الرئيسية / النظرية السياسية / النظريات السياسية / نقد الماركسية: دراسة نقدية للأبعاد الفلسفية والمنهجية للماركسية
نقد الماركسية: دراسة نقدية للأبعاد الفلسفية والمنهجية للماركسية
نقد الماركسية: دراسة نقدية للأبعاد الفلسفية والمنهجية للماركسية

نقد الماركسية: دراسة نقدية للأبعاد الفلسفية والمنهجية للماركسية

نقد الماركسية : دراسة نقدية للأبعاد الفلسفية والمنهجية والمذهبية للماركسية

د. صبري محمد خليل

أستاذ فلسفه القيم الإسلامية في جامعه الخرطوم:

أولا: نقد البعد الفلسفي للماركسية:
الفلسفة المادية: تنطلق الماركسية من فلسفة مادية، ترى أن المادة وحدها لها وجود حقيقي، أما الفكر ”الإنساني” فهو مجرد انعكاس لحركة المادة، أما الفكر المطلق ”الإله” فتنكر وجوده.

المبحث الأول: الوحدة المطلقة “المادية”: فالماركسية هي أحد مذاهب الوحدة المطلقة “المادية”. حيث تطرح نظرية الوجود العديد من المشاكل الفلسفية أهمها: –

أولاً: مشكلة الوحدة والتعدد: أى هل الوجود واحد أم متعدد.

ثانياً: مشكلة طبيعة الوجود: أى هل الوجود ذو طبيعة مادية أم روحية.

ثالثاً: المشكلة الميتافيزيقية: أى هل الوجود مقصور على الوجود المادي المحسوس المحدود بالزمان والمكان، آم أن هناك وجود مطلق عن قيود الزمان والمكان.

وللإجابة على هذه الأسئلة ظهرت المذاهب الفلسفية الغربية الآتية: –

أولا: مذهب الوحدة المطلقة: ويرى أن هناك وجود حقيقي واحد، أما التعدد فليس له وجود حقيقي، وينقسم هذا المذهب إلى قسمين: –

1 – الوحدة المطلقة الروحية: ويرى أن للفكر أو الروح وحده وجود حقيقي، أما المادة فليس لها وجود حقيقي ”ويطلق عاده عليه اسم مذهب وحدة الوجود” ومن ممثليه المدرسة الايليه وأفلاطون وهيجل.

2- الوحدة المطلقة المادية: ويرى أن للمادة وحدها وجود حقيقي، أما الفكر فمجرد انعكاس للمادة، ليس له وجود حقيقي، ومن ممثليه المدرسة ألايونيه وفيورباخ وكارل ماركس.

ثانياً: مذهب التعدد المطلق: ويرى أن الوجود الحقيقي متعدد ومتساوي في الدرجة، وينقسم إلى قسمين:

1- التعدد المطلق المادي: ويرى أن هذا الوجود الحقيقي المتعدد ذو طبيعة مادية ومن ممثليه أمبادوقليس والمدرسة الذرية.

2- التعدد المطلق الروحي: ويرى أن هذا الوجود الحقيقي المتعدد ذو طبيعة روحية، ومن ممثليه ليبنتز في قوله بالمونادات ”الذرات الروحية“.

ثالثا: المذهب الثنائي: ويرى أن هناك وجودان حقيقيان، متساويان في الدرجة، ومن ممثليه أرسطو في تصوره للصورة والمادة ”الهيولى“، وديكارت في تصوره للجسم والعقل، واسبينوزا في تصوره للعلاقة بين العقل والجسم.

المبحث الثاني: نظرة قاصرة “أحادية” للوجود: من العرض السابق نخلص إلى أن الماركسية هي نظرة قاصرة للوجود،لأنها نظرة أحادية تتطرف في التأكيد على البعد المادي للوجود إلى درجة إلغاء بعده الروحي،ولكنها هنا ليست استثناء في الفلسفة الغربية، فكل المذاهب الفلسفية الغربية سقطت في هوة هذه النظرة الأحادية، نتيجة لعده أسباب، منها: –

ا/ الصراع بين التيارات المادية والمثالية.

ب/ نقل قانون عدم التناقض “إما أو لا” من مجال الفكر ”المنطق” إلى مجال الواقع المادي”الوجود”.

ج/ استخدام مثال الجسم والمرآة.

ضرورة التمييز بين المادية بمفهومها العلمي ومفهومها الفلسفي:

وهنا يجب الإشارة إلى ضرورة التمييز بين:

أولاً: المادية بمفهومها العلمي: ومضمونها الإقرار بأن المادة ذات وجود موضوعي مستقل عن وعى الإنسان وغير متوقف عليه، وهى لم تنكرها الأديان السماوية عامه والإسلام خاصة، حيث يتضمن القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تحث عل النظر والتدبر في الكون ومظاهره،قال تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)، فالآيه تجمع بين الإقرار بالوجود الموضوعي للمادة (مصطلح الآفاق)، والإقرار بالوجود الذاتي للوعي (مصطلح أنفسهم).

ثانيا: المادية بمفهومها الفلسفي: وهى تتجاوز الإقرار بموضوعيه المادة إلى القول بكونها مطلقة أى ليس لها بداية ولا نهاية، وهى تتعارض مع الأديان السماوية عامة والإسلام خاصة، لأنه يترتب عليها إنكار مفهوم الخلق.

ضرورة الانطلاق من نظرة شاملة للوجود: وهنا نشير إلى أن الإجابة الصحيحة على الأسئلة التي تطرحها نظرية الوجود، تتجاوز النظرة القاصرة “الأحادية” للوجود، التي عبرت عنها المذاهب الفلسفية الغربية، إلى نظرة شاملة للوجد، تقر بالأبعاد المتعددة للوجود، فتجمع بين الوحدة والتعدد، والطبيعة الروحية والمادية، والوجود المحدود بالزمان والمكان والوجود المطلق من قيود الزمان والمكان.

ونطرح نموذج المفهوم الإسلامي للوجود – في مستواة النصي وليس مستواة المذهبي- لأنه يجمع بين هذه الأبعاد المتعددة من خلال:

أولا: جمعه بين الوحدة والتعدد بتقريره أن وجود الله تعالى يتصف – على وجه الانفراد – بالوحدة ”فهو وحده واحد بالعين والنوع”، أما وجود سواه فيتصف بالتعدد ”وبفرض كونه واحدا بالعين فهو متعدد بالنوع “كقولي أحمد وإنسان”.

ثانياً: جمعه بين الطبيعة الروحية والمادية من خلال:

أ/ تقريره أن الوجود الإنسانى ليس وجود بسيط بل وجود مركب ذو بعدين مادي وروحي.

ب/ تقريره أن الوجود متعدد، ولكنه ليس متساوي في الدرجة، فبعض درجات الوجود ذات طبيعة مادية (كالكون وجسم الإنسان)، وبعضها الأخر ذات طبيعة روحيه مقيدة كالنفس و الروح.

ثالثاً: جمعه بين الوجود المحدود بالزمن والمكان والوجود المطلق من قيود الزمان والمكان من خلال تقريره:

ا/ الوجود الشهادى “عالم الشهادة: ويضم الوجود التسخيرى “الطبيعة” والوجود الاستخلافى “الإنسان“.

ب/ الوجود الغيبي “عالم الغيب”: ويضم الوجود الغيبي المطلق ”وجود الله تعالى“ والوجود الغيبي المقيد “كوجود الملائكة والجن والجنة والنار”.

المبحث الثالث: الإلحاد والموقف السلبي من الدين: يترتب على انطلاق الماركسية من هذه الفلسفة المادية تبنيها للإلحاد واتخاذها موقف سلبي من الدين، فهي – تؤمن – أن المادة: أزلية، أبدية، لم يخلقها أحد، ولا توجد ثمة قوة فوق أو خارج العالم.

ويرى ماركس أن تعلق المؤمن بالسماء هو انعكاس لضيق “الواقعي”، ومن جهة أخرى احتجاج ضد هذا الضيق الواقعي، وعلى هذا فإن الإنسان عند ماركس هو الذي يصنع الدين، وليس الدين هو الذي يصنع الإنسان، فالدين عند ماركس هو مخدر للطبقة الكادحة، تقدمة الطبقة المستغلة من اجل إخضاعها لها، من خلال الصراع الطبقي، فالدين عند ماركس هو أفيون الشعوب، ويجب أن يستمر الصراع الطبقي، حتى انتصار الطبقة الكادحة، وإلغاء نظام الطبقات، وسيادة العدل، وهنا لن يعود هناك حاجة إلى الدين حسب ماركس، فبتعبير ماركس فإن ”مطلب التخلي عن الأوهام، هو مطلب التخلي عن الشرط الذي يحتاج الأوهام”.

أولاً: نقد موقف الماركسية السلبي من الدين:
ا/ الإلحاد إجابه – خاطئه- على سؤال تطرحه الميتافيزيقا والدين وليس العلم: أن تقرير الماركسية أن المادة (أزلية، أبدية، لم يخلقها أحد، ولا توجد ثمة قوة فوق أو خارج العالم) هو تقرير ميتافيزيقي، لأنه إجابة – خاطئة من ناحية الميتافيزيقا والدين – على الأسئلة التي تطرحها الميتافيزيقا: كيف بدأ الوجود؟ وكيف سينتهي؟ وماهية القوة التي تحركه؟ وهذه الإجابة غير قابلة للتحقق بالتجربة والاختبار العلميين أي ميتافيزيقية.

وبالتالي فإن المذهب الماركسي يتناقض مع ذاته، حين يصف المذاهب الفلسفية والديني التى تقر بوجود إله بأنها ميتافيزيقية، كما أنه لا وجود لما أسماه بعض الماركسيين”الإلحاد العلمي” لأن الإلحاد هو إجابة – خاطئة من ناحية الميتافيزيقا والدين- على سؤال تطرحه الميتافيزيقا، ولا يطرحه العلم كما ذكرنا أعلاه.

ب/ التعميم الخاطئ: قام كارل ماركس بتعميم خاطئ، أطلق فيه حكما إجماليا على جميع الأديان “وصفها بأنها أفيون الشعوب“، دون تفصيل أو تمييز بين الأديان، وكأن هناك دين واحد أو رؤية واحده للدين، ومرجع هذا التعميم الخاطئ إلي سببين: –

السبب الأول أن ماركس – مثل باقي الفلاسفة الأوربيين الملحدين – لم يكن استثناءا من الأوربيين، الذين عرفوا الدين من خلال المسيحية المحرفة، ألقائمة على تصور تشبيهي للإله، يقوم على الحلول والتثليث، فكانت هي الدين بالنسبة إليهم.

والسبب الثاني أن ماركس انطلق من فلسفة مادية تعتبر أن للمادة وحدها وجود حقيقي، وتنكر الوجود الحقيقي – المستقل – للفكر الذاتي (الإنساني) – فهو عندها مجرد انعكاس – أو الفكر المطلق (الإله) – فهو عندها غير موجود.

ثانياً: نقد البعد المنهجي للماركسية “المنهج المادي الجدلي”: –

تعريف الجدل: الجدل لغة: ورد الجدل في اللغة بمعنيين: –

المعنى الأول: النقاش أو الخصام. والثاني: الفتل والضم، أما اصطلاحا فهو التطور من خلال صراع المتناقضات:

المنهج الجدلي: – 

ا/المنهج المثالي الجدلي (هيجل): قال هيجل إن “الفكر المطلق” يتطور من خلال الجدل أولاً، والمادة تتبعه إلي حيث هو متطور، والجدل عنده هو التطور من خلال صراع المتناقضات عبر ثلاث لحظات: الدعوى ونقيض الدعوى وجامع الدعوى ونقيضها.

فهذا الفكر المطلق يتطور عبر ثلاث مراحل هي المرحلة الذاتية وتتضمن اللذة والعاطفة والفضيلة (وهي تقابل لحظة الدعوى)، والمرحلة الموضوعية وتتضمن الأخلاق والعرف والقانون (وهي تقابل لحظة نقيض الدعوى )، والمرحلة الجامعة للذات والموضوعية أو المرحلة المطلقة تتضمن الفن والدين والفلسفة (وتقابل لحظة جامع الدعوى ونقيضها).

ب/المنهج المادي الجدلي (ماركس): أما ماركس فأنكر وجود “الفكر المطلق”، وكان يؤمن بأن المادة هي الوجود الأول، أما الأفكار فهي تجسيد لها، فجعل المادة تتطور والأفكار تتبعها إلي حيث هي متطورة.

أما المادية التاريخية فهي محصلة تطبيق المادية الجدلية على التاريخ، ومضمونها أنه داخل المجتمع يتطور أسلوب الإنتاج (البنية التحتية) بفعل التناقض بين أدوات الإنتاج وعلاقات الإنتاج، بصورة صراع طبقي بين الذين يعبرون عن الأولى والذين يعبرون عن الثانية، وعندما نصل إلي الطفرة يكون المولود الجديد لأسلوب الإنتاج مولود من رحم أسلوب الإنتاج السابق وهكذا.

كل هذا التطور في (البنية التحتية) ينعكس على البنية الفوقية وهي القانون والأخلاق والدين والفن.

ج/منهج جدل الإنسان:
1- سارتر: استخدم سارتر المنهج الظاهراتي (كما أسسه هوسرل) في دراسة الوجود كما في مؤلفه الوجود والعدم 1942م وباقي مؤلفاته التي تمثل المرحلة الوجودية عنده. غير أنه من خلال تطوره الفكري توصل إلي الكشف عن منهج جدل الإنسان في كتابه (نقد العقل الجدلي) 1960م حيث رفض فيه اسناد الجدل إلي الفكر أو المادة، وأسنده للإنسان حيث التناقض بين الموضوعية التي يمثلها الوسط، أى جملة الظروف المادية والاقتصادية والحضارية، والذاتية التي هي المشروع، وهو بالتعريف السلبي هو رفض الوسط. والمعنى الإيجابي هو ما يحتاج إليه الإنسان.

2- ديوى: استند ديوي إلى منهج جدلي إنسانى ذو أساس براجماتي، يرفض الفصل بين الذات (المعرف) عن الموضوع (المعروف)، استناداً إلى تعريف الخبرة بأنها. “تفاعل حيوي بين الإنسان وبيئته”، هذا التفاعل يتم خلال الانتقال من الصراع بين الإنسان وبيئته (الحاجة) إلي التوازن بينهما (الإشباع) وهكذا.

تقويم للمنهج الجدلى:

استند هيجل في إسناده الجدل للفكر المطلق (الإله) إلي التصور التشبيهي للإله الذي ورثته أوربا من التراث الإغريقي ،الذي صوره قوة خاضعة للحركة خلال الزمان والتغير في المكان، ويمكن للإنسان أن يتصوره. وآية هذا أن هيجل جعله يبدأ بأن لا يعي ذاته فيتجلى في الطبيعة، ومن خلال التاريخ، غايته أن يعي ذاته، وهو يناقض مع التصور التنزيهي للإله الذي جاء به الإسلام، والذي يستند إلي الله تعالى العلم المطلق.

كما يتضح لنا تناقض إسناد الجدل للفكر المطلق (الإله) مع التصور التنزيهى الإسلامى أن علماء الإسلام نفوا عنه تعالى الأضداد، يقول الطحاوي: (وهو متعال عن الأضداد والأنداد)، ويقول الغزالي: (الذي لا ند له الفرد الذي لا ضد له الصمد الذي لا منازع له).

أما إسناد الجدل إلي المادة كما عند ماركس فقد ثبت خطأه علمياً لأن النظرية الذرية الحديثة (روزرفورد – 1911 ) أثبت أن الذرة مكونة من الكترونات وبروتونات ونيوترونات، وقائمة على التوازن، وخالية من التناقض، هذا فضلا عن أن إسناد الجدل للمادة يلزم منه تسخير بالإنسان لما هو مسخر له، إذ أن الإنسان (المستخلف) – طبقا للقرآن الكريم – هو الفاعل المغير المطور، وليست الطبيعة إلا موضوع فعله، ويستعمل القرآن تعبير سخره للدلالة على هذه العلاقة: (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره) الحج: 65.

أما إسناد الجدل للإنسان فلا يناقض المنهج الإسلامي، إذا نظرنا إليه كنسبة الإلهية نوعية تضبط حركة الإنسان، بشرط الاستناد إلي الأسس الغيبية ”الميتافيزيقية”، للمنهج الإسلامي والتي تحد الجدل ولا تلغيه.

ثالثا: نقد البعد المذهبي للماركسية:

المفهوم الماركسي للاشتراكية ”الاشتراكية العلمية”: تناولت الماركسية الاشتراكية ليس على المستوى القيمى، بل على مستوى العلوم الاقتصادية والاجتماعية، وطبقا لمنهجها المادي الجدلي والمادي التاريخي – الذي هو محصلة تطبيق الأول على التاريخ- وطبقا للأخير التطور الجدلي الحادث في البنية التحتية (أسلوب الإنتاج الذي يضم النقيضين أدوات الإنتاج وعلاقات الإنتاج)، والذي يعبر عن نفسه في صورة صراع طبقي بين الطبقة التي تمثل أدوات الإنتاج والتي تمثل علاقات الإنتاج، يتم عبر أطوار هي الشيوعية البدائية فالعبودية فالإقطاع فالرأسمالية فالشيوعية العلمية، وأولى مراحلها الاشتراكية، وفيها يجب الإلغاء الشامل للملكية الخاصة والفردية لكل أدوات الإنتاج.

نقد: رغم الارتباط بين الاشتراكية والماركسية، إلا أن المفهوم الماركسي للاشتراكية تعرض النقد – حتى من داخل الفكر الاشتراكي – ومن أهم أوجه النقد: –

ا/ اعتبار الاشتراكية مجرد مرحلة قابلة للتجاوز لمرحلة أخرى وهى المرحلة الشيوعية، والأخيرة محل رفض من المذاهب الاشتراكية غير الماركسية باعتبارها غير قابلة للتحقق “أى مجرد يوتوبيا”.

ب/ عدم التمييز بين الملكية الفردية (التي يمكن أن تكون مقيدة بمصلحة الجماعة” كالملكية الفردية ذات الوظيفة الاجتماعية“)، والتى لا تتعارض مع الاشتراكية، والملكية الخاصة (حق التصرف المطلق في المال)، والتي تتعارض مع الاشتراكية.

ج/ التركيز على اشباع الحاجات المادي للإنسان، وتجاهل اشباع حاجاته الروحية وربط الاشتراكية بمعاداة الدين.

د/ افتراض أن الاشتراكية واحدة ”أمميه”، وإنكار أمكانية تعددها بتعدد علاقات الانتماء الوطنية والقومية.

هـ/ الموقف السلبي من الحرية والديموقراطية، مما أدى إلى إصابة التجارب الاشتراكية الماركسية بأمراض اجتماعية كالبيروقراطية والفساد والجمود، مما سهل على الغرب الراسمالى – فقيادة الولايات المتحدة الامريكية – إسقاط هذه التجارب، وإعدة مجتعاتها إلى تطبيق النظام الراسمالى، بدلا من اتاخاذ موقف نقدي منها، مضمونه تصحيح هذه الأخطاء.

الموقف السلبى للماركسية فى صيغتها الأصليه من الديموقراطيه ”ديكتاتورية البروليتاريا”: اتخذت الماركسية فى صيغتها الأصلية موقف سلبي الديمقراطية، ينطلق من تقريرها أن الدولة والقانون – طبقا للمنهج المادي الجدلي والمادية التاريخية – وجهان لعملة واحدة، فمن حيث الأسس كلاهما ينتميان إلى البناء الفوقي، ويعكسان القاعدة المادية ويتطوران معها، ومن حيث الوظيفة يؤديان معا وظيفة واحدة، القانون يأمر والدولة تنفذ، ومن حيث الطبيعة كلاهما أداة ردع طبقي، فالقانون ليس إلا أداة للصراع الطبقي، وكل دولة هي قوة خاصة لردع الطبقة المقهورة، ومن حيث النشأة كانا وليدي مرحلة تاريخية معينة (ظهور الملكية الخاصة في الطور العبودى)، ومن حيث المصير سينتهي وجودهما معا في الطور الشيوعي العلمي.

والدولة والقانون في دولة البروليتاريا – مرحله انتقالية بين فالرأسمالية والشيوعية- أداة قهر طبقي تمارس بها البروليتاريا سيطرتها على الطبقة البرجوازية. أما كيف تتحدد مصلحه البروليتاريا فاستنادا إلى المادية فإن مصلحة البروليتاريا محددة ماديا وموضوعيا سواء كانوا واعين بها أم لا، وإذا كانوا غير واعين بها فإن هذا لا يعنى أنها ليست مصلحتهم الحقيقية بل إن لطليعتهم (الحزب الشيوعي) أن توعيهم بها.

الماركسية الجديدة ومفهوم “دوله كل الشعب”: غير أنه في مراحل تالية تمت مراجعة هذا الموقف السلبي من الديموقراطية، والقائم على الرفض المطلق لها، والانتقال إلى موقف نقدي يقبل الديموقراطية في إطار نسق فكري ماركسي منقح ومعدل (أطلق عليه اسم الماركسية الجديدة أو اليسار الجديد)، ويستند إلى مفهوم “دولة كل الشعب”، و مضمونه أن آخرون غير البروليتاريا قد يختارون الاشتراكية لا لأنهم يعكسون موقعهم من علاقات الإنتاج، بل لاقتناعهم بأنها مفيدة اجتماعيا، وعلى البروليتاريا أن تقودهم إلى الاشتراكية بالوسائل الديموقراطية، وأن الدولة يمكن أن تبقى ليس كأداة قهر طبقى بل كجهاز يعبر عن مصالح الشعب ككل.

وفى طل دولة كل الشعب تتحدد الغايات إلى يجب أن يحققها النظام القانوني بالطريقة الديموقراطيه أى بالرجوع إلى رأى الناس أو أغلبهم.

النظرية الماركسية فى الإعلام:

تستند- شأن كل النظريات الماركسية – إلى المادية الجدلية والمادية التاريخية، وتخلص إلى أن مصلحة الطبقة العاملة ”البروليتاريا” محددة موضوعيا، والذي يحددها هو الحزب الشيوعي طليعة هذه الطبقة. هي التي تمتلك سلطة في المجتمع الاشتراكي، وحتى تحتفظ هذه الطبقة بالسلطة والقوة فإنها لابد أن تسيطر على وسائل الإنتاج الفكري التي يشكل الإعلام الجزء الأكبر منها، لهذا يجب أن تخضع وسائل الإعلام لسيطرة ممثلي هذه الطبقة العاملة، وهم في الأساس الحزب الشيوعي.

نقد: وهكذا اهتمت النظرية الماركسية بالربط بين العامل الاقتصادي والحرية الإعلامية.
ولكنها انتهت إلى شكل من أشكال النظرية السلطة، لأنها تقوم على إدارة المجتمع ككل، وبالتالي وسائل الإعلام لصالح الطبقة العاملة، كما يقدره فرد أو فئة (الحزب الشيوعي) ولكن من منطلق فلسفي مادي، وبالتالي فإن أوجه النقد التي وجهت إلى نظريه السلطة تنطبق عليها وأهمها تكريس الاستبداد وإلغاء حرية التعبير.

المفهوم الماركسي للفن ”الواقعية الاشتراكية”: كما تناول كارل ماركس مفاهيم الجمال والفن استنادا إلى منهجه المادي الجدلي وتطبيقه على التاريخ “المادية التاريخية”.
تعريف الفن: فالفن طبقا لهذا المنهج هو شكل من أشكال عكس الوعي للواقع المادي. إذ الجمال والفن ما هما إلا جزء من البنية الفوقية التي هي مجرد انعكاس للبنية التحتية.
تاريخية وطبقية القيم الجمالية: كما أنه لا توجد قيم جمالية مطلقة، إذ هي قائمة على أساس تاريخي (فكل طور من أطوار التطور التاريخي قيمة الجمالية)، فكل طبقة قيمتها الجمالية باستثناء الطور الشيوعي الذي ستتلاشى فيه الطبقات.

وعندما لاحظ ماركس أن القيم الجمالية الإغريقية لا تزال تستأثر شعوب أوربا علله بقوله إن في تلك الروائع الفنية اليونانية مسحة من البراءة فهي تعبر عن عالم بشرى تغلب عليه سذاجة الطفولة، ونحن نجد في أنفسنا حنيناً بالغا إلى هذه الطفولة البشرية حتى نتحرر من أعباء حياتنا الراشدة الحافلة بضروب الصراع.

الواقعية الاشتراكية: كما يترتب على الفلسفة الماركسية أن الفنان مجرد عاكس للطبيعة المادية، وهو ما أدى إلى ظهور المدرسة الواقعية الاشتراكية في مرحلة تالية على ماركس وتقوم على إلزام الفنان بالتعبير عن الواقع الاجتماعي.

نقد: الخلط بين الشكل والمضمون: نلاحظ أن الماركسية تخلط بين: –

ا/ الأفكار التي يريد الفنان أن يثيرها بالعمل الفني (المضمون)، وهي أفكار واقعية اجتماعية دائماً.

ب/ الأفكار التي يصوغها الفنان في العمل الفني كمعادل للأفكار الأولي (الشكل)،والتي لا يشترط فيها أن تكون واقعية، بل هي تشكيلاً غير قابل أصلاً، فلا يجوز أن نلزم الفنان أن تكون أدوات تعبيره – مستمدة من الواقع أو مطابقة له.

التصنيف الاجتماعي – وليس الفني – للفنانين: كما أنها تصنف الفنانين على أساس عقلاني ذو مضمون اجتماعي وليس على أساس فني.

الموهبة غير مشروطة بطبقة أو طور معين: كما أن النظام الاشتراكي وغير الاشتراكي لا يستطيع أن يوجد الموهبة الفنية، وفي كل العصور منذ المشاعية البدائية إلى العبودية إلى الإقطاعية إلى الرأسمالية إلى الاشتراكية وجدت الموهبة الفنية (د. عصمت سيف الدولة، إعدام السجان).

الموقف السلبي للماركسية من علاقة الانتماء القومية (مذهب إلغاء الانتماء الطبقي لكل علاقات الانتماء): وأخيرا فإن الماركسية تتطرف في إقرار علاقة الانتماء الأمميه لدرجة إلغاء علاقة انتماء الاجتماعية القومية، وغيرها من علاقات انتماء الشخصية الأضيق منها “كعلاقات الانتماء القبلية، الشعوبية الوطنية)، بحجه أن انتماء كل إنسان إنما يكون إلى طبقته، وأن شخصية كل إنسان هي شخصيه طبقته، استنادا إلى مقولتها المنهجية المادية ”أن أسلوب إنتاج الحياة المادية هو الذي يحدد الانتماء الاجتماعي حتما”، وهى تربط – نتيجة لذلك – بين القومية والرأسماليه ذات الجوهر العدواني (نتيجة لتعاصر النمو الرأسمالى والنمو القومي في أوربا)، وبالتالي تربط بين القومية والعدوان، وتدعو بالتالي إلى استبدال علاقة الانتماء القومي إلى أمة إلى علاقة انتماء أممى إلى الطبقة العاملة.

ووجه الخطأ في هذا المذهب أن الانتماء الطبقي مرتبط بعنصر التفرد في الشخصية أى ما يميز شخصا عن آخر، أما علاقات الانتماء الأخرى فمرتبطة بعنصر الوحدة (الاشتراك) في الشخصية أى مكونات وحدة الشخصية المتجانسة بين الأفراد الذين ينتمون إلى مصدر حضاري واحد.

ولقد أثبت واقع الدول الماركسية أن التجانس الاقتصادي والفكري والسياسي (الايديولوجى) في المجتمع الاشتراكي الماركسي لم يلغى عدم التجانس الحضاري حتى بين أعضاء وقيادات الحزب الشيوعي. فضلاً عن أن المحاولات الفكرية الماركسية الجديدة قد تجاوزت مقولة أن أسلوب إنتاج الحياة المادية هو الذي يحدد الانتماء الاجتماعي حتما (انظر على سبيل المثال د.مراد وهبه، محاورات فلسفيه في موسكو، القاهرة، 1974).

هذا الخطأ في المذهب الماركسي في علاقات انتماء الشخصية أثمر التباين (الذي يصل إلى درجه التناقض) بين التيارات الماركسية في تحليلها لأطوار (وحدات) التكوين الاجتماعي التي تميز المجتمع السوداني – على المستوى الوطني – أو الأمه العربية –على المستوى القومى – بين القول بالوحدة المطلقة (أن السودان – وغيره من شعوب عربية – أمة مكتملة التكوين أو في طور التكوين)، أو التعدد المطلق (السودان – أو الأمه العربية – يتضمن عدة أمم مكتملة التكوين أو في طور التكوين). فضلا عن محاولات استبدال الصراع الأممي بين الطبقة البرجوازية السائدة والطبقة العاملة المسودة في ظل النظام الراسمالى بالصراع القبلي أو الشعوبي أو الطائفي بين الجماعات القبلية والشعوبية أو الطائفية فى السودان – أو باقي أجزاء الأمه العربية، لتهبط هذه المحاولات بالماركسية من الأممية إلى القبلية ومن الإنسانية إلى العنصرية.

ورغم هذا التباين في التحليل بين التيارات الماركسية، إلا أنها تشترك في الخلط بين القومية كعلاقة انتماء إلى أمة، والأمة كوجود اجتماعي موضوعي، وبين الأمه وأطوار التكوين الاجتماعي الأدنى كالشعب و القبيلة، وبين القومية والوطنية كعلاقة انتماء إلى أرض مشتركة.

كما يلغى هذا المذهب الماركسي في علاقات انتماء الشخصية، علاقة الانتماء الدينية ”الإسلامية” للشخصية السودانية ”الوطنية – الخاصة”، والعربية ”القومية – العامة”، كمحصلة للموقف الماركسي المادي المعادى للأديان كلها، والذي كان أقصى ما وصل إليه هو الدعوة إلى تجاهلها، بدلاً من الدعوة إلى إلغائها. وهذا التجاهل للدين لا يجدي نفعها في المجتمعات العربية – وغيرها من مجتمعات مسلمة – لأن الإسلام يشكل هيكلها الحضاري، فهو حاضر في كل مناحي حياة هذه المجتمعات.

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …