البعد القومي في العلاقات الدولية
المقدمة
لأن أحادية التحليل تعتبر من الأمور المرفوضة في البحث العلمي الموضوعي فإننا نجد أنفسنا مضطرين للقول بأن البعد القومي يمثل العامل الأشد تاثيرا في العلاقات الدولية وهو الحافز أو المحرك الأساسي الذي يتحكم في رسم السياسات الخارجية الدولية وتفاعلاتها عبر الزمن،ولولا أحادية التعليل طبعاً لقلنا انه العامل الوحيد ، فمن المعروف أن العلاقات أو السياسات الدولية قائمة على السلوك المتبع بين الدول في علاقاتها المتبادلة سواء في زمن الحرب أو السلم ، وكما هو معلوم فأن سلوك أي دولة من الدول لا يمكن إلا أن يكون نابعا من المفهوم القومي لهذه الدولة تحت مسميات عديدة كالمصلحة القومية أو الأمن القومي أو الأهداف القومية ، ومن هنا نجد أن العلاقات الدولية قائمة في الأساس على العلاقات بين المصالح القومية لأطراف المعادلة الدولية ،ومن هنا أيضا تنبع أهمية توضيح هذه المسألة بالنسبة لدارس العلاقات الدولية .
وفي هذا البحث القصير نسبياً بالنسبة لأهمية الموضوع يحاول الباحث توضيح الدور المركزي والأساسي الذي تلعبه القومية في السياسات الخارجية الدولية وتفاعلاتها المختلفة، مع بعض الأمثلة التطبيقية التي تبين هذا الدور ، ومن ثم تقديم تقييم شامل لهذا الدور يبين أثاره الإيجابية والسلبية في العلاقات الدولية .
أما بالنسبة لهدف البحث والغاية منه فهذا البحث يأتي كأحد متطلبات مساق نظريات العلاقات الدولية وهو أحد متطلبات الحصول على درجة الماجستير في قسم العلوم السياسية.
وتتلخص إشكالية البحث في إظهار عمق ومدى التأثير الذي يشكله البعد القومي في السياسات الخارجية لأطراف المعادلة الدولية .
أما بالنسبة لمنهجية البحث فقد تم الاعتماد وبشكل أساسي على المنهج التاريخي وذلك لتوضيح العلاقات الترابطية السببية بين الحافز أو الدافع القومي والعلاقات السياسية الدولية وتطورها عبر التاريخ وحتى الوقت الحاضر ، وذلك انطلاقا من افتراض أن العامل القومي هو المحرك الأساسي الذي يساهم بتشكيل العلاقات السياسية الخارجية لأي طرف من أطراف المعادلة الدولية .
أما بالنسبة للدراسات السابقة ، فقد لاحظ الباحث أن معظم الدراسات التي تناولت هذا الموضوع قد تناولته بشكل جزئي في إطار تناولها لموضوع القومية بشكل عام أو موضوع العلاقات الدولية بشكل عام ، حيث يتناولها الطرف الأول من حيث إظهار الدور القومي المباشر في العديد من التغيرات الدولية عبر التاريخ كالثورة الفرنسية والأمريكية والوحدة الألمانية والإيطالية دون التعمق بدراسة الآثار غير المباشرة للقومية في العلاقات الدولية والتي ترتبت أصلا على هذه التغيرات الدولية ، أما العلاقات الدولية فتتناول البعد القومي كأحد العوامل المؤئرة في العلاقات الدولية دون التعمق في بيان هذه الآثار، ومن الدراسات التي أعطت للموضوع بعض حقه باعتقاد الباحث دراسة الدكتور إسماعيل صبري مقلد في كتابه العلاقات السياسية الدولية ،حيث أفرد الفصل الرابع من كتابه للحديث عن أثر القومية في العلاقات الدولية ،وقد اعتمدنا هذا الكتاب كأحد المراجع الرئيسية في هذا البحث .
وقد جاء هذا البحث في ثلاثة فصول رئيسية ،حيث تناول الفصل الأول مفهوم القومية ونشوئها ، أما الفصل الثاني فقد تناول الآثار القومية في بعض التغيرات الرئيسية التي شهدها العالم في عهود مختلفة وأدت بالتالي إلى تغيير العديد من مفاهيم وأبعاد اللعبة الدولية ، أما الفصل الثالث فقد تناول تقييماً لدور البعد القومي في العلاقات الدولية والآثار الناجمة عن هذا الدور .
وأخيرا أرجو أن يكون قد حالفنا التوفيق في إعداد هذا البحث وان نكون قد قدمنا بعض الفائدة لأنفسنا أولا ولزملائنا ثانيا .
الفصل الأول
مفهوم القومية
عند الحديث عن القوميـة أو بالأحرى لفض كلمة قومي أو قوميـة ، أو عند وصف شخص ما بأنه ذو توجه قومي ، أو القول بان بلد ما قامت بعمل ما من منطلق أو دافع قومي يكون وقع الكلمة على أسماعنا مقبول جدا ومفهوم بشكل جيد ولا يحتاج إلى أي توضيح ، ولكن لو طلب منا إعطاء تعريف محدد لهذا المفهوم فسنجد أنفسنا وقد دخلنا متاهات منهجية معقدة ، وبالتالي عدم القدرة على الخروج بمفهوم محدد وشامل يغطي فكرة ومعنى هذه الكلمة ، وقد يكون من المستحيل التوصل إلى تعريف علمي قصير دقيق يتألف من جملة أو جملتين ، ويتضمن كل ما تنطوي عليه الفكرة القومية ويستثني ويستبعد كل ما هو خارج عنها .
ويعود ذلك -باعتقادنا- إلى أن قومية كل أمة من الأمم قد عبرت عن نفسها بشكل يخالف الآخرين كما أنها تغيرت وتعدلت بمرور الزمن ، فالقوميات الأمريكية لا تشابه القوميات الأوربية والآسيوية مشابهة تامة لفقدانها الأصول التاريخية العميقة ولاختلاف ظروفها المادية والسياسة والاقتصادية والاجتماعية والجغرافية، بالإضافة إلى العوامل التاريخية المتباينة التي دخلت في تكوين كل أمة وفكرتها القومية ، فتأخر الوحدتين الألمانية والإيطالية من حيث الزمن واختلاف تاريخهما ، جعل قوميتهما تختلفان نوعا ما عن القوميتين البريطانية والفرنسية ،اللتين سبقتاهما ، ونرى أن الشعور القومي الذي ظهر في فرنسا الثورية بين 1789 و1790 والذي تأثر بتفكير القرن الثامن عشر كان أشد إنسانية من شعورها القومي في سنة الإرهاب (1793 ) كما أن قومية ألمانيا في عهد بسمارك (1871 ) تعتبر معتدلة إذا ما قورنت بالقومية في عهد رايخ هتلر (1939 ) ( ).
وقد حاول الباحثون في جميع أنحاء العالم إيجاد مفهوم محدد للقومية يساعد ولو بدرجات بسيطة بتقديم تعريف مقبول ولو منهجياً وذلك لأغراض الدراسات السياسية ولكنهم في النهاية اضطروا من اجل النهوض بدراستهم السياسة أو تأثراً بفلسفتهم السياسية إلى وضع تعاريف خاصة بهم ،ولما كانت الأغلبية الساحقة من الباحثين في القومية هم أيضا من دعاة قومية معينة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فإن كلا منهم تأثر بطبيعة الحال بالقضية التي يدعو إليها وجاءت مواطن التركيز في تعريفه بما يتفق والظروف الموضوعية المحيطة بهذه القضية ، وبذلك لم يتحقق الوضوح اللازم إلا نادرا حيث نشأت عقبات كثيرة عرقلت سير عملية البحث العلمي .
ومن التعريفات التي حاولت تحديد مفهوم القومية التعريف الذي اتفق عليه كل من رينان Renan و تريتشكه Treitschke وباري Barres وزنكويل Zanguill الذي ينظر إلى الامة على اعتبار أنها كائن عضوي هيجلي ، أي عبارة عن روح أو مبدأ روحي ينبعث من تاريخ الإنسان وطبيعته ( ).
وقد يدل هذا التعريف على رمزية خالصة مرفوضة موضوعياً إلا أن الأهمية التاريخية المعاصرة لهذا الرمز لا يمكن إغفالها، فالقوميون في كل مكان يعتبرون الأمة كائناً سامياً يعلو على الطبيعة ،أو شيئا يسمو على الأفراد والمؤسسات التي يتألف منها .
أما هكسلي Huxle وهدون Haddon فيعرفان الأمة بأنها ( مجتمع ألف بينه اعتقاد مشترك بالنسبة لأصوله ، ومشاعر عدائية مشتركة بالنسبة لجيرانه ) ( ).
ويعرف الإيطالي مانشيني Mancini القومية بأنها ( مجتمع طبيعي من البشر يرتبط بعضه ببعض بوحدة الأرض والأصل ، والعادات واللغة من جراء الاشتراك في الحياة وفي
الشعور الاجتماعي ) ( )، ويعتبر هذا التعريف من أهم وأشهر التعريفات التي قدمت للقومية باعتباره حدد السمات والعناصر الأساسية للقومية .
أما بالنسبة للمفكرين العرب فقد حاول العديد منهم وخصوصا دعاة القومية العربية وضع مفهوم محدد للقومية يتناسب مع الحالة العربية ومعطياتها ، ومن هذه التعريفات تعريف الدكتور جورج حنا حيث يعرف القومية بأنها ( عقد اجتماعي في شعب له لغة مشتركة ، وجغرافية مشتركة ، وتاريخ مشترك ، ومصير مشترك ، ومصلحة اقتصادية مادية مشتركة ، وثقافة نفسية مشتركة ، وهذا العقد يجب أن يكون فيه كل هذه المقومات مجتمعة ) ( ).
أما الدكتور منيف الرزاز فهو يعرف القومية بأنها ( الرابطة التي تربط أبناء الأمة الواحدة في الوطن الواحد ) ( ).
ويلاحظ من خلال التنوع في هذه التعريفات ، الإشكالية الكبيرة في وضع مفهوم محدد يمكن اعتماده كأساس للانطلاق في دراسة قومية ما ، حيث يظهر المنحى الذاتي أو الخصوصية القومية في كل ما ذكر من تعاريف ، ويظهر ذلك وبشكل أوضح إذا ما تناولنا ما يسمى بالمفهومين الألماني والفرنسي في تعريف القومية حيث يركز المفهوم الألماني على مسـألة اللغة وأهميتها في بناء القومية ، بينما ترى القومية الفرنسية أن مشيئة العيش المشترك هي محور القومية ومعيارها، ويظهر من هذين المفهومين الهدف الذي يسعى إليه دعاة كل قومية من هاتين القوميتين ، حيث تسعى القومية الألمانية إلى ضم جميع المتكلمين باللغة الألمانية في أوروبا ، ومنهم سكان الالزاس إلى الدولة الألمانية ، بينما نرى في الجانب الآخر أن القومية الفرنسية وهي التي سبقت القومية الألمانية بقرن من الزمان قد أتمت وحدتها السياسية بالاستيلاء على بعض البلاد التي لا يتكلم أهلها الفرنسية ومنها طبعا منطقة الألزاس ( ).
وخلاصة الأمر أن القومية تظهر بالشكل الذي يريده القوميين لها ، وقد لا تكون فكرة خالصة ثابتة ، وإنما تجمعات متباينة من العقائد والظروف ، لها أساليبها الخاصة في الاحتفاظ ببقائها وفي التحول لا إلى مجرد حقيقة ، بل إلى أمر واقعي كذلك ، والحقيقة أن الخيال والواقع والصواب والخطأ عناصر تختلط مع بعضها اختلاطاً شديداً في القومية الحديثة ، ولذلك فإن الأسلوب الوحيد لإدراك فحوى القومية هو تحديد العقائد ، بغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها ، والظروف المتوفرة فيها ، وكما يقول هيرتز في تعريفه للقومية : ( أن القومية فكرة ترى وجود شخصية جماعية للدولة تتباين من حيث إيحائها والشعور بذاتها وكثافتها وضخامتها بالنسبة للدولة ، فقد تمثل دولة متحدة منقرضة أو دولة متحدة قائمة ، وقد تتجه نحو إقامة دولة متحدة في المستقبل وهي تعتمد في هذا كله على الخصائص الطبيعية الأصيلة التي تكون شخصيتها وتبرر ادعائها ) ( ).
نشوء الفكرة القومية
لم يختلف الباحثون في تعريف القومية فحسب بل اشتمل كذلك تاريخ بدايتها الأولى وتفسير نشوء الأمم فهناك في هذا الصدد مجموعتان من الآراء :
الأولى يعتبر أصحابها أن الشعور القومي ظاهرة طبيعية ملازمة للإنسان منذ أن وجد المجتمع البشري وأن بعض سمات القومية قديمة قدم الإنسانية نفسها ، فيذهب كون مثلاً إلى أن التاريخ على مر العصور شهد بذور الشعور القومي في التمسك العميق من جانب الناس بأرضهم وتقاليدهم والسلطة القائمة في إقليمهم ، ويذهب آرنست باركر في إلى القول بوجود أمم في أوروبا قبل بداية التاريخ المكتوب ( ).
أما أصحاب المجموعة الثانية من الآراء فيذهبون إلى أن القومية ظاهرة حديثة نسبياً لم تعرفها المجتمعات البشرية القديمة فيقول برنارد رسل مثلاً أن معظم الناس في العصر الحديث يقبلون القومية على أنها طبيعية ولا يدركون إلى أي حد هي جديدة ، ولعلها بدأت أول ما بدأت بجان دارك (في حرب المائة عام ) ثم تلاشت في فترة الحروب الدينية وولدت من جديد في عهد الثورة الفرنسية ، وينكر هذا الفريق أن الرومان مثلا كانوا يعرفون القومية أو أن الإغريق كانوا أمة واحدة ( )، ويختلف أصحاب هذا الرأي في ما بينهم حول البدايات الحقيقية للقومية في أوروبا ، فمنهم من يرى أن المشاعر التي ظهرت في أواخر القرون الوسطى في الممالك التي توحدت في أوروبا أو كانت في طريقها إلى الوحدة داخل حدود إستراتيجية معينة تضم أقواماً تسود بينهم لغة رئيسية واحدة هي البداية الحقيقية لظاهرة القومية .
ومنهم من يذهب إلى أن القومية بدأت تظهر قبل ذلك ، فيذهب أوجست تيري إلى القول أن الروح القومية الفرنسية كانت قد استيقظت فعلا في القرن التاسع الميلادي ، ويعزو لونجتون بداية اليقظة إلى أوائل القرن الثاني عشر ويؤكد رانكه أنها بدأت بعد ذلك بقرن كامل ،أي في القرن الثالث عشر . بينما يؤكد جيزو وميشليه وكثيرون غيرهم أهمية حرب المائة عام في القرنين الربع عشر والخامس عشر ( ).
وربما نجد انه من الصعوبة القول بأن أحد الآراء السابقة أقرب إلى الموضوعية من الآخر فكلاهما يحددان بداية القومية وفق مفهوم مختلف عن الآخر لفكرة القومية نفسها ، فإذا ما قلنا باستحالة قيام الدولة الفرعونية أو البابلية أو الكنعانية على أسس قومية فكيف نفسر أذن الروح الجماعية التي كانت تقود هذه الأقوام للدفاع عن أرضها وسيادتها ضد الغزاة من الأقوام الأخرى وكيف نفسر الصراعات القديمة بين الإمبراطوريات المختلفة وما الدافع الذي كان يقودها في تلك الصراعات ، ألا أننا وبنفس الوقت لا نستطيع القول أن تلك الأقوام كانت تمتلك رؤيا سياسية متكاملة حول مفهوم القومية .
ومن هنا نرى أن فكرة القومية هي فكرة قديمة حديثة إذ أن الحضارات القديمة قد امتلكت شعوريا قومياً – ربما بمفهوم تلك الحقبة الزمنية – وهذا المفهوم اتخذ صور متعددة مثل الولاء للحاكم ، أو التعلق بالأرض ، أو الشعور الجماعي بالسمو على الأقوام الأخرى ، أو الاعتقاد بديانة واحدة ، أو مذهب معين ضمن هذه الديانة .
ويمكن اعتبار ما سبق هو بداية تبلور مفهوم للقومية أو بعبارة أدق (قومية مبتدئة)،
وبما أن التطور التاريخي للعالم قد شمل كل مظاهر الحياة فليس من المغالاة الفكرية أن نقول أن مفهوم القومية قد واكب التطور التاريخي حتى وصل إلى صورته الحالية ، حيث أننا نستطيع القول أن كل ما أضافه مفكري القومية الحديثة هو بلورة مفاهيم موجودة ومطبقة فعلا وتحويلها إلى أفكار نظرية مطالبين بتطبيقها على الواقع ،فباعتقادنا الشخصي جداً فأنهم لم يأتوا بجديد .
فلو تناولنا أي دراسة قومية حديثة لوجدنا أنها تدعو إلى فكرة قديمة كمثال يجب الإقتداء به أو محاكاة فكرة لأقوام أخرى ،وعلى سبيل المثال ،كان ميكافيللي يستوحي أفكاره في الدعوة إلى الوحدة الإيطالية من التاريخ العظيم للإمبراطورية الرومانية وأمجاد روما ، بينما استوحى الفرنسيون أفكارهم القومية من مملكة الغال القديمة وأمجاد شارل مارتل ، واستوحى الألمان و الإنجليز أفكارهم من ممالك القبائل الجرمانية القديمة ،وركز القوميون العرب في أفكارهم على التاريخ المجيد للعنصر للعربي ابتداء بالوحدة العربية الأولى في معركة ذي قار، واستكمالاً في بناء الإمبراطورية العربية العظيمة من الصين شرقاً حتى فرنسا غرباً ، بينما ركزت الحركة الصهيونية الحديثة في دعوتها إلى وطن قومي،على أمجاد دولة اليهود القديمة وأمجاد الملوك داود وسليمان ،وهناك أيضا الدولة الإيرانية التي قامت على الأمجاد الفارسية القديمة وحاولت أحياء صراعها القديم مع الإمبراطورية العربية في حربها مع العراق ،وأيضا الدولة التركية الحديثة التي تستمد بعدها القومي من أمجاد آل عثمان ومحاولتها إعادة استعمار الدول العربية ، ونرى أيضا أن بعض القوميات الحديثة التشكيل فعلا ،قد اضطرت إلى محاكاة القوميات الأخرى كنموذج لوحدتها القومية وذلك لافتقادها البعد القومي التاريخي وأكبر مثال على ذلك القومية الأمريكية الحديثة التي تبنت الأفكار القومية للثورة الفرنسية كأساس لانطلاقها .
وهذه الأمور يمكن اعتبارها مدخلاً للفصل الثاني من هذا البحث والذي يتناول أثر البعد القومي في تشكيل العلاقات الدولية عبر التاريخ .
وبناءاً على ما سبق لا يستطيع أحد إنكار قِدم مفهوم القومية بغض النظر عن مفهومه في تلك الحقب من الزمن ، ولكن تبلور بعض المفاهيم الحديثة كمبدأ السيادة والكيان السياسي ومفهوم المواطنة ، ومفهوم سيادة الشعب ،قد ساهم بفرض مفاهيم حديثة للقومية أي بمعنى القيام بعملية تحديث لهذا المفهوم وللسلوكيات الدولية الناتجة عنه لتوائم متطلبات التقسيمات الدولية الحديثة ،حيث ظهرت فكرة الدولة التي تعتمد أساسا على وجود مجموعة من الأفراد يعيشون على أرض معينة وتحت سلطة معينة تحكمها مجموعة من المبادئ كالحرية والديمقراطية والمؤسسات السياسية وسيادة القانون والمشاركة الشعبية ، وبذلك تحولت معظم القوميات القديمة إلى دول قومية تسعى إلى تنظيم علاقاتها مع بعضها البعض ضمن إطار من التفاعل الدولي يؤدي بالتالي لخدمة الأهداف القومية لهذه الدول .
ومهما كان الاختلاف في تحديد قدم أو حداثة مفهوم القومية فإننا في هذا البحث لسنا معنيين بتحديد تاريخ محدد لبدء هذا المفهوم بقدر ما نحن معنيون بتحديد دور هذا المفهوم وأثره في تطور العلاقات الدولية وهذا الأمر لا يحتاج إلا لملاحظة نوع السلوك الدولي في أي زمان والحكم عليه إن كان يجوز وصفه بأنه نابع من بعد قومي أم لا وذلك باعتقادنا يساعد بالضرورة في تحديد البعد الزمني لهذا المفهوم .
الفصل الثاني
أثر القومية في العلاقات الدولية
كبداية لتناول هذا الموضوع فأنه ينبغي علينا التذكير بأن العلاقات الدولية ما هي إلا منظومة السلوكيات التي ينتهجها أطراف المعادلة الدولية في اتجاهاتهم السياسية إزاء بعضهم البعض ، وهنا نجد أن فهم هذه السلوكيات الدولية كفيل بتفسير كل ما ينتج عنها من مخرجات دولية نلمسها على أرض الواقع ، ولفهم أي سلوك دولي ينبغي علينا التعرف على طبيعة القوى التي تتحكم في تشكيل هذا السلوك وتحديد الكيفية التي تؤثر فيها هذه القوى .
ونحن هنا نتناول القومية كأحد أهم القوى التي تتحكم في تشكيل السياسة الخارجية لأطراف النظام الدولي ، لأن فهم موضوع القومية -باعتقادنا- هو شرط أساسي لتفهم ظاهرة السلوك الدولي عموما ، ذلك أن الخصائص الذاتية المتميزة لكل دولة سواء كانت هذه الخصائص بشرية أم جغرافية أم حضارية أم إقليمية ..الخ ،هي التي تؤثر في تحديد مصالح الدولة وأهداف سياستها الخارجية وبالتالي ترسم أبعاد دورها في المجتمع الدولي ( ).
وتعتبر القومية من أهم مصادر الصراعات السياسية الدولية ، ذلك أن الحساسيات الناتجة عن الاختلاف في الكيانات والمصالح القومية قد خلق شعور لدى كل دولة بأنها المسئولة أساسا عن الدفاع عن كيانها ومصالحها في وجه التحديات القومية المناوئة ،أو بمعنى آخر ،فأن الولاء لهذه القوميات طغى على إحساس الدول بمسؤلياتها تجاه السلام العالمي أو تجاه المجتمع الدولي الذي تتعامل معه ( ).
وقد أدى نمو القومية وانتشارها إلى انبثاق العديد من الدول الجديدة إلى المجتمع الدولي ومن فئات الدول التي خلقتها هذه الحركات القومية النامية ( ) :
أولاً : الدول التي كانت أجزاء من الممتلكات الاستعمارية فيما وراء البحار والتي ترتبط مع الدول الإمبريالية برباط من الثقافة المتجانسة مثلما كان الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية والكومنولث البريطاني في علاقاتهم بالمملكة المتحدة ، أو دول أمريكا اللاتينية في علاقاتها باسبانيا والبرتغال ، وهذه الدول استقلت تأكيدا لكيانها القومي دون اعتبار لهذه الروابط الثقافية المشتركة مع القوى الإمبريالية التي سيطرت عليها في وقت من الأوقات .
ثانيا : الدول التي كانت مجزأة في عدد من الكيانات الإقليمية المحدودة رغم انتمائها إلى قومية واحدة ، ومن أمثلتها ألمانيا وإيطاليا في القرن التاسع عشر .
ثالثاً : الدول التي ظهرت نتيجة لحركات قومية في مواجهة التسلط والنفوذ الاستعماري وذلك ابتداء من تمر الشعوب الواقعة في البلقان ضد سلطة الإمبراطورية العثمانية واستقلالها في أوائل القرن الحالي وانتهاء بالأعداد الضخمة من الدول التي استقلت في أسيا وإفريقيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية .
وفي كل الحالات السابقة ، قد انبنى مطلب هذه الدول في الاستقلال على أساس أن كلاً منها كانت تتمتع بكيان قومي ذاتي يعطيها الحق في تقرير مصيرها وفق ما تراه مناسبا ومتمشيا مع ظروفها وأوضاعها الخاصة ، وقد أدى ذلك إلى تفجير عدد كبير جدا من الصراعات الدولية ، ويرجع ذلك إلى سعي الدول إلى توسيع حدودها لكي تضم بداخلها الشعوب التي تشاركها قوميتها ، فالحدود السياسية للدول لا تتفق في كل الأحوال مع التقسيمات القومية للشعوب ، وهو ما يمثل الفارق بين مفهوم الدولة ومفهوم الأمة ، فالدولة هي كيان سياسي يتحدد في إطار جغرافي أو إقليمي معين ، أما الأمة فهي دلالة على كيان قومي معين خارج عن الإطار الجغرافي أو الإقليمي الذي يعتبر أحد المقومات الرئيسية للدولة ( ).
وهناك الكثير من الأمثلة على هذه الصراعات الحدودية القومية التي تعتبر سمة من سمات العلاقات الدولية ، فهناك النزاع الدائم بين ألمانيا وفرنسا على إقليم الالزاس واللورين وحوض السار ،النزاع بين إيطاليا ويوغسلافيا على إقليم تريستا ، النزاع بين بولندا وتشيكوسلوفاكيا على إقليم تسكين ، والنزاع بين بلغاريا ويوغسلافيا واليونان على إقليم مقدونيا ، والنزاع بين الولايات المتحدة والمكسيك حول إقليم تكساس ، وهو النزاع الذي تسبب في الحرب الأمريكية المكسيكية عام 1846 ، وهناك أيضا النزاع بين الصين والهند حول إقليم الهمالايا الذي أدى إلى اندلاع الحرب بين الدولتين عام 1962 ، والنزاع بين الهند والباكستان حول إقليم كشمير .
وهذه المشاكل حول الحدود تؤدي إلى إذكاء الروح القومية ، وزيادة حدة الصراعات الدولية ( ) ،ولا نعني هنا بالطبع أن جميع النزاعات الحدودية قائمة على صراع قومي لأن هناك العديد من النزاعات الحدودية يقوم على أهداف إستراتيجية أو إقتصادية ،ومع ذلك فهي في النهاية تصب في المصلحة القومية لأي دولة .
وإضافة إلى كل ما سبق يجدر بنا الإشارة إلى دور البعد القومي في إحداث معظم التغيرات التي كانت تغير خارطة العلاقات السياسية الدولية باستمرار ، ولا تكمن أهمية هذه التغيرات العظيمة بظهورها فقط ، وإنما بالمتغيرات والمعطيات الدولية الكثيرة التي رافقت هذا الظهور والتي لعبت دورا كبيرا في تشكيل السياسات الخارجية لجميع أطراف العلاقة الدولية دون استثناء ، ويكفي أن نذكر أن الحربين العالميتين كانتا بعض من هذه المتغيرات والمعطيات التي جاءت أصلا كنتاج للتغيرات التي أحدثتها القومية في العلاقات الدولية .
ومن أهم التغيرات التي أحدثتها القومية في تاريخ العلاقات الدولية هي الثورة الفرنسية ، التي تعتبر إحدى الثورات الكبرى الثلاث التي شكلت المدنية الأوربية الحديثة بالإضافة إلى حركة الإصلاح الديني والثورة البلشفية( ).
وتوصف الثورة الفرنسية بأنها الحركة التي لعبت فيها المشاعر القومية دوراً واعياً حاسماً وعبرت فيها الإرادة القومية – لأول مرة في التاريخ – عن ذاتها بإجراءات محددة تستهدف فرض (اللغة القومية ) ، ووضع أسس ( التربية القومية ) بل وظهر فيها لأول مرة ما يمكن أن نسميه ( الأيديولوجية القومية ) ،حيث كانت هذه الثورة بمثابة المرحلة الأخيرة في بناء الوعي الفرنسي ،ونضوج الأمة الفرنسية وتبلور أرادتها ،وكان ذلك إيذانا بمولد القومية الحديثة( ).
ويعتقد البعض أن الثورة الفرنسية ما هي إلا ردة فعل شعبية عفوية نتيجة للأوضاع المأساوية التي كان يعيشها ذلك الشعب ، أو ما اصطلح على تسميته (بثورة الغوغاء) ، ولكن الحقيقة أن الثورة الفرنسية قد قامت على أكتاف الطبقة الوسطى المثقفة والتي كانت تعتنق المفهوم القومي للامة الفرنسية ، حيث كانوا يعتبرون أنفسهم ممثلي الأمة الفرنسية( ).
ويظهر البعد القومي في الثورة الفرنسية من خلال الإجراءات التي تمت خلال الثورة والتي كانت تعبيراً حقيقياً عن إرادة قومية ،وليس عن إرادة طبقة تسعى إلى فرض نفسها على المجتمع ككل ، فقد أسهمت الثورة الفرنسية بعناصر كثيرة محددة وبارزة صارت منذ ذلك الوقت من علائم ظهور الإرادة القومية في كل مكان تقريباً ،فقد دعمت الثورة الدولة القومية الجديدة على حساب الكنيسة وسمحت للأفراد بمجال واسع في اختيار ولاء اتهم الدينية ، ولكنها غرست في نفوسهم مبدأ أن كل المواطنين ملزمون بالولاء الأول للدولة القومية وحدها ، وابتكرت رموزاً جديدة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الحركات القومية في جميع أنحاء العالم ، مثل العلم القومي والنشيد القومي والأعياد القومية بالإضافة إلى الإصرار على استخدام لغة واحدة هي اللغة القومية ،ومنع استخدام أي لغة أخرى داخل فرنسا ،فقد أدرك الثوار الفرنسيين الأساس اللغوي للجنسية ، ووجدوا أنه من الضروري لتحقيق تصميمهم على رفع الولاء القومي فوق كل الولاءات الأخرى ، أن يفرضوا على كل المواطنين الفرنسيين (اللغة المركزية أو القومية ) ، ويرتبط بهذا الاتجاه أن الثورة الفرنسية كانت أول من وضع نظاماً عاماً للتعليم الإجباري على نطاق قومي تموله الدولة وتوجهه ، وكان البرنامج الموضوع يتضمن تعليم الوطنية القومية والواجبات القومية على قدم المساواة مع المواد الأخرى ، والأهم من ذلك كله إلغاء المقاطعات المحلية التي كانت تعتبر نفسها كيانات مستقلة نسبياً عن الدولة ،مما أدى إلى إلغاء الروح المحلية ، وما كان ذلك ليتم دون مقاومة لولا سيادة المشاعر القومية( ).
والوقع أن عددا كبيرا من الباحثين في هذا الميدان متفقون إلى حد كبير على أن الثورة الفرنسية تعتبر نقطة البداية للتعبير الواضح عن الإرادة القومية عملياً ، فيذهب كون في كتابه (فكرة القومية) إلى أن أول تعبير كبير للقومية هو الثورة الفرنسية ، وينقل عن جوش قوله أن القومية بنت الثورة الفرنسية ، ثم يذهب إلى أن الشعوب المتمدينة لم تشعر بأن الولاء القومي أهم وأقدس مصادر الوحي في الحياة إلا منذ الثورة الفرنسية ، ويؤكد أيضاً أن الثورة الفرنسية كانت أول التعبيرات الكبرى عن مذهب القومية ، ومن أقوى عوامل تكثيف الوعي القومي ، ويربط بين الديمقراطية والقومية (التي لا يمكن تصورها بدون أن تسبقها أفكار السيادة الشعبية) .
وكان من الآثار المباشرة لانتصار الإرادة القومية في الثورة الفرنسية ظهور مفهوم جديد تماما هو فكرة (الاستفتاء) كوسيلة لتحديد الانتماء القومي تعتمد أساسا على مشيئة أصحاب الشأن أنفسهم كأفراد متساوين فيما لهم من حقوق بالنسبة للمجتمع الذي ينتمون إليه ، فقد كان الاستفتاء الشعبي الذي أجرى في أفينيون تحت رعاية فرنسا وتقرر بمقتضاه ضمها إلى فرنسا في عام 1791 إيذانا بمولد سياسة جديدة أحدثت ثورة في العلاقات الدولية ، ولم يلبث زعماء الثورة أن أعلنوا مبدأ تقرير المصير القومي ، ودعوا كل الأمم إلى التخلص من طغاتها على أساسه ، يقول كارنو ، الذي أطلق عليه في الثورة لقب (منظم النصر) : إن لكل أمة الحق في أن تعيش بمفردها إذا شاءت ، أو أن تتحد مع غيرها للصالح المشترك ، وأعتبر الفرنسيون أن العمل على تحقيق هذه الدعوة هو رسالتهم القومية التي حملوها معهم إلى معظم بلاد أوروبا إبان الصراع الطويل الذي هز أوروبا ، فكانت -كما يقول هيز – أعظم الدروس التي تلقتها أوروبا في فترة حروب نابليون وأبعدها أثراً هي القومية ، وكان جنود نابليون رسل إنجيل القومية الجديد ودعوا لفكرة الأمة التي لا تنقسم ، الأمة فوق كل الطبقات ، وكل الفوارق الدينية ، الأمة ذات الرسالة( ).
ويتأكد لنا مما سبق أن القومية كانت الدافع الأكبر للثورة الفرنسية والتي تعتبر كما ذكرنا بداية من أعظم التغيرات التي شكلت المدنية الأوروبية الحديثة ، وبالتالي العالم الحديث ، ومعظم العلاقات السياسية الخارجية بين أطراف المعادلة الدولية منذ ذلك الوقت وحتى الوقت الحاضر .
وبالإضافة إلى الثورة الفرنسية ، وفي إطار حديثنا عن التغيرات التي أحدثتها القومية في تاريخ العلاقات الدولية سواء الماضي أو المعاصر ، فأنه يجدر بنا تناول الوحدة الألمانية والإيطالية كنتيجة لجهود الحركات القومية في كلتا الحالتين ، وليس هناك من ينكر أن الوحدتين الألمانية والإيطالية هما نتيجة للفكرة القومية بشكل خالص ، وليس هناك أيضا من ينكر دور هاتين الوحدتين في تشكيل العلاقات الدولية لمدة قرن من الزمان ، والذي كان أهمها أكبر حربين في تاريخ البشرية .
ونتيجة لتشابه الظروف الموضوعية لكلا الوحدتين فأننا نكتفي هنا بتناول الوحدة الألمانية فقط، حيث نجد أن الحركة القومية الألمانية قد تأثرت بشكل كبير بالثورة الفرنسية وشعاراتها القومية ، ودعوتها للشعوب إلى ممارسة حقها في حكم نفسها ، حيث كانت هذه الحركة تسعى لإيجاد دولة ألمانية موحدة ،بدلا من مجموعة الدويلات الألمانية التي وصلت ابان معاهدة وستفاليا إلى ما يقارب 360دويلة ، ثم انخفضت في فترة حكم نابليون إلى 38 دويلة ،وعند قيام الوحدة الألمانية كان عددها 25 دويلة ( )، وقد أثارت الثورة الفرنسية لدى الألمان كما الشعوب الأخرى ،التفكير في الأقلية التي تتحكم في تلك الشعوب وممن تتكون ،وانتهى هذا التفكير إلى فحص جنسية هذه الأقلية وما إذا كانت تنتمي إلى نفس الشعب الذي تحكمه أم أنها أجنبية عنه ، وهذا السؤال يثير بطبيعته التفكير في من هو الأجنبي وما هي الأمة .
وقد بدأ التنظير لفكرة القومية الألمانية عن طريق المفكرين جيته وشيلر حيث بدءوا بالمناداة إلى أن لكل شعب عبقريته الخاصة في فهم الحرية والمساواة ، وان للشعب الألماني بحكم ثقافته وعبقريته المختلفة أن يشكل آراءه الخاصة في ذلك ، وقد أوشكت هذه الآراء أن تتحقق بطريقة عملية وتجسد الحركة القومية الألمانية على أرض الواقع بعد الانتصارات الساحقة التي حققتها النمسا وبروسيا على فرنسا في نهاية عهد نابليون ، حيث ساد الألمان شعور بالمجد القومي حينما انتصروا في معركة ليبزيج عام 1813، وتوقعوا أن يؤدي ذلك إلى بعث ألمانيا الموحدة بعد القضاء على نابليون( ).
ولكن رفض النمسا لفكرة توحيد ألمانيا جعل فكرة الوحدة تتراجع ،ولكن أفكار المفكرين فيخته وهيجل وسافيني ظلت تصب في الدعوة إلى توحيد البلاد التي تضم العنصر الجرماني على اعتبار أن الجرمان يمثلون أرقى الأمم البشرية وأن الألمان يجب أن يرثوا الإمبراطورية الرومانية المقدسة( ) ، ويلاحظ أن هذه الأفكار هي نفس الأفكار التي تبنتها الحركة النازية والتي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية ، وتعتبر أفكار فيخته التي جاءت على شكل خطابات إلى الأمة الألمانية ،نموذجا للدعوة القومية في مطلع القرن التاسع عشر في أوروبا ، حيث خاطب فيها روح الشعب الألماني ، وضمنها مفهوما محددا للأبعاد القومية يتميز بالتركيز على الأمة ، وعلى اعتبارها العامل الرئيسي في تكوين الطابع القومي ، وضرورة تطابق حدود الدولة مع نطاق من يتكلمون اللغة القومية( ).
ولسنا هنا بصدد السرد التاريخي للخطوات التي قامت بها بروسيا التي تبنت الحركة القومية الألمانية وفكرة توحيد ألمانيا ، واستطاعت تحقيق ذلك فعليا عام 1871 ، ولكن ما يهمنا بالفعل هو توضيح دور العامل القومي في هذه الوحدة ، ودور الأفكار القومية الألمانية وخصوصا فكرة تفوق العنصر الجرماني ،التي ظلت تلقي بظلالها على العلاقات السياسية الخارجية لألمانية ، والتي أدت إلى اندلاع الحربين العالميتين ، وذلك بالطبع دون إهمال دور القوميات الأخرى في هاتين الحربين .
وبالإضافة إلى الوحدة الألمانية والإيطالية ، فهناك الموجة العارمة من الحركات القومية التي شغلت العالم طوال القرون الثلاث الأخيرة والتي لا زالت تلعب دورا مؤثراً في العلاقات الدولية حتى يومنا هذا ، ويمكن القول أن معظم أحداث القرنين التاسع عشر والعشرين كانت بمجملها قائمة على المسألة القومية ، ولسنا نعني هنا في أوروبا فقط وإنما في جميع أنحاء العالم ، فهناك العديد من القوميات الآسيوية ومعظمها أقدم من الأمم الأوروبية ، مثل الأمة العربية والأمة الصينية والأمة الهندية ، والأمة اليابانية ، والأمة الفارسية في إيران ، وقد شكلت هذه القوميات مجمل العلاقات الدولية في آسيا وأمتد أثرها إلى جميع القارات .
ولان كان كل ما سبق يؤكد الدور العميق والمؤثر للبعد القومي في العلاقات الدولية ، فقد يتساءل البعض هل سيستمر هذا الدور في ظل التطورات التي يشهدها العالم وفي ظل المصطلحات والمفاهيم الجديدة ، كالنظام الدولي الجديد ، والعولمة ، والأحلاف الاقتصادية ، والشركات المتعددة الجنسية ، والوحدة السياسية الأوروبية ؟؟؟
وللإجابة على هذا السؤال أعتقد أننا بحاجة إلى كتاب كامل وليس بحث قصير كهذا ، ومهما يكن فأن الإجابة على هذا السؤال يمكن أن تنحصر وبشكل أساسي في محاولة دراسة العامل الأهم والأخطر والأشد تأثيراً على القومية والدولة القومية والذي بدأ يشغل بال معظم مفكري السياسة والاقتصاد والاجتماع خصوصاُ والعلوم الاخرى عموما ، وهذا العامل أو التطور هو العولمة الذي يعتبر أهم التحديات الكونية التي تواجه الفكرة القومية بالاضافة طبعا للشركات والتحالفات الاقتصادية والتجمع الأوروبي ، ولأن كانت العولمة لم تستقر بعد بشكلها النهائي حتى نستطيع تحديد الاثار التي يمكن أن تترتب عليها إلا أننا ومن خلال ما بدأ العمل به في جميع الاوساط سواء الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية فأنه يمكننا استقراء بعض التأثيرات المحتملة للعولمة على القومية والدولة القومية ،ويمكن القول أنه لا توجد دولة تستطيع أن تعزل نفسها عن العولمة وتأثيراتها مهما كان حجمها وقوتها الاقتصادية .
ولا بد لنا في تناول هذا الموضوع التمييز بين الدولة القومية في العالم المتقدم والدولة القومية في العالم الثالث على الرغم من أن الطرفين خاضعين للتأثير المباشر من قبل العولمة والعوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية المرافقة لها ، إلا أن مدى التأثر يكون متفاوتاً ونسبياً بالتأكيد .
فالدولة الرأسمالية هي دولة قومية بالأساس اعتمدت فيها القومية على رأس المال واعتمد رأس المال عليها لذلك أقامت تلك الدول اطر ومؤسسات تكفل تأمين تطور علاقات الانتاجية الرأسمالية وتوسعها ، يقول بول سويزي ( إن الشركات تعتمد كلياً في وجودها على الدولة في حين أن الدولة تعيش على فائض ما تنتجه تلك الشركات وبالتالي فهما يوجدان في حالة تكافلية يعتمد كل منهما على الآخر ) واستمرت هذه العلاقة ونجم عنها باستمرار عملية توسع على أساس أن تراكم رأس المال من السمات الأساسية لنظام الانتاج الرأسمالي وتوقف هذا الانتاج يؤدي بالضرورة لأزمات للمجتمع والدولة .
وتاريخيا يلاحظ أن انتشار الشركات وتوسعها كان مقترنا بدعم دولها لها وحمايتها، وعليه نلاحظ أن الدولة القومية في الغرب قد ترافق تطورها تطور رأس المال وإنهما يخدمان بعضهما البعض ولا قوة لاحدهما دون الآخر ولذلك فإن زوال الدولة القومية في الغرب أمر ولو نظرياً غير وارد ( ).
ويقول بول كيندي أن التحديات الكونية تثير جدلا حول الدولة القومية ذاتها وجدواها فالعامل المستقل والرئيسي الذي لعبته الدولة في الشؤون السياسية والدولية على مدى العقود السابقة يبدو انه يفقد سيطرته وانه اصبح نموذجا مغلوطاً للكيان القادر على معالجة الظروف المستجدة لذلك فهو يتكلم عن نقل للسلطة في اتجاهين أعلى واسفل وتوفير هياكل تكون اقدر على الاستجابة لقوى التغيير الحالية والمستقبلية .
أما بالنسبة لنقل السلطة للأعلى أي لخارج الدولة القومية وهو يشير بذلك إلى القوى العابرة للقومية ونظم الاتصالات الكونية وكذلك الدور المتزايد للمؤسسات والاتفاقيات الدولية استنادا للتفكير القائل بأن المشكلات الدولية حتى تجابه بنجاح لا بد من معالجتها على نطاق دولي ، أما نقل السلطة للأسفل أي إلى وحدات اصغر من الدولة القومية فهي ناتجة عن تطورات اقتصادية وتكنولوجية فمثلا زوال الحدود بين أوروبا سمح بظهور مناطق تجارية إقليمية ( ) كانت محظورة من قبل الجمارك في السابق فمثلا سلوفينيا تتكامل مع النمسا أكثر من صربيا ، والالزاس واللورين تتكاملان مع ألمانيا أكثر من باريس وهناك ولايات أمريكية تفتح لها ممثليات في الخارج للقيام بدبلوماسية الاستثمار وعلى صعيد فردي ، وهذا اتجاه يؤيده الاقتصاديين على اساس أن التجارة لا تخضع للقيود بل تتبع مسارها الطبيعي على الرغم مما ينجم عن نقل السلطة للاسفل من تفكك قومي وتعاني الكثير من الدول من هذه المشكلة مثل يوغسلافيا وإفريقيا والأكراد في تركيا.
كذلك مسألة اخرى مرافقة للعولمة وهي مسألة التكتلات كالاتحاد الأوربي حيث أن هنالك باحثون يقولون بظهور دولة فوق قومية ، لكن هذا الرأي ليس صائبا تماما فالوحدة في أوربا أساسها أهمية رأس المال وليست دولا منسجمة كالدولة القومية وكذلك وجود فوارق اجتماعية واقتصادية مما سيؤدي بطرق لاستقطاب اطراف اخرى وكذلك ماذا يكون مستقبل هكذا اتحاد في حال تضارب المصالح ( ).
أما بالنسبة لدول العالم الثالث الأكثر تأثرا بهذه العوامل فيقول الدكتور محمد عابد الجابري : ” بما أن العولمة نظام يقفز على الدولة والامة والوطن فأنه يعمل في المقابل على التشتيت والتفتيت وإن اضعاف سلطة الدولة والتخفيف من حضورها لفائدة العولمة يؤديان حتما لاستيقاظ اطر الانتماء السابقة على الدولة وهي القبيلة والطائفة والجهة والتعصب والمذهبية والنتيجة تفتيت المجتمع وتشتيت شمله ” ( ).
وهناك الكثير من الامثلة على تفتيت المجتمعات والدول ونقل الولاءات لجهات غير الدولة ، واخيرا تبقى الدولة القومية المصدر الاول لهوية معظم الناس ومازال الافراد يدفعون الضرائب للدولة ويخضعون لقوانينها ويخدمون في جيشها ولا يستطيعون السفر دون جواز سفر من دولتهم وانه كلما ظهرت مشاكل في المجتمع كالهجرة غير الشرعية فأن الناس يلجئون لحكومتهم لإيجاد حلول لهم ( ).
ووفق جميع المعطيات السابقة فإن المستقبل لا زال مجهولا وربما يحمل الكثير من المعطيات والتغيرات الجديدة التي ربما يكون لها الأثر الأشد تأثيرا مما سبق ذكره ولكن بناء على الواقع الذي نعيشه نرى أن الدولة القومية لا زالت تلعب الدور الاساسي والمحوري في العلاقات الدولية حيث أنه ولغاية الان لم يأتي ما يثبت تهميش دور القومية والقفز عنه لصالح افكار جديدة سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ، وربما يفضل أن نكون بانتظار ما ستسفر عنه المعطيات الجديد وما سيتمخض عنها من تغيرات على جميع الأصعدة .
الفصل الثالث
تقييم دور القومية في العلاقات الدولية ( )
إن الدور الذي تلعبه القومية في العلاقات الدولية ، كان موضع جدل مستمر وحاد بين الذين يدافعون عنها ويرون فيها إحدى القوى الإيجابية الهامة في المجتمع الدولي ، حيث تدفع الدول على طريق البناء الاقتصادي والاجتماعي ، وبين الذين يهاجمونها ويرون فيها مصدرا خطيرا للحروب والصراعات الدولية .
وبوجه عام ، يمكننا أن نلخص وجهة نظر كل من الفريقين على النحو التالي :
أولا : الآراء التي تندد بالقومية كقوة سلبية في العلاقات الدولية :
وهذه الآراء ترى في القومية ما يلي :
_ إن القومية تمثل تهديدا مستمراً لأوضاع السلام الدولي باعتبارها عاملاً من عوامل إثارة الحرب ، أياً كانت طبيعة هذه الحرب وأهدافها ، فبعض هذه الحروب ذات طبيعة عدوانية توسعية ، وقد نتجت عن التطرف في تأكيد الكيان القومي على حساب القوميات الأخرى ، وبعض هذه الحروب هي حروب تحرير وطني ، أو حروب تحدث لاتمام الوحدة القومية ، وفي رأي هذا الفريق من المحللين أنه اياً كانت الدوافع والملابسات التي تحيط بكل شكل من أشكال هذه الحروب التي تغذيها الاعتبارات القومية ، فأنها تبقى كلها كتهديد للسلام العالمي .
_ إن القومية تشجع النزاعات العنصرية في المجتمع الدولي ، بما يؤدي إليه ذلك من ازدياد حدة الانقسام الدولي ، وما يتبعه من تأزم وتوتر في علاقات الدول ببعضها ، فالقومية هي في أساسها شعور بالانتماء العنصري ، ويؤدي ذلك إلى تأكيد اعتبارات المصلحة القومية الضيقة على غيرها من المثل والأخلاقيات الدولية التي ترتفع فوق هذه الدعاوى العنصرية .
_ إن القومية تؤدي إلى التطرف في إضفاء الطابع السياسي – بوعي أو بدون وعي – على أمور قد لا تنتمي بطبيعتها إلى المجال السياسي ، ومعنى هذا أن القومية تزيد من الحساسيات الموجودة في العلاقات الدولية بميلها المستمر إلى تفسير كل ما يحدث من إطار الزاوية القومية وحدها ، والمبالغات غير المنطقية أحياناً في هذه الناحية تساعد على زيادة الاحتكاك الدولي ، وتضيق فرص التعاون بين الدول في مختلف المجالات الأخرى التي تهم مصالحها .
_ إن القومية تؤدي إلى إضعاف عنصر التيقن والاستقرار في العلاقات الدولية ، فالنزاعات القومية تدفع أحيانا إلى التنصل من الاتفاقيات والمعاهدات التي تدخل الدولة طرفاً فيها ، ويتم ذلك غالبا تحت تبريرات المصلحة القومية ، ومثل هذه التصرفات تهز الثقة الدولية في قيمة هذه الالتزامات والتعهدات ما دامت الاعتبارات القومية تطغى على كل إحساس بالمسئولية الدولية .
ثانياً : الآراء التي ترى في القومية قوة إيجابية في العلاقات الدولية :
أما الفريق الآخر الذي يرى في القومية إحدى القوى الإيجابية في العلاقات الدولية فهو يستند إلى الحجج والتبريرات الآتية :
_ إن القومية تساعد على تعبئة القوى القومية حين تدعو الضرورات إلى ذلك ولما كانت القوة تمثل ضرورة لا غنى عنها في ظل النظام الدولي الراهن ، لذا فأنه يمكن اعتبار القومية من بين العناصر الإيجابية والفعالة في قوة الدولة .
_ أن القومية تشكل ركيزة أساسية في خلق الشعور بالتضامن الاجتماعي ، فهي تؤدي إلى اندماج الفرد في المجتمع وتأكيد الشعور لديه بالانتماء إلى جماعة معينة ، وهذا الشعور يخلع عليه احساساً بالأمن الذي يستمد من قوة هذه الجماعة التي ينتسب إليها ، وهذه المشاعر القومية لدى الأفراد يمكن تعبئتها واستغلالها بما يدعم من أوضاع الرفاهية العامة في المجتمع ، وهي الأوضاع التي لا يمكن أن تخلق إلا من خلال التضحيات والمشاركات الفردية التي يحركها الشعور بالانتماء القومي والحرص على أن تبرز هذه الجماعة القومية في أفضل مظهر لها ، ومن هنا ، فان القومية تخدم كقوة إيجابية وبناءة في دعم كيان الدول ، ومدها بالطاقة والحافز على أن تتطور بنفسها إلى الأفضل دائما ، وهذا في ذاته كسب للمجتمع الدولي ككل .
_ إن القومية تعتبر محركاً أساسيا للدول في سعيها نحو تخليص نفسها من التدخل الخارجي أو التحكم الأجنبي ، وتأكيد احترامها لنفسها في نظر المجتمع الدولي ، ذلك أن التحكم الأجنبي يخلق شعورا بالضعف والمهانة لدى الأفراد الذين يعانون من هذا التحكم ، ويدعم من هذا الشعور بالمهانة القومية أن الدولة الأجنبية لا تتجاوب مع المشاعر أو المصالح القومية للدولة التي تخضع لهذا التحكم ، وإنما تكيف سياساتها بما يحفظ عليها مصالحها الذاتية أولاً وقبل كل شيء ، وترتيباً على هذه الحقيقة ، فأن القومية بتأكيدها على هذه المعاني ، تزيل حاجزا نفسيا خطيرا من طريق التعامل بين الدول القومية المختلفة ، مما يلغي بالتالي مصدراً هاماً من مصادر التوتر والاحتكاك الدولي .
_ إن الاختلافات القومية تمثل مصدرا من مصادر الثراء والخصوبة الثقافية في المجتمع الدولي ، إذ أن لكل قومية ثقافتها الخاصة ، وتنوع هذه الثقافات وتداخلها وتفاعلها إنما ينعكس على تتطور الحضارة الإنسانية كلها ، وهو أمر ما كان ليتحقق فيما لو سادت العالم ثقافة قومية واحدة ، ويبرهن على ذلك – في رأي البعض – التاريخ الثقافي للإمبراطورية الرومانية الذي انتهى إلى وضع من الجدب الثقافي في ظل ما سمي بالسلام الروماني الذي قام على صبغ ثقافات المناطق التي خضعت لحكم روما بصبغة ثقافية واحدة ، وهو ما افقد هذه الثقافات طابع التنوع والتميز والأصالة فيها ، وتأثير ظاهرة التنوع الثقافي على العلاقات الدولية ، يكمن بان اتصال الثقافات القومية وتفاعلها إنما يؤدي إلى التقارب بين الدول في القيم ونماذج الفكر ، بعكس الحال مع سيطرة ثقافية قومية بذاتها حيث تدفع إلى رفضها ومقاومتها والتمرد على كل ما تمثله من معان وقيم ، وهي أوضاع لا تلتقي مع مصلحة السلام العالمي بالتأكيد .
ومهما كانت طبيعة الدور الذي تلعبه القومية في العلاقات الدولية ، سواء كان ايجاباً أم سلباً ، فإن ما يعنينا هنا هو عمق هذا الدور وشدة تأثيره في سلوكيات أطراف المعادلة الدولية في علاقاتها ببعضها البعض ، ونستطيع أن نؤكد من خلال ما استعرضناه في الصفحات السابقة ، إن القومية هي بمثابة المحور الأساسي الذي تدور حوله العلاقات السياسية الدولية ، حيث يحاول كل طرف من أطراف المعادلة الدولية استغلال علاقاته الدولية بما يتناسب وخدمة الأهداف القومية له ، وبنفس الوقت فهو مستعد للدخول في صراعات ونزاعات كثيرة للحفاظ على هذه الأهداف ، ويمكن القول أن العلاقات الدولية وجدت أصلاً لخدمة الأهداف القومية لأطراف هذه العلاقات .
المراجع :-
1 – بويد شيفر ،ترجمة عدنان الحميري، القومية – عرض وتحليل ، ( بيروت ، دار مكتبة الحياة ،1966) .
2_ ساطع الحصري ، ما هي القومية ، ( بيروت ، دار العلم للملايين 1963) .
3_ جورج حنا ، معنى القومية العربية ( بيروت ، دار الثقافة ) .
4_ منيف الرزاز ، تطور معنى القومية ( بيروت دار العلم للملايين ،1960 ) .
5_ ساطع الحصري ، آراء وأحاديث في القومية العربية (بيروت ،1959 ) .
6_ عبد الكريم أحمد ، القومية والمذاهب السياسية (القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للنشر ،1970 ) .
7_ إسماعيل صبري مقلد ، العلاقات السياسية الدولية (الكويت ، مطبوعات جامعة الكويت ، 1971 ) .
8_ صلاح العقاد ، دراسة مقارنة للحركات القومية (محاضرات)(معهد البحوث والدراسات العربية،1966 ) .
9_ رمزي زكي ، ظاهرة التدويل في الاقتصاد العالمي وآثارها على البلدان النامية ،( المعهد العربي للتخطيط ، 1993) .
10_ بول كيندي ، الاستعداد للقرن الحادي والعشرين ، ترجمة محمد عبد القادر ، ( عمان دار الشروق للنشر والتوزيع ، 1993) .
11_ محمد عابد الجابري ، قضايا في الفكر المعاصر , ( بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1997) .