الاستراتيجية في المنظور العسكري الأمريكي
لماذا التخطيط الاستراتيجي فن صعب؟
ديفيد جابلونسكي
يري العقيد المتقاعد “آرثر ليكي” المحاضر بالكلية الحربية الأمريكية، أن الإستراتيجية تتكون من ثلاثة أشياء” (غايات أو أهداف)، و(طرق أو مفاهيم)، و(وسائل أو موارد). هذا الإطار هو إعادة صياغة للتعريف التقليدي للاستراتيجية كعلاقة محسوبة بين الغايات والوسائل. ومع ذلك، يشكل إطار “ليكي” تبسيطاً مريحاً في التعامل مع تعقيدات الاستراتيجية، حيث تكمن مهارة التخطيط الاستراتيجي في (فن مزج الأهداف والطرق والوسائل، باستخدام جزء ذاتي وآخر موضوعي من المعاير المتعلقة بالملاءمة والجدوى والتطبيق)، وهذا هو جوهر الحساب الاستراتيجي[1].
يوفر نموذج (الأهداف والطرق والوسائل) أيضا هيكلاً على جميع مستويات التخطيط الإستراتيجي لتجنب الخلط بين المنتج العلمي scientific product والعملية العلمية scientific process. الأول ينطوي على مقترحات الإنتاج التي ترتبط بصالح مستمرة مع امتداد الزمان والمكان. ففالإستراتيجية الكلاسيكية ليست مثل العلوم الفيزيائية التي يمكن أن تنتج حقائق وفقا لضوابط معين، وقد أخطأ كثيرٌ من المفكرين العسكريين الذين ادعوا تقديم منتجات علمية دون إخضاع تلك المنتجات لعملية علمية. على سبيل المثال، تجاهل كل من “جوميني” و”ماهان” الأدلة في الحالات التي لا تتناسب مع نظرياتهما أو مبادئهما الاستراتيجية[2]. فالنموذج الاستراتيجي، إذن، بمثابة تذكير القاسم المشترك الأدنى بأن المنتج العلمي الحقيقي غير ممكن من دراسة الاستراتيجية. ولكن في الوقت نفسه، يوفر هذا النموذج إطارا للمعالجة المنهجية للحقائق والأدلة -جوهر العملية العلمية.
وفي هذا الصدد، أشار الأدميرال “ويلي” إلى:
أنا لا أدعي أن الاستراتيجية هي أو يمكن أن تكون “علما” بمعنى العلوم الفيزيائية. يمكن ويجب أن تكون تخصصا فكريا من أعلى المستويات، ويجب على الخبير الاستراتيجي أن يعد نفسه لإدارة الأفكار بدقة ووضوح وخيال. . . . وهكذا، في حين أن الاستراتيجية نفسها قد لا تكون علما، فإن الحكم الاستراتيجي يمكن أن يكون علميا إلى الحد الذي يكون فيه منظما وعقلانيا وموضوعيا وشاملا وتمييزيا وإدراكيا[3].
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن القيود المفروضة على النموذج الاستراتيجي تركز على دائرة كاملة تعيدنا إلى كونه “الفن الذي ينطوي عليه إنتاج المزيج الأمثل من الغايات والطرق والوسائل”. وتعتمد الاستراتيجية، بطبيعة الحال، على الانتظام العام لذلك النموذج. لكن الاستراتيجية لا تطيع دائماً منطق هذا الإطار، وتبقى، كما وصفتها لوائح الجيش الألماني Truppen-fuhrung لعام 1936، “نشاطاً إبداعياً حراً يعتمد على أسس علمية”[4].
الغرض من هذا المقال هو توضيح لماذا -على الرغم من النهج علمي المتزايدة للصياغة والتنفيذ، تظل الاستراتيجية (فنا) بشكل أساسي وليس علماً، ولماذا أصبح “النشاط الإبداعي” لمزج العناصر في النموذج الاستراتيجي داخل هذا الفن أكثر صعوبة تدريجيا على مر القرون.
من الثورات إلى الحرب الشاملة:
في أعقاب الحروب النابليونية، كان هناك اعتراف متزايد بالتعقيد المتزايد للاستراتيجية، والذي تم تلخيصه في تحذير “كارل فون كلاوزفيتز” من أنه “لا يمكن أن يكون هناك تقييم عسكري بحت لقضية استراتيجية كبرى، ولا مخطط عسكري بحت لحلها”[5]. على المستوى التكتيكي، قال الفيلسوف البروسي إن “الوسائل هي القوات المقاتلة المدربة على القتال، الغاية هي تحقيق النصر”. ومع ذلك، خلص “كلاوزفيتز” إلى أن الانتصارات العسكرية لا معنى لها ما لم تكن وسيلة للحصول على غاية سياسية، “تلك الأشياء التي تؤدي مباشرة إلى السلام“[6]. وهكذا، كانت الإستراتيجية هي “ربط المواجهات القتالية المنفصلة في كيان واحد، من أجل تحقيق الهدف النهائي للحرب”[7]. والمستوى السياسي فقط هو الذي يمكن أن يحدد هذا الهدف. وأشار إلى أن “إنهاء الحرب أو أي من حملاتها بنجاح يتطلب فهما شاملا للسياسة الوطنية”. “وفق هذا المستوى، تتحد الاستراتيجية والسياسة”[8]. بالنسبة إلى كلاوزفيتز، فإن هذه الاستمرارية الرأسية (انظر الشكل 1) كان أفضل مثال لها هو فريدريك العظيم، الذي جسد كلاً من السياسة والاستراتيجية، وتعتبر فتوحاته “السيليزية” عام 1741 مثالاً كلاسيكيا لفن الاستراتيجية من خلال إظهار “عنصر القوة المقيدة المستعد للتكيف مع أصغر تحول في الوضع السياسي”[9].
شكل (1) : استمرارية السياسة
من خلال وصفتهُ البسيطة للاستمرارية الرأسية للحرب، مهد “كلاوزفيتز” الطريق للنموذج الاستراتيجي للغايات والطرق والوسائل. وأصبح هذا النموذج أكثر تعقيدا، حيث يعمل على المستويين العسكري والسياسي مع مجمل عناصر الاستراتيجية (الغايات والطرق والوسائل)، على المستويات الدنيا المترابطة بالتطبيق السياسي على مستوى السياسة لتلك العناصر الاستراتيجية نفسها. كان هذا الارتباط هو جوهر وصف “كلاوزفيتز” للحرب على أنها استمرار للاتصال والترابط السياسي مع إضافة وسائل أخرى.
وأوضح أننا نستخدم عبارة “مع إضافة وسائل أخرى” لأننا نريد أن نوضح أن الحرب في حد ذاتها لا تعلق الاتصال السياسي أو تغيره إلى شيء مختلف تماماً. الخطوط الرئيسية التي تسير على طولها الأحداث العسكرية، والتي تقتصر عليها، هي الخطوط السياسية التي تستمر طوال الحرب إلى السلام اللاحق. لا يمكن فصل الحرب عن الحياة السياسية. وكلما حدث هذا في تفكيرنا حول الحرب، يتم تدمير الروابط العديدة التي تربط بين العنصرين ويتركنا مع شيء لا طائل منه وخالي من المعنى[10].
الثورات الصناعية والفرنسية.
وقد تفاقم هذا التعقيد المتزايد في التعامل مع النموذج الاستراتيجي بسبب انقلابين upheavals. كان كلاوزفيتز مدركا تماما لواحداً منهما، الثورة الفرنسية. وكان جاهلاً تماماً بالآخر، الثورة الصناعية التكنولوجية. قبل الثورة الفرنسية، اكتسب حكام القرن 18 سيطرة سياسية واقتصادية فعالة على شعوبهم لدرجة أنهم كانوا قادرين على إنشاء آلات حربهم منفصلة ومتميزة عن بقية المجتمع. غيرت الثورة كل ذلك بظهور قوة “فاقت كل خيال” كما وصفها كلاوزفيتز:
فجأة، أصبحت الحرب مرة أخرى من شأن الشعب -شعب يبلغ عدد سكانه 30 مليونا، جميعهم يعتبرون أنفسهم مواطنين. ويبدو أنه لا نهاية للموارد المعبأة؛ اختفت كل الحدود في النشاط والحماس الذي أظهرته الحكومات ورعاياها. . . .واندلعت الحرب، غير المقيدة بأي قيود تقليدية، اندلعت بكل عنفها. كان هذا بسبب حصة الشعب الجديدة في شؤون الدولة الكبري. ومشاركتهم هذه نتجت جزئيا عن تأثير الثورة على الظروف الداخلية لكل دولة وجزئيا عن الخطر الذي تشكله فرنسا على الجميع[11].
بالنسبة إلى كلاوزفيتز، قام الناس بتعقيد صياغة وتنفيذ الإستراتيجية بشكل كبير من خلال إضافة “العنف البدائي والكراهية والعداوة، والتي يجب اعتبارها قوة طبيعية عمياء” لتشكيل ما أسماه (الثالوث الاستثنائي) مع الجيش والحكومة (انظر الشكل 2). الجيش الذي رآه على أنه “روح خلاقة” تتجول بحرية في “لعبة الصدفة والاحتمال”، لكنها مرتبطة دائما بالحكومة، العنصر الثالث، في “التبعية” كأداة للسياسة، مما يجعلها خاضعة للعقل وحده”[12]. لقد أدرك كلاوزفيتز أن هذا المجموع المعقد لهذا الثالوث هي التي غيرت الاستراتيجية وعقدتها تماما.
الشكل 2. الثالوث الاستثنائي.
من الواضح أن التداعيات الهائلة للثورة الفرنسية ليس بسبب الأساليب والمفاهيم العسكرية الجديدة بقدر ما هي بسبب التغييرات الجذرية في السياسات والإدارة، والطابع الجديد للحكومة، والظروف المتغيرة للشعب الفرنسي، وما شابه ذلك. ويترتب على كل ذلك أن تحول فن الحرب نتيجة تحول السياسة ذاتها[13].
ولكن في حين أن هذا التغير جعل من الضروري النظر في عناصر ثالوث كلاوزفيتز ضمن النموذج الاستراتيجي، فإن الاختلافات الممكنة في التفاعل بين تلك العناصر نقلت الاستراتيجية إلى أبعد من عالم اليقين العلمي. ولذلك حذر كلاوزفيتز في هذا الصدد من أن “النظرية التي تتجاهل أيا من هذه العناصر أو تسعى إلى إصلاح علاقة تعسفية بينهم، ستتعارض مع الواقع لدرجة أنه لهذا السبب وحده ستكون عديم الفائدة تماما”[14].
الشكل 3. تأثير التكنولوجيا
مثل معظم معاصريه، لم يكن لدى كلاوزفيتز أي فكرة أنه كان يعيش عشية التحول التكنولوجي الناتج عن الثورة الصناعية. لكن هذا التحول -حيث اكتسب زخما طوال الفترة المتبقية من القرن 19- غيَّر بشكل أساسي تفاعل العناصر داخل ثالوث كلاوزفيتز، مما زاد من تعقيد عملية صياغة وتطبيق النموذج الاستراتيجي (انظر الشكل 3).
من حيث العنصر العسكري، “إن التكنولوجيا من شأنها أن تغير الطبيعة الأساسية للأسلحة ووسائل النقل، فقد ظلت الأسلحة مستقرة لمدة مائة عام، بينما ظلت وسائل النقل مستقرة لمدة ألف عام. وفي غضون عقد من الزمان بعد وفاة كلاوزفيتز في عام 1831، بدأت عملية التغير هذه في مجال الأسلحة مع إدخال الأسلحة النارية (البنادق) التي يتم تلقيم ذخيرها من الخلف، وفي مجال النقل مع تطوير السكك الحديدية”[15].
كما كان للتكنولوجيا تأثير تدريجي أكثر على دور الشعب. كانت هناك، على سبيل المثال، الزيادات السكانية الأوروبية الكبيرة في القرن 19 مع انتقال الثورة الصناعية إلى القارة من بريطانيا العظمى. أدى هذا الاتجاه إلى التحضر: الحركة الجماعية للناس من العائلات الممتدة للحياة الريفية إلى الحياة “المفتتة” والفردانية للمدينة. هناك، أدت الرغبة في الانتماء، وإيجاد بديل عائلي، إلى ولاء أكثر تركيزا على الدولة القومية يتجلى في قومية جديدة أكثر وضوحا وعدوانية. كانت هذه القومية تغذيها الآثار الجانبية التقدمية للثورة الصناعية، لا سيما في مجال التعليم العام، والتي تعني بدورها محو الأمية الجماعية في جميع أنحاء أوروبا بحلول نهاية القرن 19. كانت إحدى النتائج أنه يمكن التلاعب بالجمهور المتعلم بشكل متزايد من قبل الحكومات حيث أنتجت التكنولوجيا أساليب أكثر تطورا للاتصال الجماهيري.
ومن ناحية أخرى، ساعدت هذه التطورات من الناحية النفسية أيضا على إضفاء الطابع الديمقراطي على المجتمعات، التي طالبت بعد ذلك بحصة أكبر في الحكومة، لا سيما فيما يتعلق بالمسائل الاستراتيجية المتعلقة بالحرب والسلام. في زمن “كلاوزفيتز”، كانت القرارات الاستراتيجية التي تتعامل مع مثل هذه الأمور تستند بشكل عقلاني إلى اعتبارات السياسة الواقعية لتعزيز مصالح الدولة، وليس على القضايا الداخلية. بحلول نهاية القرن 19 ، واجه (أولوية رانكين في السياسة الخارجية- Rankeian Primat der Aussenpolitik) تحديا متزايدا في جميع أنحاء أوروبا من خلال حاجة الحكومات إلى إجماع محلي -وهو تطور له آثار بعيدة المدى على إجراء الاستراتيجية على المستوى الوطني ضمن نموذج الغايات الأساسية والطرق والوسائل[16].
خلال معظم ذلك القرن، مع تطور الاضطرابات الاجتماعية والأيديولوجية التي أطلقتها الثورة الفرنسية، حاول القادة العسكريون في أوروبا عموما إبعاد قواتهم المسلحة عن شعوبهم. لم يكن هذا أكثر وضوحا في أي مكان من الجيش البروسي والألماني، حيث عمل القادة بجد على مر السنين لمنع (غش) قواتهم بالأفكار الليبرالية. كتب الجنرال “فون رون” إلى زوجته خلال ثورات عام 1848: “الجيش هو الآن وطننا الأم، لأن العناصر غير النظيفة والعنيفة التي وضعت كل شيء في حالة من الاضطراب فشلت في اختراقه”[17]. ومع ذلك، فإن الثورات في الصناعة والتكنولوجيا جعلت هذا المثل الأعلى بعيد المنال. بادئ ذي بدء، كان ما يسمى بالميكنة للحرب تعني الإنتاج الضخم لأسلحة الأكثر تعقيدا وزيادة القوات العسكرية الدائمة. كانت المكونات الرئيسية لهذه القوات هي الزيادات السكانية الكبيرة وصعود القومية، فضلاً عن تحسين الاتصالات والكفاءة الحكومية -وهذا الأخير موجه نحو التجنيد العام للرجولة الوطنية، والتي بفضل التقدم في تطور السكك الحديدية، يمكن جلبها إلى ساحة المعركة بأعداد غير محدودة.
في الوقت نفسه، كان هذا التفاعل المتزايد بين الحكومة والجيش والشعب مرتبطًا أيضًا بجوانب أخرى من تأثير التكنولوجيا على (ثالوث) كلاوزفيتز. فالابتكارات التكنولوجية في مجال الأسلحة خلال هذه الفترة، على سبيل المثال، لم يتبعها دائما فهم لآثارها المجتمعية والعسكرية. بالتأكيد، كان هناك عجز من جانب جميع القوى الأوروبية عن إدراك الميزة المتزايدة للأسلحة الدفاعية على الأسلحة الهجومية التي ظهرت في الحروب البويرية والروسية اليابانية. كان هذا العجز مرتبطًا بالاتجاه السائد في أوروبا في ذلك الوقت للجمع بين الحماسة والتركيز العسكري على القوة المعنوية والاشتباك والمعارك الحاسمة. وكانت النتيجة أن القادة العسكريين لفرنسا وألمانيا وروسيا تبنوا جميعا مذاهب عسكرية هجومية بشكل ما[18].
حقيقة أن هذه المذاهب أدت إلى الاستراتيجيات الهجومية التي هزمت الذات في الحرب العالمية الأولى كان لها علاقة في النهاية بتحول العلاقات المدنية العسكرية داخل ثالوث كلاوزفيتز في بلدانهم. في فرنسا، على سبيل المثال، لم يثق سلك الضباط في اتجاه قادة الجمهورية الثالثة نحو فترات أقصر من الخدمة العسكرية، والتي اعتقدت أنها تهدد الطابع المهني للجيش وتقاليده. كان تبني عقيدة هجومية ورفعها إلى أعلى مستوى وسيلة لمكافحة هذا الاتجاه، حيث كان هناك اتفاق عام على أن الجيش الذي يتكون أساسًا من جنود الاحتياط والمجندين على المدى القصير لا يمكن استخدامه إلا في الدفاع. وكتب أحد الجنرالات الفرنسيين في ذلك الوقت: “إن الاحتياطيات مخادعة للعين كثيرا، ولا تجذب سوى علماء الرياضيات قصيري النظر الذين يساوون بين قيمة الجيوش وحجم فعاليتها، دون النظر إلى قيمتها المعنوية”[19]. على الرغم من أن هذه كانت نكسات لأولئك الذين شاركوا هذا الشعور في أعقاب قضية “دريفوس” والإصلاحات العسكرية اللاحقة في الجيش الفرنسي، إلا أنها لم تتطلب سوى مناخ دولي أكثر قسوة بعد أزمة “أغادير” عام 1911 للجنرال “جوفري” للحصول على الصدارة. وكما أوضح جوفري أنه في التخطيط للحرب القادمة، “لم يكن لدي فكرة مسبقة بخلاف التصميم الكامل على الهجوم مع تجميع جميع قواتي”[20].
في ظل هذه الظروف، أصبحت العقيدة الهجومية الفرنسية غير مرتبطة بشكل متزايد بالواقع الاستراتيجي لأنها استجابت للمطالب الأكثر إلحاحا للسياسة المحلية والداخلية. وكانت النتيجة اندفاع فرنسا الاستراتيجي غير المدروس في عام 1914 نحو ممتلكاتها السابقة في الشرق، وهو اندفاع كاد يوفر هامشا كافيا من المساعدة لخطة “شليفن” الألمانية للعمل، وهي نتيجة أخرى لسياسة قيادة العقيدة التشغيلية العسكرية.
في النهاية، فقط معجزة (معركة المارن) منعت انتصار الألمان على الفرنسيين[21]. وكانت هناك نتائج أخرى لا تقل أهمية حيث استمر العبء الكامل للتغير التكنولوجي في تغيير العلاقة بين عناصر (ثالوث) كلاوزفيتز في جميع القوى الأوروبية. أدت أحجام الجيوش الكبيرة والأكثر تعقيدا إلى تزايد التخصص وتقسيم الجيش إلى أفرع -وهو اتجاه بلغ ذروته في محاكاة نظام هيئة الأركان العامة الألمانية من قبل معظم القوى الأوروبية. من الواضح أن “كلاوزفيتز” تجاهل (كارنو) “منظم النصر لنابليون”، عند التفكير في العبقرية العسكرية. الآن مع الزيادة في الفروع العسكرية، وكذلك الخدمة القتالية ومنظمات دعم الخدمة القتالية، وصل عصر العبقرية “العسكرية”. كل هذا بدوره أثر على العلاقة في جميع البلدان بين الجيش والحكومة، لأن الزيادة في المعرفة والمهارة المهنية الناجمة عن تقدم التكنولوجيا في الشؤون العسكرية قوضت قدرة القادة السياسيين على فهم الجيش والسيطرة عليه، تماما كما كانت التكنولوجيا تجعل هذه السيطرة أكثر أهمية من أي وقت مضى من خلال توسيع الاستراتيجية من ساحة المعركة إلى العمق المدني، وبالتالي تم طمس الفراق بين المقاتلين وغير المقاتلين[22].
في الوقت نفسه، بدأ التوسع العسكري في “التحضير للحرب في وقت السلم” في توسيع الأبعاد الاقتصادية للصراع بما يتجاوز الدعم المالي البسيط لعصر كلاوزفيتز. مع دخول أوروبا القرن 20، بدأت مجالات جديدة للقلق في الظهور تتراوح من القدرة الصناعية وتوافر وتوزيع المواد الخام إلى البحث والتطوير للأسلحة والمعدات. كل هذا، زاد من حجم ودور الحكومات الأوروبية قبل الحرب العالمية الأولى -مما أدى إلى أن “الإعداد التنافسي الحاد الشديد للحرب من قبل الأمة هو الحرب الحقيقية، التي تتزايد بشكل دائم، بحيث تكون المعارك مجرد نوع من التحقق العام من الإتقان المكتسب خلال فترات “السلام”[23].
ومع ذلك، فإن التأثير الكامل للدور الاستراتيجي للحكومة من حيث أدوات القوة الوطنية -بخلاف دور الجيش- لم يكن مدركاً بشكل عام في أوروبا، على الرغم من بعض الدروس الأكثر بروزا من الحرب الأهلية الأمريكية. في ذلك الصراع، خسر الجنوب الأمريكي لأن وسائله الاستراتيجية لم تتناسب مع غاياته وطرقه الاستراتيجية. وبالتالي، لا يمكن لأي قدر من البراعة التشغيلية من جانب قادة الجنوب العظماء أن يعوضوا عن القوة الصناعية المتفوقة والقوى العاملة التي يمكن أن ينشرها الشمال. في نهاية المطاف، كان هذا يعني بالنسبة للشمال، كما أشار مايكل هوارد، “أن المهارات التشغيلية لخصومهم أصبحت غير ذات صلة تقريبا”[24]. أوضحت الحرب الأهلية بجانب التغييرات في النموذج الاستراتيجي: الأهمية المتزايدة للإرادة الوطنية للشعب في تحقيق الأهداف الاستراتيجية السياسية والعسكرية. كان هذا البعد الاجتماعي للاستراتيجية من جانب الاتحاد هو ما منع الانتصارات التشغيلية الجنوبية المبكرة من أن تكون حاسمة استراتيجيا، وما سمح في النهاية بتحقيق الإمكانات الصناعية واللوجستية الهائلة شمال نهر “بوتوماك”.
انضمت الثورات: عصر الحروب الشاملة:
تغيرت الاستراتيجية بشكل لا رجعة فيه مع التجييش الكامل في الحرب العالمية الأولى للاتجاهات التي وضعتها الثورتان الصناعية والفرنسية. على وجه الخصوص، قدمت التكنولوجيا في تلك الحرب “معاينة لصندوق “شرور باندورا” الذي كان يعنيه ربط العلم بالصناعة في خدمة الحرب”[25]. وكيف يمكن أن تكون نتائج هذا الارتباط غير متوقعة، حيث ظهر ذلك من خلال في تقرير فرعي لشاب بريطاني إلى قائده العام بعد واحدة من أولى الهجمات البريطانية في “فلاندرز”. واختتم قائلا: “آسف سيدي”. “لم نكن نعلم أن الأمر سيكون هكذا. سنقدم أداء أفضل في المرة القادمة”[26].
لكن بالطبع لم يكن هناك أداء أفضل في المرة القادمة، ليس من قبل القادة البريطانيين والفرنسيين في فلاندرز، ولا من قبل القوات النمساوية على جبهتي درينا وجاليسيا في عام 1914، وليس من قبل الضباط الروس على خط جورليس تارنوف في عام 1915. فقد تسرب الإحباط من هذا التحول في الأحداث من قبل “ألكسندر سولجينتسين” في روايته أغسطس 1914. وكتب: “كم تغيرت ظروف الحرب بشكل كارثي، مما جعل القائد عاجزا مثل دمية خرقة! أين كانت ساحة المعركة الآن، والتي يمكن أن يركض عبرها إلى قائد متعثر ويستدعي من بجانبه؟[27] كان هذا المحيط هو الذي أظهر عدم كفاية الاستراتيجية الكلاسيكية للتعامل مع تعقيدات الحرب الحديثة. عرف نابليون هذه الاستراتيجية بأنها “فن الاستفادة من الزمان والمكان”[28]. لكن أبعاد هذين المتغيرين قد امتدت وأصبحت أكثر تعقيدا من خلال تفاعل التكنولوجيا، مع عناصر ثالوث كلاوزفيتز، وهذا التعقيد بالذات، من خلال الافتقار إلى الحسم، فإن المستوى التكتيكي، أعاق الاستمرارية الرأسية للحرب الموضحة في تعريف كلاوزفيتز للاستراتيجية على أنها استخدام الاشتباكات لتحقيق أهداف السياسة. فقط عندما تم توسيع السلسلة المستمرة، كما أظهرت الحرب العالمية الأولي، كان من الممكن استعادة تماسك القتال إلى القتال الحديث. وهذا بدوره يتطلب وضع المفهوم الكلاسيكي للاستراتيجية عند نقطة المنتصف، وهو مستوى عملياتي، مصمم لتنظيم الاشتباكات والمعارك التكتيكية الفردية من أجل تحقيق نتائج استراتيجية (انظر الشكل 4).
شكل 4. استمرارية الحرب.
ولذلك، تمت إضافة مستوى الإستراتيجية العسكرية، الذي يعمل ضمن نموذج الغايات والطرق والوسائل على المستوى الأفقي الخاص به، كمحطة طريق أخرى على الطريق العمودي لتحقيق أهداف السياسة. ترك هذا مفهوم الاستراتيجية، كما كان مفهوما منذ زمن كلاوزفيتز، يتحول إلى:
مستوى الحرب التي يتم فيها التخطيط للحملات والعمليات الرئيسية وتنفيذها واستدامتها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. الأنشطة على هذا المستوى تربط التكتيكات والاستراتيجية. . . . وتنطوي هذه الأنشطة على بعد أوسع للزمان أو المكان من التكتيكات. إنها توفر الوسائل التي يتم من خلالها استغلال النجاحات التكتيكية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية[29].
في الوقت نفسه، استبدل التأثير الكامل للتكنولوجيا على ثالوث كلاوزفيتز في كل من الدول المقاتلة خلال الحرب العالمية الأولى مفهوم السياسة الأكثر تعقيدا بلا حدود. بادئ ذي بدء، فإن التطور المتزايد وكمية الأسلحة والذخائر، فضلاً عن الطلبات الهائلة على المعدات والإمدادات التي قدمتها الجيوش، تضمنت الموارد الوطنية للصناعة والعلوم والزراعة -وهي متغيرات لم يكن القادة العسكريون مستعدين للتعامل معها. وللتعامل مع هذه المتغيرات، سرعان ما اضطرت الحكومات إلى تغيير الحياة الوطنية لدولها من أجل توفير أسس الحرب الشاملة.
إذا نظرنا إلى الوراء بعد أكثر من 50 عاما على مجمل هذا التغيير في ما أسماه كلاوزفيتز السياسة، عرف الأدميرال “إكليس” مفهوم الاستراتيجية الوطنية التي ظهرت في الحرب العالمية الأولى بأنها “الاتجاه الشامل لجميع عناصر القوة الوطنية لتحقيق الأهداف الوطنية”[30]. وحددت وزارة الدفاع الأمريكية المستوى الجديد من الإستراتيجية التي ظهرت على المستوى الوطني بعد عام 1914 على أنها “فن وعلم تطوير واستخدام القوى السياسية والاقتصادية والنفسية للأمة، جنباً إلى جنب مع قواتها المسلحة أثناء السلم والحرب، لتأمين الأهداف الوطنية”[31].
إذا ، فالاستراتيجية الوطنية تشمل جميع عناصر القوة الوطنية. هذه العناصر يمكن تقسيمها بسهولة على المستوى الأفقي إلى الفئات الموضحة في تعريف وزارة الدفاع للاستراتيجية الوطنية: السياسية والاقتصادية والنفسية والعسكرية (انظر الشكل 5).
الشكل 5. الاستراتيجية الوطنية: المستوى الأفقي.
المحور الأساسي في هذا التصميم الأفقي هو الأداة العسكرية للقوة على المستوى الاستراتيجي الوطني في (القمة)، كما رأينا الاستراتيجية الناشئة في الحرب العالمية الأولى، للاستمرارية الرأسية للحرب (انظر الشكل 6).
الشكل 6. الاستراتيجية الوطنية والرأسية استمرارية الحرب.
وهكذا، فإن مزيج الغايات والطرق والوسائل على المستوى الاستراتيجي العسكري الوطني سيؤثر بشكل مباشر (وسيتأثر بـ) نفس النموذج الذي يعمل على كل مستوى من مستويات الاستمرارية الرأسية. ومما يزيد من التعقيد التفاعل على المستوى الأفقي للاستراتيجية العسكرية الوطنية مع الاستراتيجيات الأخرى المستمدة من عناصر القوة الوطنية، حيث تعمل كل منها ضمن نموذجها الاستراتيجي الخاص، وتساهم جميعها في التصميم الكبير للاستراتيجية الوطنية، حيث تتطور تلك الاستراتيجية ضمن مزيجها العام من الغايات والطرق والوسائل. وأصبح من الواضح بشكل متزايد أن هذا التفاعل الأفقي والرأسي جعل صياغة وتنفيذ الاستراتيجية على كل المستويات أكثر صعوبة. وخلص الأدميرال (إكليس) إلى أنه “نظرا لأن عناصر القوة المختلفة هذه لا يمكن تعريفها أو تقسيمها أو تقسيمها بدقة، فمن الطبيعي أن نتوقع مجالات من الغموض والتداخل والخلاف حول السلط .
استنتاج
نمر بعصر تغير فيه المشهد الاستراتيجي ويستمر في التغير. ومع ذلك، فإن المشاكل الأساسية التي تجعل الاستراتيجية صعبة للغاية بالنسبة لقوة عالمية تظل في الأساس كما كانت بالنسبة للقوى السابقة التي تتراوح من روما إلى بريطانيا العظمى. بادئ ذي بدء، هناك تحديات للمصالح الوطنية في جميع أنحاء العالم. ولكن في بيئة استراتيجية دائمة التغير، يصعب في كثير من الحالات التمييز بين أي من تلك المصالح حيوية، ناهيك عن طبيعة التحدي أو التهديد الذي تواجهه.
وعلى أية حال، لا توجد أبدا قوات مسلحة كافية للحد من المخاطر في كل مكان؛ ولا بد من تحديد الأولويات الاستراتيجية.
بالإضافة إلى ذلك، على قادة القوى العظمى، يتعين على النخب الحكومية التعامل مع مفارقة الاستعداد للحرب حتى في وقت السلم إذا كانوا يرغبون في الحفاظ على السلام. إن المعضلة في المفارقة التي تجعل الاستراتيجية في أي عصر صعبة للغاية هي أن الإفراط في مثل هذه الاستعدادات قد يضعف العناصر الاقتصادية والنفسية والسياسية للسلطة على المدى الطويل. الحل هو تحقيق التوازن بين الغايات والطرق والوسائل الكلية بحيث يتم الحفاظ على التوتر الطبيعي في شؤون الأمن القومي بين السياسة الداخلية والخارجية عند الحد الأدنى، مع ضمان المصالح الحيوية للأمة بأقل قدر من المخاطر. وهذا الحل، كما يتفق زعماء القوى العالمية العظمى في الماضي بكل تأكيد، ليس من السهل تحقيقه، في عالم أكثر ترابطا من أي وقت مضى، حيث زادت المتغيرات بالنسبة للاستراتيجي ضمن نموذج الغايات والطرق والوسائل بشكل كبير، لم يعد الاستراتيجيون أقرب إلى “حجر الفيلسوف” مما كانوا عليه في أي وقت مضى، تبقى الاستراتيجية أصعب الفنون[32].
الهوامش:
[1] Arthur F. Lykke, “Defining Military Strategy,” Military Review, Vol. 69, No. 5, May 1989, pp. 2-8, and his testimony before the Senate Armed Services Committee, National Security Strategy, hearings before the Committee on Armed Services, U.S. Senate, One Hundredth Congress, First Session, Washington, DC: U.S. Government Printing Office, 1987, pp. 140-145. See also Sound Military Decision, Newport, RI: Naval War College, 1942, pp. 32, 34, 164, 165; and Henry E. Eccles, Military Power in a Free Society, Newport, RI: Naval War College Press, 1979, p. 73.
[2] John Shy, “Jomini,” pp 173-175, and Philip Crowl, “Mahan,” p. 454, both in Makers of Modern Strategy, Peter Paret, ed., Princeton NJ: Princeton University Press, 1986. See also Stephen M. Walt, “The Search for a Science of Strategy,” International Security, Vol. 12, No. I, Summer 1987, pp. 144145; John I. Alger, The Quest for Victory, Westport, CT: Greenwood Press, 1982; Admiral J. C. Wylie, Military Strategy: A General Theory of Power Control, Westport, CT: Greenwood Press, 1980, p. 20.
[3] Wylie, Military Strategy, p. 10.
[4] Martin van Creveld, “Eternal Clausewitz,” in Clausewitz and Modern Strategy, Michael I. Handel, ed., London, U.K.: Frank Cass, 1986, p. 41. The formulation of strategy is the creative act of choosing a means, an end, and a way to relate a means to an end.” Carl H. Builder, The Masks of War: American Military Styles in Strategy and Analysis, Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1989, p. 50.
[5] Original emphasis. Carl von Clausewitz, Two Letters on Strategy, Peter Paret and Daniel Moran, ed./trans., Carlisle, PA: U.S. Army War College, 1984, p. 9.
[6] Karl von Clausewitz, On War, Michael Howard and Peter Paret, ed., Princeton NJ: Princeton University Press, 1976, pp. 142-143.
[7] Michael Howard, Clausewitz, New York: Oxford University Press, 1986, p. 16; Clausewitz, On War, pp. 127-132.
[8] Clausewitz, On War, p. 111. “In the highest realms of strategy . . . there is little or no difference between strategy, policy, and statesmanship.” Ibid., p. 178. Winston Churchill relearned these lessons in World War I. “The distinction between politics and strategy,” he wrote at that time, “diminishes as the point of view is raised. At the Summit, true politics and strategy are one.” Winston S. Churchill, The World Crisis 1915, New York: Charles Scribner’s Sons, 1929, p. 6.
[9] Clausewitz, On War, p. 179.
[10] Ibid., p. 605.
[11] Ibid., pp. 592-593.
[12] Ibid., p. 89.
[13] Ibid., pp. 609-610.
[14] Ibid., p. 89.
[15] Michael I. Handel, War, Strategy and Intelligence, London, U.K.: Frank Cass, 1989, p. 63; Howard, Clausewitz, pp. 3-4; and van Creveld, “Eternal Clausewitz,” p. 36.
[16] Handel, War, p. 82. See also Dennis E. Showalter, “Total War for Limited Objectives: An Interpretation of German Grand Strategy,” in Grand Strategies in War and Peace, Paul Kennedy, ed., New Haven, CT: Yale University Press, 1991, pp. 110-111.
[17] Gordon A. Craig, The Politics of the Prussian Army 1640-1945, New York: Oxford University Press, 1956, p. 107; Michael Howard, “The Armed Forces as a Political Problem,” in Soldiers and Governments, Michael Howard, ed., Westport, CT: Greenwood Press, 1978, p. 16.
[18] Martin van Creveld, “Caesar’s Ghost: Military History and the Wars of the Future,” The Washington Quarterly, Winter 1980, p. 81. See also Michael Howard, “Men against Fire: The Doctrine of the Offensive in 1914,” in Makers of Modern Strategy, p. 521; and Handel, War, pp. 21, 64-68.
[19] Howard, “Armed Forces as a Political Problem,” p. 17. See also Jack Snyder, “Civil Military Relations and the Cult of the Offensive, 1914-1984,” International Security, Summer 1984, p. 109.
[20] Theodore Ropp, War in the Modern World, New York: Collier Books, 1962, p. 229; Snyder, “Civil Military Relations,” pp. 110-111, 130, 132-133.
[21] قدمت النخبة العسكرية الفرنسية صورة معكوسة للتقليل من شأن جنود الاحتياط في تقديراتهم للقوة الألمانية. ومع ذلك، استخدمت هيئة الأركان العامة الألمانية على نطاق واسع جنود الاحتياط الألمان، وبدلا من 68 فرقة ألمانية كانت متوقعة في تنفيذ الخطة الفرنسية السابعة عشرة، كان هناك 83 فرقة. Howard, “Armed Forces as a Political Problem,” p. 17. أثبت فشل “جوفري” في استخدام جنود الاحتياط الفرنسيين بشكل كامل في عام 1914 أنه -كما أشار دوغلاس بورش- “مثل الذهاب إلى الحرب بدون سروالك”. أنظر: Porch, “Arms and Alliances: French Grand Strategy and Policy in 1914 and 1940,” in Grand Strategies in War and Peace, p. 142. See also Snyder, “Civil Military Relations,” pp. 108, 133. بالطبع، لو ظل الجيش الفرنسي في موقف دفاعي بدلاً من الانغماس في الألزاس، لكان بإمكانه أن يضع ثقله الكامل للتأثير على الجيش الألماني على الحدود الفرنسية. Stephen Van Evera, “The Cult of the Offensive and the Origins of the First World War,” International Security, Summer 1984, p. 89. ومع ذلك، فمن الصحيح أيضاً أن الهجوم الفرنسي تسبب في النهاية في إضعاف “مولتكه” للجناح الأيمن الذي كان من المفترض أن “ينظف القناة بكمها”. علاوة على ذلك، كما أشار مايكل هوارد: فإن المفهوم العام وراء الخطة السابعة عشرة – أن فرنسا يجب أن تأخذ المبادرة الاستراتيجية بدلاً من انتظار الهجوم الألماني بشكل سلبي- وفر المرونة التي مكنت الجنرال جوفري من التعافي بسرعة من انتكاساته في البداية وإعادة نشر قواته لمعركة مارن. Howard, “Men against Fire,” pp. 522-523.
[22] Handel, War, pp. 60, 79. “The interchangeability between the statesman and the soldier,” General Wavell stated later in summarizing these developments, passed forever . . . in the last century. The Germans professionalized the trade of war, and modern inventions, by increasing its technicalities, have specialized it.” Archibald Wavell, Generals and Generalship, London, U.K.: Macmillan, 1941, pp. 33-34.
[23] Handel, War, p. 58.
[24] Michael Howard, “The Forgotten Dimensions of Strategy,” Foreign Affairs, Summer 1979, p. 977. See also Gordon A. Craig, “Delbruck: The Military Historian,” in Makers of Modern Strategy, p. 345.
[25] Hanson W. Baldwin, World War I: An Outline History, New York: Harper & Row, 1962, p. 159.
[26] Gordon A. Craig, War, Politics and Diplomacy, New York: Frederick A. Praeger, 1966, p. 197.
[27] Alexander Solzhenitsyn, August 1914, New York: Bantam Books, 1974, pp. 330-331.
[28] David G. Chandler, The Campaigns of Napoleon, New York: Macmillan, 1966, p. 161.
[29] Joint Chiefs of Staff (JCS) Publication (Pub) 1-02, Department of Defense Dictionary of Military and Associated Terms, Washington, DC: U.S. Government Printing Office, December 1, 1989, p. 264.
[30] Henry E. Eccles, Military Power in a Free Society, Newport, RI: Naval War College Press, 1979, p. 70.
[31] JCS Pub 1-02, p. 244. This is what Andre Beaufre long ago termed total strategy: “the manner in which all— political, economic, diplomatic, and military—should be woven together.” Andre Beaufre, An Introduction to Strategy, New York: Praeger, 1965, p. 30.
[32] Kennedy, “Grand Strategy in War and Peace: Toward a Broader Definition,” p. 7. During the Roman Republic, for example, Roman foreign policy was affected by the distrust and fear felt by the ruling patricians for the plebians of Rome on the domestic front. Barr, Consulting the Romans, p. 6.