الرئيسية / العلاقات الدولية / السياسة الخارجية / الرياضة وتداعيات القوة الناعمة .. مونديال قطر نموذجاً
القوة الناعمة في مونديال قطر 2022 الطائي
القوة الناعمة في مونديال قطر 2022 الطائي

الرياضة وتداعيات القوة الناعمة .. مونديال قطر نموذجاً

الرياضة وتداعيات القوة الناعمة

محمد علي الطائي

إن مصطلح القوة الناعمة (soft power) وهو المصطلح الذي تنتهجه بعض الدول الكبرى ليكون لها تأثير عالمي بعيداً عن تأثيرها العسكري الذي تتميز به تلك الدول
كدول عظمى، وأهم عناصر القوة الناعمة هي الإعلام والفن والسياحة والاقتصاد ومؤخراً دخلت الرياضة لتشكل عنصراً مهماً من عناصر القوة الناعمة، وباتت عديد من الدول وتحديداً الصغيرة تركز على القوة الناعمة كاستراتيجية تساعدها على تقديم نفسها كدولة مؤثرة عالميًا من خلال الإعلام أو السياحة أو والتعليم أو حتى الرياضة.

تُفهم “القوة الناعمة” في كثير من الأحيان على أنها القدرة على تحقيق الأهداف في مجال السياسة الخارجية عن طريق إقناع واجتذاب التعاطف من الجهات الفاعلة الأخرى والقدرة على تحقيق المطلوب على أساس المشاركة الطوعية للحلفاء وذلك باستخدام الجاذبية وليس الاعتمادات، وهي بهذا تمثل قوة جاذبية النموذج الاقتصادي والسياسي والثقافة والتعليم والإنجازات العلمية والتكنولوجية، وإن أحد البنى التحتية الهامة في “القوة الناعمة” ودبلوماسيتها العامة هي بلا شك الرياضة، التي تؤدي كظاهرة ذات نطاق عالمي العديد من الوظائف الاجتماعية والسياسية كنشر أساليب الحياة الصحية.

الكثير منا حين يستمع إلى مصطلح القوة الناعمة، فإن العقل يبادر إلى استرجاع ما له علاقة بتلك الكلمة أو الصورة التي يستحضرها الذهن عن تلك الكلمة. فأول شيء يتبادر إلى الذهن هو أن القوة الناعمة تعنى القدرة على اقناع الطرف الآخر بطريقة عاطفية أو طريقة جذابة بدون العنف كما في ذلك القوى السياسية والبلدان المختلفة التي تتفق مع بعضها على التطور والتقدم دون أن يتعدى أحدهم على الآخر، وتحقيق مفهوم السلام الذي لا يعنى زوال الصراع والخصام وإنما تأسيس مجموعة من المبادئ والقيم الأخلاقية التي تقوم على الاحترام المتبادل للسيادة والحريات والحقوق والواجبات المختلفة وغيرها من القيم الأخلاقية المختلفة، ويكون ذلك عن طريق وسائل الاقناع الجذابة باستخدام وسائل تحقق ذلك منها من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وكذلك رياضة بكافة انواعها وتحديدا كرة القدم (مونديال قطر) تعتبر إحدى محاور القوة الناعمة التي لها تأثير على صعيد العالمي.

تبقى واحدة من أهم مميزات الرياضة وهي عدم الاختلاف عليها، فهي ليس لديها أعداء أو خصوم يحاولون إسقاط الفكرة، وذلك لأنه لا يوجد أحد يعترض على الرياضة، إنما قد يعترض البعض على بعض الممارسات الناتجة منها مثل العنف الناتج من التعصب الكروي لبعض الجماهير وتصدير بعض الأفكار السلبية عن الرياضة بصورة غير منصفة أو استخدامها بشكل دعائي للترويج عن منتجات غير سليمة وتجميلها بصورة تجذب الذهن والعقل.

أصبحت الرياضة بالطبع عاملاً مهماً في السياسة العالمية ففي تشكيل الأجندة الدولية تؤدي الدبلوماسية الرياضية دورا متزايد الأهمية فهي تفعل وتنشط الهياكل الحكومية وغير الحكومية في إطار تنفيذ السياسة الخارجية للدولة عبر تنظيم الأحداث الرياضية الدولية والمشاركة فيها، ولابد إن تكون هناك عملية نشطة لتشكيل دبلوماسية رياضية كتكنولوجيا إنسانية فعالة من ترسانة استراتيجية “القوة الناعمة” القادرة على حل مهام الدولة على الساحة الدولية.

فإن انتشار الرياضة في بلد معينة يُساعد وبشكل كبير على انتشار العلامات التجارية الخاصة بتلك البلد وهو ما يحقق جزء كبير من الأرباح الاقتصادية، ولا يستطيع أحد إنكار الدور الذي تقوم به الرياضة لمواجهة بعض الأزمات التي قد تمر على الشعب من فقر وجوع وبطالة ورفع الروح المعنوية للشعب.

فمن المفترض لدى الجميع أن الرياضة هي إحدى وسائل الترفيه لدى البشر، وهذا بالإضافة إلى كونها وسيلة ضرورية لبناء القوة البدنية والنفسية والذهنية للإنسان. وتلعب الرياضة دورًا هامًا في السياسة العالمية حيث أنها هي الوحيدة التي لديها القدرة على جمع الناس من مختلف الطوائف والجماعات مع تفاوت درجة التعليم واختلاف الديانات المختلفة؛ فتقوم الرياضة بتعزيز روح التبادل الثقافي بين الشعوب المختلفة. فالشعارات التي تنطلق اليوم مثل (الرياضة ليس لها علاقة بالسياسة) ما هي إلا شعارات كاذبة تحمل في باطنها الكثير من المعاني حيث إن الكثير من الشعوب تقاس درجة تقدمهم على أساس المجال الرياضي وكذلك مما لا شك فيه.

قد يتم كذلك تصدير بعض الرسائل الإيجابية من الرياضة مثل الصورة التي التقطت من مونديال 86 لـ “مارادونا” وقد كتب على قميصه لا للمخدرات و”بيليه” وقد كتب على قميصه لا للفساد، وما قام به الفريق المغربي بالسجود على أرضية الملعب في مونديال قطر عام ٢٠٢٢، ولكن لا نذهب بعيدا ففي عصرنا الحالي يتم استخدام بعض اللاعبين؛ وذلك لشدة تأثيرهم في النفوس لمحاولة اقناع البعض بالتخلي عن المخدرات، بالإضافة إلى فعاليات لاعبينّ المغرب العربي التي تحمل في أروقتها رسائل إيجابية وقيم إسلامية الى العالم بأسره.

الرياضة لديها القدرة على جمع الناس معا بغض النظر عن الأصل والتعليم ومعتقداتهم الدينية أو الوضع الاقتصادي وتحفز على تنمية التبادل الثقافي والحوار بين الثقافات وتوفر تفاهما دوليا أفضل وتظهر وحدة تطلعات الشعوب لمختلف الدول والقارات، ولذا تعتبر الدبلوماسية الرياضية عنصراً هاماً في استراتيجية “القوة الناعمة”، وبالنظر إلى أن مفهومها له طابع سياسي واضح فإنه ليس من المستغرب أن شعار “الرياضة خارج السياسة” يظل مجرد شعار لأنها أداة قوية في صراع السياسة الخارجية وطريقة التأثير السياسي مع الإمكانات الهائلة والفرص الفريدة.
وإن الرياضة أداة قادرة على التعبير عن جوهر العلاقات الدولية والتأثير في نموها فحتى النقاط والأهداف والثواني لها طابع سياسي واعتمادا على نتائج أداء الرياضيين لبلد معين في الساحة الدولية يتم إنشاء فكرة عن الحالة العامة لنظام إدارة الدولة وليس فقط في مجال الرياضة والتي لها تأثير ملموس على السياسة الخارجية للدولة، وتشارك في تشكيل صورتها على المسرح العالمي وتشجيع العلامات التجارية الوطنية إذ أن انتصار الرياضيين في المسابقات الدولية الكبرى يسهم في تنمية الدولة ويزيد من سلطتها في العلاقات الدولية، كما وتعتبر الرياضة اليوم ساحة ليس فقط لتعزيز العلامة التجارية وانما أيضا للنضال السياسي.

وتكتسب الدبلوماسية الرياضية زخماً شعبيا كبيرا مفعلة بعدد من الأسباب الموضوعية كالتغييرات الكبيرة في الدبلوماسية التقليدية وطرازها الكلاسيكي المنطوي على التفاعل الدولي وتحوله بشكل موضوعي إلى واحد من الأجزاء الرئيسية في العالم الحديث وتزايد عدد المنظمات الرياضية ونشر تأثيرها في الساحة الدولية مما افرز تقاربا بين الرياضة والدبلوماسية من حيث قدرتها على بناء صورة إيجابية عن البلد في الخارج إذ وبفضلها يمكن أن تتغير صورة بلد ما بسرعة كبيرة وسريعة والتي تكون في بعض الأحيان أقل شأنا حتى بالنسبة لنتائج الأعمال الدبلوماسية، وإن جودة تنظيم الأحداث الرياضية الدولية الكبرى ومستوى تدريب الرياضيين ورغبتهم في الفوز والقدرة ليس فقط على الفوز بل في القدرة على مواجهة الهزيمة بشكل كاف وكل ذلك يساهم في تكوين الصورة الإيجابية للدولة
نرى الألعاب الرياضية ليس لها خصوم ولا أحد يعارضها فهي عالمية ويعترف بها الجميع عندما يتعلق الأمر ببطولة كأس العالم فإن الجميع يهتم به بغض النظر عن الجنسية وتمحو الاختلافات بين أفراد الجمهور والسياسيين ويجري تنفيذها كدبلوماسية تقليدية وكوسيلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية لدولة ما، ولذلك هي وسيط قوي قادر على المساعدة في بناء العلاقات والتغلب على الاختلافات الثقافية والأخلاقية مع رسالة إيجابية مفادها أنها تشارك قيما مثل الاحترام المتبادل والتسامح

كما وتعتبر أداة أكثر فعالية في السياسة الخارجية من الجزرة أو العصا، فتستند استراتيجيتها الناعمة على العمل الجاد الذي يترجم عبر الإكراه أو تهديد الإكراه وبمساعدة المكافآت والحوافز من خلال توفير فوائد اقتصادية معينة والمطالبة، كما إن لها جانبان على الأقل كجانب التقنية الإيجابية الذي يسمح بتحسين التفاهم المتبادل بين الدول والشعوب فهو وسيلة لتعزيز الإثراء الثقافي وكسياسة لتعزيز العلامة التجارية.

والأحداث الرياضية الدولية الكبرى ولا سيما الألعاب الأولمبية هي أهم المشاريع السياسية والاقتصادية كونها أكبر المنتديات وأكثر المنتجات الترفيهية الشعبية ما تمنح الدولة المنظمة الفرصة لتشكيل ولتحسين صورة السياسة الخارجية والسمعة الوطنية فتعمل الألعاب الأولمبية كأداة قوية “للقوة الناعمة”، وإن الدول المهتمة بصنع صورة جذابة لمعارضيها الجيوسياسيين قد تتعمد تشويه المعلومات عن الألعاب من خلال تقديمها بوجوه ثانوية ولذا أصبح من الواضح أنه في ظروف التقنيات الرقمية الحديثة من الممكن إعداد أكبر مسابقة رياضية دولية على المستوى المناسب وفي نفس الوقت استخراج أقصى فائدة للصورة بسبب المزيد من الإجراءات النشطة في الفضاء المعلوماتي للاعبين المتنافسين. كذلك تعد من أهم العوامل التي تسهم في توطيد السلام العالمي وتنمية العلاقات الودية بين الدول. ونستنتج من ذلك بأن رياضة لأعب ثانوي في السياسة الدولية وأداة من أدوات القوة المؤثرة في إدارة الازمات المفتعلة بين الدول والشعوب.

ويمكن توظيفها لبناء علاقات حسن الجوار وكحافز للإثراء المتبادل للثقافات وتكثيف التبادلات الثقافية والإنسانية وحتى المساعدة في حل القضايا الدبلوماسية الرئيسية كوسيلة قوية للتلاعب السياسي والضغط على المنافسين الجيوسياسيين.

عن محمد الطائي

شاهد أيضاً

الإرهاب الفكري وتأثيره على الأمن المجتمعي

الإرهاب الفكري وتأثيره على الأمن المجتمعي

الإرهاب الفكري وتأثيره على الأمن المجتمعي مقال: محمد على الطائي تعرضت العديد من دول العالم …