الرئيسية / النظم السياسية / حقوق الإنسان / الحقوق والحريات أثناء حالة الطوارئ الصحية “حالة المغرب”
الحقوق والحريات أثناء حالة الطوارئ الصحية "حالة المغرب"
الحقوق والحريات أثناء حالة الطوارئ الصحية "حالة المغرب"

الحقوق والحريات أثناء حالة الطوارئ الصحية “حالة المغرب”

الحقوق والحريات أثناء حالة الطوارئ الصحية

حالة المغرب

إعداد: كريم بطاش

باحث مغربي

 

أصبحت الحقوق والحريات قناعة راسخة لدى الجميع كونها الركيزة الأساس وعماد إقامة المجتمع المتحضر في إطاره العصري، فقاد عانت البشرية الويلات في سبيل تشييدها، وسالت دماء كثيرة وتضحيات ضخمة في سبيل تحقيقها، كانت الحرية تسبق الكرامة وتسبق الخبز. لذا فصيانة هذه الحقوق والحريات أصبحت حقا مقدسا ولا مناص للنكوص عنه، وأضحت مكرسةً في كل دساتير العالم.

غير أنه قد تعصف ظروف استثنائية من كوارث وأوبئة تعرقل السير العادي للمؤسسات وتغير نمط حياة المواطنين، فتضطر السلطة التنفيذية عندئذ باعتبارها والمكلفة بحماية النظام العام، إلى تغيير  في الأولويات، فتقدم حماية الدولة على صيانة الحقوق والحريات، ما يجبرها على القيام بإجراءات حاسمة قد تتجاوز حدود السلطة المخولة قانونا، ما يكون مقيدا لحقوق الأفراد وحرياتهم(1).

فكان هذا الفعل محط استئثار العديد من القانونين والسياسيين والسوسيولوجيين الذين ناقشوا كيفية ضمان وحماية الحقوق والحريات في هاته الظروف الاستثنائية التي تعتبر بالنسبة للأنظمة والحكومات بمثابة رخصة للتملص من حقوق الإنسان لغاية تحقيق الصالح العام وحماية المجتمع، غير أن هذا الخروج عن مبدأ المشروعة تجد تبريرا لها لدى لبعض إلى الشريعة الإسلامية من خلال باب درء المفاسد مقدم على جلب المصالح(2)، وبين هذا الرأي وذاك لابد من البحث عن آليات لضمان حالة الطوارئ و حماية الحقوق والحريات.

تأتي أسباب كتابة هذه الورقة في سياق الوباء العالمي الذي سببه انتشار  ڤيروس كوڤيد- 19، مما أدى إلى فرض الحجر الصحي في العديد من الدول، ومنها المملكة المغربية التي أعلنت في 20 مارس 2020 عن حالك الطوارئ الصحية وتقييد الحركة، و بالتالي دعوة المواطنين إلى المكوث في منازلهم، الشيء الذي غير من نمط حياة الأفراد وسبب صدمة ورجة للعديد منهم، وكذلك تمرد أو اضطرار فئات محدودة لخرق حالة الطوارئ (رغم الحملة التحسيسية الواسعة التي قامت بها الحكومة) وتهديد حياتهم وحياة أفراد آخرين لخطر العدوى، الشيء الذي يمكن أن يجابهه من طرف السلطة بنوع من العنف قد يتعدى في بعض الأحيان مجال القانون، وقد يصل إلى الشطط في استعماله، كل هذه الظواهر تدفعنا إلى طرح الإشكالات التالية: هل يمكن اعتبار حالة الطوارئ الصحية معطلة للحقوق والحريات الأساسية؟ ما هي العوامل الدافعة للأفراد للتمرد في ظل هاته الظروف الاستثنائية؟ هذا ما سنحاول تحليله في هذه الورقة من خلال التقسيم التالي:

 

1- تعريف حالة الطوارئ الصحية:

تعرف حالة الطوارئ عموما “أنها نظام استثنائي شرطي مبرر بفكرة الخطر المحدق بالكيان الوطني”، أو “أنها تدبير قانوني مخصص لحماية كل أو بعض أجزاء البلاد ضد الأخطار الناجمة عن عدوان …”. نفهم من هاته التعاريف أن حالة الطوارئ هي حالة استثنائية تقوم على فكرة الخطر المحدق بهيئة وبنية الدولة من عدو قد يكون معلوم أو مجهول يهدد المؤسسات الدستورية وأمن وسلامة البلاد(3)، ويهدف هذا النظام إلى الاستثنائي إلى استتباب النظام العام السكينة عامة والصحة العامة، وحماية الأرواح والممتلكات وتأمين السير الحسن للمرافق العمومية.

غير أن حالة الطوارئ تختلف من حيث أسبابها وآثارها، فالعدو هذه المرة ليس كيان عسكري يهدد بالدبابات والجنود، وإنما كائناً مجهرياً “فيروس” يهاجم النظام الحيوي للإنسان وينتقل بسلاسة عن طريق اتصالهم ببعضهم، لمحاصر الوباء لابد من إعلان الطوارئ منع تجمع الأفراد عن طريق فرض حجر صحي وبالتالي فإعلان هذا النظام الاستثنائي يستلزم توفر الشروط التالية:

 

  • واقعية السبب

إن تنصب حالة الطوارئ على أخطار محققة الوقوع أو وقعت فعلا، وليس لمجرد الظن أو الوقاية البعيدة الأمد، فلا يمكن تعطيل مصالح الأفراد والمؤسسات وتقييد الحريات لمواجهة مواقف محتملة الوقوع أو لم تقع أصلا.

 

  • شمولية الخطر 

إذ يتوجب لإعلان حالة الطوارئ الصحية أن تكون على قدر من الجسامة الذي يهدد حياة الأمة كلل وبالتالي فالوباء الذي يمكن معالجته أو التحصين ضده لا ينبغي فرض حالة الطوارئ على سببه.

  • الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية كإجراء أخير 

حيث يتم الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بعد استنفاذ كافة الإجراءات العادية للتعامل مع الوباء، وذلك من خلال تجريب اللقاحات والأمصال لمكافحته والحد من انتشاره، وبالتالي فلا يلجأ للإعلان إلا عند عدم جدوى الإجراءات العادية، وذلك نظرا للخصائص الاستثنائية لحالة الطوارئ الصحية(4).

 

2- حالة الطوارئ الصحية: مقاربة قانونية:

لا يتضمن الدستور المغربي لسنة 2011(5) داخل طياته أي فقرة أو عبارة لحالة الطوارئ، لكنه نظم نوعين من الحالات الاستثنائية، وهي حالة الاستثناء (الفصل 59)، وحالة الحصار (الفصل74). فالحالة الأولى لا يمكن إعلانها إلا من طرف الملك بظهير في حال ما إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع ما يعرقل السير العادي للمؤسسات، بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس المحكمة الدستورية ورئيسي مجلس النواب والمستشارين وتوجيه خطاب للأمة. أما الحالة الثانية فتحدد في 30 يوما عن حالة الحصار، بمقتضى ظهير، ولا يمكنه تمديده إلا بقانون، وبالتالي نجد أن الدستور المغربي لا يتطرق إلى حالة الطوارئ سواء العادية أو الصحية.

وبتمحيصنا للترسانة القانونية المغربية نجد أن هناك مرسوم ملكي(6) صادر في 26 يونيو 1967 بمثابة قانون يتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء على هذه الأمراض، ويتكون هذا المرسوم من ثمانية فصول، ويحدد فصله الأول الإطار العام للأمراض الجاري الحجر عليها والأمراض ذات الصبغة الاجتماعية والأمراض المعدية أو الوبائي بقرار لوزير الصحة، كما حدد الآجال والشروط بموجب نفس القرار، كما تضمن مقتضيات زجرية لكل مخالف لفصول هذا القانون بالحبس لمدة تتراوح بين ستة أيام وشهرين وبغرامة يتراوح قدرها بين 40 د و 2400 د أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

لكن مقتضيات هذا المرسوم ظلت تشوبها عدة نقائص ما حدا بالمشرع المغربي إلى محاول تجاوز هذه النقائص وسنه مرسومين استنادا على الفصول 21 و 24 و 81 من دستور 2011، فالأول لتنظيم حالة الطوارئ الصحية، أما الثاني خاص بإعلان حالة الطوارئ الصحية لمواجهة تفشي ڤايروس كورونا.

فالمرسوم الخاص بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ (7) جاء مكونا من سبعة مواد وتتضمن الإجراءات والمساطر الخاصة بتنظيم حالة الطوارئ، حيث نصت مادته الأولى أنه يمكن إعلان حالة الطوارئ الصحية بأي جهة من جهة أو عمالة أو إقليم أو كممارسة أو أكثر، أو كل التراب الوطني عند انتشار أمراض أو أوبئة معدية، وذلك تفاديا للأخطار الناتجة عنها، كما تضمن مستجدات مهمة في تخص بنية اتخاذ القرار، حيث منح السلطتين الحكوميتين المكلفتين بالداخلية والصحة باقتراح إعلان حالة الطوارئ الصحية بموجب مرسوم، وهو ما كان يختص به وزير الصحة لوحده في مرسوم 1967، كما تتكلف الحكومة بتدبير حالة الطوارئ واتخاذ جميع التدابير اللازمة بواسطة مراسيم ومقررات تنظيمية أو مناشير وبلاغات، كما تضمن المرسوم إجراءات زجرية لكل مخالف وخارق لحالة الطوارئ الصحية، وذلك بالحبس من شهر إلى ثلاث أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 د و1300 أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما يعاقب بنفس هاته العقوبات كل من حرض أو منع على مخالفة القرارات بواسطة الخطب أو الصياح في الأماكن العمومية أو بواسطة المطبوعات أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو أي وسيلة أخرى تستعمل دعامة لهذا الغرض. كما يجوز للحكومة اتخاذ أي إجراء ذو طابع اقتصادي أو مالي أو اجتماعي في حالة الضرورة، كالأعمال المباشر لفئة معينة أو إعفاءها من مستحقات مالية، أو اقتطاع لفئة أخرى.

غير أن هذا المرسوم قد تعرض للعديد من الانتقادات من الأساتذة والباحثين، ومن هؤلاء الأستاذ رشيد المدور الذي وجه ملاحظتين لهذا القانون:

فالملاحظة الأولى أن القانون لم يحدد المدة المقررة لهذه الحالة، وبالتالي جعلها من اختصاص السلطة المعنية بإعلان هذه الحالة، أي رئيس الحكومة بناء على اقتراح وزير الداخلية ووزير الصحة.

أما الثانية أعطى الصلاحية للسلطة المعنية بإعلان هذه الحالة بتمديد سريان مفعول هذه الحالة.

وفي تقديره إنه كان على المشرع المغربي، أسوة بما هو موجود في التجارب المقارنة وآخرها فرنسا التي سنت “قانونا للطوارئ الصحية” في نفس الفترة التي اعتمد فيها المغرب مرسوم بقانون يحمل نفس الاسم. وألا تترك هذه المدة مفتوحة، بل يحددها في أجل معين (شهر مثلا)، وأن يجعلها في نفس الوقت مدة قابلة للتمديد لكن بإذن من البرلمان، حتى يكون هذا الأخير مواكبا لمجريات هذه الحالة التي يصاحبها اتخاذ إجراءات تقييد الحقوق والحريات.

 

3- حالة الطوارئ الصحية : مقاربة حقوقية:

راج في كثير من مواقع التواصل الاجتماعي صور وفيديوهات لتجمعات كبيرة من المواطنين غير مبالين لحالة الطوارئ والصحية رغم التوعية الواسعة التي قامت بها الحكومة، الشيء الذي سمح لبعض رجال السلطة بعدم الالتزام بالنصوص القانونية الجاري بها العمل في التعامل مع المواطنين الخارقين لهذا النظام وغير مدركين لخطورة الوضع أو غير آبهين به، لكن عند النظر من زاوية سوسيولوجية، يظهر أن الإعلام و الثقافة السائدة هي جوهر تشكيل الوعي الجمعي وإعادة إنتاج جماهير تجتر الوعي واللاوعي السائد، أضف إليه فإن سيادة حالة السلم وندرة الحروب والنزاعات وسابقة التعاطي مع الأوبئة وهيمنة أوضاع وأنماط حياة تسطيحيه أدت إلى تنميط الإنسان بأسلوب حياتي روتيني وبالتالي فخالف هذا الوضع أدى إلى صدمة الناس، خصوصا مع حالة الانكماش الاقتصادي التي أعقبته أدت إلى مثل ردود الأفعال هاته.

فالعديد من المواطنين بين عشية وضحاها، وجدو أنفسهم دون مورد رزق نتيجة حالة الطوارئ وتقييد الحركة، وبسبب هذه الحالة الغير معهودة لم يستطع العديد تقبل فكرة الحجر الصحي كونه لا يتوفر على مورد قار يستطيع من خلاله الإنفاق على نفسه وعائلته، وبالتالي وإن استطاعت الحكومة تعويض المسجلين في الضمان فإنها وقفت عاجزة أمام هذه الفئة من المواطنين الذين يعملون في القطاعات غير المهيكلة ويشكلون فئات واسعة من الشعب، حتى تتمكن الحكومة من حصرهم، كما ستتمكن من إيجاد آلية للدعم الخاصة بهم، وأسوة ببعض التجارب المقارنة يمكن اقتراح البرنامج التالي:

  • تأسيس قاعدة بيانات جماعية: حتى تتمكن المصالح الحكومية من إحصاء شامل ودقيق لجميع الفئات المجتمعية، لكي تكون قوالب الفئات المستفيدة من الدعم معلومة وكذلك ميسرة الولوج.
  • التشاور: حيث تقدم الحكومة مقترحاتها و تتلقى ردود الأفعال، حول آليات الدعم و طرق التمويل، وذلك بطريقة تفاعلية عن طريق التواصل المباشرة مع الفئات المستهدفة.
  • المشاركة الفعالة: فالتعاون في عمليات اتخاذ القرار في جميع مراحل عملية صنع القرار هو أعلى شكل من أشكال المشاركة، بحث يشارك فيها ممثلو الجمهور مع ممثلي الحكومة للخروج بحل ناجع يرضي جميع الأطراف، ثم إن الإشراك في القرار يلزم الجميع بتطبيق ولا مناص من التملص منه.

خلاصة

 

إن حالة الطوارئ الصحية تبقى نظام استثنائي يزول بزوال مبرراته، فالغاية التي فرضته في المغرب هي غاية سامية تهدف إلى المحافظة على أرواح المواطنين وضمان استمرار الدولة وحسن سير المرافق العمومية، غير أن هذا لا يعني ضرب مكتسبات الأمة الحقوقية وانتهاك كرامة المواطنين، بذريعة استتباب الأمن والحفاظ على النظام العام، فتعسف السلطة لا يجدد مبررا له في أي نظام أو قانون من القوانين الجاري بها العمل، وإنما يكون فعلا فرديا يجب التنبيه له والتنديد به.

 

الهوامش

  • آيت عبـد المالـك ناديـة، النظام القانوني لحقوق الإنسان في حالات الطوارئ في ظل القانون الدولي الاتفاقي مجلة صوت القانون، العدد الأول: أبريل 2014، ص 65
  • نصر الدين بن طيفور، الضمانات الدستورية لحقوق الإنسان عند استعمال سلطات الطوارئ، المجلة الجزائرية للعلوم القانوية والسياسية، العدد الرابع، ص 72
  • الشريف فؤاد، حالة الطوارئ وأثرها على الحقوق والحريات العامة للمواطنين، العدد الثاني و العشرون، ص 188
  • HIGGINGS ; Derogations under human rights treaties ; bybil ; Vol 48 1976 _ 1977 , p 289
  • ظهير شريف رقم 91-11-1 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور
  • مرسوم ملكي رقم 554.65 بتاريخ 17 ربيع الأول 1387 (26 يونيو 1967) بمثابة قانون يتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاد تدابير وقائية للقضاء على هذه الأمراض، ج ر عدد 2853، ص 1484
  • مرسوم بقانون رقم 292.20.2 صادر في 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها. ج ر عدد 6867 مارس 2020 ص 1783
  • عثمان الزياني، إشكالات صناعة القرار العمومي بالمغرب، سلسة الدراسات الدستورية والسياسية، العدد الأول ص 206.

عن كريم بطاش

شاهد أيضاً

الملكية البرلمانية في المغرب- بين الواقع والمأمول

الملكية البرلمانية في المغرب: بين الواقع والمأمول

الملكية البرلمانية في المغرب: بين الواقع والمأمول كريم بطاش 2019 ملخص وعناصر الدراسة:   الملكية …