الرئيسية / العلاقات الدولية / التفاعلات الدولية / شبح آسيا: الصين والغرب والإسلام… التحدي والاستجابة
شبح آسيا: الصين والغرب والإسلام... التحدي والاستجابة
شبح آسيا: الصين والغرب والإسلام... التحدي والاستجابة

شبح آسيا: الصين والغرب والإسلام… التحدي والاستجابة

شبح آسيا: الصين والغرب والإسلام… التحدي والاستجابة

د. عقيل محفوض*

تتحدث الولايات المتحدة منذ بعض الوقت عن “خطر صيني” يتهدد نظام المعنى والقوة في العالم اليوم. هذا الكلام الأميركي صحيح وخاطئ في آن! صحيح بمعنى أن الولايات المتحدة تشعر بالفعل أن الصين تمثل تهديداً لمكانتها المهيمنة في النظام العالمي؛ وخاطئ، بل مضلل، بمعنى أن الصين لا تشكل تهديداً بل فرصة للعالم، وتقدم نموذجاً مختلفاً للقوة الكبرى ذات الاهتمام بأمن وتنمية العالم، وليس أمنها وتنميتها هي فحسب.

وفي الوقت الذي تحاول الصين فيه تقديم “بديل حضاري” للعالم، فإن الولايات المتحدة تستدعي ديناميات الحرب الباردة وسياسات الاحتواء لإجهاض بروز مشروع صيني بديل للعالم. كما أن التركيز المتزايد من قبل الغرب على إقليم شينجيانغ (وهونغ كونغ) هو نوع من الاستهداف/التهديد الأميركي المركب للصين، يحاول أن يضرب عدة أهداف بحجر واحد، إن أمكن التعبير، كما يتضح معنا في حيز  أخر من هذا التحليل.

 

شبح آسيا أو الحكمة الصينية

لعل أصل المشكلة بين الصين والولايات المتحدة، هو أن الأخيرة  تخشى من تأثير الصين المتزايد في العالم، ليس لجهة النزاع على قيادة نظام عالمي متأزم، وإنما لجهة أن الصين أخذت تمثل رؤية مختلفة للعالم، ومنوالاً للتنمية والأمن والاستقرار من خارج المنظور الأميركي أو الغربي أو الليبرالي.

هذا على الأقل ما كان قرأه الأميركيون من كلام الرئيس “شي جينبينغ” في مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني في تشرين الأول/أكتوبر 2017، متحدثاً عن “الحكمة الصينية”، وكيف أن العالم اليوم أمام “مقاربة صينية لحل المشكلات التي تواجه البشرية”.[1]

ثمة عولمة ذات طابع صيني أو توجه صيني لـ”قيادة العولمة”، ليس بالفرض أو الإكراه، وإنما بالقبول والتلقي، بل الطلب من قبل العالم. وثمة بالقطع مؤشرات أخرى كثيرة، منها: تَطَلُّع دول العالم إلى السياسات الحيوية وسياسات الصحة والدواء، وتجربة الصين في التصدي لجائحة كورونا، وبالطبع تجاربها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وبروز الصين قوة لا تجارى في القدرة على تولي مشروعات عالمية أكبر وتخصيص موارد هائلة للاستثمار في الخارج، مثل مبادرة “الطريق والحزام”، والأمن السيبراني، والصناعات ذات التكنولوجيا الفائقة.

الاحتواء

ما تحاوله الولايات المتحدة هو “إعادة إنتاج” سياسات الاحتواء الأميركية السابقة حيال الاتحاد السوفياتي، بالنظر إلى الصين بوصفها مصدر تهديد يجب التعاطي معه، بدراسة مصادر السلوك أو مصادر القوة، ونقاط الضعف، والسبل الممكنة للتغلب عليه. بكل ما يعنيه ذلك من “شيطنة” الخصم، وإجهاده بأزمات ومشكلات في الداخل والخارج، وتجفيف مصادر قوته، وشن حرب رمزية وثقافية وإعلامية وقيمية ضده، والأهم هو “عولمة السياسة” حياله و”عولمة العداء” له، أي جعل العالم يتعامل مع الخصم بوصفه مصدر تهديد له (العالم) أيضاً.

 

الحزام والطريق

مبادرة “الحزام والطريق” واحدة من استراتيجيات الصين حيال العالم،[2] وتمثل الدول الإسلامية جزءاً منها، وهي –كغيرها من المشاريع الصينية- لا تطرح الكثير من السياسة، ولا تتدخل في سياسات الدول الأخرى، ولا تطرح الكثير من الأسئلة، فضلاً عن أنها تركز على البنى التحتية ومشاريع التنمية الكبرى، وتخصص الكثير من الأموال لمشاريع رئيسة مثل الطرق والموانئ والإسكان والمناجم وقطاعات النقل والطاقة وغيرها.

إن تقدم مبادرة الحزام والطريق، سوف يجعل تدفق السلع والأفراد والأفكار أكثر سيولة، وسوف يتغير مسار التفاعلات الاقتصادية والتجارية في جزء كبير من العالم، ولهذا منعكس اجتماعي وثقافي وتنموي واسع النطاق، والأهم أن كل ذلك –كما سبقت الإشارة- غير محكوم باشتراطات سياسية تثقل كاهل المجتمعات والدول المشمولة. هذا تطور ثوري في نظم التفاعلات العالمية، يضع نظام الهيمنة الرأسمالي أو الليبرالي أمام تحديات غير مسبوقة.

 

 

ما يخص شينجيانغ

تربط الولايات المتحدة بين الإيغور وبين استراتيجياتها في آسيا والمحيط الهادئ، ضد الصين، هي استراتيجية التطويق بالأزمات والأعداء، التي تتمفصل مع استراتيجيات الإجهاد السياسي والحرب الاقتصادية والحرب الإعلامية، واستراتيجيات التغلغل والاختراق، بإثارة الاضطرابات في الداخل، ما أمكنها ذلك أو إن أمكنها ذلك، ارتباطاً بالجهاديين الصينيين أو الإيغور الذين ينشطون الآن في أفغانستان وسورية وغيرهما.

تقرأ الصين اهتمام الولايات المتحدة بإقليم شينجيانغ، باعتباره جزءاً من سياسات الاحتواء، وبؤرة احتدام وخلخلة داخلية، وصولاً إلى محاولة جعله “موطئ قدم” أميركية أو بؤرة استنزاف يمكن للولايات المتحدة من خلالها أن تضرب الصين، وتسيء لصورتها وقوتها وتماسكها الداخلي.

لا يغيب عن القارئ، تأثير المدارك والخبرة التاريخية لدى الصين حيال سياسة الولايات المتحدة ضد خصومها، مثل: تجرية “الجهاد الأفغاني” ضد السوفياتت، وتفكك السوفيتتي نفسه، والحرب السورية؛ وثمة بالطبع العديد من الأحداث والخبرات المرجعية والأطر الإرشادية التي تلعب دوراً في تأطير وتحديد وتعيين سياسة بكين في إقليم شينجيانع.

من ذلك مثلاً، أن شريحة في إقليم شينجيانغ، تقع تحت تأثير إيديولوجيا مناهضة، “تتمثل” أو “تستبطن” –بالمعنى السيكولوجي والقيمي- ما يريده مناهضو الصين وخاصة واشنطن، أي يتبنون أيديولوجيا مناهضة للدولة المركزية: أيديولوجيا دينية أو جهادية تكفيرية على غرار تنظيم القاعدة في أفغانستان وسورية والعراق الخ، وعرقية ذات طابع انفصالي، و”ليبرالية” بمعنى أنها مناهضة للشيوعية الصينية.

  • “الجهاد الصيني”!

الحديث عن “الجهاد الصيني” هو استعارة معدلة لتعبير “الجهاد الأفغاني”، بمعنى أن الجهاديين الإيغور ورقة تتهيأ واشنطن لتحريكها ضد الصين، كما تحركها ضد سورية، مثلما كان الجهاديون الأفغان ورقة واشنطن ضد الاتحاد السوفياتي.

ما تحاوله واشنطن هو احتواء او إعاقة مبادرة “الحزام والطريق”، بمحاولة تفجير أزمة في إقليم شينجيانغ، وبالطبع تفجير أزمات ونزاعات أخرى على طريق “طريق الحرير”، أو الاستثمار فيها أو إعادة تحريكها.

التفاعلات الاقتصادية والاستثمارية الصينية مع باكستان وإيران ودول الخليج العربية وغيرها، هي من المؤشرات الدالة على أن لا مشكلة مع الدين أو العرق أو القومية الخ، وليس لدى الصين مقاربة محض دينية أو مقاربة خاصة بالإسلام –بما هو دين وقيم روحية- لما يجري في إقليم شينجيانغ، إنما هي مقاربة تحرص على ألا يكون الدين أو الظاهرة الدينية عامل تفجير وتأزيم في الإقليم أو في علاقات الصين الدولية.

 

الاستجابة

أظهرت الصين مقدرة كبيرة على الاستجابة للتحديات المتزايدة في الداخل والخارج. وقد يكون إنجاز الصين الأهم، هو بقاؤها خارج خرائط وخطوط الاصطفافات والتحالفات الدولية، الأمر الذي مكّنها من أن تكون شريكاً نشطاً فعالاً مع أطراف وقوى هي في حالة عداء تقليدي لسنوات طويلة، وبأقل قدر ممكن من التوتر والاحتكاك السلبي مع فواعل النظام العالمي، الأمر الذي يتطلب من الصين خلق استجابات مركبة وبما أمكن من الفعالية:

  • الاستمرار في خط التنمية الداخلية، والتفاعلات الدولية، ومباشرة دور عالمي يتناسب مع إمكانات الصين ورؤيتها. وهذا يقتضي، ونحن هنا نأخذ عبارات للرئيس “شي جينبينغ”، “بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل بعمق”، و”ترسيخ الثقة الذاتية بالنظام السياسي”، وتعزيز التفاعل والوحدة بين القوميات الـ) في البلاد، من خلال المساواة والوحدة والحكم الذاتي، وحرية الاعتقاد الديني، وقانونية النشاطات الدينية، والاتحاد مع “الجماهير المؤمنة والجماهير غير المؤمنة”.
  • إذا واصلت الولايات المتحدة سياسات الاحتواء تجاه الصين، فمن المفترض بالأخيرة أن تقابل ذلك بنوع من “الاحتواء المعكوس”، بمعنى دراسة مصادر السلوك الأميركي ضد الصين، وتقصي نقاط الاستهداف ضد الصين، في الداخل والخارج، حتى لا تتمكن الولايات المتحدة من استغلالها.
  • مراجعة مدارك التهديد-الفرصة، وإعادة قراءة السياسات والاستراتيجيات، وتقدير السيناريوهات المحتملة في المواجهة بين الصين والولايات المتحدة، على جبهات ومستويات عديدة: جنوب شرق آسيا، التجارة، التكنولوجيا، الأمن السيبراني، سباق التسلح، الحرب الثقافية والإعلامية، تفجير مناطق توتر في الأطراف أو الجوار، والتطويق بالأزمات والخصوم والأعداء. 

 

خاتمة

أظهرت الصين اندفاعة غير مسبوقة في الاستجابة للتغيّرات المتزايدة في التفاعلات الدولية، وللتحديات المتزايدة أيضاً من قبل الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أنها لم تشأ أن تغيّر نمط الخطاب والفعل السياسي، إلا أنها أبدت حيوية نشطة بهذا الخصوص، وأنها مستعدة لـ”اتخاذ ما يلزم” من الإجراءات لضمان أمنها ومصالحها الاستراتيجية، بما في ذلك صورتها وتفاعلاتها ومكانتها ودورها المتزايد في النظام العالمي.

*أستاذ جامعي وباحث سوري.

 

[1] Elizabeth Economy,China’s New Revolution: The Reign of Xi Jinping”, Foreign Affairs, May/June, 2018. https://www.foreignaffairs.com/articles/china/2018-04-17/chinas-new-revolution

[2]  انظر مثلاً: كلام الرئيس الصيني شي جين بينغ حول المبادرة، في: شي جين بينغ، حول الإدارة والحكم، ج2، بيجين: دار النشر باللغات الاجنبية، 2018، ص515-573.

عن عقيل محفوض