الرئيسية / العلاقات الدولية / التفاعلات الدولية / الصراع .. مفهومة وأبعادة ونظرياته
الصراع .. مفهومة وأبعادة ونظرياته
الصراع .. مفهومة وأبعادة ونظرياته

الصراع .. مفهومة وأبعادة ونظرياته

المبحث الأول: مفهوم الصراع

المبحث الثاني: أبعاد الصراع

المبحث الثالث : أنواع الصراعات

المبحث الرابع: المنطلقات النظرية لظاهرة الصراع الدولي

]المبحث الأول : مفهوم الصراع [
تتميز ظاهرة الصراع عن باقي ظواهر العلاقات الدولية بالتعقيد بسبب تعدد أبعادها و تداخل مسبباتها و مصادرها و تشابك تفاعلاتها و تأثيراتها المباشرة و غير المباشرة و يستخدم مصطلح الصراع عادة للإشارة إلى وضع تكون فيه مجموعة معينة من الأفراد سواء قبيلة أو مجموعة عرقية, ثقافية, لغوية, دينية, اجتماعية, اقتصادية… تنخرط في تعارض واعي مع مجموعات أخرى معينة لان كل من هذه المجموعات يسعى إلى تحقيق أهداف متناقضة.
و يعرفه لويس كوسر (باحث في علم الاجتماع ) ” بأنه تنافس على القيم و على القوة و الموارد يكون الهدف فيه بين المتنافسين هو تحييد أو تصفية أو إيذاء خصومهم ”
والصراع هو تفاعل بين البشر وهذا يعني انه يتضمن درجة أعلى من مجرد التنافس فالأفراد قد يتنافسون على شيء نادر دون أن يسعى احدهم إلى منع الأخر من تحقيق أهدافه و لكن التنافس يرقى ليصبح تنافس عندما تحاول الأطراف دعم مراكزها على حساب مراكز الآخرين و تعمل على الحيلولة دون تحقيق الآخرين لغاياتهم أو تحييدهم بإخراجهم من اللعبة أو حتى بتدميرهم .
الصراع قد يكون عنيف أو غير عنيف و قد يكون مستمر أو متقطع أو يمكن التحكم فيه أو خارج عن نطاق السيطرة و قد يكون قابلا للحل أو غير قابل في ظل مجموعة من الظروف و الحقيقة إن تعريف كوسر هو تعريف سيكولوجي إذ يركز على الصراع بين الجماعات و لكن بعض الباحثين يرون أن المصطلح يجب أن يتناول ما بين الجماعات فقط.
ويمكن تعريف الصراع في مجالات العلاقات الدولية بأنه تنازع الإرادات الوطنية و هو التنازع الناتج عن الاختلاف في دوافع الدول و في تصوراتها و أهدافها و تطلعاتها و في مواردها و إمكاناتها مما يؤدي في التحليل الأخير إلى اتخاذ قرارات و انتهاج سياسات خارجية تختلف أكثر مما تتفق و لكن برغم ذلك يظل الصراع بكل توتراته و ضغوطه دون نقطة الحرب المسلحة، و من المفاهيم المرتبطة بالصراع :

1_ التوتر : يشير إلى حالة عداء و تخوف و شكوك وتصور بتباين المصالح أو الرغبة في السيطرة أو تحقيق الانتقام غير انه يبقى في هذا الإطار دون أن يتعداه ليشمل تعارضا فعليا و صريحا و جهودا متبادلة من الأطراف للتأثير على بعضهم البعض و التوتر حالة سابقة على الصراع و كثيرا ما رافقت انفجار الصراع.
2_ الحرب : يختلف الصراع عن الحرب في أن الأخيرة لا يمكن أن تتم إلا على صورة واحدة و بأسلوب واحد فهي التصادم الفعلي بوسيلة العنف المسلح حسما لتناقضات جذرية لم يعد يجدي معها الأساليب الأكثر لينا أو الأقل تطرفا و من هنا فإن الحرب المسلحة تمثل نقطة النهاية في تطور بعض الصراعات الدولية.
3_ الأزمة : يعرفها كورل بيل” بأنها ارتفاع الصراعات إلى مستوى يهدد بتغير طبيعة العلاقات الدولية بين الدول”
و يشير روبرت نورث ” إلى أن الأزمات دائما ما تسبق الحروب و لكن لا تؤدي كلها إلى الحروب إذ تسوى سلميا أو تجمد أو تهدا”.
وهي مجموعة الظروف و الأحداث المفاجأة التي تنطوي على تهديد واضح للوضع الراهن المستقر في طبيعة الأشياء، و هي النقطة الحرجة و اللحظة الحاسمة التي يتحدد عنها مصير تطور ما.

§ المبحث الثاني: أبعاد الصراع .
حدد بعض الباحثين الصراع الذي يتحقق لما تتخلى الأطراف عن الوسائل السلمية أو تحاول السيطرة أو تدمير القدرات المخالف لها لأجل تحقيق أهدافها و مصالحها الخاصة بأربعة عناصر يلزم التمعن في كل صراع أو التخفيف منه وهي:
• الوسائل الجوهرية ( الأصلية ) تكون في احتدام الجدل بشان التنافس عن الموارد الطبيعية و السيطرة على الحكم و تحديد صلاحيات الأقاليم و المنطق و الإيديولوجيات الحاكمة.
• الأطراف أو مجموعات الصراع سواء كانت عرقية أم دينية أم إقليمية أم تيارات سياسية.
• أنواع القوة المستخدمة و طرف الإكراه مثل أسلحة الدمار الشامل و الإرهاب و الانقلابات و الإبادة الجماعية و انتهاك حقوق الإنسان و التطهير العرقي.
• الفضاء الجغرافي أين تتم المجازر و عمليات التخريب و النزاعات الدولية و الداخلية.

§ المبحث الثالث : أنواع الصراعات
تتعدد التصنيفات و تتنوع التقسيمات المختلفة للتمييز بين الصراعات بتعدد المعايير أو المؤشرات المستخدمة من قبل الدارسين لحقل العلاقات الدولية غير انه يمكن الإشارة إلى مجموعة من معايير التمييز بين الأنواع المختلفة للصراعات :
• فمن المنظور المتعلق بمصدر الصراع فانه يمكن التمييز بين صراع بنيوي و صراع مدركي أما فيما يتعلق بمسببات الصراع فتقسم الصراعات إلى صراعات العلاقات و صراعات المعلومات و صراعات المصالح و صراعات البنيات و صراعات القيم.
• كذلك فان درجة ظهور الصراع يتم على أساسها التمييز بين الصراع العلني أو المسافر و الصراع الكامن و المستتر و الصراعات المقهورة أو المقموعة.
• موضوع الصراع و على ضوئه يتم التمييز بين صراع سياسي و اقتصادي و اجتماعي و ثقافي…
• المتغير الخاص بأطراف الصراع وعادة ما يستخدم في تقسيم الصراعات إلى ثنائية أو متعددة.
• درجة العنف المرتبطة بالصراع التي يتم على أساسها التمييز بتن الصراعات العنيفة و الغير عنيفة.

§ المبحث الرابع : المنطلقات النظرية لظاهرة الصراع الدولي.
تتعدد المداخل و المنطلقات النظرية التي تحاول تفسير ظاهرة الصراع الدولي في العلاقات الدولية بارتباطها بما يلي:
1_ مدخل سيكولوجي: يحتل هذا الدخل مكانة بارزة في مختلف الدراسات التي تتناول بالتحليل و معالجة ظاهرة الصراع الدولي و يركز علماء النفس تفسيرهم للدوافع المحركة لعملية النزاع و الصراع الدولي في نطاق ما يسمونه بنزعة الإنسان إلى التدمير وهي النزعة التي تجد أساسها في غريزة حب السيطرة و التسلط, و في الدافع نحو الانتقام و التوسع و المخاطرة و توفر الصراعات الفرصة المثلى لإرضاء مثل هذه الدوافع.
كما نجد نظرية الإخفاق أو الإحباط التي يزعم دعاتها إن الدافع إلى الصراع الدولي ينتج عن الشعور بالإحباط النفسي الذي يبلغ ذروة تأثيره في ظروف الأزمات و بالأخص عندما تصاب الخطط القومية للدولة بالإخفاق فالدولة التي تحقق فيها الحاجات الأساسية لشعوبها تكون اقل استعدادا من الناحية السيكولوجية للصراع و الحرب من تلك التي يسيطر على شعوبها الشعور بعدم الرضا , كما نجد نظرية الشخصية القومية التي تبنى على الاعتقاد في وجود الطابع العدواني لبعض الطبائع القومية العامة و تشكل مثل هذه النفسية القومية العدوانية في تصورها القوة الرئيسية المحركة للصراعات و الحروب الدولية .

2_ مدخل إيديولوجي: يستند رواد هذا التيار إلى اعتبار التناقضات الإيديولوجية بين القوى العظمى تأتي وراء الصراعات الدولية و يركز دعاة هذا المدخل بصورة خاصة على الماركسية و هو في صميمه منهاج صراع و يعتبر هذا الصراع الإيديولوجي اخطر في مضمونه ابعد في امتداده الزمني من أي صورة أخرى من صور الصراع الدولي التي عرفها التاريخ فيما مضى.

3_ مدخل المصالح القومية : يفترض هذا المدخل إن القوة الرئيسية المحركة لسياسات الدول الخارجية تتمثل في السعي المستمر نحو حماية و تنمية المصالح القومية من خلال مضاعفة الدول لمواردها من القوة أو كما عرفها هانس مورغانتو “إن الدافع الذي يحرك الإنسان هو الصراع على القوة من اجل البقاء و مقابلة التحدي و إثبات الذات فالمصلحة ليست إلا مرادفا للقوة.

4_ مدخل سباق التسلح : وفقا لهذا الدخل فان التفوق في التسلح يؤدي إلى الميل إلى استعراض القوى حتى في المنازعات الدولية التي تقضي ظروفها بالتركيز على وسائل التسوية الدبلوماسية مما يؤدي إلى شحن الصراعات بالمزيد من التوتر و العنف كما إن إطار السرية المرتبط بسياق التسلح يخلق مناخا من الشك و الخوف وعدم التيقن بين مختلف أطراف الصراع , الأمر الذي لا يساعدها على حل المنازعات السياسية بل قد يكون سبب في الدفع نحو الصدام و الصراع.

5_ مدخل متعلق بطبيعة النظام السياسي الدولي: ينطلق هذا المدخل من افتراض أن النظام السياسي الدولي المرتكز في أساسه على مبدأ السيادة القومية يشكل المصدر الرئيسي لكل أشكال الفوضى و الصراعات الدولية و يعتقد كذلك إن الصراع لا ينبع من الطبيعة الإنسانية و لكنه ينتج عن الفوضى الدولية التي تتعارض مع المصالح المشروعة لمختلف الدول و الشعوب و التي لا يكون القضاء عليها و التخلص منها إلا بإقامة حكومة عالمية قوية ترتفع بسلطتها فوق السيادة الوطنية للدول .

6_ المدخل الجيوبوليتيكي: تلتقي معظم نظريات هذا المدخل حول محور أساسي يتعلق بالضغوط التي تولدها ظروف المكان الطبيعي على عملية الصراع من اجل البقاء و النمو و يمكن الإشارة هنا إلى نظرية راتزل الذي يرى أن الحدود كثيرا ما تؤدي إلى قيام الحروب الدولية لسبب طبيعي وهو إن الحدود إذا نظر إليها على أنها نهائية و دائمة فإنها تكون بذلك عائقا أمام نمو الدولة و نجد أيضا نظرية كيلن الذي ركز على طبيعة الدولة ككائن حي و كان يعتقد إن أهم صفة للدولة هي القوة و اعتبرها الأهم في وجود الدولة من القانون لان القانون لا يمكن تنفيذه إلا بالقوة

7_ المدخل السياسي : يرى هذا المدخل أن وجود تكتلات و محالفات دولية متنافسة يأتي على رأس العوامل التي تؤدي إلى الحرب أو تعجل بوقوعها فالمحالفات هي الركيزة الأساسية لتنفيذ سياسات القوى و أي تغيير يطرأ على تركيبها أو على الهيكل الدولي العام الذي تتفاعل في إطاره لا بد أن تنتج عنه اختلالات تتفاوت حدتها بسبب الأحوال لكنها تبقى المصدر الرئيسي لكل أسباب التوتر و الصراع.

8_ المدخل المتعلق بطبيعة النظام السياسي: و يستند دعاة هذا المدخل على المنطلق الذي يقر بوجود علاقة ديكتاتورية و الصراع و منه يعتبر أنصار هذا المنطق أن أنظمة الحكم الشمولية بحكم عقيدتها و الدوافع و الأهداف التي تحركها تعد السبب الرئيسي وراء تزايد حدة الصراع في المجتمع الدولي

9_ المدخل الذي يركز على الاختلالات الناتجة عن تزايد دخول الدول القومية حديثة الاستقلال إلى المجتمع الدولي:
يرى إن ازدياد عدد الدول الحديثة في النظام الدولي يدفعها إلى التكتل الذي تستطيع من خلاله أن تواجه القوى الدولية الأخرى مثل هذا التكتل كفيل بتهديد القوى المستهدفة به من فقدان ما كان لها من سابق التأثير داخل النظام الدولي و من هنا فإنها ستجد نفسها مدفوعة إلى تنفيذ العديد من التدابير و الإجراءات المضادة لإحباط الآثار المحتملة لمثل ذلك التكتل و هو في ذاته عامل توتر و صراع

10_النظريات الديموغرافية : و منها نظرية عالم الاجتماع الفرنسي بول ريبو الذي يرى أن الحروب الحديثة ذات طبيعة بيولوجية في الأساس و تقرر أن عنف هذه الحروب يتناسب طرديا مع الفائض البشري الذي يمثل القوى الرئيسية الضاغطة في اتجاه وقوع الحرب كما نجد نظرية الدورات الديموغرافية التي مفادها أن كل دولة تمر بثلاث مراحل عن التطور السكاني وهي مرحلة النمو البطئ ثم مرحلة الانفجار ثم مرحلة الاستقرار و التوازن و إن كانت تبقى فيها معدلات النمو السكاني مرتفعة و في المرحلتين الأخيرتين يتجه الضغط السكاني لهذه الدول إلى شن الحروب للحصول على مجال حيوي كافي.

11_ نظرية المحور الصناعي العسكري : ترى هذه النظرية أن القوى الكبرى المحركة للصراعات و التوترات الدولية هي مجموعات المصالح المختلفة المستفيدة من ظروف الصراع و التي تشكل قوة ضاغطة لا يستهان بها على اخطر مراكز اتخاذ القرارات داخل النظام السياسي و تأتي مجموعة رجال الصناعة و العسكريين على رأس هذه القوة الضاغطة.

 

عن تامر نادي

شاهد أيضاً

احتراف الإصلاح المجتمعي .. استراتيجية المصلح وادواته

احتراف الإصلاح المجتمعي .. استراتيجية المصلح وأدواته

نحو احتراف الإصلاح المجتمعي استراتيجية المصلح وأدواته تامر نادي الاحتراف هو التزام الشخص بنظام محدد …