الرئيسية / النظم السياسية / السياسة المقارنة / فشل الدولة وانهيار الدولة: مظاهر الضعف والفشل الهيكلي والمؤسسي
فشل الدولة وانهيار الدولة: مظاهر الضعف والفشل الهيكلي والمؤسسي
فشل الدولة وانهيار الدولة: مظاهر الضعف والفشل الهيكلي والمؤسسي

فشل الدولة وانهيار الدولة: مظاهر الضعف والفشل الهيكلي والمؤسسي

فشل الدولة وتحول الدولة

“State Failure and State Transformation”

عرض: أمل هاني

 

المحتوى

تعريف فشل الدولة

مظاهر الضعف والقوة في ضوء الاقترابات أو المناهج البديلة

عرض الفشل الهيكلي والمؤسسي مع تقييم لحالات راهنة

الفشل والحرب وانهيار الدولة

الدور الذي يلعبه التدخل الدولي لتعزيز حفظ السلام وبناء الدولة

النتائج التي توصل اليها الكاتب

التقييم

 

فشل الدولة وتحول الدولة:

المؤلف: Sven Chojnacki & Anne Menzel.

اسم الناشر:Oxford Handbooks Online .

سنة النشر: 2014.

نبذة عن الكاتب:

  • Sven Chojnacki: أستاذ السياسة المقارنة وبحوث السلام والحرب في قسم العلوم السياسية والاجتماعية، والباحث الرئيسي في مركز الأبحاث القانونية “الحكم في مجالات بناء الدولة المحدودة” (2005 – 2017)، في الجامعة الحرة في برلين – المانيا.
  • Anne Menzel: أستاذ دكتور في العلوم السياسية – قسم العلوم السياسية والاجتماعية، في الجامعة الحرة في برلين – المانيا.

–  نبذة عن الدراسة ومحور اهتمامها:

  • تتناول الدراسة أكثر المفاهيم شيوعاً حول الدولة الفاشلة، وتعرض تقييم للمسارات المختلفة للتحول العنيف للدولة، كذلك الخصائص المؤسسية والهيكلية.
  • ومحور اهتمام الدراسة هو جوهر العلاقة بين صنع الحرب وبناء الدولة، والدور الحاسم الذي تلعبه التدخلات الدولية لإرساء السلام وبناء الدولة، والأشكال الأخرى البديلة للحكم.
  • وتنوه الدراسة الى أن فشل الدولة ما هو الا نتيجة لسياسات مختلفة، والتي يمكن أن تؤدي الى انهيار الدولة وليس فقط اندلاع النزاعات والحروب.

–       تقسيم الدراسة:

أولاً: تعريف فشل الدولة.

ثانياً: مظاهر الضعف والقوة في ضوء الاقترابات أو المناهج البديلة.

ثالثاً: عرض الفشل الهيكلي والمؤسسي مع تقييم لحالات راهنة.

رابعاً: الفشل والحرب وانهيار الدولة.

خامساً: الدور الذي يلعبه التدخل الدولي لتعزيز حفظ السلام وبناء الدولة.

 

المقدمة:

جذب مفهوم الدولة الفاشلة وظاهرة انهيار الدولة انتباه الأكادميين وعلماء السياسة وصانعي السياسية.  وقد جاء  الترويج السياسي للمفهوم في أوائل التسعينيات في خطاب مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة في سياق حشد الجهود الدولية لمساعدة وانقاذ الصومال، والتي ستتناولها الدراسة كتطبيق عملي.

ويعد فشل الدولة أو انهيار الدولة السبب الرئيسي لمعاناة الإنسان، كما أنه يشكل عقبة أمام التنمية. وقد أشار كوفي عنان في 2005 الى ان: “فشل الدولة أو انهيار الدولة يشكل تهديدا للأمن الدولي في حالة تجاهله، حيث يخلق مشاكل يمكن أن تعود لتلدغنا”[1].

ومن منظورالعلوم السياسية، فإن هذه التطورات تشير إلى أن تحولات الدولة، والأنماط المتغيرة للحرب، والعلاقة بين المستويات المحلية والإقليمية والعالمية تحمل وزن أكبر بكثير مما جاءت به  النظريات الأخرى التي قبلها الواقعيين الجدد.

ومن وجهة النظر التاريخية، هناك مجموعة من التطورات المشتركة في صنع الدولة وصنع الحرب منذ فترة طويلة، ترتبط ارتباطا وثيقا بفشل النظام السياسي. فعلى سبيل المثال، حروب الوحدة الايطالية والألمانية في القرن التاسع عشر، وكذلك الحروب اليوغوسلافية وآيضاً السوفيتية في أواخر القرن العشرين. وبتحليل التحولات المؤسسية والاقتصادية والتكنولوجية في أوروبا من العصور الوسطى وحتى نهاية الحرب الباردة، كان تشارلز تيلي على حق في استنتاجه أن: ” الحرب تنشئ الدولة، والدولة تنشئ الحرب” – 1985.  ونتيجة لسلسلة التغيرات التاريخية من القرن السابع عشر – معاهدة سلام ويستفاليا عام 1648 والتي تعتبر هي لحظة ولادة الدولة الحديثة في أوروبا –  أصبحت الدولة ذات السيادة هي المعيار الأساسي للنظام المؤسسي في النظام الدولي.

هناك تباين واسع داخل وعبر الكيانات السياسية. هناك، ومع ذلك، تباين واسعة داخل وعبر الكيانات السياسية. فعملية صنع الدولة تختلف طبقاً للتعبير المؤسسي للدولة (البيروقراطي / الموروثة، الاستعمارية /المستقلة، مركزية / لا مركزية)، وطبقاً للقدرات المادية (النامية، أو الدول الريعية) واستراتيجيات الفاعلين في مختلف المواقف والمستويات (المحلية والإقليمية والمستوى الدولي).

بعد إنتهاء الاستعمار، ظهر ما يسمى “بأشباه الدول” “Quasi-States” ، التي تتمتع باعتراف دولي ودعم مالي في كثير من الأحيان، ولكنها تفتقر إلى القدرات المحلية والشرعية. واليوم، بعد الانحراف عن القواعد المثالية لويستفاليا ، وبعد ظهور “أشباه الدول”، انتقلنا الى شكل “الدول بحكم الواقع” ” de facto States” ، والتي تفتقر إلى الاعتراف الدولي، مثل جمهورية أرض الصومال، الى مناطق مزقتها الحرب مؤخرا، وانهارت.

 

أولاً: تعريف الدول الفاشلة:

هناك العديد من المسميات والمصطلحات المشابهة لمصطلح الدولة الفاشلة كمصطلح “أشباه الدول – الدول المنهارة – الدول الهشة – الدول الضعيفة”. ويتضح من السياق الزمني لظهور المفهوم ارتباطه بالتغير الحادث في هيكل النظام الدولي.

لا يوجد تعريف جامع شامل مانع لما يعنيه مصطلح الدول الفاشلة، الإ أنه بشكل عام يشير الى حالة من الاخفاق الوظيفي تعاني منه الدولة تؤدي الى تأكل قدرتها وقدرة نظامها القائم على الحكم بفاعلية وكفاءة، وهو ما ينتج عنه في أكثر حالاته سقوط وانهيار الدولة.

فعلى المستوى الداخلي،. وعلى المستوى الدولي، يتمثل الفشل في تراجع قدرتها على التفاعل مع الوحدات السياسية كعنصر دولي كامل الأهلية.

 

وعرضت الدراسة لمجموعة من التعريفات:

تعريف The Political Instability Task Force (PITF) : هناك العديد من الدلالات أو المؤشرات على فشل الدولة، نذكر منها: عدم الاستقرار السياسي، الصراع العنيف واسع النطاق (حرب أهلية)، والإبادة الجماعية، و (أو) تغيير النظام ، التحولات المفاجئة في أنماط الحكم، وفترات من عدم الاستقرار الشديد، والتحولات نحو الحكم الاستبدادي. وأشار الى مجموعة من الدول الفاشلة والتي لا تزال حتى الأن، مثل أفغانستان والصومال.

تعريف Robert Bates : على النقيض من تعريف PITF، الذي يعد تعريف ضيق، يركز حصرا على آلية واحدة من فشل الدولة العنيف : تشكيل الميليشيات. يقول روبرت بيتس أنه نظرا للارتباط القوي بين الحرب الأهلية وفشل الدولة، فاذا نظرنا في أسباب الحرب الأهلية من المرجح أن نجد أدلة حول أسباب فشل الدولة كذلك، كما في كولومبيا. الا أنه يغالي في الدور الذي تلعبه الميليشيات باعتبارها تشكل الفئة الحاسمة في العلاقة بين فشل الدولة والعنف المنظم.

تعريف جنيفر ميليكين وكراوس 2002: يشير التعريف إلى أن فشل الدولة يعني افتقادها للقدرة على السيطرة الفعلية حيث تكون مؤسسات الدولة غير قادرة على توفير الأمن، والتمثيل الشرعي، افتقاد بيئة تفضي إلى النشاط الاقتصادي المربح، و (أو) تقديم خدمات الرعاية الأساسية. انهيار الدولة، في المقابل، يعني أن مؤسسات الدولة لم تفشل فحسب، بل أيضا قد انحلت. كما حدث في ليبيريا وسيراليون خلال الحروب الأهلية عام 1990، وفي أفغانستان بعد التدخل السوفيتي عام 1979 وبعد الاطاحة بحكومة طالبان عام 2001 ، وفي الصومال بعد سقوط نظام بري عام 1991.

 

ثانياً: الفشل المؤسسي والوظيفي:

يشير البعد المؤسسي لشرعية الدولة وقدرتها المؤسسية على ممارسة سلطتها على شعبها وإقليمها. ويشير البعد الوظيفي لمدى قدرة الجهات الحكومية واستعدادها على توفير السلع والخدمات العامة مثل سيادة القانون، والحماية من العنف، والبنية التحتية، والتعليم العام والرعاية الصحية. وتذكر الدراسة أن أعلى نسبة من حالات الفشل الحكومي الهائل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وقد مكن الضعف المؤسسي لأشباه الدول من استمرار المؤسسات غير الحكومية. على الرغم من أن هذه المؤسسات غير الحكومية قد قدمت أحيانا فرصا للسكان المحليين لمقاومة القمع الذي تمارسه الدولة، وعرضت وسائل لإدارة فشل الدولة الوظيفي.

البناء الاجتماعي: من المرجح أن تصبح مشكلة في ظل ظروف القصور الوظيفي للدولة كعلامة لترسيم مجموعات داخل المجتمع. فاذا كانت الظروف المعيشية بائسة والامتيازات الاجتماعية والاقتصادية ضيقة ومخصصة فقط للطبقة الحاكمة (النخبة) أو مؤيديهم أو رجال الأعمال أو مجموعة معينة، يساهم ذلك في شحذ المنافسة بين الجماعات داخل الدولة.

العوامل الثقافية و التاريخية: مثل اللغة أو الدين، والهويات العرقية المختلفة التي يمكن أن تستغل للتعبئة، والتلاعب السياسي، والاستقطاب، بما يؤدي الى فشل الدولة أو انهيارها. فتأتي أهمية الهوية جنبا الى جنب مع الآثار التراكمية من الفقر، وزيادة عدد السكان، والهروب من الريف، والتوسع الحضري السريع، وعدم عدالة التوزيع التي تفضي لا محالة الى معدلات عالة من العنف وعدم الاستقرار السياسي ، بل وتآكل النظام السياسي . وتعد الممارسات الاستعمارية السبب الرئيسي وراء الصراعات والانقسامات العرقية، وهي التي مهددت للتمييز ضد فئات معينة، كما رأينا في رواندا أو الكونغو- كينشاسا. كذلك فشل الدول في دمج الجماعات المختلفة ومنح امتيازات للنخبة، وعدم المساواة الاقتصادية والتي طال أمدها الصراعات الاجتماعية، يؤدي الى فشل الدولة، كما هو الحال في يوغوسلافيا السابقة.

لعنة الموارد: يرتبط فشل الدولة وصنع الحرب بشكل وثيق بوفرة الموارد، التي يمكن أن تستخدم لتمويل المتمردين. فالموارد مثل الماس والنفط، لها دور في شن الحروب والتي تختلف طبقاً لدرجة تنظيم الجماعات المسلحة. الديناميات الأمنية يمكن أن تتحول إلى عواقب وخيمة، فالتدخلات الخارجية التي تدعم الجماعات المسلحة الداخلية والتي تتنافس فيما بينها على الموارد يمكن أن تؤدي الى شدة الصراعات على الأرض. لذلك ترى الدراسة أن الديناميات المحلية من توفير الأمن ترتبط ارتباطا وثيقا بالتدخلات الخارجية.

 

ثالثاً: الفشل والحروب وانهيار الدولة:

قدمت الدراسة عدد من الأمثلة لفشل الدولة:  الصومال وزائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية) وليبيريا وبعض الدول العربية.

لا شك أن الحالة الصومالية تطرح نموذجاً واضخاً لاشكاليات وامكانيات التحول في ظل وضع هشاشة الدولة. لقد حاول المجتمع الدولي جاهداً منذ انهيار الدولة الصومالية عام 1991 اعادة بنائها وفقاً لرؤية فوقية، ولكنه فشل. فقد فشلت القوى الدولية الفاعلة والمؤسسات المانحة في قراءة المشهد الصومالي وفهم دينامياته السياسية.

وعلى النقيض من ذلك، يطرح اقليم أرض الصومال الذي أعلن انفصاله من طرف واحد، ودون اعتراف دولي عام 1991 قصة نجاح من خلال تبنيه منهجاً يعتمد على البنية العشائرية والأعراف السائدة في المجتمع دون تدخل دولي. وقد أضحت أرض الصومال اليوم واحة للاستقرار ونموذجاً لتحول الدولة يجذب المهاجرين من كافة أنحاء القرن الأفريقي المضطرب. ويعزي بعض الدارسين نجاح تجربة أرض الصومال الى عدم اعتمادها على المساعدات الخارجية من خلال تبني منظور الاعتماد الجماعي على الذات من أجل تطوير مؤسساتها ومواردها المحلية. فانهيار الدولة ليس مرادفا للفوضى ولا مطابق لغياب الحكم. وأرض الصومال اليوم يأتي على مقربة من مسار الدول الأوروبية.

الانتفاضات العربية: حالة الثورة التي شهدتها المنطقة العربية منذ نهاية 2010، جاءت لتؤكد أن الدولة كانت هي محور هذه الثورات، نظراً للتماهي الكبير بين النظام الذي ثار عليه الثوار ومؤسسات الدولة.

إن حدوث وانتشار الحروب الأهلية على نطاق واسع، تؤكد أن هناك مسارات مختلفة، المؤدية من فشل الدولة إلى انهيار الدولة. مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلاف في الهياكل بين الدول، على سبيل المثال، نصيب الفرد من الدخل، وعائدات النفط والغاز، ومستويات القمع ودرجات قدرات الدولة، – حالات اليمن، ليبيا وسوريا-.

أظهرت حالات ليبيا وسوريا أن تفتت الجيش وانشقاق القوى الأمنية، واتباع استراتيجيات متباينة أو غير متماسكة من الجهات الفاعلة الدولية يمكن أن يؤدي إلى أنواع مختلفة من العنف وتدمير الدولة.

في حالة اليمن، تدور الصراعات الداخلية المسلحة منذ فترة طويلة، الى جانب تدابير الولايات المتحدة الأمريكية  لمكافحة الإرهاب، مع انخفاض قدرة الدولة (حيث ارتفاع معدلات البطالة والفساد والفشل المؤسسي)، مما سهل قيام الثورة اليمنية عام 2011. الا أن ديناميات ارتفاع مخاطر التفتيت الجغرافي والانفصال السياسي والتنافس بين الجماعات المسلحة على موارد الدولة وعلى الأراضي تؤثر على فرص السلام وعلى اعادة بناء الدولة.

 

رابعاً: التدخلات الخارجية في بناء الدولة:

جاءت معظم التدخلات تحت دعاوي التدخل الانساني لحل الأزمات الإنسانية، على سبيل المثال: في الصومال والبوسنة والهرسك وكوسوفو وتيمور ورواندا وليبيريا وسيراليون وبوروندي والكونغو – كينشاسا. والاستثناءات هي العراق وأفغانستان، حيث السلام واعادة بناء الدولة – أصبحت جزءا لا يتجزأ من التدخلات العسكرية للحرب على الإرهاب.

من وجهة نظر صناع السياسة الدولية والسلام – من المتوقع أن إنتاج مؤسسات مستقرة للدولة متلازمة مع قدراتها لضمان توفير الأمن، وسيادة القانون، والخدمات الأساسية، (الإغاثة في حالات الطوارئ، ودعم الفقراء والرعاية الصحية الأساسية ). وبعبارة أخرى، بناء الدولة يتوقع أن يكون الشرط الضروري للسلام والاستقرار.

يقترح أخرون أن الانفتاح على الأفكار المحلية حول أشكال وظيفية وشرعية السلطة السياسية والحكم قد يؤدي إلى مسارات جديدة وأكثر قابلية للتطبيق لبناء الدولة. ولكن لابد من الاشارة الى أن البديل المحلي قد يخدم مصالح النخبة المحلية ويكرس الهيمنة القمعية، ويذكرنا ذلك بالحكم الاستعماري. كما أنها يمكن أن تخدم المصالح الغربية في باسم التنمية والسلام والأمن.

 

خامساً: النتائج التي توصلت اليها الدراسة:

هناك بعض الخصائص المشتركة للتحولات الدولية في الآونة الأخيرة:

1) الفشل المؤسسي والوظيفي وضعف القدرة للحفاظ على السلطة السياسية الشرعية فوق أرض الدولة وشعبها وتوفير السلع والخدمات العامة الأساسية.

2) العنف الداخلي الذي يمكن أن يتصاعد إلى درجة اندلاع حرب كاملة على نطاق واسع ويؤدي الى فشل الدولة، بل وانهيارها، الا أنه أيضاً يمكن أن يخلق مساحات لأشكال بديلة للحكم خارج الدولة.

3) التدخلات الدولية الرامية لإنهاء العنف وإعادة بناء الدول الفاشلة. يبدو أنها تنجح احيانا في احتواء الفشل والعنف الداخلي في مستويات تعتبر مقبولة نسبيا والسيطرة عليها. ويظل نجاح أو اخفاق استراتيجيات التدخل الدولي لبناء الدولة وارساء السلام محل اهتمام علماء السياسة وصانعي السياسة.

 

تعقيب:

–  بناء على ما سبق، يمكن تعريف الدولة الفاشلة بأنها: “الدولة التي لا تستطيع القيام بوظائفها الأساسية ولا تستطيع الوفاء بالاحتياجات الأساسية لأفراد شعبها بشكل مستمر، مما يؤدي على المدى الطويل الى حالة من عدم الاستقرار تدلل عليها مؤشرات سياسية وامنية واجتماعية واقتصادية وثقافية ومجتمعية. وتتعاظم عوامل الفشل اما بسبب انخراط الدولة في صراع لفترات طويلة، أو لقصور بنيوي في مؤسساتها لخبرات تاريخية أو لظروف جغرافية وديموجرافية، أو لمواجهتا أزمة حادة ومفاجئة، ولا يمكن الحكم على فشل دولة بمعزل عن محيطها الاقليمي ومستجدات وقضايا النظام الدولي”[2].

–  يكمن استنتاج عدد من المؤشرات الدالة على فشل الدولة، وأهمها: تتسم الدولة الفاشلة بالتوتر والصراعات العميقة. ففي أغلبها تحارب قوات الحكومة حركات التمرد التي في كثير من الأحيان تقف وراءها المعارضة. درجـــة العنف بحد ذاتها لا تــقــدم تــعــريــفــا للدولة الفاشلة، بل ما يقدم التعريف هو طابع استمرارية ذلك العنف وتوجيهه ضد النظام القائم، ويتمظهر فشل الدولة القومية في المرحلة التي يصل فيها العنف إلى درجة خطيرة من الصراعات العسكرية الداخلية ويتدهور مستوى المعيشة وتضعف الدولة المركزية وكل المرافق التابعة لها.

–  تعد الصراعات الاثنية والعرقية والقبلية أساس الحروب الأهلية والسمة الرئيسية للدولة الفاشلة كما جاء في الدراسة، لكن لا يمكن أن يرد فشل الدولة أساساُ على عدم قدرتها على خلق التناغم بين مختلف الاثنيات والعرقيات.

–  يعد العامل الجغرافي أيضاُ مؤشراً على فشل الدولة انطلاقاُ من مدى سيطرتها الجغرافية على الدولة القومية.

–  هناك مؤشر أخر يتمثل في العنف الاجرامي، فمع ضعف السلطة المركزية وفشل الدولة القومية يصبح الاقنون شبه غائب، مما يتيح المجال للعصابات الاجرامية وتغدو الفوضى هي طابع البلاد.

–  تدهور وتدمير البنية الأساسية للدولة القومية من السمات الأساسية للدولة الفاشلة. وتفشل الدولة القومية عندما تفقد شرعيتها وسيطرتها على أرضها، حيث تسعى جماعة معينة الى تحقيق استقلال ذاتي وسيطرة على جزء من الاقليم. يحدث هذا عندما تنحاز الدولة لمصلحة فئة على حساب باقي المجتمع، فيقل الولاء للدولة ويتحول الى تمرد مع مرور الوقت، الذي يختص بجزء من الأرض، بما يجعل مشروعية الدولة تتقلص وتنهار.

–  الدولة المنهارة هي المرحلة النهائية للدولة الفاشلة وتتسم بوجود فراغ تام للسلطة. وعندما تنهار الدولة مثل الصومال ولبنان، يتولى فاعلون فرعيون زمام الأمور، وبالتالي الدولة المنهارة تمتاز بالفوضى والسلوك المنحرف وقانون الغابة أي القوي من يحكم، وتصبح وكراُ ملائماُ لتجار السلاح والمخدرات واستغلال فراغ السلطة.

– لكي تـوصف دولة بالفشل وتـصبح مـصـنفة في خانة الدول الفاشلة، لا بد من أن تتوافر فيها أغلب المواصفات الصريحة للدولة الفاشلة، والمقصود في مصطلح الفشل هو قياس مجموعة مؤشرات كمية ونوعية في الدولة، منها حالة قطاعات الطرقات والمدارس والمستشفيات والعيادات، وإلى أي مدى انخفض الناتج المحلي الإجمالي وارتفع معدل وفيات الرضع؟ وإلــى أي حد يمتد نطاق الحكومة المركزية؟ وما هو قـدر شرعيتها؟ والمؤشر الأهــم هو هل الدولة تعاني نزاعات أهلية؟ وهـل ما زالــت قــادرة على توفير الأمن لمواطنيها وإلى متى؟ وهل ستستمر هذه النزاعات؟ وهل فقدت الدولة السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي التابعة لها، أم على بعض المحافظات؟

– ذكرت الدراسة أغلب الدول الفاشلة تقع في منطقة جنوب الصحراء في أفريقيا. فقد أدت نهاية الحقبة الاستعمارية إلى ظهور الدولة الأفريقية الحديثة أو ما يسمى دولة ما بعد الاستعمار، واعتمدت أغلب الدول الأفريقية الحديثة الاستقلال في هذه الفترة نظام الحزب الواحد كنمط وآلية لبناء الــدولــة. وكـانـت الأحـــزاب هـي التي ناضلت ضـد الاستعمار مـن أجــل الاسـتـقـلال، وبعد الاستقلال تحولت إلــى نظام الــحــزب الــواحــد وأخـــذت توسع قواعدها مــن خــلال استقطاب مختلف شرائح المجتمع كخطوة أساسية في بناء الوحدة الوطنية. لكن دولة ما بعد الاستعمار أثبتت أن نجاح تجربة الـحـزب الــواحــد فـي حقبة الاستعمار لـم يتحول إلــى نجاح فـي بناء الــدولــة المستقلة في أفريقيا (نموذج دولة زيمبابوي وسيطرة قائد حزب حركة التحرر الوطني “موجابي” الذي يرفض افساح المجال لقيادة جديدة. ويدلل على ذلك فوزه في انتخابات عام 2008 بعد أن أجبر خصمه “تسفانجيراي” على التنازل عن خوض الجولة الثانية والتي كانت مضمونه لصالحه. حتى بعد التعديلات الدستورية والرقابة الدولية على الانتخابات التي جرت في 2013، فاز “موجابي” لسيطرة الحزب الحاكم على الجهاز القضائي برمته. فهناك أزمة بناء الديمقراطية بسبب طغيان الفرد على المؤسسات وضعف قدرة  المجتمع في التعبير عن تعدديته الثقافية والاجتماعية).

 

– هكذا استـقلت أفريـقـيــا عن الاستـعـمار الأجنبي وهــي مثقلة بالعديد من المشاكل حتى صنعت منها أزمات استعصت على الحل، وبخاصة إشكالية بناء الدولة، بسبب تنامي الهويات العرقية والإقليمية والدينية التي نازعت الدولة من أجل البقاء، إذ أصبح وجود الدولة بحد ذاته محل شك ونزاع وهــذا مــا جعل مجموعة مــن الـــدول الأفريقية تعاني أزمـــات تشكك فــي شرعيتها الدولية وتصنفها ضمن الدول الفاشلة.

– يظهر أن الدولة الأفريـقـيـة الحديثة فشلت وأخــفــقــت، وهــو مــا يــطــرح الــتــســاؤل حول الأسباب التي أدت إلى ذلك. وهنا نجد مجموعة نظريات فسرت سبب هذا الإخفاق، من بينها نظرية سياسة ملء البطون لجان فرنسوا بايار. وقد حاول الأخير فهم أسلوب الحكم في أفريقيا وسلوك الأفــراد والجماعات فيها، فقام بتسمية كتابه سياسة ملء البطون نسبة إلى التعبير الكاميروني، في إشــارة منه إلـى طريقة الحكم، أو كما كـان يقول فوكو «إمكانية الحكم» في أفريقيا جنوب الصحراء. وقد بيّن بايار أن الوصول والاستحواذ على السلطة هو السبيل الوحيد والأمثل للمشاركة في تقسيم الكعكة، بسبب طغيان الفساد وتفشيه في الدول الأفريقية.

–  نموذج دولة مالي[3]: مالي دولة ليس فيها مؤشرات للتنمية ولا حتى بنية أساسية، فإضافة إلى إنها دولـة غير مستقرة سياسيا، تعاني من الانقلابات العسكرية والتمردات المسلحة ، وتعاني قلة السيطرة على مناطقها حيث انفصل الشمال عنها، وأصبح وكراُ للإرهاب ولتجارة السلاح والمخدرات ولتمركز الحركات الإسلامية المسلحة. وأصبحت السلطة المركزية عاجزة عن حماية مواطنيها، فلولا التدخل الفرنسي الأخير ربما كانت الحركات الجهادية وصلت الى باماكو. وبالتالي فطبقا لهذه المؤشرات، يظهر أن مالي أصبحت دولة فاشـلة.

– على ذكر الثورات العربية، هناك عملية اعادة اعتبار لدور الدولة في الاقتصاد والسياسة. وقد أثبتت خبرات الثورات العربية الأثر السلبي لانسحاب الدولة من المجال الاقتصادي وتسليم زمام الأمور للطبقات الرأسمالية. وفي هذا الاطار، هناك اعادة لتأكيد دور الدولة على مستويين:

o المستوى الأول: الدور الارشادي والرقابي للدولة في الاقتصاد القومي.

o المستوى الثاني: تأكيد سيادة الدولة القومية على مواردها بعيداً عن التدخلات الخارجية سواء من الدول الكبرى أو المؤسسات التي أدت الى كوارث اقتصادية واجتماعية، ولم يستفد منها سوى نخبة من المجتمع، ولم تراعي أيضاً خصوصية كل حالة.

 

[1] فمن أهم اشكاليات بناء الدولة في أفريقيا أنها لم تجد المساعدة والمؤازرة من المجتمع الدولي لمساعدتها على تطوير نفسها والخروج من الشكل القديم الى شكل الدولة الحديثة.

[2] رنا أبو عمرة، أمريكا والدولة الفاشلة، (دار ميريت للنشر)، القاهرة، 2014، ص46.

[3] الحافظ النويني، أزمة الدولة ما بعد الاستعمار في أفريقيا: حالة الدولة الفاشلة (نموذج مالي)، رسالة ماجيستير، جامعة محمد الخامس، الرباط.

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …