الرئيسية / العلاقات الدولية / التفاعلات الدولية /  موقع حلف شمال الاطلنطي في الجيوبولتيك الأمريكية
 موقع حلف شمال الاطلنطي من الجيوبولتيك الأمريكية
 موقع حلف شمال الاطلنطي من الجيوبولتيك الأمريكية

 موقع حلف شمال الاطلنطي في الجيوبولتيك الأمريكية

النظريات الجيوبوليتيك هي الأساس الذي وضع لتسير وفقه السياسات الخارجية للدول الكبري، فالتغيرات التى تطرأ علي الشكل السياسي لدولة والمكان والموقع هى عوامل أساسية وجوهرية في قوة الدولة فى المجال الدولي، فهناك علاقة بين مساحة الدولة وموقعها وقوتها.

من هنا كان اعتبار ماكندر الجزء الداخلي من أوراسيا بمثابة قلب الأرض heart land تعطي لمن يحكمه القدرة علي السيطرة علي العالم، فحذر من قيام تحالف بين المانيا وروسيا باعتبارهما يقعان فى قلب الأرض، وأعطي أهمية لما أسماه وحدة “إقليم الأطلنطي الشمالي” واعتبرها قوة فى مواجهة قلب الأرض ومهددة له.

التقط “هوسهوفر” الألماني هذه الفكرة باعتبار أنها تخيف الإنجليز خلال فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، واستخلص أن طريق المانيا للسيطرة على العالم هو فى توحيد المناطق العظيمة في كل من روسيا والمانيا.

راجت أفكار ماكندر لدي المفكرون الجيواستراتيجيين الغربيين، فرسمت الاحلاف ووضعت الاستراتيجيات الغربية لتطويق القوي السوفيتية باعتبارها قلب الأرض.

رسمت استراتيجية “ماهان” توجهات السياسة الخارجية الأمريكية فى فكرة إنشاء قواعد استراتيجية فى أماكن بعيدة عن حدود أراضيها باعتبارها مراكز دفاعها الخارجية بما يحقق هدفين:

  • غلق طرق الوصول إلي أراضيها بوجه المعتدي
  • جعل احتمال هجوم قواتها قريباً من مراكز العدو الحساسة.

فاعتمدت أمريكا علي قوتها البحرية فى انتشار قواتها الدفاعية حول العالم من قواعدها في البحر الكاريبي إلي نيوفوندلاند وجرينلند وأيسلاند والمملكة المتحدة وأوروبا الغربية وجزر الأزور وغيرها.

أوجدت أفكار “سبيكمان” في شأن منطقة “الإطار rimland” سعي السياسة الخارجية الأمريكية لضم أوروبا الغربية والشرق الأوسط والهند وجنوب شرق أسيا، وتكوين وحدة أوروبية غربية تفرض سيطرتها على البحر المتوسط وأفريقيا للاستيلاء علي بقية “دول الإطار”.

أخذت السياسة الخارجية الأمريكية بكل الوسائل العسكرية والاقتصادية والجغرافية لتطبيق نظريات الجيوبولتكس لتحديد إمكانية سيطرة الاتحاد السوفيتي على شرق أوروبا ومنطقة قلب الأرض.

فاقامت أمريكا عدد من الأحلاف لتطويق منطقة قلب الأرض فأقامت ححلف النيتو NATO وحلف بغداد وحلف جنوب شرق أسيا وحلف الانزوس وكلها احلاف لتطويق قلب الأرض، كما استخدمت مشروع مرشال لكى لا تسقط شرق اوروبا فى قبضة الشيوعية.

أنشأت الولايات المتحدة حلف شمال الأطلنتي كقوة عسكرية جبارة تهيمن عليها وفق “نظرية الاطراف”، كما سعت للسيطرة الجوية على ماطق القطب الشمالي من خلال “خط الرادار – distance early worning” لرصد تحركات الاتحاد السوفيتي بدقة.

طبقت الولايات المتحدة أفكار ماكندر “المجال البري” وماهان “المجال البحري” ودي سفير سكي” المجال الجوي، فى الاعتماد على حلف شمال الأطلنطي، فبذلك أصبح الحلف أول مستقبل ومنفذ للجيوبولتيك والاستراتيجية الأمريكية.

 

أولا: طبيعة حلف شمال الأطلنطي:

نشأ الحلف فى ظل صراع القوي فى النسق ثنائي القطبية كتحالف لموازنة قوى النسق بين القطبين الكبيرين، وهو من أنواع الأحلاف التعاقدية بين مجموعة من الدول التى تنشأ عنه منظمات تعمل على تنفيذ أهدافه وذات طابع رسمي فى ظل وجود معاهدة أو اتفاقية.

نشأ الحلف بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يكون موجه ضد دولة بعينها وفتح أبوابه لكل الدول بما فيها الاتحاد السوفيتي نفسه، فكان بذلك أشبه بالتكتل منه للتحالف.

بمعنى أن “الكتلة” أو “International bloc” هو اتباع عدد من الدول لخط مشترك فى مجال السياسة والدفاع والاقتصاد والتجارة، وقد يوجه ضد مجموعة من الدول أو للتعاون حول أهداف محددة.

انتجت الحرب العالمية الثانية قطبين “امبراطوريتين” كبيرتين متصارعتين قوة برية تسيطر على قلب الأرض الاتحاد السوفيتي، وقوة تمتد وراء البحار الولايات المتحدة الأمريكية ، واتجها عالميا وبحكم توازن القوى لفرض تواجدهما علي أرض العالم الثالث ليكون هدفا وملعابا لسياساتهما.

سعى كل من “إمبراطورية الدوب الروسي” و”إمبراطورية الحوت الأمريكي” فى ظل التنافس والصراع المستمر على توازن القوي إلي الالتجاء إلي سياسة التحالفات او تكوين “التكتل bloc”، أدي الصراع والأيديولوجي بين القطبين “الشيوعي والرأسمالي” إلي حالة من الاستقطاب وأن تكون الأحلاف العاملة في هذا النسق عاملة على الدوام، وهنا تكمن عوامل “ظاهرة الكتلة”.

فلم تميز “نوعية الكتلة” بين أوقات السلم والحرب، فهى تعمل بشكل متواصل بتنظيم دائم ووظائف وأهداف دائمة، بسبب التنافس الأيديولوجي والعداء الدائمين بين القطبين. فعملت كل كتلة على تكوين “عصبة” حلف عسكري يعمل في شتى المجالات فى مواجهة الكتلة الأخري. فعملت كل كتلة تحت زعامة أحد القطبين فى مواجهة كتلة الدولة الثانية، وهو بعد أضافه نسق ثنائي القطبية.

مثلت ظاهرة الكتلة تكامل ايديلوجي اقتصادي سياسي تحت زعامة الدولة القطبية ومن ثم أصبحت الكتلة دائرة ثابتة لدولة الزعامة يتعين على الدولة الثانية الامتناع عن أي عمل يمس بحدودها وإلا أخل بميزان القوي العالمي بين القطبين. وذلك تحت حتمية “الإثناء الذاتي” المتبادل بعامل “توازن الذعر النووي”.

فتكون حلف “وارسو” مايو 1955، ككتلة سوفيتية تمثل الاتحاد السوفيتي دولة الزعامة والقطب، وضم عدد من الدول فى شرق أوروبا، ليبلغ البعد الجغرافي للاستراتيجية الامبراطورية السوفيتية فى عام 1963 اثنتا عشرة دولة، سبعة فى أوروبا الشرقية وخمسة فى أسيا “إمبراطورية البر” فى قلب الأرض القديمة فى قارتي اسيا وأوروبا.

أما “حلف الأطلنطي” إبريل 1949 ممثلا لامبراطورية البحر بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وضم دول غرب أوروبا وبعض دول شرق أوروبا بالاضافة إلي تركيا، فى محاولة لتطويق الشيوعية، ولتغلق طريق “لينين” المرتقب إلي الغرب، فضم التحالف اليابان وفرموزا “فى حلف 1952″، وحلف جنوب شرق أسيا 1959، والحلف المركزي أو حلف بغداد.

تشكل هذه التحالفات “الدائرة الثانية للامبراطورية البحرية الأمريكية” حيث تضرب بالاحلاف طوقاً ساحليا حول دائرة “الدب البرية الثانية” فى أسيا وأوروبا.

من هنا يتخطي حلف شمال الأطلنى مفهوم الاحلاف التقليدية إلي معنى “الكتلة” الأشمال والأعم، حيث يتعدي العمل فى المجال العسكري والدفاعي إلي مجالات أخري كما يستمر لفترة زمنية كافية بأن تجع التحالف أشبة بالمنظمة الدائمة فى التعاون والعمل بين الدول الأعضاء في التحالف، وقد أتي ذلك نتيجة لعدد من العوامل منها تبنى سياسة واحدة وتطويرها فى أكثر من مجال للتعاون. ورغبة الدول الاعضاء فى استمراره والعمل وتوسيع نشاطه، وإدراكها أن العمل المشترك يحقق مصالح للاعضاء، رغبه الدولة القطب فى العمل مع الحلفاء وربطهم بسياستها، يخدم سياسة الدولة القطب فى السيطرة على العالم بمساندة الحلفاء.

أدي ذلك لتميز الحلف بمميزات تقربه من فكرة “الكتلة”:

     الاستمرارية من انشاءه الى اليوم فى العمل، والذاتية حيث استطاع الحلف الزام أعضاءه باتباع مسلك معين رغم عدم النص على ذلك فى وثيقة انشاء الحلف من خلال الطابع السياسي للحلف.

يعتبر حلف الأطلنطي أقرب إلى التكتل السياسي منه إلي الحلف حيث انه استمر بعد سقوط حلف وارسو وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو ما يتناسب مع طبيعة النظام الدولي أحادي القطبية، حيث تمكن من تطوير أيديولوجيته بعد تحقيق هدفه أمام الاتحاد السوفيتي، واستمرار “القوة المحورية – core power” فى الحلف ورغبتها فى بقاءه. فأدت طول مدة الحلف إلي زيادة شرعيته، ونجاح آلية التنسيق والتعاون إلي الرغبة القوية فى الحفاظ عليه.

بينما توجد خمسة عناصر نحدد استمرار الاحلاف او انهائها تتمثل فى :

  • القوة: وجود قوة مهيمنة تسيطر على متغيرات الحلف بالترغيب أو الترهيب، من خلال تحمل تكايلف بقاء الحلف وتعهدها بالحفاظ على ترابط العلاقة بين الأعضاء وبذل الجهد لذلك.
  • المصداقية: تستمر الاحلاف ما استمرت المصداقية بينهم فإن ساد الشك تفككت.
  • إدراك التهديد
  • إدراك أهمية استمرار الحلف
  • أثر المؤسسية: وجود منظمات مسؤولة عن أداء المهام. وهو ما يظهر فى وجود الهيكل المتدرج والتنظيم الهرمي ووجود قوة مهيمنة على رأسه.

تكون الحلف  لتحييد وردع الاتحاد السوفيتى فى مواجهة الدول الأوروبية، فكانت له مهامتان أساسيتان عسكرية وسياسية، قبل ان تتطور بعد ذلك لتضم مجالات اخري.

فالطبيعة العسكرية للحلف: حيث نشأعسكريا فى ظل تنافس القطبين واشتد هذا الطابع مع الحرب الباردة وتصدع قليلا خلال حرب فيتنام.

أما الطبيعة السياسية: سعت الولايات المتحدة لربط الدول الغربية بسياستها الجيوبوليتيكية المستمرة من خلال تطوير المجال السياسي للحلف بجانب استمرار العمل العسكري.

حاول الحلفاء الغربيون الحفاظ علي الوظيفة الاستراتيجية للحلف رافضين الدور السياسي ولكن ظهرت مجموعة من الحقائق أوجدت الدور السياسي للحلف منها :

  • الأزمات التى واجهت الحلف ولا يمكن حلها إلا بالوسائل الدبلوماسية كاحتلاف افغانستان والعدوان الثلاثي على مصر.
  • لعب البعد الأيديولوجي والسياسي دوراً كبيرا فى وجود الحزب بجانب الدور الاستراتيجي، ما جعل ظهورة السياسي يسبق وجوده الاستراتيجي.
  • مجموعة الازمات الأوروبية التى أوجدت تحديات سياسية مست مصالح القارة.
  • عدم التعارض بين الدور الأمريكي العالمي والدور الأوروبي فى التواجد فى بعض المنطق الساخنة.
  • سادت الصيغة الدفاعية الرؤية السياسية والاستراتيجية لأعضاء الحلف.

واجه التحالف خلال الثمانينيات تحديا سياسياً علي مستويين:

خارجي: الخطر الشيوعي والذى خفت حدته بعد أن تقبلت دول التحالف انضواء دول شرق أوروبا تحت اللواء السوفيتي. أما التحدي الداخلي تمثل في رغبة دول أوروبا فى التوحد وزيادة قدرتها التنافسية الاقتصادية، واتخاذ سياسات لا تتوافق مع اتجاهات أمريكا حيث دعمت مساعي الوفاق الدولي.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتى رأت أمريكا أن بقاء الحلف يدعم رغبتها فى قيادة العالم إحادي القطبية.

عن تامر نادي

شاهد أيضاً

احتراف الإصلاح المجتمعي .. استراتيجية المصلح وادواته

احتراف الإصلاح المجتمعي .. استراتيجية المصلح وأدواته

نحو احتراف الإصلاح المجتمعي استراتيجية المصلح وأدواته تامر نادي الاحتراف هو التزام الشخص بنظام محدد …