الرئيسية / النظم السياسية / التحول الديمقراطي / التوسع البيروقراطي الحلقة المنسية في عملية التنمية في الوطن العربي
التوسع البيروقراطي الحلقة المنسية في عملية التنمية في الوطن العربي
hard-worker arabprf التوسع البيروقراطي الحلقة المنسية في عملية التنمية في الوطن العربي

التوسع البيروقراطي الحلقة المنسية في عملية التنمية في الوطن العربي

التوسع البيروقراطي الحلقة المنسية في عملية التنمية في الوطن العربي

د/ بومدين طاشمة

كلية الحقوق والعلوم السياسية

جامعة تلمسان

ملخص:

للجهاز البيروقراطي دورا هاما نجاح الدولة أو فشلها في حل مشكلات المواطنين، وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية. مع ما يثير هذا المفهوم من غموض حتى في أوساط المختصين رغم محاولات التعريفات المطروحة منذ أواخر القرن 19 تقريبا.

و تلعب البيروقراطية في الدول وظائف سياسية واجتماعية مهمة، كما لها علاقة جلية بالتنمية السياسية وعلى مستويين؛ على مستوى قيمي ثقافي، وعلى مستوى مؤسسي. وفي مقابل هذا، للبيروقراطية أعراضا مرضية تشكل جوهر مشكلات التنمية، سواء في مجال بناء وتنمية الهياكل والأنظمة المؤسسية، أو في مجال الممارسات البيروقراطية الإدارية. وأمام هذه الأعراض تنمو حتمية الإنماء السياسي والإصلاح الشامل للحد من سيطرة البيروقراطية من خلال تفعيل المشاركة الشعبية، ومن خلال أيضا الإصلاح الإداري لتمكين التنمية.

Abstract:

The main context of the Arab development strategy, today, appears in the necessity to realize the required equilibrium between bureaucratic institutions and political ones. The growth of bureaucratic apparatus in spite of the existing political institution remains an obstacle against political development achievements.

From these construct appears the increasing necessity to widen the bureaucratic role in the political system. In other words, the need to realize functional equilibrium between bureaucracy and political institutions in order to meet the equilibrium between political system input and out puts. This may be achieved through the following:

The first step is to create administrative changes and internal reforms as well as to ripen social conscious in what relates citizens’ right in governmental problems. To provide efficient channels to enable citizens’ protest action and exposing their position against unfair procedures and manners. As well as to establish disciplinary procedures to preserve ethic

– make efficient the role of civil society in Algeria as the main factor to realize a global political sustainable development, civil society was absent marginalized and this is due to historical causes among colonialism and other causes that has limited the civil society’s role, we may mention authority monopoly as another fundamental cause the amplification of the bureaucratic apparatus and its domination over the citizen’ concerns and the appearance of military bureaucracy since independence as an oriented power in decision making and handicap in front of civil society independency.

– setting up an alternative strategy to administrative development, the fact that permits to introduce principal and administrative theories making them in application that follows an administrative way to serve the actual situation. This requires administrative general and deep reforms, to be strengthened by public administration principle and taking into account the administrative environment living the present political, economic and social changes able to coin new civilization values which urges investing administrative theories to yield administrative ethic adequate to a social circumstances. This reform progress can be in realized as complementary action that goes in interaction with the global context that implies the realization of political global sustainable and adequate development.

المقدمة:

إن التعبير عن مدى نجاح الدولة أو فشلها في حل مشكلات المواطنين، و توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لا بد وأن يقترن بالإشارة إلى دور الجهاز البيروقراطية ـ أو عدم تنفيذ ـ هذه البرامج و المشروعات. وبالرغم من شيوع المفهوم سواء على مستوى الأوساط العامة أو المتخصصين إلا أنه مفهوم ينطوي على غموض أكثر مما يثيره من الوضوح و الجلاء ، بل لعل هذا الشيوع يمثل أحد المصادر الرئيسية لغموضه، الأمر الذي أدى إلى صعوبة التمييز بين خصائص البيروقراطية كنظام فرعي لا يتجزأ من نسق النظام السياسي العام، وبين الأمراض التي تصيب جهاز الخدمة العامة.

البيروقراطية، ومختلف تطبيقاتها واستعمالاتها كما يطرحها الواقع المعاصر في مختلف النظم السياسية، وتحديد الوظيفة السياسية والاجتماعية للبيروقراطية، الأمر الذي سوف نتناوله من خلال خمسة محاور، يتناول أولها التعريف بالمفهوم، حيث يتم استعراض مختلف التعريفات المطروحة في هذا المجال و ذلك تمهيدا لاختيار التعريف الذي تقوم عليه الدراسة.

ويتناول ثانيها مختلف الأعراض المرضية التي تصيب الأجهزة البيروقراطية في الدول العربية، ولتحديد هذه الأمراض المكتبية ـ التي تعد قاسما مشتركا بين مختلف الدول العربية ـ حاولنا من خلال تفهم إطار الواقع العملي لمحيط البيروقراطية وظروفها التاريخية تصنيفها إلى مستويين أساسيين، أولهما، المشكلات والأعراض الكامنة في مجال بناء الهياكل والأنظمة المؤسسية وتنميتها، وثانيهما، في مجال الممارسات البيروقراطية الإدارية.

كما يتناول المحور الثالث أنماط العلاقة بين البيروقراطية والتنمية السياسية في المجتمعات العربية، حيث تتناول الدراسة البيروقراطية كأداة لازمة لعملية التنمية السياسية، باعتبارها الجهاز التنفيذي للدولة، و هو الدور التقليدي للبيروقراطية، كما تتناول البيروقراطية باعتبارها مؤشرا لعملية التنمية السياسية بما تعكسها من قيم ثقافية سواء أكانت هذه القيم دافعة لعملية التنمية أم معوقة لها .

أما المحور الرابع من هذه الدراسة، فيتناول مشكلة التوازن بين البيروقراطية ومختلف المؤسسات السياسية الأخرى، حيث تعتبر هذه المشكلة إحدى العقبات الرئيسية لعملية التنمية في الدول العربية.

وفي الأخير نتناول الأساليب المختلفة للإنماء السياسي والإصلاح الشامل للحد من سلطة البيروقراطية، وتحقيق التوازن بينها من ناحية والمؤسسات السياسية من ناحية أخرى.

ـ معنى البيـروقراطية:

لتحديد المقصود بالبيروقراطية يحسن البدء بالإشارة إلى الاستخدامات اللغوية للمفهوم، ثم استعراض ما يشير إليه من الناحية التاريخية تمهيدا للتوصل إلى التعريف الأكاديمي له على ضوء ما تستهدفه الدراسة من أهداف و غايات.

فمن الناحية اللغوية، يتكون لفظ البيروقراطية Bureacracyمن شقين ، الأول Bureauأي مكتب، ويرجع أصله اللغوي إلى اللفظ اللاتيني Burusويقصد به اللون الداكن ـ و لعل هذا تعبيرا عن الهيبة التي يتسم بها الموظف الحكومي بإعتباره ممثلا للحكومة، كما قد يكون تعبيرا عن التستر على السلوك السيئ من ناحية أخرى ـ الذي تطور فيما بعد إلى La Bure ، في اللغة الفرنسية و يقصد به أحد أنواع القماش الذي كان يستعمل كغطاء للمناضد التي يجتمع حولها عادة رجال الحكومة في فرنسا خلال القرن الثامن عشر، ثم أستخدم لفظ Bureau للدلالة على المكتب الذي يجلس خلفه الموظف الحكومي، إلا أن اللفظ اتسع مدلوله ليشير إلى غرفة المكتب بأكملها. أما الشق الثاني للمفهوم Cracy بالإنجليزية، وCratieبالفرنسية فإنه مشتق من الناحية اللغوية من اللفظ القديم Kratiaأي أن تكون قويا To be stong. وهكذا تصبح كلمة “بيروقراطية” تعني ممارسة السلطة أو الحكم أو القوة عن طريق المكاتب (1).

ومن الناحية التاريخية حول أصل الكلمة فهناك اختلاف في الرأي والاتجاه، فاتجاه يرى أن البيروقراطية ليست مفهوما حديثا، بل وجدت حينما وجدت التنظيمات، عندما بدأ التفاعل بين البشر، بدأ التنظيم وبدأت البيروقراطية. فالبيروقراطية كمفهوم وكظاهرة اجتماعية ليست حديثة، ولكن دراستها بالطريقة العلمية هو الجديد. وكان أول عالم قد استعمل البيروقراطية كوسيلة لتطوير المجتمعات الحديثة وتنظيمها تنظيما عصريا هو العالم الاقتصادي الاجتماعي الألماني “ماكس ويبر” (2) Max Weber » « (1864ـ 1920) الذي اعتبرها نظاما عقلانيا ضروريا، يتناسب مع المجتمع الصناعي في غرب أوربا. وقد درس النظام البيروقراطي على أنه جزء من النظام الاجتماعي الشامل، وتوصل إلى أن أي نظام اجتماعي سينتهي في نهاية المطاف إلى أن يكون نظاما بيروقراطيا.

وقد قيل أن مصطلح “بيروقراطية” ورد لأول مرة عام 1745 في كتابات عالم الاقتصاد الفيزيوقراط ووزير التجارة الفرنسية “فانسان دي جورناي”« Vincent De Gournay » الذي تنسب له أيضا عبارة “دعه يعمل دعه يمر”، وهو أول من نظر إلى المكاتب العامة باعتبارها الإدارة العامة في الحكومة، وتحدث عنها باسم “بيروقراطي” « Bureaucrates » أي فئة العاملين في مكاتب الأجهزة الإدارية.

كما أن هناك إتجاه آخر، يرى أن كلمة بيروقراطية Bureaucracyاصطلاحا حديثا نسبيا وغير واضح فيما عدى الإشارة إلى الأصل الفرنسي، والذي يتمثل في النصف الأول من الكلمة اللاتينية ” Burrus”، إضافة إلى هذا أن اللغة الفرنسية القديمة كانت تحوي كلمة قريبة من ذلك وهي ” La Bure ” والتي تشير إلى القماش الذي يغطي مناضد الرسميين في دوائر الحكومة الفرنسية في القرن الثامن عشر. ثم أصبحت الكلمة أشد التصاقا بحكم الدولة خصوصا في فترة النضال ضد الاستبداد التي مهدت لاندلاع الثورة الفرنسية سنة 1789. وانتشر استعمال هذا المصطلح في أوربا خلال القرن التاسع عشر، وصار يمثل نعتا تنعت به الإجراءات المعقدة والمنهكة التي مارستها دوائر الحكومات في ذلك الوقت. وقد تحول هذا المصطلح مع مرور الزمن إلى كلمة ذات مضامين سلبية يوظفها ناقدو القواعد الروتينية الجامدة التي تطبق دون مراعاة لخصوصيات حالات مراجعي مؤسسات الحكومة. كما يستعمل المصطلح أيضا في سياق انتقاد الرسميين الذين يغلب عليهم البطء في انجاز المعاملات الرسمية، وفي تناقض الضوابط الإدارية وتكرارها وضخامة المؤسسات والكوادر العاملة فيها، وانحصار السلطة في أيدي عدد قليل من البيروقراطيين الرسميين.

كما ترى إحدى الاتجاهات أن الاهتمام بالبيروقراطية يرجع إلى سنوات عديدةقضت، فهي تمثل موضوعا كلاسيكيا في تراث علم الاجتماع. ومن الذين تحدثوا عنها “فيرجسون” « Ferguson »، و”موسكا” « Mosca » حيث اعتبر هذا الأخير أول من ناقش فكرة الدولة البيروقراطية باعتبارها سمة مميزة لتطور النظام السياسي، و”سومبارت” « SOMBART »، وغيرهم من علماء الاجتماع والسياسة الذين قاموا بتحليل البيروقراطية في علاقتها بالديمقراطية على المستوىالمجتمعي، وبالحرية على المستوى الفردي، إذ شكلت جانبا هاما في دراستهم، بحيث يمكن تتبعأصولهذا التحليلمنذكتابات”جون بودان”« JeanBodin »،و”طوماس هوبز”« Hobbes Thomas»، و”جون لوك” « Jean Locke »، و”فريديريك هيجل” « Friedrich HEGEL »، و”فون ستاين” « Von Stein »، و”ألكسي دو توكفيل” « Alex De Tocvil »، وحتى أحدث الكتابات التي تدخل ضمن هذا الموضوع في الوقت الحاضر(3).

أما من وجهة الاتجاه المتداول في الأوساط الشعبية، فإن مفهوم البيروقراطية يوصف بالسلبية، والروتين، والجمود، والبطء الإداري الذي يصيب الجهاز الإداري، وبهذا تصبح الكلمة مقرونة بمدلول العجز الإداري (4).كما أنها في اللغة الشعبية كثيرا ما تستعمل كنوع من أنواع الشتم السياسي. ويصفها معارضو دولة الرفاهية بأنها الدور الذي يقوم به الأشرار والفاسدون، وفي بعض الأحيان يؤخذ بهذا المعنى في كتابات أكاديمية عديدة.

ـ الوظيفة السياسية والاجتماعية للبيروقراطية :

لقد لجأت النظرية الوظيفية إلى تحليل النظام السياسي باعتباره نظاما اجتماعيا فرعيا، و تحديد مكانة البيروقراطية في هذا النظام و مختلف الأدوار التي تلعبها ، و مختلف الوظائف التي تنجزها من خلاله. إذ يتبين من خلال هذه النظرية أن البيروقراطية تلعب أكثر من وظيفة ، و أهم هذه الوظائف:

أ ـ الوظيفة الاتصالية Communicative Function: فالبيروقراطية حلقة وصل أساسية بين النظام السياسي من جانب و مختلف جماعات المصالح في المجتمع من جانب آخر، و يساعدها على أداء مثل هذه الوظيفة اتصالها الدائم بجماعات المصالح ، وإشرافها على المجـالس والمؤسسـات المحلية ، مما يعطيها الفرصة لاتخاذ رد فعـل معين إزاء مختلف المقترحات السياسية المطروحة، و من ثم فإنها تلعب دورا هاما في تعبئة المساندة السياسية اللازمة للنظام السياسي .

ب ـ الوظيفة التعبيرية Articulative Function: تقوم البيروقراطية باعتبارها جهازا مستقلا في المجتمع له متطلباته و عليه إلتزاماته بالتعبير عن بعض المطالب الخاصة بها . فبعض قطاعات البيروقراطية في حد ذاتها يمكن اعتبارها إحدى جماعات المصالح القائمة في المجتمع، وهذا الوضع سائد بصفة خاصة في الدول المستضعفة التي تتسم أساسا بضعف تباين مؤسساتها و استقلال الجهاز البيروقراطي في عمله اليومي عن مختلف مؤسسات الدولة .

جـ ـ الوظيفة التجميعية Aggregative Function: نتيجة الترابط الوثيق بين البيروقراطية من جانب و مختلف جماعات الضغط و المصالح و المجالس و المؤسسات المحلية من جانب آخر، و يحكم تغلغلها إلى مختلف الأنشطة، فإنها تتولى على نطاق واسع عملية تلقي المطالب الخاصة بهذه الجماعات و المجالس، كما تقوم بمحاولة التوفيق بين الأهداف المتعارضة الناجمة عن إستقبالها للمطالب، حيث تمتلك اليد العليا لإقرار أهداف معينة في المجتمع وإهمال أخرى، أي أنها تمارس وظيفة تجميع المصالح و وظيفة حل و تسوية الصراع في نفس الوقت .

إلى جانب هذه الوظائف، فإن البيروقراطية تلعب خلال عملية التحويل ـ وهي في المنظور الوظيفي تعد من أهم آليات النظام السياسي ـ دورا رئيسيا من خلال وظيفة إتخاذ القرارات التي تقوم بها ، فالبيروقراطية تقوم بالمساهمة في اتخاذ القرارات المختلفة، كما تساهم في صياغة السياسة العامة للدولة، ويتم ذلك من خلال توجيه الوزراء بإتخاذ قرار معين، خاصة و أنها تحتكر المعلومات الدقيقة المرتبطة بمختلف الموضوعات (*).

مما سبق يتضح أن البيروقراطية تلعب العديد من الأدوار في مختلف مراحل صنع وتنفيذ السياسة العامة، وأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنظام السياسي، وأن النظرة إليها باعتبارها أداة تنفيذية و حسب تعد نظرة غير واقعية فضلا عن عدم علميتها، وبالتالي فإن دراسة دورها في عملية التنمية السياسية يجب أن تأخذ في الاعتبار تعدد الأدوار التي تلعبها في العملية السياسية.

ـ الأعراض المرضية للبيروقراطية جوهر مشكلات التنمية السياسية :

إن المتتبع لعملية التنمية السياسية والإدارية في المجتمعات المستضعفة- ومنها المجتمعات العربية- يلاحظ أن الجهود التي وجهت للتنمية السياسية والإدارية منذ استقلالها مازالت تعيش في تعثر متزايد في أداء وأوضاع الأجهزة البيروقراطية الحكومية لهذه المجتمعات. وتوجد هذه المفارقة على مستويين :

ـ أولهما، في مجال بناء وتنمية الهياكل والأنظمة المؤسسية .

ـ وثانيهما، في مجال الممارسات البيروقراطية الإدارية.

أولا: في مجال بناء الهياكل والأنظمة المؤسسية وتنميتها :

على الرغم من الجهود التي بدلت في إرساء وبناء مؤسسات حكومية ومؤسسات للتنمية والإصلاح السياسي والإداري في معظم المجتمعات المستضعفة (**)، فإنها لم تنجح في التخفيف من المشاكل والأعراض المرضية للبيروقراطية الإدارية بل زادت من تعقيدها. فلم تسهم حركة إنشاء مؤسسات حكومية جديدة في تحسين الأداء البيروقراطي الحكومي، ولا أسهمت مراكز وهيئات الإصلاح الإداري التي تولى إنشاؤها في رفع كفاءة وفعالية البيروقراطية الحكومية (5)، بل على العكس من ذلك أسهم المد المؤسسي في تعثر عملية التنمية الشاملة نتيجة تفاقم الجانب التنظيمي من مشكلة بيروقراطية الإدارة، بدلا من أن يسهم في علاجها.

ويظهر هذا في عدد من الظواهر المرضية التي تتمثل في الآتي :

1)- تبني النموذج البيروقراطي المركزي القائم على تنميط التنظيمات والإجراءات،و مباشرة العملية الإدارية في صور آلية متكررة بصرف النظر عن تعدد وتنوع المهام المطلوب إنجازها أو الشرائح الاجتماعية المطلوب خدمتها (6) .
2)- التضخم الكبير في الأجهزة الإدارية قياسا بحجم الوحدات الإدارية، نتيجة لحدوث توسع أفقي في بناء التنظيم الإداري، كما يرافق ذلك تعدد مستوى بناء التنظيم، مما يعيق التوصل إلى أحكام عمليات الإشراف والتوجيه ويسبب تضاربا بين الأنشطة.

3)- المركزية الشديدة، وتبرز تلك الظاهرة بشكل واضح في عملية وضع القرار، وجنوح الإدارات إلى تركيز السلطة عند كل مستوى تنظيمي معين.

4)- التداخل الإداري بين مراكز الاختصاص المختلفة (7). وهو تداخل مستمر وثابت بالنسبـة لأسلوب التفكير ولكيفية اتخاذ القرار بين مختلف الجماعات السياسية والإدارية والفنية وما يعكسه على مستوى تطبيق القرار ومتابعته. وقد تتخذ القرارات لاعتبارات سياسية أو أسرية.

5)- زيادة التضخم التنظيمي والوظيفي للأجهزة الحكومية وتحولها إلى أجهزة رخوة وهشة.

6)- نمـو الأعراض المرضية للإدارة البيروقراطية من إفراط في الرسميــة والشكلية، والجمود ومقاومة التغيير، والتقوقع على الذاتي، وتحويل الوسائل إلى غايـات. إذ أصبحت الكثير من المنظمات الحكومية – في المجتمعات العربية خاصة – تعالج مشكلات الإدارة البيروقراطية فيها باستصدار المزيد من اللوائح والضوابط القانونية، وعوض أن تحد مؤسسات الإصلاح البيروقراطي من انتشار الأعراض المرضية للبيروقراطية، فإنهــا بالعكس ساهمت في انتشارها. وبهذا امتدت الحلقة الخبيثة العقيمة التي أشار إليها “ميشال كروزيه” « Michel Crozier » إلى عمليات الإصلاح الإداري ذاتها.

كل هذه العقبات البنائية المؤسسية أدت إلى إرساء أرضية خصبة لدكتاتوريةالبيروقراطية، إذ تحولت الأجهزة الحكومية خاصة في المجتمعات العربية التي تنامت نموا متسارعا ـ بفعل تعاظم دور الدولة في التنمية ـ إلى مركز قوة في المجتمع تسيطر على موارد هائلة دون رقابة خارجية فعالة. فقد إقترن هذا النمو المتسارع بنمو متعثر وبطيء للغاية في الهيئات الأخرى للدولة (السلطة التشريعية، والسلطة القضائية)، إذ نتج عن اختلال التوازن بين حجم وقوة ونفوذ هذه الهيئات، أن أصبح الجهاز الحكومي في أغلب البلدان العربية هو المستفيد الأول من موارد ومخصصات التنمية. ومكن هذا الاختلال للأجهزة البيروقراطية أن تتحصن، وأن تكتسب مناعة ضد المساءلة والحساب وكذا الإصلاح.

ثانيا : في مجال السلوك الوظيفي البيروقراطي :

وبالمثل توجد أيضا المفارقة على صعيد جهود تنمية وتطوير ممارسات البيروقراطيين الإداريين في الأجهزة الحكومية. فرغم الجهود والموارد الموجهة لتنمية وتطوير الممارسات الإدارية، فإن الأعراض المرضية للبيروقراطية تزداد مع زيادة هذه الجهود والموارد. فرغم ما وجه للتدريب الإداري من جهود ومخصصات، ورغم النمو الهائل في ساعات التدريب للقيادات والكوادر الإدارية في مواقع التنفيذ وعلى جميع المستويات، صاحب هذا النمو نموا موازيا في عدد من المؤشرات المرضية للبيروقراطية. كل هذا يرجع أساسا ـ حسب حدود علم الباحث ـ إلى تلك الخصوصيات السلوكية والممارسات السلبية التي يمكن تحديدها في النقاط التالية:

1)- ضعف الأداء الوظيفي للجهاز البيروقراطي، وما يعيشه من المظاهر المختلفة كالإجراءات الروتينية والتعقيد في الأساليب، مما يجعل الجهاز البيروقراطي عاجزا عن الوفاء بمتطلبات الخدمة التي يحتاجها المواطن.

2)- اتصاف الأجهزة البيروقراطية بالإسراف وارتفاع التكلفة الاقتصادية للخدمات والإنتاج. ومرد ذلك التوسع في الإنفاق غير الضروري على المظاهر الخارجية في استخدام الخبرات الأجنبية العالية التكاليف دون مبرر، والاستخدام غير الاقتصادي للتكنولوجيا.

3)- ضعف الأجهزة البيروقراطية المعنية بشؤون الأفراد وقلة تدريب القائمين عليها وافتقارها إلى استراتيجيات وخطط واضحة ومحددة من القيام بدورها في تدريب الكوادر البشرية وفي إحداث التغيير في المفاهيم والأساليب السلوكية التقليدية (8).

4)- انخفاض انتاجية وكفاءة العمل الإداري الحكومي، وارتفاع تكلفة وحدات الخدمة، وشيوع ظواهر الإهمال، والتسيب، والتراخي في ممارسات العمل.

5)- انتشار واستفحال ظاهرة الفساد الإداري كاستغلال المال العام، واستغلال الوظيفة العامة، والرشوة، والاختلاس، وشيوع ظواهر المحسوبية والمحاباة، وتبادل المنافع في تعامل أفراد الجهاز البيروقراطي مع المواطن.

وتدعيما لهذه الطرح، فقد أوضح الأستاذ “فخريمرار” أن تشكل مظاهر البيروقراطية في الدول النامية مر بمرحلتين تاريخيتين رئيسيتن. الأولى، عندما كانت الدول النامية مرتبطة بالاستعمار ونظمه وقيمه من واقع الاحتلال التسلطي والقهر، وفي هذه المرحلة تم حجز الوظائف القيادية والهامة لأفراد معينين. المرحلة الثانية، وهي مرحلة بعد الاستقلال وإرساء أسس الدولة الوطنية، حيث ورثت بيروقراطية هذه البلدان تبعات كبيرةوأعباء ثقيلة مستجدة لم تكن قادرة ولا مستعدة للوفاء بها. فقد افتقرت تلك البيروقراطيات للوسائل والأساليب الحديثة في الإدارة، كما عجزت عن إحلال القيادات الإدارية المدربة والمؤهلة محل القيادات البيروقراطية السابقة التي كانت مرتبطة بالدولة المهيمنة(9). كما هو بالنسبة للجزائر موضع دراستي التطبيقية.

وهكذا كانت البيروقراطية ولا تزال في مرحلة ما بعد الاستقلال تتصف بمجموعة من المظاهر السلبية التي تؤثر سلبا على عملية التنمية، والتي يمكن تحديد أهمها فيما يلي:

1)- اتجاه الدولة إلى أسلوب المركزية المشددة وتركيز السلطات في أيدي فئة قليلة من البيروقراطيين، ويعزى ذلك إلى سببين:

الأول: أن هناك مفهوم ساد بأنه لا يمكن الوصول إلى الوحدة الوطنية دون توطيد نظام مركزي للحكم.

الثاني:يعتبر النظام المركزي في كثير من الدول نموذجا ورثته بعد زوال الحكم الاستعماري، ولم تقم بإجراء تعديل أو تبديل جذري فيه لكي يتلاءم مع الحكم الديمقراطي في البلدان المتقدمة(10).

وبالتالي فإن الميل لفرض النظام من أعلى السلطة، يؤدي إلى هدر المزايا المتعددة التي يمكن أن تكتسب من جراء تطبيق نظام اللامركزية، كما يؤدي إلى إضعاف الروح المعنوية لدى المرؤوسين واختناق العمل وإضعاف الكفاءات الإدارية والتنازع والصراع وهجرة المؤهلين. إضافة إلى ذلك تؤدي المركزية الشديدة في صنع القرارات وانعدام تفويض السلطة إلى تحمل الوحدات الإدارية أعباء جسام ثقيلة. ذلك أن النظام المركزي يميل عادة إلى تأجيل أداء العمل أو المطالب التي تؤدي على المستوى المحلي، كما أنه ينكر على المواطنين الحق في المشاركة في وضع القواعد واللوائح التي تطبق عليهم. كما تحد المركزية المشددة من المبادرة الفردية إذ يعتمد الناس عادة على المركز أملا في أن يحقق لهم مطالبهم وتقدم حلول لكل مشاكلهم، كما لو كانت مصدر المعرفة والحكمة. إضافة إلى عدم تقبل البيروقراطيين مبدأ تفويض السلطة لمن هم أدنى منهم في السلم الوظيفي، فالسلطة بالنسبة لبعض الموظفين العموميين تعني التفرد بالمعرفة والإحاطة بهالة من النفوذ، ولذلك يظنون أن تفويض بعض من سلطاتهم لبعض مرؤوسيهم، يعني تنازلا عن مركزهم الصفوي وفقدانا لنفوذهم، مما يجعلهم يترددون كثيرا قبل أن يقدموا بالتفويض متى كانت اللوائح أو القوانين تخول لهم ذلك. من هنا كان سلوك كبار الموظفين المستمد من جذور البيروقراطية الممتدة في الوزارات والمديريات المركزية التي يعملون بها يمثل إغراء لبناء وتشييد إمبراطوريات جديدة لدى تركيز كل الاختصاصات والقرارات والأعمال لديهم. ومن ثم تصبح القرارات والأعمالالإدارية خاضعة للأشخاص لا لمقتضيات اللوائح والنظم العامة.

2)- التضخم في الجهاز الإداري، ومرده كون الدولة هي الموظف الأول للكفاءات البشرية المتزايدة.

3)- تعدد مستويات التنظيمات الإدارية مما أدى إلى صعوبة في الاتصالات، وزيادة الفجوة بين القمة والقاعدة، وبطئ في اتخاذ القرارات، وتشويه وتحريف للسياسات العامة والقرارات، وتعدد أجهزة الرقابة واللجان الفرعية أدى إلى بطئ العمل والتنازع في الاختصاصات.

4)- التمسك بحرفية القوانين واللوائح والتحايل عليها، وذلك لأن في تلك القوانين مصدر من مصادر القوة تستخدم بهدف السيطرة على المواطن بدلا من تكريسها لخدمته والسهر على مصلحته، وقد ساعد على ذلك جهل المواطن وعدم ثقته بنفسه، والسعي الحثيث لموظفي الدولة الدفاع عن مصالحهم وتحقيق أهدافهم أولا.

5)- الإسراف والتبذير وزيادة التكلفة الاقتصادية مع قلة الإنتاجية، وقد صاحب ذلك اهتمام بالمظهر دون الجوهر، وانعكس على ذلك استقدام الخبرات الأجنبيةفي محاولة للإصلاح، ووضع المقترحات التي لا تؤخذ بعين الاعتبار في غالب الأحيان.

6)- إهمال الأساليب العلمية، وغياب التخطيط والتنظيم الجيد والتدريب الكفؤ سببه ضعف القيادات الإدارية غير القادرة وغير المؤهلة وذلك لانشغالها بالمشاكل اليومية الروتينية وبعدها عن الأهداف والسياسات العامة.

7)- إضافة إلى اقتصار وضع الخطط التنمويـة على صفوة من الموظفين الكبار، دون إشـراك أفراد الشعب، ذلك أن الشعب قد حرم حتى من الحصول على المعلوماتالأساسية التي قد تعطيه فكرة عامة عن مشروعات الاستثمار والخدمات والمرافق العامة وغيرها. وإني أميل إلى الاعتقاد بأنه لا يكفي بأن تدرك الطبقات الحاكمة الحاجة إلى تنمية مخططة، لكن من الضروري والأكثر أهمية أن تشارك الشعب الذي توضع المشروعات لصالحه، لذلك يجب أن يكون أفراد الشعب على علم بأهمية وأهداف البرامج المختلفة.

8)- إلى جانب هذه السمات المرضية التي تبصم الأداء البيروقراطي، نجد أيضا تغلب العنصر الذاتي في الأداء الإداري الناتج عن تلك الروابط والالتزامات العائلية التي تعد أكثر اتساعا في المجتمعات النامية منها في المجتمعات المتقدمة(11)، فإن الموظفين العموميين ليس من اليسير على أي منهم التنصل أو التهرب من التزاماته في مواجهة عائلته. ومن ثم كان من الطبيعي أن يخلق هذا المفهوم الواسع للأسرة ضغطا كبيرا و مستمرا على الموظف العام، لكي يبدي المجاملة لأقاربه أكثر من باقي المواطنين. لذا نجد كثيرا من الموظفين العموميين يلحون في طلب توظيفهم بعيدا عن المنطقة التي ولدوا فيها أو تربوا فيها، تجنبا للمشاكل التي تثيرها طلبات الأقارب والأصدقاء والمعارف، مما يغري بإصدار قرارات تنطوي على المحاباة.

لذا، فمن الضروري استبعاد العنصر الذاتي من الأداء الإداري لتوفير الكفاءة في كلمنالأعمال والقرارات الإدارية. ذلك أن السلوك الشخصي لا يؤدي إلى مزيد من الاستغلال فحسب، بل يؤدي أيضا إلى نشر عدم الثقة في الموظفين العموميين،وتعطيل أعمال الأشخاص المستحقين لو اتبعت الإجراءات القانونية السليمة. ومنهنا فإن حسب اعتقادي أن تعطيل الأعمال الإدارية لا يعزى إلى الروتين على ما يدعي البعض، وإنما يعزى أساسا لتفشي المحاباة والوساطة والمحسوبية والجهوية، التيتؤدي بدورها إلى إضعاف الخلق الإداري المتمثل في الرشوة، وعدم المسؤولية، والكسب غير المشروع، والاتجار بالوظيفة والاختلاسات المتزايدة، إن لم نقل النهب العلنيلثروة الصالح العام.

ومن هذا، فإن الأعراض المرضية للبيروقراطيةـوالتي تعد عقبات أساسية فيالتعجيل بعملية التنمية في المجتمعات النامية وخاصة منها المجتمعات العربيةـ كثيرة ومتشعبة بتشعب الموضوع ذاته، ومما زاد في تعقيدها وتشابكها أنهامتداخلة ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض، إلا من حيث الضرورة المنهجية التيتتطلبها الدراسة للفهم والتوضيح. إلى جانب كل ذلك هناك إشكالية أولويات هذهالمشكلات والعقبات البيروقراطية التي تعترض العملية التنموية. ولذا نجد الكثيرمن الباحثين يختلفون في إيجاد تصور موحد لهذه المشكلات لسبب كل واحد ينطلق من تخصصه في فرع من فروع العلوم الاجتماعية، وكذا تأثير العامل الإيديولوجي والقيمي الذي ينطلق منه كل مفكر في تحديد الأعراض المرضية للبيروقراطية. فالبعض منهم ينطلق من خلال توصيف وتشخيص الملامح الرئيسية للبيروقراطية، والبعض الآخر يشخص العلاقات الشخصية غير المرضية الناتجة عن الهياكل البيروقراطية مثل ميول الأشخاص في المستويات الهيراركية ومساهمة الفـوارق بين المراتب في تشجيع مقاومة الإبداع. والمجموعة الثالثة تعتقد أن المشكلة الأساسية تتمثل في البيروقراطية في حد ذاتها التي لا تنسجم مع إدارة التنمية ولهذا يجب استبدالها بنموذج أو بديل آخر.

وتأسيسا على ما سبق، يمكن أن نجزم أن جوهر مشكلات التنمية السياسية يكمن في أن فئـة البيروقراطيين أقوى نسبيا من الأحزاب السياسية والهيئات والجماعات السياسية في المجتمعات العربية عامة وفي مجتمعنا خاصة، والتي كانت وراء كل التعثرات التي عرفتها النماذج التنموية المتلاحقة منذ تشكيل وإرساء أسس الدولـة الوطنية. باعتبار أنهم هم أصحاب النفوذ والسلطة الذين يحركون أجهزة الحكم، ويتحكمون في تطبيق النصوص كيفما شاءوا. ومما زاد من تعميق سلطتهم من جهة، وتضاعف أعراضها المرضية وانحرافاتها من جهة ثانية، وجودها في بيئة سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وثقافية متخلفة قائمة على عدم الاستقرار السياسي وضآلة الفعاليات السياسية. ومن ثم كان من الطبيعي أن يكون لهذه البيئة المتخلفة، ولهذا الضعف السياسي أثر على القرارات التي تتخذها الإدارة البيروقراطية. ويؤكد الأستاذ “بلاكمر” « Blackmer » في هذا الصدد أن عدم وضوح السياسة وعدم استقرارها غالبا ما يجد صداه في محيط الإدارة من ناحية عدم الفعالية في الأداء والشلل في اتخاذ القرارات(12).

وفي الأخير، من غير المحتمل على الأقل على المدى القريب. أن يكون هناك حلول هيكلية سهلة ومحدودة لهذه الأمراض المكتبية في المجتمعات العربية ـ التي لا تتوافر فيها الخبرات والمهارات الأساسية، وإن كانت موجودة فهي معطلةـ حيث الظروف والقيم الثقافية السائدة غير ملائمة، وغياب الخبرات التنظيمية والقيم الإدارية الملائمة.

ـ أنمـاط العلاقة بين البيروقراطية و التنمية السياسية :

تبدو العلاقة بين التنمية السياسية من ناحية و الجهاز البيروقراطي من ناحية أخرى هي علاقة مزدوجة ذات مستويين:

المستوى الأول: مستوى قيمي أو ثقافي:

حيث يعكس الجهاز البيروقراطي القيم الثقافية و السياسية السائدة في المجتمع، الأمر الذي يمكن الباحث من التنبؤ باتجاه عملية التنمية السياسية في هذا المجتمع، فالجهاز البيروقراطي يعمل كمرآة تعكس عملية التنمية السياسية، وهذا المستوى يهتم به ـ في الدرجة الأولى ـ علم النفس الاجتماعي و المشتغلين به.

المستوى الثاني: مستوى مؤسسي:

فالجهاز البيروقراطي باعتباره أحد الأجهزة الرئيسية للنظام السياسي، وباعتباره الجهاز الذي يحتكر عملية تنفيذ السياسة العامة للدولة، فإنه يعد شرطا لازما لتحقيق التنمية السياسية في المجتمع، مما يعكس ضرورة تعاونه مع مختلف مؤسسات النظام السياسي، وبالتالي فالعلاقة بين الجهاز البيروقراطي ـ باعتباره الجهاز التنفيذي ـ وبين مختلف المؤسسات السياسية لا بد و أن تؤثر على عملية التنمية السياسية، وهذه العلاقة ـ واقعيا ـ هي إحدى المشكلات الرئيسية التي تواجهها عملية التنمية السياسية في المجتمعات العربية.

و من ثم فإن دراسة هذا المبحث ستنقسم إلى عنصرين رئيسيين، يتناول أولهما تحليل المستوى القيمي أو الثقافي للعلاقة بين البيروقراطية والتنمية السياسية، أي دور الجهاز البيروقراطي باعتباره مؤشرا لعملية التنمية السياسية، ويتناول ثانيهما المستوى المؤسسي أو النظامي لهذه العلاقة، و ذلك على النحو التالي :

1/ ـ البيروقراطية كمؤشر للتنمية السياسية :

تكاد تجمع البحوث العلمية أن أسباب قصور الأداء الفعلي لاقتصاديات معظم الدول العربية تكمن في عيوب تنفيذ خطة التنمية، بمعنى أن الخطة كانت جيدة، و لكن التنفيذ ـ أي إدارة التنمية ـ كان رديئا لجمود الإدارة وعدم مرونتها، وعدم قدرتها على تطوير نفسها لتتلائم مع خطة التنمية، ويرجع قصور الإدارة إلى الجمود الاجتماعي، وعدم موائمة القيم الاجتماعية المحلية والاتجاهات السلوكية للعاملين في الدولة مع أهداف التنمية، بل ثبت أيضا أن خطة التنمية التي كان يجب أن تحول الجهاز الإداري إلى قوة دافعة، أصبحت قوة معوقة (13) .

كذلك يؤكد أحد الباحثين ” أن المشكلة الاجتماعية لإدارة التنمية لا تحل إلا بتطوير الثقافة والمعتقدات والتحكم فيها، فالعلاقة طردية بين الثقافة العامة، والمعتقدات الاجتماعية من جانب، ودرجة الضبط الاجتماعي من جانب آخر” (14) . بل إن الباحث الأمريكي الأستاذ ” جون رفيوس”« John Rehfuss » يوضح هذه العلاقة بصورة أكثر جلاء ووضوحا، فيؤكد أن البيروقراطيين الإداريين يؤثرون تأثيرا مباشرا على ” التوزيع الإكراهي للقيم ” بأسلوب يفوق أي إعلان أو خطاب سياسي، وذلك بما يمارسونه من تأثير على صنع القرار السياسي وما يساهمون به في تكوين توقعات المواطنين حول ما يجب وما يمكن للحكومة القيام به،تلك التوقعات التي تمثل النتيجة الهامة والحاسمة للسلوك الإداري في المدى البعيد(15) .

ـ مظاهر العلاقة بين البيروقراطية و الإطار الثقافي :

مما سبق يتضح أن العلاقة بين الجهاز البيروقراطي من ناحية، والنظام أو الإطار الثقافي في المجتمع وطيدة للغاية، وبالتالي فإن دراسة المحتوى الثقافي، أي دراسة مجموعة القيم والأفكار و العادات التي تسود الجهاز الإداري للدول العربية يمكن أن تساهم إسهاما مباشرا في توضيح طبيعة عملية التنمية التي يتعرض لها هذا المجتمع، بل أنها تساهم أيضا في التنبؤ بإمكانيات نجاح عملية التنمية أو فشلها في المستقبل .

و لقد مثلت القيم (***) الثقافية التي سادت الجهاز البيروقراطي في معظم الدول العربية في أعقاب حصولها على إستقلالها عقبة رئيسية نحو المضي في عملية التنمية التي خططت لها هذه الدول ، ففي معظم هذه الدول ورثت النظم الوطنية في مرحلة الاستقلال جهازا إداريـا، ذا محتوى ثقافي معوق لعملية التنمية وليس دافعـا لهـا، فالمهمة الرئيسية لهذا الجهاز في ظل الحكم الاستعماري تمثلت في الإيمان بأنه جهاز لإقامة ” القانون والنظام ” أي إقرار الأمن الداخلي وجباية الضرائب، وقد استمر تمسك الجهاز الإداري بهذه القيمة الثقافية حتى في مرحلة ما بعد الاستقلال والبدء في عملية التنمية.

فبالرغم من أن دور الجهاز البيروقراطي في الدول العربية في مرحلة ما بعد الاستقلال كان يختلف اختلافا بينا عن دوره خلال الحقبة الاستعمارية التي مثل خلالها الجهاز الإداري حلقة الوصل بين الدولة الاستعمارية وسلطاتها من ناحية، وبين الدولة المستعمرة وشعبها من ناحية أخرى، وحيث خدم الجهاز الإداري خلالها كأحد أدوات الدولة الاستعمارية للسيطرة على الدولة المستعمرة من خلال مفهومه كجهاز لإقامة القانون والنظام، إلا أن تلك القيمة ظلت سائدة ومسيطرة على العمل الإداري في الدول العربية حتى في أعقاب حصولها على الاستقلال، وهي المرحلة التي كان مفترضا أن يقوم الجهاز البيروقراطي بقيادة عملية التنمية، حيث باءت بالفشل جميع المحاولات التي بذلت لتكييف هذا الجهاز البيروقراطي مع الأوضاع و الوظائف والمتطلبات التي فرضتها عملية الاستقلال .

ونتيجة لما سبق اهتم الباحثون بدراسة المحتوى الثقافي للجهاز البيروقراطي أي دراسة القيم الثقافية التي تسيطر على هذا الجهاز في الدول النامية، و ذلك بهدف الكشف عن مدى تلاؤم هذه القيم مع متطلبات عملية التنمية السياسية، فقد يعكس الجهاز البيروقراطي قيما ثقافية إما معوقة أو دافعة لعملية التنمية السياسية، فاختلاف البنيان الاجتماعي والثقافي في هذه الدول، عن البنيان الاجتماعي اللازم لعملية التنمية يمثل أحد التحديات الرئيسية في هذه الدول اليوم. ونتيجة لهذه البحوث أمكن استخلاص بعض القيم الثقافية المعوقة لعملية التنمية (16).

2/ ـ البيروقراطية كأحد أدوات التنمية السياسية :

إن قيادة الجهاز البيروقراطي لعملية التنمية هي عملية سياسية وليست إدارية بالدرجة الأولى (17)، وتنبع هذه الطبيعة السياسية من عدة اعتبارات رئيسية أولها الاهتمام العام بعملية التنمية، فتنفيذ الجهاز البيروقراطي لخطة التنمية تكون موضع اهتمام جميع المواطنين في الدولة، لأن النتائج المترتبة على تنفيذ الخطة تمتد آثارها لتشمل مختلف قطاعات المواطنين، وذلك بعكس أي خطة إدارية أخرى حيث يهتم بها قطاع محدد فقط من المواطنين.

وثاني هذه الاعتبارات ما تتسم به عملية التنفيذ من صفة المسؤولية العامة، فالقرارات التي يصدرها الجهاز البيروقراطي لتنفيذ خطة التنمية تعد مصدرا هاما للحكم على مدى كفاءة وفعالية الجهاز البيروقراطي في تنفيذ السياسة العامة للدولة، وذلك باعتبار أن الجهاز البيروقراطي هو الجهاز الرئيسي لتنفيذ السياسة العامة و تحقيق أهداف التنمية.

و يرى بعض الباحثين أنه لبدء عملية التنمية لا بد من اتخاذ قرارات سياسية سريعة بمبادرة فورية تعتمد قليلا على مبدأ التشاور و المشاركة السياسية، في حين أن القرارات التنفيذية العملية لتنفيذ خطة التنمية، لا يتأتى لها النجاح والفاعلية إلا بتأسيسها على أكبر قدر ممكن من المشاركة السياسية، و هنا تكمن المشكلة الرئيسية التي تواجه عملية التنمية في الدول النامية عامة والعربية خاصة، فتنفيذ خطة التنمية يتطلب الفصل بين مرحلتين :

ـ المرحلة الأولى تقوم النخبة السياسية خلالها باتخاذ مجموعة قرارات على أساس مبدأ التشاور في أضيق نطاق ممكن.

ـ المرحلة الثانية تقوم النخبة البيروقراطية خلالها باتخاذ مجموعة قواعد لتنفيذ القرارات السابقة على أساس مبدأ التشاور والمشاركة في أوسع نطاق ممكن (18).

وفي حالة عدم تفهم النخبة السياسية للطبيعة المختلفة للمرحلتين، فإن الأمر سينتهي إلى الإطالة الزمنية للمرحلة الأولى، أي مرحلة وضع خطة التنمية، مما يؤدي إلى زيادة تضخم البيروقراطية، وزيادة نفوذها وثقلها بالنسبة إلى باقي مؤسسات النظام السياسي، وإضعاف الرقابة السياسية في النهاية وكأنها تستهدف تقوية الجهاز البيروقراطي في مواجهة مختلف مؤسسات النظام السياسي، الأمر الذي يؤدي إلى الفشل في تحقيق التنمية.

وفي الحقيقة فإن هذا هو جوهر المشكلة التي تواجهها مختلف الدول العربية اليوم، و هي المشكلة التي تتمثل في عدم التوازن بين الجهاز البيروقراطي، وباقي المؤسسات السياسية في النظام السياسي، واختلال هذا التوازن لصالح الجهـاز البيروقراطي، وذلك يناقض الوضع الأمثل، فالسياسة العامة تخضع لتأثيرات عديدة من الجهاز البيروقراطي، الذي يشترك فعليا في تحديدها بصورة غير مباشرة من خلال مداخل عديدة، إلا أنه لا بد من الوقوف بتأثيرات الجهاز البيروقراطي عند حدود معينة لا يجب أن يتخطاها، فلا يجب بالضرورة أن يقوم هذا الجهاز ـ مستقلا عن النظام السياسي ـ بتحديد السياسة العامة، وإلا أصبح مسئولا عن الغاية والوسيلة معا، فهناك وظيفتان هامتان لا بد من الفصل بينها:

ـ الوظيفة الأولى: تتعلق بصياغة وإقرار الأهداف العامة للدولة، ومراقبة تنفيذ هذه الأهداف والتأكد من تحقيقها بالكفاءة المطلوبة، ومراجعتها و إدخال التعديلات المناسبة عليها، وهذه الوظيفة يتم تنظيمها في الدولة تبعا لنظامها السياسي ووفقا لعقيدته السياسية، إلا أنه من المتفق عليه أن المؤسسات التي تقوم بهذه الوظيفة هي مؤسسات المشاركة السياسية أو مؤسسات المدخلات، ويقصد بذلك جماعات المصالح والأحزاب السياسية والمؤسسات التمثيلية.

ـ الوظيفة الثانية: تتعلق بتنفيذ الأهداف العامة عن طريق اختيار أنسب الوسائل، وتقديم التوصيات والمقترحات المتعلقة برفع كفاءة الأهداف ذاتها، و يتم تنظيم هذه الوظيفة في الدولة ، و التعبير عنها من خلال الجهاز البيروقراطي (19) .

و بمقتضى هذا المفهوم للفصل بين الوظيفتين يتحتم خضوع الجهاز البيروقراطي لرقابة النظام السياسي، فالنظام السياسي يضع الغاية، والجهاز البيروقراطي يحدد الوسيلة، فيتابع النظام السياسي الوصول إلى هذه الغايات، و مدى كفاءة الجهاز البيروقراطي في تحقيقه لهذه الغايات.

فإذا أختفت فعالية النظام السياسي تكون النتيجة الحتمية سيادة الجهاز البيروقراطي (20)، و يؤدي ذلك إلى اختلال التوازن الذي تقوم عليه السياسة العامة للدولة، فتصبح هذه السياسة بلا سند سياسي يحميها من أن تصبح حلقة أو نشاطا من أنشطة الجهاز البيروقراطي، فالجهاز البيروقراطي بحكم تكوينه جهاز تنفيذ و ليس جهاز حكم، فهو جهاز يرتبط ولاء أعضائه بالمهنة أكثر مما يرتبط بالجماهير، و هو جهاز يلجأ إلى اختيار الوسائل على أسس موضوعية مجردة ، لا على أساس المقاييس الاجتماعية والنظرة السياسية الشاملة ، و هو في حاجة إلى جهاز لمراقبته و متابعته .

ومعنى ارتباط الجهاز البيروقراطي بالمهنة أكثر من الجماهيرـ في حالة ضعف المؤسسات السياسية أن هذا الجهاز يعمل دون إحساس بحاجات الجماهير، مما يساعد على تنمية الأهداف الذاتية لأعضاء هذا الجهاز، كذلك فإن الجهاز البيروقراطي باستخدامه للأساليب المكتبية ـ في ظل ضعف النظام السياسي ـ ستتجمد عملياته وتنعزل عن الواقع وتميل إلى التعقيد و البطء، و هو ما يهبط بالكفاءة دون أدنى شك ويجعلها تصطبغ بصبغة بيروقراطية، وأخيرا فإن اختيار الجهاز البيروقراطي للوسائل على أسس موضوعية ـ في ظل ضعف النظام السياسي ـ سيؤدي إلى سيطرة روح تكنوقراطية على عملياته تسلبها القدرة على رؤية المطالب الشاملة للمجتمع.

وقد أبرزت التجربة أن الدول العربية تفتقد القوة المؤسسية اللازمة لتحويل المطالب إلى سياسات وبرامج وقرارات، بمعنى أن مؤسسات المدخلات ـ بالمنظور النظمي الوظيفي ـ أو مؤسسات المشاركة السياسية أضعف من مؤسسات المخرجات أو المؤسسات التنفيذية، ومن هنا برز الجهاز البيروقراطي في معظم الدول العربية كمعوق لعملية التنمية السياسية وليس دافعا لها، وأصبحت المشكلة التي تعاني منها هذه الدول البحث عن الوسائــل الكفيلة بتحقيق التوازن بين هدفين رئيسيين، أولهما انتشار السلطة الذي يترتب على عملية المشاركة السياسية والتعبئة الاجتماعية، أي بناء مؤسسات المشاركة السياسية وهو أحد أركان التنمية السياسية، وثانيهما تحقيق أهداف التنمية والتي لا يمكن تحقيقها دون إخضاع الجهاز البيروقراطي للنظام السياسي ورقابته، الأمر الذي يصعب تحقيقه في هذه الدول نظرا لضعف فعالية مؤسسات النظام السياسي.

وعليه، فإن المشكلة في الدول النامية خاصة الدول العربية (21)، تعد أكثر تعقيدا نظرا لعدم ثبوت طبيعة وأبعاد النظام السياسي، فالسيطرة الاستعمارية على هذه الدول أخرت نمو المؤسسات السياسية في نفس الوقت الذي تزايد فيه اعتمادها على الجهاز البيروقراطي لتنفيذ خطط وإستراتيجيات التنمية، و في نفس الوقت الذي تقوم به بعمليات التعبئة السياسية والاجتماعية.

من العرض السابق يتضح أن واحدة من أخطر السمات التي يتسم بها الجهاز البيروقراطي في الدول العربية هي النمو الذي يصيب هذا الجهاز إلى حد التضخم وإلى الحد الذي يصبح فيه الجهاز البيروقراطي معوقا لعملية التنمية السياسية في هذه الدول، ذلك أن أي تغيير يطرأ على البناء السياسي لا بد و أن يؤدي حتما إلى تغيير في الجهاز البيروقراطي، والعكس صحيح، وذلك باعتبار أن الجهاز البيروقراطي هو الأساس الأول للبناء السياسي في الدولة، باعتباره الجهاز التنفيذي الذي يعطي للسياسة العامة مضمونا واقعيا، الأمر الذي دفع بالباحثين إلى تأكيد العلاقة الوطيدة بين التنمية السياسية من ناحية والجهاز الإداري من ناحية أخرى على النحو السابق تناوله .

و من العرض السابق أيضا، يتضح أن العلاقة وطيدة للغاية بين البيروقراطية من جانب و التنمية السياسية من جانب آخر، ويتضح ذلك من خلال العلاقة بين الجهاز البيروقراطي من جانب، والقيم السياسية التي يعكسها من جانب آخر بما يسمح بالتنبؤ باتجاه عملية التنمية وإمكانيات نجاحها من عدمه، ومن خلال طبيعة العلاقة التي تربط بين الجهاز البيروقراطي بمختلف المؤسسات السياسية في المجتمع، وهي المعضلة الرئيسية التي تواجهها الدول العربية اليوم نظرا لاختلال التوازن بين مؤسسات المشاركة السياسية والجهاز البيروقراطي لصالح الأخير، تلك المشكلة التي تتعرض لها الدراسة في المبحث التالي .

ـ إختلال التوازن بين البيروقراطية والمؤسسات السياسية :

تعد البيروقراطية من الأطراف الفاعلة والمؤثرة في عملية التنمية السياسية وذلك في مجالين متناقضين، إذ أن البيروقراطية من جهة تمثل جزء أساسي وحيوي من عملية استمرار وبقاء سلطة الحكم، ومن جهة ثانية تمثل العصب الحساس في العلاقة القائمة بين النظام السياسي والمجتمع. فمن خلال المؤسسات البيروقراطية يمكن ضمان ضبط المجتمع وتنظيمه على إثر زيادة التخصص وزيادة الموارد، فالمؤسسات ساعدت على توفير علاقات الاستقرار بين الفئات المختلفة في المجتمع حيث تم الاعتماد على الأداة البيروقراطية لبقاء هذه المنظمة السياسية. ولذا، كما يرى الأستاذ “فيريل هيدي” أن البيروقراطية وجدت نفسها فيمركز يعطيها الاستقلال، وذلك لأهمية الدور الذي قامت به للإبقاء على النظام، مما أوجد إمكانية فقدان البيروقراطية لدورها كمقدم للخدمة العامة والنهوض بالتنمية، وتحولها إلى خدمة للحكام وغيرها من الفئات السلطوية في المجتمع. وقد أدى ذلك بالنتيجة إلى أن تصبح البيروقراطية أداة تهدف لخدمة نفسها، وتحاول استبدال أهداف الخدمة العامة بأهداف خدمة تعظيم البيروقراطية، والقدرة على الهروب من الرقابة السياسية الفعالة(22).

وبناءا على هذه الفرضية التي يثبت واقع المجتمعات النامية صحتها، يمكن الجزم أن نقائص وخلل الجهاز البيروقراطي في هذه المجتمعات وبخاصة المجتمعات العربية، التي تؤدي إلى عدم قدرته على تقديم الخدمات العامة والنهوض بالتنمية لا يمكن إرجاعها ببساطة إلى ضعف كفاءة الخبراء والممارسين بالنظريات الحديثة في التنظيم والإدارة وبالأساليب المتعارف عليها في مجال الإصلاح والتنمية السياسية والإدارية. كما أن مشكلة البيروقراطية وجمودها وانغلاقها وتعسفها فضلا عن تعاظمها وتوسعها المبالغ فيه، ليست من قبيل المشاكل الفنية أو التقنية البحتة، وإنما هي قضايا ذات اتصال وثيق بالبعد السياسي للإدارة الحكومية البيروقراطية، بما في ذلك رغبة الحكام في استخدامها كأداة للضبط الاجتماعي والتحكم السياسي، وبشغف البيروقراطيـين تجاه المنظمات الإدارية.

لذا، فإنه لا يصعب على من يراقب العملية التنموية السياسية والإدارية أن يلاحظ التمركز للجهاز البيروقراطي وتعاظمه في المجتمعات العربية سواء في المجتمعات ذات التقاليد العريقة في الإدارة الحكومية، مثل مصر التي سبق أن وصفها “ماكس ويبر” «WEIBERMax » بأنها النموذج التاريخي للبيروقراطية(23)، أو في المجتمعات التي يرجع عهد الدولة الحديثة فيها إلى أكثر من خمسة عقود مثل الجزائر، ولعل الأسباب والعوامل التي أدت إلى توسع وتعاظم سلطة البيروقراطية، ترجع إلى ما يلي:

1)- أن التعاظم والتوسع البيروقراطي هو نتاج لتوسع وتنوع مهام ووظائف الدولة في المجتمع، وباعتباره استجابة طبيعية من الجهاز البيروقراطي للتحديات الجديدة التي تواجهه، وللمطالب الجديدة التي فرضتها عليه البيئة.

2)- أن التعاظم والتوسع البيروقراطي هو نتاج لتفضيل الخبراء والساسة لنمط التنظيم البيروقراطي الذي يتوجه بطبيعته نحو التعقد والتضخم لمواجهة عناصر عدم اليقين في البيئة المحيطة، إلى جانب الدور الذي يلعبه التنظيم البيروقراطي في السيطرة على كمية وحجم المعلومات، ذلك أن القرارات التي تتخذها النخب السياسية، سواء في السلطة التنفيذية أو التشريعية، تعتمد إلى حد كبير على المعلومات التي توفرها لهم الإدارة البيروقراطية.

3)- أن التعاظم والتوسع البيروقراطي هو نتاج لعدم قدرة أو عدم رغبةالأجهزة البيروقراطية في تحجيم دورها بعد إنشائها، حتى وإن لم يكن لوجودها ولتوسعها مبررات واضحة. فالأدبيات الإدارية السائدة والبيئة الإدارية القائمة في معظم بلدان العالم ترغب في نمو المنظمات لأنها ترى في ذلك نموا للعقلانية والكفاءة. فما أن تنشأ منظمة ما، حتى تظل باقية، بل تتعاظم وتتوسع. وأسباب هذه الظاهرة عديدة كما يقول الأستاذ “نزيه الأيوبي” فمن تعود على منظمة ما ويتعود أساليبها يصعب عليه تصفيتها، أو أنشأ منظمة ما لأغراض تدعيم مكانته ومشروعيته يرى في القضاء عليها إضعافا لمكانته وهزا لمشروعيته(24). فالبيروقراطيات لا تصفي نفسها وتعلن إفلاسها مهما ساء أداءها و انتقص إنتاجها، فقد يعاد توزيع الاختصاصات بين الوحدات الإدارية، ولكن الوظائف الأساسية تظل باقية ومستمرة.

4)ـ كذلك هناك عوامل أخرى مساعدة على تقوية السلطة التنفيذية ونمو الجهاز البيروقراطي في المجتمعات العربية، وتترتب على طبيعة البنيان السياسي الذي تقيمه هذه الدول ، و مثال ذلك انتشار نظام الحزب الواحد، والدور السياسي للعسكريين في هذه الدول، فمن شأن هذين العاملين ـ في ظل غياب إيديولوجيا واضحة للتنمية ـ زيادة درجة تضخم الجهاز البيروقراطي للدولة، نظرا لقيام الدولة بتدعيم الجهاز بالكوادر الحزبية أو العسكرية أو كليهما معا لضمان حسن تنفيذ السياسة الموضوعة .

5)ـ رغبة النظم السياسية، ذات الطابع العسكري، في بعض البلدان العربية في وضع نظامإداري يماثل النظام العسكري الذي تدربوا عليه وبالتالي هم أكثر اطمئنانا إليه في تحقيق مركزية القرار وسلطة التوجيه يقوم على التسلسل في الواجبات والمسؤوليات.

6)- عامل الخبرة الأجنبية: إذ حاولبعض الخبراء الدوليين الذين شاركوا في كثير من تجارب التنمية الإدارية والإصلاح الإداري إلى تبني واستحداث نموذج بيروقراطي يعرفونه جيدا ولهم خبرة فيه، ولم يكن ذلك غير النموذج البيروقراطي الغربي الذي له واقعـه وتاريخه الخاص.

7)- عامل التأثير الفكري نتيجة للدراسة في الجامعات الغربية، فهذه الدراسة ـ بما تنطوي عليه من قيم و مفاهيم ـ من شأنها دفع الدارسين إلى نقل نماذج وطرق وأدوات تستخدمها الدول المتقدمة وتمثل في نظرهم علامة مميزة للتنمية والتطور، وإدخالها قسرا للبيئة الإدارية العربية دون أدنى اعتبار للاختلافات في القيم والعادات ومراحلالتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي(25) .

ومهما تكن العوامل مجتمعة والتي ذكرت بعضا منها، فقد أدى تبني النماذج البيروقراطية الدخيلة في تجارب التنميةالسياسية والإدارية إلى تشويهوانغلاق الأجهزة الإدارية البيروقراطية المركزيـة والتي نتج عنها الاستحواذ ليس فقطعلى سلطة اتخاذ القرار وإصدار التعليمات، بل على الوسائل المادية والبشرية،بحيث لا تملك المصالح المحلية والإقليمية من سلطة إلا في حدود التفويض،ومنوسائل وإمكانيات العمل الإداري إلا الحد الأدنى. وتتجسد هذه المركزية الإداريةفي تضخم المصالح المركزية وتعقد الإجراءات الإدارية،والتشددفي جوانبها التقنية والشكلية لدرجة تفتقد معها العملية الإدارية المرونةوالسرعة والفعالية في أداء الخدمات للمواطنين. زيادة على ذلك، فإنتبني النماذج البيروقراطيةالدخيلة أدى إلى تجاهل الاهتمام باستلهام التراث وإحياء صور متجددة من مؤسسات ونظموأدوات إدارية أثبتت جدواها وفعاليتها في الحقب الزاهرة من تاريخنا العربي الإسلامي(26) ، والتي هي جديرة بالدراسة لإحياء الصور المتجددة منها.

ـولاء البيروقراطية لسلطة القيادة المركزية:

يكاد يجمع أن ما هو قائم في معظم المجتمعات العربية، إنما هو نظام سلطة إدارية بيروقراطية تنبثق كل الصلاحيات فيها من زعيم سياسي منفرد، ويستمد الآخرون نفوذهم فيها من مدى تقربهم منه(27).

لذلك أعتقد أن تعاظم سلطة البيروقراطية يرجع أساسا إلى توظيف القيادات الحاكمة للجهاز البيروقراطي كأداة في مجال الضبط والتحكم الاجتماعي والسياسي من جهة. واستغلال البيروقراطية هذا الدور المناط بها لتعزيز مكانتها في المجتمع من جهة ثانية.وتعزيزا لهذا الطرح يؤكد الأستاذ “فيريل هيدي” أن نتيجة ذلك أصبحت البيروقراطية أداة لبقاء الأنظمة السياسية، ولذا فقد وجدت نفسها تحاول استبدال أهداف الخدمة العامة بأهداف خدمة تعظيم البيروقراطية، ذلك أن بيئة البيروقراطية في المجتمعات النامية المختلفة تعد أرضية خصبة وعاملا مساعدا على توسع نشاطات البيروقراطية لتتجاوز اختصاصاتها والأهداف التي وجدت من أجلها بالضرورة لتحقيق أهداف الخدمة العامة(28).

على هذا الأساس نجد أن معظم القيادات الإدارية في البلدان العربية تحديدا تفضل نمط الإدارة الذي يجعل كل السلطة منبعثة من قائد سياسي، حيث الرئيس أو القائد كما يقول الأستاذ “جون لوكا” « « Jean LUCA:” يمثل البؤرة التي تتركز فيها القوة السياسية وتتركز فيها عملية صنع القرار، ومنها تتوسع وتنبعث هذه القوة إلى العناصر الأكثر ولاء لشخص الرئيس، ويطلق على العناصر الأكثر اقترابا من الحاكم عبارة “الدائرة الضيقة” حيث تعد البيروقراطية الإدارية جزءا منها”(29). بمعنى آخر أن هناك دائما دائرة ضيقة من المستشارين، والوزراء، والمدراء المركزيين، والقادة العسكريين، وأهل الثقة من الأقارب تابعين وخاضعين وموالين للرئيس الأعلى. بحيث تترواح السلطة الحقيقية لكل إدارة ولكل إداري بصورة تتناسب ودرجة اقترابهم من هذا المحور. لذا قد نجد كثيرا ما يتم نقل وتحريك الإداريين بين الأجهزة المختلفة بصورة تذكرهم على الدوام بمصدر القوة الحقيقية، ولا تسمح لهم بتكوين دعائم لسلطتهم الفردية في أية مؤسسة. فإعطاء الجهات المتعددة سلطات متشابهة ومتداخلة يجعلها جميعا في موضع التنافس والمسؤولية الدائمة أمام الرئيس مما يسمح له بقدر كبير من المرونة في الاختيار بين السياسات وبين الأفراد، وفي تغيير رأيه بينلحظة وأخرى. وحتى الفساد الإداري الذي يشكو منه المواطنون، كثيرا ما يكون حلقة متناساة عمدا في سلسلة جهود التنمية السياسية الشاملة. ففضلا عن استفادة عدد من الموظفين منه استفادة مباشرة، قد يتسامح القادة السياسيون أحيانا في قدر من الفساد باعتباره ضمانا لولاء بعض كبار الموظفين.

ـ التضخم البيروقراطي وإضعاف المؤسسات السياسية القائمة :

إن التضخم البيروقراطي في الدول العربية أدى إلى نتيجة رئيسية مؤداها إضعاف عملية التنمية السياسية، والحد من معدلاتها في هذه الدول، وذلك من خلال إضعافه للمؤسسات السياسية القائمة، سواء أكانت مؤسسات حكومية أم غير حكومية ـ و التي تعد أحد الأركان الأساسية لعملية التنمية السياسية ـ خاصة وأن الجهاز البيروقراطي في هذه الدول أسبق للوجود من المؤسسات السياسية من الناحية التاريخية، و بالتالي فهي أكثر تطورا، وأكثر نضجا منها ، الأمر الذي يهدد التطور الديمقراطي في هذه الدول، مما يتطلب ضرورة المواءمة بين الديمقراطية من جانب والبيروقراطية من جانب أخر.

وبالتالي فإن نمو الأجهزة البيروقراطية يشكل خطرا على الديمقراطية، و المشاركة السياسية،فالثمرة الطبيعية لسيادة الأجهزة البيروقراطية و نموها ـ كما سبق الإشارة إلى ذلك ـ ظهور تفاوت في توزيع السلطة داخل المجتمع،الأمر الذي يتضح في استحواذ عدد قليل من الأفراد على أكبر قدر من النفوذ الحاصل عليه مختلف أفراد المجتمع،نظرا لاحتكارهم الشطر الأكبر من النفوذ المسموح به للحكومة ذاتها.

هذه الفرضية تؤكدها متابعة العلاقة بين الجهاز البيروقراطي من جانب ومختلف المؤسسات السياسية في الدول العربية، سواء أكانت هذه المؤسسات حكومية أو غير حكومية كالأحزاب السياسية و جماعات الضغط و المصالح، فمن ناحية المؤسسات الحكومية يلاحظ أن زيادة النفوذ البيروقراطي تساهم في تقويض دور السلطة التشريعية، خاصة وأن العلاقة بينهما أساسا يشوبها قدر غير قليل من التوتر و التنافس، فدور البيروقراطية في تقويض نمو المؤسسات التمثيلية التشريعية في الدول العربية يبرز بوضوح من خلال مجموعتين من المتغيرات ، تتناول المجموعة الأولى متغيرات تساهم خلالها البيروقراطية في إضعاف المؤسسات المساندة للأبنية التشريعية ـ كالأحزاب السياسية وجماعات الضغط و المصالح ـ ، في حين تتناول المجموعة الثانية متغيرات ناتجة عن التفاعل بين البيروقراطية و الأبنية التمثيلية ، و تلعب خلالها البيروقراطية أيضا دورا رئيسيا في إضعاف هذه الأبنية مباشرة ، و تضم هذه المجموعة متغيرين رئيسيين هما إقرار الميزانية العامة ، و إقرار السياسة العامة للدولة .

فالميزانية العامة للدولة تتكون من شقين هما الموارد و التي تتمثل في ثلاثة مصادر رئيسية هي الضرائب، و المساعدات الأجنبية، و عائد احتكارات الدولة و القطاع العام، ثم شق الإنفاق العام، فمثلا بالنسبة للمساعدات الأجنبية، نجد أن نجاح الدولة في الحصول عليها يتوقف أساسا و بالدرجة الأولى على الإنجاز البيروقراطي أكثر من اعتمادها على الإنجاز التشريعي، فممثلو البيروقراطية هم الذين يتفاوضون بصدد هذه المساعدات مع المنظمات الدولية و وفود الدول الأجنبية، الأمر الذي يعني مزيدا من النمو للسلطة البيروقراطية على حساب نمو البناء التشريعي (30).

كذلك بالنسبة للميزانية ـ أي الإنفاق العام ـ فإن دوره أيضا محدود للغاية في تحقيق التوازن بين الهيئة التشريعية والأبنية البيروقراطية، في هذا المجال تهتم الأبنية التمثيلية ببعض أشكال المحاسبة التي تمكنها من التأكد من صرف بنود الميزانية، وفقا لما هي مخصصة له قانونا، إلا ن هذه الأساليب في المحاسبة و المتابعة لا تستغل لصالح الأبنية التمثيلية نظرا لاعتمادها العام على الفنيين من ناحية، ولاحتكار البيروقراطية لكافة المعلومات الصحيحة والدقيقة حول أوجه الإنفاق العام من ناحية أخرى، مما يزيد من دور البيروقراطية في هذا المجال على حساب دور الهيئة التشريعية .

أما إقرار السياسة العامة للدولة فإنها تتسم بالشكلية في الدول العربية نظرا لسيادة الأبنية البيروقراطية على الأبنية السياسية، والاحتكار البيروقراطي لمختلف مظاهر الشرعية في المجتمع ، فالقوانين التي يتم إقرارها لا تنفذ بالشكل المطلوب، ولا تتوخى تحقيق الأهداف المرجوة منها، فضلا عن ما يشوبها من عيوب نتيجة عدم توافر المعلومات الدقيقة، الأمر الذي يصيب المشرع عادة بنوع من الإحباط يؤدي إلى عدم الاكتراث بالعملية التشريعية، والاهتمام بإشباع المصالح الذاتية، يزيد على ذلك أن الضغوط الأجنبية تمثل أحد العوامل المسئولة عن شكلية العملية السياسية في الدول المتخلفة(31)، فالمنظمات الدولية ومختلف الهيئات الخاصة بتقديم المساعدات للدول العربية تهتم بالأبعاد الفنية لعملية التنمية الاقتصادية دون الاهتمام بالمشكلات الملحة للتنمية، فهذه المنظمات تستهدف رفع مستوى الدول العربية إلى المستوى الدولي المطلوب في مختلف المجالات التعليمية والصناعية و الفلاحية …الخ، وبالتالي فهذه المنظمات الدولية تتبنى بعض نماذج القوانين السائدة في الدول المتقدمة و تطبقها في الدول النامية عموما والعربية خصوصا بهدف تزويدها بدليل عمل يقود عملية التنمية فيها، إلا أن هذه الدول تعتقد أن بمجرد تبني هذه القوانين و نسخها سيؤدي حتما إلى معدلات التنمية المطلوبة.

أما من حيث المؤسسات السياسية غير الحكومية(32)، فنمو وتضخم الأبنية البيروقراطية في المجتمعات العربية سيؤدي أيضا إلى تقويض دورها في العملية السياسية، وهذا يظهر من خلال قيام البيروقراطية بفرض سيطرتها وإرادتها ورقابتها على هذه المؤسسات، و يتم ذلك عن طريق :

أ ـ أن تكوين مختلف جماعات الضغط و المصالح، والنقابات العمالية و المهنية يتم بناء على مبادرة من البيروقراطية ذاتها، وليس بناء على احتياجات المواطنين.

ب ـ ميل البيروقراطية إلى المركزية، ورفضها لمختلف أشكال اللامركزية يدفعها إلى الشك في أي جماعات مصالح قد تتشكل مستقلة عنها.

جـ ـ مساهمة البيروقراطية في تمويل هذه الجماعات ماليا مما يصبغ فرض رقابتها عليها بصبغة شرعية، بحجة ضمان حسن استثمار هذه المساعدات المالية.

مما سبق يتضح أن نمو الجهاز التنفيذي البيروقراطي في الدول المستضعفة يضعف من نمو المؤسسات السياسية، سواء أكانت حكومية أم غير حكومية، بمعنى أنه سيؤدي إلى تقلص دورها في الحياة السياسية، ويجعل الاعتماد على الجهاز التنفيذي يتزايد، خاصة وأن معدلات تغير المؤسسات السياسية تكون أضعف من درجة تغير الجهاز الإداري، الأمر الذي يجعلها أقل ملائمة مع الأوضاع القائمة في الدول المستضعفة. وكنتيجة لذلك تترتب عدة نتائج هامة تصبغ العملية السياسية في هذه الدول بصبغة خاصة تميزها عن مثيلتها في الدول المتقدمة، وأهم هذهالنتائج برقرطة الحياة السياسية (33) Bureaucratization of Political Life، من خلال اكتساب الجهاز البيروقراطي أهمية و تأثير متزايد يؤدي في النهاية إلى انتقال أساليب عمله إلى المؤسسات السياسية، وخضوع هذه المؤسسات لتلك الأساليب والإجراءات. ومن هنا نجد أن قضية المشاركة في السلطة واتخاذ القرار وبخاصة عن طريق التفويض هي فكرة شبه منسية في جهود التنمية السياسية الشاملة. فإن ذكرت القضية أو تم اقتراحها في أحد برامج التنمية فيكون الأمر مقتصرا في العادة كما يقول الأستاذ “نزيه الأيوبي” على إعلانها شعارا أو الأخذ بها أسلوبا فنيا وشكليا دون أبعادها التنظيمية والسلطوية الحقيقية التي تسمح باللامركزية وبالتفويض وبجماعة القرار من الناحية الواقعية.

بالإضافة إلى كل ذلك، هناك قضية في غاية التعقيد والأهمية وهي مرتبطة أساسا بشرعية هذه الأداة الحكومية وما مدى تجاوب السلطة السياسية التي بيدها زمام الأمور مع مختلف فئات الشعب، خاصة وأن مصدر هذه السلطة هو الشعب. غير أن هذا المصدر غير قائم في المجتمعات النامية اللهم إلا إذا كانت هناك ثورة شعبية هدفها إحداث تغيير جذري في العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس جعل هذا الأخير هو مصدر شرعية الأداة البيروقراطية الحكومة. وفي هذا الشأن يقول الأستاذ “عمار بوحوش” :”… أن أغلب الثورات في التاريخ قد كانت عبارة عن نقمة شعبية على السلطة الحاكمة التي فقد الناس ثقتهم بها، وحركة ثورية تهدف إلى التخلص من العناصر الضعيفة التي جعلت من نفسها أداة قهر في يد الحكام الفاسدين. ولعل الدافع الأساسي لتعاون الناس فيما بينهم هو رغبتهم المشتركة في القضاء على الأنظمة التي لا تلبي مطالبهم الشعبية، أو على الأقل الحد من السيطرة المطلقة للحكام وتبديل تلك المركزية بسلطة موزعة بين الهيئات التشريعية والقضائية والتنفيذية، لأن انفراد أي شخص أو أي مركز قوي بالسلطة المطلقة، ينتج عنه إخضاع الإرادة العامة للأمة إلى أهواء الحاكم. وبالتالي، تنعدم الإرادة السليمة التي لا يمكن أن يكون لها أي اعتبار عندما يكون شخص واحد يهيمن على كل شيء وينفذ قراراته عن طريق عملائه(34).

هذه هي بعض مظاهر استخدام البيروقراطية كأداة في التحكم والسيطرة السياسية، والتي تجعل دراسة موضوع السلطة في الإدارة من المواضيع المحظورة في مجال التنمية السياسية في كثير من الأحيان. وبدخول موضوع السلطة في الإدارة في دائرة الممنوعات يصبح من السهل على القادة الإداريين مقاومة الأفكار التنموية الداعية إلى المشاركة في اتخاذ القرارات، بحجة أن المناخ الاجتماعي والسياسي السائد لا يسمح بذلك، أو أن الوضع السياسي ما زال في مرحلة انتقالية.

وإجمالي القول في هذا المجال أن توسع مجالات الجهاز البيروقراطي في الدول العربية، وتعدد الأنشطة التي يقوم بها في مختلف الميادين والمجالات وزيادة عدد أعضائه، في ظل التقلص النسبي لنفوذ ونشاط ومجالات المؤسسات السياسية في هذه الدول، قد رتب عدة نتائج لها أهميتها بالنسبة للعملية السياسية بصفة عامة، وبالنسبة لعملية التنمية السياسية والتجديد السياسي بصفة خاصة، الأمر الذي دفع العديد من الباحثين إلى دراسة الأساليب المختلفة اللازمة للإنماء السياسي والإصلاح الشامل لإعادة التوازن بين المؤسسة البيروقراطية والمؤسسات السياسية في المجتمع، وهو ما ستتناوله الدراسة في المبحث التالي.

ـ حتميةالإنماء السياسيوالإصلاحالشاملللحد من سيطـرة البيروقراطية :

من العرض السابق يتضح أن واحدة من أعمق المشكلات التي تواجه عملية التنمية في المجتمعات العربية تتمثل في تزايد نفوذ البيروقراطية، و قوة تنظيمها بالقياس بنفوذ و تنظيمات مختلف المؤسسات السياسية الأخرى سواء أكانت حكومية أم غير حكومية ـ على النحو السابق تفصيله ـ، فضعف نفوذ و تنظيم المؤسسات السياسية في الدول العربية اليوم يمثل سمة رئيسية للنظم السياسية السائدة في هذه الدول، وعقبة أمام عملية التنمية.

و أي مجتمع يتسم بافتقاد توازنات القوى السياسية لصالح البيروقراطية، لا بد و أن يفتقد ـ بالمنظور الوظيفي ـ القدرة على كبح جماح المطالب المتزايدة، مما يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي على النحو السابق تناوله ـ فالعملية السياسية تستهدف ـ من بين ما تستهدف التوفيق بين المطالب المتعددة ، و المتناقضة أحيانا، وتهدئة حدة الصراع بين الجماعات و الفئات المختلفة، وبالتالي فبدون مؤسسات سياسية قوية ، فالمجتمع يفتقد وسائله اللازمة وتحقيق الصالح العام.هذا ما هو موجود في الكثير من الدول العربية التي تعاني من استفحال ظاهرة البيروقراطية العقيمة.

وبناء على هذا التحليل، فإن المحافظة على إدارة بيروقراطية متجاوبة ومسئولة تعد أحد القضايا العسيرة في المجتمع الحديث الساعي للتنمية. وهي قضية لا يمكن حلها بالكامل، وإنما يمكن التخفيف منها أو السيطرة عليها من خلال العديد من البنى والطرق والتأثيرات.

لهذا فإن نقطة البدء أمام الدول العربية لعلاج هذه المشكلة، تتمثل في ضرورة السعي إلى وضع البيروقراطية في مكانها الصحيح بين مختلف المؤسسات السياسية، بحيث لا يتعدى نفوذها نفوذ الأطراف الأخرى الفاعلة في عملية الإنماء والتجديد السياسي، وبحيث تلتزم بتنفيذ السياسة العامة السابق تحديدها بواسطة مؤسسات الدولة، دون تحريف أو تحوير يبعدها عن الهدف المرجو منها.

على هذا الأساس، فإن الإشكال الذي يطرح: ما هي الأساليب و الوسائل الفعالة التي تتمكن الدول العربية ـ من خلالها ـمن الحد من سلطة الأجهزة البيروقراطيــة الحكومية المتزايدة من جهة، و تحقيق التوازن بين البيروقراطية والمؤسسات السياسية من جهة ثانية ؟

1/- تفعيل المشاركة الشعبية كآلية للحد من سلطة البيروقراطية:

في هذا العنصر من الدراسة وظفنا مفهوم تفعيل المشاركة الشعبية كآلية للحد من سيطرة البيروقراطية، وذلك على اعتبار أن الساحة السياسية والاجتماعية في المجتمعات العربية تتمتع بوجود قنوات ومؤسسات للمشاركة من أحزاب سياسية، ونقابات مهنية، وجمعيات، واتحادات للطلاب والنساء، وتنظيمات أخرى، حتى النصوص القانونية بما فيها الدساتير تكرس هذا الحق ولو من الناحية النظرية. غير أن المشكلة الأساسية تتمثل في مشكلة الفعالية، بمعنى دور مشاركة المواطن في تكريس العمل التنموي السياسي والإداري، ورفع مستوى الأداء البيروقراطي، وتحويله من أداة مكرسة للهيمنة والاستغلال والانحراف الإداري، إلى أداة تعكس في هيئاتها البيروقراطية الحكومية من خلال سياساتها وممارساتها أهداف ومصالح وطموحات مختلف القوى والتكوينات الرئيسية في مجتمعها.

في هذا الإطار اعتبر الأستاذ “عبد المنعم شوقي” أن المشاركة الشعبية الفعالة التي تحقق التنمية الشاملة، هي تلك المشاركة التي تسعى إلى :

1)- تمكين المواطن من معرفة ما يجري في حقيقة مؤسسته التي يتعامل معها، وبالتالي يساهم في حل المشكلات التي تواجهه بطريقة مباشرة.

2)- تدعيم الرقابة الشعبية على مشروعات الحكومة التي هي الضمان الوحيد لتعديل مسار التغير المتمشي مع مصالحهم.

3)- تدعيم الفكر الحكومي بكثير من الآراء الشعبية الصالحة التي لم تتأثر بعد بتقاليد البيروقراطية وحدودها.

4)- وأخيرا، إلى قيام المواطنين بتنظيم أنفسهم في هيئات أهلية تساند الهيئات الحكومية في تلبية احتياجات الشعب(35).

إن مشكلة الحد من تعاظم سيطرة البيروقراطية التسلطية لا يكون إلا من خلال توفير البيئة الملائمة للمشاركة الشعبية الفعالة القائمة على ترسيخ ثقافة وطنية ترجح القيم الإيجابية والمصلحة الوطنية على المصالح الضيقة. وقد ذهب الأستاذ “دونالد ستون” « Donald STONE » إلى أبعد من هذا الطرح، إذ أوضح أن مساهمة أفراد الشعب أمر لا مفر منه لتحقيق تنمية صحيحة وسريعة :”لما كانت التنمية عملية يساهم فيها كل من النشاط الفردي والاجتماعي وأوجه التغيير المتباينة، فإنها يجب أن تكون لصيقة ووثيقة الصلة بطريقة مباشرة بالبيئة التي يعيش فيها الشعب. فالمشاركة الواسعة النطاق من جانب الأفراد والجماعات أمر لا غنى عنه، وعلى هذا يجب أن يضم هيكل التنظيم من أجل تنمية المؤسسات التي تحتاج إليها سواء في القرية أو المدينة أو المركز أو المديرية أو مستوى الدولة(36).

إذا، إن الأمر المتفق عليه من طرف الجميع من الناحية النظريـة والفكرية هو أن مبدأ المشاركة حق وواجب للجميع، بل هي التعبير عن فكرة الحرية وحرية الرأي في شتىالمجالات التي تهم قضايا التنمية. ولذا أعتقد اعتقادا جازما أنه لا يمكن أن يتحقق هذا الحق للمواطن، ما لم يتبع بتدعيمه بمجموعة من الإجراءات التالية:

أ ـ وضع مخطط شامل يعمل على إزالة معوقات المشاركة، ويهتم في نفس الوقت بتشجيع القيم الحميدة التي تدعم المشاركة الشعبية.

ب ـ الاهتمام بآراء واقتراحات المواطنين وتوفير لهم الحرية في التعبير لانتقاد أي ميل أو اتجاه لسوء استغلال السلطة الإدارية.

جـ- الاعتماد على توسيع نظام تفويض الاختصاصات للسلطات المحلية، باعتبار أنه نظام يشجع المواطنين كثيرا على المشاركة على نطاق واسع في أداء الوظائف والخدمات، وتساعد هذه المشاركة على التغلب على القصور والجمود واللامبالاة التي لا مبرر لها فيما يتعلق بالمسائل المحلية، ويتولد عنها ارتباط المواطن بالدولة.

د- تفعيل دور وسائل الإعلام والصحافة وهذا لا يتعين إلا من خلال فصل أجهزة الإذاعة والتلفزيون عن سائر المؤسسات البيروقراطية، أو أن تكون مملوكة للقطاع الخاص(37). لذلك يفتح الباب لمناقشات تنأى عن الرقابة الحكومية الصارمة، كما يجب أن تنأى الصحافة عن القبضة الحديدية لوزارة الداخلية، ومن ثم يتعين تعديل اللوائح القديمة أو إعادة تقنينها على وجه يكفل حرية الرأي والفكر والتعبير.

هـ- تشجيع الهيئات العلمية المختصة بالبحوث الإدارية والسياسية على دراسة موضوع المشاركة، باعتباره الهدف والوسيلة لكل عمل تنموي سياسي يرمي لتطوير الإنسان وتقدمه.

وـ المشاركة الجماعية الفعالة مرهونة أيضا بإعطاء المثل والسلوك الجيد من طرف المسئولين البيروقراطيين أنفسهم تجاه مواطنيهم. وهذا ما يعزز عامل الثقة في الجهاز البيروقراطي.

ن- تجنب ظاهرة حجب المعلومات التي تصدر من الجهات العليا عن المواطن.

ي- تعزيز سلطة قنوات المشاركة الشعبية خاصة المجالس الشعبية المنتخبة على مستوى البلديات والولايات، وهذا له أثر عميق في تقريب الإدارة البيروقراطية من المواطن ليس فقط من حيث المساهمة الشعبية في تسيير الإدارة أو من حيث تسهيل الاتصال بين المواطن والإدارة، ولكن أيضا لأن المجموعات المحليـة أصبحت لها صلاحيات واسعةفي الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أي في سائر المجالات التي تهم المواطن في حياته اليومية.

إذا، من خلال هذه العوامل و الإجراءات المتعلقة بمبدأ المشاركة الشعبية نستنتج أن هذا المبدأ أمر حتمي في كل الأنظمة السياسية المتباينة لما له علاقة وطيدة بمسألة الحد من سيطرة سلطة المكاتب في المجتمعات المستضعفة، وبما له علاقة في تحقيق التنمية السياسية الشاملة.

2/-الإصلاح الإداري كآلية للحـد من سيطرة البيروقراطية والتمكين للتنمية:

نظرا لزيادة التضخم التنظيمي والوظيفي للأجهزة البيروقراطية الحكومية خاصة في البلدان العربية التي نمت نموا متسارعا بفعل تعاظم دور الدولة في التنمية والتطوير إلى مركز قوة في المجتمع تسيطر على موارد هائلة دون رقابة خارجية فعالة. فقد اقترن هذا النمو المتسارع كما يرى أحد خبراء الإدارة العرب الأسـتاذ “أحمد صقر عاشور” بنمو متعثر وبطيء في أجنحة السلطة التشريعية والقضائية، أن أصبح الجهاز الحكومي في أغلب الدول العربية هو المستفيد الأول من موارد ومخصصات التنمية. ومكن هذا الاختلال للأجهزة البيروقراطية أن تتحصن، وأن تكتسب مناعة ضد المساءلة والحساب وكذا الإصلاح(38). وكنتيجة لذلك تنامت الأعراض المرضية (البيروباتولوجيا) من إفراط في الرسمية والشكلية، والجمود ومقاومة التغيير، و التموقع على الذات، وتحويل الوسائل إلى غايات، وأصبح كثير من المنظمات الحكومية تعالج مشكلات الإدارة البيروقراطية باستصدار المزيد من اللوائح والضوابط القانونية التي زادت من تفاقمها عوض الحد منها لتمتد الحلقة الخبيثة للبيروقراطية التي أشار إليها الأستاذ “ميشال كروزيه” « Michel Crozier » إلى عمليات الإصلاح الإداري ذاته.

كل هذا يدفع إلى ضرورة تقديم إستراتيجية للإصلاح الإداري تحد من تعاظم سيطرة البيروقراطية العقيمة، تقوم أولا بإعادة تنظيم الجهاز البيروقراطي للقيام بوظائفه الجديدة في ضوء السياسة العامة الهادفة إلى التنمية. وثانيها، علاج مشكلات الجهاز الإداري علاجا يتتبع موطن المشكلات الإدارية في المجتمع بما يخلق جهازا إداريا يعكس علاقات وقيم اجتماعية جديدة تحقق التنمية في نفس الوقت الذي تحقق فيه كفاءة العمليات الإدارية. وهذا بعيدا عن المدخل التقليدي للإصلاح القائم على أسلوب “التجربة والخطأ” الذي لا يهتم إلا بالمشكلات الطارئة، وهذا ما يعرف بإدارة بالأزمـات(39). التي لا تحل المشكلاتالجوهرية للبيروقراطية التي هي أساس كل إصلاح إداري سليم وجذري.

لذا كان من الضروري الولوج في عملية الإصلاح الإداري من خلال المدخل القائم على أسلوب البحث العلمي الذي يهدف إلى تحديد المشكلات ومظاهر التخلفالإداري، وتحديد العوامل والمتغيرات المؤثرة والمنشئة للتخلف الإداري، والذي يهدف إلى الكشف عن الأوضاع الإدارية السائدة وتحليلها، مع اكتشاف أساليب الإصلاح والمقارنة بينها لاختيار أفضلها وأكثرها تناسبا مع ظروف الموقف، ثم متابعة التغيير وتقييم النتائج(40). وهذا ما يؤكده الأستاذ “عبد المعطي عساف” أنه أسلوب كلي “تعبر عن عمليات التغيير البنائية التي لا بد أن يحدث في النظام الإداري، سواء من النواحي البنائية أو المادية، أو النظامية أو المعنوية أو الوظيفية، أو العلائقية، وذلك ضمن إعادة البناء الشاملة له، ويعني ذلك عدم تقبل هذا الأسلوب لمبدأ التدرجية أو الإصلاحية. وتنبع فكرة الأخذ بهذا الأسلوب من حقيقة التخلف الذي تعانيه النظم الإدارية والتي تراكمت مظاهره، عبر سنوات طويلة اتصفت فيها الحركة الشاملة بشكل عام، والحركة الإدارية بشكل خاص، بالسكونية الأمر الذي أصبح يفرض ضرورة المعالجة الشاملة(41). التي لا ينبغي أن تقتصر على العملية الإدارية الفنية، وإلا كانت نتائجه هامشية، وإنما لا بد للإصلاح الإداري أن يشمل البيئة الكلية بمختلف عناصرها وعلاقاتها السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهذا ما يؤكده الأستاذ “حسن أبشر الطيب” على أنه جهد سياسي وإداري واقتصادي واجتماعي وثقافي، وإداري هادف لإحداث تغييرات أساسية ايجابية في السلوك والنظم والعلاقات والأساليب والأدوات، تحقيقا لتنمية قدرات وإمكانات الجهاز الإداري، بما يؤمن له درجة عالية من الـكفاءة والفعالية في إنجاز أهدافه(42).

إن تفهم الإصلاح الإداري على أنه جهد هادف في إطار البيئة الكلية يدفعنا من جانب إلى تفهم المتغيرات المتعددة المؤثرة في عملية التنمية السياسية الشاملة. وهو أمر أدى بإغفاله إلى وضع المسؤولية في إجهاض خطة التنمية السياسية على الجهاز الإداري، بالرغم من أنه لم يكن إلا واحدا من متغيرات متعددة ينبغي أن تطالها عملية التنمية السياسية. وهذا ما يعبر عنه بعمق الأستاذ “أسامة عبد الرحمان” أن هناك أكثر من متغير واحد وهناك أكثر من علاقة سببية واحدة، وهناك أكثر من مجال لهذه العلاقات فهي تتجاوز مجرد العلاقة بين التقدم الاقتصادي والتقدم الإداري إلى التقدم الاجتماعي والسياسي والثقافي. وفي غمرة العلاقات المعقدة بين هذه المتغيرات يصعب تبين متغير واحد واعتباره سببا رئيسيا للمشاكل التي تواجهها الدول النامية. إن الإدارة تعتبر عاملا استراتيجيا في تحقيق التقدم الاقتصادي ولكنها ليست بالعامل الوحيد لأن عملية النمو والتقدم لا يحركها عامل واحد، ولا يمكن أن ننظر إلى التقدم الإداري بمعزل عن التقدم الاقتصادي أو العكس، أو النظر إليهما بمعزل عن جوانب التقدم الأخرى، و عن الإطار الاجتماعي و الثقافي المحيط بهما. إن كل جانب من جوانب التقدم هذه يتوقف على جوانب أخرى. إنه من غير الممكن أن نتصور معالجة المشاكل في كل جانب على حده دون التعرض للجوانب الأخرى(43). لهذا فإن فعاليات توجهات الإصلاح الإداري للحد من تعاظم سيطرة البيروقراطية، تكمن في المقام الأول في تفهم كل هذه المتغيرات وعلاقاتها والعمل على التأثير الإيجابي الهادف فيها بغية تأمين الإصلاح المرجو.

لذا، فإن التعامل مع الجهاز البيروقراطي يجب أن لا يؤخذ بأسلوب الإدارة بالأزمات التي تقوم بمعالجة المشاكل الإدارية التي تقع هنا وهناك، وإنما ينبغي التعامل معه والنظر إليه على أنه عاملا مؤثرا في مجمل الكل البيئي وفي مختلف عناصره على تعددها وتنوعها. هذا التعامل لا يكون إلا من خلال وضع الشروط الموضوعية والضرورية المطلوبة في الإصلاح الإداري(44)، والتي يمكن أن تسهم في الحد من تعاظم سلطة البيروقراطية المنغلقة، والتي يمكن تحديدها في النقاط التالية:

1ـ توفير العامل السياسي في الإصلاح، أي وجود سلطة سياسية قوية تؤمنبالإصلاح وتتفهم شروطه وتعمل على تحقيقه، لأنه غالبا ما تصطدم مقترحات الإصلاح بقوى معادية من داخل الإدارة نفسها، بحيث تفقدها إمكانية التحقيق وتبقيها مجرد أوراق مكتوبة أو كلمات منطوقة لا تجد لها في الواقع من صدى كما يقول الأستاذ “قورناي” « Gournay B. » وهذه القوى المعادية هي فئة التقنوقراطيين والبيروقراطيين، التي تسعى دوما إلى إبقاء الوضع كما هو دون تغيير حتى يتسنى لها خدمة مصالحها وتقوية نفوذها.

ومن هنا، فإن غياب هذا العنصر الهام يبقى كمشكلة مطروحة في الدولالمختلفة. وربما السبب في ذلك يعود إلى عدم فعالية التنظيم السياسي والقيادة السياسية، بالرغم من دوره الفعال في هذه المهمة بعكس ما يجري في الدول المتقدمة التي تولي عناية فاقة للمؤسسات السياسية.

2 ـ توفير النخبة القيادية الكفؤة والنزيهة التي تتجاوب مع المواطنين وتقدر حق التقدير المسؤولية الملقاة على عاتقها. بحيث يكون لهذه القيادة رصيد متميز من الإنجاز والقدرة على المبادأة والإبداع وإدارة التغيير. مع التوفير لها الحريات والصلاحيات والمقومات اللازمة لإجراء الإصلاح والتطوير اللازم في أنظمة وأوضاع وممارسات هذه الأجهزة الإدارية. وبالنظر إلى مجتمعنا فإنه لا يخفى على أي إنسان أن القيم السلبية التي تتحكم في مجتمعنا المسحوق تجعل من هذا الشخص يتصرف بأمور الشعب كما يحلو له دون رقابة أو محاسبة شعبية. والسبب في ذلك أن القائد الإداري قد يجد نفسه يعمل في محيط ضيق لا تهمه مصلحة الوطن بقدر ما تهمه العلاقات الخاصة، والتقرب إلى من هم أعلى رتبة ليستفيد منهم في تدعيم نفسه ومصالحه الخاصة.

3ـ توفير عنصر المجتمعية في الإصلاح، أي أن يكون الهدف الأول والنهائي للإصلاح هو تحقيق رغبات الجماهير، لأن الإصلاح الشامل والأصيل لا يكون معزولا عن الإطار الاجتماعي والسياسي والحضاري للمجتمع الذي يتم فيه الإصلاح نفسه. وبالتالي فإن فعالية وجدوى هذا الإصلاح تكمن فيما مدى حرصه على تلبية رغبات الجماهير.

4ـ توفير الوعي الجماعي للإصلاح، وذلك بإشعار وإعلام المواطن بأنه عملية مستمرة، متجددة ومتطورة وهادفة، فهو بذلك يستوجب تغييرا جذريا وأصيلا في الأشخاص وفي المفاهيم من جهة، وعامل شامل لكافة مقومات الإدارة وسائر خطواتها من جهة أخرى.

5 ـ ضرورة استعمال الأسلوب العلمي التخطيطي المنظم في عمليات الإصلاح. وهذا يترتبعليه وجود نظام دقيق لتوفير المعلومات والبيانات الأساسية التي تصفالأوضاع الإدارية السائدة، إلى جانب هذا التدفق من المعلومات التي ينبغي توافر نظام دقيقلتحليلهاواستنتاج المشكلات الحالية والمستقبلية، ثم أيضا وجود نظام دقيق لتصنيف البيانات وتحليلها وضمان تدفقها إلى مراكز اتخاذ القرارات، وأخيرا توفير أسس ومعايير للاختيار والتقييم.

6 ـ كذلك يتعين وضع قوانين ولوائح جديدة تعمل على إمكانية نقل كبار الموظفين من وزارة إلى أخرى، للحد من الميل لاحتكار السلطة والنفوذ لدى بعض البيروقراطيين، كما يتعين أن تحدد وتوصف وتبوب وظائف واختصاصات من يعملون في منتصف السلم الوظيفي حتى يمكن تشجيعهم لاتخاذ القرارات التي تدخل ضمن اختصاصاتهم ومسؤولياتهم. وبالنسبة للمجالس المحلية، فإنه يتعين وضع قواعد أكثر مرونة لإقامة الفرصة لممثلي المنطقة من اتخاذ القرارات التي تؤثر على مجرى حياتهم اليومية، إذ أن على هذا الطريق وحده يمكن أن تكون هناك مشاركة فعالة من جانب جميع أفراد الشعب.

وتأسيسا على ذلك، فإن هذه الشروط الضرورية للإصلاح وغيرها من الشروط الأخرى التي لم أذكرها في هذا المقام، هي في الحقيقة غير منفصلة عن بعضها البعض، بل هي متداخلة ومتكاملة لتكون في النهاية كتلة واحدة لتطوير الإصلاح من جهة، وللحد من تعاظم سلطة البيروقراطية العقيمة والمتعفنة بأعراضها المرضية من جهة ثانية، وخلق جو ملائم يستمد قوته من البيئة الاجتماعية التي تنطلق منها إستراتيجية التنمية البديلة والشاملة والمتوازنة من جهة ثالثة.

وأخيرا، إن المفهوم العام والفلسفي لوضع وتحديد إستراتيجية بديلة للحد من هيمنة الأجهزة الإدارية البيروقراطية والتي تعد مكملة لإستراتيجية التنمية الشاملة، هو ذلك الذي يرمي أساسا إلى جعل الجهاز البيروقراطي المحرك الرئيسي في إنجاح المخطط التنموي العام، والذي يكون هدفه الأول والأخير هو خدمة المواطن وتحقيق رقيه وازدهاره.لذلك فإن نجاحها رهن بتوافر الدفعة السياسية اللازمة، وكذلك المقومات المجتمعية الكلية التي تدعم وتؤازر تنمية نظم إدارة الجهاز البيروقراطي ككل. فنجاحها يتطلب تبني القيادة السياسية لهدف التغيير والتطوير السياسي والإداري الشامل، تطويرا في الدور الرقابي للمؤسسة التشريعية. وغيرها من مؤسسات الرقابة الخارجية على البيروقراطية الحكومية. وتغييرا وتصحيحا في توازنات القوى بين المؤسسات والسلطات في المجتمع. كما يتطلب تطويرا وتغييرا في نظم التعليم، وكذلك في البناء الاجتماعي وهيكل القيم والسلوكيات السائدة.

كنتيجة لكل ذلك، فإن الإصلاح الشامل للجهاز البيروقراطي لا يتصور أن يسفر عن نجاح حقيقي دون أن يكون جزءا من إستراتيجية تنموية شاملة. وتتضافر في داخلها جهود التنمية السياسية مع جهود التنمية الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

التهميش:

(1)ـ أنظر في هذا الخصوص:

ـ مورو بيرجر، البيروقراطية والمجتمع في مصر الحديثة، ترجمة محمد توفيق رمزي، القاهرة: النهضة المصرية، 1959، ص 33.

(2) ـ والغريب في الأمر أن “ماكس ويبر” لم يقدم تعريفا اصطلاحيا للبيروقراطية، ولكنه صاغ مجموعة قضايا تكشف عن طبيعة بناء أنساق السلطة القانونية، معتمدا في ذلك على تحليله لمكونات الاعتقاد في شرعية السلطة، ثم حدد في ضوء ذلك كله الخصائص المميزة للبيروقراطية. راجع في ذلك:

ـ محمد علي محمد، علي عبد المعطي محمد، السياسات بين النظرية والتطبيق، القاهرة: دار المعرفة الجامعية، 1999، ص 358

(3) ـ محمد علي محمد، علي عبد المعطي محمد، المرجع السابق الذكر، ص 364.

(4) ـ فالكثير من الأفراد يتذكرون البيروقراطية عندما يذهبون إلى مكتب من مكاتب الإدارة العامة فيحيلهم إلى مكتب آخر دون إنجاز الخدمة المطلوبة، أو أن يطلب الموظف المختص الكثير من النماذج الطويلة وضرورة ملئها وبصور عديدة، ثم يمر ذلك الطلب على العديد من الإداريين للتوقيع عليه، أو عندما ترفض الطلبات لأسباب شكلية، إلى غير ذلك، وتعكس كل المظاهر الجانب السلبي للبيروقراطية والعيوب التي تصاحب تطبيقها والتي تؤدي إلى انخفاض الكفاءة في أداء العمل. ولكن لم يكن هذا على الإطلاق هو المعنى الأساسي للبيروقراطية.

(*) ـ بالرغم من أن البيروقراطية لم تؤسس للقيام بذلك أساسا ، إلا أنها نظرا للتغييرات التي طرأت على وظيفة الدولة المعاصرة و الحاجة المتزايدة إلى تدخلها في مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ، و نظرا لتزايد حجم وأعباء الحكومة، فقد توسعت البيروقراطية بشكل ملحوظ في القيام بمثل هذه الوظيفة . أنظر :

هنري رياض، السياسة والبيروقراطية، بيروت: دار الجيل، 1993، ص 117.

(**)في كثير من الحالات لم تكن دفعة النمو المؤسسي هذه، محاولة لإستكمال البنية والأنظمة السياسية والإدارية الحكومية وتطويرها، بقدر ما كان استكمالا واستيفاء لمقومات الدولة ذاتها.

(5) ـ في هذا الشأن لجأت بعض الدول النامية والعربية منها إلى استحداث منصب وزير الإصلاح والتنمية الإدارية اعترافا منها بأهمية المشكلة التي تطرح على عملية التنمية، وبأهمية أن تكون قضية الإصلاح الإداري ممثلة في القمة الإستراتيجية للجهاز البيروقراطي. أنظر:

ـ أحمد صقر عاشور، “نظرة مستقبلية لإستراتيجيات الإصلاح الإداري في الوطن العربي”، فـي: ناصر محمد الصائغ (محرر)، الإدارة العامة والإصلاح الإداري في الوطن العربي، عمان: المنظمة العربية للعلوم الإدارية، 1406هـ، ص 1114.

(6) ـ نزيه الأيوبي، “أنماط وتوجهــات الإدارة العامــة في الوطن العربي”، فــي: ناصر محمد الصائغ (محرر)، المرجع السابق الذكر، ص 53.

(7) ـ لمزيد من المعلومات حول التداخل الإداري بين مراكز الاختصاص في الجهاز الإداري، أنظر:

ـ عاصم الأعرجي، نظريات التطور والتنمية الإدارية، بغداد: وزارة التعليم العالي، 1988، ص 26.

ـ مير غني عبد العال محمود، التطوير التنظيمي والخصوصية العربية، عمان: المنظمة العربية للعلوم الإدارية، 1987، ص 54.

(8) ـ محمد حسن زويلف، سليمان أحمد اللوزي، التنمية الإدارية والدول النامية، عمان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، 1993، ص 24.

(9)ـ فيصل فخري مرار، البيروقراطية بين الاستمرارية والزوال، الأردن: المنظمة العربية للعلوم الإدارية، 1978، ص 57.

(10) ـ هنري رياض، السياسـة والبيـروقراطيـة، بيروت: دار الجيل، 1993، ص 117.

(11) ـ إذ يعتبر مفهوم الأسرة في كثير من المجتمعات النامية أكثر اتساعا من مفهوم الأسرة في الدول النامية ، يتسع دائما لكي يشمل الأخوال والأقارب من الدرجات البعيدة.

(12) ـ هنري رياض، المرجع السابق الذكر، ص 107.

(13) ـ لمزيد من المعلومات عن أثر القيم الثقافية ـ الإجتماعية على الأداء المؤسسي للأجهزة الحكومية ، أنظر :

ـ عبد العزيز مخيمر، و آخرون، قياس الأداء المؤسسي للأجهزة الحكومية، القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية، ديسمبر 1999، ص 56 .

ـ السيد عبد المطلب غانم، ” اللامركزية و التنمية الإدارية “، في: كمال محمود المنوفي ( محرر)، الإصلاح المؤسسي بين المركزية و اللامركزية، القاهرة: مركز دراسات و إستشارات الإدارة العامة، مارس 2001 ، ص 41.

ـ سعيد محمد الشيمي، ” الثقافة الإدارية للإدارة العليا و المداخل الحديثة للتطوير مع التطبيق على مدخل الجودة الشاملة في قطاع الأعمال العام “، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة، كلية الإقتصاد والعلوم السياسية، قسم الإدارة العامة، 2000، ص 31.

(14) ـ أحمد رشيد ، إدارة التنميـــــة، القاهرة : النهضة العربية، 1973، ص 30.

(15) ـ السيد عليوه، صنع القرار السياسي في منظمــات الإدارة العامة، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987، ص 386 .

(***) ـ يمكن تعريف القيم بأنها مجموعة المعايير و الأسس والمحكات التي تفرز مجموعة الأحكام والاختيارات التي يصدرها الفرد بتفضيل أو عدم تفضيل البدائل والموضوعات في ضوء تقييمه لهذه البدائل و الموضوعات، وتحدث عملية التقييم نتيجة لتفاعل الفرد بإطاره البيئي.

و القيم بهذا المعنى هي مجموعة من المفاهيم التصويرية والتعميمات التي يتم من خلالها تقييم الموضوعات المختلفة وتعمل على توجيه سلوك الأفراد وتحديد نسق التفاعل الاجتماعي فيما بينهم وهي محصلة تجربة مستمرة وتفاعل دائم مع البيئة الحضارية و الاجتماعية والتاريخية، وتتسم القيم بالثبات النسبي من حيث الأهمية و النوعية وهي لا تتغير بشكل فجائي.

و يعتبر نسق القيم Values system الإطار أو التنظيم الأشمل الذي تنتظم به قيم الفرد في شكل ترتيبي حسب أهميتها لديه و تمثل كل قيمة أحد عناصر هذا النسق و تتفاعل هذه القيم في إطار نمط محدد من العلاقات مع الإطار الحضاري و البيئة المحيطة. لمزيد من الإيضاح حول مفهوم القيم يمكن الرجوع إلى :

ـ عبد الشافي محمد أبو العينين، “قيم الإدارة العليا في المنظمات المصرية على مشارف القرن الواحد و العشرين”، في : عاطف صدقي، القيادات الإدارية في القرن الواحد و العشرين، القاهرة : مركز البحوث بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، 1995، ص 176 .

ـ محمد أحمد بيومي ، علم الإجتماع القيم ، الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية ، 1990 ، ص 125ـ 129.

(16) ـ أحمد رشيد ، الإصلاح الإداري : إعادة التفكير ، القاهرة : دار النهضة العربية ، 1996 ، ص 5.

(17) ـ أحمد رشيد، إدارة التنمية ، المرجع السابق الذكر، ص 15.

(18) ـ السيد عليوة ، المرجع السابق الذكر ، ص 311 .

(19) ـ وصال نجيب العزاوي، مبادئ السياسة العامة: دراسة نظرية في حقل معرفي جديد، عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع، 2003، ص 114.

(20) ـ فيريل هيدي، الإدارة العامة منظور مقارن، ترجمة محمد قاسم القريوتي، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 1985، ص 58 .

(21) ـ لمزيد من التفاصيل حول طبيعة النظم السياسية العربية يمكن الرجوع إلى :

ـ حسنين توفيق إبراهيم، النظم السياسية العربية الإتجاهات الحديثة في دراستها، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005، ص 305.

(22) ـ فيريل هيدي، المرجع السابق الذكر، ص93.

(23) ـ حيث يرجع تبلور الجهاز البيروقراطي في مصر القديمة إلى ضبط نظام الري وتنظيمه وتوزيعه، وهو الأمر الذي أدى بالضرورة إلى قيام الحكومة المركزية المسيطرة وتدعيم مكانة دواوينها، وسلطة موظفيها، وسطوة حكامها منذ أمد بعيد يبلغ قرابة ستة آلاف سنة.

(24) ـنزيه الأيوبي، “الحلقات المنسية والمناطق المحضورة في الإصلاح الإداري العربي”، في: ناصر محمد الصائغ، (محرر)، المرجع السابق الذكر، ص 849.

(25) ـحسن ابشر الطيب، “الإصلاح الإداري في الوطن العربي: بين الأصالة والمعاصرة”، في: ناصر محمد الصائغ (محرر)، المرجع السابق الذكر، ص 820.

(26) ـ أنظر على سبيل المثال عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عهد امتدت فيه الدولة الإسلامية حتى تجاوزت أفغنستان والصين شرقا، والأناضول وبحر قزوين شمالا، وإفريقيا الشمالية غربا، وبلاد مصر والنوبة جنوبا. دولة إسلامية قامت على الإيمان والعلم والعمل وسادها العدل.

(27) ـ نزيه الأيوبي، “البيروقراطيات العربية بين تضخم الحجم وتنوع الوظيفة”، في: غسان سلامة وآخرون، الأمة والدولة والاندماج في الوطن العربي، ج2، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، معهد الشؤون الدولية بإيطاليا، 1989، ص 597.

(28) ـ فيريل هيدي، المرجع السابق الذكر، ص 93.

(29) ـ جان لوكا، “التحرك نحو الديمقراطية في الوطن العربي”، في: غسان سلامة، ديمقراطية من دون ديمقراطيين: سياسات الانفتاح في العالم العربي الإسلامي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1995، ص 41.

(30) ـ محمد رؤوف فكري عابدين، ” معوقات التنمية في العالم الثالث بين الشكلية السياسية وبيروقراطية الإدارة ودور مؤسسات الرئاسة مع التركيز على مصر “، رسالة دكتوراه، جامعة الإسكندرية، كلية التجارة، قسم العلوم السياسية، 1992، ص 76 ـ 78.

(31) – Forrest Vern Morgeson , Reconciling Democracy And Bureaucracy : Towards a Delibrative-Democratic Model of Bureaucratic Accountability , B A , Western Michigan University , 2005, PP. 148 .

(32) ـ يقصد بها أساسا الأحزاب السياسية و مختلف جماعات الضغط و المصالح و ما تشمله من نقابات مهنية و عمالية.

(33) ـ يقصد ببرقرطة الحياة السياسية سيطرة أساليب العمل البيروقراطي على المؤسسات السياسية المختلفة في المجتمع، مما يصبغ العملية السياسية بصبغة بيروقراطية، حيث يتضخم الجهاز البيروقراطي ويتشعب، ويتولى جميع شئون الدولة اليومية.

(34) ـ عمار بوحوش، نظريات الإدارة العامة، الأردن: المنظمة العربية للعلوم الإدارية، 1980، ص7.

(35) ـ عبد المنعم شوقي، “مشاركة المواطنين في التنمية الريفية”، مجلة التنمية، ألمانيا، العدد؟، يوليو 1977، ص 16.

(36)-Donald STONE, Public Administration and Nation-Bulding, Roscoe C. Martin (ed.), Public Administration and Democracy, Syracuse: Syracuse University Press, 1965, p. 251.

(37) ـ لأن الاعتقاد الراسخ أن القطاع العام ينطوي على عيوب كثيرة في هذا المجال، إذ أنه يمنح ويركز السلطات في أيدي كبار البيروقراطيين وهو أمر يخالف مبادئ وتطبيقات النظام الديمقراطي الذي يسعى لتحقيق التنمية الشاملة، كما أنه يحد من تطور القطاع الخاص ومن ثم يحد الحوافز الفردية للإنسان.

(38) ـأحمد صقر عاشور، “نظرة مستقبلية لإستراتيجيات الإصلاح الإداري في الوطن العربي”، في : نصر محمد الصائغ (محرر)، المرجع السابق الذكر، ص 1115.

(39) ـ تعني الإدارة بالأزمات تلك الإجراءات الإدارية التي تتصف بالتلقائية وعدم التخطيط الشامل للمشكلات المتوقعة وغير المتوقعة. والتي يمكن منطلقها الأساسي في ضخامة المشكلات والخوف من الضغوطات التي تهدد ذوي النفوذ والسلطة، مما يجعلها تلجأ في هذه الحالة إلى امتصاص غضب الجماهير عن طريق الوعود والمساومات والإغراءات وما شابه ذلك. وبالتالي فهي أسلوب يستخدم لتهدئة الوضع وبقائه على ما هو عليه دون تغيير جذري، فهو إصلاح مفتعل ومصطنع في شكل مسكنات ومهدئات وضعت لمواجهة العقبات الإدارية الطارئة.

(40) ـ علي السلمي، خواطر في الإدارة المعاصرة، القاهرة: دار غريب للطباعة و النشر و التوزيع، 2001، ص 12.

(41) ـ عبد المعطي عساف، ” آراء في التطوير الإداري “، المجلة العربية للإدارة، الأردن، عدد 2، أكتوبر 1980، ص 91.

(42) ـ حسن أبشر الطيب، ” الإصلاح الإداري في الوطن العربي بين الأصالة و المعاصرة “، في : ناصر محمد الصائغ (محرر) ، المرجع السابق الذكر، ص 809.

(43) ـ أسامة عبد الرحمان، “الحلقة المفرغة بين التقدم الإداري والتقدم الاقتصادي”، مجلة كلية الإدارة، العدد الرابع، 1976، ص 102.

(44)ـ قد يصعب تحديد الشروط الضرورية المطلوبة في الإصلاح، فما نراه شرطا ضروريا يراه آخر غير ذلك. والسبب في هذا يعود إلى الاختلاف المتباين في تحديد الإطار الفكري والمنهجي لأصول الإصلاح، الذي بدروه يخضع إلى عامل الثقافة السياسية والإدارية، والأفراد، والبيئة الحضارية.

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …