أمريكا بين الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية وقانون قيصر
كتب: د. طلعت مرزوق وتامر نادي
فاجأ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، العالم بفرضه عقوبات على موظفين في المحكمة الجنائية الدولية. وهو القرار يتيح للولايات المتحدة تجميد أصول موظفي المحكمة الجنائية الدولية، ومنعهم من دخول أراضيها.
يستهدف هذا القرار موظفين في المحكمة الجنائية الدولية يحققون في جرائم حرب من المحتمل أن قوات الولايات المتحدة ارتكبتها في أفغانستان. حيث خلصت المحكمة في تحقيقاتها الأولية إلى وجود أسباب تدفع للاعتقاد بأن جرائم حرب ارتكبت في أفغانستان.
رغم أن الولايات المتحدة ليست من الدول الموقّعة على معاهدة تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، والتي مقرها لاهاي، ولا تعترف بسلطتها على المواطنين الأمريكيين. إلا أن نصوص القانون الدولي وما جاء في اتفاقيات جنيف تتيح للمحكمة حق مسائلة جنود الولايات المتحدة.
فوفقاً لاتفاقيات جنيف الأربع بنظام “المخالفات الجسيمة” الوارد بشكل موسع في البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، والذى ينص على أن: (الدول الأطراف مُلزمة بالبحث عن الأشخاص الذين يُدعى ارتكابهم، أو إصدارهم أوامر بارتكاب انتهاكات لاتفاقيات جنيف الأربع، وبروتوكولها الأول، والتي تُعتبر مخالفات جسيمة، وبمحاكمة هؤلاء الأشخاص بغض النظر عن جنسيتهم أمام محاكمها، أو تسليمهم إلى دولة طرف معنية أخرى كي تحاكمهم).
إلا أن هذا النظام يعد خروجاً على مبدأ إقليمية القوانين. حيث إن العنصر الأساسي لتطبيق مبدأ الولاية القضائية الدولية هو إرتكاب جرائم تمس حقوق الإنسان الأساسية المشمولة بحماية دولية، والمعترف بها دولياً بموجب اتفاقيات محددة، أو قواعد القانون الدولي.
ومِن أخص هذه الجرائم، ما نص عليه القانون الدولي الإنساني:
• جرائم الإبادة الجماعية.
• الجرائم ضد الإنسانية.
• جرائم الحرب.
• جريمة العدوان.
فكل ما يخص حماية المدنيين، وحماية الأعيان المدنية، وحماية الأشخاص الذين توقفوا عن القتال، وتقييد وسائل وأساليب القتال، يدخل في نطاق الولاية القضائية الدولية.
وقد أدرجت بعض الدول بتشريعاتها الوطنية قائمة المخالفات الجسيمة بشكل متفاوت، فبعض الدول لها ولاية قضائية على بعض الجرائم دون بعض، ويختلف تاريخ سريان هذه الولاية مِن دولة إلى أخرى، وتشترط بعض الدول إقامة الجانى على أراضيها.
بيد أن الدولتان الوحيدتان اللتان لهما ولاية قضائية عالمية كاملة حتى اليوم هما المانيا والنرويج.
وقد قضت محكمة العدل الدولية بأن رؤساء الدول، وبعض الوزراء يتمتعون بحصانة أمام المحاكم الوطنية، والمحاكم التابعة لدولة ثانية أثناء ممارسة مهامهم. لكن لا حصانة لهم أمام المحاكم الدولية، كالمحكمة الجنائية الدولية.
والحاصل أن الولايات المتحدة الأمريكية صوتت ضد اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية INTERNATIONAL CRIMINAL COURT، والتى وُقِعت عام 1998، ثم وقعت على الاتفاقية قبل المهلة الأخيرة في 31 ديسمبر 2000، ثم عادت وانسحبت مِن عضوية المحكمة مع بداية رئاسة جورج بوش الابن.
اعتمدت أمريكا على المادة رقم 89 مِن النظام الأساسى للمحكمة، والتى نصت على أن: (الاتفاقيات الدولية الثنائية تُطبق عِوضاً عن نصوص هذا النظام في حالة إدانة أى مِن مواطنى الدولتين الموجود في أراض الدولة الأخرى).
وتعللت أمريكا بعدة أسباب لمعادتها للمحكمة، ومنها:
– عدم توفير الحماية المنصوص عليها في الدستور الأمريكي للمواطنين الأمريكيين.
– أنها تحد مِن قدرتها على التدخل العسكري.
وربما كان الخوف مما اقترفه جنودها مِن جرائم في عدة دول كالعراق وأفغانستان وغيرهما هو الدافع وراء الانسحاب.
ولعل هذا ما يفسر تهديد جون بولتون لقضاة المحكمة، وسحب تأشيرة فاتو بنسودا، وتهديد الدول التي ترفض توقيع الاتفاقيات الثنائية بالعقوبات الاقتصادية، وقطع المساعدات العسكرية.
علما بان ترامب أصدر عفوا عن قوات كانت تحاكم في الولايات المتحدة بتهم ارتكاب جرائم حرب في أفغانستان. وهو ما يتفق جاء في التحقيق الأولي للمحكمة الدولية، الذي دام أكثر من عقد، بأن جرائم ضد المدنيين والسجن وإعدامات خارج إطار القضاء قد ارتكبت. مع وجود أساس للاعتقاد بأن الجيش الأمريكي مارس التعذيب في مراكز اعتقالات سرية تديرها وكالة الاستخبارات المركزية (سي اي ايه). وذلك بعلم وشراكة مع الحكومة الأفغانية التي مارست التعذيب بحق سجناء. وأن حركة طالبان هي الأخرى ارتكبت جرائم حرب مثل أعمال القتل الجماعي بحق مدنيين.
الشخص الوحيد خارج الولايات المتحدة الأمريكية الذي رحّب بهذا القرار هو بنيامين نتنياهو، مدعيا أن المحكمة مُسيَّسة، وشغلها الشاغل هو ملاحقة إسرائيل والولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى التي تحترم حقوق الإنسان”.
في نهاية العام الماضي، أعلن مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية انتهاء مرحلة الدراسة الأولية في الحالة في فلسطين، وتأكيدها أن كافة الشروط القانونية لفتح التحقيق قد تحققت. وأن المحكمة بدأت في السير في التحقيق بـ”جرائم” إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
قانون قيصر:
تزامنا مع “العقوبات” الأمريكية على أعضاء المحكمة الدولية، دخل قانون “قيصر” حيز التنفيذ، وهو القانون الذي أصدره الكونجرس الأمريكي عام 2019 لحماية المدنيين في سوريا، والذي يتضمن ما يلى:
إجراءات ضد البنك المركزي السوري.
عقوبات متصلة بشخصيات أجنبية تورطت في معاملات مالية معينة.
عقوبات ضد الحكومة السورية، والمليشيات المسلحة التابعة لها، والحكومتين الروسية والإيرانية “الداعمتان لسوريا”.
حجب الملكيات والفوائد التابعة لها.
منع تصاريح الدخول، أو إطلاق السراح المشروط.
عدم استخدام المجال الجوي السوري لاستهداف المدنيين.
فك الحصار عن المدنيين.
تحرير السجناء السياسيين.
حظر استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية “الجرثومية” وتدميرها.
عودة المهجرين.
محاسبة مرتكبى جرائم الحرب في سوريا.
ويتساءل البعض عن سبب تأخير هذا القانون منذ 15 مارس 2011 عندما بدأ نظام الأسد في قتل شعبه، وهل حقاً يهدف “قانون قيصر” لحماية المدنيين السوريين، أم حماية إسرائيل؟ هل هو أداة مِن أدوات إدارة الأزمة – وليس حلها – لتحقيق المصالح الأمريكية؟!