الرئيسية / النظرية السياسية / فكر وفلسفة سياسية / المصادر الفكرية لنظريات التنمية السياسية في المنظور الغربي
المصادر الفكرية لنظريات التنمية السياسية في المنظور الغربي
المصادر الفكرية لنظريات التنمية السياسية في المنظور الغربي

المصادر الفكرية لنظريات التنمية السياسية في المنظور الغربي

المصادر الفكرية لنظريات التنمية السياسية

 

الفصل الأول من كتاب نظريات التنمية السياسية المعاصرة نصر عارف

وتتمثل في الاستشراق والانثروبولوجيا ونظريات النمو المجتمعي، وقد ظهرت هذة التخصصات العلمية نتيجة للتفاعل بين عناصر ثلاثة:

                                                     

1 – التطورات التي شهدها العالم الاوروبي في نظمه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية خلال حقب عصر النهضة والثورة الصناعية والكشوف الجغرافية والتوسع خارج اوروبا .

2 – التطورات التي حدثت في العالم غير الاوروبي وخاصة العالم الاسلامي وانتقاله من مصدر تهديد لاوروبا الى وقوعه تحت سيطرتها.

3 – تطور الحركة العلمية الاوروبية ونظرياتها الكبري التي اعادت تشكيل العقلية الاوروبية سواء التطورية الداروينية أو الليبرالية أو الماركسية .

المبحث الاول – الاستشراق :

نتناول الاستشراق باعتباره الحقل الدراسي الاول الذي ركز على دراسة المجتمعات الشرقية لخدمة اهداف المجتمعات الاوروبية.

وفي دراستنا للاستشراق سوف نناقش عدة قضايا :

1 – البنية الفكرية والسياسية لنشأة الدراسات الاستشراقية وتطورها :

يري بعض الباحثين ان ظهور الاهتمام الاوروبي بدراسة المجتمعات الشرقية خصوصا العالم الاسلامي ارتبط بالاحتكاك المباشر بين اوروبا والامة الاسلامية بدءا من فتح الاندلس والحروب الصليبية ، حيث اصبحت قضية فهم الغير لازمة للحفاظ على الذات . ومن هنا نشأ الاستشراق لدراسة الاسلام وفهمه بقصد تشويهه ، ومن ثم كانت وظيفة الاستشراق في مرحلته الاولي الاولي حماية العقل الاوروبي والحفاظ على العقيدة المسيحية واتخذت طابعا تبشيريا ، وفي المرحلة الثانية ارتبط الاستشراق بالاستعمار الكولونيالي بهدف السيطرة على المجتمعات الشرقية ونهب مواردها . ومن المعروف ان معظم باحثي الاستشراق كانوا موظفين في ادارات الاحتلال .

2 – الاسس النظرية للدراسات الاستشراقية :

هناك بعض الاسس التي بنيت عليها دراسات الاستشراق والتي تعد بمثابة مسلمات لباحثيه منها:

أ – الانطلاق من المسيحية الاوروبية كمعيار لتقويم الاديان الاخري موضع الدراسة واعتبار كل مايشذ عن النموذج الروحي المسيحي نقصا او قصورا يعبر عن فساد هذا الدين وعدم معقوليته.

ب – تقييم المجتمعات الشرقية طبقا لمعايير متناقضة طرحتها الخبرات الاوروبية المتتالية ، فتاريخ اوروبا يسير في مراحل متصاعدة تتجاوز كل مرحلة ماقبلها من المراحل وتطرح مقولات تتعارض كلية مع سابقاتها . واصبح لدي المستشرق كم هائل من المعايير التي على اساسها يتم تقييم المجتمعات الشرقية محل الدراسة . فنجد المسيحية والعلمانية كلاهما قام بنقد الاسلام إما باتهامه بنقص الروحانية طبقا لمقولات المسيحية وإما للجمود الديني طبقا لمقولات العلمانية .

جـ – الانطلاق من نظرة عرقية تبسيطية تختزل الانسانية في عرقين ” نحن وهم ” حيث قسمت شعوب الارض الى شعوب آرية والثانية شعوب سامية ومن ثم اقترنت اطروحات تخلف الشرق والتفاوت بين الشرق والغرب في اوائل القرن الـ 19 بأفكار الاسس الحيوية للتفاوت العرقي .

د – اعتبار الخبرة الاوروبية نموذجا معياريا للتطور البشري ، فقد ساد الدراسات الاستشراقية نوع من المقارنة غير العلمية حيث اخضع تاريخ الاسلام ونظمه الاجتماعية للمعايير الغربية .

هـ – التبسيط المبالغ فيه والمتناقض في النظر الى الشرق حيث اعتبر كل ماهو خارج اوروبا في ذلك الحين وحدة واحدة لها سمات وخصائص مشتركة ، مما أدي الى جمع المتنناقضات ودمج الاضداد في لفظ واحد هو الشرق . حيث وضع الاسلام في مصاف اديان الهند والصين الوثنية .

3 – منهجية الدراسات الاستشراقية :

قبل التطرق الى الملامح المنهجية للدراسات الاستشراقية فيتوجب الاشارة الى بعض المعطيات التي تمثل الاساس الذي يقوم عليه المنهج و هى ( ما قبل المنهج ) كاللغة والثقافة والتكوين الذاتي للباحث ومدي امانته العلمية . ونشير بايجاز الى أهم قواعد المنهجية الاستشراقية:                                   

أ – المبالغة في الشك والافتراض والنفي واعتماد الضعيف  تمهيدا للتشكيك فى القرءان و السنه.

ب – اسقاط الرؤية الوضعية العلمانية والتأثيرات البيئية المعاصرة على الوقائع التاريخية ، حيث درس الاسلام عقيدة وتاريخ بمفاهيم غربية معاصرة ومقارنة بالمعطيات التاريخية الغربية .

جـ – اخضاع التراث الاسلامي للتفسير المادي للتاريخ ، فقد درس التراث الاسلامي بمفاهيم مثل المرحلة الاقطاعية ، الارستقراطية المكية، ارستقراطية الرقيق، الملكية الروحية ،جمهورية مكة.

د – دراسة الاسلام كخبرة تاريخية منقطعة عن المصدر الالهي، فقد اسقط المستشرقون البعد الغيبي عن الاسلام وتعاملوا مع الاسلام كدين بشري ، لذلك نجدهم يضعون اشكال مختلفة من الاسلام تختلف باختلاف الشعوب وفهمها للدين فهناك اسلام الهند واسلام تركيا واسلام افريقيا.

هـ – الانتقائية والاختلاق في تصنيف العلوم الاسلامية ، فقد اضفي المستشرقون اهمية على موضوعات لم يكن لها في التراث الاسلامي اي وزن أو قيمة ، وابتدعوا موضوعات لم يهتم بها المسلمون انفسهم على مر تاريخهم .

4 – الاهداف العلمية والعملية للاستشراق :

يمكن القول ان هناك قضايا كبري مثلت جوهر اهتمام الدراسات الاستشراقية وغايتها وهي :      

أ – حماية العقل الاوروبي والحفاظ على العقيدة المسيحية ، فالمستشرقون يكتبون عن الشرق والاسلام لابناء مجتمعهم لتحقيق الوقاية الثقافية لهم ، اضف الى ان الاستشراق كمبحث معرفي يرتبط بمصدره اكثر من ارتباطه بموضوعه.

ب – التبديل الثقافي للامم والشعوب غير الاوروبية ، حيث قامت الدراسات الاستشراقية بمهمة التشكيك في الثقافات الاخري تمهيدا لاستبدالها بالثقافة الاوروبية اكثر تطورا ، وقد كان مفهوم الرسالة التمدينية هدفا للحركة الاوروبية في اسيا وافريقيا.

جـ – تسهيل مهمة السيطرة على الشرق واضعاف مقاومته، وهو الهدف الاكثر اهمية في تاريخ الاستشراق ، ومنذ القرن الـ20 ساهم الاستشراق في سيطرة اوربا على الشرق عبر وسيلتين:

الوسيلة الاولي – الاستفادة من امكانيات المعرفة الحديثة في اعادة تشكيل العقلية الشرقية بحيث تنصهر في بوتقة الثقافة الغربية فلا تري في نفسها تميزا أو اختلافا عنها.

الوسيلة الثانية – اضطلاع المستشرق بمهام تخرج عن نطاق العلم تحقق اهداف الحكومات الاوروبية في السيطرة والنفوذ على دول الشرق .

 

5 – التطورات الحديثة في الدراسات الاستشراقية وعلاقتها بالانثروبولوجيا ونظريات التنمية :

في مؤتمر باندونج عام 1955 كان الشرق قد حصل على استقلاله السياسي من اوروبا واصبح يواجه قوي امبريالية جديدة ممثلة في الامريكان والسوفييت ، واتسع نطاق الشرق ليضم ماعرف بدول العالم الثالث ،وكان على الاستشراق ان يطور طرقه التقليدية أو التخلص من الاستشراق كلية وتطوير علوم جديدة تؤدي الغرض نفسه . وتوصل اعضاء المؤتمر التاسع والعشرين الدولي للاستشراق الى ضرورة التخلي عن مفهوم الاستشراق انسجاما مع التغيرات الدولية وتطور نضال الشعوب الشرقية ، واصبح الاستشراق متشعبا بين تخصصات متعددة كالتاريخ والاجتماع المقارن والانثروبولوجيا والاقتصاد والسياسة من دون ان تلغي وجوده.

ويمكن القول ان الاستشراق برصيده المعرفي الضخم قد مثل اطارا مرجعيا للانثروبولوجيا من حيث اسالييب التحليل ومواطن التركيز وادوات التعامل مع الدول غير الاوروبية .

 

المبحث الثاني – الانثروبولوجيا .. الاصول المنهجية والمفهومية لنظريات التنمية السياسية :

رغم تشعب الموضوعات التي تهتم بها الانثروبولوجيا الا انها تدور في دائرة محددة اصطلح على تسميتها بالمثلث البيوثقافي تمثل قاعدته علاقة الانسان بالبيئة ويمثل ضلعاه علاقة الانسان بالانسان وعلاقة الانسان بعالم الغيبيات . وسوف نقترب من الانثروبولوجيا من خلال عدة محاور:

 

1 – البيئة الفكرية والسياسية لنشأة الانثروبولوجيا وتطورها :

يحاول البعض الرجوع بأصول الانثروبولوجيا الى الاغريق حيث ترك بعض مفكريهم دراسات وصفية للشعوب المجاورة لهم امثال هيرودوت ، في حين يرجع البعض الآخر نشأة الانثروبولوجيا للعلماء المسلمين امثال البيروني وابن فضلان وابن بطوطة ، غير ان دراسات هؤلاء العلماء لايمكن ادراجها تحت هذا العلم لاقتصرها على الوصف بالمشاهدة دون التقويم على اسس معيارية والتي تنطلق منها الدراسات الانثروبولوجيا المعاصرة .

والبداية الحقيقية لعلم منظم جاءت مع كتابات مونتسكيو الذي وضع نموذج للعالم غير الاوروبي اطلق عليه نموذج الاستبداد الشرقي ، وكذلك كتابات دوركهايم وروسو حيث درس كل منهم المجتمعات غير الاوروبية دراسة مقارنة انطلاقا من الافكار السائدة في المجتمعات الاوروبية باعتبارها معيارا للتقييم ، ونشأ وتطور على الانثروبولوجي في سياق تاريخي متخذا من العالم غير الاوروبي حقلا لتجاربه وميدانا لدراسة الانسان الاول وانشئت اقسام للعلم في جامعات امريكا واوروبا لدراسة وفهم نظم وثقافات مجتمعات العالم الثالث لاسباب ليست اكاديمية او علمية وانما تتعلق بسياسات الدول الغربية الساعية للهيمنة واستنزاف موارد دول العالم الثالث .                 

 

2 – الاسس النظرية للدراسات الانثروبولوجية :

كل العلوم تقوم على مسلمات وافتراضات معينة ، ومن اسس الدراسات الانثروبولوجيا :         

أ – التطورية الداروينية:

انطلقت معظم الدراسات الانثروبولوجية من افتراض التشابه بين مبدأ التطور الحيوي للجنس البشري الذي طرحه داروين وبين تطور المجتمعات الانسانية ، حيث افترضت ان هناك خطا واحدا للتطور البشري لابد ان تسير فيه جميع المجتمعات البشرية متبعة نظم وقواعد ثابتة لاتتغير باختلاف المكان . وبناء على هذة الفرضية التطورية ظهرت دراسات انثروبولوجية تقوم على تقسيم شعوب العالم الى مراحل تطورية طبقا لما بلغته من تطور تكنولوجي ، وعلى ضوء الارضية التطورية نشأ علم اجتماع التنمية خصوصا في الولايات المتحدة الذي يري ان المجتمعات الاوروبية تجاوزت مرحلة النمو وتمثل قمة الحضارة الانسانية من حيث التطور العلمي والتكنولوجي ، أما باقي شعوب العالم فهي في طور النمو أو لم تزل متخلفة ، ولابد من تحديثها عن طريق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .

ب – نظرية الانتشار الثقافي:

      رغم اختلاف هذة النظرية عن النظرية التطورية من حيث تفسير نشأة الثقافة والحضارة إلا أنهما متكاملتان . فإاذا كانت النظرية التطورية تركز على انتقال المجتمعات من طور ادني إلي طور أعلي ، أما نظرية الانتشار فتفترض ان الثقافة والحضارة تنشأ في مجتمع ما ثم تنتشر الى المجتمعات الاخري ، فالاختراع مثلا ينتقل من مجتمع لآخر حتي يشمل البشرية كلها . ومن ثم على المجتمعات غير الاوروبية الاقل تطورا ضرورة الاحتكاك والتواصل والأخذ مع الثقافة الاكثر تطورا لتحقيق التقدم وبهذا تلتقي النظرية التطورية مع نظرية الانتشار عند الهدف والمنتهي .

جـ – جمود المجتمعات غير الاوروبية:

    لم يكتف باحثو الانثروبولوجيا باطلاق صفتي التخلف والبدائية على المجتمعات غير الاوروبية بل افترض قسم منهم ان تلك المجتمعات ظلت لفترة طويلة جامدة وفي محاولة لتفسير علمي لجمود هذة المجتمعات انقسم باحثو الانثروبولوجيا الى فريقين:

الفريق الاول – يري ان هذة المجتمعات تتغير ببطء شديد.

الفريق الثاني – يري ان انه ينطبق عليها مايعرف بنظرية الارتداد او الانتكاس الحضاري بسبب ماقاموا به من اعمال شريرة بينما الشعوب التى اعتنقت المسيحية تمثل ارقي الحياة الانسانية.

د – معيارية الخبرة الحضارية الاوروبية ( التمركز الاوروبي حول الذات ):

لم تخرج الدراسات الانثروبولوجية عن التقسيم العرقي للبشرية القائم على اختزال كل ماهو غير اوروبي في سياق تاريخي وحضاري واحد ، فالنظرة الاوروبية منذ ارسطو حتي مفكري التنمية السياسية تقوم على مرجعية الخبرة الاوروبية واعتبار غير الاوروبي خارجا عن المألوف …

 

ثالثا – منهجية الدراسات الانثروبولوجية :

ونحن هنا لسنا بصدد استعراض المناهج المستخدمة في هذة الدراسات كالمنهج البنائي الوظيفي أو التاريخي أو النفسي ، بقدر مانركز على الابعاد المنهجية للدراسات الانثروبولوجية وأهمها :

   أ – افتراض ان حركة المجتمعات تسير في مراحل تجاوزية متصاعدة:

  اقتربت معظم الدراسات الانثروبولوجية للتاريخ البشري وتأثرا بالنظرية الداروينية على اساس تقسيمه الى مراحل بناء على معايير تختلف من باحث لآخر وإن كانت جميعها تنبع من الخبرة الاوروبية ، وعلى سبيل المثال ربط ميشيل فوكو بين مصدر المعرفة والحكم ، فعندما كانت الآلهة هي مصدر المعرفة كان الحكم ثيوقراطيا ، وعندما كان الابطال والزعماء مصدر المعرفة كان الحكم ارستقراطيا ، وعندما اصبح الانسان هو مصدر المعرفة كان الحكم جمهوريا.

ب – التنميط الجامد للمجتمعات البشرية:

ظهر اتجاه يدرس المجتمعات غير الاوروبية عن طريق تنميطها في انماط مثالية سبق اعدادها ، مثل نمط المجتمع العقلاني والمجتمع اللاعقلاني ونمط المجتمع البدائي والمجتمع الحضاري ونمط المجتع الصناعي والمجتمع العسكري وهي نماذج وانماط جامدة تتعصب لمسيرة التطور الاوروبي

جـ – دراسة المجتمعات الاوروبية طبقا لمؤشرات نابعة من التجربة الاوروبية المعاصرة:

 الى جانب تنميط المجتمعات البشرية في انماط جامدة ، ظهر اتجاه آخر يخضع المجتمعات غير الاوروبية لمجموعة من المؤشرات مستمدة من المجتمع الاوروبي المعاصر على اساس انها انها تمثل الحداثة والتقدم ، ووجود هذة المؤشرات يعد دليلا على حدوث تقدم وعدم وجودها يعبر عن التخلف ، حيث ان عدم وجود الطبقات ووجود العشيرة ودور القرابة في تحديد العلاقات الاجتماعية تعد مؤشرات على المجتمع البدائي ومن ثم لابد من اكتساب قيم معاكسة لتحقيق التقدم

 د – الطابع الافتراضي التخميني للمنهاجية الانثروبولوجية:

علم الانثروبولوجيا يقوم على افتراضات لم يثبت صدقها واقعيا مثل التطور الحيوي والمجتمع البدائي وافتراض ان الحضارة الاوروبية تمثل قمة التطور البشري وان معاييرها تمثل قمة التطور البشري ، فلايوجد دليل يثبت ان المجتمعات البدائية لم تشهد تطورا في خط تاريخي مغاير لخط التاريخ الاوروبي . وهناك العديد من اوجه القصور المنهجي للانثروبولوجية تتمثل في كون المعلومات انطباعية جمعها الانثربولوجيون من كتابات الرحالة ، كما يلاحظ تحيزهم لثقافتهم ، وتعميم النتائج بناء على دراسات حالة لمجتمعات صغيرة الحجم.

هـ – المشابهة غير المنطقية بين التطور الاجتماعي والتطور البيولوجي:

انطلقت الدراسات التي قامت على النظرية التطورية الداروينية من خلط بين التطور البيولوجي للانسان وتطور ثقافة المجتمع.

 

رابعا – أهداف الدراسات الانثروبولوجية:

أهم القضايا التي هدفت الدراسات الانثروبولوجية تحقيقها تمثلت في:

1 – دراسة المجتمعات غير الاوروبية بقصد فهمها والتعامل معها.

2 – احداث التبديل الثقافي، حيث انطلق الانثروبولوجيون من رغبة معلنة في احلال نموذج ثقافي حديث محل النمط التقليدي في المجتمعات البدائية . وقد تقاسم هذا التوجه اتجاهان :             

الاتجاه الاول – الاتصال الثقافي : ويقصد به تأثر الثقافات بعضها ببعض نتيجة الاتصال بينها .

الاتجاه الثاني – الانثروبولوجيا التطبيقية : وهي وسيلة لتحقيق التبديل الثقافي بصورة ناجحة.

 

 3 – ادارة المناطق المحتلة: فقد استخدمت الحكومات الاستعمارية الاوروبية الباحثين الانثروبولوجيين في جمع المعلومات وتقديم الدراسات حول الشعوب الخاضعة لاحتلالها .

4 – دراسة التغيرات الموجهة أو المخططة : حيث وجه الباحثون دراستهم نحو التعرف على التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة لنقل التكنولوجيا من الدول الاوروبية للدول المتخلفة.

5 – التوظيف الماركسي للانثروبولوجيا : فقد انطلقت الماركسية في سياق اختزالها للانسان في جانبه المادي من النظرية الداروينية التي قامت عليها المدرسة التطورية في الانثروبولوجيا ، حيث كرست فكرة التطور الخطي المتصاعد للتاريخ البشري ، بل واعطته طابع الحتمية .

خامسا – الانثروبولوجيا والتنمية السياسية :

انصبت الانثروبولوجيا اهتمامها الاساسي على دراسة المجتمعات غير الاوروبية بغية تطويرها وذلك عن طريق فهم فهم ثقافات هذة الشعوب وعوامل تحريكها وتغييرها والوسائل التي يمكن من خلالها تجاوز المرحلة التقليدية والانطلاق نحو الحداثة.

وبالتالي ينصب اهتمام انثروبولوجيا التنمية على كيفية التغيير الثقافي والاجتماعي والمشكلات التي تثار حول تحقيق التغيير والتنبؤ بنتائجه وتوجيه مساره .

 

المبحث الثالث – نظريات النمو المجتمعي :

اذا كان الاستشراق والانثروبولوجيا قد مثلا ارضية مشتركة انطلقت منها نظريات التنمية السياسية المعاصرة من حيث المسلمات والغايات ، فإن نظريات النمو المجتمعي تعد البوتقة التي اختمرت فيها نظريات التنمية السياسية والرحم الذي خرجت منه . وسوف نقتصر على النظريات الكبري التي مثلت رافدا مهما لنظريات التنمية السياسية :

أولا – النظرية النشوئية التطورية :

وتعني عملية من النشوء والتطور الدائم داخل العمران الاجتماعي – الثقافي للبشرية ، وقد مثلت هذة النظرية نقطة تحول كبري في تاريخ العلم الاوروبي وأثرت بصورة قوية على الافكار والنظريات التي جاءت بعدها ، ومن ضمن التوجهات الرئيسية في هذة النظرية ذات الصلة :

1 – النظرية الماركسية : وترجع اصولها الى الديالكتيك الهيجلي وتفرد الماركسية للعنصرين الفاعلين من وجهة نظرها في الحياة الاجتماعية هما قوي الانتاج وعلاقات الانتاج . وبناء على هذة النظرية لحركة المجتمعات فإن حدوث التغير والتطور يتم بطريقتين:

أولهما– التطور التلقائي وذلك بحدوث تغيرات كمية صغيرة نتيجة العمل اليومي للعناصر التقدمية.

ثانيهما – طريق الثورة وذلك باتحاد العناصر التقدمية من اجل القضاء على النظام القديم واقامة نظام جديد ، ونتيجة للثورة يرتقي النمو للمرحلة التالية حيث يبدأ الصراع بين قوي وعلاقات الانتاج من جديد وهكذا حتي تكتمل عملية النمو التاريخي للجنس البشري وبلوغ الشيوعية.

2 – نظرية كونت وسبنسر : ويعد كونت مؤسس علم الاجتماع الاوروبي وقد آمن بفكرة نمو الانسانية وتوجيهها وقيادتها بالعلم من خلال تحسين ذات الانسان فكريا واخلاقيا الى حد الكمال وميز كونت بين مراحل ثلاث في نمو البشرية وهي اللاهوتية والميتافيزيقية والوضعية.

       

أما نظرية سبنسر فقد كانت اكثر شمولا نتيجة بناءها على بيانات امبريقية اكثر كفاءة وتنطلق نظريته في النمو من مماثلة بين الكائن العضوي والمجتمع ، حيث يؤكد ان المجتمعات تنمو مثل الكائن الحي ، ويميز سبنسر بين ثلاثة انماط من النظم العليا:

– جهاز الاعاشة وهي التي تتكفل بتغذية الجسم والقيام بالاعمال الانتاجية   

– جهاز التوزيع ويتألف من وسائل نقل الموارد من اقسام الاعاشة الى اقسام الاستهلاك وهي تعادل الجهاز الدموي بالجسم

– الجهاز المنظم ويتألف من ادوات متسقة لتجمع سياسي يقوم بمهمات الهجوم والدفاع.         

3 – نظرية بارسونز ووالت روستو : حيث قدم كلاهما تقسيما مرحليا لتطور المجتمعات البشرية حصره بارسونز في مراحل ثلاث:

أ – البدائية : وتتميز بأن الدين وروابط القرابة يلعبان دورا مهما في المرحلة الاولي.

ب – الوسيطة: وتضم نمطين من المجتمعات القديمة ،النموذج الاول يتميز بتعليم حرفي محدود خاضع لسيطرة الجماعات الدينية والنموذج الثاني منها يتلقي فيه افراد الطبقة العليا تعليميا يكسب المجتمع مايطلق عليه “الدين التاريخي” كما هو الحال في الصين والهند ودولة الرومان.  

جـ – المتقدمة : وهي التي توجد في المجتمعات الصناعية.

أما والت روستو قدم تصورا يقوم على تقسيم مراحل تطور المجتمع الي خمس مراحل سوف نتعرض لها في النظريات الاقتصادية.

 

ونخلص من خلال أهم النظريات التطورية إلى فرضيتين أساسيتين:

الفرضية الاولي – المطابقة التامة بين تطور الكائن العضوي وتطور المجتمعات البشرية.

الفرضية الثانية – ان التطور والنمو الاجتماعي يسير في خط واحد عبر مراحل متصاعدة .

ويمكن القول أن النظريات التطورية قدمت بناءا تصوريا يقوم على تخمينات ظنية ومفاهيم مجردة.

 

 ثانيا – نظرية المنظومات :

تقوم هذة النظرية على استخدام النظرة الاجمالية الشمولية في تناول هذة الابنية الاجتماعية ، ويفرق اميل دوركايم بين نمطين من المنظومات على اساس التماسك الاجتماعي ، فحينما تسود وحدات المجتمع الصغيرة المتجانسة يكون الترابط الاجتماعي بفعل تماسك ميكانيكي ، أما عندما تتم عملية الاندماج الاجتماعي يكون التماسك عضويا حيث يسود التفاعل والاعتماد المتبادل بين الوحدات وبين الافراد . أما ماكس فيبر فيتحدث عن تحول مستمر من نظام لاخر بحيث يكون النظام الجديد من طبيعة معاكسة تماما للنظام القديم ، حيث يكون اكثر عقلانية ورشادة من سابقه وقد لخص سيمون تشوداك ملامح النمو المجتمعي عند اصحاب نظرية المنظومات في نقطتين:

الأولي – إن المنظومات داخل المجتمع عملية موجهة لاتقبل الارتداد ، فالنمو قد يحدث ببطء وأحيان يتجمد وأحيان ثالثة يتقدم بقفزات تحولية ، واصحاب انصار النظرية يرون المجتمعات ماقبل الصناعية تتقدم ببطء ، اما الصناعية فتتحول بخطي سريعة.

الثانية – إن نمو المجتمع طبقا لنظرية المنظومات يتطلب التمايز الذي يولد الاعتماد المتبادل بين العناصر داخل المنظومة.

وقد انتشرت هذة النظريات في علمي الاجتماع والسياسة فنجد المنهج النظامي الذي طوره ديفيد ايستون يتكون من مدخلات النظام ومخرجات النظام والتغذية الاسترجاعية.

كذلك يعد المنهج البنائي الوظيفي الذي طوره جبراييل الموند أحد آثار نظرية المنظومات في العلوم السياسية ويقوم على اتخاذ مفهومي البناء والوظيفة كوحدات للتحليل السياسي ويري ان الوظائف عالمية توجد في مختلف النظم السياسية، حيث إن الوظائف لاتخرج عن وظائف المدخلات وهي التعبئة والتجنيد السياسي والتعبير عن المصالح وتجميع المصالح والاتصال السياسي ، أما وظائف المخرجات فهي فهي صنع القاعدة وتنفيذ القاعدة والتقاضي .

ورغم انتشار هذة النظرية في علمي الاجتماع والسياسة إلا ان هناك انتقادات توجه اليها ومنها:

أ – ان هذة النظرية طمست الانسان بحيث اختفي نهائيا من نظرتها وتحليلاتها.

ب – الطبيعة الميكانيكية لهذة النظرية حيث تعتبر النظام نسق آلي يتحرك بطريقة تلقائية.

جـ – اعتماد منطق المتناقضات مثل البساطة في مقابل التعقيد والتشابك مقابل التخصص والتماسك الاجتماعي في مقابل التماسك العضوي.

 

ثالثا – نظريات النمو الاقتصادي:

يعد النمو الاقتصادي جوهر النظرية العامة للتطور والنمو ، وترجع نشأة نظريات النمو الاقتصادي الى الثورة الصناعية في اوروبا ومحاولة تفسير قيامها في اوروبا دون غيرها، وقد ظهرت نظريات متعددة للاجابة عن ذلك أرجع بعضها تقدم الشعوب الاوروبية لاسباب عنصرية ترجع الى تفوق وتميز العنصر الاوروبي عن باقي الشعوب ، وقد سقطت هذة المحاولات العنصرية المفسرة للتقدم والتصنيع الاوروبي . ويعد كتاب ماكس فيبر “الاخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية” من اهم الدراسات المفسرة للتصنيع الاوروبي حيث يؤكد ان النمو الاقتصادي في اوروبا الغربية لم يحدث إلا حين اصبح المجتمع ناضجا نفسيا، وحجته ان البروتستانتية سهلت نضجه النفسي.

ويقسم روستو عملية النمو الاقتصادي الى خمس مراحل هي :

أ – مرحلة المجتمع التقليدي : وهي المرحلة السابقة على عصر نيوتن ، ذلك لان نيوتن فصل بين عالمين ، عالم المصادفات وعالم الضبط والتحكم.

ب – مرحلة التهيؤ للانطلاق : وتتمثل في اوروبا في القرن الـ 18 حيث يتجه المجتمع الى دخول مرحلة انتقالية متجاوزا حالته التقليدية.

جـ – مرحلة الانطلاق : وهي المرحلة التي يتم فيها القضاء على القوي والعقبات التي تقف في طريق النمو المضطرد.

د – مرحلة النضج : وفيها يؤكد المجتمع قدرته على الحركة في انتاج اي شي يرغب فيه وتحدث هذة المرحلة بعد مضي 60 عاما على بدء مرحلة الانطلاق وتتميز مرحلة النضج بانتشار وسائل الانتاج الحديثة والاتجاه نحو الاستثمار وتحقيق المركز الدولي.

هـ – مرحلة الاستهلاك الوفير : يحدث فيها ارتفاع متوسط دخل الفرد والزيادة الهائلة في سكان المناطق الحضرية والاتجاه نحو سلع الرفاهية والسلع المعمرة.

ويتضح من خلال المراحل السابقة ان روستو قدم تفسيرا تاريخيا لتطور المجتمع الاوروبي ، غير ان هذا التفسير لايمكن تطبيقه على المجتمعات غير الاوروبية للاسباب التالية:

1 – تجاهل العوامل التاريخية التي ادت الى تقدم اوروبا وركود المجتمعات غير الاوروبية.

2 – ان كثيرا من المجتمعات غير الاوروبية لاتنطبق عليها المراحل الاولي لنظرية روستو حيث ان اغلبها شهد حضارات عريقة مثل مصر الفرعونية والصين والهند والدولة الاسلامية طوال عشرة قرون سابقة على مرحلة الانطلاق الاوروبية.

3 – ان الظروف الدولية المعاصرة لن تسمح لهذة المراحل بالسير على نفس المنوال ، فالمؤثرات الدولية على اقتصاديات الدول غير الاوروبية تمثل عائقا امام تحقيق مرحلة الانطلاق.

4 – رغم ان نظرية روستو حددت المراحل بشكل دقيق الا انها اتسمت بالجمود وعدم الحركة ، حيث لم تذكر شيئا عن كيفية الانتقال من مرحلة لاخري.

5 – على الرغم ان نظرية روستو احدي النظريات الاقتصادية إلا أنها تأثرت بالنظريات التطورية ذات الحتمية الجامدة .

الخلاصة :

من خلال دراسة المصادر الفكرية الثلاث لنظريات التنمية السياسية نستطيع الوصول لعدة نتائج

1 – ان معظم مقولات ومفاهيم وفرضيات ونظريات التنمية السياسية المعاصرة قد سبق طرحها في علوم اخري وتحت عناوين مختلفة.

2 – ان تعامل العلم الاوروبي مع الاسلام جاء عبر مراحل ثلاث حسب الغاية او الهدف ، فنجد الاستشراق ركز جهوده في دراسة العقيدة ، ثم جاءت الانثروبولوجيا للتعامل مع الشريعة من خلال تركيزها على الاسرة وتنظيم المجتمع والعادات والتقاليد ، ثم جاءت نظريات التنمية السياسية للتعامل مع النظم الاقتصادية والسياسية لتستبدلها بنظم اوروبية ديمقراطية .

3 – ان الانتقال من تخصص علمي الى آخر لايعني مطلقا التخلي عن التخصص الاول بل نجد استمرارية معينة بينهما دون ان يلغي احدهما الاخر.

وهذة النتائج تؤكد ان نظريات التنمية السياسية ليست وليدة المرحلة التاريخية المعاصرة وانما تمتد اصولها ومصادرها الى تاريخ العلوم الاوروبية وتطورها.

لذا فإن تناول المصادر الفكرية لنظريات التنمية السياسية يعد ضرورة لازمة لفهم هذة النظريات فهما صحيحا.

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …