Site icon arabprf.com

استعصاء السلطوية على التغيير: مراجعات الأنظمة غير الديموقراطية في ضوء الربيع العربي

استعصاء السلطوية على التغيير: مراجعات الأنظمة غير الديموقراطية في ضوء الربيع العربي

استعصاء السلطوية على التغيير: مراجعات الأنظمة غير الديموقراطية في ضوء الربيع العربي

استمرار النظم التسلطية وتحولها

الأنظمة غير الديموقراطية : المسارات والتحولات

استعصاء السلطوية على التغيير ومراجعات ذلك على ضوء الربيع العربي

حظيت النظم غير الديموقراطية تقليديا بدرجة أقل من الاهتمام والتنوع في أبعاد دراستها إذ غلب التركيز على تناولها باعتبارها تقدم أنماطا ينبغي تجاوزها للوصول إلى النظم الديموقراطية، ومن ثم ساد التعامل معها –صراحة أو ضمنا- باعتبارها نظما استثنائية أو انتقالية. إلا أن استمرار بعض هذه النظم غير الديموقراطية واستعصائها على التغيير في مواجهة موجات التحول الديموقراطي المختلفة، فضلا عن تزايد تحول بعضها إلى نظم هجينة أو حرة جزئيا، وتأخر انتقالها إلى مصاف الديموقراطيات الليبرالية وعدم وضوح آفاق ذلك، كلها عوامل دفعت إلى تعميق الاهتمام بدراسة النظم غير الديموقراطية بما يتجاوز البحث عن تفسيرات عامة لتعثر تطورها ديموقراطيا والمسارات الممكنة لمعالجة هذا الخلل. وأصبحت الأجندة البحثية لدراسة النظم غير الديموقراطية أكثر اتساعا لتشمل:

 

Eva Bellin, The Robustness of Authoritarianism in the Middle East: Exceptionalism in Comparative, Comparative Politics January 2004,pp.139-157. Perspective

Eva Bellin, Reconsidering the Robustness of Authoritarianism in the Middle East: Lessons from Arab Spring, Comparative Politics, January 2012, p127-149.

 

عرض مقدم إلى مقرر التحول الديموقراطي (برنامج الدراسات العليا)،

 إشراف أد.علي الدين هلال

إعداد: علي جلال معوض

مدرس مساعد في قسم العلوم السياسية

كلية الاقتصاد والعلوم السياسية

جامعة القاهرة

 

وفي سياق الإجابة على بعض هذه التساؤلات يمكن تسكين دراستي إيفا بالين -الباحثة متخصصة في تحليل النظم السياسية العربية ، والحاصلة على درجاتها العلمية من هارفارد وبرينستون- إذ تمثلت مشكلتها البحثية في مقالتها الأولى لعام 2004 في البحث عن تفسير مقنع لاستعصاء النظم السلطوية في منطقة الشرق الأوسط على التغيير وإبدائها قدرة عالية على الاستمرار، رغم موجات التحول الديموقراطي التي طالت دولا أخرى بعضها أسوأ من حيث عدم توافر المتطلبات السابقة لبدء الديموقراطية (مثل بعض دول افريقيا جنوب الصحراء). ثم أعادت البحث مرة أخرى في 2012 في دراسة جديدة حللت فيها دلالات انتفاضات “الربيع العربي” وسقوط النظامين المصري والتونسي، وما إذا كان ذلك يقتضي مراجعة تفسيرات استمرار التسلطية وسقوطها وبدء مسارات التحول عنها.

في تفسير رسوخ السلطوية واستعصائها على التحول عنها:

-مراجعة وانتقاد التفسيرات السائدة:

تبدأ بالين بمراجعة المقولات والاجتهادات النظرية السائدة في تفسير استمرار النظم السلطوية في المنطقة، وتحددها بالأساس في اتجاهات التأكيد على عدم توافر الشروط المسبقة للتحول الديموقراطي ومتطلباته، من حيث:

وتنتقد بالين هذه الاجتهادات باعتبارها غير كافية لتفسير استعصاء المنطقة على التحول الديموقراطي من أكثر من زاوية:

-أولها أن ثمة دول وحالات شهدت بدء عمليات للتحول الديموقراطي –بدرجات متفاوتة من النجاح- رغم معاناتها من ذات الافتقار لمتطلبات التحول وشروطه المسبقة، وهو ما يظهر في العديد من الدول أفريقيا جنوب الصحراء مثلا

-وثانيها أن غياب أو ضعف توافر هذه الشروط والمتطلبات قد يفسر صعوبة نجاح اكتمال عمليات التحول الديموقراطي باتجاه الوصول إلى ديموقراطيات راسخة، لكنها لا تكفي لتفسير  تعثر بدء عمليات التحول عن السلطوية ذاتها.

-وأخيرا فإن التدقيق يكشف عن وجود بعض عناصر هذه المتطلبات فعليا في مجتمعات المنطقة ودولها: من حيث وجود نشاط لبعض منظمات المجتمع المدني، وتزايد نسبي لدور القطاع الخاص، وتطورات نسبية في مؤشرات التنمية البشرية، ووجود اتجاهات إصلاحية تدفع نحو مراجعة التراث الثقافي والديني القائم والتأكيد على توافقه مع قيم الديموقراطية.. إلا أن العائق الأساسي أمام تفعيل جميع هذه العناصر الإيجابية يتمثل –وفقا لبالين- في استمرار قوة الدول وسيطرتها وقدرة النظم القائمة على الإكراه والقمع وردع أي محاولات للتغير عبر أجهزتها الأمنية (الشرطية والعسكرية).

– كما ترفض بالين تفسير استمرار النظم السلطوية في المنطقة بتأثيرات التهديد الخارجي ممثلا بالأساس في التهديد الإسرائيلي؛ فرغم أن هذا العامل قد يساهم في إيجاد مبررات إضافية للشرعية وتهميش قضايا الإصلاح السياسي باعتبارها في مرتبة ثانوية مقارنة بتهديدات الأمن القومي، إلا أن هذا العامل بمفرده يعجز عن تفسير استمرار السلطوية في مختلف دول المنطقة بغض النظر عن قربها وانخراطها فعليا في دائرة الصراع أم لا. ومن ثم تصبح هناك حاجة للبحث عن تفسيرات أخرى.

تقديم تفسير بديل: دور الأجهزة الأمنية الإكراهية للدول (القدرات والإرادة):

وتستلهم بالين تفسيرها لقدرة الأنظمة القمعية على الاستمرار والحد من بدء عمليات التحول الديموقراطي بالرجوع إلى بعض الكتابات الخاصة بتيدا سكوكبول حول الثورات، إذ يلفت الانتباه أنه رغم انتشار المظالم وحالات عدم الرضا عن الحكومات والحكام إلا أن الثورات تظل قليلة نسبيا، وحالات نجاحها أكثر ندرة. وتفسر سكوكبول ذلك بقدوة الدولة الإكراهية التي تحد من احتمالات اندلاع الثورات ضدها أو نجاح هذه الثورات حال قيامها.

وتركز بالين في هذا الإطار على متغير تفسيري أساسي هو رسوخ “دور الأجهزة الأمنية الإكراهية  Robust State Security coercive apparatus” باعتبار أن ذلك هو العامل المفسر لاستمرار النظم التسلطية ومقاومتها نزعات التغيير. فكلما كانت الأجهزة الامنية الإكراهية للنظام تتمتع بالقدرة والرغبة في الدفاع عن النظام السلطوي القائم، فإن احتمالات بقاء النظام السلطوي ومقاومته أي محاولات للإصلاح والتغيير تصبح أعلى.

وتحدد بالين اربع محددات فرعية لقدرة المؤسسات الأمنية ومواقفها من مطالب الإصلاح (التي قد تصل إلى حد الثورات)، وهي:

وفي المقابل، فإن المحسوبية Clientalism والحكم الأبوي Patrimonialism توفر آليات أساسية لاستمرار النظام التسلطي حيث يعتمد الحاكم على مجموعة من المؤيدين له داخل الدولة يفوزون بمكاسب مباشرة مقابل تطبيق إرادة الحاكم  كإحدى آليات الاستقطاب والجذب Co-optation التي تفرق قوى المعارضة من جهة وتجتذب درجة اعلى من تأييد المؤسسات الأمنية من جهة ثانية إذا كانت تتمتع بوضع خاص ضمن الجماعات المميزة.

وتنبه بالين إلى أن المحدد الأخير –مستوى التعبئة- قد يبدو تابعا للمحددات الأخرى الخاصة بدرجة القمع /قدرة المؤسسات الأمنية (ومن ثم يصبح تكرارا لها ويقتضي الاقتصاد في المتغيرات حذفه)  أو قد يبدو متغيرا تابعا أو دالة في عدد كبير من المتغيرات الأخرى (الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتعليمية وغيرها من تلك التي تركز عليها مدرسة المتطلبات أو الشروط المسبقة للديموقراطية). لكن يظل مع ذلك ثمة خصوصية فيما يتعلق بهذا المؤشر، إذ قد يحدث الحشد أو التعبئة في لحظات وسياقات معينة رغم القمع الأمني ، وكذلك رغم عدم توافر كافة الاشتراطات والمتطلبات الخاصة بالديموقراطية والفواعل المرتبطة بها (وجود مجتمع مدني قوى متطور، ثقافة مشجعة للديموقراطية، ارتفاع مستويات الوعي والتعليم والدخول…الخ). ومن ثم فإن التعامل مع مستوى الحشد أو التعبئة كمتغير مستقل هو أمر يمكن تبريره.

أي من هذه المحددات الأربع بمفرده لا يمثل شرطا ضروريا أو كافيا لاستمرار السلطوية أو التحول عنها، لكنها معا تحدد فرص استمرار السلطوية أو التحول عنها(إذا كانت الأجهزة الأمنية تتمتع بقدرات مادية ودعم دولي وتقوم على علاقات زبانية سياسية غير مؤسسية مع انخفاض مستويات التعبئة الشعبية فإن احتمالات استمرار النظام السلطوي تصبح أعلى.. أما حال غياب أو تغير أحد هذه العناصر أو اكثر، فإن احتمالات التحول الديموقراطي تصبح أعلى).

 

 

 

المتغير التابع/القيم

استمرارية النظام السلطوي

ارتفاع احتمال استمرار النظام السلطوي ارتفاع احتمالات سقوط النظام السلطوي /بدء التحول عن السلطوية
المتغير المستقل: دور مؤسسات الإكراه الأمنية (القدرة والرغبة)/ المحددات    
القدرات المادية قدرات مادية عالية تراجع أو انهيار القدرات المادية
الدعم الدولي استمرار الدعم الدولي تراجع الدعم الدولي
الطابع المؤسسي/ الأبوي طابع أبوي طابع مؤسسي
مستوى التعبئة الاجتماعية تعبئة اجتماعية منخفضة (كما) أو مركزة (نوعا) ومقتصرة على جماعات محدودة أو أقليات تعبئة اجتماعية عالية (كما) ومنتشرة (نوعا) وتضم جماعات ومؤسسات أساسية

التطبيق على المنطقة العربية والشرق الأوسط

يكشف التحليل أن الفترة حتى 2004  اتسمت بحضور غالبية أو كل توليفة العناصر المقللة لاحتمالات التحول الديموقراطي، حيث اتسمت دول المنطقة ونظمها ومؤسساتها الأمنية بالخصائص التالية:

جميع هذه العناصر ظلت صالحة لتفسير استمرارية النظم التسلطية في المنطقة حتى قيام ثورات الربيع العربي التي أسقطت بالقيادات والنخب السياسية السلطوية الحاكمة في تونس ومصر بسهولة نسبية، مع تفجر مطالب التغيير في دول أخرى واتخاذها طابعا عنيفا في إطار . وتكشف مراجعة

 

نقد وتقييم

رغم أهمية الاجتهاد التفسيري الذي تقدمه دراسة بالين وتركيزه على متغير أو بالأحرى فاعل واحد رئيسي (الأجهزة الأمنية) وخصائصه وقدراته ومواقفه كمفسر لاستمرار النظم التسلطية أو سقوطها، إلا أن هذا الاجتهاد يظل قابلا للنقد من عدة زوايا:

 

[1]  باتريك ه. أونيل، مبادئ علم السياسة المقارنة، ترجمة باسل جبيلي(دمشق: الفرقد-شرق وغرب،2012)ص 238.

Exit mobile version