الرئيسية / المكتبة / عروض كتب / الأمــــــــــــــــــيـــر – ميكافيللى
ميكافيللى الامير
الأمير ميكافيللى

الأمــــــــــــــــــيـــر – ميكافيللى

 

مقدمة:

كتاب الأمير لنيقولا ميكافيللى، ترجمة أكرم مؤمن، الطبعة الصدرة عن مكتبة ابن سينا، القاهرة 2004. يقع الكتاب في 126صفحة.

نيقولا ميكافيللى، رائد الفكر الواقعي في القرن السادس عشر، عايش عصور الظلام الأوروبي، حيث هيمنت السلطة الدينية على السلطة المدنية، وعمل في مناصب عدة في إيطاليا، فأراد أن يقدم هدية أو خلاصة فكره في كتاب صغير إلى حاكم إيطاليا. يقدم فيه مجموعة نصائح هدفها توحيد إيطاليا والسيطرة على إماراتها المتقاتلة.

يقدم الكتاب توضيحات حول كيفية الحفاظ على الملك، وصفات الأمير “الحاكم”، وكيفية اختياره لمساعديه، بأسلوبٍ قوامه طرح الأسئلة والافتراضات المختلفة، ثم الإجابة المثلى عليها، مع التدليل على ذلك بما يثبته التاريخ.

استند ميكافيللى إلى أهمية هذه النصائح بقوله “إنه من الضروري أن تكون أميرًا حتى تعرف طبيعة شعبك، كما إنه يجب أن تكون أحد الرعية كي تعرف الحقائق المتعلقة بالأمراء”.

يبدأ الفصل الأول بعرض “الأنواع المختلفة للحكومات وطرق إقامتها”، وفيه يعدد المؤلف أنواع الحكومات، فمنها الجمهوريات والممالك، والممالك إما أن تكون جمهوريات أو ملكية. والممالك إما أن تكون وراثية تحكمها أسرة واحدة وتستمر فيها، أو انضمت حديثًا لمملكة الأمير. والممالك المكتسبة إما حرة (لم تكن تحت إمارة ملك آخر) وإما كانت في حوزة أمير آخر.

في حين تركز الفصول الثاني والثالث والرابع على “كيفية التعامل والسيطرة على هذه الأنواع من الممالك”. فإذا أردت الأمير السيطرة على ممالك جديدة والحفاظ على الحالية فعليك:

أولاً- مراعاة اللغة والثقافة بالنسبة للممالك الجديدة، فكلما كانت اللغة والثقافة مشتركين بين المملكة الجديدة وباقي المملكة كلما كان الاستيلاء عليها أسهل، وكلما كانا مختلفين كلما احتاجت إلى حنكة وخبرة عاليين، وأفضل الطرق تأثيرًا هي أن يقيم الحاكم الجديد في تلك الأرض، وهو ما فعله الأتراك في بلاد الإغريق.

في الفصل الخامس يقدم صاحب الأمير نصائحه الثلاثة للسيطرة على الممالك التي اعتادت على الحياة الحرة في ظل قوانينها الخاصة، وهى: فإما أن يلغيها الأمير، أو أن يذهب ويعيش بنفسه هناك، أو أن يسمح لها بالاستمرار في استخدام القوانين السابقة مع دفع الجزية. مع تكوين حكومة من عدد قليل ممن يحافظون على ولائها للأمير.

أما عن الفصل السادس الذي يدور حول الولايات الجديدة التي ضمها الأمير بقدراته وجيوشه، من خلال فكرة رئيسية هي أهمية معالجة المشكلات في مهدها، فتكون صعبة التشخيص سهلة العلاج، ويقول إن من يريد الإصلاح لابد له من أعداء وهم جميعهم من كانوا مستفيدين من النظام القديم.

في الفصل السابع، وهو نقيض الخامس، يعبر عن أن “الممالك الجديدة التي يتم الحصول عليها من خلال الاخرين أو الصدفة، فتلك أقل ديمومة وثباتاً من التي يتحصل عليها بالقوة والقدرة الفعليتين.

        ينطلق الفصل الثامن والمعنون “حول من وصلوا للمنصب الأمير بالخديعة”، فينصح هنا الأمير أن يعيش وسط رعيته، لكن بطريقة لا تؤدى لحدوث ضرر مفاجئ له، كما أن على الأمير الحكيم أن يبحث عن وسائل تجعل رعاياه في حاجة مستمرة إلى حكومته، وحينئذ سيخلصون له الولاء.

لذلك نجد الفصل التاسع “حول الإمارات المدنية”، وصل فيها الأمير برغبة أقرانه فسعيه في جلب رضاهم ستكون أفضل ودوامه أطول. ولذلك عليه أن يهتم برضا شعبه حتى يسلم المؤامرات الخارجية، فلا يصبح في حاجة لإقامة القلاع، فأقامتها مفيد لمن يخشى الداخل أكثر من الأجانب.

        فيما يتناول الفصل السابع والمعنون بالتساؤل “كيف يجب قياس قوة كافة الإمارات؟” “فيجادل فيه –ميكافيللى- هل الأمير قادر على أن يحمى نفسه بمفرده عند الحاجة أم أنه في حاجة لحماية غيره دائمًا؟ ويعتبر نيقولا أن الأمراء الذين يستطيعون حماية أنفسهم بمفردهم هم من يستطيع تجنيد جيشًا كافيًا بسبب وفرة المال والرجال، ولن يقهرهم أي مغير عليهم، أما الأمراء في الحالة الثانية فهم مضطرون دائَمًا للانسحاب والدفاع، وأن ما يتحصل عليه بسهولة بفقد بسهولة.

أما عن “الأمارات الكنسية” موضوع الفصل الحادي عشر، فمن أجل السيطرة عليها يكون الأمير أمام خيارين للسيطرة عليها، إما من خلال قوة دينية كبيرة للأساقفة، أو قوة عظيمة للسلاح تستطيع قهر ما لرجال الدين من قوة، وهو ما فعله “البابا ليو العاشر”.

ويناقش الفصل الثاني عشر الأنواع المختلفة للجندية وجنود المرتزقة، موضوعين الأسلحة والجندية، في الأول يقول: يجب على الأمير أن يجد قوانين جيدة وأسلحة جيدة، ولا توجد قوانين جيدة بدون أسلحة جيدة، حيثما توجد القوانين الجيدة توجد الأسلحة الجيدة أيضًا.

أما في الثاني، فيجدر أن يختار الحاكم جنوداً وطنية خالصةً لا مرتزقة خائنة، “ينهبونك في السلم وينهبك عدوك في وقت الحرب”. فالقوات المرتزقة هي إما ذوي كفاءة عالية أو غير أكفاء، وإذا كانوا أكفاء فلا يمكن الاعتماد عليهم لأنهم سيعملون على ابتزازك، وإذا كانوا غير أكفاء فإنهم يدمرونك.

        يستكمل في الفصل الثالث عشر “حول القوات المعاونة والمختلطة والوطنية”، فيؤكد فيه علىإن طرق الدفاع الصالحة الوحيدة والأكيدة والدائمة هي تلك الطرق التي تعتمد عليك وحدك وعلى قدراتك وليس الآخرين”، وأن جنود المعاونة لا تختلف كثيرًا عن الجنود المرتزقة.

        وفى الفصل الرابع عشر والمعنون “واجبات الأمير فيما يتعلق بالقوات المسلحة”، فيشدد فيه على حتمية الحرب، وأهمية اتقان فنها من حيث إنه ينبغي ألا يكون للأمير غاية أو فكرة سوى الحرب ونظامها، وهو الفن الوحيد اللازم لمن يتولى القيادة، هو ضروري للحفاظ على ملكه أو التوسع خارجيًا.

يقول “إن الجنود تحترم أميرها الخبير بشئون الحرب والعارف بنظامها”، لذا على الأمير أن يشغل نفسه بالتدرب وقت السلم أكثر من وقت الحرب، وأن يهوى الصيد ليتقن جغرافية بلاده. وينوه إلى بغضه إلى “فكرة الحياد” في حالة حرب صديق وعدو. وعنده “يُحترم الأمير بشدة إذا كان مخلصًا في الصداقة أو شديد العداء، ويتحتم أن يعلن صراحة تأييده أو عدائه لفريق أو طرف، مبررًا ذلك أنه لو انتصر من أيده زاد قدرك عنده، إما إذا خسر من أيدته، عرف الطرف الآخر موفقك، وسيحسب لك ألف حساب. وهو يرى أن ذلك أكثر نفعًا من الحياد.

وفى تحالفات الأمير، عليه أن يحذر التحالف مع من هو أقوى منه، حتى لا يكون تحت إمرته ورهن إشارته. ويقرأ الأمير التاريخ، وأعمال عظام الرجال، ويعلم أسباب انتصاراتهم وهزيمتهم تلكم بمثابة التدريب العقلي للحاكم.

        يتطرق الفصل الخامس عشر والمعنون “بما يلام عليه الرجال –الأمراء- أو يمدحون لأجله”، إلى موضوع غاية في الأهمية، وهو صفات الأمير، فهل يكتفى للأمير بالصفات البشرية؟ سؤال يطرحه الأمير، ويجاوب عنه بالنفي، فعلى الأمير أن “يكون ثعلب ليواجه الفخاخ، ويكون أسدًا ليخيف الذئاب”.

يتحدث عن الوفاء والكرم والرحمة والصدق والتدين، فيقول رغم أنها كلها صفات محمودة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالحكم والحفاظ على الدولة وبقائها فالأمر مختلف، “فالغاية تبرر الوسيلة“. فبعض الفضائل لو طبقناها لهلك الأمير، ورذائل أخرى في الالتزام فيها السلامة والسعادة والحفاظ على ملكه.

        يستكمل الفصل السادس عشر “حول السخاء والشح” بتعميق النظر حول هاتين الصفتين، فيقول إنه رغم أهمية السخاء إلا أنه علي الأمير أن يكون حريصًا، إذا كان الكرم سيفقره ويجعله حقيرًا مكروهًا. ويذيل حديثه بنصيحة “إنه من المفيد التحلي بالصفات الحسنة، ولكن يجب أن يتهيأ عقلك ليتحول إلى أضداد هذه الصفات عند الحاجة”.

        يتابع في الفصل السابع عشر “الشدة واللين، وهل من الأفضل أن تكون محبوبًا أم مهابًا؟” بجدال هل يكون الملك محبوبًا أم مهابًا؟ ويجيب أن عليه أن يكون محبوبًا مهابًا في نفس الوقت، ويقول “إنه لما كان متعذرًا الجمع بينهما لذا عليه أن يكون مهابًا”، ويعلل ذلك، بأن الناس يحبون بمحض إرادتهم، ولكنهم يخافون حسب رغبة الأمير، فيجب الاعتماد على ماله سلطان به.

        ويردف في الفصل الثامن عشر والمعنون “بكيف يصون الأمراء عهودهم؟ أنه على الأمير ألا يحفظ عهدًا يكون الوفاء به ضد مصلحته. فرغم الثناء الذي يحصده الملك الوفي، إلا أن التجارب العملية تشير لأمراء حققوا العظمة لكن دون الالتزام بالعهود، بجانب أن من اتخذوا الأمانة هاديًا لهم قد غُلبوا على أمرهم. فالقتال له طريقتين تعتمد الأولى على القوانين والقواعد، والطريقة الثانية تعتمد على القوة وحسب. على الرغم من أن الأولى للبشر، والثانية للحيوانات، إلى أن الأولى لا تكفي في حد ذاتها لتحقيق النصر المرجو بأقل تكلفة. فعندما يتعلق الأمر بالحكم والحفاظ على الدولة وبقائها فالأمر مختلف، “فالغاية تبرر الوسيلة”.

       

        يشير الفصل التاسع عشر والمعنون “بكيف نتجنب الاحتقار والكراهية”، فرغم أن كل هذه الصفات السيئة إلا أنه على الأمير ألا يكون مكروهًا ومحتقرًا، وأن يمارس هذه الصفات بشكل لا يؤدى لكراهية الرعية له، ويستطيع أن يفعل ذلك من خلال عدم التدخل في أموالهم وأمالكهم ونسائهم، وألا يفرض عليهم ضرائب باهظة.

كما عليه أن يلهي شعبه باستمرار في المهرجانات والمعارض التي تجلب له الشهرة والعظمة، مضافًا إلى الاهتمام بالطوائف والمجموعات الموجودة في المملكة والاجتماع معهم من وقت لآخر. كما على الأمير أن يحترم نبلاء ولاته (طبقة رجال الأعمال)، لكن بشكل لا يجعل العامة يعادونه.

        أما الفصل العشرين: “حول ما إذا كانت القلاع والأشياء الأخرى التي يلوذ بها الأمراء مفيدة أم ضارة؟” فيشير أن من يخشى الداخل أكثر من الخارج فعليه أن يقيم القلاع، أما من يهتم برضا شعبه يسلم المؤامرات الخارجية، فلا يصبح في حاجة لإقامة القلاع، فأقامتها مفيدة لمن يخشى الداخل أكثر من الأجانب.

        في الفصل الحادي والعشرين والمعنون “بماذا يفعل الأمير كي ينال الشهرة؟”، يؤكد أن ما يُكسب الأمير مزيد من الشهرة هو إقدامه على أعمال عظيمة أو غير عادية، ومن ذلك ما فعله ملك أرجون “فرديناند”، بمهاجمته غرناطة في بداية عهده. وعلى الأمير أن يكرم الموهوبين في كل فن، ويحث المواطنين على العمل مطمئني البال. ولا يغفل صاحب الأمير من التأكيد على أن يتبع الأمير طريقة مناسبة للثواب والعقاب، تضمن له هيبته ومحبة شعبه له.

        ينتقل في الفصل الثاني والعشرين: “حول أمناء الأمراء”، إلى قضية اختيار الأمناء والناصحين، فعلي الرغم من كثرة ما كتب في أصول اختيار الوزراء والنصحاء، إلا أن صاحب الأمير تميز بنظرة مغايرة، فهو ينطلق أولاً- من الفارق بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، فلا يتحتم علينا ترك ما نفعله في سيبل ما يجب أن يكون. وثانيًا- أن يعرف الأمير كيف يكون خيرًا وليس شريرًا، ومتى يستخدم الأخيرة عند الضرورة.

يلزم على الأمير أن يكون حكيمًا حتى يختار الأمناء الصالحين، ويضع معيارًا للصلاح هو “أن يفكروا في الأمير أكثر ما يفكرون في أنفسهم”، وعلى الأمير أن يغدق عليهم الأموال، ويسعى لتطوريهم وإسناد المهام الكبرى لهم، ليحفظ ولائهم له، وأن يستبعد كل من يفكر في نفسه أكثر من مصلحة الأمير.

        يسترسل الفصل الثالث والعشرين والمعنون “بكيف يمكن تجنب المتملقين؟، أنه بجانب الأمناء يختار صاحب السلطة من ينصحونه من حكماء الناس، ويمنحهم الحرية الكاملة في إخباره بالحقيقة، ولا يسمع لغيرهم.

يحذر صاحب الأمير من التملق، وأن تجنبه صعبًا. لكن على الأمير أن يعلم من حوله أنه في حاجة للحقيقة، لا التملق، لكن في الوقت نفسه فإن سماع الحقيقة من كل منهم يفقد الأمير احترامه.

        يتناول الفصل الرابع والعشرين والمعنون “لماذا أضاع أمراء إيطاليا ولايتهم؟” تطبيقًا على ملك نابولي ودوق ميلانو، حيث إن النقص في أسلحتهم ومعادة الشعوب لبعضهم كان سببًا في هلاكهم وضياع ملكهم، وكذا اعتمادهم على الأخرين في الدفاع عنهم.

        يشير الفصل الخامس والعشرين إلى “دور الحظ في العلاقات البشرية وكيف يمكن التصدي له؟” إنه على الأمراء أن يتهيؤوا للمستقبل، ولما يمكن أن يصنعه الحظ (القدر)، كمن يبنى – من يخشى الفيضان – السدود لمواجهتها قبل وقتها.

        يختتم حديثة في الفصل السادس والعشرين والأخير بدعوة إلى تحرير إيطاليا، فهو- مكيافيللى- يرى أنه لابد أن تصل الحالة إلى أسوأ من عبيد بنى اسرائيل قبل موسى حتى يرسل الله المخلص. ولكن على الشعب وأميره الاستعداد والتأهب لمساعدة المرسل للخلاص.

 

        خاتمة وتقييم:

لعل ميكافيللى نفسه لم يتخيل لكتابه الصغير هذا أن يعم وينتشر، ويستمر إلى وقتنا الحالي مسارًا للجدل والنقاش. ولكن ماذا قدم “الأمير”؟ سؤال لازال يطرح نفسه بقوة.. فهل قدم الأمير السياسة في وجهه الأسوأ؟ أم أنه قد أعلم المحكومين بالطرق والحيل المكائد التي تحاك ضدهم؟ ومن هنا فالأمير عملًا جيدًا من الناحية الأخلاقية. لكن الشائع أن أصبحت أي سياسة لا أخلاقية متحايلة باتت توصف بأنها مكيافيللية. أيًا ما يكن الرأي في ذلك، فصاحب الأمير كأي مفكر عاش سياقًا تأثر به وعبر عنه فيما كتبه.

بقي أن نشير أنه لم يقدم علمًا للسياسة، مبنى على منهجية معينه، وإن كان أول من درس “القوة” دراسة نظامية وقام بتقنينها. فعمله أقرب إلى الفن، الذي يهدف إلي التعرف على قواعد اتقان العمل أي “مثالية الوسائل” منه إلى العلم.

 

لتحميل الملف كاملاً: كتاب الأمير

 

 

عن أحمد عبد الرحمن

باحث ماجستير علاقات دولية كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية جامعة الإسكندرية

شاهد أيضاً

الأمن القومي

الأمن القـومي: دراسة نظرية في المفهوم والنظريات ومنهجية التقييم 

الأمـــن الـقــومــــي دراسة نظرية في المفهوم والنظريات والمستويات ومنهجية التقييم  إعداد/ أحمد عبد الرحمن خليفة …