الرئيسية / النظم السياسية / السياسة المقارنة / لماذا تنجح القلة وتفشل الأغلبية؟ علم الاجتماع التاريخي للثورات في العالم الثالث
لماذا تنجح القلة وتفشل الأغلبية؟ علم الاجتماع التاريخي للثورات في العالم الثالث
لماذا تنجح القلة وتفشل الأغلبية؟ علم الاجتماع التاريخي للثورات في العالم الثالث

لماذا تنجح القلة وتفشل الأغلبية؟ علم الاجتماع التاريخي للثورات في العالم الثالث

لماذا تنجح القلة وتفشل الأغلبية؟ علم الاجتماع التاريخي للثورات في العالم الثالث

 

جون فوران: لماذا نجح القليلون، بينما فشلت الأغلبية؟

John Foran, The Comparative – Historical Sociology of Third World Social Revolutions: Why a Few Succeed, Why Most Fail, Theorizing Revolutions.

 

إعداد

ضحي سمير مصطفي

تحت اشراف:- أ. على الدين هلال

 

تمهيد:-

التقرير النقدى المقدم يمثل عرض وافى لأحد فصول كتاب جون فوران حول نظريات الثورات بعنوان Theorizing Revolutions المنشور عام 1997، فى هذا الكتاب يقدم فوران أهم الأطر النظرية لتفسير الثورات، و يقوم بتطبيق هذه الأطر على حالات معينة فى الشرق الاوسط و أمريكا اللاتينية. و تتضمن هذه الاطر: نظريات تتمركز حول الدولة، النظريات الهيكلية، النظرية النسوية، نظرية النخبة، و النظريات الديموغرافية.

فى الفصل محل التناول يهتم فوران بمعايير نجاح و فشل الثورات، فهو يهتم بقدرة الثورة على إحداث تغييرات جذرية على الصعيد السياسى، الاقتصادي، و الاجتماعى، دون ان تشمل تلك التحولات حدوث عنف بالضرورة-حسب تعريفه للثورة في احد الفصول الأولي للكتاب-. يطرح فوران ذلك تحت عنوان  “لماذا ينجح القليلون بينما تفشل الأغلبية”، و يقصد هنا لماذا نحجت بعض الحركات الثورية فى الوصول للحكم و إحداث تحولات بينما فشلت دول أخرى فى ذلك. و يعمد فوران فى ذلك الى منهج تاريخى مقارن فى عرض افكاره، كما سيتضح من العرض التالى. و يرى فوران انه يصعب الأعتماد على عامل تفسيرى واحد، مما يقتضى وجود أكثر من عامل تفسيرى، و من ثم فالسؤال هو ” ما هي العوامل التى تمتلك قدرة تفسيرية أعلى من غيرها؟”، بناء على ذلك يطرح فوران إطار نظري يراه أكثر ملائمة للقيام بتلك المهمة التفسيرية.

نبذة عن الكاتب:-

جون فوران هو أحد اساتذة علم الأجتماع الأمريكين، حصل على شهادة الدكتوراة من جامعة كاليفورنيا بيركلى  و يعمل الأن استاذا محاضرا بجامعة كاليفورنيا سانت باربرا بالولايات المتحدة، كما إنه عمل كأستاذ زائر بكلية جولد سميث بجامعة لندن (2009-2010).

و يهتم جون فوران تحديدا بدراسة تاريخ الثورات و التحولات الجذرية خلال القرن العشرين و الواحد و العشرين، و ذلك فى مناطق أمريكا اللاتينية و الشرق الأوسط علي وجه الخصوص، و له فى ذلك العديد من الكتابات، حيث بدأ فى التأليف عام 1993، و قد حملت بأكورة أعماله عنوان ” مقاومة ضعيفة: التحولات الاجتماعية بايران منذ 1500 و حتى قيام الثورة”، تلا ذلك كتاب أخر عام 1994 يحمل نفس الأفكار مع تعديلات محدودة بعنوان “قرن من الثورة: الحركات الاجتماعية بإيران”، و فى عام 1997 بدأت كتابات فوران تأخذ طابع نظرى أكثر فكتب كتاب ” تنظير الثورة” أو بعبارة أخرى” نظريات الثورات” فى عام 1997.

منذ مطلع الألفية بدأ فوران بالأهتمام بأبعاد جديدة للتحولات الاجتماعية بحكم تنامي عمليات العولمة، فبدأ فى الاهتمام بقضايا البيئة والمناخ، والحركات الأجتماعية الجديدة. فكتب فى عام 2003 كتاب بعنوان” مستقبل الثورات: إعادة التفكير فى التحولات الجذرية فى ظل العولمة”، كما نشر فى نفس العام كتاب أخر يهتم بالجندر بعنوان ” مستقبل النسوية: إعادة تصور المرأة”.

واخر مؤلفات فوران كتاب بعنوان ” في جذور الثورات بالعالم الثالث” عام 2005، وقد حصد هذا الكتاب عدداً من الجوائز الأكاديمية ويمثل امتداد لدراسات فوران حول الثورات والتغيرات الاجتماعية بالعالم الثالث.

الأفكار الرئيسية:-

  • الإطار النظري

يهتم فوران -من خلال الاستناد الي عدد من الحالات التطبيقية- بفهم أسباب حدوث تحولات جذرية علي الصعيد السياسيى، الاجتماعى، الاقتصادى، و ذلك استناداً الى عدد من العناصر التي تشكل الاطر النظرى الخاص به للتفسيرTheoretical Model، و تلك العناصر هي:-

  • التنمية التابعة Dependent Development: يستند فوران في ذلك الى كتابات التبعية الاقتصادية، فيشير الى أعمال Fernando Henrique Cardoso and Enzo Faletto. حيث يتم تعريف التنمية التابعة على انها وجود درجة عالية من درجات النمو الأقتصادى، يصاحبها ارتفاع فى معدلات التضخم، و ضعف فى البنية التحتية و الخدمات الاجتماعية و الاقتصادية التى تقدمها الدولة، هذا بالاضافة الى سوء توزيع الثروات و الفجوات الكبيرة بين الاغنياء و الفقراء، و من ثم تتأثر الأوضاع الاجتماعية و الأقتصادية لعدد كبير من القطاعات كالمزارعين، العمال، الموظفين، و غيرهم. (الرمز: A)
  • الدولة المشخصنة، الاستبدادية، الإقضائية The Repressive, Exclusionary, Personalist State:- يشير ذلك الى الوضع السياسى الذي تستبعد فيه الدولة عدد من الفئات الأجتماعية من حقوق المشاركة السياسية و صنع القرار، و قد لا يقتصر الحال هنا على استبعاد الطبقة المتوسطة أو الطبقة الدنيا، و انما قد يتم استبعاد عناصر من الطبقة العليا، مما يسمح بخلق حالة من التعاضد الطبقى من قبل طبقات متنوعة ضد السلطة الحاكمة. و يعتبر حكم المؤسسة العسكرية خاصة اذا ما استمر فى صور انتخابات مزيفة لحفظ شرعية غير حقيقية أحد العوامل التى قد تزيد من حالة الاستبعاد و الإقصاء الطبقى ، و من ثم قد تنشأ تحركات اجتماعية تضم شرائح اقتصادية و إجتماعية منوعة ضد السلطة. (الرمز: B)
  • وجود ثقافة سياسية داعمة المقاومة Powerful Political Cultures of Opposition and Resistance:-  يشير ذلك الى قدرة قطاعات واسعة على الحشد و التعبئة و بناء التحالفات، و قد يعتمدوا فى ذلك على مداخل مختلفة كالإيديولوجية، الدين، و الثقافة الشعبية، بالاضافة الى مطالب موحدة كالقومية (فى حالات التحرر الوطنى)، الأشتراكية (في حالات المطالبة بالعدالة الأجتماعية)، الديمقراطية.

يلاحظ انه عند أوقات الأزمات التي تعصف بالسلطة تتمكن المعارضة أكثر من توحيد جهودها، و الحشد بصورة أكبر لمطالبها. (الرمز:C)

  • التراجع الإقتصادي Economic Downturn:- التراجع الاقتصادي من أحد أهم العوامل التى لازمت نشأة الحركات الثورية، و عندما يتوافق هذا العامل مع انفراجة دولية، أو توجه دولى داعم لذلك التحرك الثوري، فعادة ما تتمكن تلك الحركة من النجاح. (الرمز:D)
  • وجود انفراجة دولية World- System Opening:- يشير ذلك الى الدور الذي قد تلعبه حالة النظام الدولى و موقفه من دعم الثورات في بلدان محددة، أو التدخل الخارجى من قبل أحدى القوي الكبري. (الرمز:E)

تلك العناصر الخمسة تم استنباطها من عدد من الأعمال الحديثة عن الثورات و على راسها كتاب Theda Skocpol  عن الدول و الثورات الأجتماعية المنشور عام 1979، بالاضافة الى كتابات جودوين Goodwin، و ويكهام كرولي Wickham Crowley، يؤكد فوران ان أغلب الأعمال التى قدمت عن الثورة ركزت على الأبعاد الهيكلية مع أهتمام محدود بالأبعاد الثقافية، و هو ما حاول تفاديه عند الاشارة الي عامل وجود ثقافة المعارضة و مقاومة السلطة، و على الرغم من إدراك فوران لذلك إلا ان تناوله للعامل الثقافى يعتبر محدوداً للغاية و غير واضح المعالم و يفتقر للتفصيل.

 

 

يؤكد فوران إن تلك الأعمال تؤكد على عدم وجود سبب واحد يمكن الأعتماد عليه فى تفسير الثورات، و انما يقتضي الأمر تضافر عدد من العوامل، و هو ما حاول تقديمه فى الأطار النظري سالف الذكر.

(2) حالات النجاح

يقسم فوران عمله الى مجموعتين؛ المجموعة الأولى تمثل الدول التى نجحت فى مراحل تاريخها الحديث من أحداث تحولات جذرية علي الصعيد السياسى، الإجتماعى، و الإقتصادى. المجموعة الثانية تتضمن عدد من الدول التى فشلت فى تحقيق ذلك، أو حققت تحولات محدودة على الصعيد السياسى فقط.

المجموعة الأولى تتضمن عدد من المجموعات الفرعية، و هم كالأتي:-

  • ثورات اجتماعية ناجحة

هنا يقدم فوران نموذج لعدد من الدول التى شهدت تحولات كاملة، و على راس تلك الدول المكسيك فى الفترة من 1876 الى 1910، كوبا 1957-1959، نيكارجوا و إيران 1978-1979. بصرف النظر عن التفاصيل الموجزة التى يستعرضها فوران لكل حالة، فهو يري ان هذه الدول أمتلكت معادلة النجاح التى لخصها فى الأتي:-

Success= ABCDE

تشير تلك الأحرف الى توافر العناصر الخمسة التى ذكرها فوران بأعتبارها أسباب مباشرة لحدوث التورات.

  • ثورات التحرر الوطنى

لا يختلف تحليل فوران هنا عن التحليل السابق، حيث يشير الى توافر العناصر الخمسة كاملة، باستثناء ان الحركة الثورية هنا لم تكن موجه ضد السلطة الوطنية و إنما ضد سلطة المستعمر، مما يسمح لها بطاقات أكبر للحشد و التعبئة على أسس قومية، و دينية احياناً. و تتضمن تلك المجموعة: الجزائر، زيمبابوى، موزمبيق، انجولا، فيتنام.

  • انتكاسات ثوريةReversed Social Revolutions :- هنا يشير فوران الى عدد من الدول التى شهدت تحولات اجتماعية كبيرة إلا انه سرعان ما تم التراجع عن تلك الانجازات و التحول الى نظم استبدادية. كما فى الحالة التشيلية تحت حكم سلفادور الليندي (1970-1973)، جواتيمالا (1944-1954)، جاميكا تحت حكم مانيلي فى السبعينات، و أخيرا جرينادا 1979-1983.

يلاحظ ان الحالات الثلاث الأولى شهدت وجود حكومات ديمقراطية منتخبة، بالأضافة الى وجود معارضة سياسية قوية و حية، إلا ان فشل البرامج الأقتصادية التى شهدتها تلك الدول، و وجود معرضة يمنيية مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية كما فى تشيلي و جواتيمالا، أو تدخل عسكرى مباشر كما في جرينادا و جاميكا ادي الى تقويض التجربة الديمقراطية برمتها.

حالات الفشل

تتضمن تلك المجموعة ثلاث حالات رئيسية:-

  • محاولات ثورية:- يؤكد فوران ان تحديد المقصود بالمحاولات الثورية أمر بالغ الصعوبة، لكن لفك الاشتباك النظرى أعتمد فوران على النوايا التى اعلنها الثوار (من حيث رغبتهم فى القيام بثورة، أم مجرد اصلاحات جزئية). استنادا الى ذلك يمكن تضمين حالات السلفادور خلال فترة الثمانينات، جواتيمالا ما بين 1960 الى 1980، الفلبين من منتصف الى نهاية الثمانينات، و أخيراً بيرو خلال الثمانينات.

يمكن فى هذه الجزئية الأشارة الى حالة السلفادور كتعبير واضح عن ما عناه فوران. فقد شهدت السلفادور فى الفترة من 1979 الى 1992 حركات ثورية كبيرة، اسهمت فى دخول البلد الى حرب أهلية و انشقاقات فى الجيش بين السلطة و الثوار لكن سرعان ما انتهى هذا الوضع عام 1992 عندما قامت جبهة الثوار بتوقيع هدنة سلام مع السلطة انهت الحرب الأهلية الدائرة. و يبرر فوران اسباب تلك النتيجة- التى تبدو استسلامية- بطبيعة الحكم العسكرى في السلفادور، حيث نجحت المؤسسة العسكرية بأحتواء الطبقة العليا من الناحية المصلحية، كما انها خلال فترة الحرب الأهلية سمحت بمشاركة الحزب المسيحى الديمقراطى، مما أفقد الحركة الثورية دعم عدد كبير من الطبقة العليا، المتوسطة، و حتي الفلاحين. يضيف فوران ان الخطاب السياسى الذى تبنته الحركة الثورية قام علي فكرة الصراع الطبقى بين البرجوازية و البرولتريا، و من ثم لم تجد الطبقة الوسطى لنفسها مساحة فى هذا الخطاب. العامل الأخير الذي ادى الى فشل تلك الحركة هو موقف الولايات المتحدة التى اتخذت موقف صارم من الحركات الثورية فى عهد كارتر، و من بعده ريجان، حيث دعمت الولايات المتحدة المؤسسة العسكرية بالسلفادور.

المثال السابق يشير الى اختفاء عدد من العوامل الخمس التى اشار اليها فوران فى تحليله، و لهذا لم تتمكن تلك المحاولات الثورية من النجاح، و على راس تلك العوامل: حالة التسامح الدولى، و الطبيعة الإقصائية للسلطة.

  • الثورات السياسية:- يشير هنا فوران الى اقتصار قدرة الحركة الثورية على إدخال تعديلات سياسية محدودة دون المساس بالوضع الأجتماعى و الاقتصادي القائم. يرى فوران ان هذه المجموعة تثير إشكالية نظرية من حيث “كيف يمكن تحديد مقدار التغيير المطلوب لاعتبار ما حدث بمثابة ثورة اجتماعية شاملة ؟”، و على الرغم من طرحه لتلك الإشكالية إلا انه يتفادى الأجابة عليها باختيار عدد من الحالات الواضحة التى تدعم وجهة نظره فى حدوث تحولات على الصعيد السياسى فقط و تتضمن تلك الحالات (الصين- الفلبين – هايتى). جميع هذه الحالات شهدت غياب عامل التنمية التابعة، و وجود قوي دولية داعمة للحركة الثورية، هذا بالاضافة الى ضعف المعارضة فى الصين و هايتي.
  • غياب أي محاولات ثورية:- هنا يشير فوران الى ثمانى حالات، جميع تلك الحالات شهدت غياب عنصر أو عنصرين من العوامل التى ذكرها فوران بأعتبارها أسباب مباشرة للثورات. و يمكن فهم ذلك من خلال الرموز الأتية:-

البرازيل خلال السبعينات = ABcDe

الارجنتين خلال السبعينات= ABcDe

الارجنيتين منذ 1983 و حتى الان= AbcDe

تركيا منذ السبعينات الى الان=ABcDe

مصر منذ السبعينات الى الان= ABCDe

المكسيك منذ الثمانينات و حتى 1994= ABCDe

زئير منذ السبعينات الى الان= aBcDE

ختاما: يقدم فوران اجمالا لأسباب حدوث الثورات أو عدمها فى أغلب الحالات التى طرحها، و يقر بحقيقة ان ذلك الطرح قد يحتاج الى المزيد من التدقيق على المستوى النظرى و الامبريقى، كما إنه قد يكون من المفيد ان يتناول كل حالة بالمزيد من التفصيل و الدراسة.

 

قراءة نقدية للنص:-

  • المنهجية المتبعة:-

تبدو المنهجية التى اتبعها فوران بسيطة، فقد استند الى مجموعة القراءات الحديثة أو الجيل الأخير حول الثورات، و عمد الى موازنة جوانب الضعف فى تلك الدراسات ليقدم إطاراً نظريا شاملاً يجمع بين الابعاد الهيكلية، و الثقافية، و بين الأبعاد الداخلية و الخارجية لفهم أسباب الثورات. و من ثم فهو يبنى على ما تقدم سلفاً دون ان تكون اضافته واضحة. حتى عندما اشار فوران الى ضعف الأهتمام بالأبعاد الثقافية فى التحليل، فإن طرحه المقدم لكل حالة لم يتضمن من التفصيل سوى وصف المدخل الثقافى أو المحرك الأيديولوجي الذي عمدت اليه كل حركة ثورية.

و قد عمد فوران فى تبرير مدى ملائمة إطاره النظري القائم على عوامل (التنمية التابعة، الدولة الإقصائية، التراجع الاقتصادي، ثقافة المعارضة، وضع النظام الدولى)، الى تغطية بانورامية مقارنة لعدد من الحالات التى يمكنها أن تؤكد فرضياته النظرية. و الملاحظ ان ذلك النوع من التناول يتسم بالشمول بدرجة لا تسمح بظهور ما يشذ، أى لا تسمح بظهور ما ينفى القدرة التفسيرية للإطار النظرى المطروح. فالعوامل المطروحة كلها مهمة، و كلها تفسيرات مباشرة للثورات على مدار التاريخ الإنسانى، و المشكل هنا ان فوران لا يحدد قيم نسبية لأهمية كل عامل على حساب الأخر فى التفسير الخاص بكل حالة، و إنما يكتفى بالتعميم، دون ان يدخله نفسه فى هذا الاشتباك الامبريقي. فمثلا العامل الدولى قد يكون حاضرا في الحالة (س) و الحالة (ص)، مما قد يبرز على الصعيد النظري أهمية التسامح الدولى تجاه الحركات الثورية، لكن بتمعن كل حالة، قد نجد ان العامل الدولى على الرغم من توافره فى الحالة (س) لم يكن مؤثراً على الاطلاق في حدوث تحولات ثورية، و من ثم فالسؤال الأجدر بالطرح “ماذا سيحدث اذا ما غاب العامل الدولى عن التحليل فى الحالة (س)؟”، هذه الاجابة لا تتم من خلال التعميم و وضع معادلات ثابتة كتلك التى حاول فوران نظم حالته تحتها، فالأمر يقتضى مراجعة امبريقية دقيقة تؤكد صحة أو أهمية كل عامل من عوامل التحليل من عدمه. ففوران فى مقدمته أكد انه يسعى للبحث عن العوامل الأكثر تفسيرية، و فى إطار الادبيات التى طرحها، يبقي السؤال ما هو الجديد الذى يطرحه فوران، ما الذي يجعل ذلك أكثر قدرة على التفسير؟؟

  • تفادى الأشتباك النظري:-

لا يقدم فوران أجابة عن العديد من الاشكاليات النظرية التى يطرحها النص، فهو على سبيل المثال لا يفرق بصورة واضحة بين الثورات السياسية و الثورات الأجتماعية الشاملة؟ و لا يجيب عن السؤال الذى يطرحه حول ما هى درجة التغيير المطلوبة لنطلق على ما حدث اسم ثورة؟ يكتفى بتفادى الأمر برمته من خلال طرح حالات واضحة للغاية فيما يخص التغيير السياسى، لكن ذلك لا ينفى السؤال الرئيسى و هو “متى يترتب على التغيير السياسى تحولات اجتماعية و اقتصادية؟ ما المدى الزمنى المنتظر لحدوث التحولات الاجتماعية و الاقتصادية المرجوة؟

كذلك فإن الإطار النظرى الذي يقدمه فوران مبتسر و موجز للغاية، كما انه لا يجيب على سؤال الى أى درجة يمكن ان نقر بأن ذلك التراجع الاقتصادى الذي تشهده دولة ما يكفى لدخولها مرحلة ثورية تجعل من هذا العامل أحد العوامل ذات القدرة التفسيرية الأعلى علي حد تعبير فوران نفسه؟ أى متى تبدأ الثورات، و متى تختفى احتماليات ظهورها؟ ففوران فى أحدي الفقرات يبدو مدركاً لإشكالية “التوقيت” إلا انه مرة أخرى يطرح السؤال دون ان يجيب عليه.

تبدو العديد من العناصر غائبة عن تحليل فوران، و منها طبيعة الايديولوجيات التى تسمح بدرجات أعلى من التعبئة، أو طبيعة الثقافة و نوع الدين. كما ان الاختلافات بين طبيعة الحكم العسكري، و انماط العلاقات المدنية العسكرية لم يكن حاضراً فى تحليل أغلب الحالات المطروحة.

  • التطبيق على الحالة المصرية:-

استناداً الى تاريخ نشر الكتاب ففوران يرى ان مصر من ضمن الحالات التى لم تشهد أي محاولات ثورية منذ 1977، و يقر سريعا بأنه على الرغم من ذلك فإن هناك حركة إسلامية قوية على صراع مع الدولة. الطرح الذي يقدمه فوران يجعلنا نعيد التساؤلات السابقة عن إطاره النظري، فالحالة المصرية وفقاً لطرح فوران تشير الى غياب عاملين رئيسين:1) الثقافة السياسية الملائمة، 2) التسامح الدولى.

إذا ما أخذنا بعين الأعتبار الأحتجاجات الشعبية التى شهدتها مصر على مدار ثلاث سنوات، فالحالة المصرية وفقاً لتوصيف فوران تقع فى إطار مجموعة الدول التى شهدت ثورات سياسية دون ان يعقبها تحولات اقتصادية و اجتماعية، يلاحظ ان هذا التصنيف نفسه غير صحيح، فحتى الصعيد السياسى فى مصر لم يشهد تحولا ملحوظاً باستثناء تنحية مبارك، و تجربة محدودة من الانتخابات الحرة لم يعد من المضمون تكرارها. فهيكل السلطة و النخب الحاكمة لم يتغير، كما لم تشهد المؤسسات تطورات على صعيد آليات العمل و الممارسة. مما يجعل من ذلك التصنيف- و إن بدأ قريباً- غير صحيح. إذا كيف يمكن تصنيف الحالة المصرية، أو حالة بعض الدول العربية التى شهدت احتجاجات مماثلة؟ هنا نجد ان نص فوران لا يقدم اجابات بل لا يطرح الاشكالية ابتداءاً.

كذلك فقد حدثت تلك الاحتجاجات الثورية – التي أعلن اصحابها عن رغبتهم فى قيام ثورة كاملة- مع استمرار عدم توافر العامل الدولى، اذن ما الذي يجعل الوضع الان مختلفاُ عن سابقه، و ما هى العوامل التى دفعت لحدوث تلك الاحتجاجات تحديدا الان مقارنة بفترة التسعينات؟ ما هو التوقيت الانسب لحدوث الفعل؟ و ما هى العوامل الحقيقية الكامنة ورائه؟ أى ما هى العوامل الأكثر تفسيرية؟ هنا لا يقدم فوران أي أجابات فالنص مصمت، و عمومية العوامل التى قدمها دون تفسير و تمحيص، و إعادة تأويل لكل حالة على حدا، مع وجود متابعة زمنية لهذه الحالات تجعل منه نص مصمت ومضجر عند القراءة، بحيث لا تضيق خاتمة النص كثيرا عن مقدمته، عن بقية اجزائه، فسردية النص واضحة منذ السطور الأولى.

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …