الرئيسية / النظم السياسية / السياسة المقارنة / مبادئ علم السياسة المقارنة: الدولة والسيادة والسلطة
مبادئ علم السياسة المقارنة: الدولة والسيادة والسلطة
مبادئ علم السياسة المقارنة: الدولة والسيادة والسلطة

مبادئ علم السياسة المقارنة: الدولة والسيادة والسلطة

 الفصل الثاني من كتاب مبادئ علم السياسة المقارنة لباتريك أونيل

 

الدول

مبادئ علم السياسة المقارنة: الدولة والسيادة والسلطة

 

أولا. تعريف الدولة :

الدولة عند (ماكس فيبر): هي مؤسسه تحتفظ باحتكار العنف على منطقة جغرافية معينة.

ذلك يعنى أن أحد العناصر الأساسية في الدولة هو:

السيادة: القدرة على التحرك لتنفيذ السياسات ضمن منطقة معينة بشكل مستقل عن القوى الخارجية أو المنافسين في الداخل، أي يجب ان تكون الدولة قادرة على العمل باعتبارها السلطة الأساسية على الأرض وعلى الناس الذين يعيشون على تلك الأرض:

فتثبت الحقوق، وتحل الخلافات بين الناس، وتوفر الأمن الداخلي..

حتى تستطيع الدولة تحقيق هذه الأهداف تحتاج إلى القوة وعادة ما تكون هذه القوة مادية.

– فإذا كانت الدولة عاجزة عن الدافع عن أراضيها أمام قوى خارجية، مثل دول أخرى، عندئذ تواجه مخاطرة ان هؤلاء الخصوم قد يتدخلون ويوقعون ضررا ويحتلون أراضيها أو يدمرون الدولة.

– إذا واجهت الدولة خصوما أقوياء داخل أراضيها، مثل الجريمة المنظمة أو حركات متمردة، تواجه خطر تقويض قوانينها وسياساتها.

ولكي تستطيع الدولة تجنب كل هذه المخاطر وتضمن سيطرتها على كامل أراضيها يجب أن يكون لديها جهازين مسلحين :

الجيش: ويكون في مواجهة الخصوم الدوليين.

الشرطة (بوليس) للرد على المنافسين المحليين، وكلمة (بوليس) مشتقة من كلمة فرنسية قديمة تعني ” يحكم”.

مؤسسات الدولة:

  • ولكن ليست القوة وحدها عنصر قيام اغلب الدول ، فالدولة بخلاف العصابات الإجرامية مكونة من مجموعة من المؤسسات (وزارات ، إدارات ، مكاتب، وجيش، وشرطه)

وهذه المؤسسات يعتقد المجتمع انها ضرورية لإنجاز أهداف أساسية تتعلق بالحرية وبالمساواة

  • لذلك تعد المؤسسات عامل مهم من عوامل رسوخ الدول : فقد يظهر قادة ويرحلون وتعلن سياسات وتتغير لكن تبقى الدول حتى عندما تواجهها أزمة او ثورة وعلى الرغم من التدمير الناتج عن الثورات او الحروب الأهلية الذي قد يدمر الدولة برمتها ، لكن سرعان ما يعاد تأسيس الدولة مجددا

 

إذن فالدولة هي :

احتكار استخدام القوة على ارض معينة من خلا ل مجموعة من المؤسسات السياسية والتي تضع المعايير التى من شأنها حل الصراعات المتعلقة بالحرية والمساواة .

 أو هي:

 آلية إدارة الحياة السياسية وتأسيس النظام وتحويل الآراء السياسية إلى برامج عمل سياسية.

التمييز بين مصطلح ” الدولة” وبعض المصطلحات  التي تتداخل معه :

-العلاقة بين “الدولة” و”النظام”:

يعرف النظام بأنه: مجموعة القوانين والمعايير الأساسية في الحياة السياسية، أو هو ما يتم به تجسيد الأهداف الطويلة المدى المتعلقة بالحرية الفردية والمساواة الجماعية، والمكان الذي تستقر فيه السلطة وكيف يجب أن تستخدم، وبهذا المعنى يكون النظام السياسي جزء من مكونات الدولة.

ويمكننا توضيح ذلك إذا ما تحدثنا عن:

الأنظمة الديمقراطية، الأنظمة الغير ديمقراطية

فالنظام الديمقراطي: تركز قوانين وقواعد السياسة على دور كبير للمجتمع في الحكم، بالإضافة إلى حقوق فردية ومدنية معينة.

اما في النظام الغير ديمقراطي: يحد نظام الحكم من المشاركة العامة لصالح هؤلاء المتربعين على السلطة.

يمكن لكلا النظامين أن يتباين في مدى تمركز السلطة والعلاقة بين الحرية والمساواة بحيث يختلف النظام الديمقراطي من دولة لأخرى فمثلا؛ النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة ليس هو نفسه في كندا. والنظام غير الديمقراطي في الصين يختلف عن نظيريه في كوبا أو سوريا.

وعلى خلاف الدولة :

يمكن أن تتغير الأنظمة او تتحول الى اخرى بأحداث اجتماعية ضخمه وجدية مثل اندلاع ثورة أو أزمه وطنية .

ويمكن أن ينظر إلى معظم الثورات ليس باعتبارها تمردا على الدولة أو حتى على القيادة، بل على النظام القائم بهدف اسقاط القوانين والقواعد القديمة واستبدالها بأخرى جديدة.

أمثلة على تغير النظم ببعض الدول:

مثال1: تشير فرنسا الى نظامها الحالي على انه الجمهورية  الخامسة منذ ان اطاحت الثورة بالنظام الملكي عام 1789.

مثال2: تحول جنوب افريقيا إلى الديمقراطية في تسعينيات القرن الماضي من نظام التفرقة العنصرية القائم على سيطرة البيض الى نظام يمنح الحقوق الديمقراطية لجميع مواطني جنوب افريقيا.

استخدام مصطلح ” نظام” في الأنظمة الغير ديمقراطية:

يستخدم مصطلح نظام في الدول الغير ديمقراطية التي يسيطر على السياسة فيها شخص بمفرده، للإشارة الى أن كل القرارات التى تصدر من ذلك الشخص وحده:

مثال: كما عبر لويس الرابع عشر ملك فرنسا عن ذلك بقوله (الدولة هي أنا).

مثال آخر: عندما تحدثت الإدارة الامريكية عن رغبتها في تغيير النظام في العراق وإيران.

وعلى هذا يمكن القول ان تغيير الأنظمة يمكن ان يتأتى نتيجة تطور بطيء على مر قرون من الزمان ويمكن ان يكون حصيلة مد ثوري مفاجئ.

اذن فالعلاقة بين “الدولة” و”النظام” يمكن اجمالها كالآتي:

-حيث أن الدولة: هي احتكاراستخدام القوة على أرض معينة من خلال مجموعة من المؤسسات السياسية لضمان امن السكان وتوليد السياسة

-فيعرف النظام عندئذ بأنه القوانين والقواعد التي تحكم العلاقة بين الحرية والمساواة، واستخدام القوة في سيل تحقيق تلك الغاية.

العلاقة بين ” لدولة” و”الحكومة”:

          “الحكومة”: هي القيادة أو النخبة المسئولة عن إدارة شؤون الدولة، فإذا كانت الدولة هي آلة الحياة السياسية، والنظام هو برنامجها، فالحكومة تعمل كالمشغل لها.

وتتكون الحكومة من :

– مشرعين ورؤساء ووزراء منتخبين ديمقراطيا، أو قادة فازوا بالسلطة باستخدام القوة أو من خلال وسائل أخرى غير ديمقراطية، والحكومات الديمقراطية وغير الديمقراطية يجب أن تواجه النظام القائم بمعايير وقيم الحياة السياسية التي طورتها مع الأيام، لأنها اذا دفعت بسرعة وقوه لتغيير النظام القائم ، قد تنشأ مقاومة أو يحدث تمرد أو قع انهيار.

مثال ذلك : أدت محاولات غورباتشوف في ثمانينيات القرن الماضي في زوال ذلك البلد ( الاتحاد السوفيتي )

 الفرق بين ” الحكومة ” و”النظام ” و” الدولة “:

-تبدو الحكومات مبنية على نحو ضعيف مؤسساتيا ، بمعنى انه لا ينظر الى اصحاب السلطة بأن تغييرهم أمر غير ممكن أو ان الدولة ستنهار دونهم .

ففي الأنظمة الديمقراطية : تتغير الحكومات على نحو سلسل ومتكرر

وفي الأنظمة الغير ديمقراطية كذلك : أصحاب السلطة مهددون دائما من خصومهم او وفاتهم

اذن :

تأتي الحكومات وتذهب ، بينما تعيش الأنظمة والدول لعقود أو قرون من الزمن بدرجة كبيرة من الاستمرارية

ويجمع هؤلاء الثلاثة جميعا مصطلح( البـــــلد )

 

نشوء المؤسسات السياسية:

– إن الناظر إلى سطح الأرض في هذه الألفية، يرى أن الأشكال المختلفة للمؤسسات السياسية التى هيمنت على مر التاريخ البشري اختفت في معظمها، والكرة الأرضية الآن مهيمن عليها نمط واحد من المؤسسات السياسية وهو”الدولة”  والتى حلت محل جميع البنى السياسية الأخرى خلال عدة مئات من السنين.

– لكن السؤال هنا من أين أتت الدول ؟ ولماذا حلت محل جميع الأشكال الأخرى للمؤسسة السياسية ؟

– يشير التاريخ  الى أن الانسان نظم نفسه فى وحدات سياسية، وبالنسبة لعلماء السياسية لم يهتموا بمعرفه الاسباب والدوافع التى دفعت الانسان لتنظيم نفسه ضمن وحدات أكبر .

– أما علماء الاجتماع فيفسرون ذلك بعدد من التفسيرات المختلفة منها:

* أن التحول الى الزراعة وتدجين الحيوانات سمح بزيادة التخصيص بين الناس وظهر تباعا لذلك مفهومي الملكية والتخصص، ومن المرجح أن هذه الفتره بدأ يظهر فيها مفهوم التنظيم السياسي ، فمع توسع المجتمعات وزيادة تخصصها وتفاقم عدم المساواة غدت هناك حاجه أكبر لمعالجة الخلافات المتولدة عن ذلك، فتشكلت المؤسسات السياسية بغية التوفيق بين المطالب والمصالح المتنافسه، وظهرت السياسة عندما استطاع الناس تخيل فكرة العدال.

* واستطاعت المؤسسات أن تسوي أو تمنع الخلافات بين الأفراد وهو ماولد المفاهيم الأولى للقانون والعدالة، كما استطاعت ان تحدد الحقوق وتعاقب هؤلاء الذين ثبت انهم مذنبون بخرق  القانون او انتهاك حقوق الآخرين  .

– اما الأمر الذي لايزال غير واضح، ماذا لو كانت هذه المؤسسات السياسية قد ظهرت من خلال الاجماع او القوه .. وهو ماجادل حوله الفلاسفة لغياب الدليل القاطع :

*ذهب توماس هوبز: إلى إن الإنسان دخل طواعية في عقد اجتماعي بينه وبين أقرانه بغية إيجاد سلطة سياسية واحدة للتغلب على الفوضى.

*وذهب جان جاك روسو: ان البشر بطبيعتهم همجيون نبلاء حياتهم متمحوره حول المساواة وأن صعود مفهوم الدولة هو الذي افسد هذه الحياة.

*ويبدو ان ظهور المؤسسات السياسية كان نتاج مزيجا من الاكراه والاجماع فبدأت المؤسسات المعقده فى الظهور منذ ثمانية آلاف عام، وكانت بعض هذه الوحدات صغير نسبياً مثل :

– دول المدن التى ظهرت فى اليونان القديمة منذ 2700 عام.

ــ وفي حالات أخرى ظهرت امبراطوريات كبيرة وشديدة التعقيد مثل: الصين، وامريكا الجنوبية والشرق الأوسط .

* وكانت حدود هذه الأنظمه السياسية غير واضحة المعالم، على عكس الدول الحديثة ، وكانت أجزاء كبيرة من العالم المأهوله بالسكان تفتقد الى اي نمط من التنظيم السياسي الذي يحاكي الدولة الحديثة.

 

الدولة الحديثة :

– كان بداية ظهور ” الدولة الحديثة” في اوروبا؛ غير أن السبب في ظهورها أولاً فى اوروبا ثم سيادتها على الانظمه الأخرى التى كانت سائده في العالم غير واضح.

-ولكن قد يرجع ذلك إلي: الفرصه التاريخية والمزية التى يفرضها التخلف:

* قبل ألفي عام كانت تسيطر على أوروبا مثل بقية أجزاء العالم إمبراطورية واحدة هي الامبراطورية الرومانية التى كانت ممتده لآلاف الأميال في (اوروبا الغربية وشمال افريقيا ومصر)، ولكن هذه الامبراطورية العظيمهتهاوت بعد الف عام تحت ضغط التوسع المفرط، ومع تهاوي الامبراطورية الرومانية انهارت المؤسسات السياسية المعقده ولاسيما فى أوروبا الغربية (مركز الامبراطورية )، وانتشرت الفوضى في أجزاء كبيرة من أوروبا ودخلت فى حقبة أطلق عليها (العصور المظلمة) من عام 500 إلى 1000 تقريباً ، وهكذا لم تكن نهضة اوروبا قضاء وقدر ففي الوقت الذي شهدت فيه الصين والشرق الاوسط فترات نمو وابتكار كانت اوروبا تعاني من الانحطاط والتفسخ.

*لكن المفارقة هنا : أن هذه الفتره شديدة الانحطاط والفوضى مهدت الطريق لظهور الدولة الحديثة، وذلك من خلال الجريمة المنظمه والصراع بين المجموعات المسلحة لتحديد مناطق النفوذ .

ويبدو أن الحرب المستمرة بين هذه المجموعات المتنافسه ولد نوعاً من التطور السريع في المؤسسات والتنظيم السياسي .

* وخارج هذه الحرب المستمرة خلال ( العصور المظلمة) ظهر نمط جديد من التنظيم السياسي وهو الدولة التى تميزت عن غيرها من التنظيمات السياسية بعدة مزايا.

المزايا التى تمتاز بها الدولة عن غيرها من التنظيمات السياسية :

 

1- المزية الأولي: تقنين الملكية الخاصة:

شجعت الدولة التطوير الاقتصادي فقبل ” العصور المظلمة ” وخلالها عاش معظم الأوروبين في نظام قائم على الزراعه مقابل العيش أما ملكية الأراضي فكان يحتكرها من يمتلكون السلطة وليس من يعمل فيها، وهذا النظام جعل الأفراد يفقدون حافزهم على الإنتاج لأن الآخرين يستغلون حصيلة جهودهم، وبالتالي عندما جاء الحكام الجدد للدولة الحديثة وصاغوا القوانين والتشريعات التى سمحت بالملكية الخاصه والارباح الشخصية وجد هؤلاء غايتهم فيها، وهو ما منح هؤلاء الحكام ايضا موارد أكثر يستطيعون فرض الضرائب عليها التى تمكنهم من ادارة شئون الدولة وحمايتها وكذلك شن الحروب بواسطتها .

 

2- المزية الثانية: استخدام الابتكارات التكنولوجية:

شجع الحكام الجدد الابتكارات التكنولوجية بإعتبارها وسيلة لزيادة قوتهم الاقتصادية والعسكرية، ورغم أن معظم الابتكارات التى جعلت اوروبا قوية وقادرة على النهوض وغزو العالم قد نشأت فى الأصل فى بقاع مختلفه من العالم مثل (البارود وعلم الرياضيات وعلم الفلك وصناعة الورق)، لكن الاوروبيون استوعبوا هذه الإبتكارات وطبقوها بشكل جديد، وفي النهاية كانت الغلبة لمن شجع على الابتكارات واستخدمها وليس من اكتشفها.

 

3المزية الثالثة: ترسيخ الهوية الإثنية:

نتيجة للاستقرار الداخلي، زادت التجارة وتبادل البضائع، ساعدت الدولة على جعل الناس أكثر تجانساً وكانوا في الأصل مختلفين.

فساهمت الدولة في احداث هذا التجانس من خلال النظام التعليمي والوثائق المطبوعه والقوانين والتشريعات، وتوحيد اللغة، فبدأ الناس فى اوروبا يشعرون بالانتماء الى هوية اثنية واحده تتكون من قيم ثقافية مشتركة، وقد اثبتت الاثنيه انها مصدر قوي للدوله التى بدورها عززت الروح القومية، التى هي هوية سياسية مشتركه.

 

نشوء مفهوم ” سيادة الدولة :

– نتيجة لتنامي القوة الاقتصادية للدول الحديثة، تعاظمت قدرتها على إدارة شئون عدد أكبر من الناس وعلى بسط نفوذها على أراضي أكثر اتساعاً، وسمحت الأموال المتزايدة وتنظيم الدول بتطوير قواتها المسلحة والغزو والسيطرة على مناطق جديدة، ونُحيت الصراعات الدينيه (تدخل الكنيسه في السلطة والحكم) جانبا.

– انتهت حرب الثلاثين عاماً (1618: 1648) التى كانت تمثل الصراع بين الكاثوليك البروتوستانت، بتوقيع معاهدة “وستفاليا” التى تم فيها تقييد سلطة بابا روما على شعوب اوروبا بشكل جذري، وبدون وجود هذه السلطه الدينيه المنافسة أصبحت الدول حرة فى توجيه الدين داخل اراضيها وأصبح الشأن الدين خاضعاً للسياسي وليس العكس.

إذن يمكننا اعتبار نشوء مفهوم “سيادة الدولة” عائداً بتاريخه إلى “معاهدة وستفاليا”.

 

انتشار نمط ” الدولة ” وتوسعه:

– بدأت الدول الأوروبية في توسيع قوتها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية خارج حدودها، فخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، سيطرت كل من أسبانيا والبرتغال على أجزاء واسعه من القارتين الأمريكتين، بينما وسع الهولنديون والفرنسيون والبريطانيون نطاق نفوذهم باتجاه آسيا، وبحلول القرن التاسع عشر أصبحت إفريقيا كلها تقريبا مقسمه بين الدول الأوروبيه ومرتبطة بإمبراطوريتها.

– وعلى الرغم من أن شعوب العالم كلها قاومت الهيمنه الأوروبيه، وأطاحت بها فى النهاية، إلا أنها نظرت إلى الدولة كشكل متفوق للتطور السياسي، وهكذا أصبح العالم عبارة عن دول، وأصبحت الدولة هي القوة الأساسية في عالم السياسة الوطنية والعالمية.

– إلا أن معظم هذه الدول الجديده تفتقر إلى الموارد والبنيه التحتيه ورأس المال والتنظيم التى استطاعت معظم الدول المتقدمة (في أوروبا) تطويرها على مدى الف سنه ، وتواجه هذه الدول العديد من التحديات مثل : فرض السياده على اراضي تتعايش عليها مجموعة شعوب ولغات وأديان وثقافات متنوعه، وهي تحديات استطاعت معظم دول أوروبا تذليلها على مدى قرون بتكلفة حروب وثورات وارواح كثيره.

– ورغم أن أوروبا لم تعد تحكم بشكل مباشر أرجاء كبيرة من العالم إلا أنها تركت غرث ” الدولة الحديثة “ لبقاع العالم تحكم فيها.

 مقارنة بين سلطات الدول :

ويمكننا عقد هذه المقارنات من خلال عدد من المفاهيم نعرضها كالتالي:

أولاً: مفهوم الشرعية :

والشرعية : هي القيمة التى يتم من خلالها الاعتراف بشخص او شىء ما والقبول به، فيصبح (مؤسسه شرعية أو شخصاً شرعياً ) فالشرعية هي التى تمنح الحق والسلطة .

مصادر الشرعية السياسية عند ” ماكس فيبر” :

1-الشرعية التقليدية:

وتقوم فكرة الشرعية التقليدية على فكرة مفادها: “إن شخصا أو شيئا يملك شرعية لكون كان على هذه الحال دائماً”.

تكمن هذه الشرعية (شرعية الأشخاص): في وجود ملكية قديمة حيث تعتلي هرم السلطة عائلة واحدة على مر الأجيال، ولايزال هذا الشكل حاضراً إلى وقتنا الحاضر في الدول الحديثة ومن الأمثله على ذلك: بريطانيا واليابان والسويد وأكثر من ثلاثين دولة لديها الى الآن ملوكاً، وعلى الرغم من أن سلطات الملوك في هذه الدول محدودة جداً، الا انهم لايزالون يمثلون رموزاً هامه ويستقطبون اهتماماً على الصعيد المحلي والدولي.

كما لاتزال تحتفظ كندا واستراليا بالملكة البريطانية كرئيسة لدولتيهما، على الرغم من أنها لاتملك سلطة حقيقية في أي من الدولتين، وهو جزء من ماضيهما الاستعماري.

أما (شرعية الأشياء): فمثالها: أن تتحول القوانين والقواعد التنظيمية الى نوع من الشرعية التقليدية إذا استمر العمل بها لفترة طويلة من الزمن وصار الناس لا يتخيلون ان تسير الامور بدونها ” العُرف”.

مثال ذلك: الدستور الامريكي على سبيل المثال: ليس مجموعة من القوانين لإدارة الشأن السياسي وحسب، بل رمز مقدس للولايات المتحده يجعلها قوية.

 

2-الشرعية الكاريزمية:

– تعتمد “الكاريزما” حينما نتحدث عن الشأن السياسي على قوة الأفكار أو “الموهبة والكياسه”، وتتجسد الكاريزما عادة في شخصية معينة قادرة على حشد الناس بأفكارها أو الطريقة التي تعرض بها أفكارها.

– ويبدو أن “الشرعية الكاريزمية” لاتمتلك مؤسسات فبالتالى تكون شرعية ضعيفه لانها عادة ماتختفي مع موت الشخصية المرتبطة بها.

– لكنها قد تتحول إلى شرعية تقليدية من خلال ابتكار شعائر وقيم تهدف الى تجسيد روح وأهداف القوة التى كان يمتلكها الزعيم الكاريزمي مثال: (الأديان، والملكيات، الدساتير، الانظمة).

– وقد استخدم القادة السياسيون في الكثير من الدول على مر التاريخ المعاصر قدراً كبيراً من السلطة الكاريزمية، مما جعل هذه الشرعية في بعض الأحيان موصلاً الى الفساد نظراً لتركز السلطة في يد شخص واحد.

– لكن يجب الا نغفل أن بعض الشخصيات الكاريزمية غيرت مسار السياسة الى الأفضل: المهاتما غاندي في الهند، ونيلسون مانديلا في جنوب افريقيا.

 

3- الشرعية القانونية (العقلانية):

 

– بعكس النمطيين السابقين للشرعية يعتمد هذا النمط من الشرعية على نظام من القوانين والإجراءات المتجسده في مؤسسات راسخه، فهنا الزعماء والمسؤلون السياسيون يملكون شرعية بفضل القوانين التي أوصلتهم الى مناصبهم، وفي هذا الحالة لا تكمن الأهمية للشخص نفسه او القيم والأفكار الخاصة التي يتبناها، بل في المنصب الذي يشغله، فالمنصب هو صاحب الشرعية وليس الشخص، وحالما يغادر الشخص منصبه يفقد سلطته.

 

– والغالب أن عالم الدول الحديثه قائم على النمط الثالث اي على أسس عقلانية وقانونية، فالدول تعتمد على طرق رسمية في ادارة شئونها، بحيث يفترض مواطنوها ان القرارات الصادرة عنها عادله ويمكن التنبؤ بها.

 

– ورغم ان بروز الدولة الحديثة كان مبنيا اساسا على شرعية قانونية عقلاينه الا ان ذلك لايعني ان الشرعية التقليدية او الكاريزمية قد تلاشت.

 

– ويمكن أن نكتشف تمييز الدولة عن غيرها إذا نظرنا الي نوعية المزيج بين مصادر الشرعية الثلاثة.

 

ثانياً: مفهومي المركزية واللامركزية:

 

– ترتبط الحرية الفردية: بلامركزية السلطة.

– ترتبط المساواة الجماعية: بمركزية السلطة.

– مثال الحكم اللامركزي: الحكم الاتحادي ” الفيدرالي”، فيتم منح سلطة فرض الضرائب وتشريع القوانين والأمن إلى هيئات محليه (كالولايات في أمريكا) و(المقاطعات في كندا).

 

– مثال الحكم المركزي: الدول التى لا تعطي أهمية كبيرة للسلطة المحلية مثل: فرنسا واليابان، فالحكومة المركزية هناك مسئوله تماما عن معظم مجالات السياسة، وأن المصالح المحلية في هذه الدول يمكن أن تمثل دون الاستعانة بهيئات محلية.

 

ثالثاً: مفهومي (الاستقلالية والأهلية) :

– يعتمد علم السياسة المقارن في تصنيفه للدول القوية والدول الضعيفة على مصطلحين هما(الأهلية والاستقلالية) ويمكننا بيان المقصود بهما على النحو التالي:

* الأهلية :

هي قدرة الدولة على استخدام سلطتها لإنجاز المهام الأساسية المتمثلة بتوفير الأمن والتوفيق   بين الحرية والمساواة .

– فالدولة ذات الأهلية الكبيرة: تكون مؤهله وقادرة على صياغة وتطبيق سياساتها الجوهرية وضمان الاستقرار وتوفير الامن لها ولمواطنيها، وهو ما يتطلب التنظيم والشرعية ووجود القيادة الفعاله الى جانب القوة الإقتصادية.

– أما الدوله ذات الأهلية الضعيفة: فتكون غير قادرة على القيام بمثل هذه الأمور بشكل فعال.

* الاستقلالية :

هي قدرة الدولة على ممارسة سلطاتها بشكل مستقل عن ذوي النفوذ في الداخل والخارج، أي إذا رغبت دولة ما مستقله بأن تطبق سياسة أو أجراء معيناً، فإنها تستطيع فعل ذلك دون استشارة المجتمع، ودون ان تقلق من معارضة شعبية أو دولية تجبرها على العدول عن قرارها.

– وقد تأتي الدرجة العالية من الأهلية والاستقلالية على حساب الحرية الفردية.

 

– ولتوضيح ذلك لدينا بعض الأمثله نبينها كالآتي:

– مثال الدوله القوية ذات الاستقلالية العالية: الصين؛ حيث قامت ببناء سد المرات الثلاثة الأكبر فى العالم على الرغم من الصعوبات التقنية والتكلفة العالية والانتقادات الدولية الواسعه بسبب الآثار البيئية المحتملة، الا ان هذه الاستقلاليه الكبيره والامكانات العاليه للصين مقيده في مجالات كثيرة والسبب فى ذلك يرجع الى الفساد والاستخفاف بالانظمه والقوانين والاحتجاجات الشعبيه الكثيرة.

– مثال الدول ذات الأهلية العالية والاستقلالية الضعيفة: الولايات المتحده وكندا حيث تمتلك هذه الدول سلطات واسعة الانتشار، لكن هذه القوى تخضع لتفويض المجتمع واشرافه، نظراً لبنية هذه الدول الفيدرالية فتكون الحرية الفردية كبيره، فيقيد هذا السلطة المركزية ويكون عائقاً امام صنع السياسة الوطنية.

– مثال الدول ذات الاستقلالية القوية والأهلية الضعيفة: روسيا، فقد أصبحت السلطة فيها اكثر استقلالية ومركزية، ولكنها لاتزال تفتقر الى قدر من الأهلية لاعلان قواعدها التنفيذية وحقوقها وتنفيذها.

– مثال الدول التى تفتقر الى الأهلية والاستقلالية معاً (الدول الفاشلة): وهو موجود في البلاد الأقل تطوراً، كما في افريقيا، حيث توجد نخب او مجموعات استولت على السلطه في هذه الدول وهي غير قادرة على تنفيذ بعض المهام الوطنية الاساسية، مثل التنمية الاقتصادية او دعم التعليم العام.

– لكن يجب ملاحظه أنه حتى عند الحديث عن الأهلية والاستقلالية ورغم انهما مفهومان مفيدان لمقارنة الدول؛ فإن الدول تختلف حسب المسأله او المنطقة التى ندرسها.

 

جوهر الدولة وحالة العراق:

لاسباب مأساوية العراق مثال ممتاز للكثير من أبحاثنا التى تتعلق بطبيعة الدولة.

في الاعداد للحرب تحدث كثيرين عن تغير النظام معتقدين أن غزوا سريعا وصل لدرجة قطع رأس القيادة والنظام بشكل أساسي، الامر الذي يسمح لقوة محتلة أن تنصب نظاما جديدا وحكومة فى فترة قصيرة، لكن تم التنبؤ بهذة الفرضية على أساس أن الدولة تبقى سليمة القيادة قد تسقط، لكن الموظفين المدنيين سيعودون للعمل. لكن هذة الفرضية أثبتت أنها غير صحيحة لاسباب عديدة.

الأول: قللت من حجم تأكل قدرات الدولة وشرعيتها فى ظل نظام صدام حسين والعقوبات الدولية منذ 1991، عندما بدأت الحرب سقطت الدولة سريعا وخلفت فوضى وفاقم ذلك أعمال سلطة التحالف التى همشت العراقيين كلاعبين مهمين فى إعادة بناء الدولة وحل الجيش العراقى. ويمكن تتبع أثار بعض هذة الاخفاقات الى الثقافة السياسية الامريكية بقدر مايفكر الامريكيون فى الدولة يرون أنها لابد أن تكون شرا يجب أن يقيد، ليس مجموعة من المؤسسات حيوية للامن والازدهار.

السؤال الان كيف يمكن لأحدهم أن يستعيد دولة إلى الوجود بعد أن اجتثت: استعادة احتكار القوة من قبل الجيش والشرطة ووضع قوانين تحترم وتطبق وقدرة على تلبية احتياجات المواطنين، لايوجد برنامج عمل بسيط حول كيفية انجاز ذلك لاسيما فى غياب الأمن.

 

لقراءة الملفات كاملة:

– مبادئ علم السياسة المقارنة: المؤسسات السياسية والعلاقة بين الحرية والمساواة

http://arabprf.com/?p=601

— مبادئ علم السياسة المقارنة: الدولة والسيادة والسلطة

http://arabprf.com/?p=604

— مبادئ علم السياسة المقارنة: “الأمم والمجتمعات” نزاعات الهوية والمواطنة والأيديولوجية

http://arabprf.com/?p=609

—- مبادئ علم السياسة المقارنة: “الاقتصاد السياسي” السوق والملكية والإنفاق الاجتماعي و الميركانتلية

http://arabprf.com/?p=612

—– مبادئ علم السياسة المقارنة: “الأنظمة الديمقراطية” أصول ومؤسسات وأحزاب وانتخابات

http://arabprf.com/?p=615

عن تامر نادي

شاهد أيضاً

احتراف الإصلاح المجتمعي .. استراتيجية المصلح وادواته

احتراف الإصلاح المجتمعي .. استراتيجية المصلح وأدواته

نحو احتراف الإصلاح المجتمعي استراتيجية المصلح وأدواته تامر نادي الاحتراف هو التزام الشخص بنظام محدد …