الرئيسية / النظم السياسية / التحول الديمقراطي / التجربة الانتخابية في موريتانيا.. في أفق الانتقال الديمقراطي
التجربة الانتخابية في موريتانيا.. في أفق الانتقال الديمقراطي
التجربة الانتخابية في موريتانيا.. في أفق الانتقال الديمقراطي

التجربة الانتخابية في موريتانيا.. في أفق الانتقال الديمقراطي

التجربة الانتخابية في موريتانيا.. في أفق الانتقال الديمقراطي

أي نمط انتخابي يحسن اعتماده؟

د: سيدي أحمد ولد أحمد سالم

مركز الجـزيرة للدراسات السودان

الملخص : 

نسعى في هذه المقاربة إلى التعرف على أنماط الاقتراع المستعملة في موريتانيا: متى وكيف تم اعتمادها وما هو تأثيرها على الحياة السياسية الموريتانية؟

لكنه، وخلال هذا التعرف، ينبغي أن نستحضر عناصر أساسية مرتبطة بالنظام السياسي الموريتاني، منها: أن الاستقرار وتطور النظام الديمقراطي يتوقفان على قدرة الدولة على معالجة الهموم المعيشية الملحة للشعب، وفي مقدمتها الفقر فأكثر من 46 بالمائة من الموريتانيين يعيشون تحت خط الفقر. ومنها أن أي تجربة سياسية تعددية لا بد لها من حوار وتفاعل بين مختلف مكونات المشهد السياسي وهو أمر كثيرا ما غاب عن المشهد الموريتاني وخصوصا إذا نظرنا إلى العلاقة بين الفاعلين السياسيين الموالين للنظام (أحزاب المولاة) وأولئك المعارضين له (أحزاب المعرضة)، التي غالبا ما تتسم بنوع من القطيعة. ومنها طبيعة المجتمع المورتياني المكون من عرب/أمازيغ (البيضان)، ومن الحراطين (وهم الأرقاء السابقون الذين يجمعون بين الأصول الإفريقية وبين الاندماج ثقافيا ولغويا مع البيضان)، وأفارقة (البولار والسونينكي والولوف)، فهذا التعدد العرقي والثقافي كثيرا ما أثر على الشأن السياسي. ومنها، وليس أقلها شأنا، حضور المؤسسة العسكرية السياسي وتأثيرها في الحياة العامة منذ الانقلاب على الرئيس السابق المختار ولد داداه في يوليو/تموز 1978 إلى اليوم. فهذه العوامل كلها تؤثر دون شك في العمل السياسي الموريتاني، ولا يمكن الحديث عن أنماط انتخابية ولا عن تأثيرها في الحياة السياسية دون استحضار هذه العوامل.

 ليس من طبيعة نمط الاقتراع (لائحي، أغلبي، فردي…) أن يجيب عن سؤال نزاهة أو شفافية أية انتخابات وبالتالي فإنه لا يعكس مدى نضج الممارسة الديمقراطية غير أنه ينبغي الاعتراف بأن نمط الاقتراع عامل مساعد في العملية الديمقراطية، ويظل مرتبطا ومتأثرا إلى أبعد الحدود بالعوامل المؤثرة في الحياة السياسية. وقد عرفت موريتانيا مسارا سياسيا اتسم بالتعددية منذ المصادقة على الأمر القانوني الصادر بتاريخ 13 أغسطس /آب 1986 المنشئ للبلديات والمعدل بالأمر القانوني الصادر في 20 أكتوبر /تشرين الأول 1987. ثم جاء إقرار الدستور الذي كرس التعددية السياسية وقد تم المصادقة بعد استفتاء عام في يوليو /تموز 1991. وقد تلته ترسانة من القوانين كقانون الأحزاب السياسية الصادر هو الآخر في يوليو/تموز 1991، ويفتح المجال أمام تعددية حزبية غير محدودة. والأمر القانوني رقم 025 / 91 الصادر في 25 يوليو /تموز 1991 ويتعلق بحرية الصحافة. والأمر القانوني رقم 027 / 91 الصادر في 7 أكتوبر /تشرين الأول 1991 والمعدل بالأمر القانوني رقم 32 / 091 الصادر في 14 أكتوبر /تشرين الأول 1991 المتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية. والأمر القانوني رقم 024 /، 92 الصادر في 18 فبراير /شباط 1992، المتضمن القانون النظامي المتعلق بالمجلس الدستوري. وقد نتج عن إقرار هذه النصوص أن فتِحَ البابُ واسعا أمام استخدام صيغ وأنماط انتخابية مختلفة منها المباشر وغير مباشر ومنها ما هو فردي ومنها ما يكون تحت مسمى لائحة، كما أن هنالك اقتراعا أغلبيا وآخر تمثيليا وأحيانا مختلطا.

على أن مراجعة الترسانة القانونية الموريتانية ومتابعة تطبيقاتها المباشرة منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي تبين أن هنالك مزجا بين العديد من أنماط الاقتراع وتعددا في صيغه بحيث لا يمكن أن نصف ما يجري في موريتانيا بنمط انتخابي واحد: ففي الانتخابات البلدية مثلا يتم اعتماد صيغة الانتخاب اللائحي مع التمثيل النسبي والأغلبية المطلقة. أما الانتخابات الرئاسية وانتخابات غرفة مجلس الشيوخ وبعض مقاعد الجمعية الوطنية فتعتمد على نمط الانتخاب الفردي بالأغلبية المطلقة والبسيطة. ويجمع الاقتراع على أغلب مقاعد الجمعية الوطنية الموريتانية (البرلمان) بين النمطين: أي اللائحي الأغلبي والتمثيل النسبي لانتخاب أعضائه.

نمط الاقتراع الفردي الأغلبي أو الاقتراع الأحادي الإسمي

هذا النمط يتم العمل به في الانتخابات التي لا يمكن أن يتم فيها اعتماد اللائحة، وهو المعتمد في الانتخابات الرئاسية وسمته الأساسية أن يعتمد الأغلبية المطلقة. فينتخب الرئيس في موريتانيا إذا حصل على لأغلبية المطلقة أي 50 في المائة + صوت واحد في الشوط الأول أو بالأغلبية البسيطة في حالة حصول شوط ثان فإنه يصبح الفائز(1).

ويعتمد نمط الاقتراع الفردي الأغلبي لانتخاب مرشحي مجلس الشيوخ(2)، كما تم اعتماده في 20 دائرة انتخابية بالنسبة للجمعية الوطنية (بمقاعدها الخمس والتسعين) وهي الدوائر ذات الكثافة السكانية الأقل من 31 ألف نسمة.

ويوصف نمط الاقتراع الفردي الأغلبي بأنه يخلق نوعا من الاستقرار السياسي لأن الأحزاب الكبرى والقوية تحصل بموجبه على الأغلبية، وربما كان ملائما لانتخاب الرئيس ذي الطابع الفردي خاصة وأن النظام في موريتانيا نظام شبه رئاسي، غير أنه لا يخلو من ملاحظات بالنسبة للغرفتين العليا (مجلس الشيوخ) والدنيا (الجمعية الوطنية). فمن تلك الملاحظات كونه يكرس تهميش وحرمان الأحزاب الصغيرة.

عانت موريتانيا في أول تجربتها التعددية في ظل نظام الرئيس السابق معاوية ولد الطايع من سلبية نمط الاقتراع الفردي الأغلبي، فكثير ما حصد الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي (الحزب الحاكم في عهد ولد الطايع) جميع مقاعد الغرفتين أو أغلبيتهما المطلقة. ففي تشريعيات 1996 فاز الحزب الجمهوري الحاكم بـ70 مقعدا من مقاعد الجمعية الوطنية وعدد مقاعدها يومئذ 79، كما هيمن هيمنة مطلقة على مجلس الشيوخ عندما تم تجديد أعضائه في نفس السنة حاصدا مقاعده الـ56، ولم تتغير هيمنة الحزب عندما جدد ثلث أعضائه يوم 17 أبريل/ نيسان 1998، وظلت الحال نفسها في التجديد الثاني عام 2000. وكان أول تغيير بسيط يحدث في تجديد الثلث الأخير يوم 12 أبريل/ نيسان 2002 حين حصل اتحاد القوى الديمقراطية على مقعد يتيم، في حين بقيت باقي المقاعد في يد الحزب الجمهوري الحاكم(3). ولو لم يكن الحزب الجمهوري الحاكم في عهد الرئيس ولد الطايع يعتمد اعتمادا كبيرا على نمط الاقتراع الفردي الأغلبي لما وقعت هذه الهيمنة المفرطة على الساحة البرلمانية. ومن نافلة القول التذكير بأن نمط الاقتراع الفردي الأغلبي يكرس البعد الشخصي للمترشحين على حساب البرامج السياسي.

 نمط الاقتراع اللائحي الأغلبي أو الاقتراع اللائحي بالأغلبية

الاقتراع بالأغلبية نمط انتخابي قديم –أوروبيا على الأقل- وقد كشفت ممارسته مع الوقت عن توزيع غير عادل للمقاعد الانتخابية مما يتناسب مع الأصوات المعبر عنها من قبل الناخبين. ومن أجل انتخاب برلمان يعكس كل التيارات السياسية المتمثلة فيه حسب الأصوات التي حصلت عليها، لا بناء على أسلوب الأغلبية الذي يمنح كل المقاعد للهيئة أو المرشح الذي حصل على أغلببية الأصوات، فقد عدل العديد من الدول الأوروبية عن الاقتراع بالأغلبية متبنية مبدأ التمثيل النسبي أو ما يعرف بالاقتراع اللائحي النسبي كأسلوب لانتخاب النواب.

والاقتراع اللائحي الأغلبي نمط انتخابي بسيط من حيث المبدأ، إذ يقوم على تقسيم إقليم الدولة إلى دوائر انتخابية، وعلى أسلوب اللائحة لأنه يتطلب التصويت على مجموعة مرشحين تضمهم مجموعة لوائح متنافسة. وتكمن عدالة هذا النمط من الاقتراع من الناحية المبدئية في كونه يوزع المقاعد بين اللوائح التي حصلت على أغلبية الأصوات وتلك التي حصلت على أقل الأصوات بناء على نسبة الأصوات التي حصلت عليها كل لائحة، ضمانا لتمثيل الهيئات الصغرى والكبرى على حد سواء في البرلمان، وللحيلولة دون هيمنة الأحزاب الكبرى على التمثيل البرلماني كما هو الشأن في الاقتراع الأغلبية.

  وقد اعتمد نمط الاقتراع اللائحي الأغلبي في آخر انتخابات تشريعية موريتانية تمت سنة 2006، فتم انتخاب 44 نائبا من نواب الجمعية الوطنية الحالية، أي ما يزيد قليلا على 41 % من أعضاء هذه الجمعية، بحيث يكون ذلك في شوط واحد إذا حصلت إحدى اللوائح المتنافسة على الأغلبية المطلقة أما إذا عجزت أي من هذه اللوائح عن ذلك فيصار إلى شوط ثان ولا يتنافس في هذا الشوط الثاني غير اللائحتين الحاصلتين على أكبر عدد من الأصوات. وفي هذه الحالة الأخيرة يكتفى بالأغلبية البسيطة لفوز اللائحة الحاصلة على أكبر عدد من الأصوات بالمقاعد المتنافس عليها في هذا الشوط.

 ومع أن الاقتراع اللائحي الأغلبي يدفع بالمتنافسين إلى التركيز على الأفكار والمبادئ والبرامج السياسية  غير أنه، وبسبب قيامه على صيغة الأغلبية مطلقة كانت أو بسيطة، يؤدي إلى محاباة الأحزاب القوية، وهذا ما يجعل المشاركة السياسية للقوى السياسية الضعيفة تضمحل ويقل تمثيلها في البرلمان. ومن العدالة أن يحظى جميع الفاعلين السياسيين بدرجة معينة من التمثيل لا أن تنحصر جميع مقاع البرلمان في صف اللوائح الفائزة بأكثر الأصوات، مهما كان الفارق ضئيلا بينها وبين منافستها الأخرى. وقد حصل شيء من هذا الجانب غير المرغوب فيه في التشريعيات الموريتانية السابقة.

نمط الاقتراع اللائحي التمثيلي أو الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي

ظل نمط الاقتراع الأغلبي المطلق السمة المشتركة في غالب الانتخابات الموريتانية، إلى أن اعتمد نمط الاقتراع اللائحي التمثيلي بشكل جزئي في فترات لاحقة من التجربة الموريتانية في الانتخابات. ففي 28 نوفمبر /تشرين الثاني 2000، وبمناسبة الذكرالأربعين لعيد الاستقلال الموريتاني وقبيل الانتخابات البرلمانية والبلدية، أعلن الرئيس السابق ولد الطايع، عن إجراءات تحسين النظام الانتخابي، واعتماد مبدأ تمويل الأحزاب السياسية بحسب ما ستحصده من مشتسارين بلديين أو نواب في البرلمان فضلا وعده بغطية نشاطات تلك الأحزاب في وسائل الإعلام الرسمية التي ما فتئت محتكرة للحزب الحاكم. وكان وعد ولد الطايع يعني إدخال شكل من النسبية يسمح بمشاركة أكبر للفاعليات السياسية في الهيئات المنتخبة: فكان هذا القرار بادرة بإدخال مفهوم النسبية لتمكين الأحزاب الصغيرة من ولوج الهيئات التمثيلية، وما يترتب على ذلك من استفادتها من تمويل الدولة. وقد أصبح هذا الوعد حقيقة حين تمت المصادقة عليه في 14 ديسمبر /كانون الأول 2000. فجرت تشريعيات 2001 وتقرر تطبيق النسبية الانتخابية على نحو 20 في المائة من مقاعد الجمعية الوطنية. وتقرر، استناداً إلى عدد الناخبين، أن يكون ذلك في ثلاث مدن العاصمة نواكشوط، والعاصمة الاقتصادية نواذيبو، ومدينة سيلبابى في جنوب البلاد. وتعرف المدن الثلاث بأنها أهم معاقل المعارضة. أما مجلس الشيوخ فقد بقى انتخابه على أساس الغالبية، باستثناء مدينة نواكشوط التي ستطبق فيها النسبية. كما إن منع القوائم المستقلة ” يخدم الديمقراطية ويقوى الأحزاب على حساب القبلية “. وقد تم توسيع مبدأ النسبية بعد الانقلاب على الرئيس ولد الطايع فصادق مجلس الوزراء الموريتاني في 5 يوليو/ تموز 2006، على جملة من التعديلات المتعلقة بنظام الانتخابات حيث يهدف التعديل إلى إنشاء لائحة وطنية تتكون من أربعة عشر نائبا وتخضع كذلك لنمط انتخاب اللائحة بالتمثيل النسبي، وهو ما يجعل الاقتراع بالدوائر الانتخابية الأكثر من مقعدين يتم باللائحة وبالتمثيل النسبي في شوط واحد وتوزع المقاعد باستخدام القاسم الانتخابي وتمنح المقاعد المتبقية حسب الباقي الأكثر، وذلك جمعا للقاعدتين: قاعدة أقوى المعدلات في الشوط الأول، وقاعدة أكبر البقايا في الشوط الثاني. ووفقا للقرار الحكومي المذكور فسيكون للنساء الحق في نسبة عشرين بالمائة من المقاعد في المجالس البلدية وفي الجمعية الوطنية.

وفي الحقيقة فإن تشريعيات 2001 عرفت مزجا نمطين انتخابيين هما: النظام النسبي الجزئي ونظام الأغلبية المطلقة حيث يتم تطبيق النظام النسبي الجزئي في الشوط الأول أي أنه في حال فوز إحدى اللوائح بواحد وخمسين في المائة أو أكثر فإنه اللوائح التي لم تحصل على 10% يتم إقصاؤها ويتم توزيع المقاعد على بقية اللوائح.

أما إذا لم تحصل إحدى اللوائح على الأغلبية المطلقة في الشوط الأول، فيتم اللجوء إلى شوط ثان يقتصر التنافس فيه على اللائحتين الحاصلتين على أكبر نسبة من الأصوات، وفى هذه الحالة يكون النظام المطبق هو نظام الأغلبية المطلقة.

والواقع أن تطبيق نمط الاقتراع اللائحي النسبي بين أن هذا النمط يؤثر تأثيرا مباشرا على الحياة السياسية الموريتانية، وهو أمر في غاية الأهمية.

التأثير السياسي لأنماط الاقتراع على المشهد السياسي للبلاد

من المفيد أن ننطلق من مصادرة وهي أن ما تعيشه موريتانيا منذ المصادقة على الدستور التعددي سنة 1991 إنما هو انتقال ديمقراطي وليس تجربة ديمقراطية، وهذا الفرق يؤثر على اعتماد هذا النمط الانتخابي أو ذاك. ونعني بالانتقال الديمقراطي أن هنالك نية، ظلت باهتة في عهد الرئيس السابق ولد الطايع وصارت أكثر جدية مع المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الذي أطاح بنظامه في أغسطس/ آب 2005، نحو إيجاد حد أدنى من الإصلاحات السياسية التي من شأنها إيجاد تعددية سياسية وحرية في التعبير وعدالة اجتماعية وإصلاح اقتصادي من خلال جملة من القوانين. وقد تكون هذه القوانين “معيبة وناقصة” كما يقول الأستاذ محمد الظريف(4) لكن طبيعة المرحلة الانتقالية تقتضي تلك النواقص. كما تتميز المرحلة الانتقالية التي ما زالت موريتانيا تعيشها بكون النظام السياسي تجاوز صيغة التفرد بالقرار إلا أنه لم يصل إلى المرحلة الديمقراطية المنشودة.

ولا شك أنه من الغفلة بمكان أن ننظر إلى حالة الانتقال الديمقراطي نظرتنا للمرحلة الديمقراطية.

وعليه فإنه لا ينبغي أن نستحضر رهانات أنماط الاقتراع في المرحلة الديمقراطية لنسقطها على مرحلة الانتقال الديمقراطي، ففي المرحلة الديمقراطية كما يقول محمد الظريف: “تكون لأنماط الاقتراع رهانات واضحة، وهي رهانات مرتبطة بتكريس نوعية المنظومة الحزبية التي نريد اعتمادها، فإذا أردنا اعتماد منظومة الثنائية الحزبية، فإننا نلجأ الى تبني نمط الاقتراع الأحادي الإسمي في دورة واحدة أو تبني نمط الاقتراع اللائحي بالأغلبية في دورة واحدة، وإذا أردنا ترسيخ منظومة حزبية قائمة على القطبية، فلا يوجد أفضل من اعتماد نمط الاقتراع الأحادي الإسمي في دورتين أو نمط الاقتراع اللائحي بالأغلبية في دورتين، وإذا أردنا تكريس منظومة حزبية تعددية قائمة على استقلال الأحزاب، فإن نمط الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي على قاعدة أكبر البقايا، وبشكل أقل على قاعدة أقوى المعدلات هو الذي يؤمن ذلك”.(5)

أي نمط من أنماط الاقتراع إذ يناسب ويلائم مرحلة الانتقال الديمقراطي؟ إن مرحلة الانتقال الديمقراطي على مستوى أنماط الاقتراع تتطلب إصلاح التنظيمات الحزبية، وتشجيع المشاركة السياسية للمواطنين، وبالتالي البحث عن نمط للاقتراع يساهم في تقوية هذه المشاركة. ومن البديهي أن تقوية المشاركة السياسية تعني أولا وقبل كل شيء إشراك الجميع في العمل السياسي، أي إشراك الأحزاب الكبرى والصغرى، وإشراك المرأة… أي عمل كل ما من شأنه ان يوسع قاعدة التمثيل السياسي. ومن السهل أن نستنتج أن نمط الاقتراع اللائحي التمثيلي هو المناسب لحالة الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه موريتانيا. فهذا النمط كما سنرى معين دخول الجميع في المعترك السياسي ومدعاة لدفع الناخب نحو الاعتناء بالبرامج السياسية لا بالأشخاص.

ليس سهلا حصر كل التأثيرات السياسية التي يمثلها هذا النمط من الاقتراع أو ذاك على الحياة السياسية في هذا البلد أو ذاك لسبب بسيط وهو أن نمط الاقتراع الانتخابي لا يشكل فقط أداة سياسية وفنية تقوم على عدد من المعطيات والعمليات المتداخلة والمعقدة الهادفة إلى تحقيق أهداف هذه السلطة أو تلك من أي عملية انتخابية تقوم بها، وإنما وسيلة شكلية للتحديث السياسي. وهي وسيلة لا تغوص في العمق ولا تكشف عن حقيقة وجوهر المعادلة السياسية في هذا البلد أو ذاك.

وبالنسبة للحالة الموريتانية نمط الاقتراع الأغلبي المطلق والبسيط شكل ظل السمة البارزة في الانتخابات منذ بداية التسعينات وشكل آلية استغلها نظام الرئيس ولد الطايع لتكريس هيمنته. وقد ظلت النتائج الانتخابية التي أفرزها نمط الفردي الأغلبي في صالح الحزب الحاكم ولا تعكس الواقع السياسي. ولذلك ظلت المعارضة تشكك في نزاهة وصحة تلك الانتخابات وتطعن في شرعية ما انبثق عنها.

ولسنا نشك في أن ما تم القيام به سنة 2001 من إدخال جرعة بسيطة من نمط الاقتراع اللائحي النسبي في دوائر نواكشوط وانواذيبو وسيلبابي، وكذلك في المجالس البلدية المختلفة، وقد أشرنا إليه سابقا، ليس محاولة للحد من الاحتكار المطلق الذي كان الحزب الحاكم في عهد ولد الطايع يمارسه. لذلك برزت مع تشريعيات 2001 وبفضل اعتماد هذا النمط الانتخابي وجوه لبعض المنتخبين من المعارضة في البرلمان وفي المجالس البلدية، إلا أنه كانت محدودة بسبب عدم اعتماد هذا النمط بشكل كلي. لقد أراد الحزب الحاكم في عهد ولد الطايع أن تظل الجمعية الوطنية غرفة تسجيل وتصفيق وتمرير، لذلك ظل الانسداد السياسي يتكرس وتحول الواقع السياسي إلى أزمة مستمرة لم ينكشف غبارها إلا مع الإطاحة بهذا النظام صبيحة الخامس من أغسطس/ آب 2005.

وهكذا أجريت انتخابات تشريعية وبلدية سنة 2006 في ظل حكم المجلس العسكري، وقد عكست بصدق انتقالا ديمقراطيا تميز بمشاركة واسعة، فقد دخل جميع الفاعلين السياسيين المعترك الانتخابي بمختلف تلويناتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. كما كان الجهاز الإداري للدولة على نفس المسافة من الجميع، وتم، وهذا أمر مهم، تطبيق موسع لنمط الاقتراع التمثيلي النسبي. وقد انعكس ذلك على تركيبة الجمعية الوطنية وتركيبة مجلس الشيوخ والمجالس البلدية التي عكست كلها وبنسب متفاوتة ألوان المشهد السياسي الموريتاني.

ومع أن موريتانيا قد تجاوزت الأزمة السياسية التي عرفتها سنة 2009، والتي اقتصرت على مؤسسة رئاسة الجمهورية، فإن تشريعيات 2011 ستضع السياسي أمام رهان حاسم: فهل ستتم الاستفادة من أهمية اعتماد الاقتراع التمثيلي والتوسع فيه وما يفرضه ذلك من وجوب مراعاة مبدأ الاقتراع على أساس لائحي، وما يعنيه من الاستفادة من كل مزايا هذا المبدأ؟

مما لا شك فيه أن نمط الاقتراع التمثيلي النسبي سيقضي بتوزيع عادل للمقاعد بين المتنافسين كل بحسب ما حققه من أصوات، وربما أدى إلى تشكيل معارضة قوية في البرلمان وما يعنيه ذلك من وقوف في وجه سياسات الحكومة الخاطئة وطرق استعمال السلطة السيئ من طرف الجهة الحاكمة . كما سيؤدى إلى ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات خاصة وأن نسبة المشاركة في الاستحقاقات السابقة كثيرا ما اتسمت بالضعف بسبب شعور الناخب بأن صوته لا يؤثر في نتيجة الانتخابات المحسومة سلفا لخصمه القوي إذا كنا بصدد نظام الانتخاب بالأغلبية مطلقة كانت أو بسيطة.

الهوامش :

1راجع الدستور الموريتاني (دستور 1991): المادة: 26، وكذلك القانون الخاص بانتخاب رئيس الجمهورية: المادة 14.

  1. 2.راجع القانون الخاص بانتخاب مجلس الشيوخ رقم 029/1991، والمادة 47 من الدستور الموريتاني.
  2. 3.انظر ملف خاص عن الانتخابات الموريتانية بموقع الجزيرة نت:

http://aljazeera.net/NR/exeres/984A92E8-36C6-49C4-9B4E-229D7C646AB3.htm

4– راجعمحمد ضريف: أنماط الاقتراع ومتطلبات مرحلة الانتقال الديمقراطي من خلال الرابطhttp://www.maghress.com/alittihad/117051;jsessionid=F4D6CA07FBD4BAEBFD96523F1A736347

5 . نفس الإحالة السابقة.

المراجع:

1 – الدستور الموريتاني وبعض النصوص القانونية المتعلقة بالأحزاب والقوانين العضوية المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ وأعضاء المجالس البلدية.

2 – مقالة للباحث المغربي محمد ضريف بعنوان: أنماط الاقتراع ومتطلبات مرحلة الانتقال الديمقراطي. من خلال الرابط:

http://www.maghress.com/alittihad/117051;jsessionid=F4D6CA07FBD4BAEBFD96523F1A736347

3 – مدونة الباحث الموريتاني الدكتور محمدو بن محمد       dr-mohamedou.blogspot.com

وبها العديد من المقالات الجيدة والمفيدة عن السياسة الموريتانية.

4 – محمد سعيد بن أحمدو: موريتانيا بين الانتماء العربي والتوجه الأفريقي: دراسة في إشكالية الهوية السياسية 1960-1993، مركز دراسات الوحدة العربية، 2003.

5 – محمد الأمين ولد سيدي باب، مظاهر المشاركة السياسية في موريتانيا، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ايلول/ سبتمبر/ 2005.

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …