الرئيسية / النظم السياسية / السياسة المقارنة / الدولة والمجتمع المدني وإشكالية العلاقة المتناقضة “مترجم”
الدولة والمجتمع المدني وإشكالية العلاقة
الدولة والمجتمع المدني وإشكالية العلاقة

الدولة والمجتمع المدني وإشكالية العلاقة المتناقضة “مترجم”

الدولة والمجتمع المدني وإشكالية العلاقة

 

إعداد: محمد بشندي

 

تحاول الورقة أن تدرس طبيعة العلاقات المتناقضة بين الدولة والمجتمع المدني.

الدولة بحكم تعريفها هي أداة السلطان، وهي الوحيدة التي يخول لها استخدام القسر الفيزيقي لتحقيق الصالح العام، والمجتمع المدني هو فضاء للحرية والنقاش العام والمفاوضات الجمعية من أجل تحقيق مصالح الجماعات التي يدافع عنها من ناحية ومصالح المجتمع ككل من ناحية أخرى.

 

وناقش الكاتب ذلك عبر عدة نقاط:

أولاً: الدولة والمجتمع المدني: تعارض التكوين والغايات:

 

1- الدولة: الميكانيزم والسيادة

تميل المجتمعات منذ بداية تكوينها إلى أن تخضع لشكل من أشكال القوة، لذا التفت الفلاسفة لتأكيد أهمية وجود نظام سياسي يزع الناس وينظم شئونهم، فهو رأس المجتمع وعقله المدبر.

الدولة تمثل السلطة العليا في المجتمع، وهي تتمتع بهذه الصفة على أساس الشرعية التي تستمدها من تأييد الشعب لها على اختلاف طبيعة التأييد ومداه ومبرراته، وتخول الشرعية لها السيادة على الأرض والسكان، والهيمنة التي تتجسد في الحق المطلق في استخدام القسر الفيزيقي، وكأنها كيان مستقل فوق المجتمع يضفي عليه الاستقرار والانضباط عبر الوظائف التي تؤديها الدولة للحفاظ على الحقوق وحفظ التوازن بين الأفراد وتنفيذ القانون.

ولكن الدول ليست مجرد كيان منفصل فهي “دولة في المجتمع” فهي بما تطوره من مؤسات سياسية ليست مجرد قوة خارجية مستقلة نسبياً ولكنها فاعل حقيقي في تشكيل تاريخ المجتمع وفي عملية التغيير الاجتماعي والاقتصادي، ومن ثم فلا دولة خارج المجتمع فهي جزء لا يتجزأ من مكوناته وهي تنمو وتتطور وتفاعل في عملية متكاملة للفعل، فهي ليست فقط أداة للضبط وإنما أداة للفعل وجزء من حركة التاريخ، فأفعالها تحرك التاريخ وتصنعه وتحفزه.

 

2-المجتمع المدني:

يتشكل من مجموعة من المنظمات الاجتماعية المدنية التي يشكلها الأفراد والجماعات بمحض إرادتهم، فهو فضاء للحرية لتنظيم نشاط اجتماعي يربط الأفراد سوية ويجمعهم نحو تحقيق أهداف محددة، يعبر الأفراد والجماعات عبره عن حاجاتهم ومصالحهم الخاصة أو العامة بمعزل عن التنظيم الحكومي الرسمي، في صورة تنظيمية لها طابع الاستقلال النسبي عن الدولة.

وهي تندرج من التنظيمات التلقائية في الحياة اليومية، إلى التنظيمات التي تأخذ شكلاً رسمياً كالجمعيات الأهلية والنقابات والأحزاب.

وهو مجال لخلق مجتمع فاضل أكثر استقامة وأكثر تطلعاً لتحقيق أهداف الجماعة، وهو الحقل الخصب لتشكيل المجال العام حيث يتبلر النقاش والتفاوض والبحث عن الطريق الأمثل لتحقيق الصالح العام، فهذه التنظيمات أكثر إدراكاً لمفهوم الخير العام او الصالح العام.

وهي إذا استقلت عن الدولة فهو استقلال نسبي، فليس هناك مجال للاستقلال المطلق، فالدولة هي التي تمنح المجتمع المدني الحق في الوجود، والمجتمع المدني يقدم الدعم والمساعدة لها طالما أنها تسعى للخير العام عبر النقاش والتدبر والتفاوض والنقد إذا انحرفت عن الطريق.

 

ثانياً: الدولة والمجتمع المدني: علاقات التكامل:

العلاقة بينهما ليست علاقة تعارض وصراع، فنشأتهما حددت لكل منهما وظائف وأدوار محددة، بحيث يتحقق للمجتمع في النهاية قدراً من التوازن والإستمرار.

ولكن لضمان استمرار هذا التكامل لابد من وجود سلطات مختلفة مستقلة في الدولة واستقلال أجهزة الدولة في علاقتها بالفئات الاجتماعية المختلفة، ووجود المجتمع المدني الذي يؤدي عدة أدوار هامة:

 

  1. 1. تكوين حائط منيع من التنظيمات الاجتماعية التي تحول دون تحول الدولة إلى الطغيان.
  2. 2. ضبط الديمقراطية بحيث لا تتحول عبر سوء استخدامها لفوضى.
  3. 3. مساعدة الدولة عبر الحوار والنقاش والجدل الحر البناء والتدبر العقلي والتفاوض والممارسة على تحقيق الصالح العام الذي يسهم هو نفسه في بلورته وتحديد معالمه.

 

فأكد على أهمية وجود مؤسسات وسيطة عبرها يتسلم الفرد المبادئ الأخلاقية الأساسية للإرتباط بالآخرين والمحافظة على حقوقهم كما يحافظ على حقوقه، فهي تساعد الأفراد على تجميع أنفسهم فلا يتحولون لغوغاء في النظام الديمقراطي، وهي في اتجاهها لأعلى تمنع الدولة من تحولها لطاغية.

وبالتالي فالتعارض بينهما يشي بمشكلات في نشأة الدولة وعدم كفاءتها في إدارة المجتمع، وفي نشأة المجتمع المدني وعدم توافقه مع أهداف الدولة من ناحية أخرى، وظهرت في هذا السياق قضايا نظرية هامة:-

1-مفهوم الدولة التنموية: وهي دولة منغرسة في المجتمع، تتمتع بدرجة عالية من الشرعية والروح الاندماجية والعلاقات الإيجابية مع القوى الاجتماعية المختلفة مع قدرتها على الحفاظ على قدر من الاستقلال، وهي تلعب دوراً مركزياً في المجتمع من خلال تبني أيديولوجية تنموية، وعبر مركزية دورها وشرعيتها وكفاءتها وروحها الاندماجية واستقلالها عن القوى المجتمعية المختلفة تكون قادرة على تنفيذ سياساتها بكفاءة.

2-مفهوم الاستقلالية المتجذرة: والاستقلال يجب أن يكون إيجابياً وفاعلاً ولا يتحقق ذلك إلا بقوة الدولة وكفاءتها في الانجاز وامتلاكها لجهاز بيروقراطي قوي وفعال ونخب سياسية منجزة وحيادية ومستقلة ونظم لتعبئة الموارد البشرية قائمة على الجدارة والامتياز، هنا لا تكون الدولة مستقلة عن المجتمع بقدر ارتباطها به عبر شبكة علاقات تمكن النخب السياسية من مناقشة الأهداف والسياسات، وأن تحدد الأدوار المركزية واللامركزية بشكل دقيق وفعال. الدولة هنا تستقل بإرادتها عن القوى الاجتماعية المختلفة لتحقيق التوازن بينها، ولنشر قيم العدل والمساواة، ولا تغفل دورها كقوة تنموية.

3-مفهوم الديمقراطية الاتحادية أو الترابطية: حيث ظهرت نتيجة فشل الدولة في إدارة التنمية أحياناً، وهنا تعمل الدولة والمجتمع المدني كتنظيمات متوازنة في إطار قانوني واحد، بحيث لا تعمل الدولة على فرض أطر ضابطة تمليها من أعلى، وتتخلى الدولة عن بعض وظائفها الضابطة وتخولها للسلطات والروابط المحلية، فالدولة تلعب دوراً أكبر في اختيار شركائها وإعطائهم الفرص ليشاركوا في صياغة السياسات العامة، وتشجع تنظيم المصالح في تنظيمات وتضع ضوابط للإنجاز، وتشجع الافصاح وتداول المعلومات، وتتدخل في حالة فشل عمليات الضبط الذاتي.

وتلعب منظمات المجتمع المدني دوراً كبيراً بعد توافر شرطين هامين: الروح الاندماجية والتفاوض، فإن تحولت الاندماجية لخدمة مصالح ضيقة وسمحت بصور عدم المساواة والتسلط وتحولت التفاوضية إلى مساومة ستختل العلاقة بين الدولة والمجتمع، فالفعل السياسي والتفاعل السياسي يجب أن يتأسسا على عملية جدلية من تبادل الآراء المبنية على التفكير العقلاني والتدبر والتفاوض لحل المشكلات دون أن يفرض طرف رأيه على الآخرين.

 

ثالثاً: مشكلات العلاقة بين المجتمع المدني والدولة:

الواقع يختلف دائماً عن المثال في ضوء مستوى الشرعية ووعي الدولة والقوى الفاعلة معها بأهمية تحديد معالم واضحة للصالح العام، ومستوى وعي النخبة بأهمية التفاوض والمداولة في صنع القرار، وهناك عدة مشكلات تمنع تنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني بشكل جيد:

1-تضخم أجهزة الدولة: التي تجعل المجتمع مشدوداً لأعلى بشكل دائم لا يتحرك إلا بمشيئة الإدارة المركزية، وينحسر دور المجتمع المدني ويصيب الشلل القوى الاجتماعية المختلفة، فمعظم هذه الدول تأسست في أحضان القوى الاستعمارية وبعد استقلال دولها احتفظت بنفس الأجهزة الاستعمارية ووسعت من أدواتها فصارت أكثر تضخماً من المجتمع، ويتضخم دور المركز على حساب الأطراف، ويكون صوت الدولة وأجهزتها هو الأعلى وتتشتت قوى المجتمع المدنى وتفقد قدرتها على التنظيم والتدبر والتفاوض.

2-الدولة والحياد بين الطبقات والقوى الاجتماعية: ففي النظم الاشتراكية انحازت الدولة للطبقات العاملة ولكنها فشلت في منع ظهور فئات متميزة وهم الذين يحتلون أماكن قيادية في الحزب الواحد، أما الدولة في المجتمع الرأسمالي فوقفت في صف مالكي الثروة، وإن كان هذا الرأي تغير تحت وطأة التيارات الاشتراكية الليبرالية. لا تستطيع الدولة أن تحقق مصالحها وهي في وضع متحيز لطبقة معينة، حيث يحقق لها الاستقلال أمرين: عدم سيطرة فئة معينة على قرارات الدولة وعلى أجهزتها الحاكمة، وتحقيق القوة اللازمة لتحقيق السيادة على الأرض والبشر، لأن التحيز يحرم الدولة من بعض قوتها لصالح الفئات التي تتحيز لها، ومن المتوقع أن يفرز التحيز ضروباً من الامتعاض واليأس يتضافر مع الشعور بالحرمان النسبي وينتج مجتمع مدني يفضل ضروباً من التطرف والعنف.

3-ضعف المجال العام: يمتد الفضاء العام -الذي يصنعه الأفراد عبر لقاءاتهم وتنظيماتهم المستقلة ليناقشوا الشأن العام عبر حوار عقلي نقدي تدبري بناء- من جلسات النقاش الخاصة إلى المناقشات الأكثر تنظيماً داخل المؤسسات المدنية وجماعات المصالح والحركات الاجتماعية، وتساهم المفاوضات والمناقشات داخل المجال العام في إثراء العملية الديمقراطية وإدراك الصالح العام وتحديد سبل تحقيقه.

يتطلب المجال العام شروطاً منها: أن يتأسس على المساواة والإدراك الواعي بأن هدف النقاش هو الصالح العام فلا ينبغي احتكاره من قبل قلة أو جماعة فهو مفتوح لكل الاتجاهات والتيارات حيث يتأسس النقاش على مبدأ عقلاني رشيد يقوم على الاختيار الحر والتفاوض الحر، كما أنه يتأسس على فعل اتصالي مع القوى والاتجاهات داخل المجالات الأخرى، والنقاش داخله إيجابي لا يهدف للمعارضة من أجل المعارضة فقط بل إلاء المصلحة العامة.

صحة المجال العام تضمن توازناً بين الدولة والتنظيمات المدنية، حيث يتاح للأخيرة المشاركة بفاعلية في عملية تبادل ثقافي وسياسي حيث يوجد مفهوم محدد للصالح العام.

عندما تعجز النخب السياسية والمدنية عن التوصل لاتفاق عام حول المبادئ العامة للمجتمع من ناحية وأسس الحوار والتفاوض من ناحية أخرى ستسعى كل جماعة أن تفهم الفضاء العام على أنه فضاؤها فحسب، وإذا ما دخلت في حوار أو تفاوض فمن أجل مصلحة خاصة أو هدف عملي سريع، ويتحول المجتمع لجزر متفرقة ويزداد التباعد الاجتماعي ويفقد المجتمع أحد أهم أسس النظام الاجتماعي العام.

4-ضعف فاعلية النخب المدنية: الدولة القوية تنتج مجتمع مدني فعال والعكس صحيح، فقوة الدولة من قوة مجتمعها المدني وقوة المجتمع المدني من فاعلية أداء الدولة وحرصها على مشاركة كافة القوى في عملية صنع السياسات العامة وتنفيذها.

وبالتالي فمشكلات تأسيس الدولة الوطنية تنعكس على مشكلات تأسيس المجتمع المدني، فالدولة التي نشأت في كنف الاستعمار وتضخمت أجهزتها تنتج مجتمع مدني ضعيف، كذلك النخب السياسية التي أنقذت المجتمع من الاستعمار تمنح نفسها حقوقاً مطلقة في إدارة المجتمع وتوجيه أجهزة الدولة في إطار أيديولوجية قومية توحد بين النخب والوطن، وبالتالي كما احتكرت النخب الدولة ستحتكر المجتمع المدني إلى درجة أن تسمي المؤسسات المدنية بأسماء أهلها ومؤسسيها أو بإسم شخص بذاته.

تتعقد المشكلة عندما نجد النخب المدنية قد تشكلت من أحضان الطبقة الوسطى وبدلاً من أن تعكس طموحاتها وأساليبها في العمل نجدها تميل للإنشطار والانشقاق وتكوين جماعات متناحرة لديها ميول واضحة نحو الأوليجاركية ولا تسمح بدوران سريع للنخب ولديها ميول إحتكارية، فتكون نخب غير متجانسة ومفككة مثلها مثل الطبقة التي أفرزتها.

العلاقة بين تشكيلات المجتمع المدني والدولة غير واضحة الحدود، ففي ظروف معينة قد لا يسمح المجال السياسي للمجال الاجتماعي أن يستقل استقلالاً كاملاً بحيث يسيطر عليه تشريعياً ويتدخل في شئونه ويبث أعوانه عبر المجال المدني، بل وتقدم الدولة نفسها على إنشاء تنظيمات تبدو وكأنها تنظيمات مدنية.

ومن ناحية أخرى نجد بعض أعضاء التنظيمات المدنية لا يرفعون شعار الاستقلال عن الدولة بقدر ما يهرولون نحوها، ويصبح المجتمع المدني لا وسيلة للتداول والنقاش والمشاركة بل للولوج لعالم السياسة.

 

ولا تحاول المنظمات الأكثر استقلالاً عن الدولة أن تجعل من استقلالها وسيلة لمناقشة الصالح العام بقدر ما هو وسيلة لتجاوز الدولة بالدفاع عن أجندات عولمية ممولة بشكل يمنح النخب المدنية تميزاً اجتماعياً وسياسياً.

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …