دونالد ترامب ورغبته في تكريس السياسة الخارجية الإمبراطورية
د.محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية
نافلة القول، وبالنظر إلى السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة ترامب خلال ولايته الثانية، يمكننا تحديد بعض السمات الأساسية التي قد تشكل ملامح سياسته في السياق الإمبراطوري، وذلك من خلال العديدة المرتكزات. أولها، يتضح أن ترامب كان دائما يؤمن بفكرة “أمريكا أولا”، بحيث يميل إلى فرض سياسات اقتصادية تهدف إلى تعزيز مصالح الولايات المتحدة على حساب الدول الأخرى. وبالفعل، أظهر ترامب سياسته الخارجية الاقاصادية من خلال اتباع سياسة الحواجز التجارية، مثل فرض الرسوم الجمركية على الدول التي يعتبرها منافسة أو تهدد الاقتصاد الأمريكي، مثل الصين والدول الأوروبية وأمريكا اللاتينية… كما عزز من استخدام العقوبات الاقتصادية كأداة للضغط على الدول التي ترفض الانصياع للمصالح الأمريكية.
وثانيا، على الرغم من نزوع ترامب إلى تقليص بعض الالتزامات العسكرية الأمريكية في مناطق معينة (مثل سحب القوات من بعض الدول)، إلا أن الولايات المتحدة تحت قيادته قد تظل تسعى إلى إبراز قوتها العسكرية في مناطق ذات أهمية استراتيجية؛ فترامب ربما سيواصل تعزيز حضور القوات الأمريكية في مناطق مثل البحر الأحمر والخليج العربي وآسيا، مع التأكيد على حماية المصالح الأمريكية والتصدي للتحديات من قوى مثل الصين وروسيا وإيران.
ثالثا، يمكن أن نلاحظ أيضا أن ترامب تبنى سياسة أحادية الجانب تركز على حماية المصالح الوطنية دون الالتزام باتفاقات دولية شاملة، على سبيل المثال، انسحب من اتفاقيات مثل “اتفاق باريس للمناخ” و”الاتفاق النووي مع إيران” والمنظمة الصحة العالمية، وهذا يفيد أن التوجه ترامب يسير نحو تقليل الالتزامات الدولية والاعتماد على القوة الذاتية. كما يمكنه تبني سياسة عدم الانخراط في التنظيمات متعددة الأطراف إذا اعتقد أن ذلك يتعارض مع المصالح الأمريكية.
وهذا بالإضافة، فترامب قد يواصل تبني سياسة تحالفات انتقائية تقوم على تحقيق المكاسب الأمريكية المباشرة، لا سيما مع دول ذات مصالح مشتركة مثل إسرائيل والسعودية، في حين يواصل التشكيك في التزام الولايات المتحدة بالحلفاء التقليديين في أوروبا، مثل حلف الناتو. هذه السياسة قد تتضمن مراجعة أو إعادة تقييم الاتفاقات الأمنية والدفاعية، وتوجيه اللوم إلى حلفاء مثل ألمانيا أو اليابان لعدم تحمل عبء الأمن بالقدر الكافي.
من المتوقع أن تركز سياسة ترامب على تحقيق التفوق الأمريكي في المجالات الاقتصادية والعسكرية دون الالتزام بتوسيع النفوذ الأمريكي في مناطق بعيدة عن مصالح الولايات المتحدة المباشرة. قد تكون هناك توجهات لتقليص التدخلات العسكرية أو حتى تقليص المشاركة في بعض الصراعات العالمية إذا لم تُعتبر مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة.
وختاما، إن السياسة الخارجية في ولاية ترامب الثانية قد تركز على استراتيجيات تحقيق الهيمنة من خلال الاستقلالية الاقتصادية والعسكرية. وبهذا، من المرجح أن تستمر الولايات المتحدة في التركيز على ضمان مصالحها الخاصة، مع تقليص الالتزامات الدولية والتقليدية، وهو ما يعكس سياسة إمبريالية تُعظم من أهمية القوة الذاتية والتأثير الأمريكي على الصعيد العالمي.