الرئيسية / النظرية السياسية / فكر وفلسفة سياسية / وظائف الدولة بين الفكر الليبرالى والاشتراكي  والإسلامي
وظائف الدولة بين الفكر الليبرالى والاشتراكي  والإسلامي
وظائف الدولة بين الفكر الليبرالى والاشتراكي  والإسلامي

وظائف الدولة بين الفكر الليبرالى والاشتراكي  والإسلامي

عناصر البحث:

مقدمة

المبحث الأول: وظائف الدولة في المذهب الفردي والمذهب الاشتراكي

  • وظائف الدولة في المذهب الفردي
  • وظائف الدولة في المذهب الاشتراكي

المبحث الثاني : وظائف الدولة في المذهب الاجتماعي والإسلامي

  • وظائف الدولة في المذهب الاجتماعي
  • وظائف الدولة في المذهب الإسلامي

خاتمة

المراجع والمصادر

 

 

مقدمة:

لا شك أن قيام الدولة هو تحقيق الأمن والخير والرفاهية، ولقد حاولت المذاهب المختلفة التوفيق بين مهام توفير الحاجات العامة للأفراد، ولن يتأتى ذلك إلا بتدعيم السلطة الرغبة في الحفاظ على حريات الأفراد. وهو ما سمي بالتوازن أو التوفيق بين الحرية والسلطة. إن نقطة التوازن هاته تختلف فيما بين المجتمعات هذا فظلا أن مفهوم الحرية يختلف في النظام والمذهب الاشتراكي والمذهب الاجتماعي. وهنا نتساءل فيما تكمل وظائف الدولة؟ حيت نجدها تتمثل أساسا لا حصرا في:

1- وظيفة الدفاع الخاص والمتمثلة في السلطة الفعلية في المؤسسة العسكرية وتتعلق بسلامة الدولة وأفرادها من العدوان الخارجي.

2- وظيفة الأمن على المستوى الداخلي بحفظ سلامة الأفراد وممتلكاتهم وأموالهم.

3- وظيفة العدالة أي العدالة بين الأفراد في وجود قوانين ينص عليها القضاء استنادا إلى الشريعة الإسلامية لتحقيق المساواة.

 -Iوظائف الدولة في المذهب الفردي الليبرالي والمذهب الاشتراكي

1/ مضمون المذهب الفردي الليبرالي:

تقوم الأنظمة الحرة (الليبرالية والرأسمالية) على فكرة أن الفرد أسبق من وجود المجتمع. وبالتالي على المجتمعات أي تقدس هذا الفرد، فهو غاية وجودها. فتعمل على تحقيق أغراضه وتأمين حقوقه.

فالفرد في ظل هذا المذهب هو الغاية – وهو الوسيلة – وبذلك تقف الدولة موقفا سلبيا إزاء حقوق الفرد وحرياته. فالدولة يحرم عليها التدخل في مجال الصحة أو مجالات التعليم والثقافة أو المشاريع الاقتصادية والتنموية. فتدخل الدولة يقتصر على حماية وتنظيم حقوق الفرد وحرياته دون الانتقاص منها أو إضعافها. أما الحقوق والحريات صدد التنظيم والحماية فهي على التوالي: حرية الأمن، حرية التنقل، حرية المسكن، حرية المواصلات وتعرفه بالحريات الشخصية. إلى جانبها توجد حريات فكرية وذهنية مثل: حرية الرأي، حرية الاجتماع، الحرية الدينية، وحرية التعليم، حرية الصحافة. ومن هنا يمكن القول أن المصلحة العامة تستند إلى فكرة الحقوق الفردية[1].

2/ مصادر المذهب الفردي ومبرراته:

يمكن حصر المصادر الأساسية للمذهب الفردي وتصنيفها بحسب المنبع. وهي عديدة، إما مصادر دينية، يرجع الفضل للمسيحية وتعاليمها التي نادت بفصل السلطة الروحية عن السلطة السياسية، وبالتالي إخراج كل ما هو ديني من نطاق الدولة ونشاطاتها، وهو تقييد لسلطات الدولة. أما المنبع الثاني فهو فكري وسياسي، وتتمثل في مبادئ القانون الطبيعي من ناحية ونظرية العقد الاجتماعي من ناحية أخرى[2].

أساس الفقيه “جودسيوس” مدرسة القانون الطبيعي، ووضع معالمها على أساس أن الفرد له حقوق ثابتة أبدية لا يمكن تنحيتها، بل على الدولة الحفاظ عليها. في حين نظرية العقد الاجتماعي لعبت دورا هاما بإعطاء دافع لتطبيق هذا المذهب الفردي على أساس أن الأفراد تعاقدوا من أجل الحفاظ وتنظيم حقوقهم وحرياتهم.

في الجانب الاقتصادي، يمكن إرجاع مدرسة الطبيعيين الذين سيطروا على الفكر الاقتصادي في أوروبا منذ القرن 18 عشر لآدم سميث وشعاره (دعه يعمل دعه يمر)  فكان هذا المبدأ على أساسين هما: (مبدأ المصلحة الشخصية – مبدأ المنافسة) رغم وجود تعارض بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة في بعض المبادئ كحرية الملكية وحرية التجارة.

كُرست هذه الأفكار في بعض الاتفاقيات والدساتير فقد جاء في أول إعلان أمريكي للحقوق “أن جميع الناس خلقوا أحرار ومتساوين”.

طبقا لهذا المذهب فان الدولة تمارس الوظائف تنحصر في مرافق الدفاع والأمن والقضاء. وبالتالي فتجاوز هذا الحد يؤدي إلى المساس بحقوق وحريات الأفراد ويعتبر خروجا عن القانون الطبيعي.

3/ التقييم والتقدير:

يستند هذا المذهب إلى بعض الحجج والأدلة الافتراضية الغير مقنعة من الناحية العلمية كقوله إن الإنسان وجد قبل وجود الجماعة، وبالتالي تنازل بقدر ضئيل عن حقوقه فالدليل العلمي يثبت العكس ذلك بل أن الإنسان اجتماعي بطبعه، ويميل إلى العيش دائما في وسط الجماعة، كما أن حصر وظائف الدولة في مجالات الأمن – الدفاع – العمل – غير منطقي، ولا يتأقلم مع روح العصر الذي اتسعت فيه العمران وتشابكت مصالح الناس وتعقدت مشاكلهم كل هذا أدت بالدول إلى الدخول في نشاطات عديدة كالتعليم والصحة والصحافة الضمان الاجتماعي.

كما أدى العمل بمبدأ المساواة القانونية التي قامت عليها الديمقراطية التقليدية المستندة إلى المذهب الفردي إلى فوارق طبقية وفردية صارخة وبالتالي تبرر الفجوة الشاسعة التي تفصل بين الأفراد.

II– وظائف الدولة في المذهب الاشتراكي:

ظهر المذهب الاشتراكي كرد فعل لتناقضات المذهب الفردي وبالأخص غلوه في تقديس الفرد وتمجيده فظهر هذا المذهب ليجعل من الجماعة الهدف والغاية بإزالة بعض مخالفات الرأسمالية من طبقية بين أفراد المجتمع وتحكم الأقلية على الأغلبية فحاول النظام الاشتراكي من خلال تدخل الدولة في جميع وسائل الإنتاج ملك للجميع ولتحقيق المصلحة العامة.

1/ الأصول الفكرية:

تعود جذور الاشتراكية إلى أطناب التاريخ فقد كانت في مستوى التنظير وصفحات المؤلفين والكتاب لذا قيل عنهم أنهم اشتراكيون خياليون أمثال: كونفتشيوس المفكر الصيني الذي نادى بتوزيع الثروة. وأفلاطون في مؤلفاته المشهورة “الجمهورية” و”السياسة” و”القوانين”. إلى جانب كل من توماس هوبز. أما النظرية فلم تتضح لها المعالم بصفة دقيقة ومضبوطة إلا بعد القرن الـ19 بظهور الماركسية، وأصبحت تعرف فيما بعد بالاشتراكية العلمية ووجدت تطبيقا عمليا لها في القرن 20 عشر الثورة البلشفية 1917، والثورة الكوبية 1961، ومن خلالها تطبيقات في بعض الدول المستقلة بعد المرحلة الاستعمارية (فيتنام، أنجولا، الكونغو…) فأساس هذه النظرية بلور مساوئ الرأسمالية. أن النظام الرأسمالي نظام طبقي أو الديمقراطية لا تحقق المساواة، وإنما تحقق سيطرة الطبقة البورجوازية. وبالتالي فالمجتمع الرأسمالي مجتمع صراع بين الطبقات صراع بين الطبقة المستعملة والمستغلة لفائض القيمة.

كما أكد كارل ماركس أن النظام الرأسمالي سيؤدي إلى أزمات متكررة وبصورة دورية بسبب المنافسة الشديدة، وحاول ماركس بناء نظريته بإلزامية تدخل الدولة في تنظيم اقتصادها (شمولي أو كلي) بتحقيق المساواة بين الأفراد بواسطة الملكية العامة لوسائل الإنتاج.

2/ دور الدولة في المذهب الاشتراكي:

ظائف الدولة في (تدخل) المذهب الاشتراكي غير مقيدة على غرار المذهب الفردي. حيث تمتلك الدولة جميع وسائل الإنتاج في المجتمع زراعة، صناعة، تجارة. كما تتولى إلغاء الملكية الفردية لأنها النواة الأولى لقيام النظام الطبقي، حسب أراء الاشتراكيين. تتدخل الدولة في الشؤون الاجتماعية من تعليم وصحة من آجل تأمين أفراد الشعب. يستلزم تقوية وتدعيم الجهاز التنفيذي بازدياد اختصاصاته وسلطاته. يطلب من الدولة دور إيجابي فعال في المذهب الاشتراكي:

– في المجال السياسي: يعمل من أجل إرساء المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة وتطبيقها.

في المجال الاجتماعي: إلغاء الفوارق بين الطبقات في ظل مجتمع تسوده المساواة العامة.

– في المجال الاقتصادي: القضاء على الرأسمالية، وتحويل أغلب وسائل الإنتاج إلى ملكية عامة ومشاعة.

3/ التقييم والتقدير: وجهت إلى المذهب الاشتراكي العديد من الانتقادات نوجزها فيما يلي:

– يعاب على المذهب الفردي باستغلال الإنسان للإنسان. فالمذهب الاشتراكي يؤدي إلى القضاء إلى للاستغلال الطبقة البرجوازية أو أصحاب المال للطبقة العمالية، فإنه ستحل محلها الطبقة الحاكمة التي تتولى إدارة وسائل الإنتاج في المجتمع الاشتراكي أي أن الطبقية لن تزول في المجتمع الاشتراكي.

– يدعي أصحاب المذهب الاشتراكي أن الحقوق والحريات في ظل المذهب الفردي خيالية وشكلية (حبر على ورق) بينما في المذهب الاشتراكي حقيقة. غير أن الحقوق والحريات ستتأثر إلى حد كبير نتيجة تدخل الدولة في مجالات النشاط الفردي لاتساع وظائفها.

– إلغاء الملكية في المذهب الاشتراكي منافي للفطرة الإنسانية، بل يقبل الحوافز والمبادرات الفردية الذي يدفع الإنسان للمزيد من الرقي.

– الانحرافات عديدة في ظل المذهب الاشتراكي، وهذا ما أقرته التجربة العملية، من إفلاس المجتمع الاشتراكي ودخوله متاحف التاريخ عبر العالم ليؤكد ويدعم الانتقادات السابقة الذكر إلى جانب ضعف الرؤية في التميز ظهور بعض الآفات كالبيروقراطية، قتل روح المبادرة، خنق الحريات الفردية، انعدام الرؤى الشاملة، المحسوبية في التعيين، إنشاء طبقات طفيلية.

III– وظائف الدولة في المذهب الاجتماعي:

إن المذهب الاجتماعي من المذاهب الأكثر انتشارا في الوقت الحاضر بل توجد أحزاب سياسية في الديمقراطيات الفردية تستمد أيديولوجيتها إلي هذا المذهب (الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية) هذا المذهب وسط بين إطلاق الحرية لنشاط الأفراد دون قيود وتحديد نشاط الدولة في مجالات معينة (المذهب الفردي)، إعطاء الدولة حق التدخل في شتى المجالات دون قيود أو ضوابط محددة (المذهب الاشتراكي).

أتى المذهب الاجتماعي ليعطي حقوق الأفراد دون أن يقيدها أو ينقص منها، ولكن ينظمها. يبين شروط ممارستها على أساس أنها منح قانونية، وليست حقوق طبيعية مقدسة.

كما أنه أقر حق الدولة في التدخل في العديد من الأنشطة التي يحظرها المذهب الفردي، رفعا للمصلحة العامة.

ومن خلال هذه الحيثيات يمكن القول بأن في ظل المذهب الاجتماعي دور الدولة إيجابي وليس مجرد دور سلبي، كما هو الحال في المذهب الفردي (الدولة الحارسة). إلا انه لا يرقى إلى مستوى الدولة الاشتراكية، حيث تقوم فيه الدولة بإلغاء جميع وسائل التملك للأفراد، كما أن وسائل الإنتاج هي ملك الدولة المتدخلة.

وهكذا أصبحت الدول الاجتماعية تضطلع بعدة وظائف أساسية وهذا التوجه منتشر في دول العالم الثالث التي تحاول اقتلاع شعوبها من مخلفات الاستعمار (فقر-بؤس –حرمان…) وهذا الاتجاه نلمس آثاره في الوطن العربي لا سيما الدساتير التي وضعت في أعقاب الحرب العالمية الثانية

IIII. وظائف الدولة في المذهب الإسلامي:

للدولة الإسلامية مهام ووظائف عديدة يكفيها فقط شرف الشهادة وتبليغ الدعوى وفق الضوابط الشرعية وهذه المهام تتمثل:

1- الجهاد: يتنوع مصطلح الجهاد في هذا المقام، ونقصد به المراتب المختلفة من جهاد النفس ضد نزاعات الفرد، بتوفير الدولة الوسائل الردعية لعدم إفشائه إلى جهاد الشيطان، حتى نصل إلى الجهاد في سبيل الله ضد عدو الله. والقرائن الشرعية يكفينا قول الله تعالى “واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل ترهبون به عدو الله…….”.

وعلى ذلك يكون على عاتق الدولة الإسلامية واجب الإعداء للجهاد وبوسائل القوة المتغيرة في كل وقت فإذا كان النبل والسهام في الوقت القديم، فإنه الصواريخ والقذائف في الوقت الحاضر.

2-نشر الأمن في الداخل: من واجبات الخليفة كما عددها الفقهاء حفظ الدين على أصوله المستقرة، وما أجمع عليه سلف الأمة، وإقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من تلاف واستهلاك، تقدير العطايا، ما يستحق في ثيب المال، ومباشرة الأمور وتصفح الأحوال بنفسه، لينهض سياته الخاصة وحراسته الأمة.

3– إقامة العدل ورد المظالم: ولعل من أبرز ما أكدته الشريعة الإسلامية والأدلة على ذلك عديدة في الكتاب والسنة إقامة العدل ورد المظالم، فيقول عز وجل “إذ حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل” ويقول “فأحكم بينهم بالقسط” على هذا الأساس فإن القضاء تنفيذ أحكامه يعتبر من أشرف الواجبات مما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم “القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضي له ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ورجل قضي للناس على جهل في النار”.

الخـــاتمة :

في الأخير أقول كل مذهب اختلف فيه مفهوم الحرية نتيجة للخلفية الفكرية المتجسدة حول الصراع بين السلطة والحرية، حيث إن الخلفية القائمة عليها وظائف الدولة بل قيام أي تنظيم سياسي راجع إلى الصراع المتجدد والمستمر بين الحرية والسلطة. فكلما انتصرت الحرية كنا أمام المذهب الفردي، وكلما تلاشت الحرية وتقوت السلطة أصبحنا أمام المذهب الماركسي، وكان توازن فإننا نتبع المذهب الاجتماعي، دون المساس بطبيعته لقدر معين من الوظائف ونعنى بالعولمة والدفاع والأمن فهي عناصر وجود الدولة وقيامها.

دور الدولة الإسلامية لا ينحصر في نطاق ضيق بل تعدى هذه الدائرة ليواكب مستلزمات العصر والعولمة.

المصادر والمراجع:

* الدكتور السعيد بوشعير، القانون الدستور والنظم السياسية المقارنة، ج1، النظرية العامة للدولة، د م ج، الساحة المركزية، بن عكنون، الجزائر.

الوافي في شرح القانون الدستوري، ج1، الدكتور أوصديق فوزي، أستاذ مساعد، مدير الدراسات الجامعية، جامعة الحقوق والعلوم الإدارية البليدة.

 

 

[1] – سعيد بوشعير، قانون دستوري والنظم السياسية، ص38.

[2] – أوصديق فوزي، الوافي في شرح القانون الدستوري.

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …