الرئيسية / النظم السياسية / السياسة المقارنة / نظريات التنمية السياسية المعاصرة: المسلمات والمفاهيم
نظريات التنمية السياسية المعاصرة
نظريات التنمية السياسية المعاصرة

نظريات التنمية السياسية المعاصرة: المسلمات والمفاهيم

من كتاب:                          

نظريات التنمية السياسية المعاصرة

د نصر عارف

الفصل الثاني: التنمية السياسية (المسلمات والمفاهيم) 

قراءة وتلخيص

تامر نادي

هذا الفصل دراسة أفقية لنظريات التنمية السياسية، مقسمة إلى مسلمات ومفاهيم وغايات، لإضافة أبعاد لفهم ماهية تلك النظريات.

 

 

مقدمات أسس النقد:

  • كل من النظرية السلوكية الليبرالية والصراعية الماركسية أوروبية النشأة يتفقان فى المنطلق والغايات وتختلفان فى الوسائل، مبنيتان على المقولات المادية نفسها. وأصولهما الثقافية واستراتيجيتها الدولية واحدة، وتشكل هذه النظريات إطاراً واحداً _ رغم أن نظرية التبعية تختلف فى تطورها ومراحلها التاريخية_ يقوم علي أساس إجماع منهجي وآخر أيديولوجي، حيث يسود المنهج السلوكي وأيديولوجي التطور المتصاعد نحو هدف واحد يتمثل فى الوضع الأوروبي.
  • يقدم هذا المبحث نقداً للمسلمات والمفاهيم الغربية، ويتعامل بشكل كلي أصولي دون الإغراق فى التفاصيل.
  • الإغراق فى التفاصيل وتتبع كل الكتابات الأوروبية فى هذا المجال تبديد للجهد وضياع للمقصد. لذا سيتم التركيز على القضايا المصيرية.

 

المبحث الأول:

المسلمات

يشمل هذا المبحث: المسلمات: (حيوانية الإنسان، وتفسيخ الظاهرة البشرية، والتطور الخطي للمجتمعات البشرية عبر مراحل متصاعدة)، .. ثم أثر هذه المسلمات على نظريات التنمية السياسية: نظريات مراحل النمو، نظرية الثنائية، نظريات التخلف.

يؤكد أن المقولات والمسلمات الغربية نشأت وتطورت فى مجتمعات صناعية أوروبية مختلفة تاريخيا عنا، لذا فهى ليست بالنسبة لنا مسلمات. وذلك من مقتضيات الرؤية النقدية التي تقف فى أرضية مغايرة تنقض النقد ونقد النقد.

هناك ثلاث مسلمات كبري لنظرية التنمية السياسية كجزء من نظرية المعرفة الأوروبية التى تستطبنها، والتى تعد فروض مستبطنة أكثر تأثيرًا من غيرها من المقولات على التنمية السياسية، وأقربها لموضوع الدراسة. وهي:

 

أولاً : حيوانية الإنسان:

وفق الرؤية المادية للعلوم الاجتماعية الأوروبية التى تعرف الإنسان كونه حيواناً اقتصاديا أو سياسيا أو ….، كما عرفه الإغريق: الانسان حيوان ناطق! وهو التحديد الذي ينعكس على العمل التنظيري فى ومحور طبيعة النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

تعود جميع نظريات التنمية السياسية (والفكر الأوروبي عامة) إلى النظرية الدارونية التطورية التي ترى أن الانسان أرقى الكائنات الحية وهو تطور من القرد، وانكار خلق الله للإنسان، وهو ما أفرز آثار مختلفة منها تفسيخ الظواهر البشرية وتجزئتها واختزال التاريخ البشري فى خط وحيد، وتضخم الأبعاد المادية لحياة الانسان (فطبيعة الإنسان حيواني ولا توجد أي فوارق فى النوع وانما فى الدرجة).

مما يقصر الحديث عن التنمية فى جانب المؤشرات الكمية فقط، فيتم استخلاص المؤشرات المادية التى تحققت فى المجتمعات الأوربية وتتوافر فيه فى الوقت الحالي ويتم جمعها وتقسيمها وترتيبها لتصبح نموذجًا للتقدم، وهذا ما اتجه إليه (تالكون بارسونز وتلاميذه ((مدرسة المؤشرات)) مثل سيلتز فى الاقتصاد، ولوسيان باي فى السياسة).

 

أوجه القصور في هذا التصور:

  • عدم إمكانية الوصول لمؤشرات تعبر عن حقيقة التنمية، فاختلاف وتلون المؤشرات حسب تخصص الباحث ومجال الدراسة وطبيعة المجتمع.
  • عدم قدرة المؤشرات على التعبير عن حقيقة التنمية، فتحقق المؤشرات وارتفاع معدلات النمور ظهر فى دولا لا تعد متقدمة بمفهوم التنمية الأوروبية.
  • تركيزها على الماديات (عالم الاشياء) دون عالم الأفكار وعالم الأشخاص، وهذه العوالم لا تأتى منفردة، فقد ينشأ المجتمع باعتماده علي أفكاره ومعارفه وليس الجانب المادي، مثال: استعادة المانيا لمكانتها بأفكارها بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية، وقيام الدولة الإسلامية.
  • اعتبرت مدرسة المؤشرات ظواهر الأشياء هي الحقيقة الكاملة وأغفل الجانب الوجداني والغيبي، فقد تكون الظاهر مضللا وعلى عكس الحقيقة، (قل لا يستوى الخبيس والطيب ولو اعجبك كثرة الخبيث).

 

ثانياً: تفسيخ الظاهرة البشرية:

نفى الفكر الغربي وجود أى مصدر للمعرفة سوي المصدر البشري المبنى على المشاهدات المحسوسة، وذلك بعد إسقاطه فكرة وجود الإله، فلا وجود له فى النظام الفكري الغربي القائم على التجريب، فأصبح الواقع مصدرًا للتنظير، واستمدت المعايير الحاكمة من الواقع ذاته، ومن ثم كانت النسبية المطلقة، حيث لا توجد طبيعة إنسانية ثابتة ويخلق الناس بيئتهم، وتقوم البيئة الجديدة بتغيير الإنسان، هذه النظرة أنشأت تفسخًا فى المنهاجية الأوروبية، وفى الظاهرة البشرية، حيث أدي التخصص الدقيق وتشعب العلوم إلي تضخم هذا البعد واضطراده.

في النهاية ظهر “المنهج التكاملي” كمحاولة لجمع تشتت المنطلقات والأصول، والجمع بين المتناقضات، وذلك لعدم وجود المعيار المحدد للمنهج الصحيح. وترتب على هذه المسلمات نتائج أو مسلمات متفرعة منها:-

  • افتقار المعيار الذي يحمل قدرًا من الثبات والديمومة يمكن الاحتكام إليه لتقويم الأفكار والظواهر، فالنظرية النسبية بددت نقطة الثبات المرجعية، ولهذا فنظرية العلم الوضعي الغربي موضع بحث ومراجعة لأنها نسبية ولا تصح أن تكون معيارًا، لأن المقياس لا بد أن يكون ثابتاً ومطلقاً. كما نتج عن هذا التفسخ على المستوى المعياري أن أعتبر تاريخ التطور الأوروبي مقياس للتطور والتنمية والتحديث يجب تقليده، وهذا ما تقدمه نظريات التنمية السياسية المعاصرة، سواء الليبرالية والاشتراكية.

كانت التجربة الأوروبية أسبق من صياغة نظرية التحديث، بل تم استنتاج النظرية من الواقع الأوروبي، لذا فإن محاولة فرض هذه التعميمات وتكرار التجربة على دول ومجتمعات فى سياق مختلف مكانا وزماناً أمرًا مستحيلاً.

 

  • عدم الثبات النظري والمنهجي: تعدد النظريات فى الموضوع الواحد لا يعد تعبير عن حيوية علمية وتجدداً، بقدر ما يعبر عن عدم استقرار وتفسخ فى البناء العلمي الأوروبي الذي يفتقد لمعايير وأصول ثابتة. فالنظرية الأوروبية تنطلق من الواقع الحاضر لتحكم به الواقع المستقبل. ومن ثم تأتى اجتهادات دراسة الواقع بهدف تغيير والتأثير فيه بعدم اتساق وتضارب بين النظريات، فتحاول كل نظرية تلافي القصور في النظريات السابقة لها، مع احتفاظها جميعا بالمسلمات والأصول والالتزام بالأهداف والغايات، بينما تختلف في الفروع فقط.
  • التناول التجزيئي لظاهرة التنمية السياسية: اتفق كتاب التنمية السياسية على أن التخلف ظاهرة شاملة، بينما عند تناولهم لظاهرة التنمية اختلفوا فى دراسة جوانبها، فتركزت على أحد الجوانب حسب تخصص الباحث، اقتصادي أو سياسي أو ايديولوجي أو ….، وغابت الدراسات الشمولية فى تناول الظاهرة الاجتماعية.

وترجع ظاهرة التفسخ إلي افتقار المعيار المستقل عن المصدر البشري للمعرفة، حيث اعتمد الغرب الفكر المادي الدنيوي كمفهوم أساس، والمنهج التجريبي القائم على التجربة والخطأ كمصدر للمعرفة البشرية وأساس للحركة، فاختزلت المعرفة الاجتماعية إلي مستوي المدرك بالحواس الانسانية لاغير. فاعتبر أن كل ما لا يخضع للتجريب خارج إطار العلم.

 

ثالثا: التطور الخطي للمجتمعات البشرية

 

تري نظريات التنمية السياسية أن المجتمعات البشرية تسير فى خط متصاعد من عدة مراحل، وتمثل المجتماعات الأوروبية النموذج المعياري الذي يجب أن تقتفي باقى المجتماعات أثره، لتحقق التقدم والتطور، وأى دولة لا تتوافر فيها هذه المؤشرات تعتبر دولة متخلفة. بينما تغفل هذه النظريات تغيرات الزمان والمكان بين التجربة الأوروبية والدول الأخري.

 

تفسر نظريات التنمية السياسية التخلف فى العالم غير الأوروبي بأسلوبين:

  • حركة تاريخ هذه الدول فى دوائر مغلفة، تسير هبوطا وصعوداً، تنهى دائرة لتبدأ أخري، وهكذا ينعدم التاريخ الحقيقي للدول، فلا يمكن القول بأن الدائرة التالية أرقي من السابقة، وطور “فوكو” هذا التصور بالقول بأن التاريخ يأخذ شكل دوائر حلزونية، وليس دائرية.
  • الحركة الخطية للتاريخ فى اتجاه التحديث والتقدم، (المسلمة الخطية) فيسير التاريخ صعودا وهبوطاً وعلى الدول اللحاق بالنموذج الأوروبي فهو خلاصة التطور البشري.

** العوامل التى أسست هذه الفرضية التاريخية فى نظريات التنمية السياسية:

  • تقسيم التاريخ إلى قديم ووسيط وحديث: وذلك بجعل غرب أوروبا هو النقطة الثابتة فى العالم وتدور حولها الأمم، وإي حضارة سابقة للحضارة الأوروبية هي تاريخ قديم أو غير موجود، وأن التاريخ الحديث هو تاريخ التقدم الأوروبي وعلى الدول الاستسلام للمثل الأوروبية.
  • نشأة الدولة وطبيعتها: يعتمد علم السياسة على مفهوم “الدولة” بصورتها الأوربية كنموذج مثالي لما يجب أن تكون عليه المجتمعات السياسية، فلا يقبل بأى نموذج آخر من الاشكال التنظيمية، كما تصنف المجتمعات حسب تواجد أجهزة الدولة فى صورتها الأوروبية إلى مجتمعات بدائية أو متخلفة أو دول.

فلا يستطيع الفكر الأوروبي تصور مجتمع بدون دولة ولا دولة بدون سلطة، وذلك منشأه تمركز الغرب حول ذاتهم واعتبار أن تجربتهم هي النموذج الذي تقاس عليه التجارب الإنسانية.

أثر ذلك على نظريات التنمية السياسية وظهر فى مفاهيم مثل التنمية والتقدم والتخلف والتحديث والتغريب، والتى هى وليدة تلك المسلمات. وظهر ذلك في:

 

أولاً – نظريات مراحل النمو:

 

“فرضية المراحل التصاعدة” حيث تمر المجتمعات بمراحل على خط رأسي، من الادنى للارقي، وتصنف المجتمعات وفق هذا التدرج حسب تقدمها، فتكون هناك مجتمعات عليا واخري دنيا، كما فى نظريات الانثربيولوجي عند تايلور ورستو وماركس، حيث تقسم المجتمعات على سلم التدرج إلي اعلي وادني.

** نماذج لهذا التقسيم المتدرج فى الفكر الغربي:

  • آدم سميث: قسم التطور إلى خمسة مراحل: صيد / رعي/ زراعة / تجارة / صناعة.
  • كارل ماركس: خمسة مراحل: شيوعية بدائية / مجتمع العبودية / الإقطاع / الرأسمالية / المجتمع الشيوعي.
  • كارل بوشر: ثلاثة: اقتصاد ريفي / اقتصاد حضري / اقتصاد قومي عالمي.
  • روستو: خمسة: المجتمع التقليدي / التأهب للانطلاق / الانطلاق / الاتجاه نحو النضج / مرحلة الاستهلاك الجماهيري الوفير.
  • اورجانكسي: أربعة: الاتحاد الوطنى التقليدي / التصنيع / الرفاهية القومية / مرحلة الوفرة.
  • ميينت : ثلاث مراحل:

أ – ماقبل الانفتاح الاقتصادي علي العالم الخارجي، حيث التوازن بين مطالب متواضعة وانتاج محدود

ب – التعرف على القوي الاقتصادية الخارجية، وشراء السلع المستوردة، ونمو مدارك الأفراد.

جـ – مرحلة المحاكاة والتقليد: تحاكى المجتمعات الادنى المجتمعات الاعلي فى الثقافة بشقيها المادي والمعنوي، وفى ظل تنافس غير كفئ وبين اقتصاد الدول الأعلى والأضعف، تعانى الدول الأدنى من تنامي الفوارق الطبقية، والمشكلات المجتمعية.

                

ثانياُ: نظرية الثنائية:

تري هذه النظرية فى وجود مرحلتين فقط لوصف الدول، فتصور أن الدول الحديثة هي التى تمثل النموذج الأوروبي التقدمي، بينما الدول المتخلفة أو التقليدية هى كل من التى لم تكتسب بعد خصائص المجتمعات المتقدمة الوصفية والكيفية. فطرحت هذه النظرية عدد من الثنائيات: الحرية مقابل السلطة، المجتمع مقابل المجتمع المحلي، المركزية والهامشية، ومن منظهري هذا الاتجاه: تونيس ودوركهايم.

 

كما ظهر اتجاه “الانتشار الثقافي” حيث تنتشر الثقافة والحضارة من المركز “أوروبا” إلي باقي العالم. فيكون التغيير الاجتماعي بقدر انتقال مقومات التقدم من القيم الاوروبية والتكنيولوجيا والمعرفة العلمية الغربية إلي الدول المتخلفة، وتختزل هذه الرؤية التنمية فى عملية اكتساب المجتمعات الغير اوروبية خصائص المجتمعات الأوروبية المادية وغير المادية، مع اهمال خصائص وتاريخ وقفافة المجتمعات الأخرى.

 

جردت هذه الثنائية الواقع إلى حد طمس معالمه، كما اهتمت بأجزاء التنمية دون تقديم إطار نظري شامل، ولم تتناول المشاكل الاساسية فى عملية التغيير، واغفلت البعد التاريخي للمجتمعات.

 

ثالثاً: نظريات التخلف:

يعرف التنموي على انه التقدم والحداثة، فإن هذه النظرية تعرف التخلف بأنه التأخر أو التقاعس فى السير عن ركب الحضارة، نتيجة لأسباب كامنة فى تلك المجتمعات. اى ان التخلف حالة متأصلة فى شعوب العالم الثالث.

فقدمت فكرة ساذجة باعتبار ان التنمية مجرد تكرار لتجربة النمو التاريخي للرأسمالية الأوروبية، فأغفلت البعد “التاريخي” للظاهرة واستحالة توافر الظروف التى نمت فيها أوروبا تكنولوجيا، او التجربة الاستعمارية التي عالجت بها مشاكلها، والتى وفرت لها المواد الخام الايدي العاملة والاسواق المفتوحة.

وأدي تبنى هذه الفكرة إلي سياسات من قبيل: استخدام المعونات الأجنبية، ونشأة الصناعة الاستهلاكية، والاهتمام بمظاهر التقدم ونقل صورها وأشكالها دون جوهرها، وهو ما أدي إلي استمرا تبعية هذه الدول وتزايد حدة تخلفها، وهذا ما تريده الدول الصناعية لتظل الدول المتخلفة تابعة ومستهلكة وتسير خلفها.

 

ورجت أفكار التنمية على غايتها محاكاة تجربة أوروبا والأسلوب الأووبي فى التقدم، مثال ذلك نماذج التنمية فى امريكا الجنوبية وما وصلت إليه من مظاهر التبعية والجمود الاقتصادي، وعد الاستقرار السياسي.

** نظرية التبعية: نتيجة لفشل نظرية التخلف فى إحداث التنمية وتركيزها على البعد الداخلي، حولت نظرية التبعية معالجة هذه المشكلات، فاعتبرت أن التخلف أثر ونتيجة للبغي الأوروبي على العالم، وهو ما تسبب فى تخلف المجتمعات غير الأوروبية، فالعامل الخارجي هو الذي زاد من تعميق التخلف، وذلك وفق بعدين أساسيين:-

  • مقولة لينين “الأمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية“.. حيث اعتمدت مدرسة التبعية هذه المقولة كمحور لتفسير التخلف، حيث سيطرت أوروبا على العالم لتصريف “فائض رأس المال” فى هذه الاسواق والحصول عللى المواد الخام لاستمرار الصناعة الأوروبية.

بينما النظرة التاريخية توضح أن البغي والنهب الأوروبي لثروات الشعوب التى استعمرتها اسبق على الثورة الصناعية وهى التى أوجدتها، وهو ما نقل أوروبا إلي مرحلة التصدير وما تبعه من تطوير المصانع، فجاءت الاختراعات. كما جائث الثورات البرجوازية لترتيب البيت الداخلي للتفرغ للاستعمار والتنافس عليه.

  • “القابلية للاستعمار” تهمل مدرسة التبعية أثر العوامل الداخلية كبعد أساسي للتخلف، فوفق لمالك بن نبي: فإن القابلية للاستعمار هو الذي سمح للبغي الاوروبي بالسيطرة علي الشعوب بغض النظر عن أسباب وجود هذه القابلية، دون التطرق إلي دور الاستشراق والتنصير والأنثربيولوجيا في خلخلة البناء الثقافي للشعوب. وهي عوامل ساعدت على ركود المجتمعات وتخلفها عن الشعوب الأوروبية.

 

انطلقت جميع هذه النظريات من قناعة بأن الحضارة الأوروبية الحديثة هي الصورة الوحيدة للتقدم، وأن علي الشعوب الأخري أن تسير خلفها، ومن ثم فالتخلف “undevelopment” ليس إلا تأخر “backwardness” عن التطور الأوروبي، وعلى الأمم نقل خلاصة التجربة الأوروبية من التكنيولوجيا ومن تؤدي إليه من إنتاج مادي واستهلاك مادي وفير.

تصورت هذه النظريات، بما أعطي لها من إطلاق وشمول، حتمية المصير البشري وحركته الاجتماعية، وأنها تاريخ الأمم أحكمت حلقاته بصورة لا فكاك منها ولا يؤثر فيها الفعل البشري. فقدمت العوامل المادية كزيادة الانتاج ونمط الاستهلاك ونمط الملكية والمستوي التكنيولوجي كمحدد لحركة التاريخ، وأغفلت الفعل الإنسانى.

تلتقي الثلاث نظريات “المراحل السابقة والثنائيات والتخلف” حيث ينتهي جميعهم إلي خطية التطور ذي المراحل المتتالية. فلا توجد فروق حقيقية بين النظريات على مستوي الغايات.

تعتبر هذه النظريات كل مرحلة حلقة متكاملة تنتهي وتليها مرحلة أخري، ولا تقدم أي تصور عن ما بعد المرحلة الأخيرة. وهل هي مرحلة أبدية؟ وماذا بعد تحقق الشيوعية الكاملة؟ هل ستقف أدوات الانتاج عن التطور؟ ما هي الغاية القصوي للنظريات الغربية؟ وما سيحدث بعد تحقق التنمية والحداثة؟ هل سيصاب المجتمع بالركود؟

 

المبحث الثاني: المفاهيم

المفهوم جزء من المنهج وأداة له، فهو معلومة لها أهميتها وموقعها فى البيئة المعرفية، وهو كلمة تحمل مضامين ومعاني النظرية فتستمد منها قوتها وتعبر عن محمور فعلها.

فاللغة ليست مجرد أداة رمزية، وإنما هي جوهر التفاعل الحضاري من منطلق العملية الاتصالية، فعلاقة اللغة بالفكرة تعبير عن حقيقة الحضارة، وهى علاقة ديناميكية.

يتناول هذا المبحث المفاهيم الأساسية لنظريات التنمية السياسية، فالمفهوم هو محور النظرية وأداتها، ومن ثم فإن نقد المفهوم نقضاً للنظرية.
** ملاحظات حول مفاهيم التنمية السياسية:

  • أنها ليست مفاهيم عامة، وإنما وليدة خبرة حضارية معينة، تنبثق من الرؤية الخاصة للعقل الاوروبي. وورفق رؤيته للتاريخ، وحركة المجتمعات قياسا على ما وصل اليه المجتمع الأوروبي، فتعكس الواقع الأوروبي وقيمه ومؤسساته وعلاقاته.
  • لا تمثل منظومة مفاهيم متكاملة، بل هي بدائل لفظية متنافسة، وهو ما يعبر عن الطبيعة الوضعية للمعرفة الغربية التي لا تستند إلي معيار مستقل، فلا تجد رابطا نظريا بين المفاهيم المطروحة فى مجال الدراسات التنموية، سوى انها تتجه صوب التشرذم والتداخل.
  • تناقض المفاهيم مع الواقع السياسي الذي تعالجه، فنشأة هذه المفاهيم وتطورها فى البيئة الأوروبية تجعلها غير قادره على تفسير ومعالجة الظواهر الاجتماعية والدولية فى الواقع غير الأوروبي.
  • الخطأ والتشويه عند نقل المفهوم إلي اللغة العربية، حيث تم ترجمته بالمعنى القاموسي للفظة وليس بالدلالة ومضمون الظاهرة المعبر عنها، فصارت الترجمة العربية للمفاهيم الغربية غريبة عن الثقافة العربية، وفلم توجد المقابل الدلالي للفظة بما يعبر حن حقيقة المفهوم فى بيئته اللغوية والثقافية العربية النابعة من الذات. وقد نتج عن ذلك عدد من النتائج الخطيرة على المفاهيم الاسلامية:
  • استبدال المفهوم الإسلامي بمفهوم غريب فى المعنى والمبنى، مثل استبدال التنمية بالاستخلاف، والديمقراطية بالشوري، والحربية بالاختيار، والانتخابات بالبيعة.
  • تلبيس المفاهيم الإسلامية واخراجها من معانيها وإعطائها مضامين أوروبية غريبة عنها تماماً. كمفهوم الرعية الذي اخري إلي المعنى الروماني، ومفهوم الدين نفسه حيث اسقط على الاسلام مفهوم الدين المسيحي الأوروبي وبالتالي يجري عليه ما جري على المسيحية، ومفهوم الاستعمار والاقطاع.

جـ – إدخال مفاهيم غريبة تماما عن الخبرة الإسلامية واللغة العربية بل ادخلت فى المعاجم، مثل الاشتراكية والعلمانية.

د – طمس المفاهيم الإسلامية واخراجها من معانيها الأصلية وإخراجها من ساحة البحث العلمي، بادعاء عدم علميتها، مثل العبادة واليوم الآخر، والصلاة والزكاة والجنة والنار .. برغم انها مفاهيم محورية فى المعرفة الإسلامية.

 

الإطار المفهومي لنظريات التنمية السياسية:

ويشمل ستة مفاهيم (التنمية السياسية\ التخلف \ التحديث \التقدم\ التطور \ التغريب \ الأزمة)

ملحوظة: تتعد المفاهيم المعبرة عن ظاهرة التنمية ولكنها تظل لا تمثل منظومة متكاملة أو نسقاً واحداً، وإنما مفاهيم متعددة لموضوع واحد، فهى ظاهرة واحدة اختلف التعبير عنها باختلاف الفترة التاريخية والمنحي الأيديولوجي والظروف السياسية. بينما يمثل مفهوم “التنمية السياسية” المفهوم الأساسي ومحور الدراسة:

 

أولا: مفهوم التنمية السياسية:

لم يعرف مفهوم التنمية السياسية إلا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث استخدمت مصطلحات أخري مثل التقدم المادي والحداثة والتصنيع والتغريب، إلا أن “شومبيتر” استخدم فى كتابه “نظرية التطور الاقتصدي” مصطلح التنمية الاقتصادية، كما استخدمه الماركسيون فى بدايات القرن العشرين.

تعد لجنة السياسة المقارنة أول من استخدم هذا المفهوم، ففى ستينات القرن الماضي أصدرت سبعة مجلدات حملت اسم “التنمية السياسية” ساهم فيها كل من (ليونارد بايندر\ جيمس كولمان\ جوزيف لامالومبارا\ لوسيان باي\ سيدني فيربا\ مايرون واينر). فنشأ حقل فى العلوم السياسية يهتم بتطوير البلدان الغير أوروبية، وتعددت الكتابات حول المفهوم من نفس المنطبق.

 

تعريف التنمية السياسية:

**عرفها “لوسيان باي“: (عملية تغيير اجتماعي متعددة الجوانب غايتها الوصول إلي مستوي الدول الصناعية)… فالتنمية السياسية مقدمة للتنمية الاقتصادية، وهى نمط لسياسات المجتمعات الصناعية، وهى التحديث السياسي، وتنظيم الدولة القومية، بناء الديمقراطية، واستقرار وتغير النظام، والمشاركة الجماهيرية، وإقامة المؤسسات وتحقيق الأهداف العامة.

 

** وعرفها “جيمس كولمان“: (ذات منظور ثلاثي): (المنظور التاريخي: التنمية عملية تاريخية يمكن التوصل إلي مراحلها بتتبع تاريخ المجتمعات الأوروبية) ( المنظور النمطي: فى ضوء الثنائيات: التقليد مقابل الحداثة ،الصناعة مقابل الزراعة)، (المنظور التطوري: عملية دائمة بدون نهاية يمثل المجتمع الأوروبي قمة تطورها).

** “هنتنجتون” (النمو السياسي هدفه الاستقرار، ولا يتأتي إلا بزيادة تأسيس المنظمات والإجراءات السياسية، وهناك أربع معايير لقياس هذا التأسيس:

(المرونة مقابل الجمود/ التعقيد مقابل البساطة / الائتلاف مقابل الفرقة/ الاستقلال الذاتى مقابل التبعية)

جوهر مفهوم التنمية: تزايد معدلات التباين والتخصص في الأبنية السياسية وتزايد علمانية الثقافة السياسية. من خلال إيجاد نظم تعددية على شاكلة النظم الأوروبية تحقق النمو الاقتصادي والمشاركة والمنافسة السياسية. وغايتها: إيجاد نظم تتبنى قيم النظم الأوروبية وأهدافها ووسائلها ومؤسساتها وتسعي للوصول إلي نمط من التنظيم قريب منها.

ويختلف المفهوم فى الغة العربية عنه فى اللغة الانجليزية: حيث النماء فى العربية بعنى الزيادة والانتشار والنمو والتوالد، أما فى اللغة الانجليزية فdevelopment  تعنى التغيير استبدال الجديد بالقديم، فالتنمية السياسية: يعنى الجزري للنظام القائم بنظام جديد أكثر قدرة على تحقيق أهداف الجماهير. وهو ما يفرض علينا إعادة النظر فى مفهوم التنمية والمفاهيم المرتبطة به.

كما يختلف مفهوم النمو فى الثقافة الغربية عنه فى الثقافة الإسلامية: فالنمو جزء من عملية الاستخلاف، ويرتبط به مفاهيم مثل الزكاة الذى هو نقص ظاهري وزيادة فى البركة والأجر، بعكس مفهوم الربا الذي هو زيادة ظاهرية ونقصان فى الحقيقة. فى حين أن مفهوم النمو “development” يركز على البعد الدنيوى فقط ويضخم الابعاد الكمية، من خلال التركيز على المؤشرات الاقتصادية. ويهمل الجوانب الانسانية والاجتماعية.

ربط المفهوم بالتبعية للغرب: حيث تشير كل التعريفات الى عملية تقتضي السير فى الطريق الذي سارت فيه أوروبا، كما يجب نقل العناصر المادية الأوروبية إلي الدول المتخلفة لتلحق بركب الحضارة.

 

ثانياً: مفهوم التخلف:

هو عكس مفهوم التنمية، حيث يعبر عن حالة العالم غير الأوروبي، ومن ثم على هذه الدول اكتساب صفات المجتمع الحديث لتحقق التنمية، وذلك انطلاقة من فكرة “أحادية الحركة التاريخية” وصيرورة المجتمعات التي تجعل اوروبا قائد الركب الحضاري، وعلى الدول أن تاتى خلفها.

نظرية النمو: تري التخلف تأخر زمني عن المجتمعات الأوروبية، فالتخلف ظاهرة شاملة تسيطر على الدول غير الاوروبية متعددة الابعاد والجوانب، ولها مؤشرات منها: محدودية النخب، سيطرة ثقافة غير ديمقراطية، الهيمنة السياسية، عدم الاستقرار وعدم التكامل، التبعية الاقتصادية للخارج، الاعتماد الشديد علي القروض، شيوع البطالة، تفشي الامية والفقر، والانفجار السكاني.

هذه المؤشرات العامة لتحديد التخلف من الصعب ان يخلو منها مجتمع فى العالم بما فيها الدول المتقدمة ذاتها، فلا تخلو دول اوروبا او امريكا من بعض هذه المؤشرات، كما أن بعض هذه المؤشرات لاعلاقة له بالتخلف فبعض الدول تجاوزت هذه المؤشرات رغم انها لم تصل للتقدم.

التخلف مفهوم تحكمى غير ثابت، لانه يقيس مجتمع بالنسبة لمجتمع آخر فى وضع حركة دائمة وهو ما يعنى استحالة لحاق المجتمع المتخلف للمجتمع المتقدم، لذا فلا يمكن التعويل على مفهوم التخلف لتحديد أبعاد المجتمعات الغير أوروبية.

 

ثالثاً: مفهوم التحديث:

التحديث محور تأطير عملية التنمية، ومحدداً لأبعادها السياسية، فالتحديث هو: النمو فى المقدرات المعرفية المطبقة فى جميع فروع الإنتاج ما يؤدى إلى تحديث الجوانب الاجتماعية والثقافية والنفسية التي تعد إطارًا يسعي لتطبيق العلم فى عملية الإنتاج. أو هو عملية التحول فى الأنماط الاجتماعية والثقافية والسياسية بما يطابق المجتمعات الأوروبية وأمريكا الشمالية.

وتوجه نظريات التحديث لتنمية العالم الثالث عن طريق نقل أفكار وقيم الغرب باستخدام التصنيع الذي سيؤثر على ثقافة المجتمع، فيجعله “حديثاً” أى غربي عى طبيعته.

** التحديث عند “س.ي.ولس” عملية ذات ثلاث خصائص:

  • زيادة مركزية السلطة فى الدولة مع ضعف مصادر السلطة التقليدية.
  • تميز المؤسسات وتخصصها.
  • ازدياد المساهمة الشعبية في السياسة، وازدياد مساهمة الأفراد في العمل داخل النظام السياسي ككل.

** وحدد “باي” أهم عناصرها فى:

  • الاتجاه العام نحو المساواة فى العملية السياسية والتنافس لتولي المناصب السياسية.
  • قدرة النظام السياسي على صياغة السياسيات وتنفيذها.
  • التمايز والتخصص فى العمليات السياسية من خلال التوسع والتكامل.
  • العلمانية في العملية السياسية وفصل الدين عن السياسة من حيث الأهداف والتأثير.

** ويميز “الموند” بين التحديث الاقتصادي والتنمية السياسية، فالتقدم التكنيولوجي يكون مصحوب باتجاهات علمانية، لكن قوى التغيير الاجتماعي والاقتصادي لا تنتج تنمية سياسية، ولا تحدث التنمية إلا عند فشل النظم الثقافية والسياسية القائمة فى مجابهة التحديات والمشكلات المطروحة.

** ويري “باكنهام” أن الحديث هو تحقييق التكامل الوطني والاندماج وإقامة الدولة والمشاركة السياسية وتحريك الجماهير.

** ويري “باندر” أن التحديث يشمل تغييرات أساسية فى الهوية من الهوية الدينية إلى الهوية المدنية، ومن التفرد إلي الجماعية، ومن التوزيع الوراثي إلى القدرة والانجاز… كما يشار إلي أن مجرد تحطيم الثقافة والتقاليد ولا يؤدي آلياً إلي التحديث، فالتحديث يعنى التحضر والعلمانية والتمايز الوظيفي للأدوار والعمومية.

فالحداثة هي: تحقيق النمط الغربي فى التطور، أو نقل القيم والمؤسسات والمؤشرات الغربية باعتبارها معياراً للتحديث. والغرض الأساسي وراء مفهوم التحديث هو الإبقاء على الدول النامية متخلفة إلي الأبد، فاعتمادها في التحديث على النموذج الغربي الذي يرتبط بما يمنحه الغرب بقدر ما يحافظ علي تبعية الدول لها.

فالحداثة كبينية ثقافية وموضوعية ارتبطت بتاريخ أوروبا، وأي محاولة لنقلها لن يتم دون وسيط أيديولوجي، حيث يتم نفي الثقافة الذاتية وإحلالها بثقافة الغير. فعملية التحديث تستلزم تغير جوهري فى قيم المجتمعات ونظمها ومؤسساتها. حيث تعتبر الخبرة الأوروبية معياراً ومقياساً لما يجب أن تكون عليه التجارب الأخرى. ومن ثم وجب على المجتمعات الأخرى أن تقتفي أثرها، وتكرر نفس التجربة الأوروبية باعتبارها الطريق الوحيد لتطور المجتمعات.

إن جوهر ما يحدث ليس تحديثاً أو تنمية، وإنما صراع بين الحضارة الغربية والحضارات المغايرة، هذه المواجهة التي تدفع الحضارات المغايرة بسببها ثمناً فادحاً.

 

رابعاً: مفهوم التقدم progress:

وهو المفهوم الوحيد الذي يطلق هذه العملية في الشطر الماركسي من نظريات التنمية، وقد ارتبط بعملية التغيير فى الغرب، واختلف المفهوم قديما وحديثاً، حيث كان فى الثقافة القديمة يعبر عن طابع ميتافيزيقي أو انفعالي برغبة فى الانتقال لحالة أحسن، أما فى العصور الحديثة أصبح واقعياً ذو طبيعة معيارية ونسبية وهو ما ولد مفاهيم مختلفة للتقدم، فكان أحيانا مساوىٍ لتحقيق اللذة الدنيوية، وأحياناً انتشار ديانة معينة، أو غزو الانتاج الاقتصادي والتوسع في استغلال مصادر الطبيعة لصالح الإنسان، أو التحرر من قيود التقاليد.

وارتبط مفهوم التقدم بفكرة خطية التاريخ كمنطلق وتكريس المادية كغاية، ونظر إليه باعتباره حركة خطية فى المجتمع، ويمكن تناوله بطريقتين: القرب من الهدف المنشود أو البعد عن نقطة الانطلاق، وكالعادة قدم منظور التقدم فى الخبرة الأوروبية كمقياس لتقدم أو تأخر الدول، باعتبار أن أوروبا نموذج للتقدم، وأن دول أفريقيا وأسيا نموذج للتخلف، وامتد هذا المقياس ليتعدي الجوانب التقنية والعلمية والصناعية إلى جانب القيم والاخلاق ومكونات الشخصية.

فبرز مفهوم “الفجوة”و”اللحاق بالركب” للتعبير عن محاولة المجتمعات المتخلفة تحقيق ما حققة المجتمع الأوروبي، عبر اختصار المراحل الزمنية، وعلى الرغم من ذلك تستمر الفجوة فى الاتساع على الرغم من الجهود التي تبذلها الدول غير الأوروبية.

يتسع مفهوم “التقدم” فى اللغة العربية عن المفهوم الانجليزي “progress” فيعطي معاني ودلالات عديدة، فالتقدم لغة يعنى السبق، حيث هو نقيض الحدوث، والمتقدمين هو السابقون فى الاسلام، وتقدم العمل انجازة بسرعة، فالتقدم مفهوم محايد يشير إلي القديم كما يشير إلى السابق، وهو لا يشير إلى معاني التقدم المادي أو تفوق وسائل الإنتاج أو معدلاته.

 

خامساً: مفهوم التطور:

يختلط مفهوم التطور مع مفاهيم التغيير والتقدم والنمو، وقد تستخدم جميعها بمفهوم واحد، وهي وليدة الفلسفة الداروينية بصورة خاصة، وهو الانتقال من حالة إلي حالة أخري، وانتقل إلى العلوم الاجتماعية ومنها علم السياسة وأعطي دلالات أخري حسب مجال التوظيف، مما زاده غموضاً بسبب 1) نظرة السياسة إلى ظاهرة التطور على أنها عملية تتابع زمني. 2) الخلط بين طبيغة التطور وأدوات التطور.

فالتطور كانتقال بين حالتين أو مرحلتين أو نظامين كما فى نظرية الدساتير لافلاطون، أو الدولة عند ابن خلدون، وهو ما يبرز ثلاث عوامل تكون الخلفية الفكرية لمفهوم التطور:

(من جانب عنصر الزمن/ ومن جانب عنصر التتابع/ ومن جانب عنصر الاستقلال الشكلي أو الهيكلي)

أي أن التطور يعتمد علي فكرة المراحل المتتالية فى الحركة التاريخية علي أساس أن المجتمع الإنساني يسير في خط تدريجي صاعد، تمثل أوروبا قمته وتسير خلفها جميع دول العالم، لإنها حققت المرحلة العليا من التطور لما يطرحه نظريات التنمية السياسية والاقتصادية.

 

سادساً: مفهوم التغيير:

أطلق هذا المفهوم فى سياق عملية التنمية والتحديث لمجتمعات أوروبا الشرقية، وهو ما يتسق مع مضامين ودلالات حقيقة التنمية والتحديث، بمعنى أن المقصد الأعلي لهذه النظريات تحقيق النمط الحضاري الغربي وسيادته على جميع دول العالم، وإنتاج صورة من النظم السياسية والاقتصادية مطابقة للنموذج الأوروبي، أو طبع المستعمرات الأوروبية فى أفريقيا وأسيا بطابع الحضارة الغربية، وتحويلها إلي هامش الحضارة الأوروبية، بما يضمن حالة “التبعية” لهذا المركز، بما يجرد هذه المجتمعات من تحقيق التطور الحقيقي أو طرح نموذج حضاري مغاير قد يكون أكثر جدوي ونجاحًا بصورة متكاملة.

فأصبح مفهوم التغيير مرادفاً لمفهوم التحديث، على أساس أن الحضارة الأوروبية أكثر تقدماً وأن ماعاداها يسير فى مراحل متخلفة عنها، وأن عليه أن يسلك نفس الطرق نحو نفس الهدف.

وهو ما يعنى تقليد الغير دون فهم أو تعقل، وهذا لا يثمر علماً ولا يفضي إلي معرفة، فهو استبدال للقيم والشرائع والمؤسسات.

سابعاً: مفهوم الأزمة:

أى المرحلة التى تمر بها المجتمعات غير الاوروبية خلال انتقالها إلى الحداثة، حيث تفرز عدد من المشكلات والأزمات التى تستوجب تحقيق التنمية السياسية للتغب عليها، وحدد “الموند” هذه الأزمات التى تظهر فى المتجمعات التى تنتقل من التقليدية إلى الحداثة:

* الانتقال من الريف إلى المدنية * الانتقال من الولاء القبلى والأسري إلى الولاء للدولة * أزمة بناء الدولة الحديثة * أزمة المشاركة السياسية * أزمة التوزيع * أزمة بناء الاقتصاد .

أما لوسيان باي حدد ستة أزمات: أزمة الهوية / أزمة الشرعية / التغلغل / المشاركة / الكتامل / التوزيع.

تعبر عن حالة طارئة يتعرض لها المجتمع خلال سعيه للتحديث ويجب عليه أن يتجاوزها، (فالمجتمع الذي يقوم على الشرعية العقلانية، يكون واضح الهوية، متكاملا داخلياً، يتغلغل جهازة الحكومي فى جميع أبعاد المجتمعات، ويحقق التوزيع العادل، وتتم الممارسة السياسية فيه علي أساس المشاركة الجماهيرية السليمة.

وتعتبر نظريات التنمية السياسية أن تجاوز هذه الأزمات يعد مؤشراً علي تحقيق التنمية، بينما تظهر هذه بعض الأزمات فى دول متقدمة، كما أن هناك دول غير أوروبية لا تظهر فيها هذه الأأمات بينما لا تعد دول حديثة.

كما قد يتناقض بعض هذه الأزمات مع بعضها حيث يترتب على معالجة أحدي هذه الأزامات تفجر أزمات جديدة.

 

لتحميل الملف كاملاً: نظريات التنمية السياسية المعاصرة: المسلمات والمفاهيم

 

 

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …