الرئيسية / النظم السياسية / التحول الديمقراطي / التحولات الديمقراطية في أمريكا اللاتينية: نماذج مختارة
التحولات الديمقراطية في أمريكا اللاتينية: نماذج مختارة
التحولات الديمقراطية في أمريكا اللاتينية: نماذج مختارة

التحولات الديمقراطية في أمريكا اللاتينية: نماذج مختارة

التحولات الديمقراطية في أمريكا اللاتينية: نماذج مختارة

أ: مساعيد فاطمة

جامعة قاصدي مرباح ورقلة

  الملخص :

 منذ منتصف العقد الأخير من القرن العشرين و العالم يشهد جملة من التحولات و التغييرات السياسية أهمها تزايد عدد الدول خاصة تلك التي تنتمي للدول النامية التي تبنت عمليات الإصلاح السياسي و الاقتصادي و انتقلت فيها الأنظمة السياسية من نظم حكم شمولية إلى الحكم الديمقراطي، و هي الظاهرة التي أطلق عليها اصطلاح “التحول الديمقراطي Alternance démocratique و التي باتت تمثل بؤرة اهتمام العديد من الباحثين الذين حاولوا رصد الظاهرة و تفسيرها مع التركيز على تداعياتها على المستويات المحلية، الإقليمية و الدولية و ذلك بهدف الوصول إلى اقتراب عام لفهم هذه العملية كظاهرة عالمية، كما استرعت انتباه صناع القرار الذين حاولوا اكتشاف أسبابها و آثارها و الاستراتيجيات التي تتطلبها لتكييفها مع واقع الحال.

أمام هذا الاهتمام المرتبط بقضايا التحول الديمقراطي في الدول النامية، يلاحظ ندرة في الدراسات الخاصة بالإصلاحات التي اعتمدتها دول أمريكا اللاتينية من أجل الانتقال من أنظمة الحكم الشمولية إلى تحقيق البناء الديمقراطي، و التي بدون هذا الاهتمام تبقى دراسات التحول سواء الفاشلة منها  أو الناجحة مبتورة لا يمكن فهمها كظاهرة عالمية، كما لا يمكن الوصول إلى بناء نظري متكامل للديمقراطية في شكلها المعولم.

فقد شهدت دول أمريكا اللاتينية عددا من التطورات السياسية و الاقتصادية الإصلاحية و ذلك بداية من العقد الأخير من القرن العشرين و قد ساعد عدد من العوامل الداخلية و الخارجية في حدوث هذا التحول، خاصة بعد بروز التيارات اليسارية في العديد من دول المنطقة التي وصلت إلى السلطة في غالبية بلدان أمريكا اللاتينية عن طريق آلية التداول الديمقراطي السلمي و كذا تحول الولايات المتحدة إلى قطب عالمي سمح لها بتوسيع فضاء اهتماماتها ليشمل مناطق أخرى من العالم غير المنطقة اللاتينية.

و تبرز أهمية هذه الدراسة عن التحول الديمقراطي في أمريكا اللاتينية لخصوصية التحول في هذه المنطقة من العالم التي عرفت تقريبا كل أشكال و أنماط التحول مقارنة بمثيلاتها في آسيا، إفريقيا و أوروبا الشرقية.

هناك من كانت أسباب التحول نابعة من داخل المجتمع، و هناك من كان التحول مطروحا على المجتمع بفعل الضغوط الخارجية، كما اختلفت دول أمريكا اللاتينية و التي عرفت خبرة التحول من حيث الدرجة و الشدة ، فهناك من قطعت أشواطا كبيرة في طريق التحول و إحداث إصلاحات سياسية و اقتصادية مهمة، و هناك دولا ما تزال في بداية الطريق…كما يمكن الحديث في خبرة التحول اللاتيني أن هناك دول حققت استقرارا في تحولها الديمقراطي و دول أخرى شهدت تراجعا في الديمقراطية، و هناك دول حققت الاستقرار السياسي نتيجة لأخذها بالنمط الديمقراطي و دول عانت من بعض مؤشرات عدم الاستقرار نتيجة لأخذها بالنمط الديمقراطي و التي تسعى حاليا في طرح بدائل أخرى.

كما تتسم دول أمريكا اللاتينية بكونها عرفت عملية التحول نتيجة لمبادرة من أعلى بواسطة النظام، و أخرى عرفت التحول من أسفل بواسطة المعارضة، كما عرفت الظاهرة اللاتينية التحول بالتفاوض بين السلطة و المعارضة.

و يسعى هذا البحث إلى دراسة أهم ملامح التحول الديمقراطي في دول أمريكا اللاتينية مع الإشارة إلى الدور الذي لعبته التيارات اليسارية الداعية إلى التحول بعد نبذ الليبرالية الجديدة و تبني “الطريق الثالث” كإيديولوجية سياسية جديدة لتحقيق البناء الديمقراطي في بعض جمهوريات أمريكا الجنوبية كفنزويلا، البرازيل، الأرجنتين، بوليفيا و التشيلي….

و في هذا الإطار يطرح البحث عددا من التساؤلات البحثية منها: ما هي العوامل التي أدت إلى انطلاق عمليات التحول في أمريكا اللاتينية؟ و ما هو الدور الذي لعبته التيارات اليسارية في إحداث هذا التحول؟ و كيف انعكست عمليات التحول الديمقراطي بدورها على الأداء السياسي؟

و للإجابة على تلك التساؤلات سيتم تقسيم الورقة إلى ثلاثة مباحث رئيسية على النحو التالي:

ـ الإطار ألمفاهيمي للتحول الديمقراطي:

ـ التحول  الديمقراطي و صعود التيار اليساري في أمريكا اللاتينية:

ـ بعض النماذج المختارة

  مقدمة:

منذ منتصف العقد الأخير من القرن العشرين و العالم يشهد جملة من التحولات و التغييرات السياسية أهمها تزايد عدد الدول خاصة تلك التي تنتمي للدول النامية التي تبنت عمليات الإصلاح السياسي و الاقتصادي و انتقلت فيها الأنظمة السياسية من نظم حكم شمولية إلى الحكم الديمقراطي، و هي الظاهرة التي أطلق عليها اصطلاح “التحول الديمقراطي Alternance démocratique و التي باتت تمثل بؤرة اهتمام العديد من الباحثين الذين حاولوا رصد الظاهرة و تفسيرها مع التركيز على تداعياتها على المستويات المحلية، الإقليمية و الدولية و ذلك بهدف الوصول إلى اقتراب عام لفهم هذه العملية كظاهرة عالمية، كما استرعت انتباه صناع القرار الذين حاولوا اكتشاف أسبابها و آثارها و الاستراتيجيات التي تتطلبها لتكييفها مع واقع الحال.

أمام هذا الاهتمام المرتبط بقضايا التحول الديمقراطي في الدول النامية، يلاحظ ندرة في الدراسات الخاصة بالإصلاحات التي اعتمدتها دول أمريكا اللاتينية من أجل الانتقال من أنظمة الحكم الشمولية إلى تحقيق البناء الديمقراطي، و التي بدون هذا الاهتمام تبقى دراسات التحول سواء الفاشلة منها  أو الناجحة مبتورة لا يمكن فهمها كظاهرة عالمية، كما لا يمكن الوصول إلى بناء نظري متكامل للديمقراطية في شكلها المعولم.

فقد شهدت دول أمريكا اللاتينية عددا من التطورات السياسية و الاقتصادية الإصلاحية و ذلك بداية من العقد الأخير من القرن العشرين و قد ساعد عدد من العوامل الداخلية و الخارجية في حدوث هذا التحول، خاصة بعد بروز التيارات اليسارية في العديد من دول المنطقة التي وصلت إلى السلطة في غالبية بلدان أمريكا اللاتينية عن طريق آلية التداول الديمقراطي السلمي و كذا تحول الولايات المتحدة إلى قطب عالمي سمح لها بتوسيع فضاء اهتماماتها ليشمل مناطق أخرى من العالم غير المنطقة اللاتينية.

و تبرز أهمية هذه الدراسة عن التحول الديمقراطي في أمريكا اللاتينية لخصوصية التحول في هذه المنطقة من العالم التي عرفت تقريبا كل أشكال و أنماط التحول مقارنة بمثيلاتها في آسيا، إفريقيا و أوروبا الشرقية.

هناك من كانت أسباب التحول نابعة من داخل المجتمع، و هناك من كان التحول مطروحا على المجتمع بفعل الضغوط الخارجية، كما اختلفت دول أمريكا اللاتينية و التي عرفت خبرة التحول من حيث الدرجة و الشدة ، فهناك من قطعت أشواطا كبيرة في طريق التحول و إحداث إصلاحات سياسية و اقتصادية مهمة، و هناك دولا ما تزال في بداية الطريق…كما يمكن الحديث في خبرة التحول اللاتيني أن هناك دول حققت استقرارا في تحولها الديمقراطي و دول أخرى شهدت تراجعا في الديمقراطية، و هناك دول حققت الاستقرار السياسي نتيجة لأخذها بالنمط الديمقراطي و دول عانت من بعض مؤشرات عدم الاستقرار نتيجة لأخذها بالنمط الديمقراطي و التي تسعى حاليا في طرح بدائل أخرى.

كما تتسم دول أمريكا اللاتينية بكونها عرفت عملية التحول نتيجة لمبادرة من أعلى بواسطة النظام، و أخرى عرفت التحول من أسفل بواسطة المعارضة، كما عرفت الظاهرة اللاتينية التحول بالتفاوض بين السلطة و المعارضة.

و يسعى هذا البحث إلى دراسة أهم ملامح التحول الديمقراطي في دول أمريكا اللاتينية مع الإشارة إلى الدور الذي لعبته التيارات اليسارية الداعية إلى التحول بعد نبذ الليبرالية الجديدة و تبني “الطريق الثالث” كإيديولوجية سياسية جديدة لتحقيق البناء الديمقراطي في بعض جمهوريات أمريكا الجنوبية كفنزويلا، البرازيل، الأرجنتين، بوليفيا و التشيلي….

و في هذا الإطار يطرح البحث عددا من التساؤلات البحثية منها: ما هي العوامل التي أدت إلى انطلاق عمليات التحول في أمريكا اللاتينية؟ و ما هو الدور الذي لعبته التيارات اليسارية في إحداث هذا التحول؟ و كيف انعكست عمليات التحول الديمقراطي بدورها على الأداء السياسي؟

و للإجابة على تلك التساؤلات سيتم تقسيم الورقة إلى ثلاثة مباحث رئيسية على النحو التالي:

مقدمة:

المبحث الأول : الإطار ألمفاهيمي للتحول الديمقراطي:

أ/ مفاهيم التحول و الانتقال الديمقراطي

ب/ التفاعل بين مفهوم التحول الديمقراطي والمفاهيم الأخرى   

المبحث الثاني : التحول  الديمقراطي في أمريكا اللاتينية:

أ/ عوامل التحول الديمقراطي في دول أمريكا اللاتينية:

ب/ أنماط التحول الديمقراطي في دول أمريكا اللاتينية

المبحث الثالث : بعض النماذج المختارة

أ/ النموذج البرازيلي

ب/ الخبرة الفنزويلية

خاتمة

المبحث الأول : تحديد المفاهيم…..مدخل للفهم

1 / التعريف بعملية التحول الديمقراطي:

يعتبر مفهوم التحول الديمقراطي من المفاهيم التي شغلت الأوساط الأكاديمية و السياسية على حد سواء، حيث يعلق الخبراء و صناع القرار أمالا واعدة على مرحلة انتقال أنظمة الحكم من الأحادية إلى التعددية السياسية التي تضمن حق المشاركة السياسية و التداول السلمي للسلطة السياسية، و لقد تعددت المفاهيم المتداولة للحديث عن عملية التحول فقد تداخلت مفاهيم التحول الديمقراطي مع مفهوم التحول الليبرالي، الانتقال الديمقراطي و الإصلاح السياسي، لذا وجب تحديد كل مفهوم والتمييز بينه و بين المفاهيم الأخرى.

مفاهيم الانتقال و التحول الديمقراطي :

في البداية لا بد من التمييز بين الانتقال الديمقراطي، التحول الليبرالي، التحول الديمقراطي، يقصد بالانتقال الديمقراطيTransition démocratique   المرور من مرحلة إلى أخرى عبر أسلوب جديد في إدارة دفة الأمور.

و وفقا لما قاله أودونيل و شمبيتر ShumpeterJ. فإن مفهوم الانتقال Transition يقصد به المرحلة الفاصلة بين نظام سياسي و آخر، وأثناء عملية الانتقال أو في أعقابها يتم تدعيم النظام الجديد و تنتهي هذه العملية في اللحظة التي يجري فيها اكتمال تأسيس النظام الجديد و عمليات الانتقال لا تحسم دائما الشكل النهائي لنظام الحكم، فهي قد تؤدي إلى تحلل النظام السلطوي و إقامة  شكل من أشكال الديمقراطية، وقد تتم العودة إلى بعض أشكال الحكم السلطوي، مثل ما حدث في باكستان سنة 1977، عندما أعلن ضياء الحق فترة انتقال مدتها ستة أشهر و مع ذلك استمر في الحكم 11 سنة و في مصر الناصرية، حيث أعلن جمال عبد الناصر فترة انتقال مدتها عامان لكن حكمه استمر 18 سنة منذ ذلك الإعلان، ومثل مصر و باكستان دول كثيرة عرفت الانتقال لكنها لم تعرف الديمقراطية  (أحمد طلعت، الوجه الآخر للديمقراطية، الجزائر: المؤسسة الوطنية للنشر و التوزيع، 1990 ، ص 25 و 26)

هناك ثلاثة نماذج من الانتقال الديمقراطي : الانتقال عن طريق انتخابات نزيهة، الانتقال عبر إصلاحات اقتصادية، الانتقال عبر آليات أخرى.

بينمايقصد بعملية التحول الليبراليLibéralisation démocratique تفعيل بعض الحقوق التي تحمي الأفراد و الجماعات من أية أعمال تعسفية أو غير قانونية  قد ترتكبها الدولة أو  أطراف ثالثة (هالة سيد مصطفى، النظام السياسي و استراتيجيات التعامل مع الحركات الإسلامية المعارضة: دراسة حالة مصر، رسالة دكتوراه مقدمة لكلية الاقتصاد و العلوم السياسية، القاهرة، 1994، ص 132 ) و يحصر د/ حسنين توفيق إبراهيم عملية التحول الليبرالي في عملية التحرير السياسي التي تمثل شرطا لتحقيق الديمقراطية لكنها غير كافية، فهي بمثابة خطوات على طريق الدمقرطة.

كما أنها لا تقود حتما إلى الديمقراطية حيث يمكن التراجع عنها أو اتخاذها آلية لتحديث النظام التسلطي بما يبرر قدرته على حرية الرأي و التعبير و تحسين سجل حقوق الإنسان و تخفيف قبضة الدولة على المجتمع المدني و السماح بشكل من التعددية الحزبية، بينما تتمثل أهم أركان الديمقراطية في كفالة تشكيل الأحزاب و التنظيمات السياسية و التداول السلمي على السلطة من خلال انتخابات دورية تتسم بالحرية و النزاهة و إقرار مبدأ الفصل بين السلطات و توفير ضمانات المساءلة و المحاسبة….إلخ (د/ حسنين توفيق إبراهيم، التحول الديمقراطي و المجتمع المدني في مصر، القاهرة: ط 1، ص 22 ).

و يبقى التحول الديمقراطي  Alternance démocratiqueيمثل مرحلة متقدمة على الانتقال الديمقراطي، تتميّز بالصعوبة و التعقيد و تتمثل عملية التحول في التغيّر البطيء و التدريجي للأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية في بلد ما دون التنكر لما سبق تحقيقه بالاعتماد على التجارب السابقة قصد الاستفادة منها. فهي العملية التي يجري بموجبها تطبيق قواعد و إجراءات المواطنة على المؤسسات السياسية التي كانت محكومة بمبادئ أخرى أو توسيع هذه القواعد و الإجراءات (هالة سيد مصطفى، النظام السياسي  و استراتيجيات التعامل  مع الحركات الإسلامية، مرجع سابق، ص 134).

ويرى ص. هانتغتون أن موجة التحول الديمقراطي عبارة عن مجموعة من حركات الانتقال من النظام غير الديمقراطي إلى النظام الديمقراطي تحدث في فترة زمنية محددة و تفوق في عددها  حركات الانتقال في الاتجاه المضاد خلال نفس الفترة الزمنية (صامويل هانتنجتون، ترجمة د/ عبد الوهاب علوب، الموجة الثالثة: التحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين، مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، 1993 ، ص 72). و قد حدثت ثلاث موجات من التحول إلى الديمقراطية في العالم الحديث.

 أما الممارسة الديمقراطيةAction démocratique فهي التطبيق العملي للديمقراطية كقيمة عالمية comme valeur universelle، فالعبرة كما يقول إسماعيل صبري عبد الله، “بالممارسة و ليس بالنصوص الدستورية”. فالممارسة الديمقراطية تحكمها ضوابط رسمية و مؤسسات و آليات تهدف إلى ممارستها في الواقع.

ب/ التفاعل بين التحول الليبرالي و التحول الديمقراطي:

ليس التحول الليبرالي و الديمقراطي مترادفان على الرغم من وجود علاقة وثيقة بينهما، فبدون ضمانات حرية الفرد و الجماعة أي بدون تحول ليبرالي لا  يمكن ضمان تحقيق التحول الديمقراطي و من ناحية أخرى بدون حرية الانتخابات و المحاسبة السياسية لا يمكن الحديث عن تحول ليبرالي الذي يضمن احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية.

و تأسيسا على ما سبق فإن التحول الديمقراطي يقصد منه تراجع نظم الحكم السلطوي بكافة أشكاله و ألوانه لتحل محلها نظم أخرى في الحكم تعتمد على الاختيار الشعبي الحقيقي و على المؤسسات السياسية المتمتعة بالشرعية و على الانتخابات النزيهة كوسيلة لتبادل السلطة، و أطلق على عملية الانتقال من الحكم السلطوي إلى الحكم الديمقراطي اصطلاح التحول الديمقراطي و هي الخبرة التي عرفتها العديد من الدول في شرق وسط و جنوب أوروبا، إفريقيا، أسيا و أمريكا اللاتينية  (د/ محمد السيد سليم و السيد صدقي عابدين، التحولات الديمقراطية في آسيا، مركز الدراسات الآسيوية، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، القاهرة، 1999، ص 2).

و تختلف أسباب التحول من النظام السلطوي إلى النظام الديمقراطي من حالة لأخرى، فقد تكون أسباب التحول نابعة من داخل المجتمع ذاته كحالة الهند، كما قد تكون ناتجة عن ظروف خارجية  كحالة اليابان عقب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية حيث فرضت عليها الدول المتحالفة نظاما ديمقراطيا (د/ محمد السيد سليم، تطور السياسة الدولية في القرنيين 19 و 20 ، القاهرة، دار الفجر للنشر و التوزيع، ط 3 ، 2008 ، ص 466 ).

و يشير التحول إلى عملية التفاعل بين النخب و العناصر المعارضة، فالعملية لا تسير وفق خط واحد، قد يحدث التحول بمبادرة من أعلى بواسطة النظام السياسي أو عن طريق التفاوض بين السلطة و المعارضة أو من أسفل بواسطة المعارضة (أحمد جمال عبد العظيم،عملية التحول الديمقراطي في الصين، رسالة دكتوراه مقدمة لكلية الاقتصاد و العلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2004).

–       التعريف بمفهوم الإصلاح   Reforme

هو كافة الخطوات المباشرة و غير المباشرة التي يقع عبء القيام بها على عاتق كل من الحكومات و المجتمع المدني و مؤسسات القطاع الخاص، و ذلك للسير بالمجتمعات قدما إلى الأمام و في غير إبطاء أو تردد و بشكل ملموس في طريق البناء (السيد يسين، الإصلاح العربي بين الواقع السلطوي و السراب الديمقراطي، ص 127).

و يمكن استعمال مفهوم الإصلاح للدلالة على التغييروالتعديل نحو الأفضل لوضع شاذ أو سيء، ولا سيما في ممارسات وسلوكيات مؤسسات فاسدة،أو متسلطة، أو مجتمعات متخلفة، أو إزالة ظلم، أو تصحيح خطا أو تصويباعوجاج.

فكلمة الإصلاح ليست جديدة على الفكرالسياسي العربي، فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من سورة «والله يعلمالمصلح من المفسد»، وقوله مخاطباً فرعون «إنْ تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض،وما تريد أن تكون من المصلحين»، وبالتالي فان مفهوم الإصلاح ليس جديداً في العقلالعربي – الإسلامي، بل هو مفهوم قديم لم يبدأ بظهور الأفكار والتيارات الإصلاحية فيالقرن الماضي أو المبادرات الإصلاحية في الوقت الراهن، فالدعوة إلى الإصلاح بدأتقديماً في الدولة الإسلامية.

كما أن فكرة الإصلاح فكرة ارتبطت بكتابات قدماء المفكرين اليونان من أمثال أفلاطون وأرسطو تضمنت الكثير منالأفكار الإصلاحية مثل العدالة والقوانين وتنظيم المجتمع والدولة والاستقرارالسياسي والتوزيع العادل للثروة وغيرها، كما تضمنتها النظريات السياسية للفلاسفةوالمفكرين منذ أيام مكيافللي في العصور الوسطى حتى كارل ماركس في القرن العشرين.

فتمرد اللورد كروميل في بريطانيا في منتصف القرن السابع عشر،والثورة الفرنسية 1789، وقبلها الثورة الأمريكية وغيرها من الحركات السياسية جاءتجميعاً لتحقيق إصلاحات سياسية في المقام الأول، فهذه الثورات الديمقراطية هي التيوضعت حدا للاستبداد السياسي، وأمنت الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين (د. محمد تركي بنيسلامة، الإصلاح السياسي دراسةنظرية، موقع موسوعة دهشة، اكتوبر 2007)و الحقيقة أن هذا التعريف يثير تساؤلاً فيما إذا كان الإصلاحيقود بالضرورة إلى وضع أفضل من الوضع السابق؟ يرى دعاة وأنصار الفكرالماركسي أن كل الإصلاحات والتغييرات التي يمكن أن تحدث في الفكر الرأسمالي لا قيمة لها لأنها عاجزة كلياً عن حل تناقضات النظام الرأسمالي، فالثورة هي الحل الوحيد للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منهاالنظام الرأسمالي.

كما قد تبدأ بعض الأنظمة السياسية بخطواتديمقراطية تتمثل بالحريات الصحفية والسماح بتأليف منظمات المجتمع المدني من أحزابونقابات، ثم يلي ذلك إجراء انتخابات ديمقراطية لمجالس بلدية أو برلمانات، ثم ماتلبث هذه الأنظمة أن تكتشف أن هذه المؤسسات تزعج السلطات الحاكمة وتحد من استبدادهافتتراجع عن هذه الخطوات.

إن الحديث عن أي تغييرات في وضع ما إصلاحاً يتطلب توافر الظروف التالية:

– أن يكون هناك وضع شاذ يحتاج إلى إصلاح.

– أن يكون التغيير نحو الأفضل، فتسود الحرية محل الاستبداد.

–  أن يكون التغيير له صفة الاستمرارية ولا يتم التراجععنهIrréversible .

الإصلاح كممارسة:

شهدت الدول النامية في العشرية الأخيرة من القرن العشرين تطورات سياسية مهمة شملت تعديلات دستورية، وإجراء انتخابات نيابية وبلدية، وحالات انفتاح سياسي غير مسبوقة، وزيادة مشاركة المرأة في الحياة العامة، وإجراء حوار سياسي وديني يستند إلى مبدأ التسامح، إجراء تغييرات هيكلية في القطاعات الاقتصادية…وبغض النظر عن الأسباب التي دعت إلى عملية الإصلاح السياسي في هذه الدول، فقد تكونت قناعات جديدة شعبية ورسمية بضرورة الإصلاح وأهميته واعتباره المدخل الرئيسي لتجديد أسس الشرعية السياسية، وصياغة عقد اجتماعي جديد بين الحكام والمحكومين، بما يسهم في تعزيز المشاركة الشعبية في الشأن العام، وتقوية مؤسسات المجتمع المدني، وتحديث أجهزة الدولة ومؤسساتها على النحو الذي يجعلها مؤهلة للتعامل مع تحديات مرحلة ما بعد الحرب الباردة واستحقاقات عصر العولمة.

التفاعل بين التحول الديمقراطي و الإصلاح السياسي:

تجدر الإشارة إلى وجود تشابك و تداخل بين مفهوم التحول الديمقراطي و بين إجراءات الإصلاح، حيث تؤدي الأخيرة إلى حدوث تطور ايجابي في الأولى، و من ثم فإن قياس عمليات الإصلاح السياسي أو الاقتصادي في دولة ما غالبا ما تتداخل مع معايير ما تخوضه هذه الدولة من عملية التحول الديمقراطي. فقد أصبحت كلمة الإصلاح تتردد الآن في كل موضع سواء محليا، إقليميا أم دوليا و تعددت الخطابات التي تتناول قضية الإصلاح فهناك الخطابات الرسمية التي تصدر عن حكومات الدول النامية على اختلافها و التي تحذر من فرض الإصلاح من الخارج و هناك الخطابات التي تصدر عن مؤسسات المجتمع المدني حيث تنادي بالإصلاح السياسي و الاقتصادي : الأحزاب، النقابات المهنية، الجمعيات غير الحكومية، المثقفين…(د/ عبد الرضا علي أسيرى، التحول الديمقراطي في دول مجلس التعاون الخليج، السياسة الدولية، العدد 167، جانفي 2007، ص 35)      

المبحث الثاني: التحول الديمقراطي في أمريكا اللاتينية:

أ/ عوامل التحول الديمقراطــي :

مع نهاية الثمانينات و بداية التسعينات شهد العالم تحول العديد من دوله خاصة تلك التي تنتمي للدول النامية و منها دول أمريكا اللاتينية إلى الأخذ بالديمقراطية و التعددية السياسية أو ما أطلق عليها هانتجتون “الموجة الثالثة”. هذا التطور يمكن تفسيره على ضوء ثلاث مجموعات من العوامل:

–  المجموعة الأولى: 

تتعلق بالتجربة الذاتية للدول النامية و غياب الزعامات الكارزمية التي قادت حركات التحرر الوطني نحو الاستقلال. و كانت هذه المجموعة من العوامل الداخلية أهم عوامل و دوافع التحول خاصة بعد غياب الزعامات الكارزمية التي قامت بدور الموجه داخل المجتمع و التي كانت تمثل بديلا لغياب الهياكل الإدارية و المؤسسية. فبغياب الزعامات حدثت انقسامات شديدة داخل الأنظمة الشمولية لذا طرحت التعددية كبديل.

و قد أكدت دراسة أودنيل و شومبيتر أنه لا يمكن أن يكون هناك تحول إلى الديمقراطية لا يكون ناتجا بشكل مباشر أو غير مباشر عن انقسامات مهمة داخل النظام التسلطي و بالتحديد من خلال الانقسام داخل بنية النظام بين المتشددين و الانفتاحيين بين صقور النظام المحافظة على الأوضاع كما هي و الداعين إلى التغيير و المبشرين بمرحلة جديدة. و يمكن إرجاع أسباب هذا الانقسام داخل النخبة إلى سببين رئيسيين، مرتبطين بأزمة شرعية النظام و ندرة الموارد الاقتصادية.

 غير أن الخبرة اللاتينية في التحول الديمقراطي أكدت أن عودة ” ظاهرة الزعيم الكاريزمي” أو الزعامة الشعبية عبر صناديق الاقتراع من شأنها أن تحدث التحول، و نظرا للعلاقة العضوية الني تجمع الزعيم بالجماهير الشعبية فقد لعبت هذه الزعامات دورا شديد الأهمية في المحافظة على “الديمقراطية” في بعض دول أمريكا اللاتينية.

–  المجموعة الثانية:  

و هي العوامل المرتبطة بالظروف الاجتماعية و الاقتصادية، فمع نمو الطبقات الوسطى بعد الاستقلال لم تستطع “الديمقراطية الهشة” التي قامت في فترة الاستعمار أن تقاوم طويلا و تهاوت بسرعة تحت ضربات القوى الاجتماعية الجديدة التي سلمت مقاليد الأمور إلى الجيش و النخبة العسكرية بشكل عام (عمرو عبد الكريم سعداوي، التعددية السياسية في العالم الثالث : الجزائر نموذجا، السياسة الدولية، العدد 138، أكتوبر 1999، ص58)  و نشأت على اثر ذلك أنظمة الحزب الواحد قضت على أي محاولة لتحقيق التعددية. لكن انعكست هذه العوامل الاقتصادية والاجتماعية على الأوضاع السياسية في أمريكا اللاتينية، ففي الفترات التي يعاني منها الشعب اللاتينو أمريكي من تدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تحدث اضطرابات سياسية واسعة للمناداة بإجراء إصلاحات و بالتالي تنظيم انتخابات حرة و نزيهة.

و تندرج هاتين المجموعتين في سياق العوامل الداخلية التي جاءت نتيجة تراجع النظم الشمولية الديكتاتورية و اتساع حركة المطالبة بالديمقراطية في كل من آسيا، إفريقيا و أمريكا اللاتينية (محمد مصطفى، التحول الديمقراطي في نيجيريا إلى أين؟ السياسة الدولية، أكتوبر 1993، العدد 114 ، ص 204).

و لقد توصل أودنيل و شمبيتر إلى أن هناك نقطة تغيير هامة في عملية التحول الديمقراطي و هي حين تقرر العناصر المتحالفة في النخبة مثل ملاك الأراضي و الصناعيين و التجار و رجال الأعمال أن النظام التسلطي لم يعد ضروريا و يمكن الاستغناء عنه لأنه أصبح يشكل عامل تهديد لمصالحهم و هو ما حدث بالفعل في بعض تجارب دول أمريكا اللاتينية.

–   المجموعة الثالثة: 

ترتبط هذه المجموعة بالمؤثرات الخارجية و انعكاساتها على الأوضاع السياسية الداخلية للدول النامية منها دول أمريكا اللاتينية، و هي المؤثرات المرتبطة بالتحولات التي طرأت على المحيط الدولي و الإقليمي بعد انتهاء الحرب الباردة الثانية و انهيار الأنظمة الشيوعية في أوروبا، لم تعد هناك حاجة لتعزيز الأنظمة القائمة بل تعرضت هذه الأنظمة إلى ضغوط خارجية خاصة من قبل الولايات المتحدة بعد أن أصبحت القوة الكبرى مهيمنة  على النسق الدولي لتتبنى هذه الأنظمة إصلاحات اقتصادية و سياسية.

و بين الضغوط الداخلية و الخارجية اتسعت مساحة تطبيق النموذج الديمقراطي في بداية القرن 21 عبر صناديق الاقتراع و هو ما استلزم البحث في نماذج التحول الديمقراطي في أمريكا اللاتينية كنموذج.

vالسمات العامة لأمريكا اللاتينية:

لم تعد أمريكا اللاتينية من المناطق البعيدة عن الأنظار بل أصبحت تحظى باهتمام عالمي متزايد نتيجة للتطورات التي عرفتها المنطقة منذ دخولها عالم الدمقرطة و التي مست مختلف مناطقها ابتداء من دول الكاريبي (كوبا مع بعض التحفظ،  هايتي، جمهورية الدومينكان، جاميكا…)، مرورا بأمريكا الوسطى ( و المتضمنة لدول، كالسلفادور، بنما، هاندوراس، كوستريكا، نيكارغوا، جواتيمالا، بيليز)، وصولا إلى أمريكا الجنوبية (فنزويلا، كولومبيا، اكوادور، بوليفيا، البرازيل، بيرو، الأرجنتين، التشيلي، أورغواي، باراغواي).

و لعل مرجع ذلك عدة عوامل في مقدمتها:

  • التجارب الديمقراطية الناشئة و الرائدة.
  • الظروف بالغة الصعوبة التي واجهت و تواجه كل تجربة.
  • أن الدولتين محل الدراسة و هما : فنزويلا و البرازيل- و معهما تجارب أخرى لا يتسع الحديث عنها كلها-   سارت في طريق مختلف عن الأخرى.
  • أن كل هذه الدول بها كثافة سكانية ضخمة.

و لفهم هذه التجارب اللاتينية لا بد من إلقاء نظرة عامة على القارة من حيث السمات و الدلالات ثم نظرة أكثر تفصيلا على القوتين الرئيسيتين فيها.

تمثل أمريكا اللاتينية مساحة ضخمة مترامية الأطراف فهي من القارات الكبيرة التي تبلغ مساحتها نحو 20،5 مليون كلم2 و هي تمتد في شكل شبه جزيرة كبيرة طويلة الشكل تمتد بين الشمال و الجنوب في نحو 10700 كم في حين لا يتجاوز أقصى عرض لها بين الشرق و الغرب ب 5000 كلم.

و تتسم المنطقة بالسمات الآتية:

–   أنها قارة الحضارات العريقة، نشأت بها حضارة الأزتك  (Aztèques)  المنتشرة بأمريكا الوسطى تحديدا بالمكسيك، حضارة المايا (Maya) التي تعتبر واحدة من أعظم الحضارات التي عاشت في أمريكا الوسطى و شملت وسطالمكسيك جنوباً باتجاه جواتيمالا، بيليز، السلفادور، ھوندوراس و نيكاراجوا حتىكوستاريكا،  و حضارة الإنكا (Inca) و هي حضارة قديمة بنتها شعوب من الهنود الحمر في منطقة أمريكا الجنوبية، و هي كلها حضارات عرفت بانجازاتها الكبرى في التاريخ العالمي.

–   أنها قارة الكتل البشرية الضخمة المتنوعة الأصول، الهنود الحمر و هم السكان الأصليين، مهاجرون من أوروبا، آسيا، إفريقيا و الوطن العربي، فقد تجاوز عدد سكانها من 400 مليون نسمة في سنة 1985 إلى 600 مليون نسمة في سنة 1990 (د/ محمود عبد المنعم مرتضي، أمريكا اللاتينية بين رياح الديمقراطية و التحديات الاقتصادية، السياسة الدولية، العدد 107، جانفي 1992، ص 181)

–   أنها قارة أكبر مخزون استراتيجي للطاقة سواء الطاقة التقليدية (النحاس: بوليفيا)، الطاقة الحديثة (النفط: فنزويلا و المكسيك، الغاز: بوليفيا)، الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية، طاقة الرياح).

–   أنها قارة النهضة الواعدة ففيها البرازيل التي يبلغ عدد سكانها 165 مليون نسمة و صاحبة أكبر معدل نمو اقتصادي على مدى 10 سنوات الأخيرة، تملك ثروات طبيعية ذات وزن و أصبحت ثامنأكبر القوى الصناعية في العالم وخامس أكبر الدول المصدرة للسلاح .و بها عدد من القوى الاقتصادية و السياسية مثل فنزويلا خامس مصدر للنفط، الفاعلة على المسرح الدولي و التي نجحت في إعادة رسم الخارطة الجيو سياسية في القارة بعيدا عن سياسة التبعية للولايات المتحدة و دول أخرى مثل الأرجنتين، التشيلي و أوروغواي التي حققت قفزات مهمة بعد فترات الكساد، و بها أكبر الأسواق العالمية.

–   أنها القارة التي تعد الأقل تعرضا  للنزاعات الدولية للقرن 21، مثل قضية صراع الحضارات، هجمات الجماعات الإرهابية المتطرفة لكنها من المناطق التي دخلت مؤخرا في سباق حقيقي و غير مسبوق نحو التسلح.

–   أنها القارة التي تتسم بالتغيّر السريع  وتشهد انفجار نضالات جماهيرية ضخمة ،وتبحث عن بديل للسياسات الفاسدة للبرجوازيات الصغيرة القومية.

–   أنها القارة التي تسعى دوما لمناهضة بارونات تجارة المخدرات، هذه التجارة التي تضرب بعمق في البنية  الاقتصادية للعديد من دول القارة، خاصة في بيرو، كولومبيا، البرازيل، بوليفيا….

–         أنها القارة التي تتسم بالتنوع الشديد فيما بينها لكنها تسعى للتوحد الإقليمي لمواجهة الهيمنة الأمريكية.

–   أنها القارة التي تتضمن كتلا لاتينو أمريكة ممتدة تتمثل في القوى الإقليمية : تجمع المركوسور الاقتصادي، بنك الجنوب، و اتحاد أمم أمريكا الجنوبية (اليوناسورUNASURمجموعة دول الآند (CAN التي تضم فنزويلا و كولومبيا وبيرو والإكوادور وبوليفيا، مجلس الدفاع المشترك لدول قارة أميركا الجنوبية” (CDS) بمشاركة وزراء دفاع كل من الأرجنتين والبرازيل والتشيلي وأوروغواي وبوليفيا وكولومبيا والإكوادور وبيرو وغويانا وسورينام وفنزويلا.  لا يهدف مجلس الدفاع المشترك إلى خلق تحالف عسكري على غرار حلف النيتو مثلا، كما ليس من المنتظر منه أن يشكل قوة مسلحة مشتركة بين دول القارة، وإنما تتمثل أهدافه الرئيسة في تقديم الوسائل الداعمة لبناء جسور من الثقة بين دول القارة، و تفعيل التكامل الإقليمي، وفتح الأبواب أمام تشاور وتعاون مشترك في قضايا الدفاع الخاصة بدول أميركا الجنوبية..

vهذا الوضع يشير إلى عدة دلالات نوجزها فيما يلي: 

الدلالة الأولى: أن أمريكا اللاتينية رغم عراقتها التاريخية و أصولها الحضارية فإنها لم تستقر سياسيا، اقتصاديا واجتماعيا.

الدلالة الثانية: أنها كانت أقل المناطق تفاعلا، اليوم أصبحت تتطلع إلى خارج القارة للبحث عن شريك استراتيجي لمواجهة الليبرالية الجديدة (الصين، روسيا، الهند، اليابان، إيران، دول إفريقيا جنوب الصحراء، الوطن العربي…)

الدلالة الثالثة: أن القوى العالمية في الماضي، مثل اسبانيا، البرتغال، بريطانيا و في الحاضر الولايات المتحدة سعت للسيطرة عليها (أمريكا للأمريكيين) و لا زالت تسعى للتأثير عليها و توجيهها و هذا واضح في منظمة الدول الأمريكيةOAS ، فضلا عن القواعد العسكرية المنتشرة في وسط و جنوب القارة (قاعدة بلانكيرو الكولومبية، قاعدة تيغوسيغالبا في كوستاريكا).

الدلالة الرابعة: أن أمريكا الجنوبية قامت على أساس مبدأ التوازن لعبته قوى خمسة هي: البرازيل، فنزويلا، الأرجنتين، التشيلي، كولومبيا كقوى لاتينو أمريكية لا تستطيع أي منها تهديد كل القارة فكل واحدة تمثل رادعا للأخرى. هذا التوازن ساعد في حماية الدول المتوسطة مثل بوليفيا، بيرو، إكوادور…

الدلالة الخامسة: الاتفاق على عدو مشترك للقارة لوجود مبدأ التوازن.

الدلالة السادسة: أن أمريكا اللاتينية من المحتمل أن تكون مركز السياسة الدولية في القرن المقبل على غرار منطقة جنوب شرق آسيا للاعتبارات التالية:

–         أنها مركز للثروة النفطية التي يتصارع عليها العالم

–         أنها سوق ضخمة كامنة تسعى إليها الشركات العملاقة

–         أنها مستودع للمشكلة السكانية في العالم

–         أنها تحتوي على إمكانيات تكنولوجية ضخمة واعدة

–         أنها تمثل قلب العالم الحديث

الدلالة السابعة: أن جنوب القارة ينصب عليه الاهتمام من حيث احتمالات أن يلعب دورا سياسيا و اقتصاديا على الساحة الدولية.

ب/ أنماط التحول الديمقراطي في أمريكا اللاتينية:

بعد عقود طويلة من سلطة حكومات شمولية ذات طبيعة عسكرية، استطاعت جمهوريات أمريكا اللاتينية أن تلحق تدريجيا بركب الديمقراطية ابتداء من 80 من القرن 20 ، فإذا استثنينا التدخل العسكري الأمريكي في بنما في مطلع التسعينات و الانقلاب العسكري في هايتي في أكتوبر 1991 مست حركة الانتقال التاريخي من الديكتاتوريات العسكرية إلى  الديمقراطيات الليبرالية كافة دول القارة  و حل محل الجنرالات طائفة من الرؤساء المثقفين و التكنوقراطيين  و رجال الأعمال الناجحين الذين حملتهم الانتخابات الشعبية إلى سدة الحكم (د/ محمد عبد المنعم مرتضي، أمريكا اللاتينية بين رياح الديمقراطية و التحديات الاقتصادية، السياسة الدولية، العدد 107، جانفي 1992، ص 181)، ليحل محلهم فيما بعد قيادات وطنية يسارية و أخرى نقابية، ساهمت في عودة الظاهرة الكارزمية إلى الواجهة.

و الخبرة اللاتينية في التحول الديمقراطي رغم حداثتها هي بمثابة انقلاب على عهود طويلة من الاستبداد الداخلي و التدخل الخارجي من الولايات المتحدة و المؤسسات المالية و التجارية العملاقة. كما ارتبطت عملية الدمقرطة بالكفاح ضد برونات المخدرات، بمواجهة الديون الضخمة المتراكمة، بتدهور الحياة الاقتصادية و تردي الظروف الاجتماعية للسواد الأعظم من سكان القارة.

فمنذ عام 1988  لجأت دول أمريكا اللاتينية  مجتمعة إلى وضع أنظمة ديمقراطية بعد مرورها بموجات من التحول المضاد، و جاءت هذه الإصلاحات نتيجة لتنظيمها لانتخابات حرة و نزيهة سمحت بتوسيع هامش المشاركة السياسية لمختلف الأحزاب السياسية المتواجدة داخل المشهد السياسي اللاتيني (Jean Beauté : La Présidence Reagan : Second mandat 1985-1989,Paris, la documentation française 1991, P97)

و في هذا السياق، يشير بعض الدارسين و مهتمين بالشأن اللاتينو- أمريكي أن تجارب التحول الديمقراطي ارتكزت على أربعة أنماط  من التحول تمثلت في :

أولا / التنازلات: تبدأ كخيار ذاتي لدى النخبة الحاكمة تقبل عليه لأنها تشعر بأنها لن تتمكن من ضمان استمرارها في الحكم و مصالحها المباشرة و غير المباشرة إذا لم تقدم تنازلات إلى المواطنين و إلى المعارضين، هذه القناعة الذاتية تتكون نتيجة مؤثرات متنوعة و متباينة من بلد لآخر لكنها في نهاية المطاف تفضي إلى انفتاح سياسي محدود و بطيء يفتح نافذة على الديمقراطية، هذا ما حدث في البرازيل في مرحلة نهاية حكم العسكريين، حيث لم تتمكن المعارضة في 1989 من التوصل إلى السلطة لولا تحالفها مع بعض قطاعات داخل السلطة العسكرية (Emir Sader, Reconstruire la droite en guise de troisième voie : Le Pacte des élites brésiliennes, Monde diplomatique, N 535   45ème année, octobre 1998, P6)

ثانيا / المفاوضات: يتم الانتقال إلى هذه المرحلة عندما يشعر قادة النخبة الحاكمة أنه من الأفضل لهم الانسحاب من السلطة لكن في نفس الوقت تأمين الخروج عن طريق سلسلة من الاتصالات و المشاورات و الاتفاقات و هذا ما حدث في التشيلي و سلفادور.

ثالثا / الخروج من الحكم: يتم تحت الضغوط الشعبية و المعارضة و بسبب التصدع داخل النخبة الحاكمة نفسها و الانقسامات التي تدب بين أفرادها و فصائلها و هذا ما حصل في الأرجنتين.

رابعا / التدخل الخارجي: و هذا ما تقوم به دولة أو مجموعة دول قصد  استبدال نظام أوتوقراطي بنظام آخر ديمقراطي كما حصل عندما جرى تغيير الحكومات في بنما و هايتي.

و بهذا عرفت أمريكا اللاتينية كافة هذه الأساليب و أوصلت دولها في كثير من الأحيان إلى النظام الديمقراطي، غير أن تاريخ القارة يسجل أن دول أمريكا اللاتينية شهدت موجات قصيرة من التحول الديمقراطي و التحول المضاد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد أدت الانتخابات إلى قيام حكومات منتخبة شعبيا في كل من الأرجنتين، كولومبيا، بيرو، فنزويلا ما بين 1945 – 1946 لكن لم تدم ممارسة الديمقراطية طويلا، حيث حلت محلها أنظمة ديكتاتورية في بداية الخمسينات، ثم عادت إلى التحول الديمقراطي المحدود في كل من بيرو و الأرجنتين، في الوقت الذي جرت فيه مفاوضات بين النخب الحاكمة لوضع ترتيبات لإنهاء النظم الديكتاتورية العسكرية في كل من فنزويلا و كولومبيا.

ثم عادت دول القارة للتحول عن الديمقراطية في الستينات، بحيث أطاحت الانقلابات العسكرية بالحكومات المدنية في كل من البرازيل و بوليفيا 1964 ، ثم الأرجنتين في 1966 ، إكوادور في 1972، و أروجواي و التشيلي في 1973  و كانت هذه الحكومات أمثلة على نوع من النظم السياسية يطلق عليها ” النظم الشمولية البيروقراطية”.

و عند تعاظم الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي لم تكن القارة بمنأى عن هذا المد، فقد تحركت رياح التغيير في العديد من دول القارة، ففي 1977 أعلن القادة العسكريون في إكوادور عن رغبتهم في الانسحاب من الحياة السياسية و تمّ وضع دستور جديد 1978، و أدت الانتخابات التي أجريت في إكوادور في 1979 إلى قيام حكومة جديدة مدنية و حدث انسحاب مماثل في بيرو و بوليفيا. كما أدت هزيمة الأرجنتين في حربها ضد بريطانيا (حرب المالوين) في 1982  إلى تقويض دعائم الحكومة العسكرية و إجراء انتخابات سنة 1983 (Maxime Lefebvre et Dan Rotenberg, La Genèse du Nouvel ordre mondial : op-cit, p 82 ).

و تواصلت حمى التحول الديمقراطي و الانفتاح  « Abertura » و أخذت العدوى تنتشر في القارة اللاتينية إلى حد أن عسكريين انقلبوا على النظم العسكرية في بعض هذه البلاد وأجروا انتخابات للتحول نحو الديمقراطية (ص. هانتغتون، الموجة الثالثة، مرجع سابق، ص 76 ).

و من المفارقات الغريبة التي تطرحها الخبرة اللاتنو أمريكية، انه إذا كانت الأحزاب الماركسية والاشتراكية قد انهارت في معاقلها التقليدية بأوروبا، وصلت التشكيلات اليسارية الراديكالية إلى السلطة فيما بعد في غالبية بلدان أمريكا اللاتينية عن طريق آلية التداول السلمي بعد فشل الليبرالية الجديدة في تحقيق مساعي الديمقراطية.

بدأت التجربة من فنزويلا عام 1998 بانتخاب الشخصية المثيرة للجدل هوغو شافيز على رأس البلاد، وتلاه في جانفي 2003 النقابي العمالي لولا دا سيلفا في البرازيل، ومن بعده نستور كرشنر في الأرجنتين و تابري فاسكيز في أورجواي، انتهاء بايفو موراليس في بوليفيا، و باستثناء المكسيك، أصبح اليسار حاكما في منطقة كانت إلى عهد قريب محكومة من أنظمة عسكرية استبدادية حليفة للولايات المتحدة الأمريكية، عرفت هذه البلدان في التسعينات برامج الإصلاح الهيكلي بإملاء من صناديق التمويل الدولية (من خصخصة وسياسات ليبرالية وانفتاح على السوق العالمية)، وكان من المؤمل أن تتجاوز أزماتها بفضل تحقيق التوازنات الاقتصادية الكبرى، بيد أن عقد الانفتاح الليبرالي أصبح يطلق عليه «العشرية الضائعة» في الأدبيات السياسية المحلية.

و يرى الفيلسوف الايطالي توني نغري في كتاب صدر له حول التجربة اللاتينية الأمريكية الجديدة أن هذه التجربة تشكل مؤشرا على التحول الجذري الذي مس طبيعة الحقل السياسي للدولة القومية في مرحلة العولمة. (السيد ولد اباه : ديمقراطية أمريكا اللاتينيةاليسارية، الشرق الوسط، الجمعـة 21 شـوال 1428 هـ 2 نوفمبر 2007 العدد  10566 )

والملفت للانتباه أن الخبرة اللاتينية طرحت لنا نموذجين كبيرين:

ـ نموذج يساري إصلاحي اقرب للخط الاشتراكي الأوروبي، يستمد بعض تصوراته ومفاهيمه من نهج “الطريق الثالث”، الذي بلوره عالم الاجتماع البريطاني انتوني جيدنز بعد صدور كتابه عام 1989 بعنوان “الطريق الثالث: تحديد الديمقراطية الاشتراكية”وتبناه حزب العمال الانجليزي في عهد رئيس الوزراء السابق توني بلير بعد إصداره لكتاب “الطريق الثالث: سياسات جديدة للقرن العشرين” (السيد يسين، الطريق الثالث: إيديولوجية سياسية جديدة، السياسة الدولية، العدد 135، يناير 1999، ص 61).

يقوم هذا النموذج حاليا في البرازيل، أهم بلدان المنطقة وأكثرها حضورا في الساحة الدولية، كما نجده في التشيلي و الاورغواي، اللذين تحكمهما تشكيلات يسارية معتدلة.

ـ نموذج راديكالي شعبوي بنغمة ثورية عاتية، يعبر عنها خط الرئيس الفنزويلي تشافيز الذي يجمع بين نزوع قومي تقليدي ونزعة عالم ثالثية صدامية وطموح إقليمي للتميز عن الجارة الشمالية القوية يقوده إلى التحالف مع كوبا كاسترو ، بوليفيا موراليس والانفتاح على الأنظمة التي تصنفها الولايات المتحدة في خانة محور الشر والعداء.

ومن هنا لا يمكن الحديث عن نموذج أمريكي لاتيني منسجم، حتى لو كانت هذه التجارب على اختلافها تلتقي في خروجها على البديل الليبرالي الديمقراطي الذي أرادت الولايات المتحدة تسويقه للمنطقة. صحيح أن الأنظمة العسكرية الدكتاتورية انهارت، وان البلدان الأمريكية الجنوبية اعتمدت الأسلوب الديمقراطي التعددي، ونظمت فيها انتخابات نزيهة وشفافة، إلا أن الديناميكية الديمقراطية حملت إلى الواجهة قوى مجتمعية وسياسية رافضة للخيار الليبرالي وللنظام الاجتماعي الذي يقوم عليه (السيد ولد اباه : ديمقراطية أمريكا اللاتينيةاليسارية، الشرق الوسط، المرجع السابق)

المبحث الثالث: نماذج مختارة:

vالبرازيل… توسيع للدور الإقليمي

تعد البرازيل من أهم القوى الصاعدة في قارة أمريكا الجنوبية، حيث استطاعت تخطي فترات عدم الاستقرار السياسي التي شهدتها منذ نهاية فترة الحكم العسكري في عام 1985، وابتداء من التسعينات خاصة مع تولي فرناندو كاردوسو رئاسة البرازيل عام 1994، بدأت البرازيل سياسة داخلية وخارجية سعت من خلالها إلى تدعيم إصلاحاتها السياسة و الاقتصادية القائمة على التفتح و سيادة آليات السوق الحر، وتعزيز مكانتها في القارة اللاتينية وعلى المسرح الدولي.

–  السمات العامة

تعد البرازيل خامس أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، حيث تبلغ مساحة إقليمها حوالي 8.5 مليون كم2، أي ما يقرب من نصف مساحة أمريكا الجنوبية. وتتمتع البرازيل بموارد مائية وفيرة، بالإضافة إلى الثروات الطبيعية المرتبطة بالتنوع البيولوجي، والثروات المعدنية، خاصة رواسب الحديد والذهب والألمونيوم. وتتمتع البرازيل باحتياطات بترولية تصل إلى حوالي 12.6 مليار برميل من النفط، وحوالي 365 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ويتوقع أن تحتل البرازيل مرتبة متقدمة بين منتجي النفط خلال فترة لا تزيد على عشرة أعوام، ناهيك عن تقدم البرازيل في مجال الطاقة الحيوية واعتمادها على الإيثانول المستخرج من قصب السكر في إمداد السيارات بالوقود.

تحتل البرازيل المرتبة الخامسة على مستوى العالم من حيث عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 165 مليون نسمة، مع وجود %62 من شعبها في شريحة الأقل من 29 عاما يجعل منها أمة فتية مليئة بالحيوية ( بعد 500 عام من اكتشافها.. البرازيل قوةإقليمية كبرى، الشرق الأوسط، الاحـد 24 ديسمبر 2000 العدد http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=18647&issueno=8062

 وتتسم التركيبة السكانية في البرازيل بالتنوع، بحيث يمكن اعتبارها نموذجًا مثاليا للتعايش بين عرقيات وثقافات متعددة. في حين لا تتجاوز نسبة السكان الأصليين حوالي 1 % من مجموع السكان، يمثل المهاجرون الأوروبيون غالبية السكان.

تسعى البرازيل في الآونة الأخيرة إلى ممارسة دور متفرد على المستوى الدولي، بحيث باتت مرشحة لشغل مقعد دائم في مجلس الأمن عن قارة أمريكا الجنوبية، ارتبط هذا بعدة تطورات على المستويين الداخلي والخارجي منذ نهاية فترة الحكم العسكري وعودة الحكم المدني في عام 1985.

–       التحول الديمقراطي في البرازيل:

تأسست الحياة السياسية الحالية في البرازيل على الدستور الفيدرالي الذي صدر عام 1988، الذي يعد انجازا من انجازات التحول الديمقراطي الذي شهدته البلاد بعد 21 عاما من الحكم العسكري الشمولي (1964 – 1985) إلا أنه لا يزال حافلا بالاضطراب وكثرة البنود التي يعارض بعضها بعضا. غير أن استمرار الحكم المدني الديمقراطي في البرازيل لمدة عشرين عاما متواصلة منذ نهاية فترة الحكم العسكري، لم يكن بالأمر السهل خاصة بعد وفاة تانكريدو دي ألميدا نيفيز أول رئيس منتخب من جانب المجلس التشريعي وممثلي الولايات قبل توليه السلطة رسميا وبعد إجبار الرئيس فيرناندو كولور دي ميللو أول رئيس منتخب بصورة مباشرة من جانب الشعب في عام 1992 على الاستقالة على إثر اتهامات بالفساد. ولم تشهد البرازيل استقرارا على المستوى السياسي سوى مع انتخاب فيرناندو هنريك كاردوسو رئيسا في عام 1994 ثم بعده لولا دا سيلفا في 2002.

 تمكن كاردوسو من إقامة دعائم النظام المدني مستعينا بخلفيته الأكاديمية وخبرته السياسية قضى فترة طويلة من عمره في المنفى إبان فترة الحكم العسكري، إلى جانب خبرته كوزير للخارجية ثم وزير للمالية خلال فترة حكم اتمار أوجوستو فرانكو منذ عام 1992. وعقب فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 1994 على منافسه لولا دا سيلفا اليساري، بدأ كاردوسو في تنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية ساهمت في إعادة انتخابه مجددا للرئاسة لولاية ثانية في أكتوبر 1998 بنسبة تصويت قدرت ب 53،06%  من الأصوات المعبر عنها (7Dominique Vidal, Le Brésil après la réélection deF.H. Cardoso, Op-cit, P

وامتنع كاردوسو عن تعديل الدستور بشكل يمكنه من الترشح لفترة رئاسية ثالثة كما كان يرغب مؤيدوه. بل ساهم بشكل غير مباشر في انتخاب لولا دا سيلفا للرئاسة بإصراره على اتخاذ موقف محايد من الانتخابات الرئاسية.

 أ/ المتغيرات الداخلية:

–       الإصلاحات السياسية و الاقتصادية:

  تبنت البرازيل في تسعينيات القرن العشرين نهجا إصلاحيا لتوجيه البلاد نحو الديمقراطية، و تبين التجربة البرازيلية أهمية الأحزاب السياسية في صياغة المشهد السياسي البرازيلي، خاصة الحركة الديمقراطية البرازيلية التي شكلت المعارضة الأساسية داخل البلاد و استطاعت أن تحظى بثقة المؤسسة العسكرية.

فقد بادرت الحكومة العسكرية بتقديم بعض التنازلات بعد تحالف جزء من قادتها مع المعارضة لإجراء تعديلات هيكلية للنظام السياسي البرازيلي لتحقيق الانتقال الديمقراطي، حيث لم تتصرف الحكومة والمعارضة كأعداء وإنما كشركاء غير مباشرين. بدأ التفتح السياسي من الأعلى إلى الأسفل، حيث وافقت الحكومة على دمقرطة النظام بإقرار التعددية السياسية و تنظيم انتخابات حرة، كما لم تعمل المؤسسة العسكرية على تجميد أو حل البرلمان أو القضاء على النظام الانتخابي.
أما في المجال الاقتصادي، فاتبعت البرازيل النهج العالمي القائم على اقتصاد السوق و الهادف إلى تطبيق  الخوصصة والتحرير الاقتصادي والانفتاح (خاصة في قطاعي التجارة والمال) وهو ما عرض المنتجين المحلين للمنافسة الخارجية. كما طبقت البرازيل أيضا بعض الإصلاحات الاقتصادية على المستوى التفصيلي، مثل تلك التي غيرت قانون الإفلاس، والتحكم في العجز العام على مستوى الولايات والبلديات، فضلا عن تنظيم سوق النفط من خلال كسر احتكار شركة بتروبراس للتنقيب عن النفط واستخراجه في البلاد.

ورغم أن البلاد حققت من وراء الإجراءات السابقة قدرا من التعافي قصير المدى، وجنت بعض المكاسب، إلا أن فترة ما بعد الإصلاح (التي امتدت من 1996 وحتى 2003) فشلت في تحقيق توقعات النمو الاقتصادي المأمولة.

–       البرنامج  الإصلاحي للولا دا سيلفا:

تولى لولا دا سيلفا أحد أشهر رموز اليسار في أمريكا اللاتينية مقاليد الحكم كأول رئيس عمالي في البرازيل في عام 2002  و فاز في الانتخابات بنسبة 61  %  و بدأت خيبة الأمل تعتري الكثيرين داخل و خارج البرازيل. فقد تعرض لولا لحالة الاستنكار الداخلي الرسمي و الشعبي لسياساته الاقتصادية. لقد تسلم لولا من سلفه كاردوسو تركة اقتصادية مثقلة بالديون الخارجية  بلغت 260 مليار دولار و ديون داخلية تشكل 61  %من إجمالي الناتج القومي، و زاد هذا الوضع من تذمر دوائر المال (يسر الشرقاوي، هل أخفق اليسار مجددا في أمريكا اللاتينية، السياسة الدولية، جويلية 2003، العدد 153، ص 252)

 أكد لولا في تعهداته الانتخابية التزامه ببنود الاتفاقية التي أبرمتها حكومة كاردوسو مع صندوق النقد الدولي و التي حصلت البرازيل بمقتضاها على 30 مليار دولار، و بدأ في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي اشترطها الصندوق، فاتبعت حكومته سياسة تقشفية مست مخصصات البرامج الاجتماعية التي انخفضت إلى 22 %من إجمالي الناتج القومي لعام 2003 .

هذه الإجراءات أثارت انشقاقات شديدة داخل البرازيل و اتهام لولا بالتخلي عن يساريته، و قد هدد كثير من نواب حزب العمال الذي ينتمي إليه لولا بالتصويت ضد البرنامج الإصلاحي، لكن لولا لم يتراجع عن تلك الإجراءات  و تبنى برنامجه الإصلاحي لغاية أن يستعيد السوق البرازيلي عافيته و يتحقق البناء الديمقراطي.

رغم الأزمة المالية العالمية، قد سجل المشهد الاقتصادي البرازيلي خلال عامي 2004 و 2008 معدل نمو مقداره 5.1 %  ثم حافظ على معدل أعلى بقليل في عام 2009، ويتوقع أن يصل بنهاية 2010 إلى 6%. وبشكل عام فإن معدل النمو الحديث في الاقتصاد البرازيلي معدل إيجابي ويتراوح بين 4 و 5 %.

وقد رافق نمو الاقتصاد البرازيلي انخفاض حاد في التفاوت في الدخل، وتراجع مماثل في الفقر؛ فمنذ منتصف تسعينيات القرن العشرين طبقت البرازيل عدة وسائل لمحاربة الفقر والتفاوت في الدخل. ومن بين هذه الوسائل برنامج الإعانات المالية المشروطة للأسر الفقيرة.

وفي ظل هذا البرنامج تحصلت الأسر التي يقل دخل الفرد فيها عن 60 ريالا برازيليا شهريا (نحو 28 دولار أميركيا) على دعم مقداره 62 ريالا لكل فرد، و20 ريالا لكل طفل (15 سنة فأقل) بحد أقصى ثلاثة أطفال، كما تحصل الأسرة على 30 ريال أخرى لكل فرد في سن ما بين 16 و 17 سنة؛ ومن ثم فإن الأسر الفقيرة تحصل على متوسط إعانة شهرية إجمالية مقداره 182 ريالا وهو ما يعادل 40 % من الحد الأدنى للأجر الشهري في البلاد.

وقد شملت التغطية الإجمالية لهذا البرنامج أعدادا ضخمة من المستفيدين. فطبقا لوزارة التنمية الاجتماعية ومحاربة الفقر في البرازيل وصل البرنامج إلى 11 مليون أسرة و64 مليون مستفيد، وهو ما يعادل ربع سكان البلاد.

وفي المجمل يمكن الخروج بأن الاستقرار الاقتصادي، والنمو، والحد من الفقر، قد خلق حراكا جديدا في السوق المحلي في البرازيل، وكان لذلك الفضل في دمج فئات جديدة من السكان في سوق العمل الرسمي وسوق الاستهلاك، وهو ما جعل البرازيل أقل حساسية لصدمات الطلب الاقتصادي الخارجي، وأكثر اعتمادا على سوقها المحلي.

وعلى الرغم من أن البرازيل حققت نجاحا كبيرا في تدعيم استقرار اقتصادها الكلي، خاصة بتقديمها دعما قويا للإعانات الاجتماعية، وما تركه ذلك من تداعيات كبيرة على النمو الاقتصادي، والحد من فجوة عدم التساوي في الدخل، إلا أن اقتصاد البرازيل ما يزال يواجه رغم ذلك عقبات عدة. وتتمثل المشكلة الأكبر في أن البيئة السياسية تقف حجر عثرة أمام تنفيذ إصلاحات عميقة ضرورية لإزالة تلك الحواجز، لكن رغم هذه العقبات يمتلك الاقتصاد البرازيلي إمكانات كبيرة بوسعها -إن أحسن استغلالها- جلب منافع كبيرة على اقتصاد البلاد.

وعلى الرغم من السياسة الليبرالية التي تبناها دا سيلفا، فقد ظل الاقتصاد البرازيلي منغلقًا نسبيا، إذ لا تتعدى نسبة التجارة الخارجية من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 25%. ومن المرجح أن تبدأ الحكومة البرازيلية موجة ثانية من الإصلاحات الاقتصادية للتصدي لتصاعد العبء الضريبي الذي وصلت نسبته إلى حوالي 38% من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة لتردي أوضاع الاقتصاد العالمي، ومن ثم ضعف قدرته على استيعاب الصادرات البرازيلية ومحدودية خيارات التحفيز المالي.

ويتوقع أن تشمل الإصلاحات الاقتصادية استئناف برنامج خوصصة الشركات المملوكة للدولة، وتنشيط الاقتصاد لخلق وظائف جديدة لاسيما مع الزيادة التي شهدتها أعداد الموظفين الحكوميين في البرازيل من 900 ألف إلى 1.1 مليون خلال الأعوام الأخيرة، فضلًا عن تنظيم الاقتصاد غير الرسمي الذي يصل إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 40%، وتحسين أوضاع الفقراء الذين تصل نسبتهم لحوالي 20% من إجمالي عدد السكان.

وبناء على تلك المؤشرات، توقع جولدمان ساشس أن يصبح الاقتصاد البرازيلي الاقتصاد السادس على مستوى العالم بحلول عام 2050، وذلك إذا استمر في النمو بمعدل لا يقل عن 306% خلال السنوات المقبلة. ووفق التقديرات سالفة الذكر، من المتوقع أن يجاوز حجم الاقتصاد البرازيلي  نظيره الإيطالي بحلول عام 2025، وأن يتساوى مع اقتصاديات كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا بحلول عام 2031.

ب/ المتغيرات الخارجية:

–       توجهات السياسة الخارجية للبرازيل:

اتسمت السياسة البرازيلية خلال عهدي كاردوسو ولولا بقدر كبير من الفاعلية وهي الفترة المرتبطة بمرحلة الانتقال الديمقراطي. بدأت سياسة البرازيل الخارجية تنحو تجاه الانخراط في المبادرات والتحالفات متعددة الأطراف. ويدل على ذلك تجاوب البرازيل مع اقتراح الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين بتوسيع مجموعة الدول الثماني لتصبح مجموعة الثلاث عشر G13. كما نجحت البرازيل في تحويل مجموعة الـ BRIC (الأحرف الأولى من أسماء دول البرازيل وروسيا والهند و الصين) من مجرد أفكار إلى إطار تشاوري فاعل بين الدول الأربع، لمناقشة مشكلات الاقتصاد العالمي.

وفي مجال السياسية الدولية، تسعى البرازيل داخل “مجموعة ريو” إلى تقوية الاتجاه العالمي نحو الديمقراطية والقيم الغربية، فأقامت تجمع ميركوسور الاقتصادي الذي يهدف إلى الانخراط في عملية التكامل الإقليمي بين دول القارة الجنوبية كما عمدت مع فنزويلا إلى إقامة بنك الجنوب برأسمال مالي إقليمي للاستغناء عن صندوق النقد والبنك العالميين إلى جانب مجلس امن أمريكي لاتيني للحفاظ على الأمن والسلام وفض النزاعات بين دول أمريكا الجنوبية (ميجيل دياز وباولو روبرتو ألميدا، إعداد – محمد عبد الله يونس، البرازيل.. قطب دولي جديد على موقع إسلام أوين لاين).

–   دور قيادي في أمريكا اللاتينية… البحث عن دور إقليمي :

تتمتع البرازيل على المستوى الإقليمي بمكانة متفردة وبوضع قيادي في الإقليم نظرا لمساحتها الكبيرة واقتصادها القوي، وهو ما يميزها عن فنزويلا منافسها الإقليمي الرئيسي. بدأ الدور القيادي للبرازيل في أمريكا اللاتينية خلال فترة رئاسة “جوزيه سارني” منذ عام 1986، وقد سعى سارني لتوثيق علاقات البرازيل مع الأرجنتين بعد سنوات من التوتر، ونجح في تدشين اتحاد جمركي معها سرعان ما امتد ليشمل باراجواي وأوروجواي، و الذي تحول فيما بعد إلى اتفاقية السوق المشتركة بين دول أمريكا الجنوبية (ميركوسور)، والتي تم تدشينها في مارس 1991.

واكتسبت البرازيل دورا مميزا خلال فترتي رئاسة كاردوسو، مع تركيز إدارته على لعب أدوار الوساطة وصنع السلام في المحيط الإقليمي، مثل الوساطة التي قامت بها البرازيل مع كل من الأرجنتين والتشيلي والولايات المتحدة في النزاع بين بيرو والإكوادور، والتي أسفرت عن توقيع اتفاقية سلام بين الدولتين عام 1995، وكذلك المساعدة على منع انقلاب عسكري في باراجواي.

وفي السياق ذاته تمكن الرئيس كاردوسو من رعاية أول قمة إقليمية في أمريكا الجنوبية تم عقدها في البرازيل عام 2000 بحضور جميع قادة دول أمريكا الجنوبية، وتمكنوا خلالها من إطلاق “مبادرة التكامل الإقليمي في أمريكا الجنوبية”، تشمل بناء خطوط اتصال ومواصلات لتسهيل الانتقال بين دول الإقليم.

ومع انتخاب لولا دا سيلفا رئيسا عام 2002، استمر النفوذ الإقليمي للبرازيل في التصاعد، فقد ساهمت سياساته الاقتصادية الليبرالية في تعزيز علاقات البرازيل مع حكومات يمين الوسط في الإقليم وخاصة في كولومبيا.

وبدأت انجازات لولا دا سيلفا في أمريكا اللاتينية في الظهور مع نجاحه في التقريب بين وجهات نظر دول الإقليم بهدف توقيع الاتفاق التأسيسي لاتحاد أمم أمريكا الجنوبية (أونسار) في مايو 2008، بالإضافة إلى إنشاء برلمان مشترك لدول أمريكا الجنوبية.

واعتمدت البرازيل على عقد مؤتمرات التعاون الإقليمي بين أمريكا اللاتينية والأقاليم الأخرى لتعزيز مكانتها القيادية، وعقدت منذ عام 2005 مؤتمرين قمة للتعاون بين أمريكا اللاتينية والعالم العربي والقارة الإفريقية، وبذلك أصبحت البرازيل المتحدث الرسمي باسم أمريكا الجنوبية في المحافل الدولية (ميجيل دياز وباولو روبرتو ألميدا، إعداد – محمد عبد الله يونس، البرازيل.. قطب دولي جديد على موقع اسلام أوين لاين).

وتتمثل العقبات الرئيسية التي تواجه الدور القيادي للبرازيل في أمريكا اللاتينية في التنافس الإقليمي مع فنزويلا، خاصة مع تولي هوغو شافيز لرئاستها وسعيه لاستغلال ثروات بلاده النفطية لترويج مشروعه البوليفاري وتصوير البرازيل على أنها مجرد دولة تابعة للولايات المتحدة.

أما العقبة الثانية التي تواجه البرازيل فتتمثل في الشكاوي المتكررة من جانب جيرانها مثل بارجواي وسورينام من عدم وفاءها بوعودها بإمدادهم بالمساعدات المادية.

رغم ذلك، تبقى البرازيل أكثر دول أمريكا الجنوبية المؤهلة للعب دور محوري على المستوي الإقليمي. و يعد الانتعاش الاقتصادي أحد أهم دعائم مكانتها الإقليمية، ولعل هذا ما يفسر توافد العمالة من دول أمريكا اللاتينية. وفي هذا الإطار تشير الإحصاءات الحكومية البرازيلية إلى أن تحويلات العمال الأجانب من دول أمريكا اللاتينية بالبرازيل قد وصلت إلى حوالي 1 مليار دولار، وما زالت مستمرة في التصاعد.

التقارب مع القوى الصاعدة:

تسعى السياسة البرازيلية إلى توسيع دورها الإقليمي بالتقارب مع القوى الدولية الصاعدة مثل الهند والصين وجنوب إفريقيا، وتعمل على تعزيز أواصر العلاقات معها في مواجهة القوى الاقتصادية التقليدية. ويمكن الاستدلال على ذلك بالموقف البرازيلي المؤيد لإنشاء مجموعة العشرين الاقتصادية في اجتماعات منظمة التجارة العالمية على المستوي الوزاري في كانكون عام 2003.

ومن جهة أخرى، استفادت البرازيل من عدة تغيرات محورية على المستوى الدولي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، تمثل أبرزها في تراجع نفوذ الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، ما مكن البرازيل من تعزيز نفوذها والقيام بدور الوسيط وصانع السلام بين دول أمريكا اللاتينية، وهو ما أدى إلى تصاعد النفوذ البرازيلي في أمريكا اللاتينية بشكل لم يكن من الممكن تصوره إبان الهيمنة الأمريكية على شئون القارة انطلاقا من اعتبارها الدائرة الحيوية الأولى للأمن القومي الأمريكي. فعلى سبيل المثال قامت البرازيل بالوساطة في التوتر الحدودي بين فنزويلا وكولومبيا في مارس 2008، بعد قيام كاراكاس بالتدخل العسكري في الإكوادور.

وفي المقابل لم تهمل البرازيل كلية تعزيز علاقاتها مع القوى الدولية التقليدية، وإنما باتت دبلوماسيتها تتمتع بقدر كبير من الانتقائية والتوازن، وهو ما يتضح في انضمامها للمبادرة الفرنسية لمحاربة انتشار الايدز خلال الفترة الرئاسية الأولى للرئيس دا سيلفا، وكذا انضمامها لمبادرة اليابان لمكافحة التغير المناخي، فضلا عن التزامها بالتعاون مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بتوسيع نطاق استخدام الوقود الحيوي (ميجيل دياز وباولو روبرتو ألميدا، إعداد – محمد عبد الله يونس، البرازيل.. قطب دولي جديد على موقع اسلام أوين لاين).

v      فنزويلا و المشهد اللاتينو- أمريكي

–       السمات العامة:

تعتبر فنزويلا سابع أكبر دولة في أميركا اللاتينية وتغطي مساحتها 912.5 كلم مربعا ويبلغ عدد سكانها 28.2 مليون نسمة، وتملك أكبر اقتصاد في تجمع الإنديز ، كما تتمتع بأعلى نصيب للفرد من الناتج القومي الإجمالي في أميركا اللاتينية (دولة ذات الدخل المتوسط المرتفع 9،225،6)، لكنها تعاني من مشكلة توزيع الثروة، غير أن مصادر معاناة فنزويلا لا تقتصر على ثروتها وطريقة التصرف في هذه الثروة، وما ينشأ عن تلك الطريقة من دواعي التمرد وعوامل الاضطراب. فهذه المعاناة لها صلة أيضا بموقع البلد، فهي على تماس مع بلدان ذات أهمية كبرى للإستراتيجيات الدولية في المنطقة مثل كولومبيا، كما أنها قريبة نسبيا من بلدان أميركا الوسطى ومجموعات جزر الكاريبي وهي مناطق نفوذ تقليدي للولايات المتحدة (محمد فال ولد المجتبي ، فنزويلا.. إلى أين؟ 3/10/2004، المعرفة، موقع الجزيرة).

        حصلت فنزويلا على استقلالها عام 1830، واتخذت كراكاس عاصمة لها وتولى رئاستها عدد من الرؤساء من مختلف التوجهات السياسية، و يتسم عهد هوجو شافيز بالدينامكية فهو من أكثر المراحل توترا وتغييرا في تاريخ فنزويلا.

و تتميز فنزويلا بمجموعة من السمات تتمثل في:

–         التأثير القوي والملاحظ للجيش في إدارة الحياة السياسية وتغيير القيادات.

–   بروز تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية على الأوضاع السياسية، ففي الفترات التي يعاني منها الشعب الفنزويلي من تدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تحدث اضطرابات سياسية واسعة للمناداة بإجراء إصلاحات.

–   بروز دور الحركات المعارضة كالنقابات المهنية واتحادات العمال والأحزاب السياسية (د/ مصطفى كامل السيد، إصلاحات شافيز الاقتصادية والاجتماعية، 3/10/2004، المعرفة، موقع الجزيرة).

– التحول الديمقراطي في فنزويلا:

شهد النظام السياسي في فنزويلافي الربع الأخير من القرن العشرينضغوطات كبيرة دفعت به إلى تبني الخيار الديمقراطي فقامت الأبنية المؤسسية باستيعاب هذه الضغوط بإقرار الانتخابات الرئاسية وسط تصاعد حركات الاحتجاج الشعبي و التي أدت للإطاحة بالنظام العسكريفي عام 1988، تسلم بعدها الرئيس كارلوس أندرياس بيريز السلطة و شرع في طرح برنامج التصحيح الاقتصادي الذي وضعه صندوق النقد الدولي، فبدأت إجراءات الخوصصة وتخفيض الإنفاق العام وتحرير الأسعار وتخفيف القيود على عمل الشركات الأجنبية.

لكن هذه الإصلاحات من شأنها أن زادت من تأزم الوضع الاجتماعي لأنه لم يتم تكييفها مع واقع الحال بسبب الفساد الذي عمّ البلاد. و انتشرت الفوضى التي زادت من تردي الأوضاع و انعكست على الطبقات الفقيرة، و قد واجه رافييل كالديرا، الرئيس الذي سبق شافيز مباشرة، هروباً عارماً لرأس المال المحلي بسبب أزمة أصابت القطاع المصرفي في البلاد، مما أدى إلى انهيار البوليفار، عملة البلاد، وازدياد التضخم (أي انخفاض  القوة الشرائية للبوليفار) 71 % عام 1994 وحده.  ولإنقاذ الدولة، سحب قرض بقيمة مليار و400 مليون دولار من صندوق النقد الدولي عام 1995 بشروط تعجيزية جديدة.  هذه المرة ازداد الاستثمار الأجنبي، وترافق ذلك مع ارتفاع أسعار النفط، وبدا كل شيء جميلاً، لكن الفقر والفاقة والأمية كانت، في نفس الوقت، في ازدياد مستمر مما وضع مشروع التحول الديمقراطي موضع شك.

ورثت الحكومة الجديدة وضعا مترديا بعد فوز هوغو شافيز  في الانتخابات في 6 من ديسمبر 1998، كرئيسا لفنزويلا، وقد سعى منذ قيامه بانقلاب 4 فيفري 1992 الفاشل لإعادة تشكيل المنظمات اليسارية والثورية في فنزويلا.

و قد ساعدت العوامل السائدة في صعود شافيز إلى منصب الرئاسة و حصوله على تأييد شعبي كبير، تمثلت تلك الأوضاع في زيادة الفساد السياسي وارتفاع معدلات الفقر، مما أدى إلى اتهام الحزبان المهيمنان منذ عقود على النظام السياسي اللذان يدعي أحدهما المسيحية، والأخر الاشتراكية (الحزب الديمقراطي الاجتماعي والحزب الاجتماعي المسيحي) بالمسؤولية عن التدهور الاقتصادي وزيادة معدلات الفقر، وقد وصلت نسبة من هم تحت الفقر إلى ما يقرب من 80% مما أظهر حجم التناقض بين ما تملكه فنزويلا من ثروة وما يعيشه الشعب من فقر هو نتيجة للفساد السياسي للنخبة.

أ/ المتغيرات الداخلية:

–  البرنامج الإصلاحي لشافيز:

بمجرد فوزه  في الانتخابات، أعلن شافيز أن فترة 1958–1998 هي فترة الثورة الرابعة وأن عام 1999 هو بدء الثورة الخامسة، التي  حاولت أن تستلهم التراث الثوري العريق المعروف بالثورة البوليفارية. ثورة ضد برامج التصحيح الاقتصادي التي فرضت على فنزويلا، ضد خوصصة القطاع العام وبيعه للأجانب بأبخس الأثمان، ضد اختراق الشركات متعددة الجنسية والفنزويليين المتعاونين معها  على المجتمع باسم تحرير السوق والتجارة، ضد تهميش الفقراء اقتصادياً وسحق الطبقة الوسطى.

        وقد تضمن برنامجه العديد من الإصلاحات الهامة، كان من أهمها تغيير اسم الدولة رسمياً عام 1999 إلى جمهورية فنزويلا البوليفارية، إصدار دستور جديد أنشئ بمقتضاه مجلس تشريعي واحد له سلطات محدودة على القرارات التي يتخذها الرئيس، سن قانون جديد لتمديد فترة الرئاسة إلى ست سنوات، مع إمكانية إجراء انتخابات فورية يتم فيها الاتصال مباشرة بين الرئيس والشعب. وقد أجريت الانتخابات البرلمانية للمجلس التشريعي الوطني في يوليو 2000 وفاز فيها الحزب المؤيد للرئيس بأغلبية 76 مقعدا من بين 165 مقعدا.

رغم الإصلاحات التي ادعى شافيز القيام بها والتي تمثلت في القيام بحركة تطهير سياسي فإن هذه الإصلاحات لم تمس بسلطات وصلاحيات السلطة التنفيذية، وقد أجري العديد من التعديلات المتعلقة بالعديد من الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومرر ما يقرب من 49 قانونا تعلق بإجراءات إصلاحية في مجال توزيع الدخول والضرائب والقوانين المتعلقة بالقطاع الزراعي، ومن ثم استبعدت النخبة السياسية التقليدية في المؤسسات العامة كالوزارات والهياكل التنظيمية للدولة، وعين محافظون جدد للمقاطعات ثم تم تغييرهم، ومع بدء كل ذلك احتل العسكريون موقعا مميزا داخل إدارة شافيز، حيث تولى عدد منهم مناصب وزارية كصناديق التنمية الاجتماعية وخدمة المستهلكين والحكم المحلي.

–       شافيز.. الزعيم المثير للجدل

كانت واشنطن والشركات الكبرى والنخبة المحلية تملك الكثير من النفوذ داخل شركة النفط الفنزويلية الحكومية المنهوبة على مدى عقود، فتم افتعال أزمة اقتصادية في أبريل 2002 و قد ترافق تمرد رجال الأعمال المرتبطين بالخارج مع إضراب شامل أحدث الشلل التام في تصدير النفط مما كلف البلاد خسائر قدرت ما بين 7 و8 مليار دولار، وأثر قطع النفط على كل القطاعات الاقتصادية التي كادت أن تؤدي إلى إفلاس الدولة.

واعتقدت واشنطن ونخبة القطاع العام والخاص المحلية المرتبطة بالخارج أن شافيز على وشك الانهيار  فأقدمت على تدبير الانقلاب ضد رئيس شرعي منتخب عبر صناديق الاقتراع، واستلم السلطة بيدرو كارمونا استانغا لمدة 48 ساعة وهو رئيس أهم تجمع لتجار المفرق Consecomercio، وأعلنت واشنطن دعمها للانقلاب، لكن نزول الشعب إلى الشارع، وتحرك قطاعات  الجيش الموالية لشافيز، أعادت الرئيس المنتخب بالقوة للسلطة، وتراجعت واشنطن عن دعمها للانقلاب.

بعد محاولة انقلابية فاشلة أدرك شافيز ذو الشخصية الكارزمية والنزعة الاشتراكية أن تحقيق أهدافه ينبغي أن يمر عبر العمل السياسي، فقد انتخب رئيسا للجمهورية سنة 1998، ليعاد انتخابه سنة 2000 لعهدة جديدة مدتها ست سنوات، مع تقدم انتخابي ملحوظ لحزب “حركة الجمهورية الخامسة” الذي يقوده شافيز. ومنذ ذلك التاريخ لم ينقطع الجدل بشأن شخصية شافيز وإصلاحاته الاجتماعية وسياسته الخارجية، وكلها أمور على صلة وثيقة بالأزمة الحالية.

استطاع شافيز أن يحقق إصلاحات اجتماعية هامة، و أسهم في تجديد الطبقة الحاكمة داخل السلطة، وعمل على إحداث قطيعة مع الممارسات السياسية التقليدية بما تعنيه من تعايش مع الفساد وانصراف عن الاهتمام بمواجهة المشكلات الفعلية للبلاد. وبإمكان تسجيل الإصلاحات التي مست المجلات التالية:

  • إحداث إصلاحات دستورية وتشريعية واسعة مست عدة مجالات مؤسسية
  • العناية بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، بإدخال إصلاحات بنيوية تأخذ في الاعتبار احتياجات الفئات الاجتماعية الأكثر هامشية.
  • الإصلاحات الجذرية في القطاع الزراعي
  • تحديث السياسة التعليمية، و تقنين العلاقات بين الأطراف الاجتماعية، بما يضمن حقوق الطبقة العاملة ويؤمن لها ظروف عمل ملائمة.
  • إدخال إصلاحات هامة على القطاعات الاقتصادية الأكثر حيوية خاصة قطاعا النفط والصيد، لتتلاءم مع المناخ الاقتصادي السائد دوليا.
  • استخدام شافيز لخطاب شعبوي يليق بالنظم التسلطية، و لا يناسب الأوضاع الديمقراطية. والأخطر من ذلك أنه يظهر ميلا مفرطا إلى تركيز السلطات على نحو يزعج حلفاءه بقدر ما يقلق منافسيه.
  • كانت النتيجة الطبيعية لمثل هذا السلوك هي أن التحالف الذي تشكل في البداية حول شافيز لم يفتأ يعرف التصدع تلو الآخر، فقد ابتعد عنه مبكرا العديد من رفاق السلاح الذين شاركوا إلى جانبه في المحاولة الانقلابية الفاشلة سنة 1992، كما انفضت من حوله بعض المجموعات السياسية المحسوبة تقليديا على اليسار الفنزويلي مثل حزب “وطن للجميع” (Patria para todos)، إضافة إلى جماعات يسارية أخرى كان ينظر إليها باعتبارها حليفا طبيعيا لسياساته.
  • غير أن أكبر أخطاء شافيز يتمثل في حقيقة أن خطابه الجماهيري أسهم في إحداث استقطاب اجتماعي حاد، تسبب في القطيعة بين الطبقة المتوسطة، والفئات الاجتماعية الأكثر فقرا التي أصبحت ترى في الأولى منافسها الفعلي والمسئول الأول عن مشكلات البلاد، وهكذا وجدت الطبقة المتوسطة نفسها مدفوعة رغما عنها، إلى الارتماء في أحضان المعارضة.

–         موقف المجتمع المدني من الإصلاحات

  • الأحزاب السياسية أثرت التغييرات التي أدخلها شافيز على الحياة الحزبية، فقد واجهت العديد من الأحزاب أزمة داخلية، مما استوجب إجراء عملية إصلاح داخل أكبر حزبين في المجلس التشريعي، مما أدى إلى ظهور الدعوة إلى تكوين مؤسسات سياسية جديدة.
  • الكنيسة الكاثوليكية بدأ الخلاف بينها وبين شافيز عندما حاول إدخال إصلاحات على النظام التعليمي بما يتفق مع أفكار سيمون بوليفار لما تتضمنه من يسارية وعسكرية.
  • الجيش عارضت فئة من المؤسسة العسكرية عملية استخدام الجيش في الأعمال المدنية كتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين واعتبرته انتهاكا لكرامة هؤلاء، كما استخدم شافيز الترقيات العسكرية وسيلة للضغط السياسي على القادة العسكريين.

النقابات العمالية وجماعات رجال الأعمال:

 عارضت بشدة العديد من القوى العمالية والاقتصادية في فنزويلا سياسات شافيز الاقتصادية والاجتماعية نتيجة تأثرها بالنزعة الثورية اليسارية.(Andrés Cañizález , Sociedad civil, medios y política en Venezuela: una mirada a su interacción)

ويعتمد تحالف المعارضة بالأساس على قوة ثلاثة أطراف رئيسة متميزة بإمكاناتها وبتشعب علاقاتها:

–         رجال الأعمال ممثلين باتحاد الغرف الصناعية والتجارية.

–   المؤسسات الإعلامية الكبرى التي قامت بدور بارز من خلال الدعاية المضادة للنظام، كما استغلت بنجاح ارتباطاتها الواسعة للإساءة إلى صورة شافيز دوليا.

–   الكنيسة خاصة تيار “الأوبوس داي” (Opus dei) الواسع النفوذ في أميركا اللاتينية، والذي يعتبر عادة أكثر تيارات الكنيسة الكاثوليكية يمينية وراديكالية في معارضتها للسياسات الاجتماعية ذات الصبغة اليسارية.

ب/ المتغيرات الخارجية:

–       توجهات السياسة الخارجية لفنزويلا

يقول الكاتب اللاتينو أمريكي هارولد أ. ترينكناس، أن الأهمية الإستراتيجية لفنزويلا ظهرت فقط وبشكل حقيقي بعد اكتشاف النفط في عام 1914. وقد ساعدها ذلك في اللعب داخل البيئة الإقليمية و الدولية من خلال تدعيم سياسة خارجية قوية.

و منذ وصول شافيز للحكم، تبنت فنزويلا توجهات سياسية خارجية متميزة  باستخدامها لمصطلح “البوليفارية”، بالسعي نحو توسيع دورها القيادي المستقل في أمريكا اللاتينية ومعارضة العولمة والسياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة، وأخيرا العمل على نشوء عالم متعدد الأقطاب يمكن من خلاله مواجهة الهيمنة الأمريكية.

لذا شهدت فنزويلا نمطا متغيرا يقوم على التقارب المتزايد مع أعداء الولايات المتحدة التقليديين مثل كوبا وإيران ومتحديها المحتملين مثل روسيا والصين،  حيث عمل شافيز للتقارب مع روسيا والصين، الأولى بسبب طاقتها الإنتاجية البترولية المهمة، والثانية بسبب كونها مستهلكا كبيرا محتملا لصادرات فنزويلا من الطاقة.

الدور الاقليمي لفنززويلا:

سعت فنزويلا لحشد الدعم من أجل سياسات ومؤسسات إقليمية تسثني الولايات المتحدة، وتمثل منطقة التجارة الحرة للأمريكتين التي ترعاها الولايات المتحدة إحدى نقاط الخلاف. كما عمل شافيز على إقامة تحالف لشركات البترول المملوكة للدولة في دول أمريكا اللاتينية (Petrosur) لتشجيع تكامل إقليمي أقوى في قطاع الطاقة، (Dario Vivas, Evolution politica en Venezuela, http://www.voltairenet.org/article120083.html)

واقترحت حكومة شافيز خلال اجتماع وزراء دفاع دول نصف الكرة الغربي عام 2000 تكامل جيوش أمريكا اللاتينية، وإقامة حلف دفاعي إقليمي بدون مشاركة الولايات المتحدة، وكذا علقت فنزويلا كل ارتباطاتها العسكرية بالولايات المتحدة وبحثت عن مصادر بديلة للخبرات والمعدات العسكرية من البرازيل والصين وروسيا.

و أطلقت الحكومة الفنزويلية قمرا صناعيا بديلا باسم (Telesur) ليحل محل وسائل الإعلام الأمريكية CNN، كما تنظر الحكومة الفنزويلية لمشروعها الإعلامي البديل باعتباره آلية مهمة لتطويق دور الشركات الإعلامية الفنزويلية الخاصة التي تنظر إليها الحكومة باعتبارها معادية للثورة.

وسعت فنزويلا لاستخدام ثروتها النفطية في جلب التأثير عن طريق شراء الديون الدولية لدول الجوار الإقليمي، مثل الأرجنتين والإكوادور، واستخدمت هذه الثروة أيضا في تنشيط سياستها في إمداد دول الكاريبي وأمريكا الوسطى بالبترول المدعم.

وعليه فإن المصالح الوطنية الفنزويلية لا يمكن أن تتطابق مع مصالح الدول المتقدمة، وعلينا أن نتوقع الاختلاف حتى في علاقة (يقصد العلاقة بين فنزويلا والولايات المتحدة) اتسمت تاريخيا بالاعتماد المتبادل الذي تمخض عن وجود البترول؛ إذ يبدو واضحا بشكل متزايد أنه عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية البوليفارية فإن الأفضلية تكون للسياسة على حساب الاقتصاد.

–       السياسة الأمريكية تجاه أمريكا اللاتينية:

أدت سياسة التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لفنزويلا في جانفي 2002 بالعديد من المختصين إلى إعادة دراسة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة.

فقد حكمت السياسة الأمريكية في المنطقة مجموعة من المبادئ:

مبدأ مونرو: ديسمبر 1833 أو مبدأ العزلة الأمريكية

سياسة العصا الغليظة: أعلنها تيودور روزفلت 1905، وهي التفسير العملي لمبدأ مونرو، ادفعوا أيديكم عن العالم الأمريكي

سياسة حسن الجوار:  أعلنها فرانلكين روزفلت 1934 لتحسين علاقات الولايات المتحدة مع جيرانها

و خلال إدارة بوش، حاولت الولايات المتحدة إحياء مبدأ مونرو و العصا الغليظة، في حين تسعى الإدارة الحالية إلى تبني سياسة حسن الجوار بفتح حوار مع كل القوى اللاتينية (رضا محمد هلال، السياسة الأمريكية تجاه أمريكا اللاتينية، السياسة الدولية، أكتوبر 2002، العدد 150، ص 197).

سمات السياسة الأمريكية تجاه دول المنطقة:

–    الاهتمام بأمريكا اللاتينية في فترات الأزمات و عند انتهاجها خطا انعزاليا، و تضع المنطقة على الرف في فترات الخط التدخلي.

–           النظر لأمريكا اللاتينية كميدان للاستثمارات الخاصة

–           تبني نمط التبعية الاقتصادية

–           التدخل في شؤون أمريكا اللاتينية (رضا محمد هلال، نفس المرجع، ص 198).

  • حقائق و أرقام

في التسعينيات، تمت خوصصة المشروعات المملوكة للدولة بأكثر من 178 بليون دولار، وتسريح مئات الآلاف من العاملين. وعلى ذلك فإن قيمتها أكثر عشرين مرة من قيمةالمشروعات التي تمت خوصصتها في الاتحاد السوفيتي بعد انهياره .
تشيرتقارير الأمم المتحدة إلى أن حوالي 213 مليون إنسان، أي حوالي 40.6 % من سكانأمريكا اللاتينية البالغ عددهم 600 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر .

طبقالدراسة صدرت عام 2003 من البنك الدولي، أن 10% من سكان المنطقة يربحون 48% منإجمالي الدخل العام، بينما 90% منهم لا يحصلون إلا على 1.6 % فقط .
تتزايدعدم المساواة في أمريكا اللاتينية بشكل حاد، تشير إحصاءات منظمة التعاون للتنمية الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة،عن التراجع في توفيرالرعاية الصحية والتعليم والخدمات العامة.

في نهاية التسعينيات، انخفضت الأجور الحقيقية بنسبة 40% عما كانت عليه في الثمانينيات. وانخفضت القدرةالشرائية عام 1994 إلى الثلثين عما كانت عليه عام 1978. كما انخفض الإنفاقالاجتماعي بنسبة 40% خلال نفس الفترة.

ويشمل خفض النفقات على التعليم بنسبة 40% ،و 70 % على الإسكان وتنمية الحضر، و 37% على الرعاية الصحية .

حسب تقرير برنامج  الأمم المتحدة للتنمية  PNUD  فإن 50% من سكان أمريكا اللاتينية تعاني من الفقر، في  التشيلي أكثر من 30 %، في فنزويلا 27 %، في الأرجنتين 18 %…(Maurice Lemoine, Disparitions, Répressions, Impunité en Amérique Latine : La seule guerre perdue, Le Monde Diplomatique, N 503  43ème Année, Février 1996, P 16)

إذا كانت الطبقة الغنية في المكسيك تحصل على 14 مرة من إيراد الطبقة الفقيرة فالحال في البرازيل يصل إلى 26 مرة. إن الطبقة الثرية البرازيلية التي تكون %10 من المجتمع تحصل على %54 من كل ثروة المجتمع.

إذ أن أقل من %1 من الشعب من كبار ملاك الأراضي الزراعية في البرازيل يمتلك حوالي %40 من الأراضي كافة، في  حين أن الفقراء ونسبتهم حوالي %53 يمتلكون أقل من %3. (بعد 500 عام من اكتشافها.. البرازيل قوةإقليمية كبرى، الشرق الأوسطالاحـد 24 ديسمبر 2000 العددhttp://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=18647&issueno=8062

وفقاً للاقتصادي الارجنتينى رامون فريديانى يزيد التهرب الضريبي بشكل مربك مع انتشار الاقتصاد غير الرسمي، بلغ حجمه في بيرو وبوليفيا 70% من حجم الاقتصاد القومي و40% في المكسيك والبرازيل و35% في فنزويلا وأورجواي والأرجنتين و20% في التشيلي.

في عام 1990 كانت الأرجنتين على رأس قائمة دول العالم في حجم المديونية على الفوائد المستحقة بإجمالي 7.29 مليار دولار تليها البرازيل بإجمالي 7.1 مليار دولار ثم بيرو بإجمالي 2.9 مليار دولار ثم اكوادور بإجمالي 1.5 مليار دولار

يقدر تقرير حديث صادر من وزارة الاقتصاد الأرجنتينية أن أهل الأرجنتين يملكون 90 مليار دولار في الخارج بما يساوي 24 شهراً من الصادرات، أو 85 % من الدين الخارجي.

تعد النقابات العمالية تلعب دورا له شأن في المعارضة أو في الاحتجاجات الاجتماعية. رغم موجات التحول، عرفت كل من المكسيك 1994، البرازيل 1999، الأرجنتين 2001، (أكبر ثلاث اقتصاديات في القارة) أزمات أدت إلى نهاية تبني الليبرالية الجديدة.

كشفت الإحصاءات الأخيرة للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية IISS  أن ميزانية الدفاع في أمريكا اللاتينية و دول الكاريبي قد انتقلت من 24،7 مليار دولار في 2003 إلى 47،2 مليار دولار في 2008

 و أكد تقرير المعهد الدولي لأبحاث السلام بستوكهولم SIPRI أن أمريكا الجنوبية أنفقت خلال 2008 ما يقارب 48 مليار دولار من أجل رفع قدرتها العسكرية، بنسبة تصل إلى 50% مقارنة بالسنوات العشر الأخيرة، و يرجع هذا التسابق نحو التسلح إلى تنشيط الولايات المتحدة  للأسطول العسكري الرابع الموجه لأمريكا الجنوبية بهدف محاربة الأنشطة غير القانونية و إلى إعلان كولومبيا السماح للولايات المتحدة باستغلال مجموعة من القواعد العسكرية فوق أراضيها ( محسن منجيد، الولايات المتحدة و سباق التسلح في أمريكا الجنوبية، السياسة الدولية، يناير 2010، العدد 179، ص 104).

خلاصة:

 استدعت الدراسة ضبط مجموعة من المتغيرات التي تقاس بها عملية التحول الديمقراطي و التي تركزت حول العناصر التالية:

عند الحديث عن عوامل و أسباب التحول في أمريكا اللاتينية، نستخلص:

أن الأسباب النابعة من البيئة الداخلية و التي ساهمت في إحداث التحول تطغى على المحددات المرتبطة بالبيئة الخارجية

فقد عرفت دولها من وسط و جنوب القارة بدءا بالمكسيك، ثم دول الكاريبي (جمهورية الدومينكان، جاميكا…)، مرورا بأمريكا الوسطى (السلفادور، هاندوراس، كوستريكا، نيكارغوا، جواتيمالا، بيليز)، وصولا إلى أمريكا الجنوبية (فنزويلا، كولومبيا، اكوادور، بوليفيا، البرازيل، بيرو، الأرجنتين، التشيلي، أورغواي، باراغواي)، تحولات نابعة من البيئة الداخلية، ما عدا هايتي و بنما التي عرفت التحول بفعل التدخل الأمريكي.

فقد عرفت عملية التحول والتحول المضاد منذ نهاية الحرب الباردة بشكل متقطع لكنها تبلورت بشكل دائم خلال الموجة الثالثة.

عند الحديث عن درجة و حجم التحول نستخلص:

هناك من قطعت أشواطا كبيرة في طريق التحول الديمقراطي بإحداث إصلاحات سياسية و اقتصادية غاية في الأهمية حالة المكسيك، البرازيل، التشيلي، الأرجنتين، أورغواي…

بإحداث تغيرات في هيكل النظام:

–       في بنية النظام: وضع مؤسسات و أجهزة و هياكل سياسية و اقتصادية جديدة، تغيير في طبيعة النخبة الحاكمة

–       في وظيفية النظام: تبني التعددية السياسية، وضع أو تعديل الدستور، تنظيم الانتخابات

و هناك بعض الدول ما تزال في بداية الطريق: حالة

عند الحديث عن استقرار و عدم استقرار النظام بعد عملية التحول نستخلص:

هناك من حققت الاستقرار السياسي نسبيا نتيجة لأخذها بالنمط الديمقراطي: حالة البرازيل، التشيلي

هناك من عانت من بعض مؤشرات عدم الاستقرار السياسي نتيجة لأخذها بالنمط الديمقراطي و طرحها لبديل الديمقراطية التشاركية: حالة فنزويلا، بوليفيا،

عند الحديث عن أنماط التحول نستخلص:

هناك دول عرفت نمط التحول عبر آلية التنازلات: حالة البرازيل

هناك دول عرفت نمط التحول عبر آلية التفاوض: حالة التشيلي و سلفادور

هناك دول عرفت نمط التحول عبر آلية التنازل عن الحكم: حالة الأرجنتين

هنا دول عرفت نمط التحول عبر آلية التدخل الخارجي : هايتي و بنما.

استنتاجات:  تشير دراسة عملية التحول الديمقراطي في دول أمريكا اللاتينية إلى 7 ملاحظات أساسية و تتمثل فيما يلي:

الملاحظة الأولى:

أن دراسة خبرات التحول في أمريكا اللاتينية سواء الخبرات الناجحة منها أو الفاشلة تسهم في فهم الممارسة الديمقراطية كظاهرة عالمية غير مرتبطة بإقليم معيّن، كما أنها يمكن أن تسهم في إثراء الإطار النظري للديمقراطية للوصول إلى اقتراب عام لفهم هذه العملية.

الملاحظة الثانية:

أن المنطقة لها أهمية خاصة في الدراسات المتعلقة بالديمقراطية نظرا لكونها أكثر الأقاليم دينامكية و تطورا لما سجلته من تطورات اقتصادية و سياسية كبيرة خلال النصف الأخير من القرن 20.

الملاحظة الثالثة:

هناك تنوع في التجارب اللاتينو أمريكية، حيث لا يمكن النظر إلى كل ما يحدث في أمريكا اللاتينية باعتباره تجربة واحدة، هناك تباين واختلافات جوهرية تتفاوت من دولة إلى أخرى، فلا يجوز لأحد أن يتصور أن حكومات اليسار في أمريكا اللاتينية متشابهة ومتفقة في كل شيء، حيث هناك جناح أكثر راديكالية يتبلور أساساً في كوبا وفنزويلا وبوليفيا والإكوادور، بينما هناك جناح آخر يسعى لتعزيز الترابط مع الولايات المتحدة و تتزعمه البرازيل و التشيلي.

الملاحظة الرابعة:

هناك بعض المحللين يصفون بعض تجارب أمريكا اللاتينية بأنها تجارب “شعبوية”، فيما يوحي البعض بأنها تجارب “ثورية” محكوم عليها بالفشل المحتوم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تعريف لفظ “شعبوية” يستخدم للتعبير عن كل ما لا يسير حسب تعليمات القوى المسيطرة على العالم.

 الملاحظة الخامسة:

أكدت بعض الدراسات أن التطورات الأخيرة التي شهدتها أمريكا اللاتينية من حيث وصول حكومات اليسار إلى السلطة جميعاً عن طريق الانتخابات، لم تكن لتتم إلا في ظل سياق دولي معين كانت أهم ملامحه انشغال الولايات المتحدة بالحرب على الإرهاب (فقدان الولايات المتحدة لوزنها السياسي و نفوذها الاقتصادي في القارة).

فبعد انتهاء الحرب الباردة في أوائل التسعينات، لم يكن السياق الدولي يتوافق مع نشأة حركات يسارية في قارة مجاورة للولايات المتحدة، كما أن الديكتاتوريات العسكرية القائمة في أمريكا اللاتينية قد ساهمت في فرض سياسات النيوليبرالية في كافة أنحاء القارة.

لكن فشل هذه السياسات في إنجاز مشاريع التنمية، وتعدد المناهل الفكرية لليسار في أمريكا اللاتينية، والتنوع الكبير في أساليبه النضالية، إضافة إلى عدم رغبة الولايات المتحدة في الحفاظ على هذه الديكتاتوريات العسكرية خلال حربها ضد الإرهاب… كل ذلك قد أعطى دفعا قويا لخروج أمريكا اللاتينية للعالم بموجات من الحكومات اليسارية الوطنية، و طرح مشروع الديمقراطية “التشاركية” التي تؤكد على التعبئة الجماهيرية بدلا من الديمقراطية التمثيلية النيابية التي تدعمها واشنطن.

الملاحظة السادسة:

أوضحت نفس الدراسات أن النموذج الملهم في أمريكا اللاتينية ليس الثورة المسلحة ولا الانقلاب اليساري، إنما هو اليسار الذي خرج من الحرب الباردة، والذي يتبنى قيم الديمقراطية، بالإضافة إلى اندماجه مع الحركات الشعبية الوطنية.

و من الملامح العامة البارزة الذي اتسمت بها نظم اليسار في أمريكا اللاتينية أنها تقوم على:

–         التعبئة الشعبية الواسعة على المستوى الأفقي.

–         تعزيز الديمقراطية التشاركية بدلا من الديمقراطية النيابية.

–    وجود “الزعيم الكاريزمي”، وهذا يعود إلى الثقافة الأيبيرية في أمريكا اللاتينية التي تقوم على الأبوية، وليست الثقافة الأنجلوسكسونية القائمة على “احترام الفرد والقيم الديمقراطية الليبرالية”.

وتلعب “ظاهرة الكاريزما” أو الزعامة الشعبية دورا شديد الأهمية داخل أمريكا اللاتينية حتى داخل النقابات ( النقابي موراليس رئيس بوليفيا، شافيز رئيس فنزويلا، لولا رئيس البرازيل، نستور كرشنر رئيس الأرجنتين…)، ذلك أن كل حركة راديكالية وطنية تفرز الزعيم المنبثق من شروطها، و عادت ظاهرة  الزعامة الكاريزمية  لتلعب دورا مستقلا نسبيا في صياغة الحركة الوطنية، ودورها الرئيسي يتمثل في المحافظة على الديمقراطية باعتبارها الوسيلة المثلى للحفاظ على الثورة.

الملاحظة السابعة:

أن البلدان التي تضم أحزابا قوية في أمريكا اللاتينية مثل التشيلي والبرازيل قد استمدت نفوذها من الفئات الوسطى في المجتمع. أما الدول التي ليس بها أحزاب قوية فهي تشهد إما نشأة أحزاب جديدة أو تشتت داخل الأحزاب الموجودة، لذلك نجد أن مشكلة هذه النظم تتمثل في الاستخلاف و أزمة التمثيل Dominique Vidal, Le Brésil après la réélection de F.H. Cardoso, Problèmes d’Amérique latine : les élections de 1997-1998, Revue Trimestriel N 31, nouvelle série, Oct-déc 1998P 4

 نتج عنه معاناة القادة من أزمة السيطرة على نظام الحكم منذ انتهاء الليبرالية الجديدة، حيث يتجه اليسار إلى مقاومة الليبرالية الجديدة لوضع نظام ما بعد الليبرالية الجديدة.

قائمة المراجع

1)المراجع باللغة العربية :

أولا : الكتب باللغة العربية

– أحمد طلعت، الوجه الآخر للديمقراطية، الجزائر: المؤسسة الوطنية للنشر و التوزيع، 1990

– د/ حسنين توفيق إبراهيم، التحول الديمقراطي و المجتمع المدني في مصر، القاهرة: ط 1

– صامويل هانتنجتون، ترجمة د/ عبد الوهاب علوب، الموجة الثالثة: التحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين، مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، 1993

– د/ محمد السيد سليم و السيد صدقي عابدين، التحولات الديمقراطية في آسيا، مركز الدراسات الآسيوية، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، القاهرة، 1999

– د/ محمد السيد سليم، تطور السياسة الدولية في القرنيين 19 و 20 ، القاهرة، دار الفجر للنشر و التوزيع، ط 3 ، 2008

السيد يسين، الإصلاح العربي بين الواقع السلطوي و السراب الديمقراطي.

ثانيا : الرسائل الجامعية :

– أحمد جمال عبد العظيم،عملية التحول الديمقراطي في الصين، رسالة دكتوراه مقدمة لكلية الاقتصاد و العلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2004.

–  هالة سيد مصطفى، النظام السياسي و استراتيجيات التعامل مع الحركات الإسلامية المعارضة: دراسة حالة مصر، رسالة دكتوراه مقدمة لكلية الاقتصاد و العلوم السياسية، القاهرة، 1994.

ثالثا : المقالات و الدوريات

– رضا محمد هلال، السياسة الأمريكية تجاه أمريكا اللاتينية، السياسة الدولية، أكتوبر 2002، العدد 150.

– السيد ولد اباه : ديمقراطية أمريكا اللاتينيةاليسارية، الشرق الوسط، الجمعـة 21 شـوال 1428 هـ 2 نوفمبر 2007 العدد  10566

– السيد يسين، الطريق الثالث: إيديولوجية سياسية جديدة، السياسة الدولية، العدد 135، يناير 1999.

– د/ عبد الرضا علي أسيرى، التحول الديمقراطي في دول مجلس التعاون الخليج، السياسة الدولية، العدد 167، جانفي 2007

– عمرو عبد الكريم سعداوي، التعددية السياسية في العالم الثالث : الجزائر نموذجا، السياسة الدولية، العدد 138، أكتوبر 1999

– محسن منجيد، الولايات المتحدة و سباق التسلح في أمريكا الجنوبية، السياسة الدولية، يناير 2010، العدد 179

 -د/ محمد عبد المنعم مرتضي، أمريكا اللاتينية بين رياح الديمقراطية و التحديات الاقتصادية، السياسة الدولية، العدد 107، جانفي 1992.

– محمد مصطفى، التحول الديمقراطي في نيجيريا إلى أين؟ السياسة الدولية، أكتوبر 1993، العدد 114 – د/ محمود عبد المنعم مرتضي، أمريكا اللاتينية بين رياح الديمقراطية و التحديات الاقتصادية، السياسة الدولية، العدد 107، جانفي 1992

رابعا : مصادر الانترنت:   

– محمد فال ولد المجتبي ، فنزويلا.. إلى أين؟ 3/10/2004، المعرفة، موقع الجزيرة.

– د/ مصطفى كامل السيد، إصلاحات شافيز الاقتصادية والاجتماعية، 3/10/2004، المعرفة، موقع الجزيرة.

– د/ محمد تركي بنيسلامة، الإصلاح السياسي دراسةنظرية، موقع موسوعة دهشة،أكتوبر 2007 .

– محمد صلاح عبود،بعد 500 عام من اكتشافها.. البرازيل قوةإقليمية كبرى، الشرق الأوسط،  الاحـد  24 ديسمبر 2000 العدد 8062http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=18647&issueno=8062

– ميجيل دياز وباولو روبرتو ألميدا، إعداد – محمد عبد الله يونس، البرازيل.. قطب دولي جديد، www.islamonline.net/servlet/satellite&=ArticleA_CBcid=1256909966712&pagename=zone-arabic-news/NWAlayout  :

– هارولد أ. ترينكناس قراءة: خالد الحماد ، التحول في سياسة فنزويلا الخارجية، احتذاء نموذج شافيز البوليفاري,,, تحد لأمريكا

– يسر الشرقاوي، هل أخفق اليسار مجددا في أمريكا اللاتينية، السياسة الدولية، جويلية 2003، العدد 153

.2 المصادر باللغة الأجنبية:

A / Ouvrages :

–       Jean Beauté : La Présidence Reagan : Second mandat  1985-1989, Paris, la documentation française 1991

–       Maxime Lefebvre et Dan Rotenberg, La Genèse du Nouvel ordre mondial,

B/ Périodiques :

–       Dominique Vidal, Le Brésil après la réélection de F.H. Cardoso, Problèmes d’Amérique latine : les élections de 1997-1998, Revue Trimestrielle N 31, nouvelle série, Octobre-décembre 1998

–       Emir Sader, Reconstruire la droite en guise de troisième voie : Le Pacte des élites brésiliennes, Monde diplomatique, N 535   45ème année, octobre 1998

–       Maurice Lemoine, Disparitions, Répressions, Impunité en Amérique Latine : La seule guerre perdue, Le Monde diplomatique, N 503  43ème Année, Février 1996

C/ Internet :

– Dario Vivas, Evolution politica en Venezuela, http://www.voltairenet.org/article120083.htm

– Andrés Cañizález , Sociedad civil, medios y política en Venezuela: una mirada a su interacción, http://www.globalcult.org.ve/pub/Rocky/Libro2/Canizalez.pdf

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …

تعليق واحد

  1. كيف يمكن التواصل مع الكاتبة لهذا المقال