الرئيسية / النظم السياسية / السياسة المقارنة / الثقافة السياسية والمعتقدات الجماعية وتغير القيم ‘مترجم”
الثقافة السياسية والمعتقدات الجماعية وتغير القيم
الثقافة السياسية والمعتقدات الجماعية وتغير القيم

الثقافة السياسية والمعتقدات الجماعية وتغير القيم ‘مترجم”

الثقافة السياسية والمعتقدات الجماعية وتغير القيم

للمؤلفان

رونالد انجلهارت، كريستان ويلز

Political Culture, Mass Beliefs, and Value Change

 

By Christian Welzel and Ronald Inglehart

مقدم لـــ:

أ.د : علي الـديـن هــلال

إعداد الطالبة:

هنــد حسيـــن أحمـــد خيـــري

جامعة القاهرة

كلية الاقتصاد والعلوم السياسية

قسم العلوم السياسية

تمهيدي دكتوراه- مسار نظم سياسية

مادة نظم سياسية مقارنة

 

الثقافة السياسية والمعتقدات الجماعية وتغير القيم

لـــ ارنولد انجلهارت ، وكريستان ويلز(1)

 

التعريف بالمؤلفين:

رونالد انجلهارت، الأستاذ بقسم العلوم السياسية بجامعة ميتشجان الأمريكية، عالم الاجتماع  والمفكر الأمريكي، وغالبا ما تكون أبحاثة الجارية تركز على التغير الثقافي ونتائجه، وهو أسس دراسة استقصائية عالمية للتعرف على القيم والتوجهات الجماعية أو ما يعرف بالاستبيان العالمي للقيم، أما كريستان ويلز فهو أيضا أستاذ فى العلوم السياسية فى كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة جاكوب فى ألمانيا.

ولهما العديد من المؤلفات من أهمها:  ( الحداثة وما بعد الحداثة، الحداثة وتغير الثقافة والديمقراطية” التنمية البشرية”، تغيير الثقافة فى المجتمعات الصناعية الحديثة، تغير القيم من المنظور العالمي، الديمقراطية، الثورة الصامتة….إلخ)

يهدف المؤلفان إلى التعرف على دور المعتقدات الجماعية وتغير القيم فى عملية التحول الديمقراطي، وذلك بناء على أحد الافتراضات الهامة لنظرية الثقافة السياسية التى تري بـأن المعتقدات الجماعية لها دور هام فى إرساء مبادئ وقواعد الديمقراطية فى الدولة.

ولم يحدد المؤلفان أى من الأسئلة البحثية للإجابة عليها ، ولكنهما اكتفيا بتحديد بعض العناصر التى يريا إنها تحقق هدفهما فى هذا الفصل وتلك العناصر  هى:

  • دور المعتقدات الجماعية فى أدبيات التحول الديمقراطي ” أدب الدمقرطة”.
  • المطالب الجماعية للديمقراطية.
  • شرعية النظام.
  • الأداء الاقتصادي وشرعية النظام.
  • نظرية التطابق ” الانسجام”.
  • شرح التغيير الديمقراطي.
  • القيم التحررية وتمكين الإنسان.
  • دور الدين.

بدأ المؤلفان الفصل بالإشارة إلى أن اى نظام سياسي فى أى دولة يفترض أن يعكس معتقدات وقيم الشعب السائدة، واستشهدا بكثير من الأمثلة للمفكرين السياسيين منها أرسطو فى كتابه” السياسة” حينما قال أن الديمقراطية تظهر فى المجتمعات ذات الطبقة الوسطي التى يشارك فيها المواطن بأفكاره ومعتقداته وتوجهاته. وأيضا مونتسكيو فى كتابه ” روح القوانين” قائلا بأن القانون الذى يحكم فى  أى دولة يعكس العقلية السائدة للشعب مهما كان تصنيف الدولة ديمقراطي ، استبدادي، ديكتاتوري.

وجاء بعد ذلك كثير من المنظرين / مفكرين سياسيين ليؤكدوا على أن النظام السياسي فى أى دولة يستقر بالاعتماد على التوجهات والأفكار والتوجهات المنتشرة السائدة بين شعب الدولة.

وأكد المفكر Harlod Lasswell _  عالم اجتماعي أمريكي_ بأن النظام الديمقراطي يظهر من خلال اعتماده على المعتقدات الجماعية السائدة فى الدولة. ومن هذا المنطلق أيضا استنتج Semoor Martin Lipset _ عالم اجتماع سياسي امريكي_  أن الحداثة تقود إلى الديمقراطية، فالحداثة تغير قيم وأفكار ومعتقدات الأفراد بحيث تجعلهم أكثر دعما للديمقراطية، وتجعلهم يفكرون فى التعددية السياسية، والرقابة الشعبية على السلطة…إلخ

وأشارا لرأى صمويل هنتجتون حيث رأى الأخير بأن تعالى الرغبات المتزايدة للحرية هي التى وضعت آلية التدخل التى تشرح لماذا أدت الحداثة لظهور الجماعات الداعمة للديمقراطية فى كثير من الدول مؤخرا.

وذكر المصطلح الخاص بــ Sidney Verba  Gabriel Almond and  _ علماء سياسة أمريكيين _ حول ” الانسجام أو التطابق” الذى يشيرا فيه بأن النظام السياسي يستقر فقط حينما ينسجم أو يتطابق مع معتقدات وأفكار شعبه بغض النظر عن شكل النظام.

ومن هنا استنتج انجلهارت وويلز من خلال ذلك أن أى نظام سياسي ديمقراطي يجب أن يكون مُرضياً لمطالب شعبه، وأشارا إلى دليل امبريقي على ذلك ، بأن خلال الموجه العالمية للديمقراطية, فإن الدول التى تفوق طموحاتها ” تطلعاتها ” الجماعية للديمقراطية المؤسسات الموجودة بالفعل عام 1990 ،  سيكون لها تقدم هائل فى  تحقيق الديمقراطية، بينما تلك الدول التى يفوق دعمها للديمقراطية المطالب الجماعية للشعب ستكون أقل قدرا من تحقيق الديمقراطية.

 

أولاً: دور المعتقدات الجماعية فى أدبيات التحول الديمقراطي ” أدب الدمقرطة”:

معظم  تلك الأدبيات مؤخرا لم تأخذ فى اعتبارها تأثير دور المعتقدات الجماعية على عملية التحول الديمقراطي، تم الإشارة إلى نوعين من الاقترابات المسيطرة على أدبيات الديمقراطية:      ( اقترابات تركز على الجوانب الهيكلية، اقترابات تركز على الجوانب الإجرائية أو الفعلية).

  • Strucutre-focused approaches وهو يركز على الجوانب الهيكلية فى المجتمع، مثل اصلاح النظام ، المساواة فى الدخل، انقسامات الجماعة، التحالفات والائتلافات….، مدعمي ذلك الاقتراب قاموا بإعداد تحليل إحصائي لشرح كيف أن مثل هذه الجوانب الهيكلية قد تزيد أو تنقص من احتمالية أن تصبح الدولة ديمقراطية، ولكن هذا التحليل لم يحدد الآلية التى تترجم هذه الهياكل إلى إجراءات سياسية أو تحدد الفاعلين التى ترسي الديمقراطية ” النخبة أو الشعب”.
  • Action-focused approaches وهو يركز على الفعل أو الإجراء ، يصف العملية الديمقراطية من خلال الإجراءات والقرارات التى تقوم بها النخبة والشعب والتى تحدث الديمقراطية، ولكن هذا الاقتراب لا يشرح لماذا جاءت الديمقراطية فهو يشرح الإجراءات التى جاءت من خلالها ولكن لم يشر إلى الظروف التى أرست الديمقراطية.

 

ولعل ذلك نتيجة أن كل من الاقترابين لم يأخذا فى الاعتبار بداية المعتقدات الجماعية وتأثيرها على ظهور وإرساء الديمقراطية، وهذا يفسر عيوب كل منهما على حدة.

فالمطالب الجماعية يفترض أن تترجم من STRUCTURE TO ACTION ، حيث انه إذا لعبت الجوانب الهيكلية دورا فى إرساء  القواعد الديمقراطية ، فتلك الجوانب ستعلي من توجهات ومعتقدات الأفراد نحو الديمقراطية بل وتكون الديمقراطية هدف مرغوب، وهنا ستكون المعتقدات الجماعية متغير دخيل ” وسيط ” بين الهيكل المجتمعي أو الاجتماعي والإجراءات والأفعال الجماعية، وبتجاهل ذلك سيؤدي لعدم فهم العملية الديمقراطية فى أى دولة.

 

ثانياًً: المطالب الجماعية للديمقراطية:

غالبا ما يفضل الكثير الديمقراطية ولكن بدون التطرق لجوهرها، فيري الغالبية بأن لها دلالات إيجابية وبالتالي يري الفرد ضرورة دعمها لتكون داخل دولته خاصة وأنه يعتقد أن الدول الغربية الداعمة للديمقراطية تكون ثرية أى غنية ، ومن ثم فهو يعتقد فى حالة إرساء الديمقراطية فى دولته  ستكون دولته غنية وسيتحسن دخله الشهري، وتكون الدولة مزدهرة ( الديمقراطية هنا أصبحت مرغوبة اجتماعياً)، أى أن الأفراد يفضلون الديمقراطية لأسباب أكثر أهمية من وجه نظرهم من الحريات السياسية التى تتميز بها الديمقراطية، فلن يخاطر أى منهم بحياته من أجل الحصول على الحرية.

وهنا أشير إلى ما يعرف بالقيم التحررية التى قد يفضلها البعض كأساس لتطبيق الديمقراطية فهي تعطي أولوية للمساواة بين الجنسين ، وإعلاء قيم التسامح بين الأفراد، والاستقلال الذاتي ، والمشاركة. فيفضل الكثيرون الديمقراطية ولكن يختلف مستوي التفضيل فكلما كانت التفضيلات الجوهرية للديمقراطية ضعيفة كلما كان مستوي التطبيق الفعلي لها ضعيف والعكس صحيح.

 

ثالثاً:شرعية النظام:

افترض بعض الباحثين أن النظم الاستبدادية غالبا ما تكون غير شرعية حيث يروا أن استمرار النظم المستبدة فى الحكم يأتي نتيجة قمع المعارضة بصفة مستمرة، ولكن تاريخيا هذا غير دقيق ففى الماضي النظم الملكية المطلقة / الديكتاتورية الشيوعية قد تكون على نطاق واسع الدعم من  قبل الجماهير.

أما غالبية الأفراد الذين يدعمون الديمقراطية كما أشار انجلهارت لا يأتي نتيجة الحصول على الحرية ” الديمقراطية فى جوهرها” والدليل على ذلك  جاء من خلال استبيان القيم العالمي world value survey الذى أكد على أن القيم الجماعية التحررية تختلف من دولة لأخرى، إذا كانت تلك القيم والمعتقدات ضعيفة فيفضل الأفراد السلطة والقيادات القوية أكثر من الحصول على الحرية والمشاركة السياسية وغياب مثل هذه القيم قد يدفع الأفراد لتفضيل النظام الاستبدادي.

وعندما جاءت الحداثة قامت بتغيير معتقدات بعض الأفراد وتفضيلهم للديمقراطية عن الاستبدادية، وهنا أوضح انجلهارت وويلز نظرية تغير القيم بين الأجيال intergenerational value change التى تشير إلى أن كل فرد يرغب فى الحصول على الحرية ولكنها ليست بالضرورة الأولوية القصوي :  وتم تقسيم أولويات الأفراد إلى ( أولويات تعكس ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والحاجات الأكثر إلحاحا لهم فالأمن المادي أهم من أجل البقاء خاصة فى ظل ظروف ندرة الموارد وبالتالي تلاحظ أولويات الأفراد تكون مادية وعندما ازدهرت النظم وجاء عصر الرخاء خلال الــ 50 عام الماضي، يأتي النوع الآخر من الأولويات، فهنا الأفراد أكثر عرضه للتعبير عن الذات والحصول على القيم التحررية ، والتغيرات فى الهيكل المهني والتعبير عن الرأى العام بشكل متزايد ،وأدى ذلك إلى تغيير معتقدات الأفراد أنفسهم، وبالتالي انتشرت القيم التحررية ( المساواة، التسامح، المشاركة، الحرية..)، ومن ثم فانتشار هذه القيم سيعرض النظم الديكتاتورية إلى التعرض لثورة من قبل شعبها من أجل إرساء الديمقراطية والتمتع بكافة الحقوق والحريات.

 

رابعاً: الأداء الاقتصادى وشرعية النظام:

طبقا لكثير من الباحثين فإن أى نظام سياسي سواء كان مستبد أو ديمقراطي مادام لديه دعم جماهيري فسيؤثر على الاقتصاد بالإيجابية،  ولكن يرى انجلهارت وويلز أن ذلك يعتمد على أولوية ما يتطلبه الشعب، وتأثير نجاح الاقتصاد على شرعية النظام يختلف طبقا للأحوال الثقافية والقيم المجتمعية السائدة. وبالتركيز على القيم التحررية ستؤدي إلى تعالي المطالب بالحريات المدنية للشعب وذلك سواء كانت مؤسسات الدولة ( ديمقراطية، مستبدة..) حيث هنا سيتم إدراك وفهم الديمقراطية الحقيقية فى جوهرها وما يتتبعها من تنمية إقتصادية ، والحريات السياسية والمدنية..

 

خامساً: نظرية التطابق ” الانسجام”: The Congruence Thesis

توضح نظرية التطابق ” الانسجام”  أن من أجل أن يسود الاستقرار، يجب على السلطة السياسية فى أى دولة  أن تنسجم مع معتقدات الأفراد السائدة، فالنظم السلطوية تستمر عندما يؤيد الشعب شرعية السلطة السياسية المطلقة، بينما النظم الديمقراطية يؤيد الشعب فيها الرقابة الشعبية على السلطة السياسية.

ظلت هذه النظرية مقبولة ولكنها غير مؤكدة لعدة سنوات حيث هناك كثير من الشكوك حول الشرعية الحقيقية طبقا لنظرية التطابق وإدعائها بأن شرعية معتقدات الشعب هى التى تحدد نوع وشكل النظام.

وتمت الإشارة إلى أن المعتقدات الجماعية هى التى تسيطر وتهيمن على مستوي الديمقراطية، واتضح ذلك من خلال استبيان القيم العالمي حول العلاقة بين المعتقدات الجماعية ومستويات الديمقراطية على عينة من الدول ( أكثر من 70 دولة) الذى أثبت أن  هناك علاقة قوية بين المعتقدات الجماعية ومستويات الديمقراطية ،فلا توجد علاقة سببية بينهما حيث قد يكون هناك عامل ثالث هو الذى سبب العلاقة فيما بينهما مثل الحداثة الاقتصادية التى قد  تسبب الاثنين معا.

 

سادساً: هل القيم التحررية هى التى تسببها الديمقراطية؟

ناقش دعاة نظرية التعلم المؤسسي Institutional Learning Theory أن الأفراد يدركون  قيم الديمقراطية ويعلموها إذا كانوا يعيشون أثناء تواجد مؤسسات ديمقراطية لسنوات عديدة فى الدولة، وإذا ثبت صحة تلك النظرية معني ذلك أن تلك القيم والمعتقدات لا تظهر إلا إذا كانت الدولة يعيش وينمو فيها نظام ديمقراطى لسنوات عديدة، ومن هذا المنطلق ستكون القيم التحررية ليست سبب لظهور الديمقراطية، وهنا ناقش انجلهارت  وويلز أن هناك العديد من مستويات الديمقراطية التى ظهرت فى مجتمعات استبدادية ديكتاتورية قبل ان تنتقل إلى مراحل الديمقراطية، فلقد ساهم ظهور اقتصاديات الثورة الصناعية فى جعل قيم التعبير عن الذات تنتشر بشكل واسع فى كثير من البلدان( المجر ، تشيكوسلوفاكيا، كوريا الجنوبية، تايوان…) قبل أن تكون ديمقراطية.

ومع المطالبة بزيادة الدخل وغيرها من المطالب، ظهرت الحداثة لتؤدي إلى التركيز على القيم التحررية  وبنفس الوقت تتعالى المطالب بالتعليم وفرص التواصل مع الأفراد، والحصول على المعلومات، والموارد الأخرى وغيرها مما يزيد من منفعة وفائدة الحرية.

وهنا يظهر قيم التعبير عن الذات  self-expression values كوظيفة للحداثة أكثر منها وظيفة فى إطار المؤسسات الديمقراطية. فكما قال انجلهارت  ” التطور الجارى الآن لمنظومات القيم باتجاه ونمط عقلانى وما بعد حداثي”.

 

سابعاً: شرح التغيير الديمقراطي:

جلبت الموجة العالمية للديمقراطية فى بعض البلدان كثير من التغيرات على مستويات الديمقراطية للدول، هذه التغيرات تضمنت مكاسب للدولة التى صعدت من  أدني إلى أعلى مستوي للديمقراطية، بينما حققت خسائر للدولة التى سقطت من أعلى إلى أدني مستوي للديمقراطية، إذا كانت القيم التحررية سببت تأثير على الديمقراطية فمن المفترض ان تشرح مكاسب وخسائر مستويات الديمقراطية من قبل الموجه العالمية للديمقراطية 1988-1998 إلى الوقت الحالى.

ففى حالة صحة نظرية التطابق وافتراضاتها بأن عدم التجانس بين المطالب للديمقراطية وبين المستويات المعطاة للديمقراطية هو مصدر لعدم استقرار النظام فى الدولة،  فبالتالي  هناك علاقة طردية بين المطالب ومستويات الديمقراطية، فكلما كانت المطالب الجماعية للديمقراطية  أقل من مستويات الديمقراطية فى الدولة فلن تتحقق ديمقراطية الدولة، وعلى وجه الآخر كلما كانت المطالب الجماعية للديمقراطية أعلى من مستويات الديمقراطية كلما كانت الدولة اكثر استعدادا لتحقيق الديمقراطية الحقيقية.

 

ثامناً: القيم التحررية وتمكين الإنسان:

تشير النتائج السابقة إلى أن الديمقراطية تعتمد على تمكين أوضاع الإنسان فى المجتمع، وتشمل الظروف والأوضاع الثقافية التى تدفع الأفراد للمطالبة بالديمقراطية والأوضاع الاقتصادية التى تجعل الأفراد قادرين على ممارسة المطالب بفاعلية. القيم التحررية كوسيلة مؤسسية تعني تمكين الأفراد للديمقراطية، فترتبط ارتباط وثيق بتمكين الأوضاع الثقافية والاقتصادية، فهي تسمح للأفراد من ممارسة حرياتهم المدنية، فالقيم التحررية تشمل العنصر الثقافي لعملية تمكين الفرد ، وهي من هنا متغير دخيل بين المؤسسات الديمقراطية والإجراءات action resources

وتساءل Lipset  لماذا الحداثة تؤدي إلى الديمقراطية وهو يري أن ذلك صحيح لأن الحداثة تميل إلى خلق معتقدات وقيم فى صالح الديمقراطية، وهو هنا أدرك أن الأوضاع الاجتماعية تؤثر على التغيرات السياسية مثل الديمقراطية من خلال ميلها إلى التوجهات الذاتية التى تسعي لهذه التغيرات، وعندما جاء الاستبيان العالمي للقيم  فلم يجد البيانات لاختبار ذلك ومن ثم فلم يتمكن من شرح حجته الأساسية.

بعد أكثر من 30 عام  ، جاء هنتجتنون 1991 انتهج خطي مماثل فى التفكير، ووجد صعود الطبقات الوسطي فى الدول النامية تقود إلى المعتقدات التى تؤدي إلى إرساء  سلطات ديكتاتورية غير شرعية، وأوضح بأن هناك تقدير متزايد للحرية يستنتج أن التغيرات فى التوجهات الجماعية دعمت مصدر رئيسي للضغوط المطالبة بالديمقراطية.

على الرغم من التركيز على المعتقدات الجماعية نجد أن اقتراب الثقافة السياسية لديه رأى بأن المعتقدات الجماعية  لها دور فى عملية التحول الديمقراطي، وأيضا هناك توافق فى الأراء بأهمية المعتقدات الجماعية لتوطيد وتعزيز الديمقراطية.

ديفيد ايستوت وجابريل الموند وسيدني فيربا وغالبية دارسي الثقافة السياسية ركزوا على دعم الديمقراطية، الثقة فى المؤسسات السياسية، الثقة بين الأفراد ، قيم التعاون وغيرها من التوجهات الطائفية. فالتوجهات الطائفية قد تكون مفيدة فى تعزيز الديمقراطية ولكن عندما تريد اكتشاف دور المعتقدات الجماعية فى المراحل الانتقالية  من الحكم الاستبدادي للديمقراطية، فيجب تحديد التوجهات التى تحفز الأفراد على المعارضة للحكم الاستبدادي والنضال من أجل الديمقراطية. وهنا القيم التحررية تضبط هذا النوع من التوجهات وتعلي من قيم التسامح والمساواة ، والمشاركة وإذا ظهرت هذه القيم فى النظام الاستبدادي  يكون إطاحة المعارضة للحكم أكثر احتمالا وستسقط شرعية النظام .

 

تاسعاً: دور الدين

بجانب المعتقدات الجماعية التى سبق الإشارة إليها، عرفت الطائفية الدينية، الديموغرافيا الدينية للمجتمع على اعتبار إنها عوامل ثقافية هامة لها تأثير على الديمقراطية، طبقا لانجلهارت يري بأن الهيمنة الديموغرافية للبروتستانت بصفة خاصة – قيل إنها- تتماشي والديمقراطية، فى حين أن الإسلام قد يُدعي إنه يؤدي إلى الديمقراطية ولكنه لا يتماشي معه.

وجد انجلهارت وويلز أن نسبة الفرق بين المسلمين والبروتستانت فى المجتمع تؤثر بقوة على مستويات الديمقراطية ، فكلما كان عدد البروتستانت أكبر من عدد المسلمين كلما كان هناك مستويات أكثر للديمقراطية فى المجتمع ، ومع ذلك فعند التركيز على عدد السكان والتركيز على القيم التحررية فتأثير الديموغرافيا الدينية سيصبح ضعيف وهو يمثل جزء بسيط من التباين فى مستويات الديمقراطية.

البلدان التى تسودها طائفة البروتستانت غالبا ما تكون غنية، ولديها مستويات عليا من التعليم، ونسبة عمالة مرتفعة فى قطاع المعرفة، فالهيمنة البروتستانتية ستكون فى صالح الديمقراطية لأنها ترتبط بالأحوال والظروف الاجتماعية والاقتصادية التى تركز على القيم التحررية.

ومن خلال استبيان القيم العالمي أشار انجلهارت إلى أنه عندما  يتمتع الشخص بمستوي تعليم مرتفع هذا العامل سيقوي من القيم التحررية للفرد ” سيدرك حقوقه وحرياته…”

الإسلام يميل لخفض القيم التحررية فى المجتمع  للأفراد بمختلف الطرق، الحياة والعيش فى دولة ذات هيمنة إسلامية تميل إلى خفض مثل تلك القيم سواء كانت للمسلم أو غيره، علاوة على ذلك فالحياة فى مجتمع إسلامي ستقلل من تأثير القيم التحررية لأن العلاقة سلبية فى التفاعل بين التعليم ونسبة المسلمين، ومع ذلك يمكن التقليل من تأثير القيم التحررية على الإسلام  ، لأن المسلم فى النهاية لا يدعم القيم التحررية.

 

أهم النتائج

  • المعتقدات الجماعية تلعب دوراً هاماً فى عملية التحول الديمقراطي.
  • تؤثر القيم التحررية على القيم الجماعية وتزيد من قيم التعبير عن الذات وتؤدي إلى الديمقراطية، فضلا عن أن القيم التحررية من العوامل الثقافية الهامة والأكثر تحقيقا وترسيخا للديمقراطية.
  • القيم التحررية ليست قيم ذاتية للديمقراطية، والمعتقدات الجماعية تنشأ فى المجتمعات الاستبدادية إضافة للديمقراطية ولكن تعتمد على الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
  • تمكن القيم التحررية الإنسان من خلال تحفيزه لإعطاء أولوية عالية لحرية الاختيار والتعبير عن الذات.
  • إذا نشأت القيم التحررية فى الأنظمة الاستبدادية، فالضغوط الجماهيرية ستكون أكثر احتمالا فى الصعود وستتعالي صيحات التحول من الحكم الاستبدادي إلى الحكم الديمقراطي، وفى حالة نشأتها فى النظم الديمقراطية فالضغوط الجماهيرية ستكون من أجل إرساء قواعد ومبادئ أعمق للديمقراطية، فالقيم التحررية قد تكون سبباً فى صعود أو سقوط أنظمة سياسية.
  • الدين له تأثير كبير على القيم التحررية فى أى مجتمع بين المسلمين والبروتستانت.

 

النقد

وعلى الرغم من محاولة كل من انجلهارت وويلز توضيح وشرح المعتقدات الجماعية فى المجتمع وتأثيرها فى إرساء الديمقراطية، وتغير القيم فإن هذا لا يمنع من التعرض لانتقادهما فى كثير من الأوجه وذلك على النحو الآتي :

  • لم يحددا أسئلة بحثية لتجيب على أهدافهما، واكتفيا بعرض العناصر وإن كان يفضل وضع أسئلة مباشرة وغير مباشرة ووضع الافتراضات لذلك وليس الاعتماد على افتراض واحد فقط.
  • لم يقوما بتعريف المفاهيم بداية مثل مفهوم النظام السياسي، ونظرية الثقافة السياسية، والمعتقدات الجماعية، وشرعية النظام، واكتفيا بأن الحداثة تغير القيم والمعتقدات ولم يتعرضا لها تفصيلا.
  • لم يتعرضا لبعض العناصر تفصيلا مثل الاقترابات التى تركز على الجوانب الهيكلية والإجرائية.
  • انتقادهما للإسلام وبأنه غير ملائم للديمقراطية غافلين بأنه إذا كانت الديمقرطية من أجل حرية الإنسان و ترقية حقوقه و الدفاع عنها ، فهي كلها أمور نجدها في الإسلام الذي جعل الإنسان مكرما معزّزا و حقوقه هي قيمة ثابتة لا يجب المساس بها.

 

ومع ذلك يمكن القول بأنه رغم العديد من الانتقادات التى أشرت إليها من وجهة نظري المتواضعة فإن كل من رونالد انجلهارت وكريستان ويلز فتحا المجال أمام الباحثين فيما بعد  للتوسع فى دراسة الثقافة السياسة وشرعية النظم السياسية ومعتقدات الأفراد وتأثير الحداثة عليها فى الدولة وأيضا فى استكمال النظرة النقدية للإسلام فى المجتمعات بصفة عامة.

 

(1)Christian Welzel and Ronald Inglehart,  ” Political Culture, Mass Beliefs, and Value Change” in Democratization.  Oxford:  Oxford University Press, 2009.  (with Christian Haerpfer, Patrick Bernhagen and Christian Welzel).

 

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …