الرئيسية / النظم السياسية / الأحزاب والجماعات / النظم الانتخابية وعلاقتها بالأنظمة الحزبية
النظم الانتخابية وعلاقتها بالأنظمة الحزبية
النظم الانتخابية وعلاقتها بالأنظمة الحزبية

النظم الانتخابية وعلاقتها بالأنظمة الحزبية

د. بوشنافــة شمسة

ورقلة جامعة -( الجزائر)

مقدمة                                                                              

  ان التطور الديمقراطي في أي نظام مشروط بتوفير الآليات الكفيلة باستيعاب مختلف القوى السياسية وتوسيع وتنظيم مشاركتها السياسية.و تمثل النظم الانتخابية إحدى أهم هذه الآليات و أكثرها تأثيرا على العملية السياسية ،لأنها تعمل عمل الميكانزم الذي يضبط العملية  و يكرس أساليب ممارسة  الديمقراطية في شكلها الانتخابي بالنسبة للأفراد و أيضا للأحزاب السياسية  التي تتنافس في ما بينها و من ثم ضمان التداول السلمي على السلطة و إتاحة الفرصة أمام مختلف القوى السياسية.

 و رغم أن النظم الانتخابية تختلف من نظام لأخر،إلا أن تأثيرها على الحياة السياسية ولا سيما  النظام الحزبي يبقى قويا في كل الأنظمة وذلك بالنظر إليها من بعدين أساسين و هما:  البعد الأول و هو البعد الذي يتعلق بشكل النظام الانتخابي و إجراءاته و مدى توافق هذا النظام و مختلف تلك الإجراءات مع الإطار الدستوري و مختلف التنظيمات التنظيمية و الإدارية التي تحكمها. أما البعد الثاني ، فانه يتصل بالبعد التمثيلي و قيم التعددية السياسية و الاجتماعية و ذلك انطلاقا من أن الانتخابات تمثل آلية التمثيل السياسي.

وعليه، فان إثارة إشكالية الأنماط الانتخابية يطرح في اغلب الأحيان تساؤلين مهمين يتمحوران حول قدرة النظام الانتخابي الذي يتبناه النظام السياسي في استيعاب الأحزاب ومختلف القوى السياسية ؟

و ما مدى تأثير هذا النظام على المشاركة السياسية. انطلاقا من هذين التساؤلين،فان موضوع هذه الورقة يتمحور حول طبيعة العلاقة بين النظام الانتخابي بالنظام الحزبي و تأثير هذه العلاقة على المشاركة السياسية.

أولا:النظام الانتخابي.

أ:المفهوم : تتعدد النظم الانتخابية المعمول بها في الدول، و تتغير من وقت لأخر طبقا لظروف ومقتضيات العملية السياسية. ويعرف النظام الانتخابي بأنه:” قواعد فنية، القصد منها الترجيح بين المرشحين في الانتخاب، أو هو مجموع الأساليب والطرق المستعملة لعرض المرشحين على الناخبين”. كما يعرفه دافيد فاريل بأنه : ” النظام الذي يحدد الطريقة التي يتم من خلالها تحويل الأصوات إلى مقاعد في عملية انتخاب سياسيين لشغل مناصب معينة “. ويحرص فاريل على التمييز بين النظام الانتخابي والقوانين الانتخابية ، حيث أن هذه الأخيرة هي مجموعة القواعد المنظمة للعملية الانتخابية، بدءا من الدعوة للانتخاب مرورا بتقديم طلبات الترشح وتنظيم الحملات الانتخابية ومرحلة الاقتراع ذاتها وحتى مرحلة حساب الأصوات. إلا أن أي من هذه القواعد يحدد طريقة حساب الأصوات والكيفية التي تحدد الفائز والخاسر وهنا يكمن النظام الانتخابي. وعليه فالنظام الانتخابي هو الآلية التي تحدد الفائز و الخاسر طبقا لأسلوب إحصاء الأصوات والذي يختلف بدوره من نظام لأخر.

ويتكلم ديترنوهلن (Diteer Nohlen)عن التفويض . فالنظام الانتخابي يعني الكيفية التي يعبر على أساسها الناخبون عن تفضيلا تهم سواء لأحزاب أو مرشحين، بحيث يتم تحويل هذه التفضيلات بعد ذلك إلى تفضيل .و تحدد الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية مجموعة من المؤشرات لتعريف النظام الانتحابي و هي:2

– حجم وهيكل المنظمة التي تجرى فيها العملية الانتخابية

– المعيار  – إن وجد – الذي يتم على أساسه إعطاء وزن مرجح لصوت عن صوت آخر.

– نطاق الوحدات التي يتم تقسيم المنظمة إليها بغرض تنظيم العملية الانتخابية .

– طريقة تحديد الخيارات أمام الناخبين .

– الطريقة المتبعة لتسجيل خيارات الناخبين

– الطريقة التي يتم على أساسها ترجمة مجموع الأصوات إلى قرارات جماعية .

واختصارا يمكن فهم النظام الانتخابي على أنه مجموعة الأسس والمبادئ والقوانين والإجراءات التي تحدد العملية الانتخابية ، أي عملية تحويل أصوات الناخبين إلى مقاعد برلمانية.

ب:أهم النظم الانتخابية

إن نوعية النظم الانتخابية تختلف تبعا للظروف السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات المختلفة

ووفقا لنوعية العلاقات الاجتماعية ودرجة رسوخ المبادئ الديمقراطية، ونوعية النظام الحزبي وتعدد هذه النظم. فقد تختار الدولة النظام الفردي أو نظام الأغلبية أو نظام الانتخاب بالقائمة، أو نظام الدائرة الواحدة، وعموما هناك نظامين انتخابيين وهما:

 نظام الأغلبية: وهي أقدم النظم الانتخابية وأبسطها. وطبقا لهذا النمط، فان المرشح الفائز هو الذي يحصل على أغلبية أصوات الدائرة. وتجوز هذه الطريقة في نظام الانتخاب الفردي حيث تنتخب الدائرة نائبا واحدا، هو الذي يحصل على أغلبية الأصوات. كما يمكن اللجوء إلى هذه الطريقة في نظام الانتخاب بالقائمة وتفوز القائمة التي تحصل على أغلبية الأصوات . وهناك الأغلبية المطلقة والتي يشترط فيها فوز المرشح أو القائمة، الحصول على أكثر من نصف الأصوات الصحيحة للناخبين 3

أما في نظام الأغلبية البسيطة أو النسبية ، فان المرشح أو القائمة تفوز ، إذا تم  الحصول على عدد اكبر من الأصوات ،بغض النظر عن مجموع الأصوات التي يحصل عليها باقي المرشحين مجتمعين حتى ولو كانت الأصوات التي حصل عليها هؤلاء الآخرين تزيد على نصف مجموع الأصوات المعطاة في الدائرة4.

نظام التمثيل النسبي: ويأخذ بنظام الانتخاب بالقائمة حيث توزع المقاعد المقررة للدائرة الانتخابية على القوائم المتنافسة بنسبة عدد الأصوات التي حصلت عليها كل منها.  وتحدد الأشكال الرئيسية المستخدمة لصيغة التمثيل النسبي على ضوء نوع القوائم المستخدمة لترشيح المرشحين. ففي نظام القوائم المغلقة، يختار الناخبون قائمة حزبية ولا يمكنهم اختيار أي مرشح بعينه. ومن ثم ينتخب المرشحون وفق الترتيب الذي يحدده الحزب5

 أما في نظام القوائم التفضيلية، فانه يحق للناخب أن يغير في ترتيب أسماء المرشحين الذين شملتهم القائمة التي وقع اختياره عليها، وفقا لوجهة نظره الشخصية إزاء المرشحين، وليس طبقا للترتيب الذي وضعه الحزب صاحب القائمة.

أما التصويت مع المزج بين القوائم، فانه يسمح للناخب المزج بين القوائم الحزبية المختلفة، بحيث يكون قائمة جديدة تضم أسماء المرشحين الذين يعتبرهم أهلا لتمثيله 6.والأخذ بنوع دون الأخر من هذه الأنواع السابقة للانتخاب بالقائمة ، في النظم الانتخابية المختلفة ، يعود إلى مدى الحرية التي ترغب هذه النظم السماح بما للناخب من جهة ، ومن جهة أخرى ، مقدار ما تريد تحقيقه من تماسك وإحكام في أنظمة الأحزاب السياسية ، حيث أن الأمر يتطلب توازنا بين حرية الناخب في التصويت وسلطة الأحزاب السياسية في إعداد القوائم بالطريقة التي تحقق لها التنسيق بين مختلف الدوائر الانتخابية .

ويبقى أن  تصميم النظام الانتخابي يرتبط بشكل كبير بالنظام السياسي وقواعد الوصول إلى السلطة، ولذلك نجد أن دراسة هذه النظم لا يجب أن تتم بمعزل عن الإطار المؤسسي والسياسي لكل دولة  ، لأن نفس النظام ، لا يعمل بنفس الطريقة في بلدان مختلفة .

 ثانيا : النظام الحزبي : قبل التطرق إلى مفهوم النظام الحزبي ، نشير إلى أن مفهوم الحزب السياسي يعني بالنسبة لـ (Giovanni Sartori)”أي جماعة سياسة تتقدم للانتخابات ، وتكون قادرة على أن تقدم من خلالها مرشحين للمناصب العامة “.أما بالنسبة  « Sigmund Neumann» .”فان الحزب  تنظيم للعناصر السياسية النشيطة في المجتمع تتنافس سعيا للحصول على التأييد الشعبي مع جماعة أو جماعات أخرى تعتنق وجهة نظر مختلفة “.7 وفي هذه الدراسة نميل إلى تعريف الحزب السياسي، باعتباره تنظيما سياسيا،يهدف للوصول إلى السلطة من خلال الانتخابات .

أما النظام الحزبي ، فانه يعكس التفاعلات بين الأحزاب القائمة وذالك في سياق النظام السياسي العام. وقد جرت العادة على  تصنيف النظم الحزبية وفقا لمعيار العدد ،بحيث نجد نظام الحزب الواحد ونظام الحزبين ونظام تعدد الأحزاب . وقد صنف سارتوري هذه النظم إلى8 :

–       نظام الحزب الواحد

–       نظام الحزب المهيمن

–       نظام الحزب المسيطر

–     نظام الحزبين

–     نظام التعددية المقيدة

–     نظام التعددية المطلقة

–       النظام المفتت

لكن يمكن الإشارة إلى وجود مجموعتين كبيرتين من النظم الحزبية المعاصرة، تتضمن تصنيفات فرعية وهي كالتالي:

النظم الحزبية التنافسية وتشمل بدورها نظام الحزبين ونظام تعدد الأحزاب

ويتميز نظام الحزبين بوجود حزبين كبيرين يسعى كل منهما إلى الفوز بالانتخابات العامة والوصول إلى السلطة دون حاجة إلى الائتلاف، مثل ما هو حال الولايات المتحدة وبريطانيا

أما نظام تعدد الأحزاب فيقوم على وجود مجموعة من الأحزاب المتنافسة ولا يستطيع أي حزب منها منفردا الفوز بالأغلبية البرلمانية التي تسمح له بتشكيل حكومته مما يدفع هذه الأحزاب إلى الائتلاف لتشكيل الحكومة ،وهناك نظم تعددية مستقرة، بحكومات ائتلافية قوية ومستقرة .كما توجد أيضا نظم تعددية ،تكون حكومتها الائتلافية هشة وسريعة التغير 9.

النظم الحزبية غير التنافسية واهم خصائصها وجود حزب واحد يسيطر على السلطة ، ويميز الموند بين ثلاثة أنماط فرعية من بين هذه النظم وهي: 10

النمط الشمولي على شاكلة الدول التي تبنت الفلسفة الماركسية .

    النمط التسلطي: يحتكر السلطة السياسية إلا أنه يفتقر إلى أيديولوجية محددة ويعمل على قمع المعارضة.

النمط المهيمن غير التسلطي: ويسود في النظم السياسية التي ساهمت فيها حركات وطنية في تحقيق  الاستقلال.

 وكما هو الحال بالنسبة للنظم الانتخابية، فان تبني أي من هذه النظم الحزبية تتحكم فيه عدة عوامل منها التاريخية والسياق المجتمعي .

كما يعكس النظام الحزبي أيضا طبيعة النظام السياسي و درجة المشاركة السياسية.فالنمط التعددي التنافسي يطرح فضاءات واسعة و مقبولة للمشاركة الشعبية مما يساهم في إرساء قواعد النظام الديمقراطي .إذ أن وجود أحزاب سياسية تستند لقيم التسامح و قبول الأخر هي أهم منطلقات الحوار السياسي الديمقراطي وبث الوعي الملائم الذي يسمح بالتداول السلمي على السلطة و المحافظة على الاستقرار الداخلي.

العلاقة بين النظم الانتخابية و النظام الحزبي

تتميزالعلاقة بين النظامين بأنها متداخلة و متشابهة و عكسية أيضا، حيث أن النظام الانتخابي يحدد النظام الحزبي ، ومن ثم يتحكم في اللعبة السياسية فيما يخص إتاحة الفرص لحزب دون غيره من الأحزاب الأخرى بالفوز. كما يمكن للنظام الحزبي أن يحدد نوع النظام الانتخابي. و قد  حدد دوفرجية ثلاثة أنماط من العلاقة يمكن أن توجد بين أي نظام انتخابي أو نظام حزبي وهي11:

– أن يكون النظام المعني قادرا على الحفاظ على هيكل نظام حزبي معين .

 -أن يكون النظام الانتخابي قادرا على إعادة إنتاج النظام الحزبي المعني في حالة ما إذا تم تهديد عناصره المميزة.

-أن يكون النظام الانتخابي المعني قادرا على إيجاد نظام حزبي معين في دولة لم تشهد من قبل مثل هذا النظام .ووفقا لدو فرجية ،فان نظام الأكثرية يكون قادرا على :

الحفاظ  على الثنائية الموجودة فعلا حتى مع ظهور انشقاقات داخل الحزب أو مع ظهور أحزاب أضعف   من الحزبين القائمين .

نظام الأكثرية أيضا قادر على إعادة الهيكل الثنائي للنظام الحزبي في حالة ما إذا كان مهدد بظهور حزب ثالث قوي.

أما بخصوص إيجاد نظام الحزبين في دولة لم تشهد من قبل هذا التقليد، فان ذلك مشروط حسب دو فرجية بوجود قابلية لمثل هذا النظام.

و قد وضح  دو فرجية طبيعة العلاقة بين النظام الانتخابي و النظام الحزبي في كل من نظام الأغلبية و نظام التمثيل النسبي، إذ يعتبرأن نظام الأغلبية قادرا على إنتاج نظام الحزبين. ففي ظل وجود حزبين قويين و حزب ثالث ضعيف ، فان هذا الأخير ونظرا لعدم قدرته على المنافسة، فانه يضطر إلى الاتحاد مع أحد الحزبين أو أنه يسحب مرشحيه ليتم استبعاده  12وهو بذلك نظام لا يعكس التمثيل السياسي الحقيقي و النزيه و حالة بريطانيا مثال على دور نظام الأغلبية في تكريس الثنائية بين حزب العمال و المحافظين.

أما نظام التمثيل النسبي فانه حسب دو فرجية، يعمل على التخفيف من عملية القطبية التي تتولد عن    نظام الأكثرية ومن ثم يضع حدا للتوجه نحو نظام الحزبين.13  ويتميز هذا النظام  بأنه يسمح للأحزاب الأخرى بالحصول على مقاعد في البرلمان ومن ثم ، فانه النظام الأقرب إلى تمثيل المجتمع وإيجاد نظام التعددية الحزبية ما يسمح بالمحافظة على الاستقرار من خلال عملية التوازن بين مختلف القوى السياسية.

 وسواء تعلق الأمر بنظام التمثيل النسبي أو نظام الأغلبية، فان الظروف السياسية و الاجتماعية كلها، عوامل تدفع باتجاه تغيير النظام الانتخابي ليتماشى مع قواعد اللعبة السياسية في البلد.

ج- تأثير النظم الانتخابية على المشاركة السياسية  

يقصد بالمشاركة السياسية، مجموعة الأنشطة الاختيارية الإدارية التي يقوم بها الأفراد في المجتمع من المشاركة في اختيارا لحكام و تشكيل و رسم السياسات العامة و هذه الأنشطة تشمل : التصويت،الانضمام للأحزاب السياسية ،إقناع الآخرين بمبادئ و أفكار معينة….و تظهر أهمية المشاركة السياسية في العلاقة التي ذهب إليها هينجنتون حيث ربط بين المشاركة و التنمية السياسية .فعملية التنمية السياسية حسب تصوره تشمل على ثلاث تطورات و هي :ترشيد السلطة،التمايز في الوظائف السياسية،و التهيئة للمشاركة السياسية ،بحيث تزداد المساهمة الشعبية سواء من حيث عدد المشاركين و نطاق مساهمتهم و بروز مؤسسات سياسية لتنظيم هذه المشاركة. 14

ان مفهوم المشاركة السياسية يجعل من النظام الانتحابي الميكانزم و الوسيلة لتجسيد هذه المشاركة و تفعيلها. و انطلاقا من هذه الحقيقة لا يمكن أن نصف النظام الانتخابي ، بأنه مجرد إجراء قانوني وفني، ولكنه في الأساس هو عملية سياسية لما  لها من أثار على المشهد السياسي بكامله .كما أن النظام الانتخابي يعد انعكاسا لطبيعة النظام السياسي والمجتمع، من حيث انه يعكس آليات هذا النظام في تكريس حق المواطن في الانتخاب والتصويت واختيار ممثليه وممارسة حق الترشح . كما يضمن أيضا لمختلف القوى السياسية،حق التنافس في ما بينها وضمان التداول السلمي على السلطة   و هو ما يسمح بدوره  بضبط التحكم في اللعبة السياسية .فقد يؤدي إلى تجديد الحياة السياسية وتفعيل الحراك السياسي وقد يحد من عمل القوى السياسية ويساعد على توليد العزوف عند المواطن الناخب والسياسي .

 وإذا كانت القاعدة الديمقراطية كما يقول جوزيف شو مبيتر، تقضي بأن تكون الحكومة مسؤولة،مسؤولية مطلقة أمام المواطنين من أجل تحقيق العدالة، فان هذه الأخيرة تتطلب العمل بما يتيح المساواة بين جميع القوى السياسية للوصول إلى السلطة وعدم احتكارها من قبل جماعة واحدة آو حزب واحد. 15

       وعليه فصفة الديمقراطية تقتضي بأن يضمن القانون الانتخابي حق المشاركة السياسية لكل القوى الفاعلة مثلما يؤكد دافيد بولتر الذي يؤكد على ضرورة عدم حرمان أي جماعة من حق تشكيل أي حزب سياسي والترشح للمناصب السياسية وإجراء الانتخابات بدون تمييز ،وذلك لضمان مبدأ المساواة السياسية وتكافؤ الفرص بين مختلف المشاركين في العملية الانتخابية.16

     فقد أكدت المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 على هذه الفرص ، ودعت إلى ضرورة أن يكون لكل مواطن دون وجه من وجوه التمييز ، الحق في أن يشارك في إدارة الشؤون العامة ، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية وان ينتخّب وينتخب في انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام على قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري ، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين 17

وتؤكد الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار رقم 46 الصادر في سنة 1991 ، على أنه من شان الشعوب أن تحدد الأساليب وتنشئ المؤسسات التي تتعلق بالعملية الانتخابية وأن تحدد أيضا طرق تنفيذ هذه العملية طبقا لدستورها  وتشريعاتها الوطنية.18

أن المساواة السياسية وتكافؤ الفرص، تتطلب إذن أن يتضمن هذا النظام على العديد من الخصائص التي تحقق التوازن بين متطلبات التنظيم القانوني والممارسة الانتخابية والسياسية. وأن يأخذ بعين الاعتبار خصائص المجتمع وديناميكية الحياة السياسية. وضمن هذا السياق، فان مشروع إدارة الانتخابات وكلفتها (ايس) التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي حدد معايير معينة عند اختيار النظام الانتخابي وهي:19

–         ضان قيام برلمان ذي صفة تمثيلية.

–  التأكد من أن الانتخابات هي في متناول الناخب العادي وأنها صحيحة .

–  تعزيز شرعية السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وتشجيع قيام حكومة مستقرة وفعالة

–  تنمية حس المسؤولية إلى أعلى درجة لدى الحكومة والنواب المنتخبين .

–  تشجيع التقارب داخل الأحزاب السياسية .

–  بلورة معارضة برلمانية.

إن هذه المعايير تندرج ضمن نطاق تفعيل المشاركة السياسية في صورة الأحزاب السياسية  والمواطن الناخب ، حيث لايمكن إنكا أو تهميش دور الأحزاب في تفعيل المشاركة السياسية .فوجود برلمان تتنوع فيه التشكيلات السياسية ،يعني التقليل من حجم الضغوطات والمطالب الصادرة عن المجتمع إلى النظام .وتقترح البدائل ومن هنا ،فإقصاء بعض الأحزاب من  خلال القوانين الانتخابية ، واعتماد نظام حزبي غير تنافسي،  نظام لا يتوافق مع الأسس الديمقراطية وهو أيضا أحد مصادر عدم الاستقرار السياسي و التخلف السياسي.

وتشير التجارب الانتخابية في معظم الدول النامية ومنها الدول العربية ،إلى أن الأنظمة الانتخابية، حتى تلك التي أدخلت عليها تعديلات ، لم تؤدي إلى تغييرات حقيقية في ممارسة السلطة ، إذ بقي حزب الأغلبية يحتكر جميع مصادر السلطة ويعمل على إعادة تكريس المناخ السياسي السائد بجموده ومميزاته خاصة ،عدم توازن علاقات القوى بين النخب الحاكمة والمعارضة السياسية بشكل كبير .

فمجمل الإصلاحات التي جرت على الأنظمة الانتخابية في الدول العربية ( مصر، الجزائر، الأردن، المغرب،موريتانيا، تونس…)كانت بمبادرة من السلطة السياسية و مباركتها بهدف:

 – إتاحة الفرصة لفوز حزب سياسي معين

 – تحجيم و إبعاد بعض التشكيلات السياسية

 – ضمان استمرار هيمنة أحزاب معينة

 وكان من نتائج هذه العملية عزوف الناخب عن المشاركة السياسية والإدلاء بصوته، لان هذه الممارسة ولدت له قناعة بأن  نتائج اللعبة محسومة مسبقا  و أن الأحزاب التي تصل إلى البرلمان لاتخرج عن جلباب الحزب الحاكم المهيمن. وان كل الانتخابات تتميز بعد شرعيتها. وبذلك تظهر النظم العربية أو أكثرها، غير ديمقراطية.

وفي الختام  نستنتج انه ، إذا كانت العلاقة بين النظم الانتخابية والنظم الحزبية علاقة تداخل وتشابك، فان تأثيراتها تبرز بالأساس على مستوى المشاركة السياسية من حيث تحديد خاصة القوى السياسية  الفاعلة ، وتهميش بعض القوى الأخرى .وهو ما يؤثر على المشهد السياسي وعلى الممارسة الديمقراطية.و من هنا ، فانه كلما كرست الأنظمة الانتخابية معايير التداول السلمي على السلطة من خلال الابتعاد  عن التهميش و إقصاء مختلف القوى السياسية، كلما اتجه النظام السياسي نحو الاستقرار و الشرعية و المصداقية  .

 الهوامش

[1]مازن عبد الرحمن حسن .اثر النظام الانتخابي على النظام الحزبي.دراسة الحالة الألمانية .رسالة ماجستير .القاهرة. كلية الاقتصاد والعلوم السياسية .2006.ص   15.

2 نفس المرجع.ص  16.

3علي الصاوي .كريم السيد.  النظم الانتخابية في الدول العربية.نظرة مقارنة .في عالية المهدي .محمد مصطفى كمال .النظم الانتخابية ما بين مصر والعالم .2003.ص63.

4نفس المرجع.

 5 أنيبال بيريز. لورا ويلز.” تطور الأنظمة الانتخابية :الدروس المستفادة من أمريكا  اللاتينية. الديمقراطية.العدد1 6 . 2006 .ص..39

6علي الصاوي .كريم السيد. مرجع سبق ذكره.ص  65- 66 .

7مازن عبد الرحمن حسن مرجع سبق ذكره.ص.18.19.

8حمدي عبد الرحمن “.النظم الحزبية والمشاركة السياسية ” .الديمقراطية.العدد 2001    4.  .ص.28.

9نفس الرجع .ص.29.

10نفس الرجع .ص.29.

 11  مازن عبد الرحمن .مرجع سبق ذكره ص.111-112.

12نفس المرجع .ص.109.

13نفس المرجع.ص.113.

14محمد سعد ابو عامود.” الأحزاب بين الدول المتقدمة و النامية “. الديمقراطية. عدد4  السنة 2001 .ص 41 .

15سناء فؤاد عبد الله “.القيم السياسية والفلسفية للعملية الانتخابية”. الديمقراطية.العدد39.جويلية 2000.ص..40

16  نفس المرجع .ص.39.

17 عبد الله صالح .”الآليات الفاعلة لإدارة الانتخابات “.الديمقراطية .العدد.جويلية.2010 .ص.55-56.

18- نفس المرجع.ص.56.

19- سناء عبد النبي.مرجع سبق ذكره.ص.42.

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …