مستقبل التسويق السياسي في ظل التطور التكنولوجي والإعلامي .. “زمن اللايقين”
تامر نادي
إن مسارات السياسة العالمية اليوم شديدة التغير، يطلق البعض على وقتنا الحاضر (زمن اللايقين)، فالعديد من الدول تواجه تحديات دورية، وخلال العقد الماضي شهدنا تراجعاً ملحوظاً في استقرار الدول، ليس في محيطنا العربي فقط، ولكن في العالم كله. والوضع العالمي يتغير باستمرار وبسرعة تحت وطأة عوامل مختلفة، مثل التغير المناخي، وحركة السكان والهجرات، التقدم التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، وإعادة تموضع الدول الكبرى في ترتيب ميزان القوة العالمي.
من الناحية الإعلامية، أصبح من السهل التواصل بين مجموعات مختلفة من الناس بصورة أكبر، وسرعة فائقة لانتشار المعلومات ما يؤثر على رضا الناس، وبالتالي على مواقفهم وسلوكهم. ومن المؤكد أن استدامة الاستقرار يتطلب الحكم والإدارة الرشيدين على جميع المستويات.
في الوقت الذي اعترف الغرب فيه أن نموذج (الديمقراطية الليبرالية الغربية) يواجه تحدياً متزايداً ومشكلات هيكلية، ويقولون إن (الديمقراطية في حالة إعادة نظر)، إذ أن تطور الإعلام ووسائل الاتصال تشتت (القوة) بعيداً عن يد الحكومات، أصبح صعود التكنولوجيا الرقمية أداة للتأثير على الأفكار والقيم السياسية، فضلاً عن برامج وخطط صانع القرار.
التطور الاتصالي وتغير المجتمعات:
إن استمرار ظهور أشكال جديدة من وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي سوف يكون له تأثير اجتماعي كبير، وقد يؤدي إلى مزيد من الاختلافات السياسية بين قطاع من الشعب. لنفكر قليلاً في عملية تغير الأفكار والتي يتبعها إعادة تشكيل وتشويه القيم والثوابت المجتمعية. لنفكر قليلا في أدوار الفيسبوك، تيك توك، ……إلخ. ولنفكر أيضاً في انتشار أفكار الرذيلة والشذوذ والإلحاد، وكيف يمكن أن يتم ترويج هذه الأفكار من خارج البلاد وتستهدف عقول الشباب؟! وكيف تدار الإخفاقات السياسية لتعميق جذور الصراعات داخل المجتمع؟! كل ذلك يتم في الخفاء عن طريق الإعلام ووسائل التواصل واللعب على تغيير الوعي، تغريب الوعي، تغييب الوعي.
من خلال السوشيال ميديا.. حدث تحول شديد في المناخ السياسي، وعلى الكيانات السياسية أن تحاول التكيف مع هذه البيئة المتغيرة. عليها أن تدرك أين حدث التغير؟ في توقعات الشعب، أم قضايا الأمة، أم الانتماء والمواطنة، أم العمل السياسي والممارسات، أم النقد والتقييم.
وفيما يتعلق بالأحزاب سياسية.. يجب عليها أن تجب عن أسئلة مهمة مثل: ما مسارات العمل التي سوف تشهد تغيراً؟ هل في البرلمان، أم وظيفة الأحزاب وهياكلها، أم ظهور سياسة المواطن جديدة. ماذا عن أحزاب الانترنت والميول السياسية للأجيال الجديدة؟
في الواقع، تقدم دراسات حديثة للإعلام مقترحات للاستعداد للمستقل وتصميم السياسات واستراتيجيات التنمية السياسية الوطنية المستقبلية التي ستقود السياسة في اتجاه مرغوب فيه، وتلافي تأثير تغيب الوعي.
الإعلام والوضع السياسي:
إن ثقة المواطن في السياسة المؤسسية حساسة جداً للوضع السياسي، كما هو الحال مع الانتخابات: عندما يكرر السياسيون نفس الخطاب دون مردود على الواقع، تنخفض ثقة المواطنين بسبب مشاكل الحياة. كما أن الثقة في الحكومة تتغير باستمرار مع الأزمات والأحداث والتطورات اليومية.
لذا فأي خطة إعلامية أو جهد إعلامي لكيان سياسي يجب أن يأخذ في الاعتبار بناء وعي المواطن، ولا سيما مكافحة الفوضى التي أحدثتها مواثق التواصل، وتطبيق القوانين وإنفاذها في المجتمع، فضلاً عن محاربة الفساد وتعزيز القيم.
ومن الضروري تحديد الحدود الفاصلة بين الحريات الخاصة، والمساحات المفتوحة للمشاركة، وأن يسيرا جنباً إلى جنب في النظام السياسي مستقر.
إعلام المستقبل والأوضاع السياسية:
ما الذي سيتغير في ممارسة الإعلام؟ يمكن إدراك أن هناك العديد من الأمور التي بات من اليقين أنها في تغير مستمر، مثل: –
– المزيد من قنوات الوصول إلى المعلومات، والتواصل مع الناس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
– وصول الناس إلى البرلمان أو الحكومة من خلال وسائل الإعلام، وتقديم مقترحات ورفع المطالب.
– تواصل الناس مع الأحزاب السياسية “أحزاب شعبية” أكثر استجابة لاحتياجات أو مطالب أكثر تنوعاً.
– التدقيق في ممارسة السلطة بشكل أكبر، لأن الشعب سيشارك عبر وسائل الإعلام في عملية مراقبة لحظية.
– ظهور جيل جديد من السياسيين في المستقبل يستهدفون جذب انتباه الناخبين الأصغر سنا (جيلZ وجيل ألفا).
– الإعلام الجديد يتيح التواصل الواسع مع الناس، ومزيد من مشاركة الناس، سيتم مراقبة ونقد الحكومة بشكل أكبر.
الإعلام الجديد والأحزاب السياسية:
ما الذي سيتغير في الانتخابات؟ ستغير شخصية المرشح، الحملات الانتخابية، طبيعة قضايا الحملة، وكلها تؤثر على اختيار المرشح.
في برنامج الحزب؟ ستتغير القضايا الاجتماعية: الحملات سوف تركيز على القضايا الاجتماعية، ونظم الأعراف وصراع القيم.
في سياسة الأحزاب؟ سوف نشهد أحزابا سياسية تأخذ في الاعتبار مواقع مع أو ضد قضايا (التغريب) الشذوذ والمساواة بين الجنسين والمساواة الدينية. وسيكون هناك أحزاب ذات دوافع أيديولوجية من الجيل الجديد.
في إدارة الأحزاب؟ سوف تستخدم الأحزاب السياسية التكنولوجيا للتواصل بشكل أكبر مع الأعضاء، والجمهور، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو التطبيقات، وبالتالي تغير طبيعة الجماهير ومن يدعم الحزب.
ومن المهم استثمار الحزب في رأس المال السياسي، بمعني تنويع أشكال التواصل مع الناس، واستراتيجيات وأنظمة التسويق السياسي، الدعم النفس السياسي للعمل من أجل تحقيق المزيد من القبول بين مجموعات مختلفة من الناس.
الأعلام الجديد وسياسة المواطن:
قديماً.. كانت سياسة السياسيين أقوى من سياسة المواطن، لكن بدأت موازين القوة تتغير. وفيما هو قادم سيكون المستقبل السياسي لمن يهتم أكثر بدمج الشباب في العمل، ومن يستخدم التكنولوجيا لممارسة السياسة. من المؤكد أنه حدثت زيادة في حضور المواطن والتعبير السياسي العام من خلال قنوات الاتصال الجديدة. ويتوقع حدوث صراعات سياسية بين مختلف الأعمار، وبين آراء دخيلة عن الناس تتأتى ممن أعمارهم أصغر سناً، أي مزيد من الاختلافات في آراء الناس في القطاعات المختلفة.
ستكون اهتمامات الناس السياسية نحو اللامركزية المحلية (المدن) بصورة أكبر، منها عن السياسة الوطنية، لذلك سيكون التحرك سياسياً من خلال المجتمعات المحلية والدوائر الأصغر أكثر فائدة. وكلما حشدت الأحزاب نحو العمل التطوعي، زاد الاهتمام بالحزب وسياساته، أو ما سمي بـ(السياسة المجتمعية) من خلال التشاركية، والمجتمع الأهلي، الانفتاح على الناس في المجتمع نفسه.
لقد بدأنا نلاحظ قدرة أكبر الناس العاديين في التأثير على صياغة السياسات، ويدفعون بمطالبهم ويعبرون عنها بصورة أكبر، وتأثيرهم على صنع القرار السياسي بشكل أكبر. وعلى المدى الطويل، وبسبب التقدم التكنولوجي، فإن السياق الاجتماعي يتغير بشكل كبير، سوف تتغير قيم الناس، ونشهد المواطنين الرقمية، والمراقبة من خلال التواصل الاجتماعي. وسوف تعزز التكنولوجيا المتقدمة المزيد من الشبكات الجماعية، وتدفع نحو (اللامركزية المباشرة للمجتمع، والديمقراطية المباشرة).
إذا لم نفهم (أنظمة العلاقات الاجتماعية) الجديدة في عصر السباق التكنولوجي، فسوف يدير الناس سياساتهم متجاهلين الكيانات السياسية، وسيقدمون نماذج جديدة من السياسة والسياسيين. ويظهر هذا التغير من خلال عمليات مثل الدعم الانتخابي الإيجابي أو السلبي ( مثل التجاهل أو التربص أو التصويت العقابي، والنقد، أو تشويه السمعة) وهذه الأمور ستضع المزيد من الضغط على الأحزاب السياسية الشعبية في المستقبل.
عوامل مهمة للتغييرات السياسية المستقبلية:
تواجه سياسة المستقبل تحدياً من خلال العديد من التغيرات، بما في ذلك تأثير العولمة والرأسمالية والنيوليبرالية، وتغيرات في قيم الناس، والمعايير الأخلاقية، وأدوات التكنولوجية، وطبيعة السلطة وطرق تداولها، والتواصل بطرق جديدة، وحتى التغيرات البيئية. هذه كلها عوامل مهمة تدفع التغيير السياسي (القوى الدافعة).
ويمكن ملاحظة أن التطورات التكنولوجية الجديدة تجعل الناس أكثر قدرة على الوصول إلى المعلومات. والدليل على ذلك، نمو التعليم غير الرسمي، ومصادر المعرفة المفتوحة، وظهرت معايير وقواعد عالمية جديدة لتداول المعلومات.
بالإضافة إلى ذلك، ظهرت أُسس جديدة لممارسات العمل السياسي الدولي. كل هذه العوامل تؤثر على الوضع السياسي في داخل الدول، وبالتالي ترفع من توقعات مخاطر العواقب المستقبلية، ولا سيما اخفاق الحكومات، والفساد في السلطة، وأزمات الصراع السياسي، ونمط إدارة الموارد؛ لذا يجب على المؤسسات والكيانات السياسية أن تتعلم وتتكيف للتعامل مع المخاطر الجديدة والظروف غير المؤكدة (زمن عدم اليقين) الناتجة عن تغير القوى الدافعة.