مستقبل توظيف تحالفات في السياسة الدولية وفق الية منهجية :
محمد على الطائي
بات العالم يشهد حركة من التفاعلات السياسة الدولية تتمثل في إقامة التحالفات الاستراتيجية من أجل إعادة ترتيب التوازنات الدولية والإقليمية وبالشكل الذي سوف يغير كثيرا من معطيات القوة لوحدات الفاعلة في السياسة الدولية. ونجد أن مستقبل توظيف التحالفات في السياسة الدولية مرتبط بعدة تغيرات جيوسياسية، وتحولات إستراتيجية في السياسة الدولية، بالإضافة إلى أن المصالح والتهديدات وموازين القوى لها صلة بارزة في مستقبل استقرار التحالفات أو عدم استقرارها في السياسة الدولية. ولها أيضاً انعكاسات على إعادة بناء التحالفات أو جمودها أو إنهائها في عمليات السياسة الدولية.
لذلك سنطرح مستقبل التحالفات من منظور المدرسة الواقعية، ونفترض أن النظرية الواقعية المحدد الرئيسي هي بوصلة توجهات واتجاهات التحالفات في السياسة الدولية، ذلك أنها تشكل المرتكز الفكري لسياسات التحالفات في العلاقات الدولية، إذ أن مستقبل التحالف في إطار “الواقعية الكلاسيكية” هو الصمود أمام الأعداء، وهو مسألة ملاءمة، وليست مسألة مبدأ. وفي إطار المدرسة الواقعية الكلاسيكية يكون مستقبل التحالفات عبارة عن تماسك، فضلا عن بقاء واستمرار التهديدات المشتركة التي أدت إلى تشكيل تلك التحالفات.
أما مستقبل التحالفات في إطار النظرية “الواقعية الجديدة” يتوقف على ما ينشأ من مشاكل وخلافات، وما يترتب عليها أيضا من تفككك التحالفات بمجرد الاختفاء الكلي للتهديد الذي نشأ التحالف بالأساس لدرئِه.
وعندما نريد أن نستشرف المستقبل فهناك أكثر من سيناريوهات يؤول إليه مستقبل التحالفات الدولية في السياسة الدولية، وهي كالتالي:
أولاً: الاستقرار وتعزيز التحالفات:
ينطلق هذا الاحتمال من افتراض مفاده أن التحالفات الدولية ستستمر في فعاليتها باعتبارها أداة في غاية الأهمية لحماية مصالحها الدول الداخلة في التحالف، ولاسيما فإن إستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية قائمة على الشراكة ونبذ الصراع بين الأقطاب الفاعلة في السياسة الدولية، وسوف تقوم هذه الاستراتيجية على ترسيخ حالة توزان المصالح، وإبقاء الدول الكبرى تابعة لتأثيرها. بمعنى أنها ستبني خيار إقامة التحالفات وعلاقات شراكة في تحمل المسؤولية الدولية وتوزيع المنفعة مما تجعل مستقبل هذه التحالفات في حالة مستمرة ومستقرة.
ويمكن القول إن القوة الأمريكية لا زالت تمتلك زمام المبادرة نحو زيادة فاعلية التحالفات الدولية، ولكن أحداث ١١سبتمبر جعلت من الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع مواجهة التكاليف العالمية الباهظة، وبالتالي فإن الدور الذي تلعبه القوة في التحالفات الدولية مستمر ومتزايد، وذلك حسب معطيات البيئة العالمية المستقرة.
ثانياً: عدم الاستقرار وتفكك التحالفات:
ينطلق هذا الاحتمال من افتراض مفاده أن التحالفات الدولية تواجهها العديد من المعوقات التي تعرقل عملها واستمرارها، ومن أهم هذه المعوقات اختلاف أو تضارب المصالح والأهداف، ومن الواضح أن التحالفات الدولية لا تتشكل عفوياً، وإنما لوجود مصلحة مشتركة بين الحلفاء لزيادة قدرات الدول الأعضاء فيها، وتمكنها من ردع فعال، ولكنها غير مرغوب بها لذاتها. ومثال ذلك، مساحة التباين بين موسكو وطهران، فعلى الرغم من وجود تحالف استراتيجي بينهما، فقد برزت ملامح الخلاف في توقيتات مختلفة، مثلا: بعد تحرير مدينة حلب في سوريا في ٢٠١٦، حينما تم التوصل إلى اتفاق إطلاق النار الذي أبرم بين موسكو وأنقرة دون الأخذ بالحسبان موقف طهران، رغم أنها تعتبر حليفاً لروسيا.
ويمكن القول إن تفككك التحالفات الدولية تكون نتيجة ما تتمتع به من مزايا أهلتها لهذا الشأن، فضلاً عن عدم استقرار التحالفات تكمن في البيئة الأمنية والسياسية، وما يشهد فيها من أحداث متسارعة خصوصا بعد عام ٢٠١١.
ثالثاً: تزايد توظيف التحالفات:
يتمثل هذا الاحتمال بتزايد الاعتماد على التحالفات، وتوظيفها. كما تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية في سياستها الخارجية، وكذلك حلف الشمال الأطلسي. إن الميزة التي تحوزها التحالفات كونها الوسيلة الأمثل في إشراك الآخرين في تحقيق الأهداف، وتحمل الأعباء لقاء الحصول على المنافع المشتركة.
ويرتبط ذلك بذات الحلفاء وقوة الرابطة التي تربطهم بالولايات المتحدة الأميركية، من حيث حجم المصالح، وقوة العامل القيمي، إذا لازالت دول العالم الغربي ذات الممنهج “الليبرالي” والتي هي على صلة وثيقة بالولايات المتحدة تشارك الموروث الحضاري والمنهج الديمقراطي، وهما الوسائل الفاعلة في تزايد تحالفات الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الشمال الأطلسي.
الخاتمة:
تبين أن مستقبل التحالفات الدولية وغيرها، سواء ما هي واقع حال وتعمل بشكل منتظم، أو هي في طور التشكيل، أو التي مازالت على طاولة النقاش، لا تخرج عن قاعدتين تحدده بوصلتها المستقبلية.
القاعدة الأولي: قاعدة القوة غير المنضبطة التي تمس بجوهر أمن واستقرار المجتمع الدولي في النهاية.
والقاعدة الثانية: قاعدة القوى المتوازنة.
وجميع هذه التحالفات تحتاج إلى مسار وصمود، وربما ضغط عالٍ. وحتى إن تم التوصل إليها لا بد لها من ثمن باهظ، كما وقع في حرب الثلاثين عاماً الأوروبية (1648)، أو الحربين العالميتين الأولى والثانية، والتي أحدثتا اختلالاً في موازين القوى الدولية، وانحدر العالم إلى هاوية التفكك التي أسست لمرحلة جديدة تشكَّل فيها مجتمع دولي على قواعد خلقت من رحى الحروب.
ومن هنا فالصراعات الدائر اليوم، القائمة على تفتيت النسق الأحادية القطبية، والتوجه نحو تشكيل عالم متعدد الأقطاب بمنطق مختلف، تتداخل فيه القوة الذكية والتكنولوجيا والطاقة، ويتم الاصطفاف على محاور دولية وإقليمية مُشبعَة بالتناقضات، والتي يصعب معها التنبؤ أو توقع مآلات الأحداث، يجعلنا نتأمل في مستقبل المجتمع الدولي، وحتى مصير هيئة الأمم المتحدة، وما تفرعّ عنها من تكتلات دولية وإقليمية.
ولعله، وحتى نقف أكثر على مسارات تلك التحالفات في مجال الدفاع والأمن والتصدي لآثار التصادمات المحتملة، وتداعياتها على الأمن والسلام الدوليين، لاسيما ما ينعكس على مراكز القرار الدولي (مجلس الأمن الدولي)، أعتقد أنه من المهم إعادة قراءة أسس بناء المجتمع الدولي الجديد، الذي سيتشكَّل على قواعد التحالفات الجديدة المختلفة.