الرئيسية / النظم السياسية / الأحزاب والجماعات / دور تنظيمات المجتمع المدني في تكريس المشاركة السياسية
دور تنظيمات المجتمع المدني في تكريس المشاركة السياسية
دور تنظيمات المجتمع المدني في تكريس المشاركة السياسية

دور تنظيمات المجتمع المدني في تكريس المشاركة السياسية

دور تنظيمات المجتمع المدني في تكريس المشاركة السياسية

غنيـة  شليغم

 جامعة قاصدي مرباح ورقلة 

  

ملخص المقـال :

إن عملية التعبئة الاجتماعية تنجم عن تغيرات كمية و نوعية في شرائح السكان ذوي الاهتمام السياسي أو الراغبين في ممارسة العمل السياسي و القادرين على المشاركة في الحياة السياسية، و عليه يتحدد موقف النظام السياسي و الصفوة الحاكمة من مطلب المشاركة إما تأييدا أو تقييدا أو معارضة. و يتشكل هذا الموقف عادة في ضوء الإجابة على ما تثيره هذه التغيرات من تساؤلات تدور حول ماهية و حجم القوى الاجتماعية الراغبة في المشاركة في الحياة السياسية من ناحية، و حجم المتطلبات التي تطرحها هذه القوى و تأثير هذه المتطلبات في طبيعة و مسار العملية السياسية من ناحية أخرى، و مدى قدرة و كفاءة المؤسسات السياسية القائمة و الصفوة الحاكمة التي تمثل هذه التغيرات و استيعابها من ناحية ثالثة، فضلا عن نوعية الجماعات و الفئات التي تشارك في العملية السياسية و قدرتها على التأثير.

و هنا نكون بصدد طرح قضية دور تنظيمات المجتمع المدني في تحقيق و تكريس المشاركة السياسية الديمقراطية. و ذلك عن طريق عاملين هامين هما:

1- التنظيمات التي تسهم في إنتاج مال عام و التطوير السسيو اقتصادي.

2-الحكم الراشد و ديمقراطية المشاركة.

الكلمات المفاتيح:

المجتمع المدني، المشاركة السياسية، الديمقراطية

 

المقدمـة :

إن عملية التعبئة الاجتماعية تنجم عن تغييرات كمية و نوعية في شرائح السكان ذوي الاهتمام السياسي و القادرين على المشاركة في الحياة السياسية، و عليه يتحدد موقف النظام السياسي و الصفوة الحاكمة من مطلب المشاركة إما تأييدا أو تقييدا أومعارضة. و يتشكل هذا الموقف عادة في ضوء الإجابة على ما تثيره هذه التغيرات من تساؤلات تدور حول ماهية و حجم القوى الاجتماعية الراغبة في المشاركة في الحياة السياسية من ناحية، و حجم المتطلبات التي تطرحها هذه القوى و تأثير هذه المتطلبات في طبيعة و مسار العملية السياسية من ناحية أخرى، و مدى قدرة و كفاءة المؤسسات السياسية القائمة و الصفوة الحاكمة التي تمثل هذه التغيرات و استيعابها من ناحية ثالثة، فضلا عن نوعية الجماعات و الفئات التي تشارك في العملية السياسية وقدرتها على التأثير. و هنا نكون بصدد طرح قضية دور تنظيمات المجتمع المدني من عدمه في تحقيق وتكريس المشاركة السياسية الديمقراطية، و ذلك من خلال عنصرين هامين هما:

  1. دور تنظيمات المجتمع المدني في تكريس المشاركة السياسية.
  2. عدم ضرورة المجتمع المدني للمشاركة السياسية.

يعتبر المجتمع المدني ضروري و هام من أجل تجسيد و تكريس المشاركة السياسية، فمن الضغط على الحكومات لإرساء سياسات عامة إلى الخبرة التقنية لوضعها، و من التربية الوطنية إلى تأسيس سلطة موازية، تلعب تنظيمات المجتمع المدني دورا متناميا في كل دول العالم، فباختلاف الأدوار المعطاة لها، و التي لا توجد في فكرة أن المجتمع المدني الديناميكي هو رهان أساسي بالنسبة للديمقراطية و التطور السسيواقتصادي في نفس الوقت، يمكن القول أن تنظيمات المجتمع المدني شيء أساسي لتحقيق مشاركة المواطنين في القضايا التي تهمهم و تدعم تطور المجتمع اجتماعيا و اقتصاديا و ذلك من خلال المؤسسات المختلفة.

أ- تنظيمات تسهم في إنتاج المال العام و التطور السسيواقتصادي

        تساهم تنظيمات المجتمع المدني – باعتبارها مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي(économie sociale)، أو منشطة الحوار أو النقاش العام ومؤسسة المواطنة أو مستمعة للسلطة العمومية- بالمشاركة أو بالمعارضة أوالامتناع في الدولة بإنتاج المال العام الجماعي و تشارك في التطويرالاقتصادي والاجتماعي وذلك من خلال:

  1. مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي في خدمة الشعب:

اعتبارا من سنوات الثمانينيات و التسعينيات، و في سياق نهاية الدولة- التطويرية (Etat développementaliste)، و في إطار خوصصة القطاع العمومي و اللامركزية ، لعبت و تلعب تنظيمات المجتمع المدني دورا رئيسيا في تقديم خدمات للشعوب. باعتبارها قطاعا ثالثيا، يمكن تمييزها عن الدولة بسمة خصوصيتها(privé) وبمؤسساتها التي لا  تهدف نشاطا مربحا، أي أن مؤسسات المجتمع المدني لا تستهدف تحقيق ربح مادي بالدرجة الأولى بقدر ما تستهدف تقديم خدمة أو تحقيق الإدماج الاجتماعي.

لقد تطورت تنظيمات المجتمع المدني في الغرب انطلاقا من نهاية القرن التاسع عشر، بمساعدة نصيري الفنانين و العلماء(mécréants)- انتشار الفكر البروتستانتي و ما حمله من أفكار متحررة و قد تميز أغلب العلماء في هذه الفترة بتخليهم عن الأفكار الكنسية التي كانت تكبل حرية الفكر لذا اعتبروا بأنهم غير مؤمنين أو متدينين- و موارد خاصة، أما في الدول المتخلفة، فالدور التحريضي للممولين كان أساسيا، أي أن المؤسسات المقرضة مثل البنك الدولي و صندوق النقد الدولي كانت تشترط إطلاق الحريات في هذه الدول حتى تمنحها قروضا مختلفة، و أساس هذه الحريات تنامي مجتمع مدني بها.

إن مميزات و كفاءة تنظيمات المجتمع المدني من المفروض أن ستسمح لها ، بتقديم مساهمة نوعية للتطور في ظل المتغيرات الدولية و التي حملت معها عدة مفاهيم جديدة دخلت القاموس السياسي.

هكذا و في إطار” الحكم الراشد”، و السياسة الجديدة في التسيير، فكلما تخلت السلطة عن الدور المنوط بها، كلما زاد التعويل على المجتمع المدني من أجل تعويضها” (1)، لكن المنظمات غير الحكومية(O.N.G) ، التي تستعمل في بعض الأحيان كأدوات لوضع سياسات عامة، يكون لها دورا هامشيا أو منعدما في غالب الأحيان.

إن الرغبة الأساسية و المبدئية في المحلي و التنظيم الذاتي للشعوب من أجل سد عجز الدولة لم يستطع أن يخفي حدود تنمية هي ” في الأساس” محلية أو مستقلة عن المبادرات الخارجية و في بعض الأحيان تنافسية في سبيل تقديم الخدمات، أي أن المؤسسات الممولة تتسابق لتحوز على تبعية الدول التي تحتاج إلى المساعدات من أجل نشر الأيديولوجية الليبرالية و من أجل أن تستحوذ على أسواق لا تزال  محدودة التطور حتى تتخلص من فائض منتجاتها خاصة الاستهلاكية.

لقد انتقلنا إلى دور مؤسساتي معترف به لشركاء خواص في حقل السياسة العامة، هذه الشراكة (عام- خاص) تشرك تنظيمات المجتمع المدني و التي تلعب دور مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي من جانب و الدولة من جانب آخر، ويتجلى دورها الأساسي في التنسيق بين مختلف مقدمي الخدمات (بهدف الكسب أولا).

فطالما تم تشجيع هذه الشراكة (قطاع عام- قطاع خاص) خاصة في ظل لامركزية الجنوب، من أجل تحقيق فعالية أداء أكبر بفضل التنسيق بين نشاطات تنظيمات المجتمع المدني، الجماعات المحلية، الدولة، مختلف الجمعيات، المتعاملين الاقتصاديين، فهؤلاء كلهم يعتبرون أن التنمية المحلية هي من صميم انشغالاتهم، و بالتالي فهم مدفوعون إلى إيجاد صيغ متجددة للتعاون(2).

هذه التحالفات بين المجتمع المدني، الدولة و السوق ترد على رهان مزدوج؛ فمن جهة الحكومات المواجهة للنقص المستمر في مواردها و عجزها عن تقديم خدمات اجتماعية أساسية، و من جهة أخرى السوق و ضرورة تحقيق الأرباح، لا يعالج كل المشاكل و المطالب، فبالرغم من أن دور مقدمي الخدمات يبقى مدعم من قبل الممولين و السلطة العامة، إلا أنه في بعض الأحيان تبتعد تنظيمات المجتمع المدني عن دورها في تمثيل المجتمع.

فهي تعتبر الضامن للنظرة النقدية للعمل الحكومي و تستطيع حتى أن تقف كمعارض للحكومات التي تعتبر شريكتها. و بعضها يطور مقاربة مؤسسة على الاحتياجات الراهنة، و هي بهذا تثمن الأدوار المختلفة: الدفاع على أرض الواقع عن مبادئها، و الحوار مع السلطة من جهة، و الدفاع عن مبادئها و آرائها ضد السلطة من جهة أخرى، و هذا يقتضي الإحساس الفعلي بدرجة المواطنة، و التي نجد من بين عواملها، أو عناصرها: التربية الوطنية_الشعبية و الحوار العام

إن النظام الاجتماعي في الديمقراطيات الحديثة و المؤسسة على مواطنين أحرار و متساوين في الحقوق، لم يعد مضمون بالتفوق، فهو بالتالي يتأسس أو يرتكز على مبدأين: حق القيام بأفعال لا تؤذي الغير و القدرة على التطوع أوالاشتراك. إن الوفرة الجمعوية الناتجة تترجم أشكالا جديدة للتضامن و تساهم في جعل المجتمع المدني فضاء لإيجاد علاقات اجتماعية جديدة.

فالمجتمع المدني هو المكان( أيضا) لتعلم المواطنة و المشاركة السياسية، عن طريق ممارسات التربية الشعبية، حيث تشكل هذه التنظيمات مواطنين أحرار متعلمين، ينخرطون طوعيا في الحياة العامة.

فباعتبارها ميكانيزم للاندماج عن طريق استعمال وسائل غير مادية، تهدف التربية الشعبية إلى تحرير الفرد و الجماعة عن طريق تكوين مواطنين واعين بحقوقهم، مستعدين للمشاركة في الحوار العام أو الوطني (3).

فتنظيمات المجتمع المدني تشجع و تنشط فضاء عاما لتظهر وتتضارب الآراء، المشاريع و المصالح المختلفة المكونة للمجتمع.

فهي تؤسس للحوار و تطرح إشكاليات كانت مهملة أو مخفاة إراديا من طرف السلطة السياسية: كالكشف عن طريق المنظمات غير الحكومية عن سياسات التهجير القمعي، و إقامة حملات لمراقبة تجارة الأسلحة، و تحريم عمل الأطفال، والتطبيق عن طريق المؤسسات لمعايير اجتماعية و بيئية، فموضوع البيئة مثلا لم يعد من صميم العمل الحكومي إلا بعد تنامي التحسيس بالوضع البيئي من قبل تنظيمات المجتمع المدني.

و من بين مجموع تنظيمات المجتمع المدني، تلعب وسائل الإعلام دورا رئيسيا في سبيل تطوير روح المواطنة باعتبارها وسيطا ضامنا لشفافية تسيير شؤون الدولة، فهي في المجتمعات الديمقراطية جزء مندمج في الحياة السسيوسياسية و لها مكانة أساسية في الفضاء العام، لكن تبقى استقلاليتها هي الكفيل بطبيعة و كيفية عملها، حيث أن حرية التعبير في الدول الديمقراطية تسمح بهامش واسع لوسائل الإعلام أن تؤثر و بشكل كبير على القرارات العامة أما في الدول شبه الديمقراطية فإن الدساتير تكرس حرية التعبير لكن تقف القوانين حجر عثرة أمام الممارسات الديمقراطية الفعلية من أجل التأثير في القرار وإيصال أصوات الجماهير الغفيرة للسلطة السياسية و المشاركة فيها. كما تتميز تنظيمات المجتمع المدني أيضا بكونها محاور و مخاطب للسلطات العمومية: تضغط أو تثقل في إطار وضع السياسة العامة.

إن تنظيمات المجتمع المدني من شأنها أن تؤثر و تضغط على السياسة العامة، فإذا كان دور الدولة ينحصر في الموازنة و هذه سمة الدول الديمقراطية الليبرالية، فهي إذن لا تحتكر إنتاج المصالح العامة، فمساهمة المجتمع المدني تترجم في مستويين: النضال من أجل الأخذ بالحسبان بعض (القضايا) المسائل أو الفاعلين( دور اللوبيهات)، النقاش حول تفسيرات الظروف المرتبطة بإنجاز الأعمال( دور المفاوضة والخبراء).

إن تحليل أدوار المجتمع المدني يطرح تساؤلات تتعلق بالطرق الجديدة للاختيار العام أو الشعبي، و بظروف اتخاذ القرار، و معايير تفسير الصالح العام.

حيث يتجاوز النقاش الكلاسيكي أولوية تلبية الحاجات الأساسية و التغيير الاجتماعي، فقد أصبح مقبولا و إلى درجة كبيرة اليوم، أن التغير المستمر يستلزم أفعالا موسعة على مختلف الأصعدة: من المحلي إلى المؤسسات الدولية.

فمنذ بداية التسعينيات، ظهرت إلى السطح البرامج المطلبية في كنف المنظمات غير الحكومية (ONG)، و التي بدورها تقربت إلى تنظيمات من المجتمع المدني ألفت تقديم هذه البرامج مثل النقابات و الحركات الجمعوية.

متوجهة إلى السلطات العمومية من جهة، و تسعى إلى تعبئة و إعلام الفئات المعنية من جهة أخرى بهدف إقامة علاقة قوة سواء على المستوى المحلي أوالدولي. فإن تنظيم و تأسيس الجمعيات المدنية و قدرتها على العمل في شبكات و التواصل الإعلامي هي في الأساس عوامل نجاح أية حملة، بحيث يجب على هذه التنظيمات أن تعمل في تكتلات حتى يتسنى لها الضغط على الحكومات و تحقيق أغلبية مطالبها أو على الأقل مطالبها الرئيسية.

إن السلطات في دول الجنوب و بتحريض و إيعاز من الجهات الممولة(FMI , BM)، تسعى إلى تأسيس شراكة مع المجتمع المدني عن طريق وضع هياكل مختلفة التسميات تعبر عن تعدد التعاريف: أطر للمتابعة السياسية، للحوار وللمشاركة.

يعمل بيار ريمان (P.Reman) على التفرقة بين ثلاثة أنواع أو أشكال للعلاقات الجماعية و لتسيير النزاعات في إطار ديمقراطي.(أنظرالجدول) : الاستشارة، التفاوض، الاتفاق …

إن اختيار شروط وظروف تمثيل المجتمع المدني يعتبر معيارا مهما للتفرقة أو عدمها بين منطق المشاركة و منطق اتخاذ القرار و الذي يفضي إلى رسم نموذجين للقرار : الاستشارة الناتجة عن مشاركة واسعة لكنها لا تؤدي إلى أي مساهمة في اتخاذ القرار في هذه الحالة لا نلمس أي تأثير للمجتمع المدني على الصيرورة القرارية؛ بينما تعكس حالة التفاوض و الذي يتفق بموجبه بعض الفاعلين ويخرجون بمصلحة مشتركة قدرة التنظيمات الفاعلة على التأثير في القرارات المصيرية أو المهمة و يظهر وعي المنظمات غير الحكومية بدورها في الدولة الحديثة.

أشكال العلاقات الجماعية و نماذج اتخاذ القرار(4)

أشكال العلاقات الجماعية نماذج اتخاذ القرار
الاستشارة: الحكومة تستشير فاعلين في المجتمع المدني(أو مجموع المجتمع) عن طريق الاستفتاء قبل اتخاذ القرار – التفرقة بين منطق المشاركة / قرار

– مشاركة واسعة لكن الحكومة هي التي تحسم الأمر.

– تطلبات بيداغوجية.

– رهان: توازن بين مشاركة و قرار

التفاوض: تقريبا. احتكار التمثيل على بعض الفاعلين الذين عليهم إيجاد صيغة توافقية للوصول إلى تحقيق مصلحة مشتركة. منظمات ممثلة(تمثيلية) مدمجة في صيرورة اتخاذ القرار.

–     عن طريق التفاوض يجب أن تحقق مصلحة عامة.

–     شرعية تطبيقية لهذا النموذج من أجل الوصول بالمفاوضات إلى نتيجة.

–     التقرير سويا أو معا.

الاتفاق : السلطات العمومية تلجأ إلى محاورين اجتماعيين، ثقافيين للتقرير سويا.

كما هو الشأن في دول الشمال، فإن إدماج فاعلين جدد في المسار القراري يؤدي أو يبعث إلى رهانات سياسية عديدة في سبيل تحقيق المسؤولية والفعالية، بل أكثر من ذلك التمثيل و الشرعية. فالسلطات العامة تحاول تحديد عدد معين من المحاورين الممثلين و هذا الانشغال يجد نفسه مواجها بطموح بعض الجمعيات و الأفراد لتوحيد كل المبادرات في إطار فيدرالي. مثل هذا التعاون يدعم شرعية الشركاء عوض الفاعلين الذين يعتبرون غير شرعيين. إن فضاءات التحاور دولة/مجتمع مدني تصبح أماكن لسيادة  منطق الانتقاء والرفض بشكل قوي.

إن تجاوز هذا الشكل من الإتحاد الجديد كنوع من تسيير النزاعات الاجتماعية هو عبارة عن رهان و دعم لتوطيد وسائل المجتمع المدني للتأثير على السياسات العامة.

فندوات المصالحة مثلا هي عبارة عن أمثلة للتعبير عن السياسات العامة، لأن تصور ديناميكية علاقة المجتمع المدني و السلطة العامة، يجب أن تكون قادرة على الجمع بين دور المعارضة و وجود مقترحات و التكامل من أجل توفير الخدمات هذه العلاقة الديناميكية تطبق على مختلف المستويات من ألمحلى(الوطني) إلى الدولي و في ظهور أنماط جديدة للحكم.

ب- الحكم الراشد و ديمقراطية المشاركة

عديدة و مختلفة هي تنظيمات المجتمع المدني التي تشارك في بروز الصالح العام في علاقة الشراكة، و التفاوض أوالمواجهة مع الدولة، و تعتبر فاعلة في التغيير، فهي تبحث في كيفية التأثير على السياسة، لوضع سلطة مواجهة(Contre-pouvoirs).

 بما أن مصطلحات الحكم الراشد و ديمقراطية المشاركة موجودة بقوة في الخطابات السياسية، يفرض المجتمع المدني نفسه كفاعل مركزي للأنماط الجديدة للموازنة السياسية، و على ذلك تعمل مؤسساته على تحقيق:

– دعم الديمقراطية و دولة القانون، فبغض النظر عن التوجهات الوطنية، فإن صيرورة بروز المجتمعات المدنية تؤكد على وجود علاقة حيوية بين إشكالية الديمقراطية و المجتمع المدني، التي يجسدها دور الفاعلين في عملية الدمقرطة  و الذي يتحدد بدوره وفقا لمحاور رئيسية ثلاثة(5):

-تغيير الإجراءات المؤسساتية (أي العمل على دمقرطة النظام السياسي).

-تأسيس دولة القانون التي تعترف و تحترم الحريات الفردية و الجماعية.

-تطوير المواطنة خاصة مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العامة (مداولات و اتخاذ القرار).

فإذا كانت الديمقراطية مرتبطة بقوة نشاط حركة المواطن، فإن المجتمع المدني لا يلعب الدور المنوط به إلا في كنف دولة ديمقراطية. فتطويره هو في ذات الوقت تعبير و أداة لدمقرطة النظام السياسي و تدعيم دولة القانون.

إن عودةمفهوم المجتمع المدني، للظهور خلال الثمانينيات، كان مرتبطا وبقوة بمفهوم عدم شرعية التسلطية السياسية و المراحل الانتقالية للديمقراطية.

و يفضح روني أوتاياك(René O’Tayek)، بعض التحاليل التي تذهب إلى حد مدح”عدم التسيس الكلي (Dépolitisation)”، التي يغذيها إفلاس ديكتاتوريات التنمية ما بعد الاستعمار و هشاشة هياكل الأحزاب السياسية، والندرة الشبه كلية للتداول على السلطة و خاصة إجهاض أية محاولة للانتقال إلى أوضاع أفضل. حسب هذه التحاليل تكون رغبة  المجتمع المدني الناجع وغير السياسي (مفارقة)أن يحل محل النظام المرتشي(6).

لكن كما يشير إليه كل من لينز و ستيفان(Linz et Stephan)، المجتمع المدني ليس من شأنه أن يعوض النظام السياسي. فالدمقرطة ترتكز على(ردود أفعال) تفاعلات ديناميكية و ثابتة بين الدائرة السياسية، الدولة و المجتمع المدني، لأن المرحلة الانتقالية للديمقراطية المكتملة هي في الأساس مرحلة توطيد الديمقراطية بتدخل من المجتمع السياسي بمعنى-الأحزاب السياسية، الانتخابات، القواعد الانتخابية، القيادة السياسية، التحالفات الحزبية و البرلمانية. و التي يتشكل منها المجتمع سياسيا من أجل انتقاء و مراقبة الحكومة الديمقراطية (7). و من أجل المطالبة بدور شرعي في إطار الحوار العام أو الوطني يعمل المجتمع المدني على السهر من أجل تحقيق هذه الصيرورة بالتعاون مع الفاعلين الآخرين في المجال السياسي.

-تأسيس حكم ديمقراطي مشارك:إن الشعبية التي يحظى بها اليوم مصطلح المجتمع المدني مرتبطة جزئيا بالأشكال الجديدة للتوازن السياسي. إن أدوار الدولة تناقصت تدريجيا على وقع سياسات إعادة الهيكلة، و بعدها البرامج الأولى للحكم الراشد، التي وضعت من أجل وضع القطاع الخاص في عجلة التنمية. في هذا الإطار الذي تمت فيه استشارة المجتمع المدني و الأخذ في الحسبان خبرته في ميكانيزم اتخاذ القرار، حيث أصبحت عوامل رئيسية في خطاب النشاطات العامة الجديدة(8).

في إطار إستشرافتحليلي، يمكن تعريف الحكم الراشد كفن إدارة الحكم بربط تسيير الشؤون العامة بمختلف مستويات الإقليم، من المحلي للدولي، بإيجاد توازنات للعلاقات داخل المجتمع و تنسيق تدخلات مختلف الفاعلين. في إطار البحث عن خصوصية الحكم الديمقراطي، هذا التعريف يصبح معياري، عندما يشير إلى أن الحكم يصبح صالح أو غير صالح بدلالة قدرة الحكام والإدارات على احترام المبادئ التي تسهل عملية الانخراط و مشاركة مجموع الفاعلين في المجتمع المدني في السياسات التي تهمهم. الحكم المرغوب –في الجنوب على كل حال- مشروط بالحوار و مشاركة المجتمع المدني.

في ظل أزمة شرعية النظام السياسي و التمثيلي، يجلب منظور ديمقراطية المشاركة المواطنين أكثر فأكثر في مواجهة الطلب المتزايد للاعتراف وضرورة المشاركة في اتخاذ القرار و ترقية المواطنة، التي ليس بمقدورها أن تختزل في المشاركة البسيطة في الانتخابات. فمجالس الأحياء، تجمعات المواطنين، ميزانية المشاركة، استفتاء المبادرة الشعبية، الديمقراطية الجوارية. هذه المبادرات تتوسع في الشمال كما في الجنوب، فهي تحاول كشف طرق جديدة في سبيل تحقيق الديمقراطية، في محاولة لحل مسألة إقحام المواطنين والمجتمع المدني في صيرورة التداول السياسي بالمطالبة أكثر بالشفافية في تسيير الشؤون العامة (9). احترام واجب الإطلاع على التقارير والمشاركة الجدية في اتخاذ القرارات. فالمجتمع المدني يشكل في الأساس كيفيات سير و نشاط النظام إلى درجة أن بعض المحللين يشيرون إلى ظهور سلطة رابعة، هي سلطة المواطنين إلى جانب السلطات الثلاثة: تنفيذية، تشريعية و قضائية فبدايات ديمقراطية المشاركة، يجب أن ترفع عدة تحديات. بالإضافة إلى فعالية المشاركة و تعدي الجانب المحلي، فأخطار الاستعمال كأداة و نزاعات الشرعية تكون في بعض الأحيان معلنة في الأساس لأغراض انتخابية أو لتكريس شرعية الاختبارات المحددة مسبقا. إن حقيقة سيرورات المشاركة مرتبطة بشكل كبير بالإرادة السياسية الحقيقية لأولئك الذين يضعونها والكيفيات التطبيقية لوضعها.

أخيرا فإن الربط بين ديمقراطية المشاركة و الحكومة التمثيلية (الممثلة)، هو اليوم في قلب الجدل السياسي، فتنظيمات المجتمع المدني تعتبر ضرورية للديمقراطية التمثيلية و لتعايش عدة أنواع من الشرعيات و هذا لا يشكل إشكالا في حد ذاته بالمقابل يطرح سؤال حول فعالياتها و حول تدرجها في صيرورة اتخاذ القرار.

-بروز سلطة المواطن – الموازية: بالنسبة للتعدديين، فإن شرط نظام ديمقراطي مستقر يكمن في إدماج المجتمع المدني(المنبني حسب النظرة التقليدية الفردية، لشمال أمريكا: كمجموع، جمعيات متطوعين، نوادي خاصة، …إلخ.) في الصيرورة السياسية القرارية و في التوازن بين مختلف اللوبيهات(10).

فهؤلاء التعدديين يرون أن هناك عدم انسجام بين الديمقراطية والحركات الاجتماعية؛ فمكانة الديمقراطية الراديكالية، تدعو إلى اختفاء المؤسسات التمثيلية. بالنسبة إلى كل من كوهين(Cohen) و أراتو(Arato) فإن الحركات الاجتماعية هي مفتاح مجتمع مدني عصري و شكل مهم بين أشكال المشاركة في حياة المدينة(11).

إن العمل الاجتماعي يأخذ أشكالا متعددة: كأطر التشاور، الحملات التحسيسية، المظاهرات، أو أعمال العصيان المدني، و بالتالي تحاول  تنظيمات المجتمع المدني أن تحقق تغييرا معتمدا على علاقات القوة.

فانطلاقا من هنا نستطيع الحديث عن سلطة، أو سلطة موازية للمواطن. فبتأسيس سلطة موازية يستطيع المجتمع المدني أن يوجه الدولة لخدمة مصالحه و قيمه. فإذا كانت الديمقراطية تحدد عن طريق لعبة توازن بين مختلف السلطات، نجد نموذجين لهيكلة هذه العلاقات يتعارضان حول مبدأ الصالح العام في الحياة السياسية لأمريكا الشمالية، السلطات و السلطات الموازية يعربان ويتعارضان على الساحة العامة، فالمصالح العمومية (الشعبية) تنتج عن تصادم مصلحتين متناقضتين يعبر عنها المواطنين الأكثر تنظيما، المنتخبون لهم دور الحكم، ويتخذون قراراتهم استنادا إلى التعبئة السياسية و مقدرة مختلف جماعات المصالح في تشكيل اللوبيهات.

نجد من جانب آخر أن معظم دول أوربا الوسطى أخذت بنمط آخر، مرتكز على الصالح العام كمرجعية للعمل الجماعي، فمن المفروض على الدولة أن توفر كل الإمكانيات للدفاع عنه، لكن مفهوم الصالح العام هذا يصطدم بمسألة المقاييس المستعملة لتحديده، إذن فالمجتمع المدني له دور السماح بتنمية و تطوير الوعي بالمواطنة و التي تسمح بدورها للأفراد بالمشاركة للتعريف بها عن طريق الحوار السياسي، على عكس النموذج الأنجلو-سكسوني، الذي مفاده أن الدفاع عن المصلحة المشتركة للمواطنين ليس فعل مقدرتهم على التنظيم، لكنها تتأسس على المبدأ الأخلاقي للتضامن والمساواة. فالدراسة المقارنة بين كل من المكسيك، البوسنة و الهرسك، الجزائر ورومانيا التي تمت تحت إشراف كاترين دلهوم(Catherine Delhoume)، تشير أنه في هذه الدول، تنظيمات المجتمع المدني، لا تشكل و بشكل كبير سلطة موازية. و حتى تظهر هذه السلطة الموازية على مستوى المجتمع في مجمله، و في الحقل الجمعوي و على كل مستوى و كل منظمة، هناك (03)ثلاث مجموعات لعوامل الظهور هذه السلطات الموازية(المعارضة) للمواطنين :

  • الثقافة الديمقراطية و التربية المواطنية(المدنية)، وضع المواطنين موضع الفاعلين و إقحامهم في ديناميكية مسئولة و مواطنيه أي تشجيع في كل فرد ثقته بقدرته هو للتدخل في كل مرة لتغيير المجتمع، أي نبذ روح الاتكال أو الاعتماد على الغير من أجل تحقيق المصالح الشخصية أو العامة.
  • العمل الديمقراطي و هيكلة هذه المنظمات (منظمات رأسية، شبكات، أرضية)، لأن تمييع المجتمع المدني يضر بقدرته في الأداء و التدخل العام.
  • القدرة على تعبئة المنظمات (أهمية قاعدتها الاجتماعية)، شرعيتها (ديمقراطية داخلية، شفافية، القدرة على الفعل الإيجابي)، استقلاليتها (بالنسبة للدولة و بالنسبة للمصادر الخارجية للتمويل).

لهذه العوامل يمكن إضافة دور وسائل الإعلام الذي لا يمكن إهماله، كمضخم أو مقزم لهذه السلطات الموازية أو المعارضة.

إن تحليل تعريف و أدوار المجتمع المدني يسمح بالإحاطة بهذا المفهوم المركب و الرهان الموجود للاعتكاف حول إشكالية تدعيم المجتمعات المدنية اليوم في مواجهة هذه الحقائق الجديدة، خاصة في مجتمعات الجنوب، فنجد أن  فاعلي التعاون، يوضعون في تحدي من أجل تجديد أعمالهم. و في مقياس آخر إعادة تحديد أدوارهم، لكنهم يعتبرون أيضا فاعلين في هذا التغيرات عن طريق خطاباتهم حول المجتمع المدني و أدواره. فكل الممولين صادقوا على تغيير التوجهات في صالح تدعيم المجتمعات المدنية في الجنوب، فهم يظهرون على الأقل الاختلافات الشديدة للمقاربات و التطبيقات، أي أنه و حتى يتسنى دعم المجتمعات المدنية في الجنوب يجب على الدول و التنظيمات في هذه الدول أن تقوم بمجموعة من الإجراءات التي تؤسس للديمقراطية كخطوة أولى في سبيل تأسيس مجتمع مدني قادر على مواجهة التحديات المختلفة، من اجتماعية واقتصادية و ثقافية…

الهوامـش:

1) . T . Brugvin, « Gouvernance globale contre régulation citoyenne »,  la Pensée, n°333, 2003, P150.

     2).  H . Levy, Le difficile rôle des collectivités locales et l’apport de la coopération décentralisée, Paris : CUF, 2002, P29.

.    3)  Lapeyronnie, D, « Que peut-on entendre aujourd’hui par éducation populaire ?, www.educpop.org.

     4). Pierre Reman, « Pour la société civile  la Revue Nouvelle T113 N°1 Janvier 2001 PP (56-57).

.    5)  C.Delhoume ,(Cood), Contre Pouvoir et Démocratisation, une étude Comparative du rôle des syndicats et des associations dans quatre pays(Algérie, Bosnie-Herzégovine, Mexique, Roumanie). Paris : I E D E S, 2002, P51.

6(سعيد بن سعيد العلوي(و آخرون)، المجتمع المدني في الوطن العربي و دوره في تحقيق الديمقراطية. ندوة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية،2001 ،ص211.

.    7)  René Otayek, Les sociétés civiles du sud : Cameroun, Ghana, Maroc . Bordeaux : Centre d’études sur l’Afrique noire, I.E.P , 2003, P200.

  1.     P. Gaudin, Pourquoi la gouvernance ?, Paris : Presse de sciences politiques, 2002, P129. .8)

.    9)  Transparency International, La société civile et la lutte contre la corruption, www.transparency.org.

.    10)  J. L. Cohen et A.Arato, « Un nouveau modèle de société civile », Revue : Les temps modernes, Juillet ; 1993, P61.

11)  Idem

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …