الرئيسية / النظم السياسية / التحول الديمقراطي / وفاة الرجل الأقوى في الجزائر.. قايد صالح سلم السلطة وسجن العصابة
وفاة الرجل الأقوى في الجزائر.. قايد صالح سلم السلطة وسجن العصابة
وفاة الرجل الأقوى في الجزائر.. قايد صالح سلم السلطة وسجن العصابة

وفاة الرجل الأقوى في الجزائر.. قايد صالح سلم السلطة وسجن العصابة

“الجنرال” تصدي لمحاولة الانقلاب عليه.. وحمي المتظاهرين

قائد الجيش يراوغ “الحراك” وينتقم من “العصابة”

الجيش رفض إعلان حالة الطوارئ واستعمال القوة مع الثوار.. والرفض يحسب للقايد

باحث سياسي: بوتفليقة همش الجيش وتحالف مع رجال الأعمال الفاسدون

باحثة جزائرية: التغيير لا يتم بين عشية وضحاها.. ويلزمه التدريج وعبر مراحل

 

تقرير: تامر نادي

 

استيقظ الجزائريون يوم الاثنين الماضي، على نبأ وفاة قايد صالح، وزير الدفاع والقائد العام للجيش الجزائري، إثر سكتة قلبية، في المستشفى المركزي للجيش.

إلا أن حالة من الحزن سادت الأوساط الجزائرية ليس فقط على المستوي الرسمي أو النخبوي، ولكن حتى في جزاء كبيرة من الشارع الجزائري. وهو الأمر الذي أثار استغراب ولفت انتباه كثير من المتابعين من خارج الجزائر، فبحسب المتعارف عليه، كانت المباراة السياسية منذ اندلاع الحراك الشبابي في فبراير الماضي وحتى الجمعة الماضي، تضع الجنرال صالح في المواجهة مع الجزائريين، وكان الحراك دائما ما يصفه بانه يساند نظام بوتفليقة، وكان يدير المشهد بعد وفاته، ولم يلبي أغلب مطالب الحراك المستمر منذ عشرة أشهر!!

الرجل له مواقف شديدة الوطنية، يشيد بها الجميع، بينما له تصرفات تثير الكثير من الاستغراب والحيرة بدت وكأنه – رحمه الله – يسعي لهندسة الوضع في البلاد.

فمن هو الجنرال صالح؟

جنازة قايد صالح
وفاة الرجل الأقوى في الجزائر.. قايد صالح سلم السلطة وسجن العصابة

أحمد قايد صالح، ولد في 14 يناير 1940، في قرية عين ياقوت ولاية باتنة، شارك في حرب تحرير الجزائر 1957، وحرب الرمال سنة 1968، كما شارك مع القوات الجزائرية حرب أكتوبر 1973 في سيناء.

تم ترقيته إلى رتبة اللواء في يوليو 1993، وعين قائد للقوات البرية الجزائرية أغسطس 2004، وتقلد رتبة فريق في يوليو 2006، وفي 11 سبتمبر 2013 تم تعيينه نائب لوزير الدفاع الجزائري، ورئيس لأركان الجيش.

يعتبره الجزائريون أحد الأبطال التاريخيين للجيش الوطني، ويصفونه بأنه حافظ على وطنه وتحمل المهام حتى آخر لحظات حياته.. ويتذكر الجزائريون مقولته عند اندلاع الحراك، حين قال: “نحن من الشعب الجزائري، ونحن من أبناءه، فالجيش مهمته مواجهة العدو وليس الشعب، ومستحيل أن يتقبل الجيش مواجهة الشعب”.

وفى آخر خطاب له، قال صالح: “بصفتي ابن الشعب، وبناءً على المسؤولية التاريخي الملقاة على عاتقي، فلا يمكنني إلا أن انحاز إلى هذا الشعب الذي صبر طويلا وكابد المحن، وحان الوقت أن تسترجع حقوقه الدستورية المشروعة وسيادته الكاملة.”

يتذكر الجزائريون له عدة مواقف منذ بدء الحراك، أنه وعد بألا تسيل قطرة دم من جزائريين، وفوا بهذا الوعد. وأنه وعد باحترام الدستور ودعم عملية انتقال السلطة إلى رئيس منتخب، وأنه سجن المئات من رموز النظام القديم بتهم فساد، من وزراء ومسؤولين ورجال أعمال. ممن وصفهم بـ”العصابة”.

 

 

الرجل القوي

الفريق أحمد قايد صالح، أقوي الشخصيات داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية، تولي قيادة الجيش الجزائري خلال فترة العشرية السوداء، وفي عام 2014 وقف صالح بجانب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ودعمه لفترة رئاسية رابعة. كما كان مؤيداً له خلال فترة الترشح للفترة الخامسة، وعند اندلاع الحراك الشعبي الجزائري المناهض للعهدة الخامسة لبوتفليقة، تبني الجنرال صالح خطابا تصالحيا، وأعلن دعم الجيش للشعب الجزائري. وفي 26 مارس 2019، طالب صالح من المجلس الدستوري الجزائري إعلان عدم قدرة بوتفليقة الصحية على الترشح للفترة الخامسة، وطالب بتطبيق المادة 102 من الدستور الجزائري. بعد أقل من أسبوع، أعلن بوتفليقة استقالته قبل أيام من تاريخ انتهاء ولايته.

فأصبح صالح الرجل الأقوى في البلاد. فأمر الجنرال باعتقال أفراد من عائلة بوتفليقة وعدد من رجال الأعمال، بمن فيهم سعيد بوتفليقة، وعدد من الوزراء الحاليين والسابقين.

يؤكد الجزائريين أن صالح هو الرجل الفعلي في البلاد قبل الانتخابات الرئاسية الاخيرة، ورغم أن الرجل طالب بتنحي كامل رموز نظام بوتفليقة، إلا أنه حاول الالتفاف على مطالب الحراك لم يأخذ بها كاملة، بدعوى أن الحراك لم يولد ممثلين متقف عليهم ليدخلوا في حوار جاد مع السلطة الانتقالية، وهو ما فتح الباب أمام الأحزاب التقليدية -التي لا تلقي قبول كبير من الشارع – لتتصدر هي المشهد.

 

صالح والحراك

قالت رحيمة يونس، باحث دكتوراة تخصص السياسة العامة، بكلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة محمد خيضر -بسكرة، الجزائر، صحيح إن الرجل من النظام السابق، وكانت له مواقف داعمة للنظام القديم، لكن كانت له مواقف وطنية، فلا يمكن أن يتم التغيير الذي طالب به الحراك بين عشية وضحاها، فهذا مطلب مستحيل، فالتغيير يكون بالتدريج، وعبر مراحل، وليترسخ لابد له من أرضية جيدة، شاء من شاء وأبى من أبى.

وأكدت يونس أن الرجل كان عند عهده للجزائريين، ووفى به، بأن لا تراق قطرة دم، فكما ورفي الحراك بسلميته، وفي صالح في آخر خطوة قام بها بإجراء الانتخابات الرئاسية، وتنصيب الرئيس. غير ذلك كانت الأوضاع ستنزلق للأسوء.. فجزء كبير من الحراك كان رافضاً لأي مبادرة لحلحة الأزمة.

تتفق الباحثة مع الرؤية القائلة بأن صالح أجل الانتخابات من إبريل إلى يوليو ثم إلى ديسمبر، وكان هناك نوع من الفرز للمرشحين، وان الخمسة الذين تم الموافقة عليهم لخوض الانتخابات مرتبطون بشكل أو بآخر النظام القديم. لكنها تؤكد أن هذا لا يمنع من وجود أشخاص نزهاء لم يطلهم الفساد. كما أن أزمة الجزائر أزمة مركبة وعميقة جدا لا يمكن النظر إليها من زاوية واحدة. فالنظام السابق عمل على إفلاس الساحة السياسية.

وتؤكد الباحثة أن الحراك في بدايته كان موحداً، وخرج للشارع يطالب بدحر الفساد والمفسدين، وكانوا موافقين على الدور الذي كان يلعبه القائد صالح، لكن مع الوقت، تغلغل في الحراك فئات عملت على تقسيمة، خاصة بعد رفض تأجيل الانتخابات، لأن تأجيلها أكثر من هذا سيوقع الجزائر تحت طائلة الفراغ الدستوري وغياب رؤية سياسية شاملة.

وتشير يونس إلي أن الجزائريون يفصلون بين النظام السياسي وبين الجيش وقائد صالح، فالجزائيون يقدرون الجيش وقائده، هو قاد علمية التحرير من الاستعمار، كما أن خبرة الجزائريون مع العشرية سوداء جعلتهم تدرك معنى الأمن.

صالح وبوتفليقة

وأضافت يونس أن بوتفليقة كان فاسدا، وجاء للحكم بنية الانتقام، بعد أن تم استبعاده من النظام، وهناك خلافات شخصية بين الرجلين، لكن بوتفليقة عندما وصل إلى الحكم قرب منه من يتوافق معه بساعدة “توفيق” رئيس المخابرات السابق وتعاونا معا.. لكن لا يستطيع أحد أن يجزم أن قايد صالح كان شريكا في هذه اللعبة. هذه نقطة مبهمة، وهي في حد ذاتها أحد أسرار الصندوق الأسود للنظام السابق.. فحسب ما تم تداوله أنه كان مع النظام، ولما سمع ببعض الأطراف تحاول عزله، انقلب عليهم.

 

إدارة اللعبة السياسية

وأكد الدكتور صادق حجال، الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن المشهد في الجزائر معقد جدا ومتشابك، لكن حتى تتضح الأمور لا يجب الانطلاق من المثاليات وكلام الديمقراطية الحالم، فيما يخص دور الجيش في السياسة هناك شبه اجماع بأنه منذ مجيء بوتفليقة تراجع دور الجيش بشكل كبير خاصة بعد تنحي العماري. مقابل ذلك أصبح هناك دور كبير للرئاسة وبعض رجال المال المحسوبين على الرئيس.

وأوضح حجال أنه عند انطلاق الحراك رفض الجيش بقيادة قايد صالح فكرة الرئاسة القاضية بإعلان حالة الطوارئ أو استعمال القوة، وهذا الرفض يحسب للقايد، وكان يحتاج لجرأة ورجولة، فبسبب هذا الرفض تحالفوا ضده من قبل كتلتين معروفتين بفسادها.

وأضاف حجال أن قايد صالح استطاع أن يسجن المئات من الفاسدين من جنرالات ووزراء وإداريين وسياسيين ورجال أعمال. وتابع: “القايد صحيح أراد أن تكون الانتخابات بأي طريقة كانت، وهذا منطقي لأنه قد يتخوف من عودة من أصبح عدوه. لكن رغم رفض الشعب البسيط لخطة الجيش إلا أن القائد لم يستعمل القوة لفرض منطقه وتصوره.

وأشار الباحث في العلوم السياسية، إلى أنه بغض النظر عن الأفكار الديمقراطية، فإن لولا صالح ما رأينا العديد من رموز “العصابة” في السجن دون إسالة الدماء. أما بناء دولة القانون فتحتاج لمجهودات الجميع نخب ومثقفين وسياسيين وعسكريين.

 

مات صالح، وتظل مشكلة الاعتراف بشرعية الانتخابات من عدمها من منظور الحراك قائمة في انتظار حلحلة الوضع، فهل يستطيع الرئيس الجديد أو الحكومة الجديدة أن تحصل على موافقة الحراك على المضي بالبلاد قدماً؟ وماذا سيكون دور الجيش في المرحلة القادمة برئاسة الجنرال السعيد شنقريحة؟

 

عن تامر نادي

شاهد أيضاً

احتراف الإصلاح المجتمعي .. استراتيجية المصلح وادواته

احتراف الإصلاح المجتمعي .. استراتيجية المصلح وأدواته

نحو احتراف الإصلاح المجتمعي استراتيجية المصلح وأدواته تامر نادي الاحتراف هو التزام الشخص بنظام محدد …