أصول المجال العام وتحولاته في الاجتماع السياسي الإسلامي
إبراهيم البيومي
د. إبراهيم البيومي، خبير أول، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، والبحث تقدم نشره في المجلة الاجتماعية القومية، المجلد السادس والأربعون، العدد الأول، يناير 2009م.
يسعى هذا البحث لبيان القيم الأساسية لمفهوم (المجال العام) في الاجتماع السياسي الإسلامي، ويهدف إلى تحليل التحولات التي طرأت على هذا المفهوم من خلال الممارسة التاريخية له. وأهم نتيجة له هي أن (المجال العام) لم يتطور في الممارسة، بالرغم من قوة مجموعة القيم التي يستند إليها.
مقدمة:
لا تنطلق هذه الدراسة من نظرية واضحة أو متبلورة عن (المجال العام) في الاجتماع السياسي الإسلامي، ولا في حياة المدينة الإسلامية أو تجمعاتها الحضرية بوجه خاص، فمثل هذه النظرية لا تزال في طور التكوين والتأصيل في بعض الكتابات الأكاديمية، بل هي لا تزال في بداياتها الأولى الباكرة جداً، ولا نجدها إلا أفكاراً مبعثرة بين أكثر من حقل من حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية.
ولكن عدم وضوح نظرية (المجال العام) أو عدم تبلورها في سياق الاجتماع السياسي الإسلامي لا يعني أن (الحياة) في ظل هذا الاجتماع لم يكن فيها مسمى ينطبق عليه اسم (المجال العام)، أو ليس فيها اليوم هذا المجال، إذ وجد (مجال عام) اتسع حيناً، وضاق حيناً آخر، ولا يزال بين مد وجذر، بين القوى الأساسية التي يتكون منها الاجتماع السياسي في الفضاء العربي الإسلامي، وإن كانت لحظات اتساعه وانفتاحه أقصر من طول لحظات ضيقة وانغلاقه.
وعدم وضوح نظرية عن (المجال العام) أو نقصان تبلورها في اجتهادات الجماعة العلمية المشتغلة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية في البلدان العربية والإسلامية ـ ومنها مصر ـ لا يعني أننا سننطلق من نظريات سابقة التجهيز عن (المجال العام)، بما في ذلك النظرية الأكثر شهرة التي قدمها (هابرماس)، وعدّ فيها المجال العام هو فضاء للتفاعل، أو التواصل اللفظي والفكري، من أجل بناء حد أدنى من الإجماع الوطني حول القضايا والإشكاليات المرتبطة بالولاء والمشاركة والتوافق السياسي في المجتمع. ولعل أكثر بحوث هابرماس اكتمالاً في شأن (المجال العام) هو مؤلفه عن (التحول الهيكلي في المجال العام)، هذا إلى جانب القسم الثاني من كتابه عن (نظرية الفعل الاتصالي)؛ حيث ميز بين ما يدعوه (العالم الحيوي) وبين النظام (وهو تمييز يقترب ـ إلى حد ما ـ من التمييز بين (المجال الخاص) و(المجال العام) فطبقاً لهبرماس، يخضع (العقل) في العالم الحديث لجملة إملاءات تقوم بوظيفتها بحسب عقلية الغاية والوسيلة، ويضرب لذلك مثلاً نموذجاً هو (السوق) وهو نقيض فكرة النظام، وفيه يتجلى الجانب العام بوضوح، ولكن الأفعال البشرية ـ من جهة أخرى ـ تخضع لإملاء القيم والمثل التي يتم تمريرها خلال الاتصال البشري، ويتم تبنيها اجتماعياً لتشكل نسيج (العالم الحيوي) بدوائره المتداخلة والمتدرجة من الفردي إلى الجمعي (الخاص)، إلى الجماعي العام، وهنا تتجلى فكرة (العالم الحيوي) بكل تعقيداتها.
ولا يقلل أحد من قيمة أفكار هابرماس، ولا من أهمية نظرياته، وبخاصة نظريته عن (المجال العام) الذي نحن بصددها، بل إنها اكتسبت مشروعية علمية في دوائر واسعة داخل ألمانيا وخارجها، ولا تزال تبرهن على قدرتها على التوسع الأكاديمي ـ إن جاز التعبير ـ وكسب أتباع ونقاد جدد في آن واحد. ومقاربته الأساسية في نظريته عن المجال العام؛ بحسبانه فضاء (للتفاعل) عبر التواصل اللغوي للتباحث فيما هو مشترك، تظل ذات أهمية كبيرة في جهود التنظير والتأصيل للمجال العام في مختلف الثقافات، ولكنها أيضاً تظل غير كافية، وخاصة عندما ننتقل بالجهد البحثي من مستوى التنظير إلى مستوى التطبيق، ومن التجريد والعموميات إلى التفصيل والخصوصيات المحددة اجتماعياً ومدنياً ـ نسبة إلى المدن ـ بحسبان أن (المدن) هي الإطار الأكثر احتياجاً لفكرة (المجال العام)؛ ليس فقط من الناحية النظرية بحسبانها فضاء للتفاعل الفكري والتواصل اللغوي، وإنما أيضاً من الناحية العملية التي تسهم في تهيئة البنية الأساسية لهذا التفاعل وذلك التواصل.
وفكرتنا الأساسية ـ هنا ـ هي أنه من المنظور الاجتماعي ـ السياسي لتكوين (المدن) في تاريخ الاجتماع الإنساني ـ والاجتماع السياسي الإسلامي أحد تطبيقاته ـ ارتبطت فكرة المجال العام بنشأة المدينة، وكان (المجال العام) هو الوجه الآخر لنشوء (المدينة) في مختلف الخبرات الحضارية. وكان لكل خبرة منها (صبغة خاصة) ميزتها عن غيرها. ينطبق ذلك على السياسة والسوسيولوجيا في المدن الإغريقية واليونانية القديمة، وعلى المدن والمراكز الحضرية الأوربية الوسيطة والحديثة، كما ينطبق على السياسة والسيوسولوجيا في المدن الفرعونية والبابلية والهندية والصينية القديمة، وعلى المدن والمراكز الحضرية العربية والإسلامية، والمشرقية عموماً، والوسيطة والحديثة خصوصاً.
ومن المنطقي ـ إضافة إلى ما سبق ـ أن يؤدي اختلاف (فلسفة العمران) المدني من حضارة إلى أخرى، إلى اختلاف موقع (المجال العام)، ومكوناته، ووظائفه، تبعاً لذلك. وهذا الافتراض يؤكده كثير من الدراسات المقارنة للتكوينات المدنية عبر التجارب الحضارية المختلفة، وإن كان البعض ـ وخاصة من الذين ينتمون إلى مدرسة الاستشراق ـ قد حاول طمس هوية المدينة (العربية الإسلامية) بدعوى أنها لم تضف شيئاً إلى التظيم المدني الذي عرفه الإغريق واليونانيون، إلى حد القول إن: المدينة الإسلامية لم تعرف مجالاً عاماً، ولم يكن لها اجتماع سياسي خاص بها.
ولدينا من الأدلة والبراهين التي تؤكد نقيض ذلك الإدعاء، وخاصة من منظور تميز (المجال العام) في المدينة العربية الإسلامية منذ نشأة نموذجها الأول ـ مدينة الرسول r ـ عنه في غيرها من التكوينات المدينة التي تنتمي إلى خبرات حضارية أخرى. ولكن ليس من مهمتنا ـ في هذه الدراسة الموجزة ـ مناقشة تلك المحاولات التي سعت لتغريغ (المدينة) العربية الإسلامية عن مقوماتها الذاتية، وإن كانت الأحوال الراهنة في كثير من (المدن) في البلدان العربية الإسلامية ـ ومنها مصر ـ توضح أنها قد فقدت كثيراً من تلك المقومات، وآلت إلى وضع يمكن وصفها فيه بأنها مدن ذات هوية مشوهة، وذات اجتماع سياسي مختلط.
وإذا كان التشوه، أو الاختلاط الذي آلت إليه (المدينة) العربية الإسلامية الموروثة منذ مئات السنين قد حدث بفعل عوادي الزمن، وعوامل الإهمال، وتدني قدرات الإدارة العامة في ظل الدولة العربية والإسلامية الحديثة، وعجزها عن (سياسة شئون المدينة) بكفاءة، فإن (المدن الجديدة) في مصر ـ التي لا يجاوز، يتعدى عمر أقدمها قرناً من الزمان ـ قد أصابها ما أصاب المدن الأقدم، التي مضت على نشأتها قرون عدة، وخاصة فيما يتعلق بتآكل (المجال العام) إلى حد التلاشي: المادي، والمعنوي.
فطبقاً للقانون العام الذي يحكم نشأة المدن وتطورها في مختلف التجارب العمرانية، فإن المراحل الأولى من عمر المدينة غالباً ما تتسم بدرجة عالية من الانضباط البنائي، والانتظام الوظيفي وفق الخطط الأساسية الموضوعة للتكوين المدني، ثم قد يحدث بعد مرور أحقاب زمنية طويلة نسبياً أن يختل ذلك الانضباط ويتحول الانتظام إلى العشوائية. ولكن يبدو أن هذا (القانون العام) لا يعمل في حالة المدن المصرية الجديدة؛ إذ سرعان ما ظهرت فيها جوانب اختلال متعددة، وعشوائيات بعضها منقول من المدن القديمة، وبعضها مستحدث. والملفت أن مخططي هذه المدن الجديدة، والجهات المسئولة عن إداراتها هم أول من يتحدث عن هذه الظاهرة. وليس بوسعنا أن نتناول هنا مشكلات (المدن الجديدة) وسيتجه اهتمامنا فقط إلى بحث تحولات (المجال العام) وتطوره في تاريخ الاجتماع السياسي الإسلامي.
سنبدأ ـ أولاً ـ بتقديم أطروحة حول نظرية مفهوم (المجال العام) وموقعه في التكوين المدني، مع الإحالة إلى خلاصة خبرة المدينة العربية الإسلامية. ثم نتناول أهم القيم السياسية التي تكوّن النواة الصلبة للمجال العام في الاجتماع السياسي الإسلامي، وأهم التحولات والإشكاليات الأساسية التي أصابت هذا المجال العام في تاريخ هذا الاجتماع خلال مراحله التاريخية الأساسية التي مر بها. ونختتم برؤية تحاول أن تسهم في تفسير أسباب تدهور المجال العام في واقع مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وكيفية النهوض به وتجديده.
أولاً: الأصول الاجتماعية والسياسية لتكوين المجال العام
كيف نشأ المجال العام في تاريخ الاجتماع السياسي، وكيف ترسخت مقومات هذا المجال حتى أصبح اختفاؤه أو تلاشي وجوده يعني بسهولة العودة بالبشرية إلى عهود ما قبل (الدولة)؟ نحتاج قبل الإجابة عن هذا السؤال إلى بيان الملامح النظرية الأساسية لهذا المسمى الذي نسميه (المجال العام).
[1] مسمى اسم المجال العام
تواجهنا في هذا الصدد عدة مشكلات مورفولوجية Morphology تتعلق بتكوين الحقل الدلالي لمفهوم (المجال العام)، ومن أهمها: وجود أكثر من (تركيب لفظي) تشترك دلالته ـ أو بعض منها ـ مع دلالات (المجال العام). ومن ذلك مثلاً: الحيز العام، والنظام العام، والمصلحة العامة، والقانون العام، والحقوق العامة، والرأي العام. وطبقاً لنظرية (تكوين الحقول الدلالية) فإن التركيبات اللفظية تجمع بينها علاقات مبنية على التشابه في المعنى، وليس في اللفظ فقط، وتدل على مجال من مجالات الخبرة الإنسانية هو مجال العمل المشترك، والمسئولية المشتركة، والمصلحة المشتركة، التي لا يختص بها فرد دون آخر، ولا تحتكرها مجموعة أو فئة دون أخرى، وتحكمها مجموعة قيمية تتقاسمها فئات المجتمع وأفراده، ومجموعة أخرى من المؤسسات والمرافق العامة التي يجب أن تتسم بالتطور والكفاءة حتى يكون المجال العام متطوراً وفاعلاً.
لنبدأ بمفهوم (الحيز العام) الذي يكاد يكون مرادفاً في الاستعمال الاجتماعي ـ السياسي لمفهوم (المجال العام) من حيث الدلالة على (مكان تلاق بين أبناء الوطن الواحد، قادر على احتواء تبايناتهم مهما بلغت شدة الاختلاف فيما بينهم). ولا يقتصر مكان التلاقي على الجانب المادي فقط، وإنما يشمل ـ أيضاً ـ المستوى المعنوي، الذي يشمل مجموعة من القيم والموجهات المعيارية الكبرى التي تحظى بتوافق عام بين مختلف الفئات والتكوينات الاجتماعية والسياسية.
أما مفهوم (النظام العام)، فهو فكرة محورية يرتكز عليها أي نظام قانوني، إذ يقوم بضبط الإرادات الفردية والجماعية، فيحد الإرادة الفردية، كما يحد الإرادات الجماعية، بما فيها إرادة الدولة ذاتها. كما يسهم (النظام العام) في صوغ (العقل الجمعي) في المجتمع، ويساعد الدولة في الحفاظ على الأنساق القمية المتبناة من قبلها في مواجهة كل دعاوى التغيير([1]). ولا يستقيم الأداء الوظيفي (للنظام العام) قبل أن تتوافر له بنية مؤسسية/ مادية (القضاء والمحاكم) إلى جانب بنيته المعنوية القيمية (القواعد القانونية والأخلاقية، والأعراف السائدة) التي تقوم بمهمة المعايير التي تحدد الصواب من الخطأ، وتحكم على الفعل بالحل أو بالحرمة. ومثل هذه العلاقات لا يتصور أن تقوم بين أفراد بوصفهم أفراداً، وإنما تستلزم ـ بالضرورة ـ قيام (مجتمع سياسي)، ينشأ فيه وحده المجال العام، وفيه يعمل النظام، ويؤدي وظائفه. ولا تبعد عن ذلك المعاني والدلالات التي تشير إليها مفاهيم (القانون العام) والمصلحة العامة، و(الحقوق العامة)؛ على الرغم من الاختصاص الأصيل لكل منها بفكرة أساسية تميزها عن غيرها، فجميع هذه المفاهيم وثيق الصلة بفكرة النظام العام، ومن ثم تدخل في تكوين (المجال العام) في مستواه المادي، وفي مستواه المعنوي أيضاً، وإن بدرجات متباينة.
ثمة بعد آخر يضيفه مفهوم (الرأي العام) إلى الحقل الدلالي لمفهوم (المجال العام)؛ إذ يشير الرأي العام إلى محصلة رؤى المواطنين لجملة قضايا مؤثرة في حياتهم اليومية، وفي مصائرهم أيضاً([2])، وهو يفترض وجود مشكلة يدور حولها خلاف، كما يفترض مكان المناقشة بحرية، مع الحق في إعلان الرأي بمختلف وسائل التعبير، التي ــ وإن كانت لا تخرج عن (النظام العام) ــ لا تتم داخل مجموعة من القنوات والمؤسسات التي تكتل الآراء بطريقة سليمة، ويتكون منها (الحيز العام) في بعده المادي/ المؤسسي. وإذا توافرت للرأي العام تلك المقومات فإن دورته الطبيعية تكتمل، وتزداد فرص وصولها إلى نتائجها، وأهمها:( حمل إرادة المواطنين إلى مواقع صنع القرار،ووضع القواعد القانونية، وبناء مساحات عامة في الوعي، وعلى أرض الواقع، في الفكر وفي الممارسة، بحيث يقتنع أغلب المواطنين ـ أو قطاعات مؤثرة منهم ـ بأن من مصلحتهم الانخراط فيها، والدفاع عنها عند الضرورة. وعندما تصل دورة الرأي العام إلى محطتها الأخيرة فإن محصلته تتكون إما في (قانون عام) مكتوب، أو في شكل عرف له قوة القانون، أو ممارسة لها قوة القانون أيضاً. وهذه العملية (تكوين الرأي، وصنع القاعدة القانونية، وتطوير آليات الضبط الاجتماعي والسياسي في ضوئها) هي التي تكوّن البنية الذهنية والخلقية لفكرة (المجال العام) في الاجتماع السياسي بوجه عام، والاجتماع السياسي المدني بوجه خاص.
وحب الحصيد هنا هو أن للمجال العام بنيتين: الأولى معنوية تشتمل على مجموعة من القيم، والثانية مادية تشتمل على مجموعة من المؤسسات والأطر المكانية التي تكون بمثابة ساحة لممارسة تلك القيم. ولا يمكن ـ من جانب آخر ـ تصور الرأي العام خارج (المجال العام)، أي خارج الاجتماع السياسي. وما يميز الرأي العام عن الرأي الشخصي هو درجة العمق والاستقرار، والتراكم الجمعي، ثم العلانية، وكلها لا تقع إلا في تكوين جمعي مدني أساسي. ولا يكتمل المجال العام إلا بنضج قوة الرأي العام، وهكذا تظل العلاقة بين الرأي العام والمجال العام علاقة جدلية. ويمكن فهم مكونات المجال العام على نحو أفضل إذا وضعناها في إطار فكرة (المجال الموحد)، بالمعنى الذي قصده العالم الفيزيائي (ألبرت أينشتاين) في إحدى نظرياته المتعلقة بفيزياء الكم المعروفة بنظرية المجال الموحد Unified Field. والفكرة الأساسية عنده هي أن إداراك موضوع ما يحدده المجال الإدراكي الكلي الذي يوجه فيه، وأن الكل ليس مجرد مجموع الأجزاء، أو أن الجزء يتحدد بطبيعة الكل، وأن الأجزاء تتكامل في صورة كلية، وهي تتفق مع نظرية (الجشطالت) بناءً على أن إدراك الكل سابق على إدراك الجزء.
هناك مسلك آخر لتعريف المسمى الذي نطلق عليه (المجال العام)، وهو التعريف بالضد، فنقول إنه كل ما يخرج عن (المجال الخاص) وتسير تكوينات المجال الخاص في اتجاه مضاد لتكوينات المجال العام؛ إذ أكد ما يقع في الحقول الدلالية لعدد من التركيبات اللفظية التي تشترك دلالاتها، أو بعضها، مع دلالات (المجال الخاص) وأهمها: الحيز الخاص، والنظام الخاص، والمصلحة الخاصة، والقانون الخاص، والحقوق الخاصة، والرأي الخاص أو الشخصي. وجميعها تتركز في دائرة الفرد أو دائرة العائلة على أقصى تقدير. وفي جميع الأحوال تصبح حماية (المجال الخاص) غاية من الغايات الأساسية للمجتمع السياسي في مختلف الخبرات الحضارية.
[2] أصول التكوين الاجتماعي والسياسي للمجال العام
ترجع بدايات تكوين ما يشير إليه مفهوم (المجال العام) إلى ضرورة (الاجتماع السياسي) للإنسان، وهو (أنه مدني بطبعه، وليس بوسعه ـ من منظور علم الاجتماع ـ أن يوقف فعله أو سلوكه عند حدود الفعل الفردي، بل أنه يتعدى ـ بحكم الضرورة ـ إلى الجماعات أو التجمعات البشرية الأخرى التي يجد نفسه مضطراً للتعامل معها، وللتعاون ـ أيضاً ـ معها للدفاع عن مصالح مشتركة. وحيثما وجدت (مصلحة مشتركة) ينشأ المجال العام؛ الذي يكون ساحة للقاء أصحاب هذه المصلحة. المجال العام ـ إذاً ـ يتصل بالوجود الطبعي للإنسان، أو كحلقة من حلقات التطور العضوي للاجتماع السياسي، الذي تزداد فيه الحاجة إلى تنظيم المساحات المشتركة التي يستفيد منها كل أصحاب المصلحة، ويقع على عاتقهم جميعاً المحافظة عليها والدفاع عنها، وتطويرها. وتزداد درجة وضوح فضاء (المجال العام) كلما نمت حاجات البشر، وكلما ثبتت فكرة تقسيم العمل فيما بينهم. ولكن كيف نشأ المجال العام في تاريخ الاجتماع السياسي؟ سنقدم هنا تصورين: أحدهما لعزمي بشارة (وله منظور سياسي مدني)، والثاني لأبي يعرب المرزوقي (وله منظور اجتماعي مدني)، ثم نقدم تصورنا الخاص في هذه المسألة.
{أ} عزمي بشارة: المجال العام هو الشخص الآخر للمجتمع المدني
يرى عزمي بشارة أن (الحيز العام) و (الحيز الخاص) يتطوران بشكل مستقل عندما لا يتطابق الأول مع الدولة فقط، وعندما يتطابق الثاني مع العائلة فقط، إنهما يتطوران بشكل مستقل فيما بينها عندما يصبح هنالك معنى لهذه التعريفات (خاص وعام) بشكل يجاوز الدولة والعائلة. عند ذلك تصبح الخصوصية صفة للعائلة، كما قد تطلق على غيرها من المؤسسات أو الهيئات. ويرى ـ أيضاً ـ أن (الحيز العام) في الحداثة يشير إلى (فضاء اجتماعي/وسياسي/وقانوني/وثقافي. وقد يكون له اهتمام بما يجري داخل العائلة، كما قد يكون له اهتمام خارج الدولة، ودون ذلك لا معنى للمجال العام، كما أنه لا معنى للمجتمع المدني بالمفهوم الحديث)([3]) ـ أيضأ ـ إذا ظل (الخاص) يعني العائلة فقط، وإذا ظل (العام) يعني الدولة فقط. أما الحيز الخاص ـ عند عزمي بشارة ـ فهو لا يعني في الحداثة أن رب العائلة مثلاً متحرر من القوانين، أي من نفوذ الحيز العام في معاملته لزوجته وأبنائه، كما لا يعني أنه لا يوجد لأفراد العائلة حقوق عامة ينص عليها القانون).
ويخلص بشارة إلى أن الحيز العام لا يقتصر على بداياته لإبعاد للدولة، ولكنه تحرر من التماثل مع الدولة وطور لحياته الخاصة حولها. وكذلك فإن الحيز الخاص هو (تجريد من العائلة) ولكنه تحرر من التماثل معها، وأصبح فكرة قائمة بذاتها، قد ترتبط بفرد، كما قد ترتبط بمؤسسة (خاصة) في علاقاتها مع الحيز العام، وهو المجتمع المدني. ومن دون هذا التمييز لا ينطلق المجتمع المدني إلى تاريخه)([4]). إذاً فالمجتمع المدني هو الترجمة العملية ـ السياسية والاجتماعية ـ لمفهوم المجال العام، من وجهة نظر عزمي بشارة، ويمكن أن نستخلص من تحليله أن المجال العام يشمل: ما هو خاص، ولكنه يقع خارج العائلة (ولا ينحصر في دائرتها)، وما هو عام ولكنه يقع خارج الحكومة (ولا ينحصر في دائرتها).
{ب} أبو يعرب المرزوقي: المجال العام ثمرة الجماعة وجدلية العمران المدني
يقدم أبو يعرب المرزوقي رؤية أخرى ـ بالغة الأهمية ـ لكيفية نشوء المجال العام في الاجتماع السياسي عامة، والاجتماع السياسي الإسلامي على وجه الخصوص. يعتمد أبو يعرب في بناء رؤيته على الجدل الحضاري (اليوناني الإسلامي) حول أصول تأسيس الاجتماع السياسي المدني. ويقارن هذا الصدد بين رؤية أفلاطون وأرسطو من جهة، ورؤية الفارابي وابن خلدون من جهة أخرى([5]). ويرى أن الفارابي وابن خلدون قاما بثورة فكرية في تاريخ الاجتماع السياسي ـ الإنساني وليس الإسلامي فقط ـ عندما نقدا اعتماد الفكر اليوناني على النموذج النفسي والنموذج المنزلي (النموذج النفسي: نظام السلطة في الدولة يقاس على قوى النفس. والنموذج المنزلي: نظام الاقتصاد في الدولة ويقاس على نظام المنزل). وقد استعمل أفلاطون وأرسطو هذين النموذجين في تحليلهما للظاهرة المدنية عامة، واستثنيا بهذين النموذجين كل فاعلية للمجتمع المدني بمجرد أن جعلا نظام المدينة السياسي ونظامها الاقتصادي خاضعين لنموذجين طبعيين يتكرران بثبات إلى غير غاية.
بدأ النقد (ما بعد الطبيعي) عن الفارابي بإضافة البعد الكوني لمفهوم المدينة. فلم تعد المدنية القومية ولا ملية، بل هي أصبحت كل الإنسانية. وانتهى هذا النقد (ما بعد التاريخي) عند ابن خلدون الذي أدخل الحركية في السياسي والاقتصادي بقلب العلاقة النموذجية. فقد حلل جدل أشكال العمران، وأنماط العيش، والإنتاج بصورة جعلت بنية المدينة السياسية نموذجاً لبنية النفس وللحركة التي تتولد عنها وجعل بنية الاقتصاد المدني نموذج المنزل، وبات جدل أشكال العمران وأنماط الإنتاج هو المحدد لبنية النفس والمنزل. وبذلك أصبح ما كان معياراً معيراً: النفس تعير بشكل الحكم في العمران، والمنزل يعير بشكل الرزق في العمران.
وينظر أبو يعرب إلى تاريخ (المدينة) من منظور الاجتماع السياسي على أنه مؤلف من جدل عام بين جدليتين قابلتين للفصل نظرياً: أولاهما هي جدل القوى العمرانية من أجل السلطة، وثانيتهما هي جدلها من أجل الرزق، وكلتاهما مصحوبة بالتعبير عن الوعي بعدة غايات وأدوات؛ فيكون موضوع العمران هو السلطة والمال لذاتهما، أو لما يرمزان إليه، كما يتبين من دور كل منهما في كل منهما.
أما أصل الإضـافتين: الفـاربية والخـلدونية فمصدره ـ عند أبي يعرب ـ عقيدة الكون الإسلامية التي عدّت الرسالة موجهة إلى الإنسان من حيث هو إنسان، وجعلت الدين مشروعاً تاريخياً يحقق القيم في التاريخ الفعلي بأدوات الفعل التاريخي والمادية الرمزية، وليس مجرد دعوة معزولة؛ لأن الأرض صارت عمارتها وإرثها من علامات صلاح وارثيها.
وقد حررت الرسالة المحمدية ممارسة الدعوة الدينية والتحقيق السياسي للمشروع من السلطتين المتعاليتين على العمران، أعني أنها خلصتهما من السلطة الروحية المتعالية على الأمة دينياً([6]) والسلطة الزمانية المتعالية عليها سياسياً([7]): الدعوة الدينية تحديداً للغايات التي باتت أمر الجماعة؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض في هذه الحالة، والفعل السياسي تحديداً للأدوات بات أمر الجماعة كذلك؛ لأن تحقيق المعروف ومنع المنكر ليس دعوة فحسب، بل هو فعل تاريخي بأدواته السياسية بما في ذلك القوة: فالجماعة هي التي تفعل السياسي والاقتصادي والذوقي والوجودي، وهنا ينشأ المجال العام فقط على أساس التنافس في العمران البشري، وذلك وفق مبدأ التدافع الذي حدده القرآن الكريم من أجل نقل الإنسان من منطق التاريخ الطبيعي الذي تحكمه الضرورة والقوة، إلى منطق التاريخ الحضاري الذي تحكمه الحرية والحجة.
{ج} المجال العام هو المعبر عن ولاية المجتمع على نفسه
في رأينا أن لحظة ميلاد (المجال العام) في الاجتماع السياسي هي نفسها لحظة وصول المجتمع إلى مستوى (الولاية على نفسه)، أما قبل ذلك فلا وجود لمعنى يمكن أن يسمى المجال العام، كمجال تتقاسم فيه الفئات والجماعات والأفراد ـ الذين يكونون المجتمع ـ مجموعة من القيم المشتركة، التي لا يختص بها فرد دون آخر، ولا تحتكرها مجموعة أو فئة دون أخرى، وتحكمها مجموعة قيمية تتقاسمها فئات المجتمع وأفراده، وتتقاسم ـ أيضاً ـ مجموعة أخرى من المؤسسات والمرافق العامة التي يجب أن تتسم بالتطور والكفاءة حتى يكون المجال العام متطوراً وفاعلاً. وقد جاءت هذه اللحظة في تاريخ الاجتماع السياسي الإسلامي لحظة تأسيس مجتمع المدينة في عهد النبي r بعد هجرته من مكة المكرمة. ثم أخذ (المجال العام) ـ منذ ذلك الحين ـ يتسع ويضيق في ضوء ما مرت به المجتمعات الإسلامية من تحولات اجتماعية وصراعات سياسية، من الاتجاه صعوداً في المدينة نحو التوافق والتضامن حيناً، وهبوطاً نحو التنازع والانقسام أحياناً مثيرة.
كانت (الحرية) هي النواة الصلبة التي أوصلت المجتمع السياسي الإسلامي الأول في العهد المدني إلى مستوى (الولاية على نفسه) ولا تزال الحرية هي مفتاح الحل لكثير من المشكلات التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية المعاصرة، والتي لن تجد لها حلاً إلا بأن تستعيد الأمة الولاية على نفسها. لقد اتسع مفهوم الحرية المؤسس لولاية المجتمع على نفسه في الرؤية الإسلامية ليشمل العقيدة، والتفكير، والرأي، والإرادة، والعمل. وبدأت الإجراءات العملية المؤسسة للمجال العام، بمعنى تمكين المجتمع من الولاية على نفسه، بنقض السلطة الدينية من جذورها، وتجفيف منابعها، وتقويض كل أركانها المعنوية والمادية، وإعلان بطلان سلطتها التي كانت تمارسها على نفوس البشر ورقابهم وتستولي بها على أقواتهم قبل الإسلام. والسلطة الدينية المقصودة هنا هي تلك السلطة التي ـ يدعى ـ من يمارسها ـ فرداً كان أو فئة أو مؤسسة ـ أن لها سلطاناً على عقيدة الإنسان أو إيمانه، أو ما يستكن في أعماق قلبه، أو يجول في خاطره، مثل هذه السلطة حاربها الإسلام ولم يسلم بوجودها لأحد كائناً من كان، وخوطب الرسول r ـ وهو من هو ـ من لدن رب العالمين بقوله تعالى: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}([8])، وبقوله تعالى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}([9])، وغير ذلك كثير من الآيات التي تؤكد أنه لا مجال لنشوء سلطة متدثرة برداء الدين (يمارسها أحد من بني آدم على غيره) لكي تتحكم في أرواح البشر وعقولهم، أو تفرض هيمنتها على ما تؤمن به قلوبهم. هذه السلطة الدينية التي عرفتها أوربا في عصورها الوسطى نتيجة سيطرة الكنيسة ورجال الكهنوت على أرواح البشر وعقولهم وقلوبهم حاربها الإسلام من أول يوم، ونزع عنها الشرعية، ودعا إلى تحرير بني آدم جميعاً من الأغلال التي تقيد إرادتهم، أو تحد من قدرتهم على حرية الاختيار.
عندئذٍ، وصل (مجتمع المدينة) إلى مستوى الولاية على نفسه، واندمجت فيه كل التكوينات السابقة عليه: القبلية، والعائلية، والدينية، وكانت دلالة ذلك هي أن (الحرية) التي جاء بها الإسلام لا تتحقق إلا في مجتمع مدني، لا قبلي، ولا عشري ولا طائفي أو مذهبي، كما لا يمكن أن تتحقق في مجتمع ديني (بالمعنى السابق شرحه)، ناهيك عن أن تتحقق في دولة دينية بالمعنى الذي يعطي فرداً أو فئة أو طبقة. أو جماعة أو حزباً سلطة التدخل في إيمان الناس، أو في معتقداتهم؛ أو في حريتهم في التفكير والتعبير والازدهار الروحي. وكانت دلالة ذلك ـ أيضاً ـ أن ثمة مجموعة من القيم التي تشكل وجداناً مشتركاً للإنسان، وأن جوهر الإسلام هو النواة الصلبة لتلك القيم الإنسانية، مثل: الحرية وإقامة العدل، والتعاون، والإيثار، والرحمة، والوسطية، واحترام التنوع، كلها قيم إسلامية إنسانية، أو إنسانية إسلامية، وهي التي يتطلع العالم إلى أن يتقاسمها اليوم في (مجتمع مدني) أو في (مجتمع ديمقراطي) بالتعبيرات المعاصرة.
جاءت نشأة الاجتماع السياسي المدني ـ في العهد النبوي ـ لتؤكد أن التكوين المسمى باسم (الجماعة) ليس فقط شكلاً اجتماعياً محدداً من الناحية التنظيمية (قبيلة، عشيرة، مذهب أو طائفة)، وإنما هو ـ أيضاً ـ (مركز شعور) بالانتماء لوحة سياسية فاعلة، وما يرافق هذا الشعور من ضرورة العمل المشترك، ووعي وتنظيم لأشكال وأطر مؤسسة تنمو فيها مساحة المجال العام. هذا إضافة إلى التأكيد أن الشعور بالانتماء وتقاسم مجموعة من القيم المرتكزة على أساس الفطرة الإنسانية يسهل مهمة العمل المشترك لأجل الأهداف المشتركة، وهنا ينطلق المجال العام إلى وجوده التاريخي في الاجتماع السياسي الإنساني ـ الإسلامي؛ مستهدفاً توسيع المساحة التي يستطيع أعضاء المجتمع حكم أنفسهم ضمنها، أي أن تكون لهم الولاية على أنفسهم عن طريق المشاركة بصورة تامة وحرة في تنظيم حياتهم الجماعية.
وإذا كان (المجال العام) لا ينشأ إلا بوصول المجتمع إلى مستوى الولاية على نفسه، فالسؤال هنا من منظور الاجتماع السياسي الإسلامي هو: أين يتحقق هذا المجال العام، أيتحقق في مجتمع قبلي/عائلي، أو قروي ريفي، أو بدائي ـ بدوي، أم ديني مذهبي؟ لن نذهب إلى الإجابة التفصيلية هنا عن هذا السؤال؛ لأنها ستقود إلى مناقشة تفصيلات كثيرة لا يتسع لها حيز هذا البحث. ونذكر هنا فقط الإجابة الإجمالية وهي: أن المجال العام الذي يتحقق عندما يصل المجتمع إلى مستوى الولاية على نفسه ينضج تحقق في إطار (مدني) وليس في أي إطار من الأطر السابق ذكرها. والأدلة التي تثبت ذلك كثيرة في تاريخ الاجتماع السياسي الإسلامي، وأكثر منها تلك الأدلة التي تثبت أن (المجال العام) يغيب عندما يفقد المجتمع الولاية على نفسه، سواء أكان في مستوى البنى الأولية (العائلية، أم القبلية، أم القروية، أم المذهبية)، أم كان مستوى البنى المدنية؛ على النحو الذي توضحه تحولات المجال العام في المدن والأمصار الإسلامية عبر الحق التاريخية التي مرت بها منذ نشأتها حتى اليوم.
وحب الحصيد هنا هو: أن هناك مجموعة قيم مشتركة لابد من توافرها حتى يصل المجتمع إلى مستوى الولاية على نفسه، وأن النواة الصلبة لهذه المجموعة هي (الحرية) التي تبدأ بحرية الاعتقاد وتستغرق كل المستويات التي تقع أدناها من جهة، وهناك إطار اجتماعي وسياسي يتحقق فيه المجال العام عندما يصل المجتمع إلى مستوى الولاية عن نفسه، من جهة أخرى.
ثانياً: قيم المجال العام وتحولاته في تاريخ الاجتماع السياسي الإسلامي
إذا كان (المجال العام) هو الوجه الآخر لوصول المجتمع إلى مستوى الولاية على نفسه، فإن مجتمع المدينة الذي تكوّن ـ كما قدمنا ـ بعد هجرة الرسول r هو النموذج الأول الذي عبر عن وصول جماعة بشرية إلى مستوى الولاية على نفسها. وفي هذا النموذج كانت (الحرية) هي النواة الصلبة التي ارتكز عليها المجتمع لبلوغ مستوى الولاية على نفسه، ومن ثم كانت هي النواة الصلبة ـ أيضاً ـ لتأسيس المجال العام في الاجتماع السياسي الإسلامي.
في مجتمع المدينة تحققت أقدم صورة للدولة كتنظيم للاجتماع السياسي الإسلامي، وكتعبير عن المجال العام (الموحد) الذي يضم تكوينات اجتماعية مختلفة؛ (ذلك أنه قد تقرر لأول مرة المبدأ المعروف بمبدأ الشرعية، أو مبدأ خضوع الدولة للقانون)([10])، وبتقرير هذا المبدأ تميز المجال العام عن أن يكون مطابقاً لفكرة الدولة، وبالأحرى عن الناطق باسمها (رئيس، أو خليفة، أو أمير، أو ملك)، ومن هنالك انطلق المجال العام إلى الوجود الاجتماعي، ولم يعد فقط مجرد فكرة نظرية. وكانت دولة المدينة أول دولة عرفت مبدأ الشرعية، أي الفصل بين إرادة الحاكم وبين القانون، وعلو إرادة القانون على إرادته، فالدولة شيء ورئيس الدولة شيء آخر.
وفي رأينا أن هناك ثلاث قيم كبرى تأسس عليها المجال العام في الاجتماع السياسي الإسلامي نتناولها فيما يلي، وهي:
[1] الحرية
الحرية هي النواة الصلبة لبناء فكرة المجال العام في الاجتماع السياسي الإسلامي. والحرية المقصودة ـ هنا ـ هي التي تبدأ بإقرار كرامة الإنسان، وتصبح مرادفة لاكتمال إنسانيته. وفي القرآن الكريم تأكيد جوهر الحرية بهذا المعنى ـ صحيح أنه لم يرد لفظ الحرية، ولكن وردت مشتقات منه مثل: تحرير، ومحرر، والمحرر ـ بل يفهم من آيات القرآن الكريم أن الحرية ذات أولوية على ما عداها من القيم والحقوق التي يجب أن تكون موضع احترام ورعاية. فقد ورد التحذير من (الفتنة) ـ التي تعني في رأينا سلب الحرية ـ في سياق مقارن مع (القتل)، وهو يعني سلب الحياة. قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}([11])، وقال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}([12]). أي أن حياة الإنسان ــ وهو مسلوب الحرية، عاجز عن الاختيار يمحض إرادته ــ تكون أكبر ضرراً وأشد خطراً من القتل الذي يسلب هذا الإنسان حياته ويلحقه بالموتى، أو أنه لا قيمة لحياة العبودية، وفقدان الإرادة، وربما اقتربت بصاحبها من العدم ـ معنوياً ـ رغم أنه على قيد الحياة. من هذا المنظور، تتجلى قيمة الحرية ومركزيتها في الرؤية الإسلامية. ولهذا السبب نفسه حض الإسلام على تحرير الإنسان من كل القيود التي تحد من حريته، ومنها قيود التقليد (للآباء أو للسابقين)، وقيود الجهل، وقيود الخرافات والأهواء.
إن التأمل في قيمة الحرية ـ من حيث المبدأ ـ يكشف عن أنها تؤكد النزوع الخاص، والفردي، في مواجهة النزوع العام والجماعي، ومن هنا فإنها قد تعمل باتجاه مناقض لتكوين (المجال العام) الذي ينزع نحو الجمع بين المختلفين في إطار مشترك من القيم والمصالح والغايات. وتفادياً لهذا نجد أن قيمة الحرية لا ترد في المنظور الإسلامي منفردة بذاتها، وإنما ترد دوماً مقرونة بمجموعة القيم العليا التي تشكل الوجدان العام، وترسم معالم الوجود الاجتماعي والسياسي، وفي مقدمتها العدالة التي تعطي كل ذي حق حقه، والمساواة التي تقرر أن جميع بني آدم من أصل واحد، وأن اتحادهم في الأصل كاف للتسوية بينهم في الحقوق والواجبات، دون أدنى تمييز بسبب اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو العرق، الدين، أو المذهب.
ولكن لا معنى للعدالة ولا للمساواة بين ذوات غير حرة، أولا تشعر ولا تعي أنها حرة، ودون ذلك لا ينطلق (المجال العام) إلى الوجود الاجتماعي؛ ولهذا (أنفق الرسول r قرابة ثلاثة عشر عاماً ـ وهي الفترة التي قضاها في مكة ـ في إرساء العقيدة والتوحيد والإيمان في نفوس المسلمين، وكانت هي المرحلة التي يمكن أن تسمى مرحلة بناء الذات الحرة الواعية العزيزة بالله، وهي الذات الضرورية لتحمل تبعات القيام بأعباء تأسيس الأمة)، وهي أيضاً الذات الحرة الجديرة بتحمل الواجبات والتمتع بالحقوق، وتكون لديها المقدرة على المطالبة بالعدالة والدفاع عنها، ومراعاة مبدأ المساواة، ورفض الاستعلاء على الغير.
في ضوء هذا المعنى ـ السابق ذكره ـ تكون الحرية غير قابلة للنقصان، ويكون المجال العام الذي يتأسس عليها قابلاً للوجود؛ ذلك لأن هناك حقوقاً إذا أصابها النقص فإنها لن تؤثر في إنسانية الإنسان؛ لأنها حقوق خارجية تعاقدية كحق الملكية، أما حق الحرية فأي مساس فيه يزلزل إنسانية الإنسان؛ لأن الحرية نابعة من الداخل، وأي إضرار بها يفسد تعبير الإنسان عن ذاته، والإنسان لا يكتمل إلا بالتعبير عن فكرة، والتطور الروحي غير ممكن دون اتصال حر بالآخرين، وتبادل الفكر، فلا يجوز حذفه بحجة تصحيحه. وهذا هو الجوهر الأصيل الذي جاءت به رسالة الإسلام. إنه بكلمة واحدة: هي الحرية.
ونجد في آراء علماء السلف الكبار واجتهاداتهم ـ من أمثال الإمام أبي حنيفة ـ ما يدل على إدراكهم العميق للحرية بحسبانها جوهر الرسالة الإسلامية إلى الإنسانية كلها؛ فمن غير الجائز عند أبي حنيفة الحجر على السفيه([13])، ويعلل ذلك بأن الحجر إهدار لآدمية هذا السفيه! ويقول إن الحجر عليه (إلحاق له بالباهائم)، والضرر الإنساني الذي تترتب نتيجة الحجر عليه أكبر بكثير من الضرر الذي يترتب على سوء تصرفه في أمواله، ولا يجوز دفع الضرر الأقل بضرر أكبر منه.
بالإسلام، تم للإنسان ـ وليس فقط للمسلم ـ أمران عظيمان طالما حرم منهما، وهما: استقلال الإرادة، واستقلال الرأي والفكر، وبهما كملت له إنسانيته، واستعد لأن يبلغ من السعادة ماهية الله له بحكم الفطرة التي فطر عليها. وقد قال بعض حكماء الغربيين ـ من متأخريهم ـ إن نشاة المدينة في أوربا إنما قامت على هذين الأصلين، فلم تنهض النفوس للعمل ولم تتحرك العقول للبحث والنظر إلا بعد أن عرف العدد الكثير أنفسهم، وأن لهم حقّا في تصريف اختيارهم، وفي طلب الحقائق بعقولهم، ولم يصل إليهم هذا النوع من العرفان إلا الجيل السادس عشر من ميلاد المسيح. وقرر ذلك الحكيم: أنه شعاع سطع عليهم من آداب الإسلام ومعارف المحققين من أهله في تلك الأزمان([14]).
عندما يفقد الإنسان حريته، أو يشعر أنها مهددة تهديداً لا قبل له بدفعه والنجاة منه، فإن أول ما يفعله هو أن يترك من المجال العام، وينكفئ على ذاته، أو قد يلتحق بجماعة السلطان، ويصبح أداة من أدواته في ممارسة البطش والتنكيل بالآخرين. وفي الحالين يفقد المجال العام جزءاً من حيزه؛ لأن هذا المجال لا ينشأ ولا يتكون إلا بمجموع ذوات إنسانية حرة، تتشارك هموم الجماعة، وتسعى لتحقيق مصالحهم، والدفاع عنها عندما تتعرض للتهديد، وفي المقابل تكسب السلطة الطاغية ذلك الجزء المفقود من المجال العام؛ لأنه فقد حريته.
ولا يطلب الإسلام الحرية لمن يعتنق عقيدته فقط، وإنما يطلبها ويأمر بالسعي إليها لكل بني البشر، أياً كانت مللهم التي ينتمون إليها، أو نحلهم التي يؤمنون بها. ولعل الحكمة في حث الإسلام على وجوب تحرير غير المسلم، هي أن حرية الإنسان شرط ضروري ولازم كي يعمل عقله، وإعمال العقل هو طريق الاستدلال الصادق، والإسلام يأمر بأن يستدل الإنسان كي يعتقد، لا أن يعتقد ثم يستدل([15]).
ويرتبط نمو المجال العام في الاجتماع السياسي الإسلامي بالتمدن وبجهود التقدم والترقي الإنساني، ويأتي هذا الارتباط من زاوية (الحرية)، التي تعني: حرية النفس، وحرية العقل، وحرية العلم([16]). لقد قرر الإسلام هذه الحريات، وحض على ضرورة القيام بواجبات شخصية، وواجبات أخرى اجتماعية لتوثيق الصلة بين الخاص والعام على نحو متوزان، بحيث لا يطغي جانب على الجانب الآخر.
إن فقد الحرية هو أحد أهم أسباب انحطاط المجتمعات الإسلامية، وعلة أساسية من علل انحسار المجال العام، وسيطرة قلة محتكرة للسلطة والثروة عليه. وقد عبر الكواكبي عن ذلك في كتابه (أم القرى) على لسان (المولى الرومي) بكلمات بليغة فقال: (وعندى أن البلية فقدنا الحرية، وما أدرانا ما الحرية، هي ما حرمنا معناها حتى نسيناه، وحرم علينا لفظه حتى استوحشناه، وقد عرف الحرية من عرفها: بأن يكون الإنسان مختاراً في قوله وفعله، لا يعترضه مانع ظالم. من فروع الحرية تساوي الحقوق ومحاسبة الحكام بحسبان أنهم وكلاء، وعدم الرهبة في المطالبة وبذل النصيحة. فالحرية هي روح الدين، وأعز شيء على الإنسان بعد حياته، وإن بفقدانها تفقد الآمال، وتبطل الأعمال، وتموت النفوس، وتتعطل الشرائع، وتختل القوانين([17]).
[2] الشورى:
الشورى هي المبدأ الذي يجب أن يحكم العلاقات الجماعية في إطار المجال العام في الاجتماع السياسي الإسلامي. وجوهر الشورى هو (الحرية)، فلا شورى بدون حرية؛ (لأن أساس الشورى هو أن حرية الأفراد هي الأصل، وهي سبب الاعتراف لهم بحق إبداء الرأي على قدم المساواة مع غيرهم، وحق مناقشة الآراء الأخرى، وحق اختيار الحكام كذلك، ومن لا يتمتع بحريته فلا قيمة لرأيه، ولا معنى لمشاركته في التشاور أو الشورى)([18]). ومن العلماء الذين نبهوا إلى هذا المعنى في العصر الحديث الشيخ شلتوت في كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة)، بقوله: (وضع الإسلام مبدأ الشورى، وكان له … شأن تجلى به اسم الإسلام في تقرير حق الإنسان، وكان الأساس فيه الحرية التامة في إبداء الرأي)([19]).
ومن غير المتصور أن تمارس الشورى فقط في إطار المجال الخاص الذي يتناول المصالح والمسائل الشخصية للأفراد، بل إن الشورى تفترض مشاركة أوسع من الجماعات والأفراد في تدبير الشئون العامة، وفي الوصل إلى أفضل الطرق لتحقيق المصلحة الفردية والجماعية. ولما كان التناقض بين الصالح الفردي والصالح الجماعي أمراً لا يمكن التغاضي عنه، كان لا مناص من البحث عن حلول توفيقية توازن بين مصلح الفرد ومصلحة الجماعة، وهذه ـ في الحقيقة ـ هي الوظيفة الأساسية للشورى، وهي وظيفة تدخل في إطار المجال العام بامتياز، ويستحيل أداؤها في إطار المجال الخاص.
يميز الشواى تمييزاً بالغ الأهمية من الناحيتين النظرية والعملية بين (الشورى) و (الاستشارة)، وخلاصة رأيه هي: أن الاستشارة هي كل تبادل للرأي، وطلب له بشكل اختياري، فردياً كان أم جماعياً، وتكون حصيلتها (غير ملزمة)، وحكم المشورة أو الاستشارة يسرى على النصيحة، وهي المشورة التطوعية، كما يسرى على الفتوى، التي هي نوع من الاستشارة، أو المشورة العلمية أو القانونية. أما (الشورى) فهي التداول وتبادل الآراء بهدف الوصول إلى رأي ملزم، وقرر واجب النفاذ، ويطبقه الجميع، ويعاقب من يخرج عليه، كان من الأغلبية التي وافقت عليه أم من الأقلية التي عارضته([20]).
الشورى تعني تمحيص الآراء وتداولها بهدف الوصول إلى قرارات جماعية، وليست فردية. وقد فرض الإسلام الشورى بهذا المعنى لتكون طريقاً للجماعة كي تصدر من خلالها قراراتها في شئونها العامة، إن شورى القرار الجماعي هي الشورى المنشئة لقرار ملزم([21]). أما الاستشارة أو المشورة الاختيارية فهي شورى الرأي التي تهدف إلى إثراء الوعي، وتثقيف الفكر، وتأهيل أهل الشورى للوصول إلى افضل القرارات التي تحقق مصلحة المجتمع ومصالح أفراده في آن واحد.
يسهم مبدأ الشورى ـ بالمعنى السابق ـ في بناء المجال العام وتنظيمه في الاجتماع السياسي الإسلامي على المستويين اللذين يكونان ـ في رأينا ـ هذا المجال، وهما: المستوى المعنوي أو النظري، والمستوى المؤسسي أو العملي.
فعلى المستوى المعنوي، توازن الشورى بين حرية الفرد ونظام الجماعة، وتربط بينهما على نحو دائم التجدد بدوام تغير المصالح وتعارضها بين العام والخاص. فالشورى هي المبدأ الذي يكفل المساواة بين المواطنين في مبدأ الحرية.
أما على المستوى المؤسسي، فالشورى تفترض وجود هيئات منظمة ومخولة بتمثيل آراء عموم المواطنين، ونقل هذه الآراء إلى مواقع صنع القرارات وإصدار القوانين. وقد كان (أهل العقد والحل) تعبيراً مؤسسياً وفق حال الاجتماع السياسي الإسلامي في القرون الأولى لنشأته؛ إذ كان (على الحكومة ـ كما يقول السنهوري ـ قبل اتخاذ القرارات في المسائل المهمة أن تستشير الأمة ممثلة في أهل الحل والعقد، الذين لهم الحق، بل عليهم التزام بتقديم المشورة والنصح([22]). والأهم من هذا والأسبق منه في الوجود والتأسيس هو أن الأمة هي مصدر شرعية الحاكم، فهي التي تقيمه حاكمها لها ومدبراً لشئونها بمحض اختيارها الحر. وقديماً قال الفقهاء إن (الإمامة عقد، والبيعة صفقة)([23]).
إن إجراءات الشورى تراعى فيها ملابسات الزمان والمكان، ولكن الصيغة المؤسسة لأهل الحل والعقد ـ أو أهل الشورى ـ لم تتطور، وكان يجب أن تتطور وخاصة بعد توقف مبدأ الشورى وصيرورة السلطة السياسية إلى ملك عضوض. ولم يحظ الجانب الإجرائي، أو المؤسسي، للشورى باهتمام يذكر؛ وقد يكون السبب في ذلك هو أن (الفقهاء لم يجدوا في السوابق التاريخية في عهد الصحابة.. ما يمكن أن يكون أساساً لتنظيم دائم ومستقر للشورى)([24]). ولو بقيت الشورى في الحكم والسياسة (لشعرت الأمة بضرورة إيجاد إجراءات منظمة ومحددة لاختيار أهل الحل والعقد، وتحديدهم)([25]). وقد يكون هذا السبب نفسه هو أحد عوامل ضمور فكرة المجال العام في فترات طويلة من الاجتماع السياسي الإسلامي منذ توقف مبدأ الشورى، واشتغل مبدأ الاستبداد ولم يتوقف حتى اليوم. وارتبط ازدهار المجال العام وانحساره بقوة ممارسة الشورى والاستشارة وضعفهما، وهو ما أشار إليه الكواكبي بقوله: (إذا دققنا النظر في أدوار الحكومات الإسلامية من عهد الرسالة إلى الآن، نجد ترقيها وانحطاطها تابعين لقوة احتساب أهل الحل والعقد وضعفهم، واشتراكهم في تدبير شئون الأمة)([26]). وما يسميه الكواكبي (الفتور العام)، هو ما نقصده بتعبيراتنا اليوم بتدهور المجال العام، والسبب عنده هو (استحكام الاستبداد في الأمراء شيمة وتكبراً، وترك أهل الحل والعقد والاحتساب جهلاً وجبانة)([27]).
غير أننا نلاحظ أن غياب الشورى في الحكم والسياسة لم يؤد إلى غيابها عن العلم والفقه والاجتهاد ـ وإن كاد يتوقف بسبب غلق باب الشورى، وضياع الحريات السياسية ـ ولعل السبب في استمرار باب الشورى مفتوحاً في الفقه والعلم وفيما ابتعد عن دائرة الحكم والسلطة، هو أن مبدأ الشورى ذاته مرتبط بأهم أصول الشريعة (وهو استقلال الشريعة عن الحكم والحكام، وتطبيق هذا الأصل يستوجب أن تكون الشورى في نطاق الفقه هي تبادل للرأي، وحوار علمي مستقل، ومنفصل عن الشورى في مجال الحكم والسياسة)([28]).
وينتج عن ذلك أن تقلبات السياسة التي عطلت الشورى في اختيار الحكام ومحاسبتهم لم يترتب عليها ـ في حالات كثيرة ـ تعطيل الشورى في نطاق الشريعة والفقه، أي في مجال الاجتهاد والإجماع، وهذا هو ما حمى فقه الشريعة طوال تاريخ الإسلام من آثار انحراف نظم الحكم والالتزام بالشورى في اختيار الحكام([29])، وأبقى على مصدر رئيس من مصادر تغذية فكرة المجال العام، وإعادة إنتاجه ولو على المستوى النظري الفقهي، وإن لم يكن على المستوى المؤسسي العملي.
[4] الإجماع
(الإجماع) مبحث من مباحث أصول الفقه. والأصوليون يبدءون بذكر القرآن أولاً والسنة ثانياً، والإجماع ثالثاً، والقياس رابعاً. وأثر الأصول الثلاثة الأولى هو إثبات أصل الحكم، بخلاف القياس؛ فأثره تغيير وصف الحكم من الخصوص إلى العموم([30]). ولهذه التفرقة الأصولية أهمية كبيرة ـ في نظرنا ـ في بيان إسهام مفهوم (الإجماع) في تكوين المجال العام في واقع الاجتماع السياسي الإسلامي.
يقول الشاوى: (إن الأصل أن الإجماع بالمعنى اللغوي والواسع يمكن أن يقع في أي شأن من شئون المجتمع والدولة، سواء أكان ذلك في نطاق الأحكام الشرعية ـ التشريع ـ أم فيما يسمى بالمسائل الدنيوية؛ أي السياسية والاجتماعية وما إليها([31]). وقد عرف الفقهاء الإجماع تعريفات اصطلاحية متعددة، منها تعريف الإمام الغزالي الذي ذهب إلى أن الإجماع هو (اتفاق أمة محمد r على أمر من الأمور الدينية). أما الغفاري ـ صاحب (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) ـ فيعرف الإجماع بأنه: (اتفاق المجتهدين من أمة محمد (عليه السلام) في عصر على حكم شرعي)([32]). وثمة تعريفات أخرى متعددت، ولكن أغلبها يدور ـ ويختلف ـ حول ثلاثة عناصر هي: الاتفاق، ونسبة هذا الاتفاق إلى الأمة، وموضوع الاتفاق: هل هو مقيد بالأمر الشرعي، أم أنه يشمل أي أمر من أمور الحياة الاجتماعية والسياسية؟.
ما يهمنا ـ هنا ـ هو أن فكرة الإجماع تسلتزم بالضرورة قدراً من الحوار والتشاور في أمر له صفة العموم، ولا يقتصر على فرد أو فئة محدودة من أبناء المجتمع. ويشمل هذا الحوار مختلف الشئون العامة التي تهم المجتمع في أي وقت من الأوقات. إن جوهر الإجماع هو التشاور الحر فيما لا نص فيه، ومن ثم فإبطال الشورى هو إبطال للإجماع، وتعطيل لوظائفه في تدبير شئون المجتمع. ويؤكد الشاوى في اجتهادته التجديدية الملفتة للنظر على أن (الإجماع هو نتيجة الشورى والتشاور والمشورة بالمعنى العام دائماً؛ بحسبان أنه يفترض المداولة والنقاش الشفوي والكتابي، إنه الحوار وتبادل الرأي ومناقشة الحجج في أي موضوع، ثم الاتفاق ـ وهنا يتحقق الإجماع ـ أو الإنقسام، وهنا يتعدد الاجتهاد)([33]).
ونحن نضيف إلى أفكار الشاوى أن الإجماع هو أيضاً ـ من منظور سياسي ـ وسيلة التعرف على إرادة الأمة، وأداة أساسية من أداوت بناء المجال المشترك الذي يعبر عن ولاية المجتمع على نفسه، وهو ركيزة من ركائز بناء المجال العام وتطويره في الاجتماع السياسي الإسلامي، وأن الشورى والاستشارة عمليتان يستلزمهما بناء الإجماع، ويطرقهما تكوين الوعي الذي يمكن المجتمع من ممارسة حقه الأصيل في الولاية على نفسه، وأن تعطيل الشورى قد جر إلى تعطيل الإجماع ـ بهذا المعنى ـ وجنى على المجتمع الإسلامي أسوأ جناية، وهي تمكين الاستبداد، وإهدار الحرية باسم الطاعة لأولى الأمر (الأمراء والعلماء)، وانتزاع حق المجتمع في الولاية على نفسه بالمخالفة لأصول الاجتماع السياسي الإسلامي.
إن قرار (الإجماع) أعلى من قرار الشورى منزلة من حيث الحُجية، والشورى ركن فيه، وممارسة الإجماع حتى بالانتماء إلى جماعة مجتمع. وهنا يتكون المجال العام بتراكم حصيلة (الإجماع) وتطوره مؤسسياً ووظيفياً من خلال ممارسة الشورى والتشاور في مختلف مستويات المسئولية الاجتماعية والسياسية والعلمية، وتتجلى حصيلة الإجماع وتراكماته فيما تعبر عنه من (توافق عام)، وفيما تسهم به في بناء المجال المشترك بين المجتمع بفئاته المختلفة، والدولة بمؤسساتها وهيئاتها المنوط بها رعاية مصالح المجتمع.
ولكن مما يؤسف له، أن أغلب الكتابات الفقهية ـ التقليدية بصفة خاصة ـ قد حبست نظرية الإجماع في إطار ضيق، وقيدته بثلاثة قيود هي:
[1] أنه يتم بمشاركة (المجتهدين) دون غيرهم، فلا يشاركهم الجمهور العام، أو (العوام) بتعبير كتب الفقه التقليدي. [2] وأن الإجماع ينعقد بالاتفاق التام بين جميع أفراد جماعة المجتهدين.[3] وأن موضوعه يجب أن يكون حكماً شرعياً([34]).
وبالرغم من وجود آراء واجتهادات فقهية مهمة لا توافق على تقييد الإجماع بتلك القيود، وتؤكد على انفتاحه على مختلف شرائح المجتمع. ومختلف قضاياه، ولا تشترط الاتفاق التام لانعقاد الإجماع، وترى أنه ينعقد بأغلبية الآراء([35])، وبالرغم من كل ذلك، لا تزال النظرة الضيقة التي تحبسه وتقيده بالقيود المذكورة هي السائدة، وتحتاج إلى من يزلزلها من قواعدها ويقتلع جذورها لتحرير (نظرية الإجماع) من هذا الأسر التاريخي الظالم، الذي حجبها، ولا يزال يحجبها عن التطور حتى اليوم. ولو أن نظرية الإجماع أخذت مسارها الطبييعي، وتطورت خارج تلك القيود، لغدت قاعدة صلبة لتأسيس (نظرية للرأي العام)، ولكانت مرجعاً منضبطاً لمؤسسة مبدأ (احترام إرادة الأمة) كمبدأ دستوري للحكم، وكآلة لبناء المجال المشترك الذي يعبر عن ولاية المجتمع على نفسه، وبناءً عليه لبناء المجال العام وتطويره.
إن انتكاس مفهوم (الإجماع) وحصره في معنى فقهي ضيق كما ألمحنا، كان من أسباب تجميد نظرية الإجماع من جهة، كما أدى تعطيل الشورى إلى اضمحلال وظيفة الإجماع في بناء المجال العام من جهة أخرى، وفي تعطيل (الشورى والإجماع) معاً يكمن أحد أهم أسرار تدهور المجال العام في مجتمعاتنا العربية والإسلامية عامة، وفي مجتمعنا المصري خاصة. وعندما حدث هذا التعطيل المتبادل بين الشورى والإجماع كانت النتيجة هي حدوث (فراغ) نظري ومؤسسي ـ في آن واحد ـ في ساحة المجال العام، وكان لا بد من قوة تملأ هذا الفراغ، ولم تكن هذه القوة سوى (قوة السلطان)، أو (سلطان القوة) السياسية، التي طالما حرص الفقهاء على أن لاتؤثر في عملية التشريع، ناهيك عن أن تستولى على هذه العملية استيلاءً كاملاً. وهذا الاستيلاء هو ما حدث فعلاً؛ بسبب تراجع نظرية الشورى وتعطل نظرية الإجماع، ولأسباب أخرى كثيرة لا يتسع المجال لشرحها هنا. إن الضرورات السياسية ـ في ظل انسحاب قوة الشورى وتعطل فاعلية الإجماع عن الإسهام في تطوير المجال العام ـ اقتضت أن تتدخل قوة السلطان، أو سلطان القوة من أجل تطوير الإجراءات الأمنية لضبط المجال العام، وتجلت حصيلة هذا التدخل في سلسلة متصلة من الفتاوى الخاصة، والتخريجات الفقهية التي صاغها علماء السلطة، في الماضي، إلى القوانين الاستثنائية وأحكام الطوارئ التي تشمل أغلب المجتمعات العربية والإسلامية اليوم، والتي لا تكاد تتوقف أو تلغى حتى تعود من جديد لتستأنف عملها في مصادرة المجال العام، والمحافظة على احتكار السلطة السياسية له، وقد أشار علال الفاسي في رؤيته التجديدية لمقاصد الشريعة إلى مسار عكسي لما تصورناه، مؤداه أن الاستبداد السياسي هو الذي عطل الشورى وأبطل فعالية الإجماع، وحرفهما عن وظائفهما الأصلية، وذلك في قوله إن: (الاستبداد الذي أصاب الحكم الإسلامي هو الذي حول التطور في تنظيم الشورى والإجماع إلى مجادلات فارغة تتدور حول حجية الشورى والإجماع، وإمكان وقوعه وعدمه … الخ)([36]). وفي رأينا أن المسئولية مشتركة بين الحكام المستبدين والعلماء المستسلمين لهم، وأن التأثير السلبي لكل منهما قد دعم صاحبه في إقصاء الشورى، وتعطيل فاعلية الإجماع، ودعم الاستبداد، وتغييب إرادة الأمة، وانحسار المجال العام.
وفي بحثنا ـ الذي لا يزال في بداياته الأولى ـ عن المجال العام في الاجتماع السياسي الإسلامي، علينا أن نتنبه إلى الفرق بين الدور الذي يمكن أن تسهم به نظرية الإجماع والدور الذي يمكن أن تسهم به نظرية الشورى في بناء (المجال العام) وفي تطويره. ونحن نـعتقد أن كلاً من (نظرية الشورى). (ونظرية الإجماع) لا تزال قادرة على الإسهام في بناء المجال العام، بمستوييه المعنوي والمؤسسي، بشرط تجديد فهم هاتين النظريتين وتحريرهما من القيود التي ترسفان فيها وتبعدانهما عن واقع الحياة ومشكلاتها أولاً وقبل أي شيء آخر، وما قدمناه هنا ليس سوى محاولة أولية في هذا الاتجاه.
الخاتمة
ليس صحيحاً أننا وصلنا إلى خاتمة هذا البحث في موضوع (أصول المجال العام وتحولاته في الاجتماع السياسي الإسلامي) بل الصحيح هو أننا فقط فتحنا باب البحث في هذا الموضوع. ولعل أهم ما خلصنا إليه ـ حتى الآن ـ هو أن فكرة المجال العام عميقة الجذور في أصول الاجتماع السياسي الإسلامي، وأن هناك أكثر من سبب أدى لوأد هذه الفكرة، وأسهم ضمور التعبير عنها في الممارسة الاجتماعية، ومن تلك الأسباب: الاستبداد السياسي الذي عطل الشورى، وصادر الحرية، وشل فاعلية الاجماع في التعرف على إرادة المجتمع، وفي حمل هذه الإرادة إلى مواقع صنع القرار، وتدبير الشأن العام. ومن تلك الأسباب أيضاً: استسلام الفقهاء ـ في أغلبيتهم ـ وعدم اعتراضهم على تعطيل الشورى في اختيار الحكام وعزلهم ومحاسبتهم، إضافة إلى الجمود الفقهي الذي قيد نظرية الإجماع ولم يدعها تنطلق إلى ميدانها العام الذي يشمل ـ إلى جانب الأحكام المستنبطة بأدلة شرعية ـ كل ما يدخل في تدبير الشأن العام للجماعة السياسية، انطلاقاً من أن الإجماع ـ بمعناه الواسع ـ هو السبيل للتعرف على إرادة الأمة، وأن إرادة الأمة الحرة هي مصدر شرعية كل السلطات العامة الموكل إليها رعاية الشئون الجماعية.
لتلك الأسباب، جمدت نظرية المجال العام عند نشأتها الأولى في الاجتماع السياسي الإسلامي، وسرعان ما انصرف الاهتمام إلى الإجراءات التي تضبط وتهيمن على المجال العام، وليس إلى الأفكار التي تطوره، إلى الحد الذي بلغت فيه تلك الجهود ـ ومنها جهود بعض الفقهاء وكثيرين من خبراء السلطة وكتاب الحكمة السياسية ـ إلى التركيز فقط على (باب سد الذرائع)، الذي أل في التطبيق إلى سد كل ذرائع الحرية، والشورى، وعدم إفساح الميدان أمام نظرية الاجماع كي تسهم في بناء المجال العام، وأضحت نظرية سد الذرائع هي الجد الأعلى لقوانين الطوارئ التي تهيمن السلطة من خلالها على المجال العام، وتوقف نموه بآليات هذه (الطوارئ) التي لا تكاد تنتهي حتى تستأنف عملها بهمة ونشاط.
إن انحسار (المجال العام) في واقع أغلب المجتمعات العربية والإسلامية يجد تفسيره في تآكل بنيته النظرية التي تكونها قيم: الحرية، والشورى، والإجماع، وحلول نواقضها محلها أي: الاستعباد بدل الحرية، والاستبداد بدل الشورى، والاستفراد بدل الإجماع.
ومن المؤكد أن هناك عقبات كثيرة تحول دون استرداد المجال العام وتطويره في الواقع المعاصر لمجتمعنا، ومنها مثلاً:
[1] ضعف الولاء المشترك لقيمة أعلى من القيم الفردية والمصالح الخاصة. [2] وتأخر وعي المصلحة المشتركة، وسيادة وعي المصلحة الفردية الأنانية، والمقاومة الصادرة عن جماعات لها مصلحة أخرى مضادة للمصلحة المشتركة، إضافة إلى نفوذ كل جماعة يوقف نفوذ الجماعة الأخرى، ولا يكون ذلك إلا على حساب المجال العام المشترك، وعندما يمارس المجتمع (الشورى) بحرية، يمكنه أن يطور مؤسسات تعبر عن إرادته، وتصبح قنوات الوصول إلى الإجماع والتوافق مفتوحة وجيدة الأداء، وفي أثناء ذلك، ونتيجة للشورى الحرة والإجماع الكاشف عن إرادة الأمة، والمنشئ في الوقت ذاته لتوافقات تراها الجماعة محققة لمصالحها، عندئذ يتكون المجال العام، وعندئذ يكون المجتمع قد وصل إلى مستوى الولاية على نفسه، ولا يفكر بالنيابة عنه أحد غيره أو جهة أخرى.
([1]) لمزيد من التفاصيل حول وظيفة النظام العام كفكرة قانونية في الاجتماع السياسي، انظر: عماد طارق البشرى، فكرة النظام العام، في النظرية والتطبيق، بيروت: المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، 2005م.
([2]) لمزيد من التفاصيل حول تعريف مفهوم الرأي العام، انظر: حامد ربيع، مقدمة في نظرية الرأي العام، تقديم وتحرير حامد عبد الماجد، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2007م، ص: 60-61.
([3]) بشارة، عزمي، المجتمع المدني: دراسة نقدية، مع إشارة للمجتمع المدني العربي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، 2000م، ص: 41.
([5]) المرزوقي، أبو يعرب، عوائق الفعل المدني: الفعلية والرمزية وشروط علاجها، ص: 4-5، بحث غير منشور.
([6]) يرى أبو يعرب أن تلك السلطة هي ما بات يسمى بسلطة العلماء الذين يمثلون القسم الثاني من أولى الأمر في منظور الفقهاء الذين استبدوا بسلطة التشريع. والمعلوم أن هذا الاستبداد اعتمد على حيلة رفعت دورهم القضائي إلى دور تشريع مغتصب. فبالقياس الذي بلغ الذروة في نظرية المقاصد بات الفقيه مشرعاً بدلاً من الأمة، في حين أن دوره كان ينبغي أن يقتصر على القضاء بالشرع المنزل أو الموضوع، وعلى الإفتاء في قضايا الضمير الفردي في المسائل التعبدية، المرجع نفسه، ص: 6.
([7]) يؤكد أبو يعرب على أن ما يناظر سلطة العلماء ـ أي سلطة الأمراء ـ القسم الأول من أولى الأمر بنفس المفهوم المحرف استبداداً بالتنفيذ. ولما كان العلماء توابع الأمراء باتت السلطة التشريعية المتسبدة خاضعة لسلطة التنفيذ المستبدة، وباتت الأمة خاضعة للاستبداد في سلطات العمران الخمس ببعديها الفعلي بيد الأمراء والرمزي بيد العلماء: القضائية والتشريعية والتنفيذية وسلطة التربية وسلطة الرأي العام، المرجع نفسه، ص: 7.
([10]) العوا، محمد سليم، النظام السياسي الإسلامي، القاهرة: دار الشروق، 1989م، ص: 22-23.
([11]) سورة البقرة الآية: 217.
([12]) سورة البقرة الآية: 191.
([13]) أبـو زهرة، محمد، أبو حنيفة: حياته وعصره ـ آراؤه وفقه. القاهرة: دار الفكر العربي، 1997م، ص: 464.
([14]) الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده، تحقيق محمد عمارة، القاهرة: دار الشروق، ط2، 2006م، ج3، ص: 443-444.
([15]) حول هذه الفكرة انظر: الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده، مرجع سبق ذكره.
([16]) لمزيد من التفاصيل حول الصلة بين الحرية والتمدن في الرؤية الإسلامية، انظر بصفة خاصة: فهمي جدعان، أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979م، ص: 400-401.
([17]) الكواكبي، عبد الرحمن، أم القرى: ضبط مفاوضات ومقررات مؤتمر النهضة الإسلامية المنعقد في مكة المكرمة سنة 1316هـ، حلب: المطبعة العصرية، ب.ت، ص: 31-33.
([18]) الشاوي، توفيق، فقه الشورى والاستشارة، المنصورة: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، 1992م، ص: 291.
([19]) شلتوت، الشيخ محمود، الإسلام عقيدة وشريعة، القاهرة: دار الشروق، ب.ت، ص: 440-442.
([20]) لمزيد من التفاصيل المهتمة بشأن التفرقة بين الشورى والاستشارة، انظر: الشاوي: مرجع سبق ذكره، ص: 7-8، ومواضع أخرى متفرقة من الكتاب.
([22]) السنهوري، عبد الرازق، فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية، ترجمة توفيق الشاوى، ونادية السنهوري، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2، 1993م، ص: 183.
([23]) الغنوشى، راشد، الحريات العامة في الدولة الإسلامية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1993م، ص: 140-141.
([26]) الكواكبي، مرجع سبق ذكره، ص: 66.
([28]) الشاوى، مرجع سابق، ص: 21.
([30]) عبد الرازق، علي، الإجماع في الشريعة، القاهرة: دار الفكر العربي، 1947م، ص: 5-6.
([31]) الشاوى، مرجع سابق، ص: 163.
([32]) عبد الرازق، علي، مرجع سابق، ص: 6-7. والحكم الشرعي حسب مفهوم الأصوليين هو “ما لا يدرك لولا خطاب الشارع”، وهذا المعنى هو الذي يميزه عن الحكم غير الشرعي.
([33]) انظر الشاوى، مرجع سابق، ص: 165.
([34]) حول شروط الإجماع، ومسائله، وكيفية انعقاده من وجهة نظر الأصوليين، انظر مثلاً: محمد أبو النور، زهير، أصول الفقه، القاهرة: المكتبة الأزهرية للتراث، 1425هـ2004م، ج2، الجزء الثالث، ص: 143-183. وانظر أيضاً: الشاوى، مرجع سابق، ص: 161-165، وهو يقدم رؤية نقدية متوازنة للآراء الفقهية التقليدية بهذا الخصوص.
([35]) عرض الدكتور الشاوى لتلك الآراء، وأضاف عليها أفكاراً جديدة مهمة في كتابه المشار إليه سابقاً، فقه الشورى، ص: 161-221.
([36]) الفاسى، علال، مقاصد الشريعـة الإسلامية ومكارمـها، الربـاط: مطـبعـة الـرسالة، 1979م، ص: 117-118.