الرئيسية / العلاقات الدولية / التفاعلات الدولية / الدور الصيني في استبعاد إسرائيل من عضوية الإتحاد الإفريقي لصالح القضية الفلسطينية
الدور الصيني في استبعاد إسرائيل من عضوية الإتحاد الإفريقي لصالح القضية الفلسطينية
الدور الصيني في استبعاد إسرائيل من عضوية الإتحاد الإفريقي لصالح القضية الفلسطينيةarabprf.com

الدور الصيني في استبعاد إسرائيل من عضوية الإتحاد الإفريقي لصالح القضية الفلسطينية

الدور الصيني في استبعاد إسرائيل من عضوية الإتحاد الإفريقي لصالح القضية الفلسطينية

تحليل: الدكتورة/ نادية حلمي

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف
د. نادية حلمي
د. نادية حلمي

 

  ربما جاء تحليلي الدولي الجديد بشأن الدور الصيني في استبعاد إسرائيل من الإتحاد الإفريقي، كرسالة مباشرة على أحد طلابي في الجامعة في جامعة بنى سويف المصرية، قام بتحليل مضمون إحدى الخطابات السياسية  – والتي دربتُ عليها طلبتي كجزء من منهج ومقرر مادة “النظرية السياسية” – ولكنني فوجئت عقب إرسال أحد طلابي لتحليل مضمون خطابه السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق “نتنياهو” أمام البرلمان الأثيوبي في عام ٢٠١٦، بأنه تحليل قاصر لا يمت للواقع بصلة، لعدم مراعاته كافة التحركات الصينية في مواجهة إسرائيل وحليفتها الأمريكية الوثيق في القارة الأفريقية.

كما أن الأهم عندي، هو أن الخطاب الذى حلله أحد طلابي، وطالبني بنشره لي، لم يراع إطلاقاً كافة المستجدات الجديدة والراهنة، والمتعلقة بواقعة (طرد إسرائيل واستبعادها المهين من عضوية الإتحاد الأفريقي كمراقب، والدور الصيني في مواجهة إسرائيل كعين لواشنطن، لإضعاف النفوذ الأمريكي في أفريقيا، ولتقويض وتحجيم النفوذ الإسرائيلي تماماً لصالح القضية الفلسطينية)، وربما كانت تلك جزئية تحليلية جديدة، وكخلفية لما أردت تحليله اليوم من وقائع وأبعاد دولية وإقليمية راهنة تمس قضايانا العربية، ودور الصين معنا في القارة الأفريقية بالأساس، في مواجهة سياسات التعنت الإسرائيلية ضد الأشقاء الفلسطينيين بالأساس.

ولعل ذلك يأتي (تضامناً من الصين مع القضايا العربية لصالح القضية الفلسطينية في مواجهة تل أبيب وسياساتها المتعنتة مع الفلسطينيين، ورفض المسؤولين الإسرائيليين قبول أي تسوية سياسية حقيقية)، بحيث تترجم لاتفاقات ملزمة لصالح الفلسطينيين.

وأنا هنا أعيد على مسامع كافة طلابي في مدرجات الجامعة في مصر والمنطقة والعالم، بل وحتى لهؤلاء المختلفين معي حول عدم اتفاقهم معي بشأن وجود دور فعلى للصين لاستبعاد وطرد إسرائيل في ٦ فبراير ٢٠٢٢، من مقعد مراقب بالاتحاد الأفريقي، بأنني أعي حقاً ما أقول، فإذا كنا نتحدث كأكاديميين عن (دور لإسرائيل في أفريقيا، فعلينا اليوم أن نفرق بوعى كامل بين إسرائيل ما قبل، وما بعد… أي ما قبل واقعة طردها واستبعادها التام من عضوية المراقبة في الإتحاد الأفريقي، وبين ما بعد واقعة طردها المهينة)، والتي شاركت فيها أدوار خفية ومجهولة، وأعادت إلى الأذهان مشهد انتصارات العرب في مواجهة إسرائيل عام ١٩٧٣، بتضامن وتنسيق عربي وإفريقي كامل، بالمشاركة مع قوى دولية أخرى، في مواجهة سياسات الهيمنة والاستبداد الإسرائيلية الصهيونية واحتلال أراضي الغير وانتهاك سيادة الدول، وإن اختلف مضمون وشكل النصر اليوم عن ذي قبل، بالنظر لأن أشكال الحروب باتت اليوم تأخذ أبعاداً أخرى، مثل: أبعاد ثقافية وناعمة، وحروب وعقوبات اقتصادية مثل ما تفعله واشنطن إزاء المختلفين معها، كروسيا وغيرها.

وهنا بات لزاماً على كأستاذة جامعية في العلوم السياسية، وكخبيرة دولية معروفة في الشؤون السياسية الصينية، بأن (واقعة مشاركة وترتيبات الصين في التدخل لاستبعاد إسرائيل وطردها من الإتحاد الافريقي، شبيهة بالمرة لما تؤكده كافة تأكيدات صناع القرار السياسي في الصين، ومراكزها البحثية والفكرية في بكين)، فضلاً عما تذهب إليه تأكيدات وتحليلات المجتمع الدولي الراهن، ومواد القانون الدولي، ومفاد ذلك، هو:

“أن القانون الدولي لم يأتِ بالأساس لحماية الشعوب الضعيفة، وإنما جاء لموازنة مصالح الدول الكبرى فيما بينها، وضمانها – وهما هنا الصين والولايات المتحدة الأمريكية – فمن هنا، جاء اتفاق الكبار على أن يكونوا هم وحدهم أصحاب القرار المتمثل في حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي. أما الشعوب الأخرى المحبة للحرية والاستقلال والسلام، فلم تكن يوماً إلا مجرد أداة مساعدة لهذا الطرف أو ذاك، للمساهمة في توازن القوى الكبرى لتلك الدول”.

وبناءً على وجهة النظر التحليلية السابقة، كمقدمة ومدخل ضروري من وجهة نظري، لتقديم تحليلي حول الدور الصيني الخفي والحقيقي وغير المشار إليه دولياً بدقة وبعناية حتى الآن مع أهميته، والمتمثل في: (المشاركة التضامنية الجماعية بمساعدة الصين، لتلقين إسرائيل درساً بطردها من التواجد أفريقياً بشكل رسمي، رغم وجود مقعد مراقب للسلطة الفلسطينية فعلياً، بل والأعجب، وجود مقعد لدولة كوريا الشمالية كمراقب داخل الإتحاد الإفريقي، وذلك عند مراجعتي الموقع الرسمي الخاص بالاتحاد الإفريقي نفسه). لذلك، فقد كان ذلك أكثر ما أضحكني بشدة، بشأن المقارنة، حول:

“احترام المجتمع الأفريقي لكوريا الشمالية كدولة مارقة غير ديمقراطية بالنسبة لواشنطن وتل أبيب، وتحدى الأفارقة للسياسات الأمريكية والإسرائيلية الحليفة، بالترحيب ببقاء “بيونغ يانغ” كعاصمة لكوريا الشمالية، وعدم احترام الأفارقة الفقراء غير الديمقراطيين، وفقاً للتصنيف الأمريكي، لبقاء إسرائيل معهم في الإتحاد الإفريقي، حتى مع تصنيفها أمريكياً ككيان ديمقراطي متقدم”… فهذا أمر له دلالة شديدة جداً تحليلياً بالنسبة لي وأعتقد للجميع.

فقد جاءت المتابعة الصينية الدقيقة للجلسة الأخيرة للاتحاد الافريقي في ٥ فبراير ٢٠٢٢، والتي تمخضت عنها (رفض عضوية إسرائيل كمراقب داخل أروقة الإتحاد الافريقي)، وكخبيرة في الشأن الصيني، قد استنتجت تحليلياً مفهوم (القلق الصيني من إسرائيل كعين مراقبة للولايات المتحدة الأمريكية على البلدان الأفريقية). فمن هنا، كان التخوف الصيني، وفقاً لما ذكرته، من أن تلعب إسرائيل دوراً سلبياً لتهديد مصالح الصين وتحالفاتها واستثماراتها في أفريقيا لصالح حليفتها الأمريكية.

كما أنه وفقاً لقراءتي للمشهد العام في بكين، فنجد أن توجهات صناع القرار السياسي في الصين، يفضلون تأييد القرار التاريخي لدول القارة الأفريقية بتعليق عضوية إسرائيل كمراقب داخل الإتحاد الإفريقي في ٦ فبراير ٢٠٢٢، وربما جاءت سياسة الضغوط الدولية والإقليمية العديدة للحشد ضد العضوية الإسرائيلية، ومن ورائها الصين، والتي (تتخوف من التواجد الإسرائيلي كعين مراقبة للولايات المتحدة الأمريكية على البلدان الأفريقية لصالح واشنطن). كما تطابقت وجهة النظر الصينية مع الجانب المصري، والذى ينظر للدور الإسرائيلي السلبى داخل الإتحاد الإفريقي في التلاعب بملف سد النهضة الأثيوبي في مواجهة القاهرة، خاصةً بعد إقرار مجلس الأمن الدولي في جلسته المنعقدة في يوليو ٢٠٢١، بنقل ملف سد النهضة بالكامل إلى الإتحاد الأفريقي لمناقشته والتباحث حوله، ووضع حلول له.

كما جاء التأييد الصيني، ربما غير المعلن بشكل تام، متشابهاً مع مواقف الدول العربية والأفريقية المسلمة لطرد إسرائيل من الإتحاد الإفريقي، والربط بين هذا الموقف وبين حق الفلسطينيين في أراضيهم وفقاً لقرارات الشرعية الدولية. فضلاً عن التخوفات الصينية المتتالية في كون (التواجد الإسرائيلي سيؤثر حتماً على الأمن القومي الإفريقي والصيني كذلك في مجمله، وسيربك كافة خطط الإصلاح والتنمية الصينية داخل القارة الأفريقية، خاصةً في ظل حالة التنافس الحالية الأمريكية – الصينية، وكذلك لتفهم القادة الأفارقة تلك النية الإسرائيلية للتغلغل في عمق القارة الأفريقية ومن ورائها حليفتها الأمريكية).

ومن هنا، جاءت سياسة الحشد والتأييد الصيني الخفي، بدعم اقتراح إلغاء صفة مقعد “مراقب” لإسرائيل من قلب الإتحاد الإفريقي، بتوظيف بكين لعلاقاتها مع البلدان الأفريقية لحشد أكثر من (ثلثي عدد الدول الأعضاء في الإتحاد الإفريقي البالغ عددها ٥٤ عضو) من أجل رفض عضوية إسرائيل كمراقب داخل الإتحاد الأفريقي بشكل تام.

ونجحت الصين ومعها قوى أخرى، من تشكيل (تحالف مضاد لعضوية إسرائيل كمراقب داخل الإتحاد الإفريقي)، تمكن من فرض سياسة التحدي للعضوية الإسرائيلية داخل الإتحاد الأفريقي، حيث نجح التحالف الذى يضم: “الجزائر، نيجيريا، مصر، تونس، جنوب أفريقيا” بدعم صيني، من الوقوف في وجه التغلغل الإسرائيلي داخل القارة الأفريقية.

وجاء دعم الصين الشديد لدور “المبادرة الجزائرية” عاملاً حاسماً في (سحب قرار منح إسرائيل مقعد عضو مراقب داخل الإتحاد الأفريقي)، وهو ما يعد تتويجاً لجهود الصين، بالتنسيق مع الشركاء الأفارقة والمسلمين الآخرين للحفاظ على ميثاق الإتحاد الأفريقي.

ونجحت بكين في إدارة سياسة حاسمة في الخفاء لإدارة معركة داخل أروقة الإتحاد الإفريقي بين الداعمين والمعارضين لعضوية إسرائيل في الإتحاد الإفريقي، حيث احتجت (٢١ دولة عضو في الإتحاد الأفريقي على عضوية إسرائيل كمراقب داخل الإتحاد الإفريقي).

ورغم منح صفة مراقب داخل الإتحاد الإفريقي لـ ٧٢ دولة وتكتلاً ومنظمة إقليمية، بما في ذلك (كوريا الشمالية كحليفة وثيقة للصين والإتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعنى بفيروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”)، إلا أن الصين لم تقف في وجه أياً من هؤلاء، بينما ساندت بقوة جهود طرد إسرائيل من الإتحاد الإفريقي، حفاظاً على مصالحها الاقتصادية وسياستها التنموية والإصلاحية في الدول الأفريقية من أي عملية إسرائيلي لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

وربما جاءت المحاولة الإسرائيلية للتقدم لعضوية الإتحاد الإفريقي بصفة مراقب بعد تعليق عضويتها ورفضها لسنوات طويلة. وعزت الحكومة الإسرائيلية هذا الأمر إلى دور الرئيس الليبي الراحل “معمر القذافي“، والذى كان له نفوذ كبير في الإتحاد الإفريقي حتى الإطاحة به ومقتله عام ٢٠١١.

– ويمكنني هنا كخبيرة في الشأن الصيني تتبع أهم أوجه الاستفادة الصينية من التواجد في القارة الأفريقية، واستفادة الصين بالأساس من طرد إسرائيل، كالآتي: –

في إطار اهتمام الشركات الصينية بالبحث عن مقار جديدة، أنشأت الصين في دولة السنغال (منطقة اقتصادية خاصة جديدة)، وذلك بالقرب من العاصمة “داكار”. فقد وعد الرئيس الصيني الرفيق “شي جين بينغ” أثناء زيارته للسنغال (خلال الفترة من ٢١ إلى ٢٢ يوليو ٢٠١٨) بإعطاء الأولوية للتصنيع في السنغال، لذلك بات من مصلحة الصين طرد إسرائيل واستبعادها تماماً من لعب أي أدوار خفية ضد مصالحها في مواجهة واشنطن.

نجحت الصين في إحراج إسرائيل وواشنطن سوياً عبر دولة رواندا، وذلك (كرد صيني حازم على إرسال إسرائيل لكافة لاجئيها غير الشرعيين إلى رواندا، لإحراج الصين بالأساس في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية). والذي جاء في شكل اتفاق صيني ملزم مع دولة رواندا الفقيرة ذات الكثافة السكانية العالية، بفرض رواندا (رسوماً جمركية على الملابس والأحذية القادمة من واشنطن لتعريز منتجاتها لصالح الصين)، وفى المقابل هددت واشنطن بشن حرب تجارية ضد رواندا. ولهذا تعد رواندا مصنعاً جديداً للصين في إنتاج الورق في المنطقة الاقتصادية الخاصة الموجودة في العاصمة “كيغالي“.

تمكنت الشركات الصينية في أفريقيا من تحجيم النفوذين الأمريكي والإسرائيلي، بفضل الدعم المقدم من الحكومة الصينية، من خلال (إنشاء مناطق اقتصادية خاصة في أفريقيا وكذلك أنظمة أساسية للمشروعات الصينية، ومدارس للقيادة الحزبية والديمقراطية بدعم من دائرة الاتصال السياسي الدولي والعلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي الحاكم في بكين في عدة دول أفريقية كتنزانيا، السنغال، غانا)، وغيرها. وهو نمط صيني جديد لإدارة العلاقات مع القارة الأفريقية بتعليمهم الديمقراطية الاشتراكية على غرار التجربة الصينية. ويذكر هنا أن الصين وعدت في عام ٢٠١٥ بتقديم عشرة مليارات دولار من أجل (إنشاء صندوق استثماري لدعم التعاون الصناعي الصيني- الإفريقي).

ولا يفتني في ذات الوقت هنا، ضرورة الإشارة وتحليل مدى أهمية (مؤتمر أفريقيا وإسرائيل) بالنسبة للصين، والذي عقد في أكتوبر ٢٠١٧ في دولة توغو بغرب أفريقيا، والذى (ثبت فشله وفقاً لتحليلات تقديرات الموقف في بكين، والتي تابعتها الباحثة المصرية بدقة شديدة بالنظر لأهميتها لي تحليلياً، والذى كان محل مراقبة شديدة وصارمة وقتها من بكين). ويبقى الأمر الجدير بالذكر هنا، هو أن دولة “توغو” تعتبر من أحرص الدول الأفريقية على تعميق علاقاتها مع إسرائيل، بل وعلى التمكين لإسرائيل بأفريقيا، وهو ما (حاولت الصين عرقلته لصالح العلاقات الصينية-الإفريقية وإعطاؤها دفعاً جديداً). فقد تسارعت “جمهورية توغو في أفريقيا” للتحضير لاستضافة أول قمة إسرائيلية-أفريقية تم عقدها في الفترة ما بين ٢٣ إلى ٢٦ أكتوبر ٢٠١٧، في العاصمة التوجولية “لومى“، تحت عنوان: “الأمن والتنمية”، وراهنت وقتها القيادة السياسة في إسرائيل على هذه القمة وعلى نجاحها وعلى ما ستقدمه من فرص أمام إسرائيل، بأشكال متعددة، ليست اقتصادية فحسب بل سياسية واستراتيجية كذلك. وهو ما تسبب في قلق شديد لصناع القرار في الصين، وجاء محل تحليل وتقدير موقف من قبل مراكز الفكر الصينية المعنية بالشأن الإفريقي والتنموي، لدراسة وتحليل كافة أبعاد وخطط (تأثير التغلغل الإسرائيلي في القارة الأفريقية على مشروعات مبادرة الحزام والطريق الصينية، بل والأهم عندهم: كيف يمكن عرقلتها وتحجيمها؟).

وفى ذات السياق، جاءت التحليلات الصينية متوجسة في التساؤل عن (أسباب التعمد الإسرائيلي وخلفه الأمريكي من عقد قمة للشباب الإفريقي- الإسرائيلي قبيل عقد القمة الأساسية للمؤتمر الأول حول إسرائيل وأفريقيا). فقد لاحظت الصين، بأنه قبل تلاقى السياسيين ورجال الأعمال الأفارقة بالإسرائيليين، فقد التقي حوالي مئة طالب إفريقي مع ثلاثين طالباً إسرائيلياً، والتي كانت تعد بمثابة “أول قمة شبابية إسرائيلية – أفريقية”، وقام بتنظيم المؤتمر التوجولي الفرنسي ذو الأصول اليهودية “برونو فينل“، كمدير للجنة تنظيم المؤتمر الإسرائيلي- الأفريقي.

ونجد هنا بأن التحدي الحقيقي للصين ولمشروعات مبادرتها للحزام والطريق، هو تتبع تلك العلاقات الإسرائيلية الأمريكية لبلدان القارة الأفريقية، حتى وإن كانت تلك البلدان ذات علاقات جيدة بالفعل مع بكين. لذلك، (تولى الصين عناية قصوى لمراقبة مشروعاتها فى القارة الأفريقية ذات العلاقات الجيدة مع تل أبيب، كعين مراقبة للولايات المتحدة الأمريكية للتجسس على مشروعات الصين وأنشطتها ومبادراتها التنموية المختلفة داخل تلك الدول الأفريقية بالأساس، بالنظر لعلاقاتها مع إسرائيل كحليف وثيق للولايات المتحدة الأمريكية). فنجد هنا، بأنه من أبرز الدول الأفريقية محل المراقبة الشديدة من قبل الصين لعلاقاتها بإسرائيل، هي دولة “التوغو” في الأساس كأكثر دولة أفريقية تغلغلت بها المشروعات والأنشطة والمؤتمرات الإسرائيلية كما أشرت لذلك. فضلاً، عن مراقبة الصين ومراكزها البحثية والفكرية لعلاقات عدد من الدول الأفريقية المتميزة جداً والشديدة الثقة مع إسرائيل، وهى دول: (كينيا وتنزانيا ورواندا وأوغندا وكوت ديفوار وغينيا الاستوائية وغانا وزامبيا)، وهى ذاتها كانت نفس الدول الداعمة لإقامة أول مؤتمر إسرائيلي إفريقي مشترك في دولة “توغو“، فقد سعت تلك الدول الأفريقية الداعمة له دبلوماسياً إلى بذل جهود لإنجاح مؤتمر لومى الأول بين إسرائيل والقارة الأفريقية.

وتعد أحد أبرز مظاهر وأبعاد التحليل الصيني، والتي راقبتها وحللتها الباحثة المصرية بدقة متناهية، هي (مدى الاستغلال الإسرائيلي لعلاقاتها مع عدد من قادة الدول الأفريقية للترويج لأفكارها ولوجهة نظر الدولة العبرية على أرضية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ثم تنامى التركيز الإسرائيلي والأمريكي معه على تأجيج وزيادة اللعب على مخاوف القادة والبلدان الأفريقية ذات الحكم العسكري والشمولي، أو بلدان الانقلابات السياسية والعسكرية التي تخشى من فقدان مراكزها وسلطتها وحكمها لبلدانها، من تنامى التيارات الإسلامية المتشددة، والتنبيه الإسرائيلي ثم الأمريكي لتلك البلدان الأفريقية المشار إليها من زيادة تغلغل تيارات الإسلام السياسي بها، وأدوار الجماعات الإرهابية بها، وهى تلك الجماعات والتيارات الدينية الإرهابية)، التي تعد بمثابة أكبر تهديد يواجه استقرار وأمن الدول الأفريقية، سواء كانت تحكمها أنظمة عسكرية أو مدنية.

وتمكنت الباحثة المصرية من ملاحظة بالغة الأهمية تلعب عليها كلاً من واشنطن وتل أبيب وتفهمها جيداً بكين، وتسعى بالفعل لتغييرها وإبطالها لهم، ألا وهى (محاولات إسرائيل المستمرة بالربط بين القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في أراضيهم المحتلة من الكيان الصهيوني، بالتأكيد الإسرائيلي على موالاة الفلسطينيين للإسلاميين والتيارات الإرهابية المتطرفة التي تزعزع استقرار الدول الأفريقية)، وهو ربما أمر غاية في الخطورة، نجحت إسرائيل في زرعه وتعميقه في الذهنية الأفريقية غير الملمة أساساً بخفايا وحقيقة الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي، بل وتنامى التخوف من عدة بلدان أفريقية من تأييد الحقوق الفلسطينية، خوفاً من أي تنامى وزيادة في عدد وحجم وتحركات الجماعات الإرهابية بها.

ونجد أن تلك الخطة الإسرائيلية السابقة، بالربط بين الفلسطينيين والإسلاميين، هو أمر قد (فطنت له مراكز الفكر الصينية، التي تواصلت معها الباحثة المصرية، للتنبيه لخطورة هذا البعد الإسرائيلي والأمريكي للتغلغل في العقلية الأفريقية بطرق وأشكال أخرى جديدة ناعمة). لذا وجب على القيادة الفلسطينية وكافة المعنيين بالأمر وصناع القرار العرب ضرورة الالتفات له، وطلب مساعدة الصين عبر خطة مشتركة لتقريب وجهات النظر الصينية بشأن القضايا العربية إلى أفريقيا، وتغيير تلك القناعات الأفريقية بأيادي صهيونية تدريجياً، لكسب كافة بلدان القارة الأفريقية لصالحنا ولصالح قضايانا العربية، وعلى رأسها الحقوق الفلسطينية المشروعة. وهذا هو الأمر، الذى (تشجع عليه الباحثة المصرية الجانب الصيني للعب عليه ثقافياً، لكسب موطئ قدم حقيقي في عموم القارة الأفريقية، في مواجهة السياسات الأمريكية والإسرائيلية المضللة للحقائق بشأن القضية الفلسطينية والحقوق العربية الأخرى فى مواجهة تزييف تل أبيب للحقائق).

كما تراقب الصين جيداً كافة التحركات الإسرائيلية في العاصمة الكينية “نيروبي“، بالنظر لكون العلاقات الإسرائيلية – الكينية تحظى بعلاقات خاصة وحميمة بين الجانبين، وهو ما تتوجس منه الصين لاستخدام ذلك في (أنشطة تجسسية إسرائيلية على مشروعات الصين لصالح الجانب الأمريكي المعادي لبكين، وكان محل شكوى فعلية من جانب الصينيين عدة مرات مما يفعله بهم الإسرائيليين بالتجسس عليهم لصالح واشنطن). ونجد هنا بأن الرئيس الكيني “أوهورو كينياتا” خلال وجوده في تل أبيب، هو من وجه الدعوة، في فبراير ٢٠١٦، لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق “نتنياهو” لزيارة العاصمة الكينية “نيروبي“. وقد ذكر عدد من المؤرخين معلومة تشير إلى أن حامل لواء المشروع الصهيوني “تيودور هرتزل”، كان قد دعا إلى إقامة دولة إسرائيل على (مرتفعات الريفت بكينيا) سنة ١٩٠٣، إلا أن مشروعه الإفريقي تم تناسيه وإهماله وعدم الالتفات له بعد وفاته سنة ١٩٠٤. ويوجد بنيروبي أهم كنيس يهودي بأفريقيا وقد تم الاحتفال بمئويته سنة ٢٠١٢. وإذا كانت أول سفارة لإسرائيل بأفريقيا قد افتتحت في العاصمة الغانية “أكرا” في سنة ١٩٥٧، وتواجدت أول بعثة دبلوماسية إسرائيلية بكينيا سنة ١٩٦٣. وذلك، كمعلومات مهمة، تشير إلى (محاولات التغلغل الإسرائيلي في أنشطة تجسسية ضد الصين في أفريقيا، كأحد الأسباب الخفية لمشاركة الصين في الحشد ضد إسرائيل داخل الإتحاد الأفريقي).

ويأتي التحدي الإسرائيلي ضد الصين لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، في دولة “رواندا“، رغم علاقاتها الوثيقة بالصين، عبر (تعمد الجانب الإسرائيلي استفزاز الصين ومشروعاتها في دولة “رواندا” لصالح واشنطن، بتوقيع اتفاقية إسرائيلية مع رواندا في أبريل ٢٠١٥، لتهجير لاجئيها غير الشرعيين ونقلهم لرواندا). وهو ما حذرت منه الصين بشكل خافت وقتها، بالنظر لخطورة ذلك أمنياً على مشروعات الصين في رواندا استخباراتياً من جانب تل أبيب لصالح الولايات المتحدة الأمريكية. فمن خلال تلك الاتفاقية، تم اعتبار رواندا بمثابة (الدولة الأفريقية الرئيسية التي تهجر إسرائيل إليها كافة اللاجئين الأفارقة غير الشرعيين، أي الذين دخلوا لإسرائيل بطرق غير شرعية بالأساس، تتخلص منهم إسرائيل بإرسالهم إلى “رواندا” بموجب تلك الاتفاقية). وهنا، جاء تتبع الصينيين لهؤلاء المهاجرين غير الشرعيين، فاتضح أن معظم هؤلاء اللاجئين لإسرائيل بشكل غير شرعي، هم شباب من (جنوب السودان وإريتريا) بالأساس. وهنا تحصل دولة “رواندا” على ملايين الدولارات من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ومفوضية اللاجئين، وذلك نظير ومقابل استيعابها لهؤلاء المهاجرين الذين قدرتهم “المبادرة الدولية من أجل حقوق اللاجئين”، المعروفة باسم: Irri (Initiative internationale pour les droits des réfugiés) بحوالي خمسة وأربعين ألف لاجئ، وذلك في تقرير لها صدر في سبتمبر ٢٠١٥.

ونجد هنا، بأن أحد مداخل وعوامل التقارب بين إسرائيل وبين الدول الأفريقية كاستفزاز للصين ولمشروعاتها، هو (اللجوء الإسرائيلي إلى سياسة دعم الدول الأفريقية في قضايا الهجرة، واستغلال إسرائيل هذا الملف المتعلق بالهجرة الأفريقية غير الشرعية للتقارب مع الإتحاد الأوروبي، بصفتها مشاركة في محاربة الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى إسرائيل). خصوصاً، وأن الجانب الإسرائيلي هنا، يستغل موقفه مع تزايد موجات الهجرة غير الشرعية من البلدان الأفريقية الفقيرة إلى تل أبيب، للتدخل في السياسات الأوروبية ذاتها، ثم (إعادة تقديم إسرائيل نفسها كالعادة كدولة ضحية لموجات من المهاجرين غير الشرعيين، الذين تدفقوا من أفريقيا إلى إسرائيل هرباً من صعوبة الأوضاع المعيشية والاقتصادية في بلدانهم الأفريقية)، ثم تعريف إسرائيل نفسها لدى المفوضية الأوروبية والأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بصفة أن الدولة العبرية قد مثلت أحد  معابر الهجرة من أفريقيا إلى تل أبيب، وهو الملف الذى مكن إسرائيل من اختراع وإيجاد دور لها، للتواجد والتغلغل في عمق عدد من الدول الأفريقية الفقيرة والنامية، والتدخل في سياساتها الداخلية ذاتها. وهو ما باتت (تضع الصين له خطط بديلة فى مواجهة سياسات إسرائيل).

ومن هنا يتضح لنا بشكل تحليلي وأكاديمي للباحثة المصرية، مدى خطورة التواجد الاسرائيلي كعين مراقبة للولايات المتحدة الأمريكية في أروقة الإتحاد الإفريقي بالنسبة للجانب الصيني محل تركيزي التحليلي، وبالطبع خطورته على مجمل أوضاع الأمن القومي العربي والإسلامي والإقليمي الأفريقي. كذلك، فإن هنالك جانب آخر يجب ضرورة الانتباه له من قبل الصين ومساعدة كافة الدول العربية والأفريقية المناهضة لإسرائيل والمؤيدة للحقوق الفلسطينية لمنع إسرائيل من استغلاله للتوغل في عمق الدول الأفريقية، وزعزعة استقرار تلك البلدان الأفريقية الموالية للصين ولمشروعاتها في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية والمؤيدة للقضية الفلسطينية، ألا وهى (التوجس الصيني من مدى تغلغل وانتشار تلك الشركات الخاصة الإسرائيلية، والتي تنشط في البلدان الأفريقية لصالح الموساد الإسرائيلي والعسكرية الأمريكيةً).

ووجدت الباحثة المصرية، أنه كما هو معلوم لدى مراكز الفكر الصينية المهتمة بالشأن الأفريقى وصناع القرار السياسى فى الصين، باتفاقهم جميعاً حول أن تلك الشركات الإسرائيلية والأمريكية كذلك، غالباً ما تتبع جهات أمنية واستخباراتية تابعة للدولة العبرية، وتحاول أن تعمل في أفريقيا، من باب ادعاءات واهية وغير حقيقية، متعلقة بشكل تقديم المساعدات للدول الأفريقية النامية.

وعلى الجانب الآخر، فقد حاولت الباحثة المصرية لفت وجهة نظر وإنتباه صناع القرار فى بكين، بخطورة تواجد تلك الشركات الإسرائيلية التي تعمل لحساب واشنطن بالأساس استخباراتياً، من أجل كسب تلك الدول الأفريقية على حساب الصين نفسها، والقضايا العربية وملف القضية الفلسطينية ذاتها، مع محاولة تل أبيب عن طريق تلك الشركات الإسرائيلية الخاصة في أفريقيا، اللعب أمنياً وسياسياً، وذلك للحصول من تلك الدول الأفريقية بالأساس على مواقف تتوائم مع السياسات الإسرائيلية في مواجهة القضايا العربية والفلسطينية والإسلامية، وهو ما (يوجب على العرب والفلسطينيين الانتباه له والعمل مع الجانب الصيني رسمياً من خلال النشاط الاقتصادي والتجاري الممتد للصين في أفريقيا ومشروعاتها للحزام والطريق، بضرورة التواجد سوياً، لتغيير تلك القناعات الخاطئة الأفريقية وتصحيح مفاهيمها ورؤيتها بشكل صحيح وصادق، بشأن القضايا العربية ومشروعية الحقوق الفلسطينية في مواجهة سياسات الهيمنة الأمريكية والتغلغل الإسرائيلي في الذهنية والعقلية الأفريقية).

وهنا، فهمت الباحثة المصرية كذلك، بإدراك صناع القرار السياسي في بكين، لأسباب تلك المعركة الإسرائيلية ومن خلفها الأمريكية لحصول إسرائيل صفة مراقب بالاتحاد الأفريقي، من أجل اختراق عمق أكثر من ٧٧ دولة من بلدان حركة عدم الانحياز في الأمم المتحدة، كمحاولة إسرائيلية وأمريكية لإحباط كافة القرارات المستقبلية الداعمة للقضية الفلسطينية. ومن هنا، جاء التأييد الصيني للموقف العربي والإسلامي والإقليمي والفلسطيني بالأساس، لممارسة ضغوط صينية خفية وفقاً لتحليل للمشهد على دول الإتحاد الأفريقي ذات الكثافة في الحضور الصيني والمشروعات الصينية لمبادرة الحزام والطريق، لمنع إسرائيل واستبعادها من دخول أروقة الإتحاد الإفريقي كمراقب للأوضاع وكعين للتجسس لصالح واشنطن في المقام الأول.

لذلك، فلمن لم يدرك وقتها حقيقة الدعم الصينى لقضايانا العربية والفلسطينية والإسلامية فى مواجهة سياسات التعنت الإسرائيلية والأمريكية الغاشمة، فقد ساندتنا الصين بشدة بأدوار وضغوطات حقيقية عبر مصالحها الممتدة مع بلدان القارة الأفريقية،  فقد (لعبت الصين دوراً حقيقياً لطرد إسرائيل من الإتحاد الإفريقي لصالح العرب والقضية الفلسطينية ذاتها، بل ومارست دوراً ضاغطاً لإقناع العديد من الدول الأفريقية بموقفها الرافض للتواجد والتغلغل الإسرائيلي)، عبر سياسة تقديم العديد من أوجه الدعم لها، في عدة مجالات مختلفة سواء أمنية أو اقتصادية في مقابل مواقفها التصويتية في الجلسة الخاصة يوم ٦ فبراير ٢٠٢٢، والخاصة بقبول أو رفض عضوية إسرائيل كمراقب في الإتحاد الأفريقي.

عن Nadia Helmy

باحثة مصرية متخصصة فى السياسة الصينية والآسيوية، والعلاقات الصينية - الإسرائيلية. تعمل حالياً كأستاذ مساعد بقسم العلوم السياسية، جامعة بنى سويف، مصر، وباحث زائر (غير مقيم) فى الشئون الصينية فى كبرى الجامعات الأمريكية والصينية والعالمية 1- تعمل الآن كأستاذ مساعد فى قسم العلوم السياسية فى كلية السياسة والإقتصاد بجامعة بنى سويف الحكومية فى صعيد مصر (شعبة اللغة الإنجليزية)، وحصلت على (المركز الأول) على جميع المتقدمين لشغل هذا المنصب فى مارس 2013 2- تخرجت من قسم العلوم السياسية - جامعة القاهرة عام 2004 3- درست اللغة الصينية فى (جامعة بكين) بالصين لمدة عامين، وهى الجامعة المصنفة الأولى فى الصين من 2009 – 2011، وعملت كخبيرة فى شئون الشرق الأوسط بمركز دراسات وأبحاث الشرق الأوسط فى جامعة بكين بالصين من 2009- 2011، ومحللة سياسية على قناة (السى سى تى فى) الصينية باللغة العربية الموجهة للعالم العربى من بكين 4- حاصلة على درجة الدكتوراه فى النظام السياسى الصينى عام 2011، بعنوان: (النخبة السياسية والإصلاح السياسى فى الصين من 1991- 2008) 5- حاصلة على (دراسات ما بعد الدكتوراه) فى الشئون السياسية الصينية والشرق الأوسط، من خلال دعوتها (رسمياً) فى مركز دراسات الشرق الأوسط (جامعة لوند) بالسويد، لتأليف كتاب هام، إشترت نسخ منه كبرى الجامعات الأمريكية والعالمية، بعنوان: (تأثير مراكز الفكر الإسرائيلية والأقليات اليهودية فى الصين على الأمن القومى العربى)

شاهد أيضاً

سياسات الصين فى إقليم "شينجيانغ" والتعامل مع مسلمي الإيغور

سياسات الصين فى إقليم “شينجيانغ” والتعامل مع مسلمي الإيغور

سياسات الصين فى إقليم “شينجيانغ” والتعامل مع مسلمي الإيغور   د. نادية حلمى –  أستاذ …