الرئيسية / النظم السياسية / السياسة العامة / المتطلبات المنهجية الحديثة لاستثمار وتسيير كفاءات الموارد البشرية في ظل مجتمع المعرفة
المتطلبات المنهجية الحديثة لاستثمار وتسيير كفاءات الموارد البشرية في ظل مجتمع المعرفة
المتطلبات المنهجية الحديثة لاستثمار وتسيير كفاءات الموارد البشرية في ظل مجتمع المعرفة

المتطلبات المنهجية الحديثة لاستثمار وتسيير كفاءات الموارد البشرية في ظل مجتمع المعرفة

المتطلبات المنهجية الحديثة لاستثمار وتسيير كفاءات الموارد البشرية في ظل مجتمع المعرفة

أ‌.     حرزالله محمد لخضر

 باحث بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية جامعة بسكرة.

الملخص:

تركز هذه الدراسة على بيان أهمية و دور الاستثمار في كفاءات المورد البشري في تحقيق المزايا التنافسية الاستراتيجية للمؤسسة الحديثة في ظل تنامي دور المجتمع المعرفي و تداعياته على البيئة التنظيمية ومناخ الأعمال في الوقت الحاضر، فالعولمة المعرفية و التواصلية أدخلت العديد من المتغيرات والمفاهيم الجديدة في الحقل المعرفي والتنظيمي والفكر الإداري و القطاع الإقتصادي والمعاملات التجارية والمالية، وأصبح التعامل الإلكتروني والتسويق الشبكي والرقميات الحديثة هي الأدوات الحديثة للتسيير والتعامل التجاري، وهذا ما يدفع بالمؤسسات إلى ضرورة تحديث بنيتها التنظيمية وكفاءات مواردها البشرية من خلال استراتيجية واضحة تستهدف تنمية وتسيير الكفاءات والمعارف.

إن هذه التغيرات الجذرية تتطلب كفاءات عالية المستوى والتكوين وعلى دراية تامة بمختلف نظم المعلومات والتكنولوجيات المتطورة، وهذا ما يضع المؤسسات أمام تحدٍّ كبير يتمثل في ضرورة تكوين مزايا وقدرات تنافسية تجعل من المورد البشري منطلقا وركيزة لها.

Abstract :

This study focuses on identifying the importance and role of investment in human resources competencies in achieving strategic competitive advantages of the modern company, in light of the increasing role of knowledge society and its impact on the organizational environment and the business climate. The globalization in the field of knowledge and communication introduced many variables and new concepts in the sector of the economy and commercial and financial transactions. The electronic market; the network marketing, and the modern digitals have become the modern tools of commercial market, and this forces the companies to update their organizational structure and the competencies of their human resources through a clear strategy in order to manage and develop the competencies.

Such radical changes require competencies with a high level and solid training, also with the knowledge of various computing systems and the most developed technologies, and that puts the companies before a big challenge which is the need to build competitive abilities based in the first place on these human resources.

Résume :

Cette étude base au premier lieu, sur l’identification du rôle de l’investissement dans les compétences des  ressources humaines, et son importance dans la réalisation des avantages concurrentiels stratégiques pour L’institution moderne, à la lumière du rôle croissant de la société de connaissance et ses répercussions sur l’environnement organisationnel et le climat des affaires. la mondialisation dans le domaine du savoir et la communication, a introduit de nombreux changements et de nouveaux concepts dans le champ notionnel et organisationnel, la pensée administrative, le secteur de l’économie, les transactions commerciales et financières, car le marché électronique et les réseaux marketings et numériques modernes, est devenu les nouveaux voies de gestion et de marché commercial, ce qui oblige-pour faire face à cette modernité- les institutions à mettre à jour sa structure organisationnelle et les compétences de ses ressources humaines, à travers une stratégie claire visant à bien gérer et développer les compétences et les connaissances de ces ressources humaines.

Ces changements radicaux exigent des compétences ayant un haut niveau et des formations solides, ayant aussi une connaissance des différents systèmes d’information et les technologies plus développées, et cela qui mettent les établissements devant un grand défi, celui de configurer et construire des compétences concurrentielles se basant exclusivement sur ces ressources humaines .

مقدمة:

ظهر مصطلح الكفاءة في السبعينات ضمن الإطار الإقتصادي الأمريكي والأوروبي، ومع تطور الأسواق العالمية باليابان جنوب-شرق آسيا، وإفريقيا والهند، تعرضت المنظمات الأمريكية والأوروبية للمنافسة الشديدة وكان لزاما عليها إيجاد طرق جديدة للمحافظة وتقوية مزاياها التنافسية، فحولت إهتمامها نحو العنصر البشري وبحثت عن طرق عمل أكثر مرونة، كما اهتمت بالكفاءات الفردية وفرق العمل واعتبرتها عوامل للنجاح.ففي بريطانيا قامت السلطات المعنية بوضع سياسات تحث على رفع مستوى كفاءات الموارد البشرية وكفاءة المسيرين على وجه الخصوص وهذا بتشجيع التعلم وإنشاء ما يسمى:

  National Vocational Qualificationوهذا من أجل وضع معايير تحدد شروط الإلتحاق بمناصب العمل، أما في الولايات المتحدة الأمريكية U.S.A فقد تم في سنة 1994 إنشاء: NationalSkills Standards Board ومهمته وضع نظام وطني معياري للقدرات والكفاءات للقيام بالوظائف.

إن مفهوم الكفاءات قد اتسع مداه لينتقل من الكفاءات الفردية إلى الكفاءات المنظمية، ونجد هذا المفهومضمن أعمال

Prahalad et Hamelحيث يريان أن المنظمة تمتلك مجموعة من الكفاءات التي تمثل قاعدة للميزة التنافسية والتي سمياها بالكفاءات القاعدية Compétence de base حيث يتم خلق مزايا تنافسية من خلال تحديد وتسيير هذه الكفاءات.1

وفي العصر الحديث وإثر التحولات الكبيرة التي مست البناء الهيكلي والقانوني والتنظيمي والوظيفي لإدارة الموارد البشرية بفعل تطور مجتمع المعرفة وتداعياته، تبلور مفهوم الكفاءات على المستوى العلمي والميداني، ليتم التأصيل له علميا وعمليا من خلال مَنْهَجَةِ الممارسات الإدارية وفق مفهوم تسيير الكفاءات، ولمعالجة هذا الموضوع فإننا نطرح الإشكالية التالية:

ما هي المتطلبات الحديثة لاستثمار وتسيير كفاءات المورد البشري لتحقيق قاعدة تنافسية استراتيجية للمؤسسة في ظل تطور مجتمع المعرفة ؟ وعليه فإننا نطرح التساؤلات التالية:

$11.  ما المقصود بالمجتمع المعرفي وما هي أبرز آثاره ؟

$12.  ما هي المتطلبات الحديثة لاستثمار كفاءات الموارد البشرية ؟

$13.  ما هو دور التسيير الاستراتيجي للكفاءات في خلق الفعالية التنظيمية والميزة التنافسية ؟

وقبل التطرق لمحاور هذه الدراسة تجدر الإشارة إلى طبيعة المجتمع المعرفي الراهن وأبرز سماته و مكوناته.

$11-             توصيف مجتمع المعرفة والمعلومات Knowledge andinformation Society

تعد المعرفة دعامة رئيسة من دعائم تقدم الأمم والنهوض بها، فضلا على أنها مصدر من مصادر القوة في المجتمع، بل إنها هي المصدر الحقيقي للقوة، والباعث على الحراك الفكري والإجتماعي، ويطلق على العصر الحاضر(عصر المعرفة)، حيث أصبحت موردا اقتصاديا مهما ومصدرا للدخل الوطني ودعامة للتقدم في مختلف مجالات الحياة، وإذا كان لكل عصر ثروته فإن المعرفة هي ثروة هذا العصر.2

يرى ليوتار Liotarفي كتابه “شرط ما بعد الحداثة” أن:” المعرفة بصفتها سلعة معلوماتية لا غنى عنها للقوة الإنتاجية، وقد أصبحت وستظل من أهم مجالات التنافس العالمي من أجل إحراز القوة ويبدو من غير المستبعد أن تدخل دول العالم في حرب من أجل السيطرة على المعلومات كما حاربت في الماضي من أجل السيطرة على المستعمرات.” 3

وبناء على ما سبق فإننا نطرح التساؤل التالي: مما تتكون المعرفة ؟ وما الفرق بينها و بين المعلومة؟ وما هو المقصود بالمجتمع المعرفي ؟ ولأجل تحديد مفهوم المعرفة بدقة لابد من التفريق بين أربعة مصطلحات ذات دلالات مجاورة لمعنى المعرفة وهي: البيانات، المعلومات، المعرفة، الحكمة.

فالبيانات هي المادة الخام أو هي رموز لا معنى لها ” أرقام، معادلات، معلومات عامة…”، فإذا تم تجهيزها ومعالجتها تحولت إلى معلومات، و التي يمكن بدورها أن تتحول إلى معرفة إذا اتسمت بصبغة الفهم و الإدراك، ولم يقتصر الأمر على مجرد الإحاطة بالمعلومات، أما الحكمة فهي شكل من أشكال المعرفة، فهي تتضمن تطبيقها في الممارسة الإجتماعية اليومية، و الحكم الصائب على الأمور، و تحكيم العقل و المنطق في اتخاذ القرارات، و الاستعانة بالمهارات المعرفية.4 ويذهب عماد الصباغ إلى أنه يمكن التمييز بين المعلومات و المعرفة، فعلى الرغم من عدم وضوح الحدود الفاصلة بين المصطلحين إلا أنهما ليسا وجهين لعملة واحدة، فالمعلومات هي ما ينتج من معالجة البيانات التي تتوالد في البيئة، و هي تزيد مستوى المعرفة لمن يحصل عليها وهذا يعني أن المعرفة أعلى شأنا من المعلومات فنحن نسعى للحصول على المعلومات لكي نعرف أو نزيد معارفنا وتمتاز المعرفة بأنها عملية ديناميكية مستمرة فهي تنمو بالاستعمال وتولد معرفة جديدة… وبعد أن عرفنا الفرق بين المعلومات و المعرفة، يحسن بنا توضيح المقصود بمفهوم [مجتمع المعرفة Knowledge Society] وهو مصطلح يطلق على ” المجتمع الذي يعتمد على إنتاج المعرفة و نشرها و توظيفها في جميع مجالات الحياة، وجميع قطاعات المجتمع بل و حتى على مستوى الحياة الخاصة للأفراد”… وقد ذهب محمد الصفراني إلى أن مجتمع المعرفة يمكن أن يتحقق من خلال التنمية الثقافية الشاملة والتي تعني استراتيجية عمل جادة و ديناميكية ترمي على إيجاد تغييرات إيجابية في فكر المجتمع و ثقافته.5

ومن هنا بدأ العالم يأخذ منحى تطوريا جديدا أساسه العلم والمعرفة، ويشهد القرن الواحد والعشرين ثورة معرفية كبيرة أساسها وعمادها ووقودها هو المعلومات، حيث أصبحت السلاح الذي يوفر لمن امتلكه قوام القدرة والسيطرة على العالم، باعتبار أن هذا

القرن الجديد هو خلاصة مركزة للتطور والتراكم العلمي والمعلوماتي للتاريخ البشري،ويرى ألفين توفلرAlvin Toffler :” أن القوة

في القرن الواحد والعشرين لن تكون في المعايير الإقتصادية أو العسكرية ولكنها تكمن في عنصر المعرفة“… ويعد بيتر دراكر Peter Drucker من أوائل المفكرين الذي رصدوا إرهاصات هذا التحول العظيم، وقد صاغ مصطلح “العمل المعرفي” أو “العامل المعرفي” KnowledgeWorker في سنة 1960 تقريبا، وقد ذكر في كتابه “مجتمع ما بعد الرأسمالية” أن:” أحد أهم التحديات التي تواجه كل منظمة في مجتمع المعرفة هو بناء ممارسات منهجية منظمة لإدارة التحويل الذاتي، وينبغي على المنظمة أن تكون مستعدة للتخلي عن المعرفة التي أصبحت قديمة وأن تتعلم كيف تبدع أشياء جديدة من خلال:

$1ü  التحسين المتواصل لكل نشاط.

$1ü  تطوير تطبيقات جديدة نابعة من نجاحاتها.

$1ü  الإبتكار المتواصل كعملية منظمة.

ويشير Druckerإلى أهمية رفع مستوى إنتاجية العاملين في مجال المعرفة والخدمات لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية وفي هذا الصدد يقول:” إن أكبر تحدٍّ يواجه المديرين في الدول المتقدمة في العالم هو زيادة إنتاجية العاملين في مجال المعرفة والخدمات، ولسوف يحدد هذا التحدي الذي سيسيطر على الأجندة الإدارية خلال العقود العديدة المقبلة في النهاية الأداء التنافسي للشركات، والأهم من ذلك أنه سيحدد نسيج المجتمع وجودة الحياة في كل أمة صناعية.”6 فالعمال المتعلمون يتمتعون بميزة فيما يتعلق بالتكيف مع التكنولوجيات الجديدة واستخداماتها، ولأن العمال الأفضل تعلما عادة ما يتمتعون بنطاق واسع من المهارات الأساسية، فمن السهل لهم استيعاب المعرفة الجديدة وبالتالي ترتفع إيراداتهم بسرعة أكبر من إيرادات العمال ذوي المستويات التعليمية المتدنية، فالناس الأفضل تعلما هم أكثر قدرة على التعامل مع فقدان التوازن الإقتصادي.7

فبيتر دراكر أراد التأكيد على دور المعرفة في خلق القيمة المضافة في العامل و في العمل، من خلال تزويد العمال بالمهارات اللازمة التي تجعلهم على أهبة تامة للتعامل مع المستجدات التقنية الحديثة وكذا مع الأزمات العارضة التي تهدد كيان المنظمة، فعمال المعرفة يمتلكون الوعي الكافي لحسن التصرف مع هذه التغيرات.

ويشير ريفانز Revans إلى أن التعلم داخل المنظمة يجب أن يساوي أو يفوق التغير خارج المنظمة، وإلا فإن المنظمة لن تستطيع الإستمرار على قيد الحياة. كما يقولKiermanالخبير في  استراتيجيات علم الإدارة:” نظرا للضرورات التنافسية من السرعة والإستجابة العالمية والحاجة المستمرة إلى الإبداع، وبفضل التقنيات المعلوماتية الجديدة يصبح التعلم التنظيمي OrganizationalLearningالسبيل الوحيد الذي يمكن أن يمنع فناء المنظمات.”8 ومن خلال قول ريفانز نستفيد قاعدة تنظيمية مهمة وهي أن المنظمات في العصر الرقمي و التكنولوجي الحديث عليها أن تسعى إلى تطوير كفاءات موظفيها وتحديث أنظمتها وقوانينها وهياكلها بما يفوق أو يتماشى مع المقتضيات العصرية والتطورات الموجودة في بيئتها التنظيمية 9، فتقادم نظم التسيير وضعف الآليات والأنماط الوظيفية يؤدي إلى اضمحلال وأفول المنظمات أو غياب فعاليتها ضمن إطارها التنظيمي العام.10

وفي ظل هذا التحول الجذري نحو” المجتمع المعرفي” و “العامل المعرفي” على نحو تعبير بيتر دراكر، فإن المدخل الصحيح للمنظمات المعاصرة إزاء هذه التغيرات الحاصلة على المستوى المجتمعي والمعرفي و التنظيمي، هو التوجه نحو الاستثمار في كفاءات مواردها البشرية لتكوين قوة تنظيمية ومهارية وقدرات تنافسية محورية فعالة تستطيع مسايرة التحولات التكوينية لمجتمع المعرفة و التكنولوجيا .

$12-   مفهوم تسيير الكفاءاتManagement competencies.

2-1-  تعريف مصطلح الكفاءة competencies.

$11-  التعريف المعجمي للكفاءة: لقد تناولت العديد من القواميس اللغوية مصطلح الكفاءة مُعَرِّفة إياه بمايلي:

$1ü   Oxfordعرف الكفاءة على أنها:” القدرة على فعل شيء ما بطريقة صحيحة ويعتبر الشخص الكفء هو الذي يمتلك القدرة، السلطة، المهارة، المعرفة اللازمة للقيام بشيء ما بالشكل الصحيح.”

$1ü   Le petit robertالكفاءة هي:” معارف عميقة، معروفة تمنح الحق في إصدار الحكم واتخاذ القرار في بعض المهن.”

$1ü   La Rousse comercialالكفاءة في الأعمال التجارية والصناعية هي:” مجموعة من المعارف والقدرات والتصرفات التي

تستخدم في النقاش، المشاورات لاتخاذ القرار حول كل ما يهم المهنة.”11

إذن فالكفاءة من الناحية المعجمية تتأسس على فكرة الجدارة والمقدرة والمهارة في اتخاذ القرار(التفكير)، وفي أداء المهام بإتقان (التنفيذ) وكل ذلك مرتبط بالمعرفة والخبرة اللازمة.

$12-  التعريف الإصطلاحي للكفاءة:

قدم العلماء تعريفات اصطلاحية عدة للكفاءة، فقد عرفها كل من بويز وإيكيليباي بأنها:” القدرة على إنجاز المهام المحددة بالمزج بين المعارف النظرية، المعارف العملية، الإجراءات والممارسات والخبرة.”12  وحسب الهيئة العالمية للتقنيين بالمواصفة ISO 9000,2000 الكفاءة هي:” قدرة الفرد على وضع معارفه حيز التنفيذ.”13 وتعرف المجموعة المهنية الفرنسية Medef الكفاءة بأنها:” الكفاءة المهنية هي تركيبة من المعارف والمهارات والخبرة والسلوكات التي تمارس في إطار محدد، وتتم ملاحظتها من خلال العمل الميداني، والذي يعطي لها صفة القبول(validite) ومن ثم فإنه يرجع للمؤسسة تحديدها وتقويمها وتطويرها.”14

وبناء على التعاريف السابقة نستشف بأن الكفاءة تنشأ من مجموع المعارف والخبرات وتراكم الممارسات أثناء أداء وظيفة معينة، خلال مسار مهني محدد، وهي تولد لدى صاحبها رشادا في الرأي والقرار وسدادا وجودة في العمل والأداء، كما أن مفهوم الكفاءات يرتبط أساسا بالمهارات العملية والسلوكية في إنجاز العمل وحل المشكلات وهي نتاج اجتماع وتفاعل ثلاثة عناصر أساسية وهي: الكفاءة = المعرفة+ الخبرة+ المهارة.

2-2- تعريف تسيير الكفاءات Management competencies.

يعرف مدخل تسيير الكفاءات كمقاربة حديثة في التسيير الإداري بأنه:” مجموع الأنشطة المخصصة لاستخدام وتطوير الأفراد والجماعات بطريقة مثلى بهدف تحقيق مهمة المؤسسة وتحسين أداء الأفراد، وبهدف استعمال وتطوير الكفاءات الموجودة أو المستقطبة نحو الأحسن.”15 فهذا التعريف يشير إلى دور إدارة المؤسسة في تسيير كفاءات موظفيها من خلال مختلف الأنشطة والبرامج التدريبية و التحفيزية لتعظيم وترقية الكفاءات الفردية و الجماعية وتوجيهها نحو تحقيق أهداف المؤسسة.

كما يعرف على أنه:” مجموعة من النشاطات الموجهة نحو تطوير كفاءات الأفراد وفريق العمل، بهدف تنفيذ المهام ورفع أداء الأفراد.”  فتسيير أو إدارة الكفاءات عملية تفاعلية تتضمن ثلاث أهداف هي:

$11-  الإهتمام بمنطق الكفاءة كإجراء تسييري تتخذه إدارة الموارد البشرية خدمة لاستراتيجيتها وتكيفا مع البيئة المحيطة وتحقيقا لأهدافها.

$12-      تطوير المعارف والمهارات الفردية والجماعية وتثمينها بمنظمة العمل.

$13-      البحث المستمر للمنظمة لتعظيم كفاءاتها.16

إن هذا التعريف أشار إلى بعدين أساسيين ضمن مفهوم الكفاءة هما: التركيز على الكفاءة باعتبارها فلسفة للمؤسسة وإجراء تسييريا في كافة فعالياتها ووظائفها أي أن الكفاءة هي المحدد و المعيار الأساسي في الانتقاء و التقييم و التوظيف والتحفيز والمكافأة. ضرورة تكييف هذه الكفاءات مع متطلبات البيئة المحيطة، ثم العمل على تنمية هذه الكفاءات وتعظيمها بصفة مستمرة.

إن تحقيق تسيير كفاءات ناجحة مرتبط بتطبيق تكامل أفقي أكثر من العمودي، حيث نبحث في التكامل العمودي عن تكيف الكفاءات البشرية مع مهمة المؤسسة، من حيث نظرتها وكذا استراتيجيتها، إذ يجب أن تكون هذه الكفاءات مختارة ومنظمة ومطورة بطريقة معينة تساهم في تحقيق مهمة المؤسسة، أما في التكامل الأفقي فنبحث عن تكيف مختلف أنشطة تسيير الموارد

البشرية، فيما بينها والكفاءات هنا تكون وسيلة مثلى لهذا التكيف، أي تصبح كل أنشطة تسيير الموارد البشرية متمركزة حول الكفاءة.17 وهذا وفق ما هو مبين في الشكل الموالي:

D142001

فمفهوم تسيير الكفاءات يتمحور حول حسن إدارة واستغلال أي منظمة لكفاءاتها بدءًا من عملية إنشاء وتكوين وتنمية هذه الكفاءات إلى غاية المحافظة عليها واستثمارها، أي أن تكون الكفاءة هي الثقافة السائدة و الحاكمة على كل القرارات التي تخص تسيير الموارد البشرية، وذلك بانتهاج استراتيجية تستهدف تعظيم أصول المنظمة وتأسيس قدرات تنافسية واستقطاب العملاء كما هو مبين في الشكل التالي:

D142002

محمد البرادعي بسيوني، تنمية مهارات مدراء الموارد البشرية. القاهرة: إيتراك للنشر والتوزيع، 2006، ص05

إن إدارة الكفاءات في ظل اقتصاد المعرفة لا تتوقف على الفرد فحسب، ولكن لا بد أن تكون هناك كفاءة جماعية أو مشتركة، وهذا لا يعني أن الكفاءة الجماعية هي مجموع الكفاءات الفردية ولكن هناك تفاعلات تتم فيما بينها، تشكل ما يسمى “التذاؤب” وهذا المفهوم يشير إلى العلاقة2+2=5 أي أن أثر التفاعل بين الكفاءات يكون أكبر من الآثار المأخوذة على انفراد.18 أي أن تكامل واندماج القوى والكفاءات الفردية يفرز قيَمًا إضافية (قوة، فعالية، إبداع، تحسين، تحفيز..) زائدة عن القيمة الحقيقية المجردة لمجموع القوى، ومن هذه الكفاءات الجماعية تتولد لدى المنظمة قدرات ومهارات خاصة تعزز كفاءاتها الاستراتيجية وتؤسس لها قيما نوعية ومزايا تنافسية.

إن بناء استراتيجية إدارة الموارد البشرية يستند على التقييم العلمي والسليم للكفاءات من خلال تحكيم مبدأ الكفاءة والجدارة في كافة أنشطة إدارة الموارد البشرية ومختلف عمليات المنظمة، وهذا هو عنوان نجاح كافة المنظمات الحديثة، عملا بمبدأ وضع الرجل الكفء في مكانه المناسب.

$13-                أنواع الكفاءات وأبعادها.

3-1- أنواع الكفاءات: قسمالعلماء كفاءات الموارد البشرية بالمنظمة حسب أهميتها ودورها في تعزيز القدرات التنافسية للمنظمة إلى الأنواع التالية:

$11-الكفاءات الفردية:  يمكن القول أن الكفاءة الفردية تمثل توليفة من الموارد الباطنية والظاهرية التي يمتلكها الفرد وتتمثل في القدرات والمعارف والإستطاعات والمعرفة العملية والسلوكيات والقيم الإجتماعية التي يمكن أن تظهر أثناء العمل وعلى المؤسسة البحث واكتشاف الكفاءات الفردية ومعرفة أساليب تطويرها. وعبر عنها Medef بأنها:” توليفة من المعارف والمعرفة العملية والخبرات والسلوكات المزاولة في سياق محدد والتي يمكن ملاحظتها أثناء وضعية مهنية، والمؤسسة التي تمتلكها هي المسؤولة عن اكتشافها وتثبيتها وتطويرها”.19 

فالكفاءة الفردية ترتبط بسلوكات ومهارات وأداء العامل في محيطه الوظيفي وتتضمن أيضا ثقافته الإجتماعية وإدراكاته ومواقفه المختلفة، وعلى إدارة الموارد البشرية أن تلاحظ وتكتشف هذه الكفاءات وتقوم بتقويمها وتنميتها وتوجيهها وفق أهداف المنظمة.

$12-الكفاءات الجماعية: وتعرف على أنها:” تلك المهارات الناجمة عن تضافرٍ وتداخلٍ بين مجموعة من أنشطة المنظمة حيث تسمح هذه الكفاءات بإنشاء موارد جديدة للمنظمة فهي لا تحل محل الموارد بل تسمح بتطورها وتراكمها”.20فأساس بناء الكفاءة الجماعية إذن هو العلاقة الموجودة بين مجموع أفرادها والتي يمكن أن تعتبر كنتيجة لاجتماع ثلاث أنواع من الشروط والمتمثلة أساسا في: معرفة كيفية التعاون، القدرة على التعاون، والرغبة في التعاون، فإذا استثمرنا في هذه الأقطاب الثلاثة بطريقة متلاحمة فإننا سنضاعف من حظوظ تطوير التعاون الفعال على مستوى أعضاء الفريق كما أنها تساهم في زيادة القيمة المضافة للكفاءات الفردية.

فالكفاءات الجماعية تعبر عن انصهار وتفاعل الكفاءات الفردية في قالب تنظيمي موحد من خلال دمج وتعاون وتواصل العمال وتبادل مهاراتهم، وهذا يتوقف على طبيعة الهيكل التنظيمي للمنظمة وقدرته على تنمية شبكة الاتصالات التفاعلية بين الموظفين ودور القيادة في تشجيع فرق العمل وروح الفريق ووضع الأنظمة التحفيزية على أساس الأداء الجماعي، أي أنها تشجع أداء الأعمال جماعيا لا فرديا وهذا ما يخلق الإنسجام والقوة التنظيمية التي هي أساس تكوين الكفاءات الجماعية.

$13-  الكفاءات الإستراتيجية: وهي توليفة من المهارات والتكنولوجيات التي تساهم بطريقة تفسيرية في القيمة المضافة للمنتوج النهائي.21 وتساهم هذه الكفاءات في تحقيق إستراتيجية المنظمة وتتعلق بكل الفاعلين بها وتتشكل من خلال آليات التنسيق بين الكفاءات الفردية والتوليف بين المهارات الجماعية والأصول الخاصة والقواعد التنظيمية. فالأمر يتعلق بكفاءات سلوكية عامةوضرورية لكل الوظائف والمهام، ويمكن تنمية الكفاءات الإستراتيجية إنطلاقا من ثلاثة أنواع من الموارد:

$1×  الموارد المادية ( المعدات، التكنولوجيا، المباني…إلخ).

$1×  الموارد البشرية ( القدرات، المهارات، المعرفة، الطاقات الكامنة …إلخ).

$1×  الموارد التنظيمية ( الهيكلة، نظام التنسيق، الرقابة…إلخ).

$14-الكفاءات التنظيمية وكفاءات التسيير: ترتبط الكفاءات التنظيمية بمدى الإستجابة للتغيرات التي تحدث على المحيط، فقد أكدت التجربة أن التنظيم الميكانيكي يلائم المنظمات التي تنشط بمحيط مستقر حيث المركزية والرسمية، أما التنظيم العضوي فيلائم تلك التي تعمل في محيط غير مستقر و معقد ومتميز بالمرونة واللامركزية، ومن ثم فتحولات وتغيرات البيئة ودرجة تعقدها وعدم استقرارها تحتم على المنظمة مرونة عالية في تسيير مواردها البشرية قصد إعطائها حرية الإبداع، ومن هنا يبرز دور كفاءات التسيير في تحقيق ذلك، حيث حدد Robert Eichinger عشرة كفاءات للتسيير وهي: التفكير، التوجه نحو التنائج،

العمل الجماعي، الإبداع، القيادة، التوجه نحو الزبون، إدارة الأشخاص، الإندماج، القدرة على التواصل والإتصال، كفاءات وظيفية تقنية.22

فالكفاءات التنظيمية والتسييرية تتعلق بقدرة المنظمة على التفاعل إيجابيا مع بيئتها التنظيمية واستجابتها للتغيرات الحاصلة فيها، ويتم ذلك من خلال امتلاك المنظمة لمهارات التواصل وإدارة عمليات الإبداع والتطوير المستمر والفعالية التنظيمية والوظيفية

وتمكين العاملين وتطبيق نظم التفويض واللامركزية والقيادة المرنة، مما يتيح لها الإندماج أكثر وبصورة سريعة مع ديناميكية بيئتها

التنظيمية ومواكبة كافة التحولات الطارئة والمرتقبة ضمن مناخها التنظيمي.

$15-الكفاءات الموجهة نحو المستقبل: يكمن البعد الإستراتيجي للمنظمة في إندماجها ضمن التغيير و متابعة كل ما هو جديد في إطار الحركة والديناميكية، وهذا ما يجعلها مرنة على الدوام.

وفي إطار البرنامج الأوروبي Eurotechnet 89تم تحديد خمسة عشر كفاءة موجهة للمستقبل وهي:

المرونة، التأقلم، القدرة على التعلم، القدرة على طرح الأسئلة، الإستقلالية، روح المسؤولية، الروح الخلاقة، المبادرة، التفتح على الأفكار الجديدة، العمل ضمن الجماعة، القدرة على الإتصال، القدرة على التحليل، القيادة،التحفيز، تفتح الفكر على التأثيرات الداخلية والخارجية.23

ويقصد بهذا النوع من الكفاءات أن تكون لدى المنظمة –من خلال مواردها البشرية- القابلية للتأقلم والتفاعل الإيجابي مع كافة التغيرات المستقبلية الحاصلة في البيئة التنظيمية، فهناك بعض الأنماط التسييرية التقليدية التي لا تمتلك كفاءات التكيف والتحسيين المستمر ومسايرة التطورات المتتابعة، الأمر الذي يجعلها عديمة الفعالية أو عرضة للتقادم والزوال. فالتخطيط الإستراتيجي يتطلب توفر رؤى وسياسات بعيدة المدى وهو ما يستدعي بدوره قدرة المنظمة على التكيف إيجابا مع كافة المستجدات والتعامل معها بمهارة وتوجيهها والاستفادة منها في تعزيز التوجه الاستراتيجي والتنافسي للمنظمة.

$16-الكفاءة المحورية: هي مجموعة من المهارات الخارقة والأصول الملموسة أو غير الملموسة ذات الطابع الخاص والتكنولوجيات فائقة المستوى، والتي تشكل في مجملها قاعدة لقدرات المنظمة على التنافس، ويعرفها Larregle على أنها:” تلك المهارات الناتجة عن تضافر وتداخل مجموعة من أنشطة المنظمة حيث تسمح هذه الكفاءات الجماعية بإنشاء موارد جديدة للمنظمة، فهي لا تحل محل الموارد بل تسمح بتطويرها وتراكمها”. ووفقا لـ Prahalad et Hamelتعتبر الكفاءة الأساسية أو المحورية بمثابة القدرة المحورية لخلق القيمة بالمنظمة، لذا فهما يَعتبران المنظمة كمحفظة للكفاءات المحورية بدلا من كونها محفظة للأنشطة، ومن ثم النظر في كيفية تطوير هذه الكفاءات لدعم أنشطة العمل القائمة من أجل خلق فرص عمل جديدة.24

ويظهر هذا النوع من الكفاءات في صورة براءات الإختراع التي تحرزها المنظمة أو اللمسات الإبداعية التي تضفيها على منتجاتها وخدماتها والتي تميزها عن منافسيها أو العلامات التجارية الخاصة، فهذه الكفاءات ترتبط بقدرة المنظمة على الإبداع وابتكار نظم خاصة بها تتجسد في رسالتها وثقافتها التنظيمية كمثال أغلب الشركات العملاقة المتخصصة في مختلف الصناعات.

32– أبعاد الكفاءات:  يقصد بأبعاد الكفاءة المحاور والأركان الأساسية التي تتكون منها الكفاءات التنظيمية، ، وقدحدد T.Durandثلاثة أبعاد أساسية للكفاءات التنظيمية، وهي:

$1أ‌-المعرفة Savoir ou connaissanceوتتعلق بمجموعالمعلومات المُنَظّمة والمُسْتَوْعَبة والمُدْمَجة في إطار مرجعي يسمح للمؤسسة بتوجيه نشاطاتها والعمل في ظروف خاصة، ويمكن تعبئتها من أجل تقديم تفسيرات مختلفة، كما ترتبط المعرفة أيضا بالمعطيات الخارجية وإمكانية استعمالها وتحويلها إلى معلومات مقبولة ويمكن إدماجها بسهولة في النماذج الموجودة مسبقا من أجل تطوير ليس فقط أسلوب النشاط ولكن أيضا الهيكل وأسلوب الحصول عليها.

$1ب‌-الإستعداد Savoir etre: أي قدرة الفرد على تنفيذ المهام وممارسة كفاءته بتفوق فهي ترتبط بهوية وإرادة الفرد وتحفزه لتأدية مهامه بأحسن ما يستطيع.

$1ت‌-المهارة Savoir faire: أي القدرة على التنفيذ والعمل بشكل ملموس وفق سيرورة وأهداف محددة مسبقا.25ويعرفهاJ.MMonsseron على أنها:” المعارف التقنية التي يمكن نقلها ولا يسهل على الجمهور بلوغها فورا وهي غير مجازة- بدون شهادة-ولهذا سيتحتم على شخص ما أن يدفع من أجل أن يعرفها”،  فقد قام هذا التعريف بربط المهارة بالمعارف التقنية وهذه الأخيرة تتطلب الممارسة وتكرار الممارسة التي تُكسب الخبرة والخبرة تؤدي إلى المهارة… وهناك العديد من أنواع المهارة أهمها: المهارة العملية، المهارة المعرفية، مهارة الإتصال.26

فالكفاءة تتأسس على رؤية شاملةٍ ثلاثيةِ الأبعاد تنطلق من امتلاك المورد البشري للكفاية المعرفية والإرادة والدافعية نحو تجسيد المعارف ميدانيا، ومن خلال الممارسة المتكررة تتولد لديه الخبرة الكافية لإنجاز المهام بأسلوب جيد وهذا ما يسمى بالمهارة.

إن الكفاءة ترتكز على الإستثمار العملي الجيد للمكتسبات المعرفية ضمن إطار زمني محدد مما يولد لدى الموظف مهارة في الأداء واتخاذ القرار و حل المشكلات التي تعترضه في عمله، فالكفاءة ترتكز على ثلاثية أساسية تتجسد في مايلي:

المعرفة         الإستعداد (التنفيذ)      المهارة.

$14-  مقاربات ومتطلبات تسيير الكفاءات.

إن العقول البشرية والخبرات المتميزة والكفاءات هي أصل من أصول المنظمة وعندما يترك لها حرية التفكير والإبتكار والمشاركة، فإنها تحقق العديد من المزايا للمنظمة لذا ينبغي تجميعها وتأهيلها وإدارتها بطريقة جيدة، لأنها ستساهم في بناء ودعم شهرة وسمعة المنظمة من خلال تقديم منتجات جديدة ومستويات عالية، وبالتالي زيادة تماسك واستمرار المنظمة.27

4-1- مقاربات تسيير الكفاءات: لمعرفة أهمية تنمية وتأهيل الكفاءات ودورها في تحقيق الميزة التنافسية وارتقاء أداء المنظمة، سنتطرق إلى بيان أهم المقاربات التفسيرية التي تناولت ذلك وهي:

$11-  المقاربة التسييرية للكفاءات (L’approche gestionnaire): تتمثل الكفاءات من وجهة نظر هذه المقاربة في مجمل المعارف والخبرات الفردية والجماعية المتراكمة عبر الزمن، وعلى قدرة استغلال تلك المعارف والخبرات في ظل ظروف مهنية مختلفة، فمن هذا المنطلق تصبح الكفاءات متكونة من رأسمال يشمل المعرفة(Le savoir) والمهارة أو المعرفة العملية (Le savoir-faire) وحسن التصرف(Savoir-etre). إن المقاربة التسييرية تفترض أن تكون جاهزية الكفاءات للتعبئة والإستغلال عالية أمام أي وضعية وظيفية محتملة، وبالتالي فإن الكفاءات وفق هذا المنظور تعد أداة متطورة ملازمة للوضعيات المهنية للعامل أثناء أدائه لمهامه، ورغم هذا تبقى الكفاءات ناقصة ما لم تقترن بالقدرة على الفعل (Le pouvoir d’agir أي توفير البيئة التنظيمية التي تمكن العنصر البشري من العمل بفاعلية والرغبة على الفعل (Vouloir d’agir) التي تكون وليدة القدرة التحفيزية للمؤسسة. إن الكفاءات كمنظومة متكاملة تعد مسؤولية كل من الموارد البشرية( أفراد ومجموعات) بسبب امتلاكها للخبرة والمعرفة، والإدارة التي تقع عليها مسؤولية توفير البيئة التنظيمية المناسبة ومجموعات) بسبب امتلاكها للخبرة والمعرفة، والإدارة التي تقع عليها مسؤولية توفير البيئة التنظيمية المناسبة والمنظومة التحفيزية.

$12-المقاربة العملية (L’approche operationnelle): من منظور المقاربة العملية تكون الكفاءات وليدة التفاعل المستمر بين التدريب الجماعي والسيرورة التنظيمية والتكنولوجيا، وقدرة المؤسسة على تعظيم التفاعل الإيجابي، حيث أن الميزة التنافسية المتعلقة بالكفاءات لا يمكن أن تتحقق إلا بتفاعل دائم و مستمر بين تلك المكونات. فالقدرة حسب المقاربة العملية ليست فردية بل جماعية، وليست مطلقة بل نسبية ومتغيرة، مثل قدرة المجموعة على السيطرة والتحكم في التكنولوجيا المتاحة، وكذا القدرة على التأقلم والتفاعل مع السيرورات التنظيمية المطبقة من طرف المؤسسة، بهدف تحسين الفعالية ومسايرة تغيرات البيئة الداخلية والبيئة التنافسية.

$13-  المقاربة الإستراتيجية (L’approche strategique): وفق المقاربة الإستراتيجية تحقق الكفاءات للمؤسسة الميزة التنافسية من خلال إنجاز المشاريع وتحقيق الأهداف الإستراتيجية، فالكفاءات تتحدد في تلك القدرات المعرفية والعملية والتنظيمية المتسمة بصعوبة تقليدها من طرف المنافسين، أو تعويضها بنمط تكنولوجي جديد، أو بابتكار طرق تنظيمية حديثة أو بكفاءات أخرى مشابهة.28  

إن المقاربات السابقة (التسييرية، العملية، الإستراتيجية) لتسيير الكفاءات قدمت تفسيرا علميا لدور مختلف أنواع الكفاءات في تعظيم القدرات المحورية للمنظمة والتأسيس لميزتها التنافسية، وهي ترتبط بصفة جوهرية بإيجاد بيئة تنظيمية داخلية محفزة على العمل ومناسبة لتنمية الكفاءات التنظيمية بأنواعها(الفردية والجماعية، كفاءات التسيير والتنظيم…)، وتساعد على التواصل ودمج المهارات الوظيفية أفقيا وعموديا.

4-2- متطلبات تسيير الكفاءات:  كما رأينا من قبل فإن عملية صناعة وتأسيس الكفاءات ثم تسييرها يتطلب جملة من المعطيات والخطوات لتوليد رأس المال المعرفي (Le savoir) وتوفير ظروف الأداء الجيد وكيفية إسقاط المعارف ميدانيا ( Le savoir-faire) مع حسن التصرف(Savoir-etre) وتوفر القدرة على الأداء (Le pouvoir d’agir) لدى الموظفين من خلال توفير بيئة عمل محفزة، ومرغبة في الأداء (Vouloir d’agir) وهذا يرجع إلى نوعية برامج التحفيز29 ونمط القيادة وخلق الدافعية والفعالية التنظيمية.وبناء عليه، يقع على عاتق إدارة الموارد البشرية إدارة وتنمية هذه الكفاءات والعقول البشرية وذلك من خلال توفير المقومات والركائز التالية:

$11-  التدريب والتطوير المستمر: إن المنظمات اليوم تبحث عن المعرفة والمعلومات بصورة أكبر وذلك من خلال التدريب والتعليم والتعلم المستمر، ومن خلال تطوير وتخطيط المسار المهني ورصد الميزانيات المخصصة لذلك.

$12-      المشاركة: وتتضمن العديد من الجوانب:

$1أ‌-ينبغي على إدارة المنظمة أن تشارك العقول البشرية في تحديد المعارف والمعلومات اللازمة لهم وأيضا تحديد مصادر الحصول عليها وأن تتيح لهم الاستفادة بالمعارف والمعلومات المتاحة لهم.

$1ب‌-ينبغي جعل الأفراد المتميزين جزءً من المنظمة بدلا من إجبارهم على العمل فيها وذلك من خلال إعطائهم الحرية في التفكير والرأي والعمل وإدارة هؤلاء الأفراد بكفاءة للحصول على مخرجات فعالة.

$1ت‌-مشاركة العقول المتميزة في الأرباح والعوائد الناتجة من ثمار تفكيرهم وابتكاراتهم المتميزة، لذا يجب ربط نظم المكافآت بالقدرة على الإبداع والإبتكار.

$1ث‌-   مشاركة الأفراد المتميزين في حل المشكلات واتخاذ القرارات الهامة والاستراتيجية.

$13-قيادة الإبداع والإبتكار: إن إدارة العقول والخبرات البشرية تحتاج إلى حساسية شديدة لذلك فهم يحتاجون لأنماط قيادية ديمقراطية تتميز بالمرونة والفعالية والقدرة على معالجة الأمور الخطيرة والمواقف الحرجة.30

إن عملية تسيير الكفاءات هي مهمة بالغة الخطورة والأهمية ولكي تنمو وتعظم لا بد من ترسيخ قيم وثقافة تنظيمية أساسية بين الموظفين تشجعهم على: الإبداع وطرح الأراء والنقد والتواصل والعمل الجماعي، وهذا ما تضطلع به إدارة الموارد البشرية من خلال وضع استراتيجية فعالة تستهدف تنمية الكفاءات وروح الإبداع لدى الموظفين.

5- دور التسيير الاستراتيجي لكفاءات المورد البشري في خلق الفعالية التنظيمية.

لقد انصب اهتمام المنظمات الحديثة والمجتمعاتالصناعية المتطورة على تفعيل دور الإنسان والتركيز على أهميته في العملية التنموية والحضارية واعتباره أصلا استثماريا ورأسمال بشري وفكري ومعرفي وليس مجرد عبء أو تكلفة تكبد المنظمة خسائر ونفقات مهدورة، فالموارد المختلفة المتاحة للمنظمة (أموال، تجهيزات، مواد خام، موارد معنوية: سياسات، قوانين، نظم، معارف…) مهما بلغت من ناحية الكثرة والنوعية لا يمكنها أن تحقق التميز والأهداف بمفردها إن لم يوجد العنصر البشري المؤهل لحسن استثمارها وتحويلها لمخرجات في صالح سياسة المنظمة واستراتيجيتها، كما يبرزه الشكل التالي:

D142003

المصدر: علي السلمي، إدارة الموارد البشرية. ط2، القاهرة: دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ،1997، ص34 .

إن تلك العمليات البشرية هي الآلية الحقيقية لتحويل ما تملكه منظمة الأعمال من موارد (طاقات محتملة) إلى قدرات تنافسية (طاقات مستغلة فعلا). وثمة حقيقة واضحة أن هذا الجهد البشري لا يمكن أن يصل إلى تلك النتائج الباهرة إلا إذا تمت إدارته بمفهوم حديث ونظام متطور لإدارة الموارد البشرية.31

وبناء عليهتعتبر الكفاءة بمثابة المفتاح الذي يجب أن تمتلكه المنظمة لتحقيق أهدافها بامتياز، فإدارة الكفاءة وتسييرها بشكل فعال يعتبر أحد مصادر الإبداع والتجديد ضمن نموذج التسيير الإستراتيجي للموارد البشرية، فحسب  Zarifian ” تعد إدارة الكفاءات نموذجا جديدا لتنظيم وتسيير الموارد البشرية وفق بعد استراتيجي.” 32 وبما أن الكفاءة تشمل مجموعة المعارف والمهارات المتاحة في مختلف مستويات التنظيم، فلا يخفى أن الكفاءات اليوم أضحت تشكل الميزة التنافسية الأكثر حسما ما بين المؤسسات(المنظمات) فالكفاءة هي التي تصنع التفوق، لذا يقال في المثل الأجنبي:

 « C’est la competence qui fait la difference »وهو ما جعل الكفاءة ودرجة التأهيل هي المرجع (Referentiel) في توصيف الوظائف وتصميم هياكل المنظمات.33

فالكفاءات البشرية تمثل قوة استراتيجية لا يمكن تقليدها أو الحصول عليها في مدة وجيزة أو اقتناؤها بالمال أو غيره، بل هي محصلة جهد متواصل وتكوين مستمر وخبرات تراكمية عبر الزمن تتولد منها رجاحة في الرأي ورشادة في السلوك الوظيفي تساعد على حسن استثمار الموارد المختلفة بطرق عقلانية وهادفة، والشكل الموالي يبين أهمية الكفاءات في تعزيز قدرات الموارد البشرية وخلق الفعالية التنظيمية:

D142004

إن التوجه نحو تنمية واستثمار كفاءات رأس المال البشري من شأنه أن يعزز القدرات التنافسية ويسهم في خلق الفعالية و القيمة الإضافية وترشيد استغلال الموارد و إنفاقها وتحقيق الميزة التنافسية الاستراتيجية للمنظمة أي المزايا التنافسية التي لا يمكن تقليدها أو التفوق عليها لمدة أطول من الزمن.

6-  أهمية الإستثمار في الموارد البشرية لخلق الميزة التنافسية الإستراتيجية.

يجمع علماء الإدارة أن البشر هم سر صناعة الميزة التنافسية، بل سر التفوق والتقدم في جميع المجالات، فالإنسان هو العبقري الذي ينهض وراء اكتشاف مجالات صنع المزايا التنافسية، بل إن المزايا التنافسية للعنصر البشري قد تكون كافية لتمييز أي مشروع… ومن ثم يمكن القول إن الموارد البشرية ليست فقط مجالا لصنع المزايا التنافسية بقدر ما هي الفاعل الرئيسي في تحقيقها.34 و يؤكد هامانأن الميزة التنافسية للمنظمة يمكن أن تتحقق من خلال الأصول البشرية التي تكون متميزة وقادرة على الحصول على التكنولوجيا واستخدامها بشكل مناسب.35

وذكر عالم الإستراتيجية المعروف بورتر(Porter) في كتابه الشهير”الميزة التنافسية(Competitive Advantages): ” أن الموارد البشرية هي إحدى الكفايات المحورية (Core Competencies) التي يجب أن تمتلكها المنظمات كي تستطيع تحقيق الميزة التنافسية، وأن هذه الموارد يجب أن تلعب دورا مهما في صياغة استراتيجية المنظمة وتنفيذها.” 36

ويرتبط تحقيق الميزة التنافسية التي تستند على المواردالبشريةعلى:القيمة(value)والندرة(Rareness) وعدم القابلية للتقليد (Imitability) والتنظيم(Organization) ويعبر عنها اختصارا بنموذج: VRIO.

$11-القيمة(value): حيث يمكن للمنظمات استغلال إمكانياتها المختلفة في تحسين القيمة التي يدركها العميل للسلع والخدمات التي تقدمها تلك المنظمات مما يساهم في بناء الميزة التنافسية لها، وتُحَقَّقُ الميزة التنافسية للمنظمة إذا أدرك العملاء أنهم يحصلون على قيمة أعلى من منافسيها.

وتؤدي إدارة الموارد البشرية دورا هاما في تدعيم مفهوم القيمة لدى العميل من خلال تصميم وتطبيق برامج إدارة الموارد البشرية التي يتم تأسيسها في إطار التوجه باحتياجات العملاء بالإضافة إلى العمل على توافر الكفاءات التي يمكنها الوفاء بتلك الإحتياجات… فبقدر ما تمتلك المنظمة موظفين جيدين ذوي قدرات ومهارات عالية بقدر ما يكون رصيدها من رأس المال البشري متميزا وقيّما.37

ويذكر الخزامي أن فلسفة شركة FedEx في رؤيتها لمصدر الميزة التنافسية تنبني على:  الأفراد، الخدمة، الأرباح. ويقول مؤسس الشركة ومديرها العام التنفيذي:” لقد اكتشفنا منذ وقت طويل أن رضا العميل يبدأ في الواقع مع رضا العامل.” وبعبارة أخرى: إن فلسفة FedEx هي أن الأفراد هم الحلقة الأساسية في سلسلة القيمة، فإن القيمة تخلق بالتركيز أولا على العاملين.38

$12-الندرة(Rareness): إن على إدارة الموارد البشرية أن تفحص كيف يمكن تنمية واستثمار الخصائص النادرة في موارد المنظمة للحصول على الميزة التنافسية، لذا يجب الإهتمام بالتباين الطبيعي للقدرات الذهنية أو الإدراكية في الموارد البشرية، لأن الندرة ترتبط بامتلاك قدرات عالية للتميز، وما نلاحظه اليوم أن المشكل الرئيسي للمنظمات المعاصرة في ظل البيئة التنافسية هو النقص الشديد في الموارد والكفاءات البشرية المؤهلة والمتخصصة وبالتالي فالمتاح منها للمنظمة يمثل ميزة تنافسية.

$13-عدم القابلية للتقليد –التميز-(Imitability): أي القدرة على التميز، فهناك عدة مصادر للوصول إلى التميز، أهمها: الموارد المالية والموارد البشرية والإمكانيات التنظيمية، فالأولى يمكن للمنظمة أن تحقق التميز عن طريق حصولها على تمويل احتياجاتها بشروط خاصة تتيح لها إنتاج سلع وخدمات بسعر أرخص من الآخرين، أما الموارد البشرية فهي المصدر الثاني للتميز الذي يحقق للمنظمة الميزة التنافسية، فالعديد من المنظمات يُعزَى نجاحها أساسا إلى ما تملكه من مهارات وقدرات بشرية.39

$14-  التنظيم(Organization): الإمكانيات التنظيمية تشير إلى قدرة المنظمة على إدارة نظمها والأفراد الموجودين بها من أجل تلبية احتياجات عملائها، ولكي توفر أية خاصية من خصائص الموارد البشرية للمنظمة ميزة تنافسيةمتواصلة يجب على المنظمة أن تضع تنظيما فعالا من أجل استثمار مواردها البشرية وتحقيق الميزة التنافسية.40

ولضمان الحصول على المزايا التنافسية عن طريق الموارد البشرية واستمرار الأفضلية التنافسية للمنظمة هناك جملة من المتطلبات التنظيمية والفنية التي يجب أن توفرها إدارة الموارد البشرية، أهمها:

$11-      إشعار الموظفين بالأمن الوظيفي.

$12-      الإختيار بعناية للعاملين المؤهلين القادرين على أداء الأعمال المناطة بهم بكفاءة و فاعلية.

$13-      إيجاد أجور وحوافز مشجعة للأداء الأفضل.

$14-      سهولة تبادل المعلومات بين العاملين من جهة والمستويات الإدارية من جهة أخرى.

$15-      تشجيع اللامركزية لاتخاذ القرارات ولتمكين متابعة الأعمال وأدائها.

$16-  تدريب العاملين لأداء مهام متعددة من خلال إشراكهم في فرق العمل بما يجعل العمل أكثر تشويقا و تنوعا ويعطي مرونة كبيرة في جدولة الأعمال.

$17-      تعزيز روح العدالة والمساواة بين العاملين باعتبارهم المصدر الأهم للمنظمة.

$18-      تتم الترقيات وفق الإستحقاق وعلى ضوء معايير محددة مسبقا دون تميز بين موظف وآخر.

$19-      قياس الأداء، حيث يجب على المنظمات إيجاد آلية لقياس أداء العاملين وجودة العمل.41

وخلاصة لما تقدم فإن الموارد البشرية تكتسب أهميتها في المنظمات الحديثة من كونها المصدر الحقيقي لتكوين وخلق الميزة التنافسية وتعزيزها، لذلك فإن تحقيق التميز في أداء منظمة القرن الحادي والعشرينلن يستند لمجرد امتلاكها الموارد الطبيعية أو المالية أو التكنولوجية فقط، بل يعتمد في المقام الأول إلى قدرتها على توفير نوعيات خاصة من الموارد البشرية التي تمتلك القدرة على تعظيم الإستفادة من هذه الموارد، وبالتالي إن انتقال العالم من عصر الآلة إلى عصر المعلومات ثم عصر المعرفة يجعل من الموارد البشرية أهم الأصول التنظيمية.42

وحديثا فقد زاد اهتمام المديرين بمفهوم التنظيم المتعلم Learning Organization وهو التنظيم الذي يسمح بتوسيع قاعدة قدرات الموارد البشرية به لتحقيق النتائج المرغوبة، ويتطلب ذلك أن تكون المنشأة في حالة تعلم مستمر من خلال المراقبة المنتظمة للبيئة ونشر وتبادل المعلومات والمشاركة في اتخاذ القرارات، وتحقيق المرونة الهيكلية، وذلك من أجل المنافسة بنجاح في ظل هذه البيئة.”43  فتحقيق الميزة التنافسية الاستراتيجية مرهون بمدى تطبيق المنظمة لبرامج تعليمية هادفة، وقدرتها على تنمية مدارك الموظفين وتحديث معارفهم واستثمارها بمنهجية محكمة.

الخاتمة:

وختاما نستنتج أن الأهمية الإستراتيجية لمدخل تسيير الكفاءات تتجلى في تركيز اهتمامه على تنمية واستثمار المعارف والمدارك العقلية والمهارات السلوكية للموارد البشرية، ومن خلال البناء الهرمي التراتبي لكفاءات المنظمة نلاحظ أنها تمثل ترسانة من الكفاءات المختلفة ومخزونا هاما لبناء قاعدة تنافسية وجودة خدماتية وإنتاجية للمنظمة، فالكفاءات الفردية تمثل قاعدة الهرم، ومن خلال تجميعها تتكون الكفاءات الجماعية التي هي نتاج تفاعل كفاءات الأفراد لتأتي بعدها الكفاءات الإستراتيجية التي تحدد مكانة المنظمة وقوتها بما تمتلكه من ملكات إبداعية تتيح لها القدرة على التطوير الذاتي لأنظمتها ومنتوجها، ولنجد في قمة الهرم الكفاءات المحورية للمنظمة، وذلك وفق ما يبينه الشكل التالي:

D142005

إن هرمية الكفاءات هذه تتصاعد بنائيا من خلال قيام إدارة الموارد البشرية بالإستيعاب الجيد لمختلف الكفاءات الفردية ودمجها بفعل آلية التواصل وتشجيع فرق العمل وروح الفريق، لتتكون منها كفاءات جماعية وفق مفهوم التذاؤب 2+2= 5 الذي يقضي أن تكامل واندماج القوى يفرز قيَمًا إضافية (قوة، فعالية، إبداع، تحسين، تحفيز..) زائدة عن القيمة الحقيقية المجردة لمجموع قوى الأفراد، ومن هذه الكفاءات الجماعية تتولد لدى المنظمة قدرات ومهارات خاصة تعزز كفاءاتها الاستراتيجية والتي تؤسس قيما نوعية ومزايا تنافسية للمنظمة، ومن خلال التسيير الإستراتيجي لمجمل كفاءات المنظمة والتنمية المستديمة لمهارات الموظفين وتشجيع الإبداع وإدارة المعرفة تكتسب المنظمة كفاءات محورية قاعدية تمثل فيما بعد خطها التسييري والإنتاجي ورسالتها الخاصة، وتتيح هذه الكفاءات للمنظمة تحقيق علامات تجارية متميزة أو براءات إختراع أو وضع طريقة فذة في التسيير والخدمات والإنتاج الأمر الذي ينعكس إيجابا على سمعتها وزبونيتها وربحيتها.

إن التحول الجذري الذي شهده القرن 21 والإنتقال إلى مجتمع المعلومات والإقتصاد المعرفي وعولمة الأفكار والقيم، وتداعيات الإنفجار المعرفي الهائل وسرعة ونوعية شبكات الإتصالات المتطورة وافتتاح عصر الرقمنة الذكية والتنوع الثقافي، كلها سمات ميزت البيئة التنظيمية الحديثة، وهي تشكل في حد ذاتها تحدٍ حقيقي أمام إدارة الموارد البشرية لتطوير مناهج تعاملها مع العنصر البشري وإعادة النظر في منظومتها الفكرية والتنظيمية والقانونية تجاه هذا المورد، والنظر إليه على أنه أثمن موارد المنظمة ومن ثم تقوم بوضع الأسس والاستراتيجيات الكفيلة بتطوير مهاراته و استثمار كفاءاته وفق المداخل و المقاربات الحديثة لتسيير كفاءات و معارف رأس المال البشري.

الهوامش:

 نسرين المرهون،إدارة المعارف وتسيير الكفاءات: توجه جديد في إدارة الموارد البشرية ومدخل إستراتيجي لبناء ميزة تنافسية مستدامة للمنظمة الاقتصادية دراسة حالة شركة حمود بوعلام و شركاؤه.(رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، قسم علوم التسيير، 20082009)، ص224.

2سالم بن محمد سالم، صناعة المعلومات في العربية السعودية. ط2، الرياض: مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية، 14312010،ص 47.

3 محمد صلاح سالم، العصر الرقمي وثورة المعلومات. القاهرة: عين للدراسات والبحوث الإنسانية والإجتماعية،2002، ص  12.

 4سالم بن محمد سالم، صناعة المعلومات في العربية السعودية.مرجع سابق، ص 51.

5 المرجع نفسه، ص 52. 53.

6أبو النصر مدحت محمد، إدارة و تنمية الموارد البشرية”الاتجاهات المعاصرة”. القاهرة: مجموعة النيل العربية ،(د ت ن)، ص 138.

7 تقرير البنك العالمي(World BankReport)، التعلم مدى الحياة في إقتصاد المعرفة العالمي “تحديات للبلدان النامية”. تر: محمد طالب السيد سليمان، الإمارات: دار الكتاب الجامعي، 2008، ص50.

8 المرجع نفسه، ص ص 58- 60.

9 وتعرف البيئة التنظيمية l’environnement Organisationelles للمنظمة بأنها: ” كافة القوى ذات الصلة التي تقع خارج حدود التنظيم، ويقصد هنا بالقوى ذات الصلة جميع المتغيرات أو الكيانات التي تؤثر على أداء التنظيمات. ” ومن أمثلة تلك الكيانات أو المتغيرات: المنافسين، العملاء، الظروف السياسية، الإقتصادية…ويتبين لنا من التعريف السابق أن المتغيرات البيئية أو الكيانات البيئية تحدد بدرجة كبيرة الوسائل والأساليب والسياسات التي ينبغي على التنظيم إتباعها في التعامل والتكيف معها، لأنها لا تخضع تماما لسيطرته وفي الوقت ذاته تؤثر بصورة ملحوظة على أدائه. ينظر إلى كتاب: طارق طه، التنظيم: الهياكل، النظرية، التطبيقات. الإسكندرية (مصر): دار الفكر الجامعي، (د،ت،ن)ص286 10ونذكر على سبيل المثال أن من بين أسباب عدم فعالية المؤسسات التعليمية و التربوية في الجزائر هو التأخر الكبير عن مواكبة أحدث التقنيات في تكنولوجيات التعليم و طرائق التدريس [ الفجوة المعرفية بين المؤسسة التعليمية وبيئتها التنظيمية ] ففي الوقت الذي ظهرت فيه اللوحة الذكية و الأيباد والتدفقات السريعة للأنترنت وسهولة تداولها عبر الهواتف الذكية، وكذا ظهور النظريات الجديدة في التعليم التي تتناسب طرديا مع التطورات الحديثة و ذهنيات المجتمعات الإنسانية الحديثة، نلاحظ أن مؤسساتنا التعليمية مازالت غارقة في أنماط القرن الماضي ومتشبثة بالطرق التقليدية في التدريس والتسيير مع غياب كلّي للتدريب الوظيفي و التعلم التنظيمي للمدرسين و الذي يرفع من كفاءاتهم المهنية ، وهذا ما جعل هذه المؤسسات غير مؤثرة في محيطها وجدواها ضعيفة جدا من حيث الأداء والنتائج، فالمتعلم يمتلك اليوم وسائل تعليمية هي أكثر تطورا وذكاء من تلك التي يراها في مؤسسته أو يستعملها أستاذه.

11عذراء بن شارف، “التسيير بالكفاءات ودورها في إدارة المعرفة بالمؤسسات الجزائرية دراسة ميدانية مع اختصاصيي المعلومات بمؤسسة سونطراك”. (رسالة ماجستير، جامعة منتوري-قسنطينة-، كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية، قسم علم المكتبات، 20082009)،ص 230.

12Luc Boyer ,Noel equilibey,Organisation theorie et application, Paris 2eme edition ,2000,p33

13   Benjamin Cheminade,RH et competence dans une demarche qualite,Paris:ed AFNOR,2005,P215

14 رحيم حسين، “التغيير في المؤسسة ودور الكفاءات: مدخل النظم”. مجلة العلوم الإنسانية، جامعة محمد خيضر بسكرة(الجزائر)، العدد07، فيفري 2005، ص 10.

15 كمال منصوري وسماح صولح، “تسيير الكفاءات: الإطار المفاهيمي والمجالات الكبرى”. مجلة أبحاث إقتصادية، جامعة محمد خيذر بسكرة(الجزائر)، كلية العلوم الإقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، العدد 07، جوان2010، ص 55.

16 نسرين المرهون، مرجع سابق، ص 144.

17 كمال منصوري وسماح صولح، مرجع السابق، ص 55.

18 بوحنية قوي، تنمية الموارد البشرية في ظل العولمة ومجتمع المعلومات.الجزائر، مركز الكتاب الأكاديمي، 20101431، ص 244.

19 كمال منصوري و سماح صولح، مرجع سابق، ص 52.

20 حباينة محمد، “دور الرأسمال الهيكلي في تدعيم الميزة التنافسية للمؤسسة الجزائرية”. (رسالة دكتوراه، جامعة الجزائر 3، كلية العلوم الإقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير، قسم علوم التسيير، 20112012).ص 44.

21 أحمد مصنوعة، “تنمية الكفاءات البشرية كمدخل لتعزيز الميزة التنافسية للمنتج التأميني”. الملتقى الدولي السابع حول: الصناعة التأمينية الواقع العملي وآفاق التطوير-تجارب الدول-، جامعة حسيبة بن بوعلى الشلف، كلية العلوم الاقتصادية و العلوم التجارية وعلوم التسيير، ديسمبر 2012، ص 07.

22 نسرين المرهون، مرجع سابق، ص132.

23 المرجع نفسه، ص 133.

24 المرجع نفسه، ص135.

25 الحاج مداح عرايبي، “البعد الاستراتيجي للموارد والكفاءات البشرية في استراتيجية المؤسسة.” الملتقى الدولي الخامس حول: رأس المال الفكري ومنظمات الأعمال العربية في ظل الاقتصاديات الحديثة، جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف، كلية العلوم الاقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير، ص 05.

26 عذراء بن شارف، مرجع سابق، ص 246.

27 قوي بوحنية،”إدارة الموارد البشرية في مؤسسات التعليم العالي في ظل المتغيرات الدولية: دراسة حالة الأستاذ الجامعي الجزائري”.(رسالة دكتوراه، جامعة الجزائر، كلية العلوم السياسية والإعلام، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، 20062007)، ص 194.

28 كمال منصوري وسماح صولح، مرجع سابق ص ص 5657.

29 تعرف برامج التحفيز programmes de motivationsعلى أنها:” مجموعة الأدوات والوسائل التي تسعى المنظمة لتوفيرها للعاملين بها سواء كانت مادية أو معنوية، فردية أو جماعية، إيجابية أو سلبية، بهدف إشباع الحاجات والرغبات الإنسانية من ناحية وتحقيق الفعالية المنشودة من ناحية أخرى، وذلك بمراعاة الظروف البيئية المحيطة .” ينظر لكتاب: عبد الحميد عبد الفتاح المغربي، دليل الإدارة الذكية لتنمية الموارد البشرية في المنظمات المعاصرة.المنصورة(مصر):  المكتبة العصرية للنشر والتوزيع، 2009، ص 130. إن براعة الإدارة في تصميم أنظمة وبرامج تحفيزية عادلة وناجعة تؤدي إلى إخراج الطاقات و المهارات البشرية من مكامنها وإيقاظ همم الموظفين وشحذها نحو أداء المهام بكفاءة، فدقة برامج التحفيز وتطبيقاتها المتناسبة والمتفاوتة مع أداء الموظفين جودةً ورداءةً من خلال الحوافز الإيجابية و السلبية له دور كبير في خلق رأس مال مهاري وفني وإبداعي للمنظمة.

30  قوي بوحنية، تنمية الموارد البشرية في ظل العولمة و مجتمع المعلومات. مرجع سابق، ص ص 244246.

31 علي السلمي، إدارة الموارد البشرية. مرجع سابق، ص34 .

32  PierreXavier Meshi, Le concept De Competence En Strategie Perspectives Et limites, Paris: Ed Dunord,2009, p02.

33 رحيم حسين، “التغيير في المؤسسة ودور الكفاءات: مدخل النظم”. مجلة العلوم الإنسانية، جامعة محمد خيضر بسكرة(الجزائر)، العدد07، فيفري 2005،ص11.

34 محسن أحمد الخضيري، صناعة المزايا التنافسية. القاهرة: مجموعة النيل العربية، 2004، ص135136.

35 عادل محمد زايد، إدارة الموارد البشرية: رؤية استراتيجية. القاهرة، دار كتب عربية، 2003.، ص 107.

36درة عبد الباري إبراهيم و الصباغ زهير نعيم، إدارة الموارد البشرية في القرن الواحد والعشرين منحى نظمي. الأردن: دار وائل للنشر،2008، ص 117.

37 قوي بوحنية ، تنمية الموارد البشرية في ظل العولمة و مجتمع المعلومات. مرجع سابق، ص ص119121.

38عبد الحكم أحمد الخزامي، إدارة الموارد البشرية إلى أين؟ التحديات، التجارب، التطلعات.القاهرة: الناشر: عبد الحكم أحمد الخزامي، 2003. ص127.

39 ومعلوم أن القدرات و المهارات الإبداعية والفطرية لدى البشر لا يمكن تقليدها بسرعة فهي إذن تمثل موردا تنافسيا استراتيجيا عصيا على التقليد، كما يشكل مخزون المنظمة من الكفاءات الأساس الذي تُنبنى عليه ثقافتها التنظيمية المتميزة.

40 قوي بوحنية ، تنمية الموارد البشرية في ظل العولمة و مجتمع المعلومات. مرجع سابق، ص ص119121.

41 بن نمشه سعيد بن عبيد ، “إستراتيجية إدارة الموارد البشرية لمواجهة تحديات العولمة وإمكانية تطبيقها في الأجهزة المدنية والأمنية بمدينة الرياض”.(أطروحة دكتوراه، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض، كلية الدراسات العليا، قسم العلوم الادارية، 14282007)، ص ص 115116.

42 قوي بوحنية، تنمية الموارد البشرية في ظل العولمة و مجتمع المعلومات. مرجع سابق، ص122.

43 سامح عبد المطلب عامر، مرجع سابق، ص 8586.

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …