Site icon arabprf.com

مراكز الفكر في الولايات المتحدة الأمريكية “تقرير”

مراكز الفكر في الولايات المتحدة الأمريكية "تقرير"

مراكز الفكر في الولايات المتحدة الأمريكية "تقرير"

مقدمة:

تُعد مراكز الفكر Think Tanks  اختراع امريكي بامتياز؛ حفز انتشاره عدد من العوامل: يأتي في مقدمتها طبيعة المجتمع الأمريكي، بوصفه مجتمع مهاجرين، متعدد الأعراق، ينحدر معظمه من أصول مختلفة أوروبية، وافريقية..، ما حدا بالبعض القول بأن الوصف الصحيح للولايات المتحده هو الموطن وليس الوطن، باعتبار أن الأول يغلب عليه الطابع المادي لتجمع من البشر، بينما الأخير يتميز بخصائص معنوية ونفسية. أضف إلى ذلك طبيعة النظام السياسي والدولة الأمريكيين؛ فالأخيرة دولة شاسعة المساحة مترامية الأطرف تتكون من أكثر من 50 ولاية، وهي فيدرالية دستورية يحكمها القانون، ولا تُعلن دينًا رسميًا لها، أما النظام السياسي الأمريكي فهو نظام مفتوح يسمع بتعدد الآراء والفاعلين. فالولايات المتحدة بهذه التشكيل أصبحت بوتقة تنصهر فيها كل هذه الاختلاف. فضلًا عن حداثة الدولة الأمريكية وضعف باعها السياسي والدبلوماسي والعسكري، فالولايات المتحدة تُعد من أحدث الدول التي ظهرت في القرن الثامن عشر؛ فإعلان الاستقلال الأمريكي كان 1776، ومن ثم فكان البقاء والتكيف في الظروف الدولية المختلفة.

هذا عن العوامل التي حفزت ظهورها ونشأتها.. فماذا عن طبيعة تلك المؤسسات؟ وما هي الأدوار التي تقوم بها؟ وإلى أى مدى تؤثر في دوائر صنع القرار والسياسة الخارجية الأمريكية؟ هل تطورت هذه المراكز؟ وما هي العوامل المؤثرة في نفوذ هذه المراكز خلال كل فترة زمنية؟. ونحاول في هذا التقرير تسلط الضوء على هذه الظاهرة من خلال الإجابة على هذه الأسئلة.

مراكز الفكر.. الطبيعة والدور: 

لم يكن الاهتمام بتعريف مؤسسات الفكر بقدر ما كان الاهتمام بوظائفها؛ وذلك بسب تعدد تلك المراكز ومجالات عملها، وطبيعة عملها، وعدد موظفيها، ونطاق نفوذها الواقعي. وهي قد تُسمى بمؤسسات الفكر، أو بمراكز الدراسات، او بمجموعات العمل، مؤسسات تخطيط السياسات، مراكز البحث. [1]

يمكن حصر أدوار مراكز الفكر المختلفة في جملة واحدة جامعة لما تفرق ألا وهي تقديم المعلومات؛ والمعلومات هنا ليس بمعنى المواد الخام والبيانات –وإن كانت ذات أهمية- ولكن بمعنى تقديم خلاصات حول اتجاهات السياسات ونوايا الدول وتحركات الممكنة، وتطورات الأوضاع في الحاضر والمستقبل، وتقدم تلك المعلومات من خلال عدد من الوسائل أو الجهات:[2]

أولا: الشكل التقليدي المتعارف عليه من خلال تقديم التقارير والدراسات ووصايا السياسات، وهي أوراق تتفاوت من حيث الحجم وطبيعة الموضوع، فبعضها قد يكون عدد قليل بشأن علاقة الولايات المتحدة بإحدى الدول حول قضية محددة مثل الأوراق التي يصدرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS، أو بشأن قضايا كبرى ذات طبيعة فلسفية – عملية، مثال ذلك ما تُصدره مؤسسة راند من أوراق حول دور الولايات المتحدة في النظام الدولي، وطبيعة الإسلام السياسي وأدواره وعلاقته بالولايات المتحدة.

ثانيا: تقديم الاستشارات؛ حيث يرجع صناع القرار والسياسيين إلى تلك الجهات طلبًا لمشورة ملخصة في موضوع محدد، وأخذ نصيحة شفهية بشأنه.

وثالثها: تقديم أصحاب الخبرات والمستشارين؛ وهنا تتقدم مؤسسات الفكر ليس بمعلوماتها وأفكارها حول السياسات، إلى الاقتراب من دوائر صنع القرار، أي يتحول دورها من مجرد مؤثر في صنع السياسة، إلى صناع قرار ومشاركين عن قرب في المطبخ السياسي.

ورابعها: التواصل مع الإعلام والصحافة؛ حيث تعد تقارير مراكز الفكر وتصريحات موظفيها (الباحثين) ذات أهمية للصحافة؛ حيث تقدم لهم مادة موثقة للنشر والنقد والدعاية، ومن ثم التأثير في الرأي العام.

ولا تمام بهذه الأدوار تقوم مراكز الفكر بعدد من الأنشطة:[3]

  1. عقد الاجتماعات والمنتديات والمؤتمرات
  2. دعوة كبار الاساتذة لإلقاء محاضرات عامة
  3. دعوة باحثين ومفكرين من دول أخرى لتبادل الخبرات واعطاء المحاضرات
  4. نشر الكتب والدوريات والمنشورات
  5. انتاج الافلام والفيديوهات والنشرات المسجلة
  6. دعوة العاملين في سلطات الدولة للتعاون مع المراكز الفكرية

تطور مراكز الفكر في الولايات المتحدة الامريكية:[4]

ظهرت مراكز الفكر خلال العقود الأولى من القرن العشرين، ويصل عددها الآن إلى 1830، وهو ما يُمثل ثلث عدد المؤسسات البحثية المنتشرة عبر العالم 6618. ويُشار إلى التأثير في صناع القرار كهدف نهائي للمؤسسات الفكر.[5] وليس ثمة أي موصفات متفق عليها لما يُطلق عليه مركز فكري سوى أنها مؤسسات تنصب اهتماماتها على دراسة السياسات Policies  وتقديم التوصيات بشأنها لتأثير في اتجاهات وسلوكيات صناع القرار والرأي العام. ومن ثم فليس لمراكز الفكر عدد مُحدد من الموظفين، ولا حجم مُحدد لرأس المال أو الأرباح، فمثلا مؤسسة مثل راند RAND يعمل فيها ما يزيد عن 2000 موظف، في حين يصل تعداد موظفي مركز بيترسون Peterson   إلى 75 موظف.[6]

وبصدد رصد تاريخ مراكز الفكر تشير إحدى الدراسات أن مسمى مراكز الفكر قد ظهر خلال الحرب العالمية الثانية ليشير إلى ظاهرة عرفتها الولايات المتحدة حول نشأة بعض المؤسسات المهتمة بعمل دراسات معمقة حول الاحوال السياسية والاجتماعية دون أن يكون فيها طلاب كمؤسسة بروكينز؛ للماسهمة في نشر الوعي وتعميق النقاش العلمي والمجتمعي حول السياسات الحكومية بشقها الداخلي والخارجي دون أن يكون هدفها التأثير المباشر في صناع القرار.

ظهرت الموجة الثانية من مراكز الفكر في الفترة التالية للحرب العالمية الثانية مباشرة والتي أخذت طابع المؤسسات البحثية إلى جانب اهتمام بالشؤؤون العسكرية والاستراتيجية بعيدة المدى والتنافس مع الاتحاد السوفيتي وهو ما تُرجم بنشاة راند بتمويل من سلاح الجو الأمريكي؛ وهو ما عكس إيمان الإدارة الامريكية بأهمية ذلك النوع من مراكز الفكر.

ومعظم مراكز الفكر التي تلت في ظهورها هاتين الموجتين؛ كانت شديدة التأثر بهما وعملت على الوصول إلى درجة من المهنية والجماهيرية التي حظيت بها تلك المؤسسات.

 

[1] Peter M Little, Think Tanks and Influence on US Foreign Policy: The People and the Ideas, School of Advanced Military Studies, 2016, p4. [2] About these roles, see;

ALEK CHANCE, Think Tanks in the United States Activities, Agendas, and Influence, Op., Cit, p5—7.

[3] ALEK CHANCE, Think Tanks in the United States Activities, Agendas, and Influence, Op., Cit, p8.

 

[4] لمزيد من التفصيل حول تاريخ مراكز الفكر راجع:

ساعد رشيد، تاثير مراكز البحث والتفكير على توجهات التفكير الامريكي اتجاه الصين، مجلة الفكر، العدد الثالث، ص ص 385 -386.

http://fdsp.univ-biskra.dz/images/revues/mf/mf13/%D8%A3.%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF_%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D8%AF.pdf

Mahmood Ahmad & Qadar Bakhsh Baloch, BEHIND THE SCENE: The Contributions of Think Tanks in U.S. Policy-Making, The Dialogue, Volume II, Number II, pp 100-103.

[5] ALEK CHANCE, Think Tanks in the United States Activities, Agendas, and Influence, Institute for China-America Studies, 2016, p2. [6] ALEK CHANCE, Think Tanks in the United States Activities, Agendas, and Influence, Institute for China-America Studies, 2016, p17.
Exit mobile version