الرئيسية / العلاقات الدولية / السياسة الخارجية / صنع القرار في السياسة الخارجية.. المفاهيم، النماذج، والجهات الفاعلة
صنع القرار في السياسة الخارجية
صنع القرار في السياسة الخارجية

صنع القرار في السياسة الخارجية.. المفاهيم، النماذج، والجهات الفاعلة

ملخص الدراسة:

 

مقدمة:

تشغل عملية صنع القرار موقعًا متميزًا وخاصًا في إطار العملية السياسة عامة، والسياسة الخارجية خاصة، فالسياسة والحكم ما هما –في نظر البعض- إلا مجموعة من القرارات الصادرة من مستويات أعلى إلى مستويات أقل، إلا أن الأمر يختلف كثيرًا في القرار على مستوى الدول أو القرارات في السياسة الخارجية لدولة ما، فهي ليست أوامر غير قابلة للتعديل أو التغيير صادرة ممن هو أعلى تجاه من هو أقل، بل هي قرارات تبتغي بها الدولة تحقيق مصالحها وأهدافها القومية في المجال الخارجي في إطار محددات قوتها القومية، ومعطيات البيئة الدولية.

لما كانت السياسة الخارجية هي برنامج عمل في المجال الخارجي يتضمن الأهداف والوسائل، فإن القرارات هي بمثابة الترجمة الفعلية لذلك البرامج، في صورة تحركات وقرارات وأفعل تتخذها الدولة تحقيقًا لذلك البرنامج.

تبعًا للأهمية التي تحظى بها دراسة عملية صنع القرار في السياسة الخارجية، تأتي هذه الورقة محاولة للخوض في تفاصيل هذه العملية، ونحاول في هذا البحث الإجابة على عدد من الأسئلة:

  • لماذا تمثل عملية صنع القرار عملية مهمة في إطار السياسة الخارجية؟
  • ما الفروق بين صنع واتخاذ وتنفيذ القرار؟
  • ما هي أهم نماذج وخطوات صنع القرار؟
  • ما هي أبرز العوامل المؤثرة في عملية صنع السياسة الخارجية؟

انطلاقًا من الطبيعة النظرية لهذا الموضوع؛ فإن أنسب المناهج هو المنهج المسحي للأدبيات التي عُنيت بذلك الموضوع، ولما كانت الدراسة محدودة بقيود الوقت فلن تسمح للباحث في الخوض وسبر أغوار الموضوع من خلال عدد من الأدبيات وليس جميعها، ولا تقوم هذه الدراسة على مجرد سرد أدبيات صنع القرار، بل تطمح إلى تقديم هيكل ورسم صورة لعملية صنع القرار في السياسة الخارجية.

 

          تنتظم الدراسة في عدة محاور:  

أولها موقع صنع القرار من السياسة الخارجية، ونحاول فيه توضيح العلاقة بين القرار والسياسة الخارجية، كما نحاول فيه التمييز بين عملية صنع السياسة الخارجية، وعملية صنع القرار، وكذا التمييز بين صنع القرار، واتخاذ القرار، وتنفيذ القرار.

ثانيها يستعرض أهم النماذج التي قُدمت لدراسة عملية صنع القرار، ومراحلها المختلفة، وأهم القضايا التي تُثار خلال دراسة عملية صنع القرار.

ثالثها نعرض فيه العوامل المؤثرة في عملية صنع القرار، من خلال بيان أهم محددات البيئة الخارجية والداخلية للعملية، وكذا توضيح أثر كل من البيئتين النفسية والحركة في هذه العملية، مع التركيز على ما يُسمى سياق القرار.

 

المحور الأول: صنع القرار والسياسة الخارجية:

يُعرف البعض السياسة الخارجية على أنها سلسة من القرارات المتخذة تجاه مواقف متتابعة[1]، أي أن السياسة الخارجية ما هي إلى مجموعة من القرارات التي تنتهجها الدول في المجال الخارجي تجاه عدد من المواقف والقضايا المتصلة التي تعبر في النهاية عن مجمل توجه التوجه وأهدافها القومية. فالسياسة الخارجية من هذا المنطلق هي نتاج المعادلة التالية: السياسة الخارجية= قرار (أ) + قرار(ب)+… إلخ.

مع ذلك يُمكن التفريق بين عملية صنع القرار وعملية صنع السياسة الخارجية، حيث تشير الأخيرة إلى الإطار العام المعبر عن مجمل السياسة الخارجية، فهي العملية التي تتضمن تحديد الأهداف والمصالح القومية واتخاذ القرارات اللازمة لوضعها موضع التطبيق من خلال أدوات تنفيذ السياسة الخارجية المختلفة: الدبلوماسية، الإعلامية، الاقتصادية والعسكرية.[2]

 

المحور الثاني: نماذج ومراحل صنع القرار مع التركيز على نموذج سنايدر:

نركز في هذا المحور على شرح أهم الأُطر التي قدمت في تحليل عملية صنع القرار وتحديد مراحلها، ونحاول التركيز أولا على نموذج سنايدر وزميليه: بروك، وسباين.

أولًا- نموذج سنايدر

شغل سنايدر وزميليه سؤال قوامه: كيف تتصرف الحكومات في المجال الخارجي؟[3] وقدموا إجابتهم على أن تكون نتيجة التفاعل بين عوامل مادية وبشرية (إنسانية)، تلعب العوامل الأخيرة الدور الأهم في تحديد التعامل مع الأولى، فالفصيل في صنع القرار هو الإنسان.[4]

لقد كانت محاولة سنايدر وزملائه دعوة باختصار لإدخال وخرط العنصر البشري في قلب تفاعلات النظرية الدولية، بعد أن ما كانت الصدارة للعوامل الموضوعية، والنسق الدولي في تحديد سلطة الفاعلين وتصرفاتهم إزاء بعضهم البعض على المستوى الدولي.[5]

ثانيًا- نموذج محمد السيد سليم:

يقدم محمد السيد سليم، أستاذ العلاقات الدولية، نموذجاً لمراحل صنع القرار على أنها عملية تمر بالخطوات التالية:[6]

  • وجود حافز للقرار: بمعنى توفر ووجود ما يدعي للتحرك واتخاذ قرار معين في المجال الخارجي.
  • إدراك صانع القرار للحافز: الحافز هو عامل موضوعي في صدور قرار معين، وإدراك صانع القرار للحافز هو عنصر ذاتي، فليس المهم هو الحافز بقدر ما المهم هو كيف يُدرك صانع القرار الحافز.
  • جمع المعلومات عن الحافز: تقوم هذه الدولة في هذه المرحلة بجمع المعلومات المتصلة بالحافز أو بمناسبة صنع القرار، وتصنيفها وترتبها بما بطريقة ما يُفضلها صناع القرار.
  • مرحلة تفسير المعلومات: وهي مرحلة الكشف عن الدلالات الكامنة وراء تلك المعلومات، وما تعينه بالنسبة للدولة ومصالحها، وصناع القرار فيها.
  • مرحلة البحث عن البدائل: وفي هذا الصدد تحاول الدولة التعاطي مع عدد من البدائل، واختيار البديل الأنسب. وبصدد تحديد البديل الأنسب والبحث عن البدائل يقترح محللو السياسات عدد من النماذج:
  • النموذج العقلاني- الرشيد: يبحث عن أكبر عدد ممكن من البدائل المتاحة، ويفحصها بنفس الدرجة من التفصيل والعمق، ويحاول اختيار البديل الأكثر رشادة، أي ذلك البديل الأكثر ارتباطًا بمقتضيات والواقع، والأكثر اتساقًا مع قدرات الدولة، أي أن ذلك القرار الذي يحقق أكبر قدر من المنافع في ظل قدرات معينة (أقل قدر من الخسائر).
  • النموذج المعرفي (الإدراكي): يقوم هذا النموذج على أن الأصل والفيصل في عملية صع القرار هو مدركات صناع القرار وعقائدهم، وأيديولوجيتهم.
  • الأسلوب التنظيمي: هو أسلوب يركز على عدد محدد من البدائل المعقولة والمحددة بصدد واقعة بعينها، وفحصها وتمحيصها من جمع جوانبها للوصول إلى البديل الأنسب.

 

        ثالثًا- نموذج التحليل التطبيقي لصنع القرار:

قدمه أليكس ميتنس وكارل دورين الابن، كنموذج مقترح لفهم عملية صنع القرار في السياسة الخارجية والمراحل التي تمر بها، وهي على النحو التالي:[7]

الخطوة الأولي: تحديد مصفوفة القرار لدى صناع القرار:

وهذه المصفوفة فيها ثلاثة عناصر، أو تتكون من ثلاثة مراحل:

  • البدائل: أي مجموعة البدائل التي يفرضهم الموقف على الدولة.
  • المعايير: هو الفكرة الرئيسية المنظمة للمعلومات على المستوى الرأسي، فالبدائل تكون على المستوى الأفقي في حين أن المعايير تكون على المستوى الرأسي، فقد تكون معايير سياسية، عسكرية، اقتصادية.
  • الثقل: وهي العملية التي يضع صانع القرار فيها أوزانًا نسيبة لكل معيار من المعاير، ومن ثم سنعس ذلك على تقييم البديل (عملية تالية).
  • الانعكاسات والآثار المتعلقة بكل بديل: فكل بديل له انعكاس على الدولة نفسها، وعلى الوحدة الموجه لها القرار.
  • التقييم: هي عملية تقييم البديل الأهم من حيث ثقل المعاير والأكثر تأثيرات إيجابية من وجهة نظر متخذ القرار.

 

الخطوة الثانية: تحديد القاعدة التي على أساسها يتم الاختيار بين البدائل: هل هي تستند إلى استراتيجية أكبر منفعة ممكنه، أو مستوى مرض لدى صانع القرار.

 

 

المحور الثالث: الجهات الفاعلة في صنع القرار:

 

تتعدد الجهات والعوامل المؤثرة في صنع القرار، بين داخلية وخارجية، موضوعية وإدراكية، فعلى مستوى البيئة الداخلية تختلف من نظام سياسي لآخر، فالنظم الديمقراطية عادة ما تتعد فيها جهات صنع القرار بين أحزاب وجماعات ضغط ورأي عام، ما يقلل من سرعة هذه العملية أحيانًا، ويفقرها للحسم في مواضع كثيرة، فقيود العملية الديمقراطية.

 

خاتمة:

إن عملية صنع القرار عملية معقدة، لها محددات كثيرة، كما أنها تنطوي على مراحل عدة، تتأثر في كل مرحلة من مراحلها بإدراك صناع القرار لطبيعة هذه القدوة، حيث تلعب العقائد والمدركات والعوامل النفسية دورًا محوريًا في هذه العملية. كما أن تختلف باختلاف الموقف وإدراك صانع القرار لها.

 

هذه العملية، وإن اختلف الباحثين والكتاب في تحديد مراحلها، لا بد لها من دورة تسير فيها، تبدأ بوجود محفز أو موقف معين، يعمل صناع القرار على إدراكه بطريقة ما، ويجمعوا على هذا الأساس المعلومات المتصلة به، وما يتفرع عنها عن بدائل للعمل، ثم اختيار أكثر البدائل مناسبة للموقف من جانب، وتحقيقًا لمصالح الدولة القومية، وتناسبًا لقدراتها القومية من جانب آخر، وانسجامًا مع رغبات ومصالح صناع القرار، وتوازنات القوى الاجتماعية الداخلية، ومحددات البيئة الخارجية من جانب ثالث.

 

https://drive.google.com/open?id=12zmkx2brIbf_Jqqe2anbz_Wri3SLum92

لتحميل البحث كاملا: صنع القرار في السياسة الخارجية.. المفاهيم، النماذج، والجهات الفاعلة

 

[1]  محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مكتبة نهضة مصر، الطبعة الثانية، 1998، ص، 473

 [2] ممدوح منصور، محاضرات في تحليل السياسة الخارجية، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية جامعة الإسكندرية، 2015، ص1

[3] Snyder, C. Richard, Bruk, W.H, Sapin, Burton, Foreign Policy Decision Making, Op.,Cit., p3.

[4] Ibid, p4.

[5] Ibid, p17.

 [6] راجع هذه المراحل في:

  • محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مرجع سابق، ص 486- 476.

[7] أليكس ميتنس، كارول دورين الابن، فهم صنع القرار في السياسة الخارجية، مرجع سابق،ص ص 149-151.

عن أحمد عبد الرحمن

باحث ماجستير علاقات دولية كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية جامعة الإسكندرية

شاهد أيضاً

الأمن القومي

الأمن القـومي: دراسة نظرية في المفهوم والنظريات ومنهجية التقييم 

الأمـــن الـقــومــــي دراسة نظرية في المفهوم والنظريات والمستويات ومنهجية التقييم  إعداد/ أحمد عبد الرحمن خليفة …