التنافس الدولى والإقليمى فى منطقة القرن الإفريقى
مادة : تحليل السياسة الخارجية
ماجستير العلوم السياسية
مسار العلاقات السياسية الدولية
تحت إشراف:
د. محرز الحسينى
إعداد الباحث:
محمد رمضان
( مقدمة )
تعد منطقة القرن الإفريقى من أهم مناطق العالم الإستراتيجية، بسبب موقعها الجغرافى المترامى الأطراف، المسيطر على مدخل البحر الأحمر الجنوبى عند مضيق باب المندب، والمؤثر أيضاً فى مدخله الشمالى من جهة قناة السويس، لذلك فإن البحر الأحمر هو شريان الحياه الواصل بين أرجاء العالم أجمع، حلقة الوصل المحورية لسريان التجارة العالمية، علاوة على ذلك فإن البحر الأحمر له باع كبير من الناحية الإستراتيجية، إذ يعد صمام الأمن، الأمان والمحدد الرئيسى لإستقرار الدول العربية والإفريقية بصفة عامة ومصر بصفة خاصة، إذ يمثل أهم مصادر الدخل القومى لمصر ومرآة التجارة المصرية المنعكسة على العالم أجمع عن طريق قناة السويس، بالإضافة لما تخطط له مصر من أمال واعدة مستقبلاً فى المنطقة الإقتصادية الراسخة فى إقليم قناة السويس، ونتيجة للأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة سواء لمصر والعالم العربى، فقد تحتم علينا تتبع كافة التحديات والمخاطر الحافلة بهذه المنطقة، والتي على رأسها التنافس الدولي والإقليمي فى هذه المنطقة، وفى أبعاد التنافس مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى المتواجدة هناك مثل : إسرائيل و تركيا وإسرائيل من جهة، الولايات المتحدة الأمريكية و الصين من جهة أخرى.
أولاً : فى التعريف بمنطقة القرن الإفريقي :ـ
من ناحية أخرى، فقد تعددت التعريفات الخاصة بمنطقة القرن الإفريقى، إذ سُميت هذه المنطقة بهذا الأسم نظراً إلى إمتدادها داخل المياه بشكل يشبه قرن حيوان وحيد القرن، وكأنه يشق الماء إلى شطرين، الشطر الشمالى هو البحر الأحمر، والشطر الجنوبى هو المحيط الهندى، وهو يضم عدد من الدول تتمثل فى : ( إريتريا ـ إثيوبيا ـ الصومال ـ جيبوتى ـ السودان ـ كينيا ـ رواندا ـ بوروندى ـ تنزانيا ـ أوغندا )، وذلك فى ضوء إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية فى شرق ووسط أفريقيا، الأمر الذى يوضح أن مفهوم القرن الإفريقى أكثر عرضه لأن يتسع ويضيق طبقاً لسياسات الدول ومصالحها؛ إلا أن بعض الرؤى تفترض أن مصطلح القرن الإفريقى فى جوهره يعد مصطلحاً سياسىاً قد مر بعدد من المراحل، وأن مرحلته الأخيره لم تتشكل بعد؛ نتيجة لكم المصالح المتضاربة بين القوى الكبرى والإقليمية فى هذه المنطقة، ولكن فى كل الأحوال فإن دول القرن الإفريقى نفسها بإمكانيتها وقدراتها لا يمكنها تحديد الإطار المفاهيمى الواضح والمحدد لحدود وسياسات هذه المنطقة، بسبب عدم إستقرار الحدود السياسية لهذه الدول التى تمتلئ بالكثير من العرقيات المختلفة، ومن ثم فإن بعض الرؤى ترى هذا المسمى “القرن الإفريقى” مفهوم غامض ومتغير بفعل تغيرات البيئتين الدولية والإقليمية معاً، كما أنه مصطلح أكثر مرونه وقابل للتعديل فى أى وقت وفقاً لقدرات ومصالح القوى الكبرى .
ثانياً : الأهمية الإستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي :ـ
تحتوى منطقة القرن الإفريقى على الكثير من الثروات الطبيعية مثل : الذهب والنفط، كما تعد هذه المنطقة غنية بإحتياطيات ضخمة من المعادن المستخدمة فى الصناعات الثقيلة والنووية مثل : الكوبالت و اليورانيوم، بالإضافة إلى ذلك تطل منطقة القرن الإفريقى على عدة جزر لها أهمية إستراتيجية خطيرة كجزر “حنيش” الممتدة فى اليمن من جهه، أرخبيل “دهلك” الواقعه بالقرب من السواحل الإريترية من جهه أخرى، كل هذه الإمتيازات قد جعلت من منطقة القرن الإفريقى مطمح لكثير من الدول الكبرى لإقامة مشاريعها الإستغلالية هناك كالمشروع الأمريكى نفسه المعروم بإسم “القرن الإفريقى”، كما أن التوغل الإيرانى حالياً فى منطقة القرن الإفريقى ليس بالأمر الذى وجد صُدفةً، إذ أن هذا التواجد يقع ضمن بوتقة إيرانية حقيقة، مفاداها تحقيق حلم الهيمنة الفارسية على دول العالم الإسلامى والعربى، والذى لن ولم يتحقق إلا من ثنايا الدول الإفريقية التى تتوافر فيها كافة العناصر والآليات من الضعف والفقر والجوع، التى تجعل من هذه الدول الإفريقية أكثر عرضه للسيطرة الإيرانية عن طريق كافة الأدوات الدبلوماسية والإقتصادية والثقافية.
أيضاً، تنعم منطقة القرن الإفريقي بكميات كبيرة من النفط المكتشف حديثا في باطن أراضيها. ففي كينيا بدأ التنقيب عن البترول منذ عثرت شركة “تولو” البريطانية المتخصصة في الاستكشافات النفطية على النفط الخام في حوض لوكشار شمالي شرق كينيا في عام 2012، وبعدها توالت الإكتشافات النفطية الهامة، كما تعد إثيوبيا من الدول الواعدة إقتصاديا بعد إكتشاف العديد من الثروات الطبيعية الكامنة في أراضيها ومنها النفط الذي تم اكتشافه حديثا بشكل مفاجئ بعد أن كانت إثيوبيا من أكبر الدول استيرادا للبترول العربي لفترات طويلة، غير أنه ومع قدوم عام 2010 أعلنت إريتريا عن امتلاكها احتياطات ضخمة من النفط والغاز قبالة سواحلها بالبحر الأحمر، وفي عام 2015 بدأت الاستثمارات الدولية الكبرى للنفط الإريتري، حيث أعلن الاتحاد الاوروبي عن منحة قيمتها 200 مليون يورو لإريتريا بغرض تطوير قطاع الطاقة.
خلاصة القول : تثور مخاوف عديدة من الخبراء والباحثين مغبة استيلاء الجماعات الإرهابية المسلحة على هذه الثروة النفطية الكامنة فى هذه المنطقة للدرجة التي يطالب فيها البعض بتأجيل استخراج البترول لحين جاهزية الأجهزة الأمنية في هذه الدول لحماية الثروة القومية ولحين عودة الاستقرار السياسي لأغلب بلدان منطقة القرن الإفريقي . كما يخشى البعض من عدم وجود خبرة اقتصادية في التعامل مع هذه الثروة وتسويقها عالميا ويطالبون أصحاب صلاحيات عقد الإتفاقيات بالتأني في توقيع صفقات البيع والاستغلال بما يضمن تحقيق الاستفادة الكاملة للبلاد من ثرواتها النفطية، ولاشك أن النفط الإفريقي أصبح محل اهتمام عالمي خاصة في ظل ما يتمتع به من مزايا اقتصادية كبيرة منها وجود 40 نوعا من النفط الخام بالقارة السمراء وتميزها جميعا بجودة عالية، وهو ما يؤهل قارة إفريقيا لتبوأ مكانة اقتصادية واستراتيجية كبري .
ثالثاً : التنافس الدولى والإقليمى فى القرن الإفريقى :ـ
ظلت منطقة القرن الإفريقى محل إهتمام القوى الكبرى والإقليمية على مر التاريخ، حيث كان لعدة دول إستعمارية مناطق نفوذ ومستعمرات فى منطقة القرن الإفريقى، إلا أن الإهتمام بهذه المنطقة قد تزايد بشكل سريع للغاية؛ نتيجة لتفاقم الفوضى على الساحل الصومالى، حيث عمليات القرصنة للسفن العابرة من قبل بعض الجماعات المسلحة المتشددة، وهو مايشكل تهديداً جسيماً للتجارة العالمية الماره عبر هذه المنطقة، أيضاً زاد الإهتمام بهذه المنطقة عقب تمرد جماعة الحوثيين المواليه لإيران وأحد أهم أذرعها فى اليمن، التى تسعى لتطويق عدوها اللدود المتمثل فى الممكلة العربية السعودية من خلال الإستيلاء على اليمن، الأمر الذى أشعل لهيب الصراع فى منطقة القرن الإفريقى.
علاوة على ذلك فقد تزايد تنافس القوى الدولية : كالصين والولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، القوى الإقليمية : كإسرائيل وتركيا وإيران لإيجاد سبل لتعزيز نفوذهم السياسى والإقتصادى والعسكرى، ذلك على حساب بعضهم البعض فى منطقة القرن الإفريقى، من ثم فإن التنافس بين القوى الدولية والإقليمية قد برز فى منطقة القرن الإفريقى بعدة صور وأشكال، إلا أن أبرز هذه الأشكال قد تمثلت فى التنافس العسكرى و الإقتصادى على النحو التالى :
أـ القوى الدولية : الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، روسيا :ـ
اهتمت الولايات المتحدة الأمريكية بمنطقة القرن الإفريقى بشكل كبير فى وقت متأخر خاصة بعد أحداث 11سبتمر2001 التى هزت أركان المجتمع الأمريكى، الأمر الذى شكل بالأساس التغيرات فى إستراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية إزاء العالم كافة، منطقة القرن الإفريقى بصفة خاصة، ومن ثم فقد تم إستحداث مفهوم القرن الإفريقى الكبير الذى يضم عشرة دول إفريقية وفق الإستراتيجية الأمريكية الجديدة صوب شرق ووسط إفريقيا، إلا أن الإهتمام الأمريكى بهذه المنطقة يستند إلى عدة عوامل محددة لهذا المفهوم الواسع، تكمن فى إكتشافات النفط فى القرن الإفريقى، لكن الأوضاع السائدة داخل هذه المنطقة قد أثرت سلباً على المصالح الأمريكية، لا سيما عقب تفجير سفارتى الولايات المتحدة الأمريكية فى نيروبى(كينيا)، دار السلام(تنزانيا)عام1998، وبالتالى أعلن المسؤولون الأمريكيون إنشاء عدة قواعد عسكرية بغطاء شرعى قد تمثل فى عدة شعارات أهمها هى : الحرب على الأرهاب، إدارة أزمات المنطقة وتحسين حالة الأمن الغذائى فى القرن الأفريقى، ومن ثم فقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحسين علاقتها مع جيبوتى رغبة منها فى إستثمار موقعها الحيوى إقتصادياً، فأنشأت ” قاعدة ليمونيير “على أراضيها، إذ تمثل هذه القاعدة مدينة متكاملة الحياة،وأمتد عقد إيجار هذه القاعدة حتى عام 2025، أيضاً توجد بها القيادة العسكرية الأمريكية فى إفريقيا وهى ” أفريكوم ” ، وهى المسئولة عن متابعة وتنفيذ البرامج المتعلقة بالأمن والاستقرار فى القارة الإفريقية وعن العلاقات العسكرية مع كل دول القارة الإفريقية فيما عدا مصر .
علاوة على ما قد سبق، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ليست القوة الكبرى الوحيدة المتواجدة فى منطقة القرن الإفريقى، حيث هناك تواجد قوى ومنافس للولايات المتحدة فى هذه المنطقة متمثل فى الصين، التى تسعى إلى تطويق الأمريكان بسياج أمنى على رقعة “شطرنج العالم” لاسيما منطقة القرن الإفريقى، إذ دخلت أفريقيا حيز السباق على الهيمنة نظراً لإعتبارها أحد أهم وأغنى أقاليم العالم الجيوسياسية، فأصبح القوتين الدوليتين “الصين، الولايات المتحدة الأمريكية” متنافستين وبقوة فى القرن الإفريقى، إلا أن هذا التنافس ذات صبغة إقتصادية فى الأساس، فالصين تمتلك منطقة لوجيستية هامة فى جيبوتى، وهو ما تراه الولايات المتحدة أن هذه المنطقة ترتقى لقاعدة عسكرية فى جيبوتى منافسة لها، كما ترى الولايات المتحدة أن الصين تعمل على تطويق جيبوتى التى تعد من أحد أفقر بلدان العالم من خلال قروض صينية بالمليارات ومن خلال بناء تحالفات إستراتيجية مع حكومتها، وتعتبر واشنطن أت التمدد الصينى فى جيبوتى بلا شك يشكل خصماً من رصيد الولايات المتحدة فى منطقة القرن الإفريقى، فضلاً عن حرص الصين على التواجد العكسرى بهذه المنطقة عن طريق وحداتها البحرية المتواجدة فى خليج عدن لتأمين قوافل التجارة البحرية الماره به والبالغ عددها 6000 قافلة بحرية سنوياً، كما تعمل الصين حالياً على بناء خط سكك حديد سريع يربط بين جيبوتى والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وهو ما يعتبره الخبراء بمثابة رابط إستراتيجى مهم فى هذه المنطقة بإمكانه إشعال صراع جيبولتيكى فى القرن الإفريقى فى مواجهة القوى الإقليمية المتنافسة هناك .
في المقابل تقدم روسيا نفسها لدول القرن الإفريقي على أنها شريك لا يمكن الاستغناء عنه في المنطقة، ومن هنا، تمثل التحركات الرُّوسِيَّة في المنطقة تحديًا بالنسبة لإعادة صياغة النفوذ الجيوسياسي في منطقة البحر الأحمر؛ حيث ترتبط تحركاتها في المنطقة بسعيها الحثيث إلى خلق نظام دولي متعدِّد القُطبية، يهدف إلى مواجهة تأثير القوى الدَّوليَّة في مناطق الصراع على النفوذ، ومنها إفريقيا، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما يدفع الروس إلى محاولة احتضان عددٍ من دول المنطقة مثل السودان وإريتريا، باعتبارهما مدخلاً مهمًّا إلى إفريقيا، وللتواجد بشكل مكثف في القرن الإفريقي، مستغلة في ذلك التراجع الأمريكي في المنطقة عقب فوز ترامب لتوسيع هامش المناورة من منطقة الشرق الأوسط إلى إفريقيا .
ب ـ القوى الإقليمية : إسرائيل ، تركيا ، إيران :ـ
تخوض تركيا وإيران وإسرائيل سباقاً من أجل تكثيف نفوذهم فى منطقة القرن الإفريقى، حيث تعمل إسرائيل على تعزيز تواجدها فى المنطقة، فوجدت ملاذها فى إثيوبيا منذ ستينات القرن الماضى من خلال إقامة علاقات أمنية، عسكرية وإقتصادية وبسط نفوذ تجارى وإستثمارى لها فى هذه المنطقة، كما تتواجد إسرائيل فى جزيرتى “دهلك ، فاطمة” الإريتريتين، ومن ثم بإمكانها بناء مراكز رصد لها على البحر الأحمر تسهتدف السعودية والسودان و اليمن، إلا أنها تقيم فى دهلك أكبر قاعدة بحرية لها خارج حدودها، على الجانب الأخر تسعى تركيا للتواجد فى العمق الإفريقى لتعزيز نشاطها الإقتصادى والسياسى ولتوسع نفوذها العسكرى، حيث تقيم تركيا مع إثيوبيا علاقات إقتصادية قوية للغاية، إذ تعد رابع أكبر شريك تجارى لأنقرة فى القارة السمراء، وتتلقى وحدها نحو2.5مليار دولار من إجمالى 6مليار دولار تستثمرها تركيا فى القارة، فى المقابل ينصب إهتمام تركيا الإنسانى والعسكرى كمزيج من الأداتين الناعمة والصلبة نحو الصومال، حيث بلغت المساعدات التركية الإنسانية والتقنية للصومال مايربو نحو 400مليار دولار، بالإضافة إلى حرصها على قيام قاعدة عسكرية وكلية عسكرية تابعة لها فى الصومال .
فى المقابل، نجد إيران تتبع سياسة نشطة فى أفريقيا بصفة عامة والقرن الإفريقى بصفة خاصة، من خلال شراكات إقتصادية وتحقيق إختراقات ثقافية والعمل على نشر التشيع، بجانب تعزيز وجودها العسكرى فى منطقة القرن الإفريقى، إذ تشير بعض التقارير إلى أنها تمكنت من بناء قاعدة بحرية عسكرية فى إريتريا، ومركز لتموين سفنها، إضافة لتدريبها عناصر من الحرس الثورى والمليشيات التابعة لها فى إريتريا، وأبرز دليل على ذلك هو العاصمة الإريترية أسمرة، التى تعد بمثابة حلقة وصل ودعم عسكرى للحوثيين فى اليمن ضد الشرعية والضغط على السعودية، مما جعل السعودية إستدعاء الرئيس الإريترى أكثر من مرة لتنسيق المواقف بين البلدين بخصوص مكافحة الإرهاب والقرصنة فى مضيق باب المندب، تطمح إيران بمرجعيتها الدينية الشيعية أن تكون القطب الإسلامى المهيمن على شئون الدول الإفريقية التى تحظى بأقليات مسلمة من خلال إستغلال بعض التنظيمات الإرهابية، لا سيما إريتريا فى هذا الصدد، حيث وجود “الحزب الإسلامى الإريترى للعدالة والتنمية” وهو الذراع السياسى للإخوان المسلمين فى إريتريا، وبالتالى ولاء هذا الحزب لجماعة الإخوان المسلمين هو فكرى أكثر منه تنظيمى، حيث تكمن خطورة الحزب فى إمكانيات قيام تحالفات بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين فى منطقة القرن الإفريقى بهدف حماية المصالح المشتركة فى مضيق باب المندب وتضيق الخناق على مصر عن طريق مدخل قناة السويس الجنوبى .
خامساً : تداعيات التنافس الدولي والإقليمي فى المنطقة على الأمن القومي العربى :ـ
تأمل كل دولة إلى تحقيق مشروعها السياسى فى المنطقة الشرق أوسطية كقوة سواء دولية أوإقليمية تسعى للهيمنة والسيطرة على النسق الإقليمى الجديد، وهو ما قد تبين من خلال الأنشطة التي تقوم بها كل الدول المتصارعة فى هذه المنطقة، لا سيما عقب ثورات الربيع العربى، التى هيأت الدور للإندفاع التركي والإسرائيلي نحو منطقة الشرق الأوسط بما فيها منطقة القرن الإفريقي، كما مهدت مثلاً للأذرع الإيرانية الإندفاع وبقوة نحوالإقليم الشرق أوسطى من جهه كما هو واضح فى العراق، سوريا، اليمن، لبنان والبحرين، والتواجد والهيمنة أيضاً فى منطقة القرن الإفريقى من جهه أخرى، ولذلك لتكوين وإستكمال الدوائر المفرغة من “الهلال الشيعى”، الذى لن ولم يكتمل إلا من خلال سيطرة إيران على الجانب الجنوبى من هذا الهلال على حساب دول منطقة القرن الإفريقى ومضيق باب المندب على وجه الخصوص، لتُنبذ بذلك الفتن والصراعات على أسس ثورية شيعية ضد الدول الإفريقية والعربية على حد السواء، الأمر الذى يشكل تهديد واضح وصريح للأمن القومى العربى والمصرى تحديداً، بما يتطلب إستراتيجيات تعاون جديدة وجدية فى كافة المجالات بين الدول العربية والإفريقية لتحجيم الصراعات المتغلغلة داخل منطقة القرن الإفريقى .
ولكن فى حقيقة الأمر، أن الإقليم الإفريقى يفتقد جدياً للمنظومة الجماعية أو حتى الفرعية لضمان الأمن فيه، إذ أن منظومة الأمن الجماعى فيه تقوم بتأمين الدول داخلياً وتدفع التهديد عنها خارجياً، بما يكفل لها الأمن والإستقرار، بشرط توافق المصالح، غايات وأهداف أطرافها، حيث كان من الممكن فى وقت سابق قيام منظومة عربية ـ إفريقية جماعية لحماية الأمن فى منطقة القرن الإفريقى، إلا أن الوضع الآن أصبح مُعقد للغاية لوجود أطراف إقليمية ودولية ذات مصالح متضاربة فى هذه المنطقة، على من ذلك فإن تكوين هذه المنظومة ليست بالأمر المستحيل؛ لضمان حماية بقاء وأمن وإستقرار الدول العربية والإفريقية معاً .
وبناء على ما قد تقدم، فإن منطقة القرن الإفريقى تمثل بالنسبة للأمن القومى المصرى أهمية الإستراتيجية خطيرة، حيث تضم المنطقة أهم منابع نهر النيل، الذى يعد شريان الحياة لمصر والمصريين، حيث تعد إثيوبيا أحد أهم منابع نهر النيل بنسبة 86% بالنسبة لمصر من إجمالى المياه الواردة إلى مصر من دول حوض النيل جميعاً، مما يضعها على رأس قائمة أولويات السياسة المصرية، أيضاً من ناحية أخرى، يمثل البحر الأحمر أهمية كبرى للأمن القومى المصرى، إذ يمثل حلقة الوصل لمصر إتجاه إفريقيا وآسيا، ويتميز بأهمية جيوبوليتيكية لما يحتويه من موانئ بحرية وإطلاله على طرق الملاحة البحرية للتجارة الدولية، وبالتالى تأمينه مسألة حياة للمصريين والعرب، حيث لا حياة للعرب بدون أمن مصر، ولذلك وجب على العرب توحيد الصفوف وتكوين تكتلات عسكرية وإقتصادية لتأمين هذه المنطقة من أى تهديد لها على غرار التهديد الإيرانى لهم عند مضيق باب المندب، كما يجب التركيز على إيجاد حلول سلمية وجذرية للأزمات والمشاكل الإفريقية كما هو الحال فى الصومال، إريتريا، اليمن، أثيوبيا، والسعى لإستخدام مصر والدول العربية القوة الناعمة المتمثلة فى التقارب الإنسانى، وهو ما يشكل أهم نقاط القوة فى الإنسان العربى بوجه عام والمصرى بوجه خاص، إن كان هناك صعوبة فى التواجد والتنافس مع القزى الدولية والإقليمية الأخرى فى هذه المنطقة بالأدوات والآليات العسكرية والإقتصادية فى منطقة القرن الإفريقى .