الرئيسية / العلاقات الدولية / التفاعلات الدولية / مشكلة الصحراء الغربية (جبهة البوليساريو)
مشكلة الصحراء الغربية (جبهة البوليساريو)
مشكلة الصحراء الغربية (جبهة البوليساريو)

مشكلة الصحراء الغربية (جبهة البوليساريو)

إعداد: د. يحي الصافي سعد الله

المقدمة:

تعتبر مشكلة الصحراء الغربية من أكثر القضايا الإقليمية تعقيدا والمستعصية على الحل باعتبارها نزاعا إقليميا له أبعاد دولية متداخلة للغاية، وطالما استمرت هذه القضية بتلك التعقيدات فإنها تستمر بإلقاء ظلالها على العلاقات الإقليمية وخاصة استمرار حالة الجمود داخل المغرب الغربي نتيجة للتوتر في العلاقات المغربية الجزائرية الموريتانية.

 

الخلفية التاريخية للمشكلة:

قامت أوروبا منذ نهاية القرن الرابع عشر الميلادي وبداية القرن الخامس عشر بمحاولات استكشافية استهدفت مختلف مناطق العالم وإفريقيا على وجه الخصوص، وذلك بحثا عن مناطق تتوفر فيها المواد الأولية وأسواق جديدة لترويج البضائع، إلاَ أنّ تلك الحملات سرعان ما تحولت إلى أطماع استعمارية أدت إلى استخدام القوة للسيطرة على المناطق ذات الأهمية الحيوية ونهب ثرواتها الطبيعية، وكان من نتائج هذه الحملات ظهور مستعمرات على امتداد المحيط الأطلسي، حيث تسابقت الدول الاستعمارية في تقسيم مناطق النفوذ في شمال وغرب إفريقيا.

من هنا شهدت منطقة المغرب العربي تنافسا قويا بين مختلف هذه القوى الاستعمارية إبان فترة الاستعمار حيث تمَ احتلال ليبيا من طرف إيطاليا كما سيطرت فرنسا على كل من تونس والمغرب والجرائر وموريتانيا، أما إقليم الصحراء الغربية والذي لم يكن محددا فقد شكلت الأهمية الاستراتيجية التي يتمتع بها من موقع جغرافي يربط إفريقيا بأوروبا وشواطئ غنية بمختلف أنواع الأسماك، وثروات معدنية باطنية ثمينة، الدافع الرئيسي لمختلف الأطماع الاستعمارية فيه وأدت إلى حدة النزاع عليه، إلاَ أنَه ومن خلال عدة اتفاقيات استعمارية، تمكنت إسبانيا من فرض سيطرتها الكاملة عليه سنة 1884، حتى سنة 1975.

ساهمت التحولات والأحداث التي شهدها العالم مثل الحربين العالميتين وما أعقبهما من تغيرات في النظام الدولي وانقسام العالم إلى معسكرين بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وإنشاء منظمة الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم وتطور القانون الدولي وإصدار وثيقة الأطلس 1941 التي كان شعارها “حق الشعوب في تقرير مصيرها“، كل ذلك ساهم في ظهور حركات التحرر في بلدان المغرب العربي ونالت جميع دوله الاستقلال التام في منتصف القرن الماضي. ورغم أن المغرب العربي يتميز بتجانس سكانه، غير أن دوله ككيانات سياسية حديثة لم تستطع تحقيق الوحدة السياسية وجعلها تمثل ذلك التشابك التاريخي والتجانس الثقافي والوحدة الجغرافية.

ومن العوائق التي تقف أمام كل اتحاد في المغرب العربي قضية الصحراء الغربية كأرض متنازع عليها وكشعب لاجئ وكدولة ناقصة السيادة.

إذا كانت دول المغرب العربي نالت استقلالها جميعا في خمسينات وستينات القرن الماضي، فإن إقليم الصحراء الغربية ظل خاضعا للسيطرة الإسبانية حتى سنة 1975، حيث تمَ الجلاء عنه بموجب اتفاق ثلاثي بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا يقضي بخروج إسبانيا من الإقليم وتقاسمه بين المغرب وموريتانيا.

وأبرز هذا الاتفاق وجود قوى جديدة تطالب بالإقليم وهي المغرب وموريتانيا في مقابل ظهور جبهة البوليساريو التي تطالب بحق ساكني الإقليم بتقرير مصيرهم بأنفسهم وأعلنت قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.

 

جغرافيا الصحراء الغربية:

تقع الصحراء الغربية في غرب القارة الإفريقية علي امتداد شواطئ المحيط الاطلنطي، فيحدها من الشمال المملكة المغربية، كما تحدها الجمهورية الموريتانية من الجنوب، والجزائر تحدها من الشرق وتتقاطع معها في منطقة تندوف وتقدر مساحتها حوالي 266الف كم، وعلي الرغم من أن الإقليم معظمه صحراء جرداء يسكنه شعب يعانى من الفقر وتدهور البنية التحتية والحالة الاقتصادية. إلا إن له أهمية استراتيجية، حيث أنه غني بالثروة السمكية لامتداده علي المحيط الأطلنطي، ويزخر الإقليم بالعديد من المعادن وعلي رأسها الفوسفات، بالإضافة إلي ذلك الغاز الطبيعي فضلاً عن اليورانيوم والرصاص والحديد.

وتتكون الصحراء الغربية من ثلاثة أقاليم إدارية وهي منطقة سمارة ومنطقة العيون ومنطقة الداخلة أما التقسيم الجغرافي للصحراء يتكون من الساقية الحمراء، ووادي الذهب، وحد الأسبان هذين الإقليمين بإقليم واحد وجعلوا عاصمته مدينة العيون. وجاء هذا التقسيم الجغرافي علي إثر الصراع المسلح بين الاستعمار الأسباني وقوات جيش التحرير في منتصف الخمسينات، وأطلقت أسبانيا علي منطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب الصحراء الأسبانية وذلك من أجل تقليل أهمية المنطقة حتى لا تكون محط اهتمام من قبل الدول العربية المجاورة.

أهم القبائل في هذه المنطقة:

  • الرقيبات: هي قبائل بربرية الأصل وأهم ما يميز تلك القبائل أنها تنتقل من مكان إلي آخر بحثاً عن المراعي والمياه .
  • التقـنـة: هي أيضاً قبائل بربرية الأصل ويتفرعون إلي ثلاثة قبائل وينتشرون بين جنوب المغرب والساقية الحمراء.
  • أولاد دليم: هي قبائل ذات أصل عربي ويعتبرون من القبائل المقاتلة وتعتبر أولي القبائل التي تصدت للاحتلال الأسباني علي ساحل واد الذهب عام 1884.

 

تاريخ الصحراء الغربية:

حدث صادم مسلح بين الجزائر والمغرب سنة 1963فيما سمي بحرب ”الرمال”، إلا إن الدول المغربية قررت أن تنتهج مسلك أخر بدلاً من النزاعات والخلافات السياسية وهو عودة العلاقات الدبلوماسية بين هذه البلدان، وتوقيع معاهدات ”إفران” في عام 1969 ومعاهدة ”الرباط” 1972 والتي أنهت النزاع الحدودي بين المغرب والجزائر .

طالب المغرب بحقه في إقليم الصحراء الغربية بالإضافة إلي الاراضي الموريتانية، وذلك في محاولة منه الإعلان عن فكرة المغرب الكبير، إلا أنه في عام 1969 أعترف الملك الحسن الثاني باستقلال موريتانيا وعقد مع بريطانيا معاهدة ”الدار البيضاء” عام 1970 وتخلي المغرب عن مطالبته بضم موريتانيا.

طالبت موريتانيا بضم الصحراء باعتبارها امتداد طبيعي لها وقرب سكان موريتانيا من سكان الصحراء عرقياً، كما اعتمدت ايضاً علي روابط ثقافية ولغوية والعلاقات الاقتصادية.

وفي يناير 1973 عقدت كلاً من المغرب والجزائر وموريتانيا قمة ثلاثية في أغادير المغربية برئاسة قادة الدول الثلاث وهم الملك ”الحسن الثاني” ملك المغرب والرئيس ”هواري بومدين” رئيس دولة الجزائر والرئيس ”المختار ولد دادّة” رئيس الجمهورية الموريتانية، وأكدت القمة تمسكهم بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها حتي يتمكن شعب الصحراء من الحصول علي استقلاله والتعبير عن إرادتهم الحرة وذلك طبقاً لقرارات منظمة الأمم المتحدة.

وبدأت أزمة إقليم الصحراء في يوليو 1974 أعلنت أسبانيا عن إجراء استفتاء حول تقرير مصير شعب الصحراء الغربية مع إعطاء صلاحيات واسعة للمجلس العموم الصحراوي المعروف باسم ”الجماعة” تحت مراقبة الامم المتحدة، ولكن لم يتم إجراء هذا الاستفتاء، حيث عارضت كلاً من المملكة المغربية وموريتانيا هذا الاستفتاء، ومن ثم قررت المغرب عرض مسألة الصحراء علي انظار محكمة العدل الدولية من أجل تحديد المركز القانوني للإقليم مع إيقاف أي عملية تتعلق بإجراء استفتاء في الصحراء الغربية إلي حين معرفة رأي المحكمة في هذه المسألة،  ومن جهة اخري أيدت الجزائر الطرح الأسباني.

وأصدرت المحكمة رأيها تجاه مسألة الاقليم، بأنه لا توجد أي روابط قانونية أو إقليمية بين الصحراء الغربية من جهة والمملكة المغربية أو موريتانيا من جهة أخري، واستناداً علي ذلك أعلن الملك الحسن الثاني عن تنظيم مسيرة خضراء بمشاركة 350 ألف مواطن ساروا إلي منطقة الصحراء، مما أجبر النظام الأسباني علي الدخول في مفاوضات مع المغرب وموريتانيا لإنهاء الوجود الاستعماري في الصحراء الغربية، وفي عام 1975 تم توقيع اتفاقية مدريد الثلاثية بين المغرب وأسبانيا وموريتانيا علي أن يتم بموجبها إنهاء الوجود الإسباني في الصحراء .

وعلي الرغم من ذلك لم تأت تلك الاتفاقية بحل لمعضلة هذا الإقليم ، بل العكس من ذلك فقد زاد من تفجر هذه المشكلة حيث عملت البوليساريو علي تصعيد عملياتها العسكرية ضد الأسبان رداً علي الاتفاقية، حيث كانت الاتفاقية بمثابة الاعتراف الضمني من أسبانيا بإقصاء جبهة البوليساريو من الصراع وحصر الصراع بين المغرب وموريتانيا ، وما ترتب علي ذلك فقد أعلنت جبهة التحرير الشعبية عن قيام الجمهورية العربية الصحراوية في الثامن والعشرين من فبراير عام 1976 وكانت هذه بداية الصراع المسلح بين المملكة المغربية وجبهة التحرير الشعبية .

 

جبهة البوليساريو:

الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة باسم (البوليساريو) حركة تحررية تأسست في 20 مايو 1973، تسعى لتحرير الصحراء الغربية مما تصفه بـ”الاستعمار المغربي”، وذلك وفق تصنيف الأمم المتحدة التي لا تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية ولا تعترف بالجمهورية الصحراوية كدولة عضو في الأمم المتحدة لكن تعترف بالجبهة كمفاوض للمغرب.

أسست البوليساريو دولة مستقلة جنوب المغرب وغرب الجزائر وشمال موريتانيا تحت اسم (الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية)، تعني كلمة “بوليساريو” وهي اختصار “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” وفق اللغة الاسبانية Frente Popular de Liberación de Saguía el Hamra y Río de Oro.

في أكتوبر عام 1975، صدر الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، حول الوضع القانوني لإقليم الصحراء، والذي انتهى إلى أنه، إبان الاستعمار الإسباني، كانت توجد روابط قانونية بين المغرب والصحراء الغربية غير أن كل هذه الروابط لا ترقى إلى جواز بسط أي من المغرب أو موريتانيا سيادته على الصحراء.

وبعد صراع عسكري ضد المغرب تلاه وقف لإطلاق النار، أجرت الجبهة عدة مفاوضات مع المغرب منها مفاوضات (مانهاست) لحل مشكلة الصحراء الغربية وإيجاد الطرق لتطبيق قرارات الأمم المتحدة في حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. لم تستطع منظمة الوحدة الأفريقية ولا منظمة الأمم المتحدة من الوصول بعد إلى حل سلمي لنزاع الصحراء الغربية الذي قارب عمره ثلاثة عقود. وخلال هذه الفترة، اختلفت آراء المغرب من موافقة على إجراء الاستفتاء إلى تمسكه بحل الحكم الذاتي كبديل لكن هذا المقترح لا يتمشى مع ميثاق الامم المتحدة بما أنه لا يضمن حق تقرير المصير.

 

تشكيل جبهة البوليساريو:

تأسست جبهة البوليساريو في سبعينيات القرن الماضي حين احتضنتها الجزائر ومولتها ليبيا، ومع الثمانينيات استطاع المغرب أن يعزز وجوده العسكري في الصحراء الغربية، ولم تستطع منظمة الوحدة الأفريقية ولا منظمة الأمم المتحدة من الوصول إلى حل سلمي لهذا المشكل وظل قيامه حائلاً دون قيام اتحاد بين دول المغرب العربي.

تولي مصطفى السيد الرقيبي رئاسة الجبهة لثلاث سنوات، حتى قتل في 9 يونيو 1976 خلال هجوم على العاصمة الموريتانية نواكشوط، ووتلاه محمد عبد العزيز أميناً عاماً للجبهة ورئيساً لمجلس قيادة الثورة في أغسطس 1976.

تكونت جبهة (البوليساريو) من عدة أطراف :

  • مجموعة من المناهضين للاستعمار وكانت تابعة في السابق لحركة تحرير الصحراء .
  • مجموعة من المحاربين ضد الاستعمار في موريتانيا .
  • فئة من شباب الصحراء الذين كانوا يتمتعون بتعليم وثقافة عالية .

ويدور الهدف الاساسي للجبهة حول الاستقلال التام للصحراء عن أسبانيا والمغرب وموريتانيا ولذلك قامت الحركة بعمليات عسكرية ضد المواقع العسكرية المغربية .

 

الصراع الجبهة المسلح:

أدت انتصارات البوليساريو في السبعينيات إلى إضعاف موريتانيا، وقام جيشها بانقلاب عسكري على ولد داداه تذمرا من الصراع الصحراوي، وآل الأمر بالجيش إلى توقيع اتفاق في الجزائر مع البوليساريو في 5 أغسطس 1979 تخلت بموجبه موريتانيا عن وادي الذهب الإقليم الصحراوي الذي كان تحت حوزتها.

لعبت الدبلوماسية الجزائرية دورا نشطا في صفوف دول العالم فجعلت منظمة الوحدة الأفريقية تعترف بالحكومة الصحراوية عضوا فيها وذلك ما دفع بالمغرب إلى الانسحاب من هذه المنظمة القارية في 12 نوفمبر 1982. وقام المغرب عام 1980 ببناء حائط حول “المثلث المفيد” (السمارة-العيون-بوجدور) واضعا سورا واقيا حول المناطق الصحراوية الغنية بالفوسفات والمدن الصحراوية الأساسية، وجعل هذا السور أهم الأراضي الصحراوية في مأمن من هجمات البوليساريو.

شهدت الفترة ما بين اتفاقية مدريد الثلاثية عام1975 واتفاق الهدنة بين المغرب والبوليساريو عام 1988، العديد من المعارك الضارية والتي دارت بين جبهة البوليساريو، والمغرب وموريتانيا من جهة أخري.

وعلى الرغم من الدعم الذي كانت تتلقاه موريتانيا من المغرب وفرنسا في الحرب؛ تدهور اقتصادها وجاء انقلاب عام 1978 ليضع حداً للحرب بين الجبهة وموريتانيا. فجاء أتفاق الجزائر في أغسطس 1979 لإنهاء حالة الحرب التي استمرت أكثر من ثلاثة سنوات وانسحاب القوات الموريتانية من الإقليم.

انحسر النزاع بين المغرب وجبهة التحرير الشعبية، إلا أن ذلك فتح باب الحرب بين جبهة البوليساريو من جهة والمملكة المغربية من جهة أخري، فأدى كل ذلك إلي قطع العلاقات المغربية الجزائرية.

 

الجبهة والمغرب:

طرحت الأمم المتحدة عدة حلول في إطار جهودها لتسوية النزاع الصحراوي ولم يكن أي حل منها موضع اتفاق بين الطرفين المغرب والبوليساريو، فالاستفتاء‏ الذي كان مطروحا خلال عقد الثمانينات سيؤول حتما إلى خيارين، الأول الانضمام للمغرب‏ وهو أمر ترفضه البوليساريو جملة وتفصيلا، والثاني الانفصال عنه وتكوين دولة الصحراء الغربية المستقلة وهي مسألة لا يقبلها المغرب بل يرى فيها خرقا لسيادته‏.‏

ورغم تباعد وجهات نظر الطرفين فإن الأمم المتحدة قامت بوضع الترتيبات الكاملة لتنظيم عملية الاستفتاء في الصحراء الغربية‏, بدءا بإقرار وقف إطلاق النار بين الجانبين، لكن عملية الاستفتاء تعطلت بسبب عدم الاتفاق على من يحق له المشاركة في الاستفتاء.

وجاء خيار الحل الثالث‏ المقترح من “جيمس بيكر”‏ والقائم على منح الصحراء الغربية حكما ذاتيا واسعا تحت الإدارة المغربية، فرفضت البوليساريو الاقتراح‏‏ وتضامنت معها الجزائر في حين وافق عليها المغرب.

وطرح كوفي عنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، خيار التقسيم حلاً رابعا عام ‏2002 على أن يكون للمغرب الثلثان وللبوليساريو الثلث، فسارع المغرب إلى الرفض القاطع متهما‏ الجزائر المرحبة بهذا الحل بأن لها أطماعا إقليمية.

 

الدور الجزائري:

رغم أن النزاع في ملف الصحراء الغربية يوجد رسميًا بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، إلّا أن اسم الجزائر يحضر كذلك في هذا النزاع. ويعود بالأساس إلى احتضان الجزائر لمخيّمات “تندوف”- مقر البوليساريو- ودعمها المتواصل لها، رغم تأكيد الجزائر ولو على الصعيد الرسمي أنها ليست طرفًا في النزاع.

ولعل من وراء هذا الدعم الجزائري الذي تحظى به البوليساريو مواقف تاريخية تتعلق بالتوتر الذي طبع علاقات المغرب والجزائر منذ السنوات الأولى لاستقلال الدولتين، وتباعدها على المستويين السياسي والعسكري، وكذا تضارب مصالح دولتي الاستعمار اسبانيا وفرنسا على اعتبار أن هذه المنطقة تعتبر من مناطق نفوذهما التقليدية.

وكانت الجزائر أولى الدول التي قامت بالاعتراف” بالجمهورية العربية الصحراوية”، وكانت تقوم بتقديم الدعم المادي والعسكري للجبهة وأصبحت كحليف استراتيجي للجبهة.

ومع مرور الوقت أصبحت القضية الصحراوية جزءًا أساسياً وأحد من مسلمات السياسة الخارجية الجزائرية، على اعتبار أن قضية الصحراء الغربية مسألة تصفية استعمار وتراها الجزائر آخر المستعمرات الإفريقية. واستطاعت الجزائر تجنيد دبلوماسيتها وفق رؤية خاصة، بحيث تم الاعتراف بقضية الصحراء الغربية من طرف دول الاتحاد الإفريقي، وهو ما جعل المغرب يخرج من هذا التكتل الإفريقي.

ووجدت الجزائر فرصة لتصفية حسابات قديمة ومتجددة مع المغرب، حيث إن له أطماع معروفة في الصحراء الجزائرية وأيضا توجد منافسة على الزعامة في المغرب العربي”.

الزعامة الإقليمية بين المغرب والجزائر:

تحولت قضية الصحراء العربية إلى واحدة من أخطر وأعقد القضايا والمشكلات التي تهدد دول المغرب العربي، وازدادت المشكلة تعقيدا بعد دخول أطراف إقليمية أخرى إلى دائرة النزاع لتجد موطئ قدم لها فيه مثل الجزائر والتي هي الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو.

ترى الجزائر أنَه ليست لها أطماع أو مطالب سيادية في الإقليم قائمة على التاريخ، وإنما تعتبر أنَ إقليم الصحراء الغربية يصنف ضمن الأقاليم المستعمرة التي لم تتمتع بحق تقرير المصير المنصوص عليه في المادتين 1 و59 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة وعلى هذا الأساس يجب على السلطة المديرة للإقليم أن تعطيه الاستقلال. والواقع أنَ مصالح الجزائر قائمة على اعتبارات جيوسياسية فهي ترى أن ضم المغرب لإقليم الصحراء الغربية سيشكل امتدادا جغرافيا بالنسبة للمغرب وتوسعا على حسابها، كما سيؤدي إلى تحقيق حسابات اقتصادية واستيراتيجية حيث سيدعم مركز وقوة المملكة المغربية من خلال سيطرتها على الإقليم، وهذا ما ترفضه وتخشاه الجزائر.

تدعي المغرب حقوقا تاريخية على الصحراء الغربية و تفرض حكمها كأمر واقعي، في حين تطالب جبهة البوليساريو التي تستند على الجزائر بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.

 

البوليساريو واتحاد المغرب العربي:

لم يلتق قادة دول اتحاد المغرب العربي منذ سنوات، وفي كل موعد قمة يرفض هذا الزعيم أو ذاك الحضور. فالصراع على الصحراء الغربية يحول دون تطور الاتحاد المغاربي بسبب العلاقة المتوترة بشكل مزمن بين الجزائر والمغرب بوصفهما القوتين المحوريتين اللتين يتوقف عليهما قيام النظام الإقليمي المغاربي. فالمغرب يتهم الجزائر بوقوفها إلى صف جبهة البوليساريو، والجزائر يرى في المغرب قوة احتلال في الصحراء.

ومع أن التحولات الحاصلة في أوروبا والتي تمخض عنها نجاح الاتحاد الأوروبي في تجسيد مشروعه الوحدوي (اليورو، البرلمان الأوروبي، حرية التنقل..) تفرض على دول المغرب العربي التفكير بجدية في إيجاد تكتل يجمعها فإن غياب حل للمشكل الصحراوي يظل عقبة في وجه هذا التكتل المنشود.

 

الوضع القانوني للصحراء الغربية:

إن اختلاف التطورات التاريخية التي مر بها إقليم الصحراء الغربية بدءاً من مرحلة الاستعمار، ومروراً بمرحلة الاستقلال وما أعقبه من نزاعات على الملكية بين كل من المغرب وموريتانيا، ثم قيام الجمهورية الصحراوية، وكل هذه الصراعات كان لا بد أن تتمخض عنها أوضاع قانونية.

تم توقيع معاهدة الاتفاق الودي “الأسباني –الفرنسي” عام 1904م والتي منحت أسبانيا السيطرة الكاملة ومكنتها من حرية التصرف في الصحراء الغربية.

وقد توالت حركات التحرر في القارة الإفريقية؛ بعد صدور ميثاق الأمم المتحدة الذي أكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وقد كان لذلك أثراً للدفع بمنظمة الوحدة الإفريقية -في ذلك الوقت- إلى إصدار قرارها- في دورتها المنعقدة عام 1966م في أديس أبابا –والذي جاء بناءً على قرار مجلس وزرائها المنعقد في دورته العادية السابعة في أديس أبابا من 31 أكتوبر إلى 4 نوفمبر 1966م، يدعو إلى إنهاء كافة الأشكال الاستعمارية في المناطق التي احتلتها أسبانيا في القارة، ولكن أسبانيا اعتمدت أسلوب المراوغة ولم تستجب للقرار.

عقدت اتفاقية مدريد الثلاثية في 14 نوفمبر1975م  بينها وكل من المغرب وموريتانيا، والتي تقرر فيها انسحاب أسبانيا وتأسيس حكم مؤقت للإقليم، واحتفاظ أسبانيا بنسبة 35% من عائدات الفوسفات.

ندد مجلس وزراء المنظمة – في دورته الحادية والعشرين في أديس أبابا في الفترة من 14 إلى 24 مايو 1973م- بالمراوغات الأسبانية الهادفة  لتصفية الاستعمار، ودعا المؤتمر إلى تنظيم استفتاء في إقليم الصحراء حول تقرير المصير لها وفقاً لمبادئ الأمم المتحدة.

وامتداداً لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية – ديسمبر 1974م- إبداء رأيها حول الخلاف القائم بين المغرب وموريتانيا في الأحقية التاريخية لكلا الدولتين في الصحراء الغربية، فقد طلبت منظمــة الوحـــدة الإفريقيــة – بناءً على قرار لجنة التحرير بها، في دورتها الخامسة والعشرين بالرباط 1975م- من محكمة العدل الدولية إبداء رأيها، وقد صدر رأي المحكمة – الاستشاري- في أكتوبر1975م، ولكنه لم يكن حاسماً، حيث أعلنت المحكمة: أنه قد تكون ادعاءات المغرب وموريتانيا لها بعض الصلاحية، حيث كانت هناك روابط قانونية خاصة بالولاء الديني بين سلطان المغرب وبعض قبائل الصحراء، وأكدت على عدم وجود أي ارتباط للسيادة الإقليمية، وكذلك وجود حقوق وروابط قانونية بعضها يتصل بالأرض بين موريتانيا والصحراء مع عدم ارتباط بالسيادة الإقليمية.

وفي مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الذي انعقد بمنروفيا في20 يوليو 1979م، صدر قرار بحق شعب الصحراء في تقرير المصير عن طريق استفتاء حر، وانشاء لجنة خماسية من رؤساء الدول الإفريقية لبحث موضوع النزاع والإشراف على تنظيم الاستفتاء بالتعاون مع الأمم المتحدة.

تقدمت الجمهورية العربية الصحراوية بطلب إلى الأمانة العامة لمنظمة الوحدة الإفريقية لقبولها عضواً في المنظمة، وذلك بعد أن اعتراف بها -1980م- 26 دولة من 50 دولة هم مجموع الدول الأعضاء داخل المنظمة، إلا أن الأمين العام أرجأ حسم هذه المسألة حتى انتهاء بحث الطعن القانوني الذي تقدمت به المغرب لوقف هذا الإنضمام، ونتيجة لتخصيص مقعد للجمهورية الصحراوية في مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية 1982م؛ فقد اتخذت المغرب قرارها بالانسحاب، وانسحب معها 18 دولة أخرى اعتراضاً على وجود جبهة البوليساريو، وفي مؤتمر القمة العشرين 1984م، أعلنت المغرب انسحابها رسمياً من المنظمة احتجاجاً على قبول عضوية جمهورية الصحراء، إلا أنها قد عادت مؤخراً  في 30 يناير 2017م بعد غياب دام لأكثر من 30 عام.

اتخذت الجمعية العامة للمنظمة قرارها -1985م- القاضي بتكليف الأمين العام للمنظمة بالعمل على إيجاد حل يتفق عليه أطراف النزاع، ومنذ ذلك الحين دأبت المنظمة -ممثلة في أمينها العام ومبعوثيه إلى المنطقة- على وضع العديد من التصورات والمقترحات، والتي كان من أهمها:

  • صياغة مخطط للتسوية عام 1991م يقضي بتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية حول أحد خيارين:
  • الانضمام إلى المغرب.
  • الاستقلال عنه.

ولقي هذا الاستفتاء قبولاً من أطراف النزاع، ولكن ما أعاق تنفيذه هو الإشكالية التي تمثلت في: من يحق لهم التصويت في الاستفتاء، والآليات المناسبة في عملية تحديد الهوية.

وفي عام 2000م أصدر مجلس الأمن قراراً يوصي بضرورة اللجوء إلى حل سياسي للمشكلة، وقد توصل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بحل النزاع حينذاك إلى “اتفاقية الإطار”، والتي نصت على منح الأقليم حكماً ذاتياً موسعاً مع البقاء تحت الحكم المغربي في غضون خمس سنوات، يمكن بعدها إجراء الاستفتاء، وقد قبلت به المغرب، ولكن رفضه كلاً من الجزائر والبوليساريو.

جاء مشروع التقسيم في 2002م، والذي اقترح تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب والبوليساريو بحيث تأخد المغرب “إقليم الساقية الحمراء” والذي يمثل ثلثا الصحراء الغربية، بينما تأخد البوليساريو “إقليم وادي الذهب” والذي يمثل الثلث الباقي لتقيم به دولة مستقلة، وهو ما رفضته المغرب حيث رأت فيه مساساً لسيادتها واقتطاع لجزء من أرضيها، كما رفضته البوليساريو والتي كانت قد أقامت دولة مستقلة على كامل إقليم الصحراء الغربية.

تقدمت المغرب بـ “مشروع الحكم الذاتي في الصحراء الغربية” إبريل2007م ، وهو ما رفضته البوليساريو وطالبت باستفتاء لتقرير المصير.

الوضع القانوني القائم حالياً للصحراء الغربية:

يعتبر إقليم الصحراء الغربية حالة فريدة من نوعها باعتباره الإقليم الوحيد في إفريقيا الذي لم يحصل على استقلاله رغم خروج الاستعمار منه، ولذلك فإن الأمم المتحدة تعتبر الصحراء الغربية إقليم مستعمر لم تستكمل فيه تصفية الاستعمار، وخاضع لمقتضيات القرار1514 المتضمن إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.

كما يرى الاتحاد الإفريقي أن الصحراء الغربية هي جمهورية إفريقية مستقلة ومحتلة جزئياً، وذلك بعد قبول عضويتها في الاتحاد، والاعتراف الدولي بها من ما يقرب من 34 دولة إفريقية.

مقترحات أطراف النزاع لحل أزمة الصحراء الغربية

تقدم المغرب بمبادرة في عام 2007م إلى الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت ” بان كي مون” تحت مسمى  “الحكم الذاتي الموسع”  لحل أزمة الصحراء الغربية، ومنذ ذلك الحين أصبحت المغرب ترفض أي تفاوض حول النزاع خارج نطاق ذلك المقترح.

بعد أن قامت المملكة المغربية بإعلان عن مقترحها المتعلق بالحكم الذاتي الموسع، قام الأمين العام لجبهة البوليساريو بإرسال وثيقة إلي الأمين العام الامم المتحدة ” بان كي مون ” وذلك في 2007 ، تلخص موقف الجبهة بأن مشكلة الصحراء الغربية تعد بمثابة مسألة لتصفية الاستعمار ولذلك ينبغي حلها علي أساس مبدأ حق تقرير المصير عن طريق أجراء استفتاء .

وفي أبريل 2007 سلم ممثل جبهة البوليساريو للأمم المتحدة رسالة إلي ”بان كي مون” تتضمن مقترحاً مقدماً من الجبهة لإيجاد حل سياسي بالتراضي ينص علي تقرير شعب الصحراء الغربية لمصيره .

عملت الجزائر علي تأكيد دعمها لمقترح جبهة البوليساريو من خلال رسالة الرئيس الجزائري للأمين العام للأمم المتحدة: شدد فيها علي مسئولية الأمم المتحدة تجاه شعب الصحراء الغربية والتزامها بتنفيذ إنهاء الاستعمار من خلال أجراء استفتاء حر لتقرير مصير شعب الصحراء.

 

موقف مصر من القضية :

لقد أنحصر الدور المصرى فى الوساطة بين الجزائر و المغرب و ذلك عام 1976 و دعت الدولتين لوقف إطلاق النار, فكانت مصر تدعم الموقف المغربى إيماناً منها بوحدة الأراضى وحتى تضمن استقرار منظمة الوحدة الإفريقية, وقد امتنعت مصر عن التصويت على المذكرة التى قدمتها الجزائر للاعتراف بجمهورية الصحراء الغربية كدولة مستقلة , لكن فيما بعد ألتزمت مصر الحياد إيماناً منها بحق الشعوب فى تقرير مصيرها .

وشهد الموقف المصري تحولاً تجاه التعامل مع القضايا الإفريقية حيث استقبلت مصر وفد عن الجمهورية العربية الصحراوية المعروفة بجبهة البوليساريو وذلك فى 2016 للمشاركة فى أعمال المؤتمر البرلمانى العربى الإفريقى المقام فى مدينة شرم الشيخ.

الخاتمة :

إن قضية الصحراء الغربية وبعد مرور أكثر من أربعين سنة منذ اندلاعها سنة 1975، ورغم الجهود الديبلوماسية المتعددة، إلاَ أنَها ما زالت قائمة وستظل كذلك، ومن المتوقع أن يستمر ذلك الوضع المتشابك ما لم يقدم الطرفان المعنيان تنازلات جوهرية تمكن من التوصل إلى صيغة عادلة تحقق الحد الأدنى من مطالبها، وطالما استمرت هذه القضية بتلك التعقيدات فإنها تستمر بإلقاء ظلالها على العلاقات الإقليمية وخاصة استمرار حالة الجمود داخل المغرب الغربي نتيجة للتوتر في العلاقات المغربية الجزائرية.

وإذا كانت قضية الصحراء الغربية تجاوزت السنة الماضية عقدها الأربعين، وكان المشهد الدولي الذي اندلعت فيه قد تغيرت ملامحه وتبدلت شخوصه (تفكك الاتحاد السوفياتي وظهر الاتحاد الأوروبي)، فإن حلا ما لهذه القضية لا يبدو في الأفق القريب. وضعية تجعلنا نربط هذه القضية بالصراع على الزعامة الإقليمية بين المغرب والجزائر ومحاولة كل منهما فرض نفسه كقوة إقليمية، صراع لن ينتهي إلا إذا عرفت كلتا الدولتين تغيرات عميقة وتبدل نظامها السياسي وسياستها الخارجية.

فهل على الصحراويين أن ينتظروا سقوط الملكية في المغرب أو ظهور ديمقراطية تعددية حقيقية لا يهيمن فيها العسكريون في الجزائر حتى يجدوا حلا لقضيتهم الشائكة؟

  • أن الصحراء الغربية تعتبر إحدى المحددات الرئيسية للعلاقات بين دول المغرب العربي وخصوصاً المغرب والجزائر، ومحوراً أساسياً سواء في ربط أو تهديد أو اختراق العلاقات الخارجية للدول المغاربية.
  • أن أزمة الصحراء الغربية قد أثبتت فشل العالم العربي بمنظماته في حل القضايا العربية الإفريقية، وتصدير القضايا العربية للخارج لإيجاد حل لها مما يساعد على التدخل الأجنبي في الشؤون العربية.
  • أن أزمة الصحراء الغربية من الأزمات التي شهدت تعنت كبير في حلها سواء من جانب الأطراف المتنازعة لأسباب خاصة بكل طرف، أو من جانب المنظمات الدولية، ويتضح ذلك من خلال عدم تطبيق المشاريع المقترحة من منظمة الأمم المتحدة، وبقاء الأزمة حتى وقتنا الحالي بدون حل جذري لها.
  • أن أزمة الصحراء الغربية قد أوضحت تناقض كبير للموقف الدولي، فبينما الموقف الرسمي لحكومات الدول الأوروبية يحركه المصالح لاغير، نجد أن الموقف الداخلي لشعوب هذه الدول يؤيد حق الشعوب في تقرير مصيرها.
  • أن عودة المغرب للإتحاد الإفريقي لا تعني إنتهاء أزمة الصحراء الغربية، فقد تمت العودة في ظل استمرار ملف الأزمة عالقاً، هذا بالإضافة إلى اعتراف عدد كبير من أعضاء الإتحاد بجبهة البوليساريو.

عن تامر نادي

شاهد أيضاً

احتراف الإصلاح المجتمعي .. استراتيجية المصلح وادواته

احتراف الإصلاح المجتمعي .. استراتيجية المصلح وأدواته

نحو احتراف الإصلاح المجتمعي استراتيجية المصلح وأدواته تامر نادي الاحتراف هو التزام الشخص بنظام محدد …