الرئيسية / النظم السياسية / التحول الديمقراطي / أطروحة مور: ما تبقى بعد عام 1989؟ مايكل برنارد “مترجم”
أطروحة مور: ما تبقى بعد عام 1989؟ مايكل برنارد "مترجم"
أطروحة مور: ما تبقى بعد عام 1989؟ مايكل برنارد "مترجم"

أطروحة مور: ما تبقى بعد عام 1989؟ مايكل برنارد “مترجم”

أطروحة مور: ما تبقى بعد عام 1989؟ مايكل برنارد “مترجم”

The Moore thesis: What is left after 1989?

التعريف بالباحث:

مايكل برنارد هو أستاذ العلوم السياسية بجامعة فلوريدا، مُتخصص في السياسة المُقارنة في مسائل التحول الديمُقراطية وتحديداً في الخبرات الأوروبية مُركزاً على دور المجتمع المدني وقضايا الاقتصاد السياسي، حصل على البكالوريوس من جامعة بنسلفانيا، والماجيستير في دراسات أوروبا الشرقية من جامعة ييل والدكتوراه من جامعة كولومبيا 1988.

المنهج المُستخدم وحُجته الرئيسية:

يسعى مايكل برنارد في هذه الورقة اختبار مدى صلاحية أطروحة موور( لا برجوازية, لا ديمُقراطية) للتطبيق في دول أوروبا الشرقية أي في أنظمة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إذ قام بعرض أبرز الانتقادات التي تعرضت لها أطروحة موور وتقييم هذه الانتقادات فيما يُشبه عرض الأدبيات السابقة ليوضح الفجوة التي تسعى ورقته لتناولها بالبحث[1], إذ أن إرساء الديمُقراطية في بلدان أوروبا الشرقية قد تحقق دون وجود برجوازية قوية, بحيث يُمكن القول أن هدف مايكل برنارد من هذه المقالة هي فهم القيود الزمنية لأطروحة موور وكيف كان من الممكن أن تتحقق الديمُقراطية في ظل غياب البرجوازية وذلك باستخدام المنهج التاريخي المُقارن للفاعلين وكيف أدت اختياراتهم إلى لمسارات مُختلفة هذا علاوة على المنهج الاحصائي.

الأفكار الرئيسية للورقة البحثية

يستعرض برنارد في هذه الورقة عدد من الدراسات النقدية لأطروحة موور وذلك لكي يبين الغرض الرئيسي من دراسته والتي يفترض أنه لم تسعى أي من هذه الدراسات النقدية أن تتناولها بالبحث وهي العلاقة السببية بين البرجوازية والديمُقراطية، وفيما يلي نستعرض القراءة النقدية التي يُقدمها مايكل برنارد للدراسات التي تناولت موور بالنقد:

عرض حُجة موور

كان المتغير التابع في كتاب موور “الأصول الاجتماعية للديكتاتورية والديمُقراطية” هو شكل الأنظمة السياسية التي انتقلت من المجتمع التقليدي إلى الحداثي (الليبرالية الديمُقراطية، الديكتاتورية الفاشية، الديكتاتورية الشيوعية) وذلك بالتركيز على خبرات 8 دول كُبرى: بريطانيا، فرنسا، الولايات المُتحدة، الصين، اليابان، الهند, روسيا وألمانيا, أما المُتغير المُستقل لدى موور فهو درجة قوة البرجوازية.

إذ يتوقف شكل النظام الناتج عن مسار التحديث على ثلاث فواعل أساسية (البرجوازية، الطبقات العليا الريفية، الفلاحين) ، فعندما تكون البرجوازية قوية تكون الأرستقراطية قادرة على التكيف مع الهياكل الاقتصادية الناتجة عن اقتصاد السوق التنافسي بما فيه العمل الزراعي مما يعمل على استيعاب سكان الريف. فهذه كانت الحالة في عدد من الدول التي درسها موور باستثناء ألمانيا واليابان كانت البرجوازية ضعيفة فكانت عملية التحديث أشبه ب ” الثورة من اعلى” إذ قام “بسمارك” و”الميجي” بعملية التحديث وتخفيض الحواجز الجمركية وانشاء جيوش مهنية حديثة في حين كانت البرجوازية شريكاً صغيراً للغاية وبالتالي لم تستطع الطبقة العليا من الدفاع عن مصالحها دون التعاون مع نظام ديكتاتوري يقمع العمال مما أدى إلى الفاشية. أما في روسيا والصين حيث كانت البرجوازية الأضعف في خبرات موور الثمانية، تحققت عملية التحديث تحت نظام ديكتاتوري شيوعية عقب ثورة للفلاحين إذ لم تتمكن الدولة من السيطرة على الفلاحين وفشلت في عملية التحديث من فوق.

قراءة مايكل برنارد لانتقادات سكوكبول على موور:

قدمت سكوكبول قراءة نقدية لأطروحة موور في 1973 بحيث كانت حُجتها الرئيسية أن موور قد أهمل دور الدولة وعلاقاتها بسُلطة النُخب الزراعية، ففي حين كانت الثورة في إنجلترا هدفها هو اضعاف البيروقراطية المركزية ولم يكن للنبلاء قوة دولة حديثة أو جيش دائم تحت التصرف (قدرة القوى المحلية على التعاون خوفاً من الاتجاه الراديكالي)، كانت ألمانيا واليابان تتمتع فيها البيروقراطية بقدر أكبر من الاستقلال إذ تمكنوا من استخدام سُلطة دولة مركزية وانشاء جيش حديث ( قوة الدولة في الاجبار).

ويُعلق برنارد بأن أطروحة موور تنظر إلى ( الثورة البرجوازية, الثورة من أعلى, الثورة الشيوعية) كمراحل ناجحة للتحديث مما يعني أنه أغفل دور الضغوط الخارجية على الدول للتحديث بفعل المنافسة الدولية في ظل تركيزه الشديد على العلاقات الطبقية مما يعني أنه لم يلحظ الدور المُستقل للدولة في عملية التنمية ورغم ذلك لا تتناول انتقادات سكوكبول العلاقة السببية بين البرجوازية والديمُقراطية وإنما تدور انتقاداتها حول ” لماذا مستوى قوة البرجوازية يُترجم إلى مسارات مُختلفة ولكنها لا تُساءل موور عن وجود فواعل أُخرى بخلاف البرجوازية أكثر تأثيراً.

 قراءة برنارد لنقد ثيربورن لأطروحة موور:

يختلف ثيربورن مع موور فيما يتعلق بأهمية الثورة البرجوازية مُقارنة بتوقيت إنشاء/إقامة الديمُقراطية، إذ يوضح ثيربورن أنه تاريخياً لم تؤد أي من الثورات البرجوازية إلى بلورة ديمُقراطية برجوازية حقيقية فسواء فيما يتعلق بالثورة الهولندية أو الإنجليزية، وكذلك الأمر بالنسبة للدستور الفرنسي عقب ثورتها إذ ظل حبراً على ورق بل أن الجمهورية الأمريكية قد تأسست بالأساس على يد السادة البيض.

ولذلك عمِد ثيربورن إلى توضيح الأنماط السببية لنشأة النظام الديمُقراطي في 16 دولة رأسمالية، وقد ميز بين خمسة مسارات مُختلفة لنشأة الديمُقراطية: الهزيمة في الحرب، التعبئة الوطنية، مُنتج ثانوي للتعبئة الوطنية، استقلال قوى البرجوازية الصغيرة، طبقة حاكمة مُقسمة فيما بينها ولكنها ليست مُهددة. وقد خلص إلى أن بواكير نشأة الديمُقراطية والرأسمالية لم يكن بينهما تجانس بخلاف أطروحة موور التي تُعلي من قيمة الصعود البرجوازي كعامل مؤثر في فتح المسار للديمُقراطية.

ففي الحالات التي كانت فيها الطبقة البرجوازية مُنقسمة حول دعم المسار الديمُقراطي لكن شكلت الطبقات الدُنيا تهديداً لمصالحها برزت فيها الديمُقراطية بطريقة تطورية تدريجية, وفي عدد من الحالات الأخرى, يؤكد ثيربورن على قيمة الطبقات العاملة في الدفع تجاه الديمُقراطية البرلمانية لكنه يوضح أن قوتهم وحدها لم تكن كافية لتثبيت الديمُقراطية, وفي أواخر القرنين التاسع عشر والعشرين يوضح ثيربورن الاتجاه المؤيد للديمُقراطية لدى الحرفيين وأصحاب الأراضي الصغيرة والبرجوازية الصغيرة والتي تتناقض مع التفضيلات السلطوية لأصحاب الأراضي الكبيرة وكذلك البرجوازية التجارية والصناعية.

يُعلق برنارد – على النقيض – بأن أطروحة ثيربورن تُثري أطروحة موور أكثر من مُعارضتها أو دحضها، إذ أن التحفظ البرجوازي تجاه الديمُقراطية لن يدحض إلا سببية موور لنشأة النظام الديمُقراطي من خلال البرجوازية، غير أن موور كان واعياً في مُناقشته للمسارات غير الديمُقراطية للحداثة بوجود برجوازية استبدادية.

إذ أن إعادة بناء ثيربورن للمسارات السببية لنشأة الديمُقراطية هي فقط تُضفي تحديثاً لأنماط نشأة النظام الديمُقراطي، ورغم ذلك تُساعدنا أطروحة ثيربورن في فهم تنوع مسارات التحول للديمُقراطية في البلدان الغربية بتركيزه على مرحلة ما بين الثورات التي فتحت المسار للديمُقراطية ثُم التثبيت الفعلي للنظام الديمُقراطي في أوائل القرن العشرين مما يدُل على أن الديمُقراطية لا تظهر دائماً جنب إلى جنب مع الرأسمالية ولكن من خلال التناقضات في هذه العملية.

قراءة برنارد لنقد لوبيرت لأطروحة موور

يُعلن غريغوري لوبيرت تحدياً لأطروحة موور باستكشاف طريق غير ليبرالي للديمُقراطية بحيث يبحث في نوع الأنظمة السياسية في أوروبا الغربية فترة ما بين الحربين العالميتين, فعندما كانت ليبرالية القرن التاسع عشر قادرة على استيعاب الطبقة العاملة في النظام السياسي ساد النمط الليبرالي الديمُقراطي( بريطانيا, فرنسا وسويسرا), في حين أنه عندما تم استبعاد الطبقة العمالية أصبحت – الأخيرة-موحدة وأكثر تنظيماً وقد نتج في هذه الحالة مسارين الأول الفاشية والثاني الديمُقراطية الاجتماعية وذلك وفقاً لتحالفات مُختلفة للقوى الاجتماعية.

عندما حاولت الحركة العمالية تنظيم العمالة الريفية هددوا مصالح أُسر المزارعين مما أدى لتحالفهم مع الطبقات الوسطى الحضارية ضد الاشتراكيين فنتج النظام الفاشي، ولكن عندما لم تستطع الطبقات العمالية تنظيم العمالة الريفية، تحالفت الطبقات العمالية مع الطبقات الوسطى الحضرية مما أنتج الديمُقراطية الاجتماعية.

وبعبارة أُخرى يُعطى لوبيرت قيمة أكبر لفاعلية الطبقة الوسطى وأُسر المزارعين بدلاً من الطبقات العُليا في تحديد طبيعة النظام القائم هذا من جهة ومن جهة أُخرى يجعل لوبيرت الطبقات العليا غير ذات صلة بالفاشية, وهُنا يجادل برنارد في – بالاستناد إلى حٌجة روشيمير وستيفنز- في أن الطبقات العليا الريفية في الدول الاسكندنافية وهولندا وبلجيكا كانت ضعيفة, في حين نجدها قوية في جميع الحالات الاستبدادية( إسبانيا وألمانيا وإيطاليا) ويُجادل برنارد بأنه حتى ولو كان طرح لوبيرت سليماً فيما يتعلق بانتفاء العلاقة بين الطبقات الريفية العليا وبين الفاشية فإن ذلك لا يتناقض مع حُجة موور إذ يظل السؤال قائماً عن أسباب تهديد العمالة المنظمة للطبقات العليا الريفية في القطاع الزراعي.

قراءة في مُحاولات تخطي الحدود الأوروبية لأطروحة موور:

قدم “روشيمير، ستيفنز وستيفنز”[2] في capitalist development and democracy نطاق دراستهم الجُغرافي ليتخطى أوروبا الغربية بحيث توسع تحليل موور ليشمل مستعمرات بريطانيا السابقة، منطقة البحر الكاريبي وامريكا الجنوبية لكن من خلال إدماج دور الدولة المُستقلة وكذلك تأثير النظام العالمي للأخذ بالديمُقراطية.

وقد توصلوا من خلال بحثهم للتاريخ اللاتيني إلى عدم وجود دليل قاطع على التزام الطبقة الوسطى بالديمُقراطية بل انها في العديد من الحالات قد دعمت الحركات السياسية الاستبدادية مُقابل ميزة اقتصادية ما، وفي المُقابل جادلوا في

جادلوا في حُجة مور حول التاريخ الألماني إذ قاموا بتحميل البرجوازية نفسها أن تكون الشريك الأهم للنظام الفاشي إذ أن ألمانيا (بخلاف بريطانيا وبلجيكا وفرنسا التي بدأت بصناعات خفيفة) قد دخلت عهد التصنيع مُتأخراً مما دفعها للصناعات الثقيلة ومن ثُم فقد ترسخت العلاقة بين البرجوازية والدولة.

وفي توسيع نطاق تحليلهم ليشمل إيطاليا واسبانيا إضافة إلى أمريكا اللاتينية، يُشير الثلاثي إلى عدد من الحالات التي اتخذت مسار رجعي على الرغم من ممارسات العمال التي كانت غير قمعية (بخلاف أطروحة موور) وهنا كان اتجاه النخبة الزراعية للحلول السلطوية هو نتاج لتنظيم السوق للعمالة الريفية وإدخال الديُمُقراطية وفي هذه الحالات سمحت الديمقراطية للقوى المتعاطفة مع العمالة الريفية للتدخل لصالحها مما هدد مصالح كبار المزارعين التي تعتمد على هذه العمالة المأجورة وبالتالي ازداد تأثيرهم للديكتاتورية. أي أنهم قاموا بإعادة تفكيك وتركيب تصورات موور موضحين أن الزراعة كثيفة العمل (التي تعتمد على العمالة المستأجرة) يُمكن أن تؤدي إلى ثورات سلطوية من الأعلى خصوصاً عندما تهدد الديمُقراطية برفع أجور هؤلاء العُمال.

ومن هُنا تبرز قيمة ورقة موور وتساؤلاتها الرئيسية إذ:

يُركز برنارد على أنظمة ما بعد انهيار اشتراكية الدولة التي نشأت نتيجة لثورة الفلاحين في أوروبا الشرقية، إذ اتخذت هذه المجتمعات شكلاً مُختلفاً للحداثة والتصنيع عن الديمُقراطية الليبرالية أو الديمُقراطية الاجتماعية أو الفاشية دون وجود للسوق، إذ حلت البيروقراطية محل السوق وتم تدجين المُجتمع المدني وتعبئته في كنف الدولة ليُصلح رديف لها مما أدى إلى تحولات خطيرة في الهيكل/البنية الاجتماعية لهذه البلدان, وبعبارة أُخرى فإنه وبعد 1989 تشهد أوروبا الشرقية بزوغ للديمُقراطية بدون برجوازية, ولذا يطرح برنارد سؤالين, الأول هو كيف يُمكن للديمُقراطية أن تظهر في غياب البرجوازية؟ والثاني هو ما هي القوى الاجتماعية الرئيسية في حمل لواء الديمُقراطية؟

الحُجج التي اعتمد عليها الباحث

سقطت العديد من النُخب الزراعية في مرحلة ما بعد الشيوعية بأوروبا الشرقية والتي كانت تُشكل أكبر حاجز أمام الديمُقراطية، بل وأُجبر الفلاحين المُستقلين إلى الرضوخ للسيطرة المُباشرة لحزب الدولة، وبعبارة أُخرى لم تعد المسألة الزراعية مُعضلة للتحول الديمُقراطي على الرغم من تنامي أنظمة استبدادية أو استبدادية تنافسية (كُلما اتجهنا لآسيا الوسطى)، أي – وبعبارة أُخرى-فإن المسألة الزراعية هي نتيجة للتغيير وليست مُحدداً رئيسياً لمساره. حيث لعب نمط الحكم السوفييتي نفس الدور الذي قامت به الثورة البرجوازية في سياقات تاريخية سابقة إذ أزال الحواجز الزراعية أمام الديمُقراطية قبل نشأة الديمُقراطية نفسها مما مكن في وقت لاحق ظهورها دون برجوازية وهو ملا يختلف عن وجه نظر موور عن بريطانيا عندما ساهم الماضي العنيف في التطور السلمي للديمُقراطية بها.

من هم الفاعلين في سياق مُجتمعات ما بعد الاتحاد السوفيتي؟

تشكلت طبقتان مدنيتان – علاوة على التحولات في القطاع الزراعي-في ظل ضعف البرجوازية الرأسمالية إذ بزغت الطبقة العاملة ( تقوم الدولة بالتصنيع فبدلاً من أن تقوم البرجوازية بالثورة تشكلت عبر الثورة من أعلى), وكذلك أنتج التصنيع طبقة الياقات البيضاء الحضرية التي تمتلك التعليم والمهارات التقنية مما جعلها تتبوأ مكانة عالية اقتصادياً واجتماعياً.

ولذا فقد لعبت طبقة المثقفين(intelligentsia) دور كبير في عملية التغيير، ويمكن تصنيفهم بين ثلاث فئات، الأولى فئة التكنوقراط والاقتصاديين (مُهتمين بعملية إعادة التوزيع)، والثانية فئة البيروقراطية الإدارية والشُرطة (تضمن عدم اختلال عملية إعادة التوزيع)، والثالثة فئة المثقفين الأيديولوجيين والعلميين والفنانين (تنشر ثقافة إعادة التوزيع). وقد شكلت الفئة الأخيرة-المُثقفين-الفاعل الرئيسي وليس الوحيد في عملية التغيير باستثناء بولندا التي لعبت الطبقة العاملة دور أكبر في المُعارضة والتغيير.

غير أن طبقة (intelligentsia)هذه لم تكن موحدة إذ انقسمت بين من يُطالب بالإصلاح الجذري وآخر بإصلاحات محدودة وأخير بالمُحافظة على الوضع الراهن، وقد مالت فئة المثقفين إلى المعارضة ولذا لعيت دور في قيادة المُجتمع المدني المتمرد، في حين مالت فئة الأجهزة الإدارية والأمنية لمُقاومة التغيير, غير أن الاتجاه نحو الديمُقراطية تطور من خلال رغبة الفئات الثقافية والتكنوقراطية لتقليل سيطرة الدولة السياسية ( البيروقراطية الإدارية والأمنية) على المعرفة والإنتاج وليس لخلق الرأسمالية واقتصاد السوق الذي تشكل في مرحلة لاحقة( كان المُثقفون أقل تخوفاً من اقتصاد السوق بفضل تعليمهم المُميز واطلاعهم على تجارب ولغات الغرب).

وبعبارة أُخرى يُركز مايكل برنارد على علاقات القوى بين الفاعلين الرئيسيين في دول ما بعد الاتحاد السوفييتي مُعيداً الاعتبار للدوافع/الاعتبارات السياسية في تفاعلات هذه المُجتمعات بحيث يُصبح وجود نخبة ذات ثقافة وإطلاع تسعى لكسر هيمنة الحزب الواحد على المعرفة/السلطة وكذلك وسائل الإنتاج ولا تحمل تخوفات الانتقال للنظام الرأسمالي .مع الإشارة لتعدد السرديات في مُخرجات عمليات التحول سياسياً واقتصادياً الأمر الذي كان يتوقف على قوة المُجتمع المدني ودور المُثقفين في هذه المرحلة وذلك خلافاً للأسطورة التي تدور حول توسيع التوافق مع واشنطن أو أولوية التحول الاقتصادي. فكُلما دفعت الفئات المُثقفة تجاه التحول الديمُقراطي (ومن ثَم التغير الاقتصادي)، حاولت الفئات الإدارية والأمنية إعادة إنتاج ظروف/عناصر قوة النظام لإعاقة ذلك التقدم ويتوقف المسار الناتج على قوة أي منهما ومن هُنا الاختلاف بين تجارب التحول الديمُقراطي في أوروبا الشرقية[3].

ويُجادل برنارد في توضيحه للعلاقة بين الرأسمالية والديمُقراطية في أنه عندما كان المجتمع المدني قوياً فقد تم اقناع الفئات التكنوقراط للتخلي عن تركيز السُلطة في أيديهم ولكن في المُقابل تركيز عدد من الممتلكات الخاصة, وفي حين كانت تعبئة المجتمع المدني ضعيفة لم يستطع الإصلاح الديمُقراطي منع تركيز الممتلكات الجماعية في أيدي النخبة القليلة, ونتيجة لذلك كانت الرأسمالية سياسية ولم تكن توجهاً نحو اقتصاد السوق وهو ما جعل استدامة الديمُقراطية صعب المنال خصوصاً وأن أنظمة الاتحاد السوفييتي السابق كانت تدفع تجاه سياسات إعادة توزيع الثروة والدخل مما ساهم ليس فقط في تقويض الديمُقراطية وإنما إعادة إنتاج سلطويات جديدة وأحياناً competitive authoritarian regimes والتي تُمثل شكلاً للديمُقراطية في حين تنفي وجودها فعلياً.

يذهب برنارد في تفسيره ضعف الديمُقراطية في عدد من الحالات لتتبع مسارات ما بعد الإصلاح وفقاً لاختيارات هذه النُخب، موضحاً أنه يُمكن فهم الدوافع وراء دعم الفئة المُثقفة للديمُقراطية المُمثلة في إنهاء سيطرة الحزب الواحد على انتاج المعرفة ومواد الإنتاج الأمر الذي يفسح الطريق أمام مصالحهم كي تُمثل، غير أن الامتيازات التي حصلوا عليها من النظام القديم-التعليم والمهارات والعلاقات-لم تعد تكفي لممارسة السُلطة والسيطرة على الممتلكات, ومن هُنا يُفسر تمكن النخبة الاقتصادية والتكنوقراطية من حصد النسبة الأكبر في حين شهدت النخبة الثقافية هبوط حاد, إذ لم يخلقوا نظاماً اقتصادياً بديلاً اللهم إلا صورة يوتوبية للاقتصاد الغربي كما أن اختياراتها جاءت لتقويض أساس تنظيمها الاجتماعي في مقابل تمكن جزء من أعضاءها من الاعتماد على مهاراتهم للمُشاركة في السُلطة والإنتاج.

النتائج الختامية والتقييم (عنصُر غير مُكتمل)

نشأت الديمقراطية في غياب الرأسمالية, البنية الاجتماعية الخاصة بأوروبا الشرقية أبطلت دور البرجوازية في الانتقال للحداثة, رغم أن السوابق التاريخية للبرجوازية لا تُشير لمُساهمتها في تأسيس ديمُقراطية حقيقة غير أنها وكما أشار موور تلعب دوراً حاسماً في ظهور نظم تمثيلية تنافسية, لكي تتبنى دول ما بعد الاتحاد السوفييتي النموذج الليبرالي الديمقراطي كان على قوى اجتماعية أخرى ان تقوم بدور البرجوازية, طبقة المثقفين هي الفاعل الرئيسي للدفع تجاه الديمقراطية غير انها وبأعداد كبيرة لم يكن لها سجل تاريخي من حيث الالتزام الديمُقراطي ورغم ذلك لم تأخذ كل تجارب دول ما بعد 1989 بالمسار الليبرالي للديمُقراطية وقد توقف الأمر على مدى فاعلية الفئة المُثقفة في تنظيم المُجتمع المدني لوضع عوائق أمام خصخصة أصول الدولة لأفراد بأعينهم من النُخبة, النظر لعدد من الهياكل الاجتماعية يُشير إلى أن القوى الاجتماعية التي ليس لها دوافع ديمُقراطية يُمكن أن تُحدث أشكال من التغيير الاقتصادي والاجتماعي الذي يُعزز الديمُقراطية لاحقاً مثل البرجوازية والفاشية في عدد من الحالات.

 

[1] إذ أن القراءة النقدية التي يُقدمها مايكل برنارد لعدد من الكتابات التي تناولت أطروحة موور بالنقد – وفقاً لقراءة برنارد-هي تُحاول إثراء أطروحة موور وليس مُعارضتها بحيث تُركز على دور الدولة أو الضغوط الخارجية وكذلك تُشير لدور الطبقة الوسطى والعُمال والمزارعين كفواعل قد تدفع تجاه الديمُقراطية في ظل تحالفات وتوازنات قوى مُعينة لكنها لا تتعارض مع الأطروحة الأساسية لموور بشكل مباشر حيث أنه بالنسبة لهم جميعاً الديمُقراطية هي مُنتج غير مقصود للتنمية الرأسمالية.

[2] Dietrich Rueschemeyer, Evelyne Huber Stephens, And John D. Stephens

[3] تعددت مسارات التحول الديمُقراطي بتجارب أوروبا الشرقية, ففي حالة وجود منظمات مُجتمع مدني راسخة ومُعارضة ناجحة (بولندا، اليونان، البلطيق، سلوفينيا) أو تنظيمات أقل مُعارضة للنظام السابق ولكنها دفعت للديمٌقراطية (تشيكوسلوفاكيا, ألمانيا الشرقية) تم التحول للديمقراطية, وفي وقت كان المُجتمع المدني أكثر ضعفاً وسعت الفئات الاقتصادية للحفاظ على الوضع الراهب بجانب الفئات الإدارية والأمنية فإنها تُساهم في إبطاء التحول للديمُقراطية (رومانيا وبلغاريا ومقدونيا), أو التحول عن مسارها(أوكرانيا, ألبانيا, يوغسلافيا), أو هزيمة الإصلاح الديمُقراطي تماماً( روسيا, بيلا روسيا, آسيا الوسطى).

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …