يصل إلى 30 مليوناً بحسب إحصائيات أخرى، إلى عشر قوميات أقلية من أصل الـ56 قومية التي تتكون منها الصين، وقد نجحوا في بناء مؤسسات لهم تعتمد على المساجد (نحو الأربعين ألف مسجد)، والمدارس والأضرحة، والتي تعد بمثابة شبكات تؤمن لهم الإستمرارية والبقاء والتماسك.
ويتمتع إقليم شينجيانغ بمزايا جيوبولتيكية عديدة منها: الموقع الإستراتيجي الذي كان يمر به طريق الحرير الذي يربط بين الصين وبلاد العالم القديم والدولة البيزنطية، وفي الوقت ذاته يعتبر إقليم شينجيانغ بمثابة منطقة عبور للأنابيب التي تنقل النفط الصيني الى الخارج، بالإضافة إلى أن الأقليم يختزن العديد من الموارد الاقتصادية كالنفط والغاز الطبيعي والفحم واليورانيوم وغيرها. ويعتبر الخبراء إقليم شينجيانغ عصب الإقتصاد الصيني وعصب صناعتها الثقيلة والعسكرية وأيضاً مخزون للصواريخ البالستية النووية الصينية.
ونجد أن أكبر قومية من قوميات المسلمين في الصين هي (قومية الأويغور)، إلى جانب تسع قوميات أخرى تدين بالإسلام.
وتابعت حلمي قائلة إن الصين قد شهدت خلال السنوات الأخيرة عدداً من أعمال العنف والتوترات التي وصفتها بكين بأنها أعمال إرهابية. ونتيجة لذلك، قام الحزب الشيوعي الحاكم في الصين باتخاذ بعض التدابير الإحترازية لتحقيق الإستقرار والسيطرة على إقليم شينجيانغ، خاصةً مع إعلان “حركة تركستان الإرهابية الإنفصالية” التي تتخذ من الإقليم موطناً لها عن مسؤوليتها عن تنفيذ تلك الهجمات الإرهابية ضد بعض الأهداف داخل الصين، وإتباعها لنهج جديد لضرب بعض مصالح الصين وإستهداف شركاتها ومصانعها وإستثماراتها وسفاراتها ومواطنيها في الخارج. وما تم توثيقه مؤخراً بالصور والفيديوهات من تجنيد الآلآف من شباب “الأويغور” المسلمين من شينجيانغ في تنظيم “داعش” الإرهابي في العراق وسوريا وكذلك مع الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا، يؤكد صحة هذه التهديدات وخطرها على أمن الصين. وقد شهد إقليم شينجيانغ ما بين عامي 2008 و2013 أكثر من 21 حادثة عنف كبيرة بينها خطف للطائرات وهجوم بالسكاكين وتفجيرات إنتحارية. في المقابل هرب بعض الأويغور إلى بلاد أخرى أو التحقوا بجماعات متشددة تنتشر حول العالم.
كما شهدت منطقة “أورومتشي” عاصمة إقليم شينجيانغ عام 2009، وبكين عام 2013، ومناطق كونمينغ وأورومتشي عام 2014، عمليات إرهابية. وفي الفترة من عام 1990 حتى نهاية 2016 خططت الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تتخذ من شينجيانغ مركزاً لها لآلآف العمليات الإرهابية من تفجيرات وإغتيالات، كما لقى عدد من الأبرياء في ذلك الإقليم مصرعهم جراء هذه العمليات.
سياسات الحكومة للقضاء على الإرهاب في شينجيانغ
وأضافت الدكتورة حلمي: عمل الحزب الشيوعي الصيني وفقاً للدستور على المطالبة بضرورة توفير معاملة أفضل للأقليات، وإتبع عدداً من السياسات المنهجية لإستيعاب “عرقية الأويغور” في “شينجيانغ”، من خلال إتباع الآليات والخطط الآتية:
1- تأسيس الحزب ما يسمى بـــ ـ“فرق الإنتاج والبناء فى إقليم شينجيانغ”: كسياسة قديمة له لحماية الإقليم، والتي خصصت من خلالها الحكومة المركزية في بكين ومنظمات الحزب الشيوعي أكثر من مائة ألف من العسكريين لإستصلاح وزراعة المناطق الحدودية على إقليم شينجيانغ، وبالتالى تحويلهم من قوة عسكرية إلى قوة مدنية. وهي بذلك تحقق هدفين في آن واحد، هما:
أ– الهدف الأول: التواجد العسكري وتحقيق الأمن لإقليم “شينجيانغ“
ب– الهدف الثاني: هدف إقتصادي، يتمثل في تنمية الإقليم مع إحكام السيطرة على شينجيانغ في الوقت ذاته وتنميتها مواردها الإقتصادية والمعيشية ذاتياً.
2- إنشاء وتأسيس العديد من المساجد والمنظمات والجمعيات الإسلامية المعتدلة فكرياً تحت إشراف الدولة في الصين: ومن الجمعيات التى أُسست في الصين لتحقيق هذا الغرض هي “جمعية الدين الإسلامي في الصين” في مدينة شنغهاي، و”جمعية الثقافة الإسلامية الصينية” في مدينة قويلين بمنطقة قوانغشي. وبعد تأسيس الدولة الصينية الحديثة، تم توحيد كل الجمعيات الإسلامية فى شكل جمعية صينية إسلامية (رسمية) أطلق عليها “الجمعية الإسلامية الصينية”، وأنشئ العديد من الأفرع لهذه الجمعية في العديد من المقاطعات والمدن الصينية. وكان للجمعية دور بارز في تكوين جسر من التواصل بين المسلمين من مختلف القوميات والحزب الحاكم وقيادات الدولة، وإستفادت الحكومة الصينية من تحقيق تواصل عبر قنوات رسمية وغير رسمية بين الجمعية ودول بلدان منظمة التعاون الإسلامي لإحداث مزيد من التقارب بين الصين ودول العالم الإسلامي.
وما يثير الدهشة والإعجاب هو عدد المساجد في الصين التي يبلغ عددها حوالى 42 ألف مسجد منتشرة في عموم الصين، وأن (رابطة علماء المسلمين الصينيين) تضم أكثر من خمسين ألف إمام.
مراكز التعليم والتدريب المهني
أوضحت حلمي أن الحكومة الصينية اتخذت سلسلة من الإجراءات الفعالة في شينجيانغ وفقاً للقانون، بما فيها إنشاء مراكز التعليم والتدريب المهني، وذلك من أجل مكافحة الإرهاب والتطرف. وتمكن معظم المتدربين من الحصول على عمل ودخل مستقرين وتتحسن مستويات معيشة أسرهم تحسّناً ملحوظاً من خلال تعلم اللغة الصينية الوطنية والمعرفة القانونية والمهارات المهنية في المراكز. فقد جاء الرد الصيني الرسمي على تنامي أعمال التطرف والعنف في “شينجيانغ” بعمل مراكز “لإعادة تأهيل بعض سكان شينجيانغ” مع عمل برامج متكاملة لهم، الأمر الذي نجحت فيه الحكومة بشدة، حيث أننا لم نعد نسمع خلال السنوات الأخيرة عن وقوع أي عملية إرهابية في إقليم “شينجيانغ” مع إعتراف واشنطن والغرب رسمياً بنجاح الصين فى القضاء على الإرهاب داخل الإقليم. ولكن توالت الإتهامات الغربية والأميركية للصين من خلال توصيف واشنطن والغرب لتلك المراكز بأنها “معسكرات إعتقال” بينما تسميها الصين بأنها “مراكز للتدريب والتأهيل وإعادة دمج مواطني وسكان إقليم شينجيانغ” في حضن الوطن الأم.
وإستفاد عدد كبير من الفقراء من سياسات المساعدة الحكومية المختلفة للحصول على وظائف مناسبة والتخلص من الفقر. وفي عام 2020، حقق الناتج الإجمالي المحلي لشينجيانغ نمواً بمقدار 3.4% في ظل السيطرة الفعالة على وباء (كوفيد-19). وتم تخليص أكثر من ثلاثة ملايين فقير في “شينجيانغ” من الفقر بموجب المعايير الحالية، وتم حل مشكلة الفقر المدقع لأول مرة في تاريخ المنطقة.
كما عملت الحكومة الصينية بكل جهدها على محاربة الإرهاب والتطرف وحماية الشباب من خلال إقامة مشاريع كبيرة وخاصة في القرى الفقيرة في الإقليم، حيث إشتركت الحكومات المحلية في 19 مقاطعة وبلدية صينية، من بينها: (بكين، وشنغهاى، وقوانغدونغ، وتشينغ يانغ، ولياونينغ) في التعهد “بتنسيق المساعدات” لدعم المشروعات الخاصة بتعزيز تنمية الزراعة، والصناعة، والتكنولوجيا، والتعليم، والخدمات الصحية في المنطقة.
وتم تخصيص إستثمارات ضخمة في شينجيانغ تتراوح قيمتها بين 120 ملياراً و140 مليار يوان فى بناء طرق عامة بطول 68 ألف كيلومتر، تم الإنتهاء منها فعلياً في فترة الخطة الخمسية الثانية عشرة بين عامي 2011 / 2015. كما عملت حكومة إدارة الإقليم على بناء ستة مطارات أخرى في “شينجيانغ” خلال فترة الخطة الخمسية الـــ12 فى الفترة من (2011-2015) ليصل مجموع المطارات هناك إلى 22 مطاراً.
وفي السنوات الأخيرة، نما إقتصاد شينجيانغ بشكل مستقر، وتحسنت معيشة السكان بشكل ملحوظ”، وتمت حماية الثقافة التقليدية الممتازة للأقليات القومية وتوريثها، وتم حل مشكلة الفقر المدقع تاريخياً. وفي الفترة من عام 2014 إلى عام 2019، إرتفع (الناتج المحلى الإجمالي لشينجيانغ) من 919.59 مليار يوان صينى إلى 1359.71 مليار يوان، بمتوسط نمو سنوى قدره 7.2%، وزاد نصيب الفرد من الدخل المتاح لسكان “شينجيانغ” بنسبة 9.1% سنوياً.
وحرصت الحكومة الصينية على إستغلال الموارد الطبيعية التي يتمتع بها إقليم “شينجيانغ”، والإستثمار في مصادر التعدين وسد الفجوة في المستوى الإقتصادي بين سكان الإقليم وغيره من المدن الشرقية الأخرى. ذلك من خلال وضع عدد من الخطط التنموية، من بينها “مشروع التنمية الغربي. فقد تم إعتماد خطة طويلة الأمد فى يونيو 1999 والذي يشتمل على إنشاء شبكة طرق ومطارات وعدد من أنابيب الغاز الطبيعي التي تربط الإقليم بإقليم شنغهاي، حيث تصل المسافة إلى حوالي 500 ميل، وتقديم عدد من المنح والميزات لجماعة الأويغور في “شينجيانغ”: وتمثلت هذه الميزات في الحصول على فرص العمل وفرص الوصول إلى المناصب السياسية في الإقليم.
ونجحت خطة الحكومة الصينية في زيادة عدد خطوط السكك الحديدية للإسراع من وتيرة التنمية فى “شينجيانغ” وربطها بكافة مقاطعات الصين الأخرى: وتم البدء في تعديلات بخطوط قطارات الركاب المتجهة لمنطقة شينجيانغ إبتداءاً من 30 ديسمبر 2019، بحيث سيتم رفع كفاءة 3 قطارات الركاب المسافرة لشينجيانغ لتحسين مستوى التشغيل واختصار وقت السفر بشكل كبير. وتم إضافة 8 قطارات ركاب جديدة لمنطقة شينجيانغ، وتم تحسين وتطوير بعض قطارات الركاب المتواجدة في شينجيانغ لضبط أقسام التشغيل والتوقف والمواقيت.
وتعد تنمية قطاع السكك الحديدية نقطة إنطلاق للتنمية الإقتصادية فى إقليم “شينغيانغ”، فهي ليست مجرد وسيلة مناسبة لربط الموارد السياحية في المنطقة، بل إنها أيضاً الخيار الأفضل لتقليل تكاليف النقل والوقت بين الوجهتين. وقامت “شينجيانغ” بمد خط سكة حديد يمتد من الشرق إلى الغرب، ويربط بين شمال وجنوب شينجيانغ، ويربط بين آسيا وأوروبا. ومع التنمية التي شهدتها البنية التحتية لمنطقة “شينجيانغ” خاصةً في السنوات الأخيرة، نفذت (هيئة شينجيانغ للسكك الحديدية) ما يقرب من 20 مشروعاً للسكك الحديدية.
الدعاية الكاذبة للولايات المتحدة ضد الصين
ثم تحدث الأستاذ الجامعي والباحث للبناني في الشؤون الاستراتيجية لدكتور طارق عبود، في ورقة بعنوان: “قضية الإيغور”.. الدعاية الكاذبة للولايات المتحدة ضد الصين”، حيث قال إن قضية الإيغور، أو مسألة إقليم شينغيانغ قد شغلت مساحة واسعة في الإعلام والسياسة، ولا سيّما في الغرب، وقد بدت رائحة الاستثمار السياسي تفوح من الحملة التي تتعرّض لها الصين، من جهة الركيز على مسالة حقوق الإنسان والحريات وما شاكل. فما هي قضية الإيغور؟
وقام بالتعريف بلمحة سريعة عن إقليم شينجيانغ الذي يعتبر من أكثر المناطق الحيويّة لدى الصين حيث له حُدود مع دُول مُختلفة. ويخترق الإقليم “طريق الحرير القديم” والذي يحسبُ أحد الأسباب التي أدّت إلى انتشار الإسلام في المنطقة. والإقليم منطقة غنيّة بالموارد الطبيعية كالبترول -حيث يُحسب ثاني أكبر إقليم مُنتِج للنفط في الصين- وهو غنيّ أيضًا بالغاز الطبيعي والفحم والرصاص والنحاس والزنك وخامات اليورانيوم، وتعتمد الصين على هذا الإقليم بشكل مُباشر في مدّها بمصادر الطاقة، ومن بين الصناعات المُنتشرة في الإقليم تكرير النفط وصناعة السكر والصلب والكيماويات والإسمنت والمنسوجات.
أضاف عبود: منذ أن أعلنت الولايات المتحدة قبل سنوات عديدة عزمها على التوجه نحو آسيا، بدأت الحملة الإعلامية الأميركية خصوصًا، والغربية عمومًا، عملها الدؤوب ضد الجمهورية الشيوعية. هكذا، بدأت تبرز أكثر فأكثر العديد من الأخبار المتعلقة بالشؤون الصينية كالصراعات في بحر الصين الجنوبي، والخلاف مع تايوان، والتظاهرات في هونغ كونغ (نالت حصة وافرة من التغطية الإعلامية المستفيضة، ففتحت أمامها ساعات البث المباشر أيامًا متواصلة). هذا التركيز جعل الصين مادة يومية على القنوات التلفزيونية، وفي الصحف والمواقع الإلكترونية الأميركية والغربية لانتقاد سياسات الصين الداخلية والخارجية، ولتوجيه اهتمام الرأي العام المحلي والعالمي نحو قضايا بعينها، تمامًا كما تقترح نظرية ترتيب الأولويات. إذ يختار القائمون على وسائل الإعلام بعض الموضوعات التي يتم التركيز عليها بشدة والتحكم في طبيعتها ومحتواها.
وتابع عبود: إذًا، تتعرض الصين إلى حملة إعلامية شرسة تصل إلى حد مقاطعتها والدعوة إلى كراهيتها، زاعمة أنها تقمع المسلمين الإيغور في اقليم شينجيانغ وتضطهدهم. ليس غريبًا ومستغربًا أن تلجأ الدول الغربية إلى هذا الأسلوب لثني الصين عن تقدمها وتطورها. فهي ليست المرة الأولى التي تستغل فيها هذه الدول قضية مسلمي الإيغور للضغط على الصين لتغيير مواقفها إزاء قضية معينة.ومن ناحية أخرى تحاول الولايات المتحدة الأميركية إلهاء الصين بمشاكل داخلية كمحاولتها زعزعة الاستقرار في هونغ كونغ.
الاستثمار في الإرهاب
ورأى عبود أن الاستثمار في الحركات المتطرفة الإسلامية من قبل الولايات المتحدة الأميركية شكّل مساحة مهمة في المعركة التي تخوضها واشنطن ضد خصومها السياسيين أو في مقابل أعدائها، كان ذلك جليًا منذ العام 1979 عندما وظّفت واشنطن الحركات الأصولية الإسلامية ودعمتها وموّلتها لمحاربة الاتحاد السوفياتي عند احتلاله أفغانستان أواخر سبيعينات القرن العشرين. وسلكت واشنطن وحلفاؤها المسار نفسه في مرحلة ما سُمّي بـ”الربيع العربي”، عندما دعمت هذه الحركات من أجل إسقاط الأنظمة العربية التي لم تعمل تحت جناحها، فعملت على تجميع الأفراد من عدد كبير من الدول الأوروبية والآسيوية وحتى الإفريقية، ووظفتهم لخدمة مشروعها في سوريا وليبيا والصومال واليمن، وفي العراق وبخاصة بعد الغزو الأميركي – الغربي له وتدمير بنية الدولة فيه في العام 2003، وزرع نبتة الفتنة السنّية الشيعية فيه، ومنها توسّعت نحو المنطقة بأكملها.
وأضاف: السلوك نفسه تتبعه اليوم واشنطن لمعاقبة الصين والحد من تقدّمها وازدهارها الذي يهدّد التفوق الأميركي، عبر استخدام ورقة المسلمين الإيغور في إقليم شينجيانغ، وادعائها مناصرة حقوقهم، والدفاع عنهم، وهي تقود منذ أكثر من عامين حملة شعواء تشهّر بجمهورية الصين الشعبية، وتتهمها بالتمييز العنصري، ومحاربة الأقليات، ويتماشى معها الإعلام الغربي في أوروبا وبريطانيا. وهي المجموعة نفسها التي دمّرت الدول الإسلامية وعملت على خرابها، في العراق وسوريا وليبيا والصومال ولبنان واليمن، وحاصرت إيران، ولكنها تغضّ النظر عن ممارسة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وتهجير المقدسيين والاستيلاء على منازلهم حينًا، وهدمها وتفجيرها حينًا آخر، وهي في كل فترة تشنّ حربًا مدمّرة على الفلسطينيين في قطاع غزة، وتدمّر المنازل فوق رؤؤس ساكنيها، ولم نرَ حميّة الغرب تثور تعاطفًا مع مسلمي فلسطين، وهيذا الغرب نفسه، دّعي أنه يناصر المسلمين في الصين، على خلفية خطاب فئوي طائفي تحريضي وعنصري، متناسياً أن المسلمين في الصين لديهم الحرية في ممارسة طقوسهم الدينية، وفي بناء المساجد ودور العبادة. ولكنّ الصين تعمل على حماية نفسها من الحركات الإرهابية التي غذّتها واشنطن نفسها في سوريا وغيرها من المنظمات الإرهابية، القاعدة وداعش وأخواتهما.
وتابع أن من المنظمات التي سطع نجمها في السنوات العشر الأخيرة، ما سُمّي بحركة شرق تركستان الإسلامية التي ينضوي فيها إيغوريون، وتدعو إلى إنشاء دولة إسلامية مستقلة في شينجيانغ أو “تركستان الشرقية” كما يسميها هؤلاء. بايعت هذه الحركة تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وتم تصنيفها من قبل الأمم المتحدة في العام 2002 على أنها منظمة إرهابية. وقامت هذه المنظمة بأعمال إرهابية في العديد من المناطق الصينية بلغت منذ العام 1990 حتى 2014 أكثر من 200 عملية إرهابية، وأدت إلى مقتل وجرح العديد من السكان الصينيين.
في أواخر العام 2012 ، بدأت طلائع من الجهاديين الإيغور تصل إلى سوريا، وتنضم إلى تنظيم داعش وجبهة النصرة. وبعد ذلك أسس الإيغور في سوريا في العام 2014 الحزب الاسلامي التركستاني، وبقي قسم من الإيغور في تنظيم داعش ووجهوا في العام 2017 عبر شريط فيديو بعنوان “أولئك هم الصادقون” تهديدًا إلى الصين “بسفك الدماء كالأنهار”. فكان السؤال الواضح هو: هل تقف الصين مكتوفة الأيدي، بعد التهديد الواضح من قبل هذه الجماعة الإرهابية، بانتظار أن يعود الإيغور من سوريا إلى الصين لتنفيذ هجمات إرهابية ونشر التطرف في اقليم شينجيانغ؟ أصبحت الصين بالفعل هدفاً في بلدان مثل باكستان، حيث هوجِمَت قنصليتها وكان مواطنون صينيون، من بينهم مسؤولون حكوميون ورجال أعمال بارزون، عرضة للهجمات والاختطاف من أجل الحصول على فدية. كذلك كان المواطنون الصينيون ضحايا لأحداث إرهابية أخرى في أفريقيا أيضًا، حيث هاجمت جماعات مرتبطة بتنظيمَي “الدولة الإسلاميّة” (داعش) و”القاعدة” أهدافاً سهلة وضعيفة من بينها فنادق. وهي كلها حوادث إرهابية تعرضت لها الصين – مصالحها ومواطنوها – في أنحاء متفرقة عبر العالم، مع عدم تغطية وتسليط وسائل الإعلام الضوء عليها.
الاستغلال الغربي لقضية الأويغور في الصين
تحدث الباحث اللبناني حسن صعب في ورقته بعنوان “بعنوان أقليّة الأويغور في الصين بين الواقع والاستثمار الغربي”، وقال إنه منذ سنوات، تتبادل الصين والدول الغربية الاتهامات حول أقليّة الأويغور، التي تعيش في أقصى شمال غرب الصين، في إقليم يُسمّى شينغيانغ ، والتي يُزعم بأنها تتعرض لعمليات «إبادة ممنهجة»، بحسب مواقف قادة أميركيين وأوروبيين ووسائل إعلام غربية، فيما يؤكد المسؤولون الصينيون على كذب هذه الادعاءات، وعلى “اندماج طوعي وكامل لمسلمي الأويغور في المجتمع الصيني”، ما عدا بعض «المجموعات المتطرفة» التي تعمل الدولة الصينية على مكافحتها لحماية الأمن القومي للبلاد.
وأضاف أنه على الرغم من مضيّ عقود على سيادة الدولة الصينية على إقليم شينغيانغ، ووجود المسلمين في الإقليم ومناطق أخرى من الصين، إلا أن وسائل الإعلام الغربية، والموجّهة من جهات أو مؤسسات رسمية غالباً، بدأت بإثارة قضية الأويغور فقط منذ سنوات عدة، ولغايات سياسية بالدرجة الأولى. وقد تكررت المزاعم الغربية منذ العام 2009 وحتى اليوم. ففي 5 يوليو 2009 اشتعلت اضطرابات عرقية في أورومتشي، عاصمة إقليم شينغيانغ ، بين الأويغور وقومية الهان، وأسفرت عن سقوط أكثر من 150 قتيلاً و816 جريحاً. وعلى خلفية هذه الأحداث، تشكو فئات من الأويغور من تدفق المهاجرين من عرقية الهان إلى الإقليم، ما من شأنه طمس ثقافة الأويغور، إضافة إلى تقليل فرصهم في العمل والتعليم. ويدّعي بعض ممثّلي الأويغور أن إتنية الهان الصينية تهيمن على الحياة السياسية والاقتصادية في الإقليم.
وقد انخرط بعض الأويغور في حركات انفصالية متطرفة، والتي قامت بتنفيذ عمليات إرهابية ضد مدنيين في الصين عموماً، وفي شينغيانغ خصوصاً. وقد شهد عام 2012 تنفيذ أكثر من 190 هجوماً إرهابياً في شينغيانغ ، وفق ما ذكرت وسائل الإعلام. في السنوات الأخيرة، وبعد سلسلة من الاعتداءات الدامية، اتخذت السلطات تدابير جذرية ونشرت كاميرات وحواجز أمنية وأجهزة كشف المعادن وأخذت بيانات بيومترية. ووضعت الصين آلاف الأشخاص من الأويغور في مراكز للتدريب المهني للتصدي للتطرف الإسلامي. وقد أعلن نائب رئيس شينغيانغ، وهو من الأويغور، أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن أي هجوم إرهابي لم يُسجّل في المنطقة منذ ثلاث سنوات، في ما يُعدّ نجاحاً لسياسة الحكومة الصينية في دمج وتأهيل السكان المسلمين.
في المقابل ، تحدث العديد من السياسيين ووسائل الإعلام المؤثّرة في الدول الغربية عن القضايا المتعلقة بمسلمي شينغيانغ، مستخدمين وسائل مختلفة لتوجيه اتهامات زائفة، مثل الزعم بـ”إنشاء الصين معسكرات إعادة التعليم واحتجاز الملايين من مسلمي الأويغور”، وفرض”العمل القسري” عليهم، وحتى شنّ “الإبادة الثقافية” ضدّهم.
لقد أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في بداية مارس/آذار الماضي، وثيقة «التوجيه الاستراتيجي المؤقت لاستراتيجية الأمن القومي»، والتي تتضمن توجهات الإدارة الجديدة لوكالات الأمن القومي حتى تتمكن من العمل على مواجهة التحديات العالمية. وأشارت الوثيقة، في ضوء تفصيلها للتحديات الصينية، أن الولايات المتحدة ينبغي أن “تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، بما في ذلك في هونغ كونغ وشينجيانغ والتيبت”، في استغلال واضح لهذه المزاعم ضد الصين.
واللافت أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي اتهم الصين بقمع وإبادة المسلمين في شينغيانغ، وفرض عقوبات على كيانات ومسؤولين صينيين، هو من حرّض أتباعه على الهجوم على الكونغرس واحتلاله في سياق رفضه لنتائج الانتخابات الرئاسية التي هُزم فيها، وفي فضيحة جديدة للديمقراطية الأميركية التي لم يحترمها الرئيس نفسه؛ فيما تقوم الشرطة الأميركية على الدوام بقمع وقتل مواطنين من السود، فقط بسبب بشرتهم، في تمييز عنصري يذكّر بقرون من العبودية التي عرفها أجداد هؤلاء المواطنين الذين خُطفوا من أفريقيا ونُقلوا إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وقد رفض المسؤولون الصينيون الاتهامات الغربية بوجود معسكرات اعتقال أو حملات إبادة جماعية منظّمة للأويغور المسلمين، أو عمليات اغتصاب وقتل خارج القانون، أو احتجاز لحرية الأفراد الأويغور، أو تنفيذ خطط قسرية لإلغاء هوية الأويغور وتذويبهم في المجتمع الصيني. وأكد هؤلاء المسؤولون على أن كل تلك الاتهامات مسيّسة، وأنها تهدف لكبح جماح تقدم الصين عالمياً في مواجهة النفوذ الغربي الآخذ في الأفول.
وخلص صعب إلى أن عدد وحجم الحوادث العنيفة الأخيرة في شينغيانغ كان الأعلى بين كل الأقاليم الصينية حيث استغلّت جماعات متطرفة الأوضاع لتجنيد انفصاليين إرهابيين وتحريضهم على تنفيذ عمليات إرهابية في الصين وخارجها، و”الهجرة” إلى أفغانستان وسوريا والعراق للالتحاق بتنظيمي القاعدة وداعش والحزب الإسلامي التركستاني، والتدرّب والقتال هناك، على أمل العودة إلى الصين للقتال ضد الدولة الصينية. وقد ساعد ازدهار المدارس الإسلامية السرية في السنوات الماضية الجماعات الدينية المتطرفة على حشد المقاتلين لتنفيذ عمليات إرهابية عنيفة ضد الدولة والمواطنين في الصين. وفي هذا الإطار، يمكن التوقف عند مقالة مهمة للباحث التشيكي أندريه فلتشيك، وهو مؤرّخ وصحافي استقصائي وروائي، حول قضية الأويغور، والتي يكشف فيها عن الأهداف الحقيقية وراء الحملة الغربية ضد الصين بشأن مسلمي الأويغور في شينغيانغ، والتي تُختصر بتخريب مشروع طريق الحرير (الصيني)، بواسطة المقاتلين الأويغور الذين قد يعودون (أو تتم إعادتهم) إلى شينجيانغ بعد هزيمة الجماعات الإرهابية في سوريا، تحت يافطة الكفاح من أجل نيل «بلدهم» الاستقلال الكامل عن الصين. ويؤكد الكاتب أن الغرض الحقيقي من العبث الغربي بموضوع الأويغور هو سعي الولايات المتحدة الشرس للاحتفاظ بالهيمنة العالمية، وتجنّب تقاسم النفوذ مع بلدان أخرى أكثر إنسانية، مثل الصين.