الرئيسية / العلاقات الدولية / التفاعلات الدولية / مستقبل العلاقات العراقية التركية
مستقبل-العلاقات-العراقية-التركية

مستقبل العلاقات العراقية التركية

مستقبل العلاقات العراقية التركية

محمد علي الطائي

الباحث السياسي  \محمد علي الطائي  

                                                                                                                   

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

 {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}  صدق الله العظيم  [سورة الحجرات الآية:13]

المحتويات

   1. المُقَدّمَة 1-3
2. المبحث الأول

العلاقات العراقية التركية (لمحة تاريخية)

4-16
3. المطلب الأول : العلاقات العراقية التركية قبل عام 2014 4-10
4. المطلب الثاني : العلاقات العراقية التركية بعد عام 2014 11-16
   5. المبحث الثاني

القضايا المؤثرة في العلاقات العراقية التركية

17 -28
    6.  المطلب الاول: القضية المياه 17-22
 7. المطلب الثاني: القضية الكردية 23-28
 8.                المبحث الثالث  مستقبل العلاقات العراقية التركية 29-37
 9. مطلب الاول : انعكاسات القضايا المؤثرة بين الدولتين 29-32
 10. مطلب الثاني: سيناريوهات المستقبلية للعلاقات العراقية التركية 33-37
11. الخاتمة 38
 12. قائمة المصادر 39-42

 

 المقدمة

اتسمت طبيعة العلاقات العراقية التركية كدولتين حديثتين نتاج تفكك الدولة العثمانية، وتأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك في عام 1923، وبعد الانتهاء الانتداب البريطاني على العراق  ولحين اعلان العراق دولة مستقلة، و تم قبوله عضوا في عصبة الامم في عام 1932، اتسمت العلاقات بالتحسب والحذر، وذلك لعدة عوامل تاريخية وجيوسياسية، واستمرت العلاقات بين الطرفين بين شد وجذب، الا ان الاستمرارية النسبية قائمة على المصلحة هي الطابع الاساس لهذا العلاقة، والتي فيها ثوابت اساسية تتعلق بمشكلات دائمة ومهمة للدولتين، مثل مشكلة الكردية، ومشكلة المياه، والمصالح الاقتصادية، الا ان هذه العلاقات تتأثر بما يطرأ عليها  من متغيرات  جديدة، بعد عام 2003، و جاء سقوط  النظام السياسي العراقي من قبل الغزو الامريكي، ومع صعود حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان في تركيا صاحب النزعة الاسلامية العصرية ، حدثت انعطافه ايجابية في العلاقات بين العراق وتركيا، و هذا الامر حسن نوع العلاقات بين الدولتين، ادى الى رفع مستوى التجارة، و لاسيما ان الدولتين يشتركان في حدود المشتركة، وكذلك تربطهما قضايا هامة مثل قضية المياه، وقضية الاكراد، والتركمان، وقضية نقل النفط، وعلى الرغم من وجود تلك القضايا المؤثرة في العلاقات بين الدولتين، تحرص تركيا في الاغلب على التعاون مع الحكومة العراقية، لوصول الى افضل العلاقات على مستوى الحكومة المركزية في بغداد وعلى مستوى إقليم شمال ( كردستان) العراق، نتيجة لحاجة المتبادلة بين الدولتين، فيما يخص العراق تشكل تركيا مدخلا حيويا لوارداته  التجارية، ودخول مختلف انواع البضائع والسلع الى اسواقه، من جهة  اخرى، يعتبره سوقا لتصدير نفطه عبر الاراضي التركية بواسطة  خطوط الانابيب، و التي تمر داخلها وصولا الى المؤانى التركية، و ان العلاقات الجيدة مع كليهما  تكون ذات مردودات ومكاسب ايجابية، وعلى الرغم  من اهمية العراق بالنسبة لتركيا ؛ يؤشر الميزان التجاري لحجم التبادل التجاري ويكون تفوقا واضحا لتركيا، وفي عام 2013، وبحسب  الاحصائيات بلغت الصادرات التركية الى العراق حوالي 11.9مليار دولار، وفي عام 2014، انخفضت الصادرات التركية الى العراق بنسبة 8.9%، بسبب دخول متغيرات جديدة الا وهي ظهور فاعلين جدد (الارهاب ” داعش”)، وسيطرته على اجزاء واسعة من العراق، وفي عام 2015، كان بدءا لدخول القواعد التركي الى العراق، واصبح موضوع يؤثر في العلاقات بين الدولتين، و بعدما ادركت تركيا ان هذا امر يؤثر على امنها القومي، ومن خلال ذلك نجد اليوم ان قواعدها العسكرية  التركي  لازالت الحاضر حتى الآن في شمال العراق، وتهدف من خلالها ضمان امنها وحاجتها  لتأمين للنفط والغاز كمصادر رئيسة، وتعزيز نموها الاقتصادي، الامر الذي دفعها الى لانغماس في الشأن العراقي، ولاسيما ان تركيا كان تنتهج سياسة عكسية تجاه العراق، فإذا شهدت علاقتها مع الحكومة المركز توترا ؛ فإن علاقاتها مع الاقليم ستشهد تحسنا والعكس صحيح، مما يتيح لها الحصول على اكبر قدر من مكاسب ومنافع، فعلى الرغم من رفضها الشديد لإقامة دولة كردية في شمال العراق، والوقوف ضد الاستفتاء الكردي في عام 2017، الان العلاقات بقت قائمة، فضلا عن ان قضية المياه التي تستخدمها تركيا كورقة ضغط في الاوقات الازمات اتجاه العراق، واستخدامها كمقايضة، وتهدف من سياساتها تلك تحقيق المكاسب سياسية، واقتصادية، واخيرا يمكن القول ان هناك سيناريوهات مستقبلية يركز عليها معرفة مسار العلاقات العراقية التركية، وفي نهاية هذه سيناريوهات لابد الاشارة الى ان كل السيناريوهات المختلفة سيؤدي الى تغيير طبيعة العلاقات العراقية التركية.

اولا : أهمية البحث :

تتمحور اهمية البحث حول معرفة مدى ترابط العلاقات العراقية التركية  تاريخيا وسياسيا واقتصاديا وامنيا، ولكونهما دولتين متجاورتين تربطهما المصالح المشتركة، والحدود المشتركة ، وعلى الرغم من وجود العديد من ملفات المؤثرة في العلاقة، والتي تحكمها عوامل عدة تتراوح مرت بين التعاون تارة، وتارة اخرى على الصراع.

ثانيا : مشكلة البحث: 

تنطلق مشكلة البحث في طبيعة مسار العلاقات العراقية التركية  في ظل وجود متغيرات جديدة  والتي تنعكس على طبيعة العلاقات بين الدولتين ومستقبلها؟ ويتفرع عن هذا  السؤال عدة تساؤلات تتمثل بالآتي:

1-كيف كان طبيعة مسار العلاقات العراقية التركية من عام 2003 حتى عام 2024؟

2-ما هي اهم القضايا المؤثرة على مسار العلاقات بين الدولتين وماهي انعكاساتها؟

2-ماهي الاتجاهات المستقبلية للعلاقات العراقية التركية؟

ثالثا : فرضية البحث:

تشير فرضية البحث الى افتراض اساسي مفاده : ان هناك تطور من الممكن قد يحدث في مسار العلاقات العراقية التركية، وذلك بفعل محاولة حل القضايا العالقة، فضلاً عن ان هناك تطور في حجم التبادل التجاري والتي بدوره ينعكس على مستقبل العلاقات بين الدولتين في ضوء المتغيرات القائمة.

رابعا: هدف البحث :

يهدف البحث الى معرفة طبيعة مسار العلاقات العراقية التركية في ظل وجود بعض القضايا المؤثرة بين الدولتين، والتي تنعكس بدورها على جوانب كثيرة اقتصاديا، وسياسيا، وامنيا، ومعرفة نقاط القوة والضعف لدولتين من خلال معرفة مسارات الواقع الاقتصادي كلا الدولتين مع الاحاطة بالمشكلات الاقتصادية والتي بدورها تحدها  مسار العلاقات للطرفين وبيان اهم سيناريوهات المعرفة تطورها حتى عام 2024.

خامسا: منهجية البحث:

اعتمد البحث على عده مناهج أبرزها المنهج التاريخي وذلك من خلال الاستخدام الادوات المنهج التاريخي، وتــــم استخدام المنهج الوصفي الذي يتناسب مع موضوع البحث اذ يعتمد على وصف الواقع الاقتصادي بدقة وفي ضوء معطيات البحث، وتــم الاعتماد على المنهج الاستشرافي المستقبلي وذلك لإعطاء سيناريوهات المستقبلية للعلاقات العراقية التركية.

خامساً: هيكلية البحث:

تم تقسيم البحث الى ثلاثة مباحث وتحت كل مبحث مطالب وكما يأتي :

– المبحث الاول: سنتعرض فيه طبيعة العلاقات العراقية التركية، ويقع تحته مطلبان: أولاً، العلاقات العراقية التركية قبل عام 2014،  والثاني: العلاقات العراقية التركية بعد عام 2014.

-المبحث الثاني: سنتعرض فيه القضايا المؤثرة في العلاقات العراقية التركية، ويقع تحته مطلبان: أولاً، قضية المياه، والثاني: قضية الكردية.

– المبحث الثالث: سنتعرض فيه الرؤية المستقبلية للعلاقات العراقية التركية، ويقع تحته مطلبان: أولاً، انعكاسات القضايا المؤثرة بين الدولتين. والثاني: سيناريوهات المستقبلية للعلاقات العراقية التركية.

– ثم خاتمة البحث.

 

المبحث الاول:  العلاقات العراقية التركية (لمحة تاريخية)

بدأت العلاقات الثنائية الى مجمل العلاقات التفاعل التي يمكن أن تقوم بين دولتين جارتين جغرافيا، وتاريخيا وهما مرتكزات ثابتان لدى الطرفين،  وقد تكون بين  تلك الطرفين تفاعلات ذات طبيعة: سياسية، والاقتصادية والامنية والثقافية، و شأنها شان العلاقات دولية، ولاسيما انها تجسد السياسية الدولية من علاقات تفاعل سياسي اقتصادي أمني تنطوي على تلك العلاقات نمطا من التعاون، والتي  تؤدي بدورها إلى تلاقي مصالح بين الدولتين، وآخر الصراع بسبب الاختلاف المصالح، وتضارب الاهداف بينهما، وعليه ومن خلال هذا المبحث سوف يتضح لنا مسار الاحداث وطبيعة العلاقات بين الدولتين الجارتين هما تركيا والعراق وفي مراحل تاريخية مختلفة من عام 2003حتى عام 2024.

المطلب الاول: العلاقات العراقية التركية قبل عام 2014

 اولا : العلاقات على مستوى السياسية

يعد انتهاء النظام السياسي العراقي السابق في عام 2003، و بفعل الغزو الامريكي للعراق حدثا سياسيا محوريا ومؤثرا على العلاقات العراقية التركية على اعتباره يشكل منعطفا تاريخية الدولتين،  وهو ما بدءا وضوحا؛ نتيجة ما شهده العراق من تغييرات جوهرية وكبيرة في منظومة الدولة والنظام السياسي، و لاشك في المجال السياسي وما حمله من ارهاصات وفراغ سياسي في داخل العراق (١)

خلال تلك المدة استطاعت تركيا من خلال هذا الحدث الاستراتيجي، ان تغير طبيعة علاقاتها مع العراق، ولا سيما انها سلكت سياسة واقعية متعددة الأوجه تجاه العراق، تراوح علاقاتها مع العراق بين التهدئة تارة وعلى التأزم تارة اخرى، وفق ما تتطلبه مقتضيات مصالحها القومية ، وتحقيق اهدافها عبر تفعيل و تنشيط التحرك الاقليمي، وعلى كافة الأبعاد السياسية، والاقتصادية، والامنية، والثقافية، والتي تتطلب مع كل المتغيرات الحاصلة سياسيا، اقتصاديا، أمنيا بين الدولتين لحماية مكاسبها سياسية، التي تحققت بالنسبة لها من خلال منطلق سياسة متعددة المسالك،  و لاسيما هي تدرك مدى الهشة العراق بفعل الانقسام السياسي والطائفي في الداخل(٢).

(1)عبد الرحمن محمد داود، مكانة العراق في الإدراك الاستراتيجي التركي بعد عام 2014، رسالة ماجستير غير منشورة، مقدمة الى كلية القانون والعلوم السياسية، جامعة العراقية، 2021،ص 75 -85 .

(2)نبيل محمد سليم، العلاقات العراقية التركية بعد 2003 في بعد السياسي والامني، مجلة قضايا سياسية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، العدد 67، 2021ص 308-313.

(4)

تحديدا و بعد عام  2003، انتقلت العلاقات العراقية التركية من مرحلة العلاقات المحدودة،  الى مرحلة الانخراط والتدخل في الشؤون الداخلية للعراق، واتصفت تلك العلاقات خلال تلك المدة اعلاه بالخلافات وتباعد تارة، وذلك بسبب عدم الاستقرار السياسي في العراق، فضلا عن موقف تركيا إزاء الانتخابات في العراق التي حوله بالكثير من التردد والتذبذب في علاقاتها، ولا سيما بعد التشكيك في نزاهة الانتخابات وتوصفها بغير ديمقراطية وغير عادلة، بعد حصول الجبهة تركمانية على مقاعد (3) من اصل (275) (1).

اما فيما يخص بوادر تحسن في العلاقات العراقية التركية،  يبدو ذلك وضوحا من خلال التصريح الذي أدلاه به رئيس الجمهورية العراقية “جلال طالباني ” في عام 2005، و على تفعيل الدور الدبلوماسي بين الجانبين وهذا ما يعكس رغبة العراق الى الانفتاح مع تركيا، ومن جانب اخر ابدى تركيا ارتياحه من ذلك التصريح، و لا سيما ما يخص ملاحقة عناصر الحزب العمال الكردستاني، وفي اوائل عام 2006، أكد وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لدى استقباله أغلو جيليكول ممثل تركيا في العراق، انه تسلم رسالة من جانب التركيا والتي تضمنت توجيه دعوة رسمية لزيارة تركيا بهدف تعزيز وتعميق العلاقة بين الطرفين في مجالات كافة :  السياسية، والاقتصادية، والامنية،  والثقافية، فضلا عن توقيع بروتوكول للتعاون بين وزارتي خارجية الدولتين(2).

دخلت العلاقات العراقية-التركية من النصف الثاني في عام 2007، مرحلة جديدة من التطور الحقيقي الملموس كلا الدولتين، ولاسيما في الجانب السياسي منها وخصوصا، ان تركيا شهد في تلك المدة تطورات داخلية مهمة، ففي تركيا حقق حزب العدالة والتنمية فوزا ساحقا في الانتخابات البرلمان، و من ذلك الامر عزز الاستقرار الداخلي في تركيا، ودفع الحكومة بثقة أكبر الى إجراء إصلاحات سياسية، واقتصادية ودستورية، و الانغماس أكبر مع تعزيز علاقاتها مع محيطه الاقليمي، و محاولة تطبيق مبدأ تصفير المشكلات معها(3).

……………….

(1)  مخنف سوفيان، دور البعد الاقتصادي والامني في توجيه السياسة الخارجية التركية تجاه منطقة الشرق الأوسط دراسة حالة العراق(2002-2018)،طروحه دكتوراه منشورة، مقدمة الى كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر، 2019، ص 379.

(2)بوتان مصطفى سمايل، قضايا العلاقات التركية- العراقية (قضية المياه نموذجا )، رسالة ماجستير منشورة، مقدمة الى كلية العلوم الاقتصادية والعلاقات الدولية، جامعة الشرق الأدنى، 2021، ص46.

(3) مخنف سوفيان، مصدر سابق ذكره، ص 390.

(5)

اما في العراق فقد شهد في النصف الثاني حتى عام 2007، انطلاق حملة امنية مكثفة للسيطرة على تراجع الاوضاع الامنية آنذاك في البلاد، مما ساهم استقرار أمني نسبي في العراق مكنه من تعزيز علاقاته السياسية والاقتصادية مع الدول الجوار، وخصوصا  مع الجانب التركيا، والملفت للنظر صحيح ان ما اطرأ في العلاقات بين الدولتين من تطور وتحسن للعام 2007؛ لكنه لم يكون بالمستوى المطلوب ولم تخل من العيوب، وذلك نتيجة تزايد العمليات المسلحة لحزب العمال الكردستاني(1).

عرفت العلاقات العراقية-التركية في عام 2007، انتعاشا ودخول مرحلة جديدة، فقد ادت المقاربة البراغماتية التي اوجبتها الحاجة إلى الدعم الدبلوماسي المتبادل بين الدولتين، ولاسيما تبادل الزيارات بين صانعوا القرار الدولتين، فقد قام رئيس الوزراء العراقي “نوري المالكي ” في  الزيارة التي  تركز على التعاون المشترك لتأسيس “مجلس التعاون الاستراتيجي ” التي تركز على مكافحة نشاط حزب العمال الكردستاني، وتعهدت الحكومة العراقية باتفاق مع الجانب التركي، باتخاذ اجراءات عاجلة ضد الحزب العمال الكردستاني، وتلتها زيارة الرئيس التركي “رجب طيب أدوغان”، وجرى توقيع اتفاقية شملت العديد من القضايا وتعهد فيه الطرفان بتطوير شراكة استراتيجية، ولا سيما ان المواضيع التي تتحكم العلاقات العراقية التركية من الناحية الاستراتيجية والتي تتمثل في ( مشكلات الامنية، وموضوع المياه، وموضوع النفط الخام والغاز الطبيعي، وموضوع التبادل التجاري،) بين الدولتين(2)

شهد في عام 2010، مرحلة تصعيدا بين الحكومتين العراقية التركية سيما بعد وقوع حادثة سقوط قذيفة هاون قرب السفارة التركية في بغداد وتسببت بأضرار كبيرة ألقت بتداعياتها على العلاقات السياسية والاستراتيجية بين الدولتين (3).

………………

(1) مخنف سوفيان، مصدر سبق ذكره، ص391.

(2) عامر كامل احمد، مسارات العلاقات العراقية-التركية بعد عام 2003، مجلة دراسات الدولية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، العدد64، 2016، ص86.

(3) مصدر نفسه، ص 87.

(6)

تراجعت علاقات الدولتين واصابها الكثير من التأزم،  لاسيما بعد فشل “اياد علاوي “في تشكيل حكومة العراقية بعد انتخابات حتى عام2010، واصدار حكومة “نوري المالكي” مذكرة اعتقال النائب رئيس الجمهورية “طارق الهاشمي” بعد سفره الى أنقرة بتهمة بقضية  (الارهاب)، وقد ظهرت حالة التأزم في العلاقات بعد تصريح نوري المالكي للصحيفة “وول ستريت جورنال” بأن العراق يريد التعاون اقتصاديا مع تركيا ويرفص تدخلها في شؤون السياسية ومن تلك الاسباب ذلك (1):

(1)زيارة “احمد داود اوغلو “وزير الخارجية التركي الى مدينة كركوك العراقية ولقائه مسؤوليها.

(2) استمرار نشاط pkk في الاراضي العراقية.

(3) اتهام ” رجب طيب أردوغان ” للحكومة العراقية بانها تتصرف بشكل  “اقصائي”.

(4) اتفاق اقليم كردستان مع تركيا بشأن تجهيزها بالغاز الطبيعي  بما يقارب 10مليار متر سنوات .

ويضاف على مشكلة الهاشمي التي اثرت على تلك العلاقات، وازدادت خطورة بين الدولتين مشكلة اخرى، تتعلق باتفاق تركيا للطاقة مع حكومة اقليم كردستاني، إذ اتهمت تركيا بالتدخل في الشؤون الداخلية للعراق والتصرف كدولة معادية؛ لكنها مع ادراك ان استمرار هذه السياسات الداخلية والاقليمية، ستضر بمصالح الدولتين، وبعدها اجتماع وزيرا الخارجية الدولتين في أنقرة، بنية ترك الخلافات ورائهما وكان اجتماع يهدف الى الحفاظ على الزخم في الجهود لكسر الجليد بين الدولتين بعد مدة من التوتر، وبعد ذلك تم توقيع اتفاقية “اتفاق النقاط السبع “في بغداد بين(بارزاني والمالكي )، وتقترح الاتفاقية تشكيل لجنة لصياغة القوانين الخاصة بالنفط والغاز وتوزيع هذه الموارد، بعد الخلافات الطويلة حول كركوك، واصبح هذا الاتفاق حاسما لكلا الجانبين، ودعمت تركيا هذا الاتفاق لأنه  تعزيز العلاقات بطريقة اكثر ايجابيا بين جميع الاطراف(2)

……………………

(1)احمد مجيد جاسم محمد، العلاقات العراقية التركية بعد عام 2014،مجلة العراقية الأكاديمية العلمية، كلية العلوم السياسية، جامعة تكريت، 2023،ص 533-534.

(2) دنيا هاتف مكي، الثوابت والمتغيرات في العلاقات العراقية التركية، مجلة اشراقات تنموية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، العدد 30،2022،ص 300-301.

(7)

ثانيا: العلاقات على المستوى الاقتصادية

يعد العراق من بين الدول التي تمتلك شبكة من العلاقات التجارية مع مختلف دول العالم، وبخاصة مع الدول الجوار ومنها تركيا، ولا سيما ان تركيا والعراق تربطهما علاقات الاقتصادية و تاريخية واسعة، و لا شك أن تركيا تدرك اهمية وجودها على الساحة العراقية، فقد انتقلت العلاقات العراقية التركية بعد الاحتلال الامريكي للعراق في عام  2003، من مرحلة الشد وجذب إلى مرحلة التفاهم وتوحيد المواقف، ولا سيما  ان سياسة تركيا تغيرت اتجاه  العراق بشكل واضح عند وصل حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا في عام 2002، وتنفيذا للشعار الذي رفعته تركيا وهو( تصفير المشكلات ) مع محيطها الاقليمي ولا سيما مع جانب  العراق (١).

تتركز استراتيجية العراق منذ عام 2003، على ان يكون الدور التركي في الاقتصاد العراقي كبيرا ومميزا كمزود بالمنتجات ومصدر آمن المياه، ومستهلك للنفط العراقي،  وممر لعبور صادرات العراق النفطية إلى البحر الابيض، وهذا يتم من خلال عقد الاتفاقات لضمان استمرار الاستفادة من خطوط البترول والطاقة، إذ تمر العديد من خطوط البترول والغاز إلى تركيا عبر العراق، وبعدها تذهب إلى الأسواق العالمية، لا شك أن العراق يمتلك أكبر خامس  احتياطات البترول والغاز مؤكد في العالم وفي عام 2012، استحوذ العراق  على المرتب الثاني كمنتج للنفط، وفقا للمنظمة الدول المصدرة للنفط أوبك والتي تمثل بدورها اهم دافع التركيا للتوجه اقتصاديا نحو العراق ؛ لأنه تركيا تنظر الى العراق كرافد مهم من روافد سياسة وتنويع وارادات الطاقة تركيا (2).

إذ تركز الاستراتيجية تركية على استمرار تدفق النفط عبر خط جيهان-  كركوك الذي يعبر منه البترول العراقي عبر تركيا و يمر بعدها  إلى تركيا عبر العراق،   وهناك العديد من خطوط الأنابيب الاخرى المتوقع افتتاحها والتي تمر منها مثل خط أنابيب(نابوكو) الذي سيتم من خلاله تصدير الغاز العراقي إلى اوروبا وترى تركيا ضرورة استقرار العراق وذلك من اجل الطاقة والامن(3).

………………..

(1) سماحة صالح علي و نزار ذياب العساف، التبادل التجاري العراقي  – التركية للمدة(2004-2021) وافاقه المستقبلية في ظل مشاهد بديلة، مجلة اكاديمية شمال اوروبا المحكمة للدراسات والبحوث   الإنسانية،  كلية الإدارة والاقتصاد،  جامعة الفلوجة، العدد 22، 2024، ص 5.

(2) مخنف سوفيان،  مصدر سابق ذكره، ص389.

(3) حيدر علي حسن، العراق في الاستراتيجية التركية، مجلة دراسات الدولية، مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية،  الجامعة  المستنصرية، العدد 60،ص 153.

(8)

سعى تركيا ايضا  إلى تطوير علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع العراق وذلك بسبب المراهنات الاقتصادية للعراق، فهي ترى بان الدولتين مكملان احدهما الآخر، فكل منهما بحاجة إلى الاخر لأسباب مختلفة؛ لكن نتيجة واحدة، في عام 2003، لم تنجح تركيا في اعادة معدلات التبادل التجاري معه إلى وضعها السابق، وفي وقتها عملت على اقامة علاقة متوازنة مع اقليم كردستان العراق؛ لأنه الهدف هو تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدولتين،  قام وزير الدولة للشؤون الخارجية التركي علي بابا جان في عام 2003، مع مجموعة من رجال الاعمال الاتراك بزيارة بغداد، وذلك من اجل الاستثمارات والتبادل التجاري ،امضت تركيا والعراق على مذكرة تفاهم للتعاون الاقتصادي بين الدولتين،  وفي عام 2007، وقع الجانبين على اتفاقية التعاون المشترك  في المجال الطاقوي لنقل الغاز العراقي إلى أوروبا عبر تركيا، يوضح استمرار حجم تبادل تجاري بين الدولتين بالارتفاع من 829مليون دولار عام 2003، إلى مليارين و 845مليون دولار عام 2007(1).

اما الواردات التركية من العراق  فارتفعت هي الاخرى من 113مليون دولارحتى عام  2003، الى 645مليون دولار عام 2007، بعدها بعام تتم توقيع الاتفاقية بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وبين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وقد تضمن هذه الاتفاقية في شقها الاقتصادي مجموعة النقاط هما(عقد اتفاقيات للتعامل والتكامل الاقتصادي الاستراتيجي بين الدولتين) قبل نهاية عام 2008، تعزيز التعاون لتنمية العلاقات التجارية، وذلك لتحقيق المصلحة المشتركة  الجانبين، وعقد اتفاقية تجارة حرة بين الطرفين، والتشجيع على العمل برامج مشتركة لتأسيس مناطق التجارية وصناعة حرة للمساهمة في زيارة فرص العمل والاستثمار في العراق،  فضلا عن ذلك تشير تقديرات بلوغ حجم تبادل تجاري مع تركيا 12مليار دولار مع نهاية عام 2011(2).

وذلك نتيجة اتفاقيات موقعة بين الطرفين، وبين ارتفاع الصادرات التركية إلى العراق من مليارين و845مليون دولار لعام 2007، إلى 8 مليارات و 314مليون دولار عام 2011، اما بالنسبة إلى الواردات التركية من فالعراق ارتفعت من 645 مليون دولار عام 2007إلى نحو مليارين و 505مليون دولار في عام 2011، ويشير معهد الإحصاء التركيا ان العراق احتل المرتبة العاشرة في نسبة الصادرات التركية إلى العراق لعام 2008، وفي عام 2009، احتل العراق المرتبة الخامسة،  بالتالي ارتفع العجز في الميزان التجاري العراقي على نحو  9062.2 مليون دولار عام 2011، بالتالي هذا يشير إلى تحقق  مكاسب الاقتصاد التركي، لذا فإن فتح الاسواق العراقية امام المنتجات التركية سينعكس ايجابا على الاقتصاد التركي وتصبح ورقة ضغط لدى صانع القرار السياسي التركي(3).

………………..

(1) منخف سوفيان، مصدر سبق ذكره، ص 390.

(2)مصدر نفسه، ص 398.

(3)مصدر نفسه، ص399

(9)

 

ما تعد العلاقات التجارية بين الدولتين علاقات عميقة وطيدة، اذ يعد العراق منذ عام 2011ثاني أكبر سوق مستوعبة للصادرات التركية بعد المانيا، فقد بلغت الصادرات التركية إلى العراق عام 2012ماقيمته 10,8مليار دولار وارتفعت إلى 11,9مليار دولار عام 2013(1).

ثالثا : العلاقات على مستوى الامني :

يعد تراجع الاوضاع امني  الذي حصل في العراق  عقب الغزوالامريكي، وتغييرالنظام السياسي العراقي، حاولت الحكومة تركيا الاستجابة لفكرة إرسال قوات عسكرية الى العراق لحفظ الامن وتأمين الاستقرار، بعدما اقتراحها  عدد من المسؤولين الامريكيين في حينها، وضعت تركيا شروطا لمشاركتها في قوات عسكرية الى العراق وابرزها(2).

  • إعطاء حقوق لتركمان.
  • منع ظهور نظام فيدرالي.

(3)نزع سلاح المليشيات العراقية قوات البيشمركة الكردية.

بعد إقرار البرلمان التركي  في ضوء المذكرة الحكومة بشأن ارسال قوات  تركية الى العراق  ومما يسفر عن هذا التحرك،  نقطة تحول وتغير تاريخيا  في مسار العلاقات العراقية التركية، وبعد اجتماع القيادة التركية من طرف كتلة نواب حزب العدالة والتنمية للمناقشة اهم المشكلات التي يحتاج الى المتابعة (مشكلات الامنية والانتخابات في العراق،  قضية كركوك والتطورات المحتملة، وجود حزب للعمال الكردستان الانفصالي ونشاطه) و بمقتضى هذا الاجتماع توصل الى نتيجة مفادها ان من اهم مشكلات التي يواجهها العراق هي مشكلة الأمنية وأنها تشكل عائقا امام حل مشكلات الأخرى(3).

ان الملفت الى النظر ان مايتعلق بمسألة الفيدرالية ومشكلة كركوك، هي احد اهم الهواجس الأمنية التركية ، واستنادا الى هذا الأمور وضحت  تركيا موقفها من ذلك عبر ما  تصريح صرح به نائب رئيس الجمهورية عبد الله غول معقبا على اخبار التي تحصل عن “جهود الكرد في مجال اقامة دولة كردية في العراق” قائلا لقد وجهنا تحذيرا إثر التطورات الاخيرة التي يشهده العراق والتي تؤثر في وحدة العراق السياسية، في عام 2012، دعت الحكومة العراقية مجلس النواب العراقي إلى إلغاء و عدم تمديد  اي اتفاقية تسمح بوجود قواعد خارجية على إلاراضي العراقية، وتجدر الاشارة الى ان تركيا تملك عدة قواعد عسكرية على الأراضي العراقية منها قاعدة عسكرية كبيرة في بامرني في شمال دهوك 45كيلومتر، وكانيمانسى 155كيلومتر ايضافي دهوك، وسيرسي 30كيلومتر شمال زاخو  على الحدود العراقية التركية، وهذا القواعد ثابتة وينتشر فيها جنود اتراك على مدار السنة (4).

…………………

(1)منخف سوفيان،مصدر سبق ذكره،ص410.

(2)مصدر نفسه، ص385-386.

(3)مصدر نفسه، ص388.

(4)بوتان مصطفى سمايل، مصدرسبق ذكره، ص45-48.

(10)

بت الأمر وضوحا من فكرة ارسال قوات تركية الى العراق، وملخصه هذا ان دول الجوار لها مطامح خاصة في العراق،  ومن الطبيعي ان تستند تلك المطامح على اعتبارات قومية دينية وغيرها، و التي لها علاقة بحساسيات تاريخية معنية، ولا سيما ان الوجود التاريخي مرتبط بالأوضاع الأمنية على الحدود بين الدولتين، والتي تسيطر عليها بين الطرفين، ونجد من خلال هذا ان تركيا تجاهه وفق واقعية تتماهى مع الواقع وما تتطلبه هواجسها الأمنية بالدرجة الاساس من اعتبارات، في الحقيقة ان مشكلة الأمنية بين العراق وتركيا معقدة،ولا يتوقع حلها نهائيا على المدى المنظور، وستكون هنالك دائما مشكلة ما تعقد  العلاقات بين الطرفين مادامت حالة عدم الاستقرار السياسي في العراق من جهة، وعدم سير تركيا باتجاهات واجراءات مهمة نحو حل مشكلة الكردية في تركيا بالطريق السلمية، والانفتاح الديمقراطي من جهة أخرى، فقواعد حزب العمال الكردستاني لا يمكن إزالتها بالعمليات العسكرية فقط، بل تحتاج إلى تعاون اكراد العراق مع تركيا،  وهذا الامر معقد هو الآخر، لأن اكراد العراق غير متحمسين لاستفزار عن حزب العمال الكردستاني تجنبا لقيام تلك العناصر بتنفيذ عمليات ارهابية داخل اقليم كردستان العراق،كما أن اكراد العراق يتخذون من قضية وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق ورقة ضغط ومساومة في بعض الجولات السياسية مع تركيا (1).

المطلب الثاني : العلاقات العراقية التركية بعد عام 2014

اولا: العلاقات على مستوى السياسية:

تأزمت العلاقات العراقية التركية في عام 2014مرة أخرى بعد انهيار مدينة الموصل على  يد (الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” )، وبعد ظهور “داعش” تغيرت المعادلة بات الأمر بالنسبة للعراق يشكل نقطة تحول اقليمية كبرى  بالنسبة لتركيا نتيجة استهداف مناطق   في الموصل  خاصةالى جانب مناطق شمال العراق عامة، حيث تتمركز فيها قوات حزب للعمال الكردستاني(2).

سعى صانع القرار التركيا حتى عام 2015، الى إعادة  العلاقات مع العراق وذلك من خلال التعاون مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والتطوير علاقاتها مع بغداد، فعملت أنقرة على تقديم المساعدات  العسكريّة  والاستخباراتية لبغداد فيما يتعلق في مجابهة “داعش” والقضاء عليها في الموصل، وفي عام 2017بدأت العلاقات العراقية التركية تعرف نوع من الانفراج وتحسن الدبلوماسي بين الطرفين منذ بداية عام 2017شهد تحسنا نسبيا بعد التوتر الدبلوماسي  الذي شهدته العلاقات أواخر عام 2016، بسبب عملية تحرير الموصل والوجود العسكري في بعشيقة،  حاولت تركيا من جهتها اتخاذ خطوات لتهدئة التوتر (3).

……………….

(1) واثق محمد السعدون، البعد الامني في العلاقات العراقية-التركية، مجلة الدراسات الإقليمية، مركز الدراسات السياسية الاستراتيجية، جامعة موصل، العدد 27،2012، ص28– 35.

(2)مخنف سوفيان، مصدر سبق ذكره، ص403.

(3) عباس فاضل عطوان،  العلاقات العراقية التركية وتأثير على اقليم كردستان، مجلة العراقية الأكاديمية العلمية، كلية العلوم السياسية، جامعة تكريت، ٢٠١٩، ص ٢- ١٦٧.

(11)

في 25تشرين الاول لعام 2017، قام رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بزيادة رسمية أخرى لتركيا، تضمنت بمقتضاها جدول اعمال مهمة على رأسها تنسيق مواقف بغداد وانقرة من استفتاء اقليم كردستان وانفصاله عن العراق، والذي بدوره يهدد امن القومي تركيا ويهدد وحده العراق، لا يوجد خلاف على ان استفتاء يتفق مع مبادى عامة مثل حق الشعوب في تقرير مصيرها؛ لكنه يصطدم من جهة أخرى مع الدستور العراقي وآليات الاستقلال المتعارف عليها،  الا انه يقوي موقف الاقليم في التفاوض بغداد، وقد اثار تحديد موعد اجراء استفتاء لاستقلال اقليم كردستان في عام 2017، حفيظة الكثير من الاطراف والجهات السياسة الداخلية والاقليمية، حيث بدءا بعض الدول لاسيما دول جوار، وتحديدا تركيا عن رفضها القاطع لهذا الاستفتاء،على الرغم من  ان العلاقة بين الدولتين مرت بازمات خلفت شكوكا بينهما؛ ولكن هناك مصالح واولويات استراتيجية برزت لكل من العراق وتركيا بعد استفتاء اقليم كردستان،  ماترتب عليه عدم اكتفاء كل منهما  بالاتفاق على رفض نتائج استفتاء انفصال اقليم كردستان وتكثيف العقوبات على الاقليم،  بل عزز ايضا التعاون العسكري والامني بين الدولتين (1).

يمكن القول ان السمة البارزة للعلاقات بين العراق وتركيا خلال حكومة حيدر العبادي كانت  متقلبة بين  توتر  وتحسن في بعدها السياسي والدبلوماسي، وأنهت مدتها بتحسن ملحوظ بين الدولتين، فضلا عن تحسن الملحوظ  في العلاقات السياسية بين العراق وتركيا في عهد مصطفى الكاظمي الذي تولى منصبه عام 2020، وانتهجت حكومته سياسة متوازنة ومنفتحة تجاه دول الجوار، ومن ضمنها تركيا وفق رؤية تحقيق المصالح للجميع في المنطقة عبر الحوار، وبناء تفاهمات السياسية وتم توقيع الاتفاقية ” منع الازدواج الضريبي وفق ضريبة الدخل ومنع التهريب الضريبي ” و ” مذكرة للتعاون الثقافي” بين الدولتين، وشهدت العلاقات العراقية التركية زخما جديدا مع مجيء حكومة محمد شياع السوداني في عام 2022، ولاسيما في زيارته الى تركيا ونوقشت قضايا الاقتصاد والامن والمياه،  والتي أصبحت حجر الزاوية  بين الطرفين، فضلا عن ذلك احتلت التطورات المتعلقة بميناء الفاو الكبير وقناة التنمية، التي كانت سابقا تسمى قناة الجافة وطريق الحرير العراقي، التي كان  مكانة مهمة في جدول الاعمال، وكان رغبة العراق هو انتهاج سياسية  اقليمية متوازنة من أجل حصول على منافع الاقتصادية للعراق وتركيا(2).

………………..

(1)عباس فاضل عطوان، مصدرسبق ذكره، ص170.

(2)  لقمان عمر محمود النعيمي،  العلاقات العراقية التركية 200-2023، دراسة في البعد السياسي والدبلوماسي، مجلة دراسات اقليمية،جامعة موصل،العدد 56، 2023، ص32– 37.

(12)

 

ثانيا : العلاقات على مستوى الاقتصادية:

شهدت العلاقات العراقية-  التركية تراجعا في عام 2014، و لا سيما ما ساهمت  به سيطرة ” تنظيم داعش” على مدنية الموصل وبعض المحافظات العراقية ، في ضوء ذلك توقف تصدير البضائع الى مناطق وسط وجنوب البلاد، مما أدى بمقتضاها الى انخفاض  عدد من الشاحنات الترانزيت التركية التي تذهب يوميا الى العراق  التي انخفضت بعد سيطرة ” داعش” حوالي 1550شاحنة يوميا،  بعد ان كان يزيد عن2300 شاحنة يوميا اي ما يعادل(70,000) شاحنة شهريا،  كما ازدادت التعقيدات والتدابير الأمنية تجاه تلك الشاحنات في الحدود العراقية،  وارتفعت نسبة المخاطر على السائقين في مناطق التماس،  الأمر الذي دفع تركيا الى الاعتماد على طرق بديلة لإيصال تلك البضائع منها طريق تركيا- إيران- جنوب العراق واربيل – إيران  – جنوب العراق (١).

ما ادت سيطرة تنظيم(داعش) على مصفى بيجي النفطي الى تقليص كمية المشتقات النفطية المصدرة الى تركيا بنسبة 5% و هو ما دفع شركة ” تباو” الى تعليق اعمالها في العراق وسحب جميع موظفيها لكونها تعمل في مناطق غير مستقرة أمنيا، استنادا الى هذا الأمر  جعل حكومة التركية ان تدخل في أزمة داخلية، نتيجة الارتفاع في  اسعار المشتقات النفطية، ولا سيما ان شركة  التركية ( تباو)  كان تستثمر حوالي 6مليارات دولار في بئرين للغاز في العراق  (٢).

اذ ان ارتفاعا بمقدار (10) دولارات يكبد الاقتصاد التركي خسائر تتراوح مابين (300-450)  مليون دولار ، كما ادت هذه الازمة الى ارتفاع مستويات التضخم في البلاد الى (0,5%)  وتدني حجم النمو الاقتصادي بنسبة (3,0%)، كما قدرت وزارة الاقتصاد حجم الخسائر للشركات التركية بحوالي(3) مليار دولار ،واستمر انخفاض حجم الصادرات التركية إلى العراق في عامي 2015-2016، وفي عام 2017،عاد حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا ليرتفع مرة اخرى بنسبة 15% ليصل الى 10،584 مليارات دولار، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين في نهاية عام 2018حوالي  5،75 مليار دولار، وعرفت  العلاقات الاقتصادية بين العراق وتركيا تطورات ملحوظة خلال سنوات الأخيرة، ولا سيما مع زيارة متواصلة في حجم التبادل التجاري بين الدولتين الجارين، قد اكدت معهد الإحصاء التركي عن حجم التبادل التجاري بين العراق خلال عام  2023، وصل الى ما يقارب 13مليار دولار و ذكر ان الصادرات التركية إلى العراقية قد بلغت 12,8مليار دولار، بينما استوردت أنقرة من بغداد 1,5مليار (٣).

…………………

(1)احمد مجيد جاسم محمد، مصدر سبق ذكره، ص535 .

(2)نضال عبد محمود، التوجهات  السياسية الخارجية التركية وتأثير على اهم القضايا العراقية،  مجلة الجامعة العراقية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، دائرة البعثات والعلاقات الثقافية، العدد 75، ص596..

(3) مخنف سوفيان، مصدر سبق ذكره،  ص 412.

(13)

،  في عالمنا اليوم الذي يمتاز بندرة الفرص الاقتصادية، والمخاطر الأمنية المحيطة بها،لم اقتصاد يصنع السياسية فحسب، بل أصبح يصنع الامن المشترك بين الدولتين، اليوم نجد تصرح  الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مؤتمر صفحي مشتركة ، مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوادني عن حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا ارتفع  الى 20مليار دولار مستدركا بالقول ” مصممون على المشاركة  بطريق التنمية لتحقيق التنمية التجارية، وكما أشار الوزير التجاري  التركي عمر بولات  الى ان حجم الصادرات التركية  من مرشح ان تزيد  في حالة استكمال مشروع التنمية ولا سيما هو مرتبطة  بأسواق  الاستيراد والتصدير بصورة مباشرة (1).

يدرك العراق اهمية مشروع طريقة التنمية نظرا لموقعه الجغرافي الذي اعطاه الفرصة لتوجيه الفعل الدبلوماسي، وإعطاه ايضا أولوية التغيير في تحوله  نحو مراكز الجذب الجيوسياسية في المنطقة من خلال بناء شراكات استراتيجية  في مختلف المجالات وخاصة مع دول الجوار، يهدف العراق من خلال موقعه الجغرافي والتي يؤدي دور جيواقتصادي من خلال ذلك استغلال موقعه الجغرافي الذي  يربط بين آسيا ودول الخليج مع اوروبا،  ومن  ثم تعزيز مكانته  في المجتمع الدولي، يطمح العراق من خلال هذا الطريق التحول خط أساسي تسهيل نقل البضائع من الشرق الاوسط الى أوروبا عن طريق تركيا، إذ هو طريقا مرهون بالتنسيق مع الجانب التركي كون يصل إلى شبكة النقل الاوروبية من خلال تركيا ، وكذلك مرهون مصيريا بالقضاءعلى مشكلة وجود ال pkk في شمال العراق(2).

ثالثا:العلاقات على مستوى الامني

قال السوداني خلال مؤتمر طريق التنمية” ان هذا المشروع سيكون ركيزة للاقتصاد العراقي المستدام غير النفطي،  وعادة ارتباط تخدم جيران والمنطقة، تقول الحكومة العراقية: ان مشروع طريق التنمية سيحقق ايراداته نحو 4 مليارات دولار سنويا للبلاد(3).

يعد دخول الجماعات الارهابية التي ما تسمى (تنظيم الدولة الاسلامية داعش ) إلى العراق كان حدث مفصلي في تاريخ العلاقات بين الدولتين، بعدما سيطرة واستولى تلك الجماعات الارهابية على أجزاء واسعة من العراق،  و استحوذ على ثاني اكبر مدن عراقية الا وهي الموصل ، بمقتضى تلك المدة أقامت تركيا بفتح عدد من المعسكرات لتدريب قوات  البيشمركة عام (2014) وهذه المعسكرات متفرقة شمال العراق ( فلا جولان ) في السليمانية ومعسكر ( زلكان ) في بعشيقة ومعسكر ( سوران ) في أربيل (١)  .

………………….

(1)زيد اسليم،  كيف تؤثر زيارة الرئيس أردوغان الى بغداد على العلاقات الاقتصادية بين العراق وتركيا؟، دراسة منشورة، مركز الجزيرة للدراسات، على الشبكة الدولية الانترنت على الرابط                    ، تاريخ الزيارة 22\4\2024، تاريخ زيارة 2024\5\17

https:/ www.aljazeera .net.

(2) ريام علي حسين ونسرين رياض شنشول،  طريق التنمية والافاق المستقبلية  للاقتصاد العراقي، مركز حمواربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين،  2024،ص7-1

(3)واثق السعدون،  مسارات العلاقات العراقية-التركية في مواجهة معوقات قديمة، مركز اورسام تركيا، رؤية تركية، 2023، ص 64-48.                                                         (14)

وكان الدافع  والحجة  من مشاركة تركيا من توغل هو مساعدة  التحالف الدولي من أجل مكافحة الإرهاب وفي نفس الوقت ضرب حزب العمال الكوردستاني (1).

أصيبت العلاقات بين الدولتين بانتكاسة ودخولها مرحلة الأزمة على أثر التوغل التركي في شمال العراق في (4) كانون الأول (2015م)، إذ عبر الحدود العراقية عدد من الدبابات التركية تقدر بـ (25) دبابة يرافقها عدداً من الجنود يتراوح ما بين (1500-3000) جندي متجهين إلى معسكر بعشيقة (22) كم شمال مركز مدينة الموصل، حيث كان الموقف التركي جراء هذا التدخل هو المحاربة تنظيم داعش والحماية حدودها من التوغل الإرهابي إلى أراضيها سواء من داعش أم حزب العمال الكردستاني، وفي ضوء هذا التدخل رفضت الحكومة العراقية هذا الفعل معتبرتاً إياه تدخلاً في الشؤون الداخلية وانتهاكاً لسيادة الدول وفقا مبادئ القانون الدولي المتعلقة بعلاقات حسن الحوار والاحترام المتبادل بين الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية كما جاء في ميثاق الأمم المتحدة في المادة (2) (2).

لكن تركيا رفضت سحب قواتها من العراق بذريعة مساعدة  التحالف الدولي،و قال الاتراك أنفسهم أنهم سيرحلون بمجرد تحرير الموصل ؛ لكن وجود العسكري التركي كان حاضراً  و باستمرار، ونتيجة إلى ذلك  وصلت العلاقات بين الطرفين إلى طريق مسدود، الأمر الذي دفع الخارجية العراقية إلى تقديم شكوى لمجلس الأمن مطالباً فيه سحب القوات التركية من العراق، وبناء على ذلك قامت تركيا بنقل قواتها إلى الأراضي الخاضعة لكردستان للتخفيف من  حدة هذا التوتر، سعت الطرفين العراقي _ والتركي إلى احتواء أزمة القائم بينهما في 2017، حتى عام 2018اقامت تركيا في مضاعفة قواتها، وبهدف والقضاء على خطر الإرهاب على اعتباره يهدد مصالح والأمن تركيا، وفق تقارير وصل عدد القواعد عسكرية إلى (19)قاعدة عسكرية و حوالي (3) الاف جندي تركي(3).

………………..

(1) سامي شبر، توغل القوات العسكرية التركية داخل الاراضي العراقية، مجلة دراسات سياسية واستراتيجية، جامعة كمبرج بريطانيا، العدد 34،ص 24.

(2)عبد الرحمن محمد داود، مصدر سبق ذكره،ص 61  .

(3) مصدر نفسه، ص61-62.

 

(15)

تلتها عام 2020، وقيام تركيا في القصف لثمانية قرى في محافظة زاخو ، في عام نفسه وقعت حكومة العراقية والتركية اتفاقا يهدف إلى حفظ الأمن في قضاء سنجار، واخراج جميع الجماعات المسلحة الغير قانونية مع تنسيق  بين القوات الاتحادية وقوات اقليم كردستان، وعلى من تلك الاتفاقية نفذت تركيا عملية (عملية مخلب النسر) في عام 2020  في شمال العراق، وكان الغرض منها حماية امن حدودها وابعاد حزب العمال الكردستاني، وفي عام إعلاه نفذت عملية ثانية عرفت بعملية (مخلب النمر) ردا على حزب العمال الكردستاني الذي استهدف المخافر والقواعد العسكرية في المنطقة(1).

في عام 2022 قصفت  المدفعية التركية مصيف قرية ” برخ” في ناحية ” دركار” التابعة لقضاء ” زاخو” في محافظه دهوك وسقط على اثره (9)قتلى و(33) جريحا جميعهم من السياح مختلف المحافظات العراقية، ادانت في وقتها الحكومة العراقية على ذلك الهجوم، واعتبرته انتهاكا للسيادة وتهديدا للمواطنين وشكل رئيس الوزراء لجنة لتقصي الحقائق الهجوم واعتبره ” منافيا للقانون الدولي ومبادى حسن الجوار”  في وقتها نفت تركيا مسؤوليتها عن الحادثة واكدت ان عناصر pkk  هم من قاموا بالقصف،  الا ان الحكومة العراقية رفضت الادعاء التركي،  وعندما نالت حكومة السيد” محمد شياع السوداني” ثقة البرلمان  سارعت الحكومة التركية إلى ترحيبها بتولي الحكومة الجديدة، في عام 2023 جاءت زيارة السيد السوداني إلى انقرة مع وفد رسمي بعد تلقى دعوة من قبل الرئيس التركي ” رجب طيب اردوغان” تكسب تلك الزيارة اهمية خاصة استنادا إلى منهجية الحوار الذي يغلب المصلحة ويعلى من شأن التعاون بين الجارتين بغية تحقيق مصالح الطرفين(2).

شهد مسار العلاقات العراقية التركية تحولات تاريخية ولاسيما بعد توقيع على مذكرات تفاهم والاتفافيات رباعية بين كل من العراق وتركيا وقطر والامارات في عام 22/نيسان/2024 في بغداد، وجاءت تلك الاتفاقيات و على هامشها ستشكل نقطة تحول جديدة في العلاقات العراقية التركية،و في ضوء تلك المذكرة  اعلن عن توقيع مذكرة يخص البند  فيها على التعاون في مجال الامن من اجل  محاربة الارهاب وفضلا عن  قضية  pkk واعتبارها تنظيما ارهابية محظورا في العراق (3).

يمكن القول انتهجت تركيا منذ اعلان قيام الحكومة التركية عام 1923سياسة خارجية متوازنة تارة ومتقلبة تارة اخرى حيال العراق، اي ان العلاقات العراقية التركية من عام 2003-2024تتأرجح بين التوتر والتحسن على المستوى  السياسي والاقتصادي والامني، وتسعى الدولتين الى تعزيز علاقاتهما وتنشيطها عبر حل المشكلات العالقة بينهما لاسيما مشكلة حزب العمال الكردستاني والقضية المائية من خلال الحوار المباشر بين المسؤولين من كلا الدولتين،وان طريق التنمية والاتفاقية الرباعية  يمكن ان يكون أساسا في تطوير وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والامنية بين الطرفين وصولا الى مرحلة الشراكة الاستراتيجية.

………………..

(1)عبد الرحمن محمد داود، مصدر سبق ذكره، ص 63.

(2)احمد مجيد جاسم محمد، مصدر سبق ذكره، ص541-542.

(3) صالحة علام، واشنطن ومحالات عرقلة الاتفاق الاستراتيجي بين تركيا والعراق، دراسة منشورة،مركز الجزيرة للدراسات، على الشبكة الدولية الانترنت على الرابط:

https:/www . aljazeere .  net.

(16)

المحبث الثاني: القضايا المؤثرة في العلاقات العراقية التركية

تعد قضية المياه والقضية الكردية من أعقد القضايا في العلاقات العراقية التركية، ومن العوامل  المشتركة بين هذه الدولتين،  فضلا عن ذلك استطاع العراق وتركيا ان يضعان لهما محددات سياسية،واقتصادية وامنية،وإن من وراء أسباب حدوث هذه المشكلات (قضية المياه، قضية الكردية )، هو عدم محاولة الطرفين حل هذه الخلافات، لانها مرتبطة  بأهداف متضاربة ومصالح متابينة بين العراق وتركيا،و ويعتبر المياه لدى  تركيا عامل قوة بخلاف العراق يعده عامل ضعف في تعامله مع تركيا أما القضية الكردية تشكل هاجس وتهديد على الامن الوطني التركي والعراقي.

 

المطلب الاول : قضية المياه

احتلت مسألة مياه قمة اولويات في العلاقات العراقية التركية وفرضت نفسها كاحد الموضوعات الرئيسية التي تحمل إمالا بالتعاون المستقبلي بين الدول، أو ان تكون سببا محتملا للنزاع، ان مسألة المياه  تعد من المشكلات ليست وليدة اليوم، بل من مشكلات قديمة برزت الى الوجود بعد تفكك الدولة العثمانية أعقاب الحرب العالمية الأولى ؛ إذ ان و بالعودة الى التاريخ   كان هناك مشكلات سياسية وقانونية حول استخدام  مياه نهري دجلة والفرات حتى قيام الحرب العالمية الأولى و ذلك بسبب وقوع نهرين من المنبع حتى المصب تحت سيادة دولة واحدة الا وهي الدولة العثمانية، وبعد قيام الدولة العراقية وتحول نهري دجلة والفرات من نهرين داخليين وطنيين الى نهرين دوليين(1).

وثم وجدت ضرورة الوضع  القواعد وأحكام واتفاقيات لتنظيم استخدام  المياه بين الدول الثلاثة العراق وسوريا وتركيا، جاء معاهدة لوزان في عام 1923، اول المعاهدات التي تم بموجبها تقسيم مياه بين الدولتين وفي هذا المجال نصت الفقرة الثالثة من معاهدة لوزان على ” ضرورة تشكيل لجنة مشتركة من تركيا والعراق وسوريا مهمتها لمعالجة المشكلات الخاصة بمياه نهري دجلة والفرات، و لاسيما اذا اريد بناء منشآت هندسية في أعالي هذين النهرين بالتالي سوف تؤثر تاثيرا كبيرا على كمية وتوزيع  التصريف هذين النهرين في منطقة ما بين النهرين، و بمقتضى هذه المعاهدة التي وضع تسوية لأي خلاف نعلى نظام توزيع المياه، وضرورة الوصول إلى اتفاق بين الدول المعنية التي بدورها تصون المصالح والحقوق المكتسبة لكل منها، وفي ضوء خلاف بين هذا الدول يمكن اللجوء إلى مبدا التحكيم من اجل حل الخلاف بينهما (2).

……………….

(1) احمد نوري النعيمي، العلاقات العراقية التركية في مجال المياه، مجلة الأكاديمية العلمية، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2010، ص1-2.

(2) عبد الرحمن محمد داود، مصدر سبق ذكره، ص 64.

 

(17)

فيما يتعلق بالقواعد التي نظمت اسـتخدام الميـاه لاسـيما ميـاه نهـرين فقـد تجاهلـت تركيـا كـل تلـك القواعـد والاحكـام، فالجانب التركي لا يحترم الاتفاقيات الدولية بخصوص الانهار الدولية عند تعامله مع العراق و سوريا ؛لكنه يتعامل بهذا القانون مع الانهار المشتركة بينها وبين روسيا وبلغاريا، وبعـد أن اعطـى الاتـراك الافضـلية لمشـاريعهم المائيـة علـى حسـاب الحقــوق المكتســبة لكــل مــن ســوريا والعــراق مســتغلة الواقــع الجغرافــي الاســتراتيجي، لتخــالف بــذلك معاهدة لوزان التي عملت على وضع بعض الاحكام الخاصة والاساسية لحماية الحقـوق ومصـالح الدول المشتركة في المياه الدولية ودعـت الاطـراف الدوليـة المسـتفيدة مـن نهـري دجلـة والفـرات و، لاســيما المــادة (109)،عقــد الاتفاقيــات لتنظــيم الميــاه وطـرق الاســتفادة منهــا فــي هــذه الانهــر والتـي تطرقـت إلـى مسـالة الميـاه المشـتركة بـين تركيـا والعـراق وسـوريا وبيـان كيفيـة اسـتغلال الميـاه بـين هـذه الـدول، والتـي الزمـت دول حـوض نهـر الفـرات بوجـوب عقـد اتفاقيـة تـنظم وتحفـظ الحقـوق، وأكـدت المـادة علـى اللجـوء إلـى المكتسـبة لكـل دول الحـوض نتيجـة الحـدود الجغرافيـة الجديـدة التحكـيم الـدولي فـي حالـة التوصـل إلـى اتفاقيـة مرضـية لجميـع الاطـراف فـي هـذا الخصـوص مـن دون الاشارة الى كيفية هذا التحكيم أو الجهة التي ستتولاه . وبقيـت مسـألة توزيـع الميـاه غير موثقة بين دول المنطقة، وخلاصة القول ان الموقف التركي من كل النهرين دجلة وفرات انهار عابره للحدود بموجب المفهوم التركي (1).

لقت تركيا نفسها في موضع استراتيجي قوي بوصفها الدولة الوحيدة بالشرق الاوسط التي تتمتع بتعدد مصادر المياه فيها، مما اعطاها سيطرة  فعالة على هذه المورد ،فقد عزمت تركيا على تنفيذ برامج طموحة لاستثمار المورد المائية بصورة اكثر فعالية واستعمال المياة لطاقة الكهربائية، ومن خلال هذا يجب معرفة السبب الرئيسي للقضية المياه  (2).

اولا :  ترى تركيا أن نهري دجلة والفرات يشكلان حوضاً واحداً وليس نهرين دوليين بل هما مجرد حوض عابر للحدود إذ تسعى تركيا إلى فرض وجهة نظرها في الجهة المائية للمنطقة وفرض مبدأ الاستخدام والإدارة التكاملية للموارد المائية المشتركة، ورفض مبداً انقسام الموارد المائية المتاحة، في حين إن الرؤية للدول المتشاطئة لتركيا تذهب في أن مياه نهري دجلة والفرات هما تهرين دوليان وليس لتركياحق التصرف بهما .

……………….

(1) احمد جاسم ابراهيم الشمري، سياسة تركيا وانعكاساتها على دول الجوار الإقليمي (سورية_ العراق )، مجلة مركز بابل للدراسات الانسانية، جامعة بابل، العدد 2،2020،ص37.

(2) عبد الرحمن محمد داود، مصدر سبق ذكره، ص65.

(18)

 

ثانيا : تبني تركيا التصور القائم على أساس المياه العابرة للحدود ومفهوم الحقوق السيادية وغيرها من المفاهيم التي لا تستند إلى سند قانوني، والتي تهدف إلى النيل من الحقوق القانونية والتاريخية لكل من الدول المتشاطئة لتركيا العراق، سوريا)، وذلك عن طريق إضفاء الصفة التركية على نهري والفرات حتى نقطة مغادرة كل منهما الأراضي التركية، الأمر الذي يعطي تركيا سيادة مطلقة وحقوق سيادية لا تقبل المساومة أو التفاوض على النهرين من غير أن يكون للعراق الحق في إثارة أي مشكلة بخصوص إقامة السدود التركية على النهرين ورافدهما حتى وأن تسبب بمشاكل بالنسبة للعراق، وقد تجسدت هذه الفكرة بما ذكره الرئيس التركي الأسبق (سليمان ديميريل) في (1990/5/6) إن لتركيا السيادة على مواردها المائية ويجب أن لا تشكل السدود التي تبنيها على نهري دجلة والفرات أية مشكلة دولية، أو على الجميع دجلة، يدرك بأنه لا نهر دجلة ولا نهر للفرات من الأنهار الدولية، فهما من الأنهار التركية حتى النقطة التي يغادران فيها الإقليم التركي(1) .

ثالثا: أن تمسك تركيا بهذه الفكرة إن دجلة والفرات هما حوض واحد وهي أنهر تركية، وبالتالي سيؤدي إلى سيطرة تركيا عليها، وهذا بدوره سينعكس على قلة المياه الواصلة إلى العراق أو شحة هذه المياه، مما ينجم عن ذلك من نقص شديد حاصل في مياه الشرب أو المياه المخصصة للزراعة، مما سيولد نقص في الإنتاج الزراعي والحيواني، واللجوء إلى الأسواق الخارجية لاستيراد الغذاء وهذا بعد من المؤثرات الرئيسة على الأمن الوطني العراقي(2).

إن الجانب التركي لديه الكثير من الأسباب السياسية التي تجعله متمسكاً بالمشاريع الأروائية.المائية المشيدة في منطقة شرق وجنوب تركيا، في مقدمتها التأثير على سكانها من الأكراد من خلال تجميع القرى المنتشرة في هذه المناطق الجبلية الوعرة في تجمعات استيطانية كبيرة حتى يسهل السيطرة على ادارتها وتفاقم الصراع التركي مع حزب العمال التركي في جنوب تركيا وشمال العراق، كذلك لدى تركيا رؤى مستقبلية في علاقاتها مع العراق  في ضوء تصاعد الأهمية

السياسية الاكراد في العراق وامتداد تأثيرات المد الكردي على خارطة العراق الجغرافية والسياسية) الجيوبولتيك وبالأخص بعد الاستفتاء في2017/11/25 على استقلال الاقليم )، المحافظات الشمالية من العراق، ومن ثم فإن هذه المعادلات السياسية الجديدة في العراق (3).

………………

(1) عبد الرحمن محمد داود، مصدر سبق ذكره، ص65.

(2)  سلمان علي حسين، المياه في العلاقات العراقية التركية، مجلة قضايا سياسية،كلية العلوم السياسية،جامعة بغداد، العدد 59،2019،ص4.

(3) الاء طالب خلف،  مستقبل النزاع على المياه بين العراق وتركيا- التحديات والحلول،  مجلة الأكاديمية العلمية،  كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2019ص30.

(19)

خلال  سيطرت دولة المنبع على المياه،  وامكانية استخدامها اقتصاديا،وتنمويا، وسياسيا، وجيوبولتيكيا، لتحقيق اهداف استراتيجية  كالهيمنة والسيطرة او للضغط لتحقيق مكاسب محددة، وهو ما يحصل بين تركيا والعراق اذ تريد  تركيا ان تقايض الأمن بالمياه وتريد الحصول على الطاقة الرخيصة مقابل المياه، فضال عن مكاسب اخرى(1).

بدأت بوادر الازمة المائية مع الدول الجوار عندما انخفض الايراد المائي في عام 1974خلال مدة املاء سد كيبان التركي وسد الطبقة السوري من 3,30مليار م3الى 2،9مليار م3، ثم انخفض الايراد بنفس الكمية خلال إملاء سد اتاتورك عام، 1990في حين يقدر ايراد نهر دجلة المائي عند الحدود العراقية التركية  20،9مليار م3سنويا(2).

تأزم وتعقدت العلاقات بين الطرفين وبدأت ان تاخذ منعطفا حادا مع بدء  قيام تركيا  بتنفيذ مشروعات جنوب شرق الأناضول المسمى الغاب (GAP) الذي اقامتة تركيا على منابع ومجاري نهري دجلة والفرات، في هضبة الأناضول، دون ان تشاور او اتفاق مسبق مع كل من  سوريا والعراق على الرغم ما يلحقه “الغاب ” اثار سلبية بمشروعات الري والطاقة(3).

وأنشأت اكثر من واحد وعشرين سدا على حوضي دجلة والفرات عبر مشروعات(Gap)  اهمها سد كيبان وسد قراقايا،وسد اتاتورك في منطقة جنوب شرق الأناضول وعددا من محطات توليد الطاقة الكهربائية، واستغلت تركيا بتلك مشروعات استخدام المياه كورقة ضغط على العراق من أجل الحصول على مكاسب سياسية مستغلة الضعف الجانب العراقي، وبمعنى ان  جوهر مشكلة و التي من خلالها تسعى تركيا الفرض سيطرتها  على مياة النهرين بدعوى مبدأ السيادة المطلقة لها،  لي سيادة دولة المنبع على مجاريها المائية ونزع صفة الدولية عن الأنهار المشتركة(4).

………………..

(1) عبد الكريم جابر شنجار العيساوي، المشاريع المائية التركية والايرانية وانعكاساتها على الوضع المائي والغذائي والبيئي في العراق، أوراق سياسات إدارة الموارد المائية، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 2018 ص8-9.

(2)  حسين علي عران الجبوري،  المورد المائية وسياسة العراق الخارجية تجاه تركيا(منظور جيوبوليتيكي معاصر)،مجلة التربية للعلوم الإنسانية، كلية التربية للعلوم الانسانية، جامعة موصل،  العدد11، 2023،ص214.

(3) تلا عاصم فائق، أثر المتغير الأميركي في العلاقات العراقية التركية، مجلة دراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد 54، 2012، ص 202.

(4) عبد الكريم علي، تركيا والحرب على العراق، دار الشجرة للدراسات والنشر، دمشق،  2009، ص58-59.

 

(20)

 

انخفض  حجم الايراد المائي للعراق، عند انشاء فكرة  سد أليسو الذي برزت لأول مرة عام 1954، وكان من المقرر تنفيذه  بتمويل اسرائيلي اوروبي وبعض الدول المانحة، وقد التنفيذ الفعلي لهذا السد عام (2006) حينما وضع رجب طيب اردوغان حجر الأساس لهذا السد، والذي ستقيمها على نهر دجلة، وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق في (2003/4/9) وما أعقبه من أحداث داخلية في العراق، شجع تركيا بالعمل بإنشاء السد في (2006/5/8) ومن الجدير بالذكر لم تشاهد أي معارضة أو موقفاً سواء كان من القوى الإقليمية أم الدولية أو حتى القانون الدولي جراء العمل بإنشاء هذا السد، بل أن تركيا حصلت على دعم دولي من الدول الأوربية (بريطانيا، سويسرا، ألمانيا، النمسا، إيطاليا )، بمنح القروض لها، ومنذ أن بدأت تركيا العمل بهذا السد قدمت تركيا إخطار إلى الحكومة العراقية بأن هذا المشروع سينجز في عام (2013)، واقام تركيا بمليء هذا السد في عام 2018، وكان هدف تركيا من بناء السد هو ان تركيا أرادت أن تعطي لنفسها الحق في الريادة على الشرق الأوسط معتمدة في ذلك على المياه، إذ إنها أرادت التحول إلى دولة مائية وهو مصطلح مرادف للدول التي تتمتع بالنفط لاسيما إذا ما علمنا أن تركيا فقيرة بالنفط حيث أرادت تعويض ذلك بالمياه تسعى تركيا أن تكون المورد الغذائي للمنطقة وذلك عن طريق تقليص القطاع الزراعي في العراق أو سوريا وذلك من خلال تقليل الواردات المائية للدول المتشاطئة، سوف تجعل لها القدرة على تنفيذ استراتيجيها المائية وجعله المورد الاساسي لدول المنطقة  (1).

وكان تركيا تستخدم مسألة المياه كورقة سياسية تستطيع على الدوام للضغط على العراق مقابل مكاسب ومصالح اقتصادية على مدى طويل وذلك من اجل حصوله على  النفط، وبدا واضحا بعد عام2014 في ظل التواجد العسكري الفعلي غلى الأراضي العراقية تحت ذرائع وحجج مختلفة (2).

ترمي تركيا من وراء سياستها المائية تجاه العراق تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وتاريخية هي ما يلي(3) :-

(1) قضية الأكراد ومسألة كردستان و حزب العمال الكردستاني.

(2) تركيا تضع العراقيل والمشاكل بوجه أكراد العراق لمحاولتهم ضم مدينة كركوك إلى كردستان. العراق لما تضم هذه المدينة الغنية بالنفط من دافع في حالة ضمها إلى كردستان العراق اعلان استقلالهم من خلال حصولهم على اهم مصادر الثروة الاقتصادية وهو النفط.

(3) إن امتلاك العراق لثروات نفطية هائلة وبكميات اقتصادية دفع تركيا للضغط على العراق من  خلال استخدام المياه كأحد أساليب الضغط الاقتصادي على أساس أن المياه هي ثروة تركية خالصة كما هو النفط ثروة عراقية خالصة، ومن خلال مقايضة النفط بالمياه ستخضع تركيا.

……………….

(1)عبدالرحمن محمد داود، مصدر سبق ذكره، ص80-78.

(2) هدى خلف علي، دور متغير المياه في مستقبل العلاقات العراقية تركية بعد عام 2014، رسالة ماجستير غير منشورة، مقدمة الى كلية القانون والعلوم السياسية، جامعة العراقية، 2021ص2.

(2) تلا عاصم فائق، مصدر سبق ذكره، ص 203.

(21)

الأهداف الأمنية : تتمثل الأهداف الأمنية من وراء اقامة تركيا هذه السدود والمشروعات في سعيها الأحداث تغيرات ديمغرافية في منطقة (جنوب شرق الأناضول التي يقطنها غالبية كردية بحدود (12)مليون نسمة من, خلال تحويلها إلى منطقة جذب سكاني، تتوفر فيها كل المستلزمات الحياتية، وفرص العمل بغية توطين ستة ملايين تركي، اذا كانت منطقة  شرق الأناضول والتي تسكنها الأغلبية الكردية تشهد منذ فترات طويلة إضطرابات وحركات مسلحة بين الأكراد من جهة والجيش وقوى الأمن التركية من جهة أخرى، لذلك فإن الحكومة التركية رأت أن أفضل السبل المواجهة هذه الأضطرابات، هي تنمية وتطوير المنطقة لذلك عمدت على إيجاد محفزات للأتراك من أجل القدوم لهذه المنطقة لأجل إحداث تغيرات ديمغرافية في التركيب السكاني لهذه المنطقة وجعل الأكراد أقلية فيها، لذلك وجدت الحكومة التركية أن هذا لا يمكن تحقيقه الا عن طريق إقامة المشروعات المائية الضخمة المتمثلة أساساً بمشروعات جنوب شرقي الأناضول والذي اعتبره حزب العمال الكردستاني (pkk) واحداً من الأهداف العسكرية المقاومة سياسة الحكومة التركية(1) .

كانت الحكومة التركية تعتمد على الحل العسكري لمواجهة الحركات الكردية المعارضة؛ لكنها وجدت أن الحل العسكري لا يكفي وحدة للقضاء على الحركات الكردية المسلحة في منطقة جنوب شرق الأناضول لذلك بدأت بالبحث عن حلول أخرى تكفل لها حل  هذه القضية، ووجدت إن المشروعات المائية هي جزءاً من ذلك الحل بعد فشل الوسائل التي لجأت اليها الحكومة التركية مثل إعتماد سياسة تقوم على إفراغ القرى الكردية من سكانها وتدميرها للحيلولة دون استخدامها مرة ثانية مقراً أو مارئ يلجأ اليه مقاتلي حزب العمال الكردستاني ومن ثم هجرة سكانها إلى مدن تركية الكبرى (2).

خلاصة ما تقدم يمكن القول أن الحكومات التركية المتعاقبة عملت على تنفيذ سياسة موحدة فيما يخص مسألة المياه من خلال بناء المشروعات والسدود على نهري دجلة والفرات متخطية بذلك كل الأعراف والمواثيق الدولية التي تخص الأنهار الدولية من أجل تحقيق أهدافها، وبسط نفوذها الأقليمي على المنطقة من خلال هذه المشروعات الاستراتيجية.

……………….

(1) احمد جاسم ابراهيم الشمري،مصدر سبق ذكره، ص 49.

(2) مصدر نفسه،ص52.

(22)

المطلب الثاني : القضية الكردية

لقد شغلت المسألة الكردية حيزاً واسعاً ومهماً ومؤثراً في العلاقات العراقية- التركية، منذ ظهورها في مطلع العشرينات من القرن العشرين،  ولا سيما كان لتلك القضية أثر واضحا في تحديد علاقة  بين الطرفين، والتي  كان قائمة إلى خلق حالة من التوتر بين الطرفين، باعتبارها أحد النقاط القلق التي واجهتها كل من العراق وتركيا، وكما انها لا تخص فقط العراق وتركيا بل ي مشكلة اقليمية، لنظر لامتداد الاكراد الجغرافي في اكثر من دولة،   إذ أن الأكراد بحكم وجودهم في المنطقة الحدودية الممتدة بين كل من سوريا والعراق وإيران وتركيا، يمكن أن يشكلوا عاملاً إقليمياً مؤثراً في العلاقات بين تلك الدول  و لا سيما  العراق وتركيا ، وبحكم هذا الإمتداد  الجغرافي واكتسب المنطقة (إقليم كردستان )، أهمية جيوسياسي واستراتيجية واقتصادية كبيرة، بالتالي أن اي تعامل  مع أكراد بطريقة غير سليمة سيؤدي إلى أضطراب إقليمي تسببه هذه الأقلية في أي دولة وستكون له تداعيات وانعكاسات علي بقية الدول (1).

يشكل الأكراد غالبية سكان المحافظات الشمالية (أربيل السليمانية دهوك، كركوك)،   وتعود جذورها الى بعد  لاندحار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وظهور الدولة العراقية على يد البريطانيين عام (1921م)، إذ طالب الأكراد إما بدولة مستقلة لهم، أو التمتع بحكم ذاتي في كردستان العراق ، ومن ذلك التاريخ بدأت المشكلة الكردية في العراق وحتى يومنا هذا واحدة من أعقد المشاكل التي عجزت القيادات السياسية الحاكمة كلها على تسويتها بالقدر الذي يحقق تناغم وتعايش القوميتين الكردية العربية (2).

لقد احدثت المشكلة الكردية منعطفاً مهماً في الخارطة السياسية المضطرية للمنطقة الشرق الأوسط نظرا، لأبعادها الدولية والإقليمية و المحلية، ولا سيما  بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، وما نتج عنه من وضع جديد في المنطقة تمثل بغياب سلطة الدولة، مما دفع بحزب العمال الكردستاني إلى الاستفادة من ذلك الواقع ليتخذ من المنطقة الحدودية العراقية مع  كل من إيران وتركيا موقعاً جديداً لمعسكراته وتدريباته العسكرية، وبالتالي ستؤدي الى تهديد الامن القومي لدولتين  (3) .

……………….

(1) سامح ساهي جاسم، الدور التركي في المنطقة العربية بعد عام 2002، رسالة ماجستير غير منشورة، مقدمة إلى كلية العلوم السياسية،جامعة النهرين، 2012،  ص86.

(2)عبد الرحمن محمد دواد، مصدر سبق ذكره، ص 39.

(3)صالح احمد عيسى القرعان، مشكلة الأفراد واثرها على العلاقات العراقية التركية، مجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية، كلية العلوم الإدارية،جامعة العلوم التطبيقية،العدد 32، 2018، ص39

(23)

لذا تعد لمسألة الكردية في العراق أهمية خاصة تتعدى حدود العراق كدولة ، وخاصة منطقة كردستان العراق التي لها أهمية  كبيرة وسبق أن ذكر اعلاه،  وتعود تلك الأهمية لوجود النفط في تلك المنطقة، فضلا عن كونها كقضية تشكل نزاعا داخليا في دول الحدود مع العراق وتركيا وايران، فاصبحت مصدرا للخلاف والصراع بين هذه الدول، وبعد عام 2003، ونتيجة لغزو العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي  احداث تحولات سياسية على مستوى القضية الكردية،  اصبحت قضية  تشكل قلقا وارباكا لحسابات صانع القرار تركيا تجاه العراق، وبالتالي كان الحكومة التركية الممثلة بحزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامية، ترفض المشاركة في هذه الحرب ضد العراق، وكان احد اهم الاسباب رفضها هو تعاظم مخاوف التركية من تجزئة العراق، ومن ثم احتمالات متزايدة لمطالبة اكراد العراق با الانفصال واعلان دولتهم الكردية – وبدعم وموافقة أميركا ؛ ولان هذا الانفصال سوف يؤدي إلى المساهمة في تأجيج المشاعر والروح القومية لاكراد تركيا لمطالبة بالانفصال أو الحكم الذاتي، وهو الامر الذي سيشكل تهديدا لأمن  تركيا  و بدورها الاقليمي في المنطقة  وبمعنى أن موضوع أكراد بات يشكل خطراً على الاستقرار دول المجاورة للعراق ولاسيما تركيا (1).

في ضوء ذلك  اصبحت قضية الكردية هاجسا امنيا وسياسيا واجتماعيا متصاعدا لغالبية الحكومات التركية المتعاقبة يمكن ان نلخصها بما يلي(2).

(1) عد القضية الكردية واحدة من أهم الأخطار التي تهدد الأمن القومي التركي على اعتبار أن هذه القضية تؤدي إلى تجزئة الأراضي التركية.

(2) إن العلاقة بين الطرفين اتسمت بالعنف لاسيما من الجانب التركي الذي كرس أغلب عملياته العسكرية في المناطق الكردية لقمع الحركات الكردية.

(3) العمل على تشكيل فرق ومجموعات كردية مؤيدة للتوجهات السياسية التركية.

(4) حاولت الحكومة التركية تؤدي سياسة (فرق تسد) بين الأكراد بمحاولات عدة من خلال زرع الفتنة والفرقة   ما بين المنظمات والأحزاب الكردية، و كذلك حزب العمال الكردستاني و لاسيما بعد اعتقال زعيمه “عبد الله أوجلان”، من قبل المخابرات التركية .

(5) العمل على استقطاب وكسب التعاطف الديني والاجتماعي للأكراد، لاسيما أن معظم الأكراد هم من المسلمون.

……………….

(1)صالح احمد عيسى القرعان، مصدر سبق ذكره، ص 398.

(2)عبد الرحمن محمد داود، مصدر سبق ذكره، ص42.

 

(24)

ان حكومة التركية كانت تقوم على راقبت عن كثب الأحداث والتطورات في كردستان العراق، بعد الاحتلال الأمريكي، لمعرفة ما تريد ان تقوم بيه الكرد، اراد الكرد إقامة دولة قومية كردية ليست وليدة احداث آنية، بل فكرة قديمة منذ رسم الخرائط السياسية في المنطقة العربية، بالتالي وبعد الاحتلال قدم الى الكرد فرصة سانحة، أبدات مطالب تعلوا من اجل حق تقرير المصير، والمتمثلة  بانفصال اقليم كردستان عن الحكومة الاتحادية، وساعدت الاحداث الداخلية والاقليمية والدولية الى تطبيق  نظام فيدرالي في العراق والذي يقود إلى تأليف حكومة كردية موحدة تضم جميع الفصائل الكردية، وفعلا بدأت تركيا بتحركات دبلوماسيتها مكثفة مع الجانب العراقي لضمان السيطرة على التحركات الكردية وضمان عدم امتدادها لتصبح نواة حقيقية لدولة كردية مستقلة كانت قبل الحرب وتعد خطأ احمر يجب عدم تجاوزه ، ويهدفان  العراق  وتركيا هو عدم أقامت كيان مستقل للأكراد  (1).

ان الموقف التركي بعد الحرب على العراق لعام 2003، كان حاكم من اعتبارات سياسية واقتصادية وامنية وتغلبت عليه هواجس الخوف والقلق من تداعياتها على الامن القومي التركي، ولم ينحصر القلق التركي البالغ من احتمالات قيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق فحسب، وانما ما ستتركه الحرب من تبدلات جوهرية في خارطة موازين القوى عبر الاعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على لاعبين جدد، وكانت ترسم  في  الأفق عدة متغيرات بعد الاحتلال العراق من قبل  الولايات المتحده الأمريكيه،  فيما يخص مسألة الكردية، تعدها مؤذية جدا عليها، واهمها (2):-

(1) انتقال العراق من النظام الشمولي الى النظام التعددي .

(2) ظهور كيان كردي بكل ما تعنيه الكلمة.

(3) تمركز مسلحي حزب (pkk) في شمال العراق .

(4) ارتفاع درجة التضامن والاخوة بين اكراد العراق واكراد تركيا.

………………..

(1) كريم رقولي، العلاقات العراقية التركية في ظل القضايا العالقة بينهما، مجلة الجزائرية للأمن والتنمية، جامعة سطيف-الجزائر، 2022، ص222

(2) سامح ساهي جاسم  ،مصدر سبق ذكره،ص 87.

(25)

اهم الأسس او محددات العلاقات التي تقوم بين العراق وتركيا في ظل قضية الكردية :-

اولا : المحددات السياسية:

استند الموقف التركي على العديد من المسائل السياسية في العراق كثوابت له في طبيعة تعامل تركيا مع القضية الكردية في العراق، بعد سقوط النظام السابق في 2003، ودخول القوات الكردية (البيشمركة) مدينة كركوك، وتبني اكراد شمال العراق نظاما فيدراليا على اساس قومي، أدت إلى زيادة مخاوف تركيا من تنمية طموحات الاكراد والحذر نحو الانفصال عن العراق،لذا قامت تركيا بالتحذير من  اي محاولة لتوسيع الفيدرالية الكردية في العراق لتشمل كركوك ايضا، يمكن القول ان الاهتمام ان الجانب التركي بموضوع تركمان العراق وكركوك ينطلق من خلال محاور ما يلي(1)  :-

(1) مادام التركمان في العراق يعدون شعبً من شعوب الأومة التركية، لذلك فعلى تركيا مناصرتهم .

(2)  شعور تركمان العراق بانتمائهم القومي، وكون تركيا الدولة الوحيدة في العالم التي يمكن ان نسندهم وقت حدوث الأزمات.

(3) الاحساس السائد لدى القادة الأتراك بأن ولاية الموصل التي كانت تقسم كركوك حتى العام 1918، قد استحوذ عليها البريطانيون بحكم القدر وان معاهدة لوزان المبرمة في العام 1923، لم تحل هذا الاشكال في حينه.

(4) اما كركوك فتمثل الأهمية استراتيجية لتركيا وذلك لأحتوائها على نسبة كبيرة من النفط تقدر بنحو (40%) من إجمالي احتياطات النفط العراقية التي تقدر بنحو (12) مليار برميلوان ما يقرب من (50%) من النفط العراقي يصدر عن طريقها.

(5) وترى ان سيطرة الأكراد على كركوك والحاقها بالاقليم، من شأنه ان يزيد من قوتهمالسياسية وقدراتهم الاقتصادية، ومن ثم احتمال مطالبتهم بالانفصال عن العراق، وقيام دولة كردية مستقلة مما يزيد من تعاظم قوة حزب العمال الكردستاني التركي حيال الدولة التركية(2).

………………..

(1) ايناس احمد غزال الحميري، الدول الاقليمية واقليم كردستان العراق بعد 2003، دار الابداع، تكريت، ط1، 2021، ص102-105.

(2 ) منى حسين عبيد، العلاقات العراقية  التركية واثرها في استقرار العراق، مجلة دراسات دولية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، العدد 60، ص 107.

(26)

ثانيا : المحددات الاقتصادية:

يؤدي العامل الاقتصادي احد اهم محددات الموقف التركي ازاء  علاقته العراق، والذي يبرز كاحد اهم الشركاء التجاريين لتركي، من حيث التجارة البرية البيئية والغاز الطبيعي والاستثمارات التركية في العراق وعمل شركات البناء والانشاءات التركية على اراضيه، ومع استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لشن الحرب على العراق عام  2003، تحذرت تركيا كثيراً من تكرارمن ذلك القرار، مما ادى الى خلق جواً من التوتر ضرب مصالحها الاقتصادية نتيجة هذه الحرب، ورغم الاغراءات الاقتصادية التي قدمتها الولايات المتحدة من مساعدات مالية كانت حوالي (6) مليارات دولار الى جانب قروض بقيمة(24) مليار دولار التي كان من الممكن أن تستخدمها تركيا لمعالجة ازمتها الاقتصادية، الا أن البرلمان التركي رفض المشاركة في الحرب على العراق (1).

وبعد الحرب على العراق جاء الموقف الامريكي باستبعاد الشركات التركية من عقود اعادة الاعمار، لذا رسخت تركيا جهودها الدبلوماسية، لتطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية بشكل مزدوج مع الحكومة المركزية، ومع استمرار التقدم التجاري والاقتصادي بين الحكومة التركية واقليم، وافقت الحكومة على افتتاح القنصلية لتركيا، و بعدها منح الاقليم  الشركات التركية النصيب الاوفر، وكما سوغت الحكومة الكردية هذا الاجراء، نتيجة ان الشركات التركية كانت اقرب جغرافيا الى شمال العراق، واعتبرت تركيا الشريك الاول الاقليم، بمعنى انطلقت تركيا الى اقامة العلاقات مع اكراد العراق افضل من تركهم لمن يستغلهم ضدها اي ان يكونوا اصدقاء افضل من ان يتحولوا الى اعداء (2).

تقوم الحكومة التركية بسياسة الاحتواء مع اقليم كردستان العراق لتحقيق هدفين الأول: هو التأثير على حكومة اقليم كردستان العراق الضبط الحدود مع تركيا ومنع (PKK) من شن الهجمات على تركيا، والثاني: ربط اقليم كردستان العراق اقتصاديا بتركيا والتأثير غير المباشر في سياسة الاقليم، وكذلك هناك محدد الاخر هو الجانب الامني،لارتبط العراق وتركيا بقضايا امنية مشتركة، ولاسيما حزب العمال الكردستاني، والتي تعتبرها تهديد الامن القومي (3).

………………….

(1) ايناس احمد غزال الحميري، مصدر سبق ذكره ص110 .

(2)مصدر نفسه، ص111.

(3)مصدر نفسه، ص116.

(27)

 

يمكن القول ان الثابت بالنسبة لتركيا هو رفض منح استقلال ذاتي للأكراد في تركيا، ومحاربة تطلعاتهم الاستقلالية ومنع اقامتهم لعلاقات مع نظرائهم في الدول الأخرى ، ووصل بها الأمر إلى محاربتهم ورفض تواجد أي كيان كردي في المنطقة يشكل نواة للاستقلال واثره في العلاقات مع العراق وتعاونها معه للحد من وجوده، اما المتغير بالنسبة لتركيا تأثرت بالأوضاع في عام 1991، ونزوح اعداد كبيرة من الأكراد اليها و من ثم فرض دولة الأمر الواقع في التسعينات وقبول تركيا بها، وبعد عام 2003، اضطرت للتعامل مع اقليم کردستان رغم رفضها له بادي الأمر لكنها عبرت سياستها واقامت علاقات متينة معه(1).

الثابت بالنسبة للعراق دائما ما اعترف العراق بحقوق الأكراد كقومية، وسبق أن اعطاهم حكم ذاتي لكن الأمر لم ينجح، ولا يرضى العراق بانفصال الأكراد عنه في دولة مستقلة، ولم يتدخل العراق في شؤون أكراد تركيا؛  لكنه تعاون معها في الحد من نشاط حزب العمال الكردستاني في أراضيه، اما المتغير للعراق اضطر للتعامل مع وجود كيان قائم في شماله بعد عام 2003، أصبح هناك نظام فدرالي واصبح للأكراد نظام مستقل عن الحكومة الاتحادية واقام علاقات جيدة مع تركيا و بالطبع تتأثر علاقات العراق مع تركيا في ظل هذا الأمر(2).

يمكن القول أن العلاقات العراقية التركية شهدت ولا زالت تشهد الكثير من المشكلات، لاسيما الإشكالية المائية والقضية الكردية يعتبران من اهم المشكلات التي يواجهها العراق وتركيا، نتيجة تأثيراتها السلبية، وقد استغلت تركيا هذه المشكلات في تحقيق غايات اقتصادية، وسياسية، وأمنية ، وقد ادت في النتيجة الى تدهور في بعض العلاقات فيما بين الاطراف، وان سياسة تركيا تجاه هذه المشكلات يمكن ان تكون مدخلا مهماً لصراع طويل بارد بينها وبين العراق.

……………….

(1) دينا هاتف مكي، مصدر سبق ذكره، ص262.

(2) مصدر نفسه، ص262.

(28)

المبحث الثالث : مستقبل العلاقات العراقية التركية

تمر العلاقات الدولية بمراحل مختلفة بين التعاون والتنافس والصراع بحسب ما تتأثر به من متغيرات داخلية وخارجية، وترتكز عليه من عوامل تتحدد وفقها طبيعة هذه العلاقات بين السلب والإيجاب، وهذا الأمر ينطبق على العلاقات العراقية-التركية، وما تمر به من مراحل مختلفة، وهذا يعني إن العلاقات التركية – العراقية، تتأثر بمجموعة من العوامل يُشكل بعضها محفزات للتطور الإيجابي، والآخر كان كابحاً أو سبباً في توترها، كما أن انعكاس هذه  العلاقات ليست بمعزل عن التأثر والتأثير في  محيطها الاقليمي والدولي في ماضيا، وحاضراً،ومستقبلاً، وعلية تم تقسيم المبحث إلى مطلبين.

 

المطلب الثاني : انعكاسات القضايا المؤثرة على العلاقات العراقية التركية

تأخذ العلاقات العراقية التركية منحنى من  قضايا، وبدورها تؤدي انعكاسات على كلا الطرفين، ولقضايا  مختلفة، وقد تكون لها  سياقات متعددة، اما قد تكون منها  سياسية، واقتصادية وامنية، والاجتماعية  الخ ….،  وانها من العوامل المؤثرة في العلاقات العراقية التركية،  و منذ إعلان تأسيس الدولتين، وتمحورت حولها سياستهما داخلياً وخارجياً، فالقضية الكردية كانت و ما زالت اقليمية أ كثر من محلية، بالتالي ستكون انعكاساتها السلبية على محيط الاقليمي، وبالنظر إلى أن قضية الكرد احدى القضية العالقة بين الطرفين، اذا لابد من يكون  هناك مردودات عكسيةعلى  تلك العلاقات اما اقتصاديا، او امنيا ، و لا سيما ماتسعى لها حكومة كردستان العراق من الحلم  الاستقلال، ومن خلال اصرار هم على تحقيق الاستفتاء الذاتي، الذي كان يشكل قلقا وارباكا على مستوى الداخلية(المحلية)، وعلى مستوى الخارجية (الاقليمي) و لاسيما مخاوف تركيا من ذلك الاستفتاء، لانه سوف يؤدي الى تهديد أمنها القومي، أن المطالب الكرد بالاستفتاء واحصولهم على الحكم ذاتي ستؤدي إلى تفكيك الدولة، واعادة تشكلها على شكل دويلات قائمة على اسس عرقية ومذهبية،اما على مستوى الجوار الجغرافي ستؤدي الى ارباكا لحسابات صانع القرارالتركي  وذلك لوجود المناطق المتنازع عليها واهم كركوك والتي تعد من الثوابت  لتركية حيال العراق وماتمثل رمزية القيمة الاقتصادية ، وعلى الرغم ان تركيا تملك أوراق ضغط مهمة في  اولها العامل الجغرافي و الثاني البعد الاقتصادية إذ تمثل شريان الحياة وممر تصدير الغاز بالنسبة له وثالث هو تواجدها العسكرية في شمال العراق، في حالة الاستفتاء (الكردية) ستكون انعكاساتها على مستوى الداخلية ولاسيما الاقتصاد العراقي وستنعكس على الاستقرار السياسي والاقتصادي في العراق(1).

……………….

(1)ايناس احمد غزال الحميري، مصدر سبق ذكره، ص 105.

(29)

اولا: على الجانب الاقتصادي

تتعرض لمصالح الاقتصادية لتركية الى تهديدات،  وذلك لارتباطها  بـــ أهم المنفذ التجارة الخارجية مابين العراق وتركيا هي( موصل)، و تعتمد كل منهما على هذا الطريق في نقل نسبة كبيرة من صادراتها إلى العراق والى الخليج العربي، وبالتالي ان اي مشكلة  بين الطرفين سوف تؤدي إلى تهديد مصالح الطرفين وبدوره سوف ينعكس سلبا على مصالح الطرفين، فضلا عن ان موضوع( نفط كركوك) والتي تعتبرها  تركيا انه جزءا من الاراضي التركية بموجب ميثاق الوطني التركي في عام 1920(1).

تركز اولويات تركيا  في الاقليم كردستان اولهما على مستوى الاقتصادية ومنها الطاقة والتجارة  ان اقليم حكومة كردستان عززت توجهها في منح الشركات التركية الأولوية في مشروعات اعمار اقليم  كوردستان، فضلا عن مساهمة تركية في استثمار حقول النفط المستغلة حديثا من قبل حكومة اقليم كردستان العراق، والذي  يشكل فرصة لتركيا من ناحية الحصول على البترول بلأسعار تفضيلية، وان  استغلال تركيا لمصادر الطاقة القريبة منها، بالتالي سيوفر لها البترول باسعار رخيصة قياساً بالاسعار العالمية ؛ لكنه سيكون مرهون  بتأمين طرق مرور  و ان اي عرقل بمرور النفط عبر خطوط انابيب جيهان كركوك سيشكل تاثير على تركيا ، وان ميناء جيهان احد  اهم  التاثيرات طاقوية بين الدولتين وحدوث توتر بينهما  (2).

بمعنى ان توجه تركيا بوصلتها  اتجاه إقليم كردستان، من مصالحها وذلك  لكونه اقليما غنيا بالنفط والغاز الطبيعي، وتشكل أنابيب النفط من شمال العراق إلى الموانئ التركية على البحر المتوسط الأدوات الأكثر كفاءة، والأقل كلفة لنقل النفط العراقي إلى أوربا، وبذلك فإن صفقات الطاقة، تشير لتحول كبير في علاقات تركيا تجاه العراق، و هناك الآن إشارات واضحة بأن تركيا ستدعم علاقتها مع العراق باعتبار أن انقرة تحقق فائدة ضخمة من مصادر الطاقة في الاقليم، وذلك يصب في مصالحها وقد أحدث زيارة للبرزاني لديار بكر هي إشارة واضح لمدى النمو الذي وصلته  تركيا مع علاقتها  باقليم كردستان العراق، وبدوره سوف ينعكس على العلاقات على نحو ايجابي(3).

…………………..

(1) صالح احمد عيسى القرعان، مصدر سبق ذكره، ص411.

(2) مصدر نفسه، ص 412.

(3) سامح ساهي، مصدر سبق ذكره، ص99.

(30)

تشهد العلاقات العراقية تركية تحولات الجديدة، و لا سيما بعد زيارة رئيس رجب طيب اردوغان إلى العراق  في عام 2024 ، والتي تمثل حدثا في  بالغ أهمية في العلاقات الثنائية بين الدولتين، وجاء فيها توقيع الاتفاقيات مشتركة بين الطرفين، وبدورها سوف تنعكس بمنحى الايجابي على علاقات كلا الطرفين، والتي  بمقتضى ذلك ستدعم إلى معالجة القضايا العالقة  بين الدولتين،و تحقيق تقدم وقفزة نوعية شاملة في  العلاقات التعاون بين العراق وتركيا، ولاسيما في مجال الطاقة، لا شك ان اقليم له دورا رئيسيا في قطاع الطاقة خصوصا مايتعلق بنقل النفط والغاز من العراق إلى تركيا ومنها إلى الاسواق العالمية، و كماهناك رؤية واضحة لزيارة رجب طيب اردوغان إلى عودة ضخ النفط إلى ميناء جيهان مرة اخرى، بعد توقف دام سنوات، تعمل تركيا جهدا الحصول على تدفق النفط من جديد، وفق مسارات تخدم كلا الطرفين وبدورها سوف تؤدي إلى مكاسب مالية،واقتصادي، ولا سيما ترتبط الصادرات العراقية  بتركية بالنفط ارتباطا كبيرا، فضلا عن تعزيز الاستثمارات التركية في العراق ولاسيما ان الشركات التركية تعد من اكبر المستثمرين الاجانب في العراق ( توسع نفوذها الاقتصادية)، وخاصا في اقليم كردستان التي تتركز على الاستشمار بشكل اساسي، ومما وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة  وكذلك مردودات مالية كبيرة، و بالتالي تنعكس على تطور علاقاتهما  وتسعى تركيا تعزيزوجودها في منطقة(1).

ومن خلال دراسة حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا في محاور السابق تبين ان احد الامور التي كان لها  مردودات سلبي، وبدورها انعكست على طبيعية العلاقات هو بالنسبة العراق تقف بوجه تحقيق الشراكة التجارية المتكافئة مع تركيا، ومشكلة هي ان العراق كان يعاني من ضعف ا في داء القطاعات الاقتصادية الانتاجية في العراق، وعدم تمنكها من تغطية العديد من حاجات الاساسية، وكان التفوق الصالح التركي في حجم تبادل التجاري ،  ان الاولويات الاقتصادية المشروع التنمية ستنعكس تطور  الاوضاع السياسية والاقتصاديه في المنطقة، نتيجة تخلف القطاعات الانتاجية العراقية، يمكن القول ان الاقتصاد التركي يربط بعجلة الاقتصاد العراقي ويمكن يدار بطريق معكوس، وما يتحقق من استثمار لتعيمق التجارة البينية  ويكون مرهونا بمدى ما يتوفر لدى الجانب التركي من حرص على مسار علاقاته مع العراق(2).

………………..

(1) تقرير المؤسسة شفق الثقافي عن تعرف على الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقعها العراق مع تركيا بحضور اردوغان الصادر عام 2024 على موقع المؤسسة، تاريخ الزيارة 19\5\2024

https:\\shafaq.com.

(2)حسين علي عران الجبوري، مصدر سبق ذكره، ص 224.

(31)

اما على الامني والسياسي ان وجود حزب العمال الكردستاني ينعكس على اداء الاقتصاد التركي،  ولا سيما تخوف من متزايد من جانب تركيا حول مشروعات طريقة التنمية، هذا الطريقة تواجه تركية فيه تحديات امنيا وبدور ينعكس على اداء الاقتصاد، وبالتالي سيكون مرهون بالتنسيق مع الجانب التركي كون الطريق يصل الى شبكة النقل الاروربية من خلال تركيا، وتركيا تميزت بعدم استقرار علاقاتها مع العراق، والمشكلات بين الدولتين مستمرة حول المياه وكذلك  وجود حزب العمال الكردستاني، وكذلك لايزال هناك تنظيم “داعش”، له خلايا الانشطة نائمة، مما يعرقل الوصول السلاسل بامان إلى تركيا (1).

وهذا فرصة جيدة لإعادة ضــبط العلاقات- التركية  في ظل حاجة الطرفين الى تسويات بخصوص الملفات الاكثر إلحاحا (تحديدا العمليات العسكرية التركية ضد عناصر ” بككا ” في الاراضي العراقية ، وموضوع استئناف الصادرات النفطية عبر الأنبوب العراقي- التركي) وعلى الأرجح، فإنّ الوصول إلى تسويات في هذين الملفين سينعكس ايجاباً على الملفات الأخرى، ويُعيد وضع العلاقات بين الطرفين على السكة الصحيحةولا يُشترط أن يحدث ذلك في إطار صفقة كبرى شاملة، ولكن عبر صفقة جزئية تُمهِّد الأجواء لبناء الثقة ولخطوات مستقبلية أخرى .

 

 

………………….

(1)ريام علي حسين ونسرين رياض شنشول، مصدر سبق ذكره، ص6.

(32)

 

المطلب الثاني : سيناريوهات المستقبلية للعلاقات العراقية التركية

قد تشهد العلاقات العراقية التركية في المستقبل تحولات عديدة في ظل الوضع القائم سواء اكانت  تلك الأوضاع قائمة داخليا ام خارجيا، حيث بإمكان هذه الاوضاع  والقضايا، أن تؤدي الى استمرار الوضع القائم في  العلاقة بين الدولتين أم قد تكون دافع ايجابي لتطوير العلاقات الثنائية بينهما، أو قد تتوتر العلاقات بين الطرفين، وعليه سنسعى لتحديد الرؤية المستقبلية للعلاقات العراقية التركية على النحو الاتي- :

اولا :  سيناريو بقاء الوضع على ماهو عليه في العلاقات العراقية التركية:

يقوم هذا الاحتمال على افتراض استمرار العلاقات العراقية التركية على ما هي عليه، من دون اي تقدم أو تراجع، إذ يتبنى هذا الاحتمال  بقاء العلاقات العراقية التركية على وتيرتها الحالية، دون تراجع أو تقدم، وهذا الاحتمال ضعيفا، ولعده الاسباب ومنها  التطورات والتحولات سريعة  الحاصلة  بين العراق وتركيا، ولاسيما في ضوء  توقيع عدد من  الاتفاقيات بين الطرفين في عام 2024 في قضايا مخلتفة ، والسبب الثاني هو ان كلا الدولتين بحاجة الى بعضهم البعض، ولا سيما ان العراق يعد شريكا تجاريا مهما لتركيا،  اما تركيا بدورها تعتبر  ممرا حيويا  للعراق لتصدير نفطه واستيراد البضائع، وبمقتضى هذا على الطرفين  استمرارفي علاقتهم دون اي تغير(1).

………………..

  • عبد الرحمن محمد داود، مصدر سبق ذكره، ص114.

(33)

مع احتمالية بقائها على ما هو عليه  ولعده الاسباب في ضوء وجود القضايا متعددة  القائمة بين الدولتين ، ومنها القضية الكردية، ومشكلة  وجود حزب العمال الكردستاني، وقضايا المياه، وانعكاساته السلبية  على العلاقات، ولاسباب اولا غياب الحلول الحقيقية القضايا القائمة، وثانيا افتقاد الارادة السياسية والادارة المصالح ،  لمواجهة هذه القضايا المعقدة، والتي هي ليست وليدة اليوم، وستكون مؤثرا في العلاقات العراقية التركية، و لا سيما عند  حصلوا اكراد العراق على الانفصال؛  فأن ذلك سيؤثر على الأمن القومي العراقي والتركي، فضلا عن ارتداداتها الخطيرة على الوحدة والسيادة، لكلا الدولتين (تركيا، والعراق )، ولذلك تعد هذه قضايا من احدى  الثوابت في العلاقات  بين الطرفين،  وفي ضوء ذلك ستظل هذه العلاقات مرهون بتلك القضايا و ستشكل قلقاً وارباكا لحسابات الدولتين؛  وبسبب ذلك ستبقى العلاقات بينهما كما ما هو عليه الان (1).

اما بالنسبة قضية المياه و التي تحكم العلاقات الثنائية بين العراق وتركيا، وستكون عالقة دائما بين العراق وتركيا، و دون الوصول الى حل نهائي في ضوء لعده الاسباب (2):-

اولا : نظرا لما تقوم به تركيا ببناء سدود كبيرة على نهري دجلة والفرات ومنها  مشروع غاب الكبير  ( التي تدعم التنمية الاقتصادية لتركيا  ولاسيما مشروعات الزراعية والصناعية)  على حساب غيرها،  و الذي  بدوره تلك السدود تؤثر وبا استمرارفي التأز العلاقات العراقية التركية ، فعلى مدى السنوات السابقة والحكومات المتعاقبة ؛ لم يتم التوصل الى حل حقيقي بخصوص قضية المياه،

ثانيا:  إدعاء تركيا بأحقيتها بالسيطرة على منابع  نهري دجلة والفرات، لكون تركيا دولة منبع وهذه هي ميزة الجغرافي التي تعطيها احقيتها في السيطرة على منابع، وتسعى لضمان السيطرة على هذا المورد الحيوي، وتعتبره موردا استراتيجيا للامنها القومي، ويشكل نقطة ضعف بالنسبة العراق  .

في ضوء ذلك تكون العلاقات على ما هي عليه.

…………………

(1)عبد الرحمن محمد داود، مصدر سبق ذكره، ص115.

(2) كمال عبد كشمر الطائي، أزمة المياه وأثره فيالامن الاقتصادي (دراسة في الجيوبوليتك)، رسالة ماجستير منشورة، مقدمة الى كلية العلوم الانسانية، جامعة كربلاء، 2020، ص70-71.

(34)

ثانيا : سيناريو تراجع العلاقات العراقية التركية

يقوم هذا سيناريو على ان العلاقات العراقية التركية معرضة للتراجع والمتمثلة الاسباب ما يلي:-

اولا : التغير في النظام العراقي وتوجهاته

من خلال دراسة مسار طبيعة العلاقات العراقية التركية وخلال حقب زمنية مختلفة، نرى اختلافات في توجهات  الحكومات العراقية التي تولي  للسلطة ذات افكار وتوجهات بعيدة عن التوجهات التركية، وهذا يعد سببا ومؤثرا في تراجع العلاقات العراقية التركية أو اعاقتها لحقبة زمنية قادمة، العراق المتغير لديه تغير النظام وتوجهاته، اما الثابت لديه اهمية وجود علاقات مع تركيا و مع رفض تدخلها في شؤونه، و الابرز الامثلة  ان تركيا تعتبر تجربة الاكراد في العراق مصدر قلق امني ؛ لكن نتيجة تدهور العلاقات التركية مع حكومة بغداد، اضطرت تركيا الى مراجعة توجهاته(1) .

ثانيا:  استمرار ازمة المياه بين الدولتين، وتعنت الجانب التركي في اتخاذ الاجراءات اللازمة للإطللاقات المائية في حوضي دجلة والفرات وتقليص الاطلاقات المائية الواصلة للعراق، سيؤدي هذا  الاحتمال الى ترجع العلاقات بين الدولتين،   .

ثالثا:  استمرار التدخلات العسكرية في الاراضي العراقية وعدم اغلاق قواعدها العسكرية التركية

………………

(1) دينا هاتف مكي، مصدر سبق ذكره، 280.

(35)

 

ثالثا: سيناريو تطور العلاقات العراقية التركية

رغم وجود قضية الخلافية بين العراق وتركيا ؛ لكنه يبقى هذا السيناريو الاقراب الى الواقع ولعده الاسباب(1) :-

اولا :العامل الاقتصادي

يسهم هذا العامل الاقتصادية  في تعزيز العلاقات المستقبلية بين العراق وتركيا، لنظرا لوجود  المصالح الاقتصادية المشتركة بين العراق وتركيا، وهو عامل مهما  من العوامل التطورفي العلاقات بين الدولتين ، و لا سيما ان  الحاجة منفعة متبادلة تسود العلاقات بين الدولتين، فبالنسبة للعراق تشكل لتركيا مدخلاً حيوياً الوارداته التجارية، ودخول مختلف أنواع البضائع والسلع إلى أسواقه هذا من جانب، ومن جانب آخر تعد تركيا منفذاً مهما لتصدير النفط العراقي عبر الأراضي التركية بوساطة الأنابيب التي تمر داخلها وصولاً إلى الموانئ التركية،  اذا  ان العراق يعد أكبر مستورد من تركيا بعد المانيا وفق بيانات عام  2013، ليصل حولي 11.9 مليار دولار  .

فضلا عن ان العراق اصبح من الاسواق الهامة للمستثمرين الاتراك، ودخلت عدد من الشركات والمستثمرين الاتراك في مشاريع وعقود طويلة الاجل مع شركات عراقية ، ليصل عدد الشركات التركية في العراق الى 1500 شركة معظمها تعمل في قطاع الانشاءات والمقاولات، والتي وصل عدد المشروعات التي نفذتها حتى نهاية 2013 بــ824 مشروعا بقيمة 19.5 مليار دولار .

وتجدر الاشارة الى لحاجة المتبادلة لكل من العراق وتركيا ، ولا سيما في مجال الأمن يعمل الطرفين على لتامين مصالحهم،و على اعتبار أن هذا المجال بشكل حاجة ماسة لكل منهما تجاه الآخر لاسيما في ظل الأزمة الأمنية العراقية ومواجهة الإرهاب وتوجه تركيا لمواجهة حزب العمال الكردستاني الذي تعده تركيا منظمة إرهابية، إن هناك موقفاً مشتركاً ضد الإرهاب وإن تركيا عبرت عن رغبتها في الاستمرار في تقديم الدعم للعراق لمواجهة الإرهاب.

……………………

(1) فادية عباس هادي، السياسة الخارجية التركية المعاصرة ( دراسة في الدوافع والاليات )، مجلة المعهد، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، العدد(6)،2021، ص387.

(36)

 

أما في عام 2024، ارتفاع حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا اليصل الى 20 مليار دولار، حسب ما قاله رئيس رجب طيب اردغان، وتعد زيارة  رجب طيب أردوغان الى العراق يوم الاثنين ٢٤\٤\٢٠٢٤، وتعد الأولى له منذ عقد، والتقى أردوغان مع الرئيس الجمهوري عبد اللطيف رشيد وعقد عدة مباحثات مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وتم  معه حول مشروع طريق التنمية ومدى أهميته وسيكون طريق التنمية محورا مهما من محاور التعاون بين العراق وتركيا ، وأكد وزير خارجيته هاكان فيدان بأن العلاقات العراقية التركية،ستكون نموذجا مهما في المنطقة، وأشار فيدان على أهمية الاستقرار السياسي في العراق، وتم التشكيل لجنة تعاون مشتركة في التنسيق الأمني والاستخباراتي، لمحاربة حزب العمال الكردستاني،وقد ناقش الطرفان في هذه الزيارة ايضا على قضية المياه، وقال أردوغان في ذلك ان تركيا ستبذل اقصى جهدها في حل مشكلة المياه،وشدد على رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين خاصة قطاع الطاقة ومنها الأنبوب النفطي بين كركوك _جيهان  وهذا ما يعني ان هناك دلالات واضحة توحي الى وتقدم وتحسن العلاقات العراقية التركية نتيجة المباحثات الاخيرة من زيارة أردوغان الى العراق وهذا فرصة جيدة لإعادة ضــبط العلاقات- التركية(1)  .

…………………..

(1)وكالة الانباء العراقية، حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا ارتفع الى 20 مليار دولار، 2024

22\4\2024، تاريخ الزيارة 18\5\2024.                                          https:\\www.ina.iq

(37)

 

خاتمة

تعد العلاقات العراقية – التركية واحدة من أعمق واعقد العلاقات على مستوى المحيط الإقليمي، منذ قيام المملكة العراقية والجمهورية التركية بعد الحرب العالمية الأولى، اذ تأثرت هذه العلاقات بسياسات وقرارات صناع القرار في كلا الدولتين، فلم تكن هذه العلاقات تقوم على  مستوى واحد و في مختلفة مراحل تراوح علاقاتها تارةعلى  توتر وتارة اخرى على تهدئة، فبينما نظمت بالاتفاقيات والمعاهدات عديدة، ويعود السبب في ذلك إلى طبيعة القضايا التي واجهتها علاقات الدولتين منها قضية المياه، وقضية الكردية وغيرها .

استنتاجات

(1) نستنتج من خلال ذلك كلما زادت تركيا في انشاء مشاريع المائية على حوضي دجلة والفرات، وفي ظل ازمة المياه العالمية، سوف يؤدي الى تعقد العلاقات العراقية التركية في المستقبل.

(2)هناك عنصران رئيسان من شأنهما أن يحددا طبيعة العلاقة المستقبلية بين كل من تركيا والعراق، و هي توجهات الحكومة العراقية، والتي بدورها تؤدي دورا في تحديد شكل العلاقة مع تركيا وطبيعتها، فكلما كان أكثر استقلالية أصبحت إمكانية تطوير في العلاقات العراقية – التركية اكثر،وتقوم على أساس المصالح المشتركة الطرفين، و ستؤدي في المرحلة القادمة  تحديد حجم الانفتاح بين الدولتين من خلال مشروع طريق التنمية بين العراق وتركيا.

(3)يؤدي العامل الاقتصادي دورا مهما في العلاقات العراقية -التركية من خلال ارتباط تركيا والعراق، بمصالح اقتصادية مشتركة للتبادل التجاري، وهي إيجابية للطرفين، فتركيا تعتبر العراق ممرا استراتيجيا حيويا للمنتجات التركية، كما تدرك تركيا – من الناحية الاقتصادية ضرورة تواجدها على الساحة العراقية التي هي بحاجة إلى مزيد من شركات البناء لإعادة الإعمار في العراق بعد عودة الأمن تدريجيا إليه، ففي إقليم كردستان وحده تمنح أكثر من 90% من إحالات البناء الشركات المقاولات التركية، كما تتواجد المئات من الشركات التركية في العراق في شتى المجالات التجارية الصناعية والزراعية في حين يعتبر العراق تركيا منفذا مهما لتصدير نقطه عبر أنابيب النفط التي تمر عبر الأراضي التركية إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط ومن ثم إلى أسواق النفط العالمية.

(4)أدى البعد الأمني بدوره دورا مهما في العلاقات العراقية التركية، وذلك لان هناك مصلحة أمنية مشتركة بين الدولتين، لوجود تهديدات أمنية مشتركة ضد الأمن القومي التركي، والعراقي، الأمر الذي يتطلب توحيد الجهود المجابهتها، وقد تجلى ذلك بعد تأسيس المجلس الاستراتيجي بين البلدين عام 2009، الذي تضمن في أحد بنوده الدعوة إلى التعاون الأمني والعسكري بين الدولتين، ودعم جهودهما المشتركة من اجل حماية الحدود المشتركة.

(5) نستنتج بان السدود التي قامت بها تركيا ببنائها، لاسيما مشروع غاب الكبير كان له انعكاسات سلبية على الاراضي الزراعية العراقية ، مما قلل من منسوب المياه الواصلة الى هذه الاراضي، واسفر عن ذلك هجرة الكثير من أهالي الريف الى المدينة، وهذا ما يعني ان مشروعات السدود التركية تعتبر سبب رئيسي في أزمة  المياه بين العراق وتركيا.                     (38)

قائمة المصادر

اولا : الكتب العربية

(1) ايناس احمد غزال الحميري، الدول الاقليمية واقليم كردستان العراق بعد 2003، دار الابداع، تكريت، ط1، 2021.

(2)عبد الكريم علي، تركيا والحرب على العراق، دار الشجرة للدراسات والنشر، دمشق،  2009.

ثانيا: الرسائل والاطاريح

(1)بوتان مصطفى سمايل، قضايا العلاقات التركية- العراقية (قضية المياه نموذجا )، رسالة ماجستير منشورة، مقدمة الى كلية العلوم الاقتصادية والعلاقات الدولية، جامعة الشرق الأدنى، 2021.

(2) سامح ساهي جاسم، الدور التركي في المنطقة العربية بعد عام 2002، رسالة ماجستير غير منشورة، مقدمة إلى كلية العلوم السياسية،جامعة النهرين،2012 .

(3) كمال عبد كشمر الطائي، أزمة المياه وأثره فيالامن الاقتصادي (دراسة في الجيوبوليتك)، رسالة ماجستير منشورة، مقدمة الى كلية العلوم الانسانية، جامعة كربلاء، 2020.

(4)عبد الرحمن محمد داود، مكانة العراق في الإدراك الاستراتيجي التركي بعد عام 2014، رسالة ماجستير غير منشورة، مقدمة الى كلية القانون والعلوم السياسية، جامعة العراقية، 2021.

(5)  مخنف سوفيان، دور البعد الاقتصادي والامني في توجيه السياسة الخارجية التركية تجاه منطقة الشرق الأوسط دراسة حالة العراق(2002، 2018)طروحه دكتوراه منشورة، مقدمة الى كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر، 2019.

(6) هدى خلف علي، دور متغير المياه في مستقبل العلاقات العراقية تركية بعد عام 2014، رسالة ماجستير غير منشورة، مقدمة الى كلية القانون والعلوم السياسية، جامعة العراقية، 2021.

ثالثا: مجلات والصحف

(1) احمد جاسم ابراهيم الشمري، سياسة تركيا وانعكاساتها على دول الجوار الإقليمي (سورية_ العراق )، مجلة مركز بابل للدراسات الانسانية، جامعة بابل، العدد2،2020.

(2) احمد مجيد جاسم محمد، العلاقات العراقية التركية بعد عام 2014مجلة العراقية الأكاديمية العلمية، كلية العلوم السياسية، جامعة تكريت، 2023.

(3) احمد نوري النعيمي، العلاقات العراقية التركية في مجال المياه، مجلة الأكاديمية العلمية، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2010.           (39)

(4) الاء طالب خلف،  مستقبل النزاع على المياه بين العراق وتركيا- التحديات والحلول،  مجلة الأكاديمية العلمية،  كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2019.

(5) تلا عاصم فائق، أثر المتغير الأميركي في العلاقات العراقية التركية، مجلة دراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد 54، 2012.

(6)حسين علي عران الجبوري،  المورد المائية وسياسة العراق الخارجية تجاه تركيا(منظور جيوبوليتيكي معاصر)،مجلة التربية للعلوم الإنسانية، كلية التربية للعلوم الانسانية، جامعة موصل،  العدد11، 2023.

(7)حيدر علي حسن، العراق في الاستراتيجية التركية، مجلة دراسات الدولية، مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية،  الجامعة  المستنصرية، العدد 60، 2015.

(8) دنيا هاتف مكي، الثوابت والمتغيرات في العلاقات العراقية التركية، مجلة اشراقات تنموية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، العدد30، 2022.

(9) ريام علي حسين ونسرين رياض شنشول،  طريق التنمية والافاق المستقبلية  للاقتصاد العراقي، مركز حمواربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين،  2024.

(10) سامي شبر، توغل القوات العسكرية التركية داخل الاراضي العراقية، مجلة دراسات سياسية واستراتيجية، جامعة كمبرج بريطانيا، العدد 34، 2017.

(11)سلمان علي حسين، المياه في العلاقات العراقية التركية، مجلة قضايا سياسية،كلية العلوم السياسية،جامعة بغداد، العدد 59،2019.

(12)سماحة صالح علي و نزار ذياب العساف، التبادل التجاري العراقي  – التركية للمدة (2004–2021) وافاقه المستقبلية في ظل مشاهد بديلة، مجلة اكاديمية شمال اوروبا المحكمة للدراسات والبحوث   الإنسانية،  كلية الإدارة والاقتصاد،  جامعة الفلوجة، العدد 22، 2024.

(13) صالح احمد عيسى القرعان، مشكلة الأفراد واثرها على العلاقات العراقية التركية، مجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية، كلية العلوم الإدارية،جامعة العلوم التطبيقية،العدد 32، 2018 .

(14) عباس فاضل عطوان،  العلاقات العراقية التركية وتأثير على اقليم كردستان 2003-2017،  مجلة العراقية الأكاديمية العلمية، كلية العلوم السياسية، جامعة تكريت، 2019.

(15)عامر كامل احمد، مسارات العلاقات العراقية-التركية بعد عام 2003مجلة دراسات الدولية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، العدد 64، 2016 .

(40)

(16) فادية عباس هادي، السياسة الخارجية التركية المعاصرة ( دراسة في الدوافع والاليات )، مجلة المعهد، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، العدد(6)،2021.

(17)كريم رقولي، العلاقات العراقية التركية في ظل القضايا العالقة بينهما، مجلة الجزائرية للأمن والتنمية، جامعة سطيف-الجزائر، 2022.

(18) لقمان عمر محمود النعيمي،  العلاقات العراقية التركية 2011-2023 دراسة في البعد السياسي والدبلوماسي، مجلة دراسات اقليمية،جامعة موصل،العدد 56، 2023.

(19)منى حسين عبيد، العلاقات العراقية  التركية واثرها في استقرار العراق، مجلة دراسات دولية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، العدد 60، 2015.

(20)نبيل محمد سليم، العلاقات العراقية التركية بعد 2003 في بعد السياسي والامني، مجلة قضايا سياسية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، العدد67، 2021.

(21)نضال عبد محمود، التوجهات  السياسية الخارجية التركية وتأثير على اهم القضايا العراقية،  مجلة الجامعة العراقية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، دائرة البعثات والعلاقات الثقافية، العدد 75، 2022.

(22) واثق محمد السعدون، البعد الامني في العلاقات العراقية-التركية، مجلة الدراسات الإقليمية، مركز الدراسات السياسية الاستراتيجية، جامعة موصل، العدد 27،2012.

(23) واثق محمد السعدون،  مسارات العلاقات العراقية-التركية في مواجهة معوقات قديمة، مركز اورسام تركيا، رؤية تركية، 2023.

رابعا : شبكة الدولية (الانترنيت)

(1) عبد الكريم جابر شنجار العيساوي، المشاريع المائية التركية والايرانية وانعكاساتها على الوضع المائي والغذائي والبيئي في العراق، أوراق سياسات إدارة الموارد المائية، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 2018 .

(2) صالحة علام، واشنطن ومحالات عرقلة الاتفاق الاستراتيجي بين تركيا والعراق، دراسة منشورة،مركز الجزيرة للدراسات، على الشبكة الدولية الانترنت على الرابط:25\4\2024

https:\\www.aljazeera,net.

(41)

(3) زيد اسليم،  كيف تؤثر زيارة الرئيس أردوغان الى بغداد على العلاقات الاقتصادية بين العراق وتركيا؟، دراسة منشورة، مركز الجزيرة للدراسات، على الشبكة الدولية الانترنت على الرابط : 17\5\2024

https:/ www.aljazeera net     تاريخ الزيارة   22\4\2024                                                              

 خامسا : البرامج(الاذاعية)

(1)وكالة الانباء العراقية، حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا ارتفع الى 20 مليار دولار، 2024             22\4\2024 تاريخ الزيارة 18\5\ 2024

https:\\www.ina.iq

(2) تقرير المؤسسة شفق الثقافي عن تعرف على الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقعها العراق مع تركيا بحضور اردوغان الصادر عام 2024 على موقع المؤسسة، تاريخ الزيارة 19\5\2024

https:\\shafaq.com.

 

عن محمد الطائي

شاهد أيضاً

القوة الناعمة في مونديال قطر 2022 الطائي

الرياضة وتداعيات القوة الناعمة .. مونديال قطر نموذجاً

الرياضة وتداعيات القوة الناعمة محمد علي الطائي إن مصطلح القوة الناعمة (soft power) وهو المصطلح …