الرئيسية / النظم السياسية / الأحزاب والجماعات / “سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية” دراسة نقدية 
"سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية" دراسة نقدية  "مترجم"
"سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية" دراسة نقدية  "مترجم"

“سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية” دراسة نقدية 

“سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية” دراسة نقدية 

  فرانسوا ديبو

Francois Dubet

من دراسة الدكتور عبد الرحيم العطري
سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية. مجلة إضافات، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 13، 2011.

 

التعريف بالمؤلف:-

Dubet، من مواليد 23 مايو 1946 في بيريجو، هو عالم الاجتماع الفرنسي ، الاستاذ في جامعة بوردو الثاني ومدير الدراسات في مدرسة قصر دراسات العليا للعلوم الاجتماعية (EHESS). وهو مؤلف العديد من الكتب حول الشباب والهامشية والمدارس والمؤسسات، وأدى تطوير التقرير الكلي لعام 2000 المقدم إلى الوزير المسؤول عن التعليم في المدارس في عام 1999 [1 ].

 

له العديد من المساهمات في علم الاجتماع [العدل] كانت الفكرة الرئيسية ، وضعت على نطاق واسع في العديد من مؤلفاته (علم الاجتماع من التجربة ، في المدرسة ، ما المجتمع الذي نعيشه ، وتراجع للمؤسسة) ورثت من علم الاجتماع آلان تورين ، يتم تفكيك الشكل المؤسسي. لDubet ، كانت الحداثة إنشاء المؤسسات والأجهزة السياسية التي نظمت الأطر المعرفية الممكنة .

المدرسة والشامل الجدارة [عدل] Dubet أعتقد التعليم في فرنسا في مطلع القرن الحالي ، هو نظام “لتصنيع الاستبعاد” [2]. قال انه يرى أن درجة ينبغي أن تكون أكثر من حق النتيجة من السيطرة على التعليم الأكاديمي ، ويجري محفوظة المؤهلات ، أقلية فقط يمكن تحقيق التميز. [3]

وعين عضو بارز في معهد فرنسا في عام 1991 لمدة خمس سنوات [4] ، جددت في عام 1996 [5].

كان عضوا في فريق الخبراء لإعادة تصميم البرنامج الثاني للعلوم الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها جزءا من الإصلاح المنشود في المدرسة الثانوية من قبل وزير التربية والتعليم ، لوك شاتيل. استقال بعد صدور البرنامج المذكور ، وأثارت ردود فعل قوية في أوساط المعلمين.

 

مقدمة:

يمكن اعتبار زمن مابعد الحرب العالمية الثانية نقطة البدء فى مسار الدرس المعرفى للحركات الاجتماعية فقد عرفت السنوات الأولى لما بعد الحرب احتداما قويا للنقاش السوسيولوجى والسياسي بشأن تفسير الفعل الاحتجاجى الذى تمارسه هذه الحركات.

ان البحث فى تاريخ الحركة الاجتماعية سيقود حتما نحو البدء الانسانى وتحديدا نحو مختلف الحركات الاحتجاجية التى عرفتها المجتمعات الانسانية فى الأزمنة القديمة فالحركة الاجتماعية فى بعدها الاحتجاجى تعد ممارسة قديمة فى التاريخ البشرى، الا ان استعمالها كمفهوم نظرى يظل حديثا فقد كان على قارئى اللحظات التاريخية الاحتجاجية ان ينتظروا سنة 1842 لينحت لورينز فون ستاين مصطلح الحركة الاجتماعية للدلالة على اشكال وصيغ الاحتجاج الانسانى الرامية الى التغيير واعادة البناء.

فالتاريخ البشرى يعج بالكثير من الحركات الاجتماعية الباصمة لمسارات من التحول والتجاوز، التى لا يمكن القفز عليها بأى حال من الاحوال فى سياقات سوسيولوجية اللواقعة الاحتماعية.ذلك ان ثورة الغبيد بقيادة سبارتاكوس ضد سلطة روما وغيرها من ثورات الفلاحين والعمال والنساء فى القرون الاخيرة تؤشر كلها على حركات اجتماعية يراد من ورائها صوغ مجتمعية جديدة وبناء أسلوب حياة مختلف عما سبق ومع ذلك تظل القرون الثلاثة الاخيرة من التاريخ الانسانى من اقوى اللحظات التى مهدت لصياغة المفهوم الجديد للحركات الاجتماعية، وذلك اعتبارا على ماعرفته من ثورات مهمة وحاسمة لقد كانت الثورة الانكليزية سنة 1698 والثورة الامريكية سنة 1776 والثورة الفرنسية سنة 1789 والثورة البلشفية سنة 1917 ثورات ساهمت بمقدار ما فى تجذير الفعل الاحتجاجى وتطوير اشكاله وممارساته وجعله وهو الأهم ،مثار تساؤلات معرفية من قارات علمية متعددة.

 

لقد غدت الحركات الاجتماعية موضوعا للدرس والتخليل، ينشغل به الكثيرون من اهل العلوم الانسانية بهدف فهم شروط انتاجها وسيرورتها ومألها، فأهل التاريخ والسياسة وعلم النفس وعلم الاجتماع حاولوا جميعا من داخل اقتراباتهم ان يحللوا هذة الحركات ويقدموا الاجابات الممكنة عنها.

 

أولا: من المفهوم الى النظرية:

بالرغم من الحضور القوى الذى باتت تسجله الحركات الاجتماعية فى مختلف الأنساق الاجنماعية والسياسية فإن ايجاد مفهوم دقيق موحد لها مازال بعيدا والنتيجة هى طبعا تعارف غير نهائية تؤسس اختلافاتها وتناقضها أحيانا على خلفية الأطر المعرفية والتوجهات الايديولوجية وهو مايفضى فى نهاية الأمر الى ضبابية فى الرؤية وفى تقدير حجم وطبيعة الكثير من الحركات الاجتماعية.

 

ان التباس المفهوم يثير من ناحية ثانية اشكالية اخرى على مستوى القراءة والنمذجة ففى اى سياق يمكن تفكيك الحركات الاجتماعية الاحتجاجية ووفق اى منظور او توجه سياسي وايديولوجى يمكن تحليلها خصوصا ان التراكم المعرفى الذى تحقق فى هذا الباب ل لم يسلم كثيرا من ثقل الايديولوجيا فالحركات الاجتماعية ظلت لزمن بعيد أسيرة فهم مصطبغ برهانات الصراع الدائرة قبلا بين المعسكرين الشرقى والغربى، بما يقيد فى انتاج قراءات ماركسية أكثر انتصارا للحركات الاجتماعية باعتبارها صراعا طبقيا وجسرا نحو التغيير، وأخرى رأسمالية لا تري فيها الا عدوا احتياطيا يتوجب التخلص منه فى اقرب فرصة تتيحها شروط التاريخ، بل ات تحليل الحركات الاجتماعية فى الادبيات الفرانكوانية ظل الى حدود السبعينات مرتبطا بالمقاربة الماركسية.

 

ان التاريخ العلمى للحركات الاحتماعية لم يتأسس بمعزل عن الصراعات الدائرة فى المجتمعات الانسانية ولا يمكنه اطلاقا ان يكون منفصلا عنها مادامت هذة الحركات تدل فى الأصل على الصراع الذى يعنى كل تعارض بين الأفراد والجماعات من حيث القيم والمصالح فالصراع يعد من أبعاد الحركة الاجتماعية فى شكلها الاحتجاجى القائم أصلا على الرفض ونشد التغيير.

 

ويشير بلومر الى أن الحركة الاجتماعية هى ذلك الجهد الجماعى الرامى الى تغيير طابع العلاقات الاجتماعية المستقرة فى مجتمع معين. فالحركات الاجتماعية هى فى نظره مشاريع جماعية تستهدف إقامة نظام جديد للحياة، وتستند الى احساس بعدم الرضا عن النمط السائد، والرغبة فى اقامة نسق جديد” والرغبة فى اقامة نسق جديد والشرط المؤسس لأية حركة اجتماعية يظل مرتبطا بفعل التغيير المستمر ” كتحول فى الزمان يلحق بطريقة لا تكون عابرة بنية وصيرورة النظام الاجتماعى، لمعرفة مايعدل او يحول مجرى تاريخها”، والحركة الاجتماعية لا تكتس شرعية الوجود إلا اذا جعلت التغيير شرطا وجوديا لها، وإلا سقطت عنها عناصر المعنى.

 

وفضلا عن هاجس التغيير، يحضر فى تعريف الحركة الاجتماعية عنصرا أخر لا يقل اهمية عن سابقه، وهو بالضبط عنصر الاستمرارية؛ فقاموس علم الاجتماع لغولد وكولب يؤكد أنها جهود مستمرة لجماعة اجتماعية تهدف الى تحقيق أهداف مشتركة لجميع الأعضاء، فالفعل المستمر هو الذى يؤهل الممارسة الاحتجاجية الى الأنتماء مفاهيميا الى الحركة الاجتماعية كجهود منظمة وغير عابرة ، ينتفى فيه الواقع ويتأسس فيه اخر. لهذا يؤكد فرانسوا شازل ان الحركة الاجتماعية هى بمثابة “فعل جماعى للاحتجاج بهدف اقرار تغييرات فى البيئة الاجتماعية أو السياسية”، فالأمر يتعلق ب” جهود منظمة يبذلها عدد من الناس بهدف التغيير أو مقاومة التغيير فى المجتمع”.

 

إن الحركة الاجتماعية تفترض درجة معينة من التنظيم لبلوغ هدف التغيير والتجاوز، وهذا مايلح عليه غي روشى مبرزا ” أنها تنظيم مهيكل ومحدد، له هدف علني يكمن فى جمع بعض الأفراد للدفاع عن قضايا محددة” وهذا مايقود الى الاعتراف مرة أخرى بحساسية عنصر القضية الموجبة والمولدة للحركة الاجتماعية؛ فكل حركة تعمل من أجل قضية معينة، وتحتج اساسا من أجلها. ومنه يمكن الأنتهاء الى أن الحركة الاجتماعية لا تكتسب مبناها ومعناها بعيدا عن الحد الأدنى من التنظيم ووضوح الأهداف وشرط القضية، وقبلا وجود جماعة تؤطرها قيم ومعايير تتحقق حولها درجة من الأجماع.

 

أن تعريف الحركة الاجتماعية يثير الكثير من الاختلافات، تبعا لتعدد المقاربات والمنطلقات النظرية والمنهجية ، إلا أن الاختلاف لا يبدو محتدما حول تحديد خصائصها المحتملة ، بالرغم من مجمل النقاش الذي أأثير حول نحت مفهوم موحد وواضح للحركة الاجتماعية . فأغلب التعاريف تؤكد أن الأمر متصل بجهود جماعية مقصود لأفراد ذوي أهداف محددة يسعون إلي تحقيقها بمقاربة جماعية مقصودة لأفراد ذوي أهداف محددة يسعون إلي تحقيقها بمقاربة جماعية ، وأن الأمر يتصل أيضا بوجود معايير مقبولة اجتماعيا ومن الممكن أن يتحقق في صددها نوع من الإجماع في شكل تضامن وتأييد مطلق أو تعاطف نسبي . كما تتميز الحركات الاجتماعية في غالبيتها بالإدارة الواعية للأعضاء علي اعتبار أن التغيير يفترض بداهة درجة معينة من الوعي بالحاجات والمطالب ، هذا بالإضافة إلي وجود حد أدني من التنظيم كخصيصة مميزة للحركة الاجتماعية .

أن الصعوبات التي يطرحها التعريف تبرر إلي حد ما إتساع دوائر النقاش المعرفي الذي أثير حول الحركات الاجتماعية منذ منتصف القرن العشرين ، وذلك أن أنظار الباحثين من علوم مختلفة اتجهت نحو تحليل الأفراد والجماعات التي تخرج محتجة ومطالبة بالتغيير في شكل مظاهرات وانتفاضات وحركة تمرد وحكات احتجاج أخري أكثر تنظيما وتأثيراً . وفي هذا الإطار ، يمكن الإشارة إلي النتائج الأولي التي قدمها علم الإجرام الذي أنشغل باحثوه الإيطاليون بظاهرة ” الجماهير المجرمة ” التي تمارس هذه الأفعال الاحتجاجية ، مؤكدين أنه تعبير ينسحب علي ” جميع الحركات الاجتماعية والمجموعات السياسية ، من الفوضويين إلي الاشتراكيين ، وبالطبع العمال وهم في حالة الإضراب عن العمل أو التجمعات الحاصلة في الشوارع ( لوبون ، 1977 : 28 ) .

أن تفسيراً كهذا الذي يقدمه علم الإجرام الإيطالي لا يخلو من توظيف سياسي وأيدولوجي ، ذلك أنه يعلن ضمنا وعلنا الإنتصار لمقولات الاستقرار السياسي والسلم الإجتماعي بدلاً من التفكير في الظاهرة كمؤشر علي الاختلال والصراع الإجتماعي بين مكونات المجتمع . وهكذا ، وفي حماة الصراع الأيديولوجي ، سيظهر الكثير من الأطروحات الماركسية التي تجعل من الحركات الاجتماعية المحرك الفعلي للتاريخ ، مزيلة عنها تهمة ” الجريمة ” ومدرجة إياها في الشروط الموضوعية لبناء المجتمع الاشتراكي.

فهذه روزا لوكسمبورغ (R.LUXMEBOURG) تقول إن “الحركات الشعبية ناجمة عن قوة طبيعية تجد منبعها في الطابع الطبقي للمجتمع العصري” فالأمر لا يتعلق بجماهير مجرمة ، بل بنتائج موضوعي لفضول من الاستغلال والتوزيع غير العادل للثروات.

لقد تعذر التمكن المعرفي والموضوعي من الحركات الاجتماعية، وذلك في سياق الصراع الأيديولوجي الدائر بين معسكر شرقي منتصر للاشتراكية، ومتمثل لهذه الحركات كفعل تاريخي حاسم، ومعسكر غربي مؤمن بالرأسمالية أفقاً ومعتبر هذه الحركات دليلاً علي إخفاقات السلم الإجتماعي والاستقرار السياسي. إلا أن بالرغم من ذلك. فقد تواصلت المقاربات والتحليلات التي تصر علي التحرر من ثقل الإيدلوجيا في الفهم والتفسير، أملاً بإنتاج مقاربات موضوعية لهذه الحركات ، كأشكال ومضامين اجتماعية تعبر عن فاعلية إنسانية لتغيير الواقع والمواقع والمصالح .

وبالنظر إلي حساسية وأهمية الحركات الإجتماعية في صوغ التغيير ، أو علي الأقل في التعبير عنه . فإنها ستصير مدخلاً أثيراً إلي قراءة الأفراد والجماعات ، واكتشاف العديد من النتائج التي تخص الديناميات الأكثر تعقيداً . لهذا سيحرص غستاف لون ( G.LOPPON ) من داخل علم النفس الإجتماعي علي التفكير علمياً في سيكولوجية الجماهير مقدما الملامح والشروط والأشكال والظواهر التي تحدد الفعل الجماعي .

ولن يتوقف الأمر عند الدرس السيكولوجي ، بل سيتعداه إلي الجغرافيا والتهيئة الحضرية . ففي بحر الستينيات ، وفي إثر النقاشات التي تعالت حول تهيئة وإعداد التراب ، وذلك من أجل محو وتجاوز الإختلالات البنيوية العميقة بين الجهات ، سيجد أهل الجغرافيا الحضرية والتنمية المحلية أنفسهم دعويين إلي تأمل الانتفاضات الحضرية والقروية لتحليل أسبابها وسياقاتها ، مقدمين بذلك العديد من المقاربات التي تؤكد أن التهميش السكني والمجالي عامل مركزي في إنتاج الفعل الاحتجاجي ، فالحركات الاجتماعية ، وفقاً لهذا البراديغم ، يتوجب النظر إليها في أطار جدل المركز والهامشي ، حيث يسود الاختلال وتنفرط إمكانيات الضبط الإجتماعي ، وتحل الفوضى مكان الاتساق والتوازن .

وستكون الحركات الإجتماعية أيضا محط اهتمام أهل السياسة والتاريخ ، وستصير أفقا للاشتغال في العلوم السياسية ، ولفهم الحركات السياسية والنقابية الكبرى والزعامات والتحالفات وجماعات الضغط ، مثلما سيواصل المؤرخون ، كما العادة ، توثيق الانعطافات المفصلية في تاريخ الشعوب التي تكون الحركات الاجتماعية منتجة لها . إذا كان علم السياسة يلح في تحليله لهذه الحركات علي الصراع السياسي من أجل الوصول إلي دفة التدبير وصناعة القرار ، فإن التاريخ يقدم نفسه كعلم ومنهج قادر علي التقاط تفاصيل الحركات الإجتماعية وتوثيق سيرواتها في اتصال مع التحولات التي يجيش بها مجموع النسق .

وإنطلاقا من النتائج التي اهتدت إليها هذه المعارف ، وبالنظر إلي أولويات الممارسة السوسيولوجية كمعرفة تهفو إلي الفهم ستجد السوسيولوجيا ، ومنذ أوساط القرن الفائت مدعوة إلي تأسيس فرع جديد يهتم بفهم الحركات الإجتماعية ، فثمة مبررات موضوعية عدة توجب هذه الانشغال وتزيد من ضرورته . فالحركات الإجتماعية تندرج ضمن صلب الاهتمام المعرفي في للسوسيولوجيا ، كما أنها تعد مفتتحاً نوعيا لتحليل ظواهر أخري يطرحها النسق الإجتماعي في أطار سياقات التقاطع التوازي ، التي تعبر عنها الواقائع الإجتماعية هذا بالإضافة إلي ” عسر المعني ” الذي تنطوي عليه هذه الحركات كممارسات دالة علي الأزمة والإختلال في كثر من الأحيان .

لقد كانت الحاجة ومازالت علي سوسيولوجيا الحركات الإجتماعية كمعرفة قادرة علي الإجابة عن مختلف القضايا والإسئلة التي يثيرها الإحتجاج الإجتماعي مفع ثلة من أهل السوسيولوجيا في القرن العشرين سينطلق البدء السوسيولوجي في تشريح ظاهرة الحركات الإجتماعية وتفكيكها وستتسع مساحات الإنشغال ، مثلما ستعدد المقاربات والتحيليلات ، وستلوح في إثر ذلك أسماء باحثين سخروا جانبا مهما من جهودهم العملية لدراسة هذه الحركات .

أن هذه السوسيولوجيا تقدم نفسها اليوم كتخصص معرفي يهتم بدراسة وتحليل الحركات الإجتماعية كتاريخ  اجتماعي ، وكصراع دائر بين مكونات النسق وكدينامية إنسانية يشارك في صنعها الأفراد ولاجتماعات . فتاريخ الحركات الإجتماعية وديناميتها المفتوحة علي الصراع الإجتماعي يعد هدفا حيوياً للدرس السوسيولوجي ، الذي يستوجب التركيز علي النشأة والإمداد وأشكال وصيغ التعبير والإعلان عن نفسها وكذا قنوات الإيصال أو الإنفصال عن المحيط ولنسق العام ، فضلاً علي مآلاتها المتصلة بالتغيير أو الفضل في بلوغه .

إن الحركات الإجتماعية تفترض دوما انبناء محاولات قصديه للتدخل في مسارات التغيير الإجتماعي ، وهذا ما يجعل منها موضوعا متعدد الأبعاد في خارطة البحث السوسيولوجي ، اعتبارا لاتصالات وتقاطعات التغيير الإجتماعي مع كثير من الحالات والوقائع الإجتماعية التي يجيش بها المجتمع ، بل ويجعل منها موضوعا بنيويا لا يمكن الاشتغال عليه سوسيولوجيا إلا بالإعتماد مقاربة تركيبية تستثمر تقنيات ومناهج شتي ، وتتوصل نظريات ونتائج من قارات عملية متعددة ، وصولا إلي درجة متقدمة من الفهم والتفكيك فالحركات الإجتماعية في مطلق الأحول لا تنشأ من فراغ ، وإنما تجد جذورا لها في النسق المجتمعي الذي تنمو فيه ، وهو ما يتطلب بناء مقاربات أكثر أصالة وعمقا في أثناء التحليل السوسيولوجي لها وهكذا يمكن عند بناء الموضوع السوسيولوجي للحركات الإجتماعي التمييز بين ثلاثة مستويات من الاشتغال ، فهناك البعد التنظيمي ، والبعد الخطابي ، فضلاً عن سؤال المال كبعد أخر في مسارات الانشغال العملي بهذه الحركات .

فكل حركة اجتماعية تتطلب حد أدني من التنظيم ، مع ما يستتبع هذا التنظيم من آليات وقواعد للسلوك والتدبير والتعبير ، وهي محددات أساسية للبنية التحتية للفعل الاحتجاجي . كما لا يمكن إطلاقا أن نتصور حركة اجتماعية بلا خطاب مؤطر وموجه لفكرة الاحتجاج فالخطاب يعبر عن البنية الفوقية للحركة الإجتماعية في حين يمكن اعتبار البحث في المآل سؤالاً مفصلياً في دراسة هذه الحركات لكونه يدل من خلال التفكير علي المبني والمعني المفترضين لها .

أنها أكثر الأسئلة أهمية وحساسية في مطبخ سوسيولوجيا الحركات الإجتماعية ، وهي الأكثر حضورا في التعاطي المعرفي مع أشكال الاحتجاج ؛ أنها العناوين الكبرى لانشغالات هذه السوسيولوجيا التي صارت الحاجة إليها ملحة جدا في زمن الاحتجاج والاحتقان محلياً وعالميا ولكن بالنظر إلي مجموع التراكمات الحاصلة في درس هذه الحركات ، هل يمكن الحديث عن تأصيل نموذج نظري للفهم والتفسير ؟ وهل هناك نظرية / نظريات عامة للحركات الإجتماعية ؟ أم أن الأمر مازال حتي الآن متعلقاً بجهود متفرقة تحاول ، كل من منطلقاتها ، أن تؤسس لفهم سوسيولوجي خاص لها ؟

بالرغم من جدة التعاطي العملي مع موضوع الحركات الاجتماعية ، فقد تمكن من الباحثين من بناء نظريات قائمة الذات والسؤال للتفكير فيها وتقديم خلاصات بشأنها وفي هذا السياق يمكن التمييز بين النظريات الأربع التالية :

1- نظرية السلوك الجماعي ، وهي تعود إلي سنوات البدء في دراسة وتحليل الحركات الإجتماعية ، أي إلي سنوات الأربعينيات والخمسينات من القرن العشرين ( etiene (et al ) ) وتدين هذه النظرية بالكثير لمدرسة شيكاكو
(NEVEU  ) ( 41 ، وأساسا لبارك ( PARK ) ومن بعده بلومر ، كما تدين لبعض الوظفيين من أمثال سمسلر ( SMELSER  ) وبعض الباحثين القريبين من علم النفس الإجتماعي ، مثل غوك ( GURR ) وتستند في تفسيرها للحركات الإجتماعية إلي خلاصات علم النفس الإجتماعي  وسيكولوجية الجماهير . وتربط هذه النظرية ميلاد الحركات الإجتماعية بحدوث مظاهرات وأشكال من الهستريا الجماعية ، حيث تنتقل العدوي الجماعية التي تجعل الفرد منساباً مع السلوك الاندفاعي ، بمعني أن الحركات الاجتماعية ، وفقاً لهذا الفهم ، تنطوي علي ردود أفعال ليست بالضرورة منطقية تماما في مواجهة ظروف غير طبيعة من التوتر الهيكلي بين المؤسسات الإجتماعية الأساسية ويؤكد أنصار هذه النظرية المسار الأنحرافي الذي قد يسير فيه الحركة الإجتماعية ، أي من الممكن أن تحتمل في مستقبلها ملامح الخطورة تماما كما هو الأمر بالنسبة إلي الحركات الفاشية في ألمانيا وإيطاليا . كما يصرون علي اعتبارها انعكسا لمجتمع مريض ، حيث لا تحتاج المجتمعات الصحية إلي حركات اجتماعية بل تتضمن أشكالاً من المشاركة السياسية والاجتماعية .

2- نظرية تعبئة الموارد ، التي تبلورت في الستينيات من القرن الفائت ارتكانا علي فهم خاص يبحث في انبناء الحركات الإجتماعية وآليات تدبيرها وتشكلها بواسطة الموراد الاقتصادية والسياسية والتواصلية ، التي تتوافر للأفراد والجماعة المنخرطة في الفعل الاحتجاجي ، بدون إغفال القدرة علي استعمال  هذه الموارد . وقد ظهرت الإرهاصات الأولي لهذه النظرية في أمريكا ([1]) في سياق البحث عن إطار تحليلي للحركات الإجتماعية ، خصوصاً مع تنامي الحركات النسائية وحركات السود والمدافعين عن البيئة . ويعد أوبرشال
( Oberschal ) وغامسون ( Gamson  ) وتيلي وماركاثي زالد
( M.zaid ) من ابرز منظري هذه الاتجاه ( neveu,2002:52 ) ويعتقد أصحاب هذه النظرية أن الحركات الإجتماعية هي إستجابات منطقية لمواقف وإمكانيات طرأت حديثاً في المجتمع ، وعليه لا يتوجب إعتبارها مؤشرات للإختلال الإجتماعي ، بل هي مظهر من مظاهر الفاعلية الإجتماعية ومكون بنيوي من العملية السياسية . لهذا تعير هذه النظرية جنباً كبيراً من الإهتمام للعلائق القائمة بين هذه الحركات والقضايا السياسية المثارة في النسق المجتمعي لإكتشاف جدول التأثير والتأثر بين الإحتجاجي والسياسي .

3- نظرية الحركة الإجتماعية الجديدة : لقد تم تأصيل هذه النظرية في أوربا لتبرير مجموعة من الحركات الجديدة ([2]) التي عرفتها الستينات والسبعينات من القرن الماضي كما أنها طورت مع فريق ([3]) آلان تورين في فرنسا ،والبرتو ميلوتسي ( A.melluci ) في إيطاليا ، وكلوس أوف ( C.offe) في ألمانيا ، وكريسي ( kriesi ) في سويسرا ، وكلانديرمانس
( klandermans ) وتارد رايتشمان ( T.Reichman ) وكوبمانس
( Koopmans ) وفرنانديز ( Fernandez) في أسبانيا
( Neve ,2002:66 ) وتتمثل هذه النظرية الحركات الإجتماعية كفعل اجتماعي عاكس لتناقضات المجتمع الحديث بسبب العولمة النيوليبرالية والبيروقراطية المفرطة ، كما أنها أيضا تختزن الحلول الممكنة لجميع هذه الإعطاب والتناقضات . ويتم التشديد دوما في إطار هذه النظرية علي الاختلافات القائمة بين الحركات الإجتماعية القديمة والأخرى الجديدة ، التي تؤشر علي الانتقال من الدفاع عن المصالح الطبقية إلي الدفاع عن المصالح الغير طبقية المتعلقة بالصالح الإنسانية الكونية وهو ما يعتبر ، حسب منظري هذه المقاربة ، عن أن هذه الحركات الإجتماعية الجديدة تهتم أكثر بتطوير الهوية الجماعية والمراهنة عن الطبقة المتوسطة بدلاً من الطبقة العاملة .

4- براديغم الفعل / الهوية : تعتبر هذه النظرية الحركات الإجتماعية ديناميات اجتماعية حائلة دون الركود أو الثبات الإجتماعي ؛ فهي أفعال احتجاجية تروم التغيير ومقاومة جميع إمكانيات التكريس وإعادة إنتاج القائم من الأوضاع ، وهو ما يجعل منها ممارسات ضد الهيمنة . فأنصار هذه النظرية يؤكدون أن المجتمعات البشرية سائرة علي درب الانتقال من الشكل القديم للرأسمالية الصناعية إلي مجتمع مرحلة ما بعد التصنيع القائم علي ” البرمجة ” حيث يسيطر التكنوقراط وتنامي عناصر الهيمنة والتوجيه . وعليه ، يلح أنصار هذه النظرية علي أن المجتمع المبرمج والموجه من جانب التكنوقراط يبخس دور الطبقة العاملة ويحد من فعاليتها في صناعة التغيير لهذا ينبغي ، وفقا لهذا البراديغم النظري فهم الحركة الإجتماعية كفعل ضد الهيمنة من أجل تحسين الهوية .

وهكذا ننهي إلي نتيجة مفادها أن الحركة الإجتماعية ، كموضوع للدارس والنقاش المعرفي ، استاثرت منذ البدء بإهتمام ثلة من الباحثين من شتي التخصصات العملية في دلالة قصوي علي أهميتها في قراءة الأنساق والتحولات . وذا كان النقاش تقد تمحور في وقت سابق حول المفهوم وأشكال الاحتجاج ، فإن الاجتهادات النظرية في الوقت الحاضر باتت تنشغل أساسا بالمضامين والهويات والشروط البنيوية التي تتميز هذه الحركات . وكل ذلك يسير في إتجاه بلورة وتحذير الدرسي العلمي للحركات الإجتماعية كاحتجاجات لا يمكن قرائها إلا بالإنضباط للبراديغم السوسيولوجي .

ثانياً تورين وبورديو

ما الذي قدمه أهل السوسيولوجيا من أسئلة ومقاربات لفهم الحركات الإجتماعية وتفسيرها ؟ ومن هم مؤسسو سوسيولوجيا الحركات الإجتماعية ؟ وأيهم أنشغل بهذه الحركات .

بصورة قوية ؟ إلي أي حد تسعف الخلاصات السوسيولوجية في التمكن المعرفي من الحركات ذاتها ؟ ثم كيف تقدم المقاربة السوسيولوجية نفسها ضمن خارطة العلوم الإنسانية ؟ وما الإضافة النوعية التي تقترحها كأدوات اشتغال أو كنتائج عملية ؟

إن سوسيولوجيا الحركات الإجتماعية تدين نظريا ومنهجياً للكثير من المفكرين والباحثين من قارات معرفية متنوعة . ويمكن التمييز في تاريخ هذه السوسيولويجيا بين ثلاث مراحل مهمة : الأولي هي مرحلة ما قبل سنة 1968 ، والتي ظهرت فيها اجتهادات منظري الحركات الجماهيرية هذا دون إغفال التراث المتصل بالمجتمع المدني والصراع الطبقي العائد إلي هيجل وكانط غرامشي وماركس ، فضلا عن نتاجات منظري السلوكيات الجماعية المتأثرين ببارسونز .

وهناك مرحلة ثانية ، تمتد إلي سنة 1968 إلي حدود سنة 1989 ظهرت فيها نظرية تعبئة الموارد ولاحركات الإ<تماعية الجديدة ، وذلك مع زالد وتورين وإيمانويل كاستلز وميلوتسي . أما المرحلة الثالثة فتتعلق بالفترة الزمنية المتدة من سنة 1989 إلى الآن وهي عرفت تطويراً للمقاربات النظرية الفائتة واللاحقة في سبيل فهم التحولات التي تعرفها دينامية الحركات الإجتماعية .

وبحثاً عن مؤسسي سوسيولوجيا الحركات الإجتماعية ممارسة وتنظيراً تماما كما هو الأمر بالنسبة إلي عالم الإجتماع الفرنسي الراحل بورديو . وهذا ما يستوجب في هذا المستوي من النقاش الاقتراب أكثر من فهمها الخاص للحركات الإجتماعية ومقاربتهما لها فمنجزهما السوسيولوجي جدير بالمتابعة والإنشغال . ليس فقط بالنظر إلي عمق الإنتاج السوسيولوجي حول هذه الحركات ، بل اعتبارا أيضاً للنضال والإلتزام كما صورة المثقف العضوي الذي نحتها غرامشي وهذا الكل النظري والممارساتي يعد مبرراً موضوعياً لتقديمها كعلمين بارزين في سوسيولوجيا الحركات الإجتماعية والإحتجاجية .

والواقع ان تورين يستند في إنهجاسة بالحركات الإجتماعية إلي موقفة النقدي من فكر ما بعد الحداثة ، بإعتبارها فكراً للنموذج العقلاني ، ومؤكد أن هذه الحركات هي فعل خاص يؤشر علي سلوك جمعي لفاعلين من جماعة معينة تناضل ذد جماعة أخري من أجل القيادة الإجتماعية : فالصراع حاضر بقوة في مستوي هذه الحركات ( aple {et al },2005:169) ويميز تورين في تصنيفه لهذه الحركات بين الجانب النوعي المتصل بالأشكال والصيغ والجانب التنظيمي المفتوح علي شروط الإنتاج والتكوين ( ferreol {et al },2004:122) ويضيف قائلا أن الحركات الإجتماعية تستوجب منظوراً غير أختزالي البتة بحيث يتعين ” النظر إليهما في نسق من التفاعلات التي تنطوي عليها
( ferreol {et al },2004:122)

إن العمل السوسيولوجي في رأي تورين ، لا يفترض ممارسة ذات بعد واحد عبر الحرص الدائم ” تفسير كل الظواهر الإجتماعية بعامل مهيمن هو العامل الاقتصادي ” ( Touraine,1973:18 ) فثمة عوامل أخري أكثر أهمية يتوجب الإنتباه إليها في تفسير الفعل الإجتماعي . فالمجتمع هو ” منظومة صلات إجتماعية ونقاشات وصراعات ومبادرات سياسية ومطالبات ، انه ليس معطى ثابت يجعل الباحث يطمئن الى مقاربات جاهزة ونمطية وانما هو نسق من الصراع المتواصل الذى يستدعى الشحذ المستمر للاسئلة الجسورة، التى تتأسس باالضرورة على التركيب والتداخل.

ولهذا يعتبر أن الموضوع الرئيسى للسوسيولوجيا هو ” دراسة التصرفات الاجتماعية وفى الدرجة الاولى دراسة التصرفات التي ترتبط مباشرة بالنواحي التاريخية أي بعلاقات وصراعات الطبقات تصرفات ندعوها بالحركات الاجتماعية وكان هذا الفهم الخاص لغايات السوسيولوجيا هو ماجعله يراهن منذ البدء عل تجذير سوسيولوجيا الفعل التى تركز اهتمامها على الفعل والعلاقات والصراعات والبني والأنساق الاجتماعية.

.

 

([1]) إن كتاب ( زالد ، 1973 ) هو الذي دشن لميلاد نظرية تعبئة الموارد

 

([2]) تشمل الحركات الإجتماعية الجديدة مختلف أشكال الفعل السياسي التي ظهرت خلال عقد الستينات والسبعينات من القرن المالي والتي تنطوي علي علي النضال في صيغة التقليدية ( عمل نقابي أو جزئي ) هذا بالإضافة إلي الحركات السياسية والاجتماعية الجديدة المرتبطة بمناهضة العلومة والليبرالية الجديدة ، وكذا الدفاع عن حقوق المرأة والبيئة وحركات الشواذ . ….

 

([3]) يتكون فريق آلان تورين من فرانسوا ديبي ( fracois dubet ) وسيسزا هيغديس ( szusa hegdus ) وميشيل فيويوركا ( michel viewrka  )  أنظر ( vaillanourt,1991:214 )

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …