الرئيسية / النظم السياسية / الأحزاب والجماعات / الحركات الاجتماعية (الاحتجاجية).. الاقترابات النظرية والتحديات الحالية “مترجم”
الحركات الاجتماعية (الاحتجاجية).. الاقترابات النظرية والتحديات الحالية
الحركات الاجتماعية (الاحتجاجية).. الاقترابات النظرية والتحديات الحالية

الحركات الاجتماعية (الاحتجاجية).. الاقترابات النظرية والتحديات الحالية “مترجم”

الحركات الاجتماعية.. الاقترابات النظرية والتحديات الحالية

 

عرض فصل عن:

الحركات الاجتماعية[1]

”Social movements”

 

مقدم إلي:

أ.د/ علي الدين هلال

إعداد الطالبة/ أميمة إبراهيم عزت

كلية الاقتصاد والعلوم السياسية

قسم العلوم السياسية

برنامج الدكتوراه

مادة نظرية السياسة المقارنة


محتويات العرض

التعريف بالمؤلف

مقدمة

أولا: أهمية دراسات الحركات الاجتماعية

ثانياً: الاقترابات النظرية لدراسات الحركات الاجتماعية

  • الاقترابات النظرية التقليدية
  • نظريات تعبئة الموارد
  • هيكل (بناء) الفرص السياسية

ثالثاً: التحديات الحالية التي تواجه نظرية العملية السياسية:

  • الثقافة والخطاب
  • الوكالة والانفعالات
  • اقترابات تطويرية

رابعا: مكانة الحركات الاجتماعية في علم السياسية

 

الحركات الاجتماعية (الاحتجاجية)

 

التعريف بالمؤلف:

ولد Ruud Koopmans في هولندا عام 1961، وحصل علي درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة أمستردام عام 1987 وهو متخصص في السلوك السياسي، والنظرية السياسية  ومناهج البحث، وخلال الفترة من 1988- 1994 عمل باحثاً في عدة مراكز بحثية تهتم بالعلوم الاجتماعية، وحصل في عام 1992 على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية والثقافة الاجتماعية من جامعة امستردام أيضاً، وعمل في الفترة من 2003- 2010 كأستاذ لعلم الاجتماع ( قام بتدريس كرسي التغير والصراع الاجتماعي)، ومنذ عام 2010 وهو يعمل كأستاذ زائر في جامعة امستردام، وهو عضو في عدة مجالس علمية منها المجلس العلمي للمكتب الفيدرالي لشئون الهجرة واللاجئين (BAMF, Nuremberg) منذ العام الحالي وحتى عام 2013،  وتتركز معظم مؤلفاته على الحركات الاجتماعية والتغير الاجتماعي والهجرة والمواطنة والتنوع الثقافي.

مقدمة:

ينصب كثير من تركيز علم السياسة على الأمور المألوفة للديمقراطية مثل الانتخابات، المؤسسات، التشريعات، السياسات وغيرها، ويعد الناخبون، الحكومات، الهيئة التشريعية، الأحزاب السياسية، وجماعات المصالح) الفاعلين أو الشخصية المحورية في مثل هذه التحليلات حيث تكون في أغلب الوقت الفواعل والعمليات المحورية في السياسات الديمقراطية.

وتميل عملية صنع السياسة إلى أن تحدث في حدود ضيقة، وغالباًً ما يكون التغير في النظم الديمقراطية تدريجي ومنظم وتستمد هذه النظم شرعيتها من المشاركة الشعبية؛ ولذا فلدى ساسة هذه النظم أسباب قوية للقلق من تناقص حماس المواطنين للمشاركة السياسية، وفي هذه الحالات يقوم الساسة ببذل المزيد من الجهود لزيادة درجات الشفافية والمساءلة والتفكير في سبل جديدة لتعزيز مشاركة المواطنين.

أولا: أهمية دراسات الحركات الاجتماعية:

يرى الكاتب أن التغيرات السياسية الجسيمة التي تمس حياة المواطنين لا تظهر من خلال العملية السياسية الديمقراطية العادية (كالانتخابات وغيرها)، ولكن من مناسبات أو ظروف أكثر ندرة حينما تكون حدود السياسات الديمقراطية نفسها في خطر، والقضية الأكثر وضوحاً في هذا الصدد هي عملية التحول الديمقراطي والتي لا تكون في أغلب الأحيان تدريجية ومنظمة ولكن تتطور من خلال الانتفاضات الثورية والحركات الاجتماعية (الاحتجاجية) الجماهيرية.

فعلى سبيل المثال، التوجهات المبكرة نحو الأشكال الحديثة للديمقراطية (في انجلترا، المقاطعات الهولندية، الولايات المتحدة، فرنسا) كانت من نتاج صراعات الاستقلال الوطني والثورات السياسية بدلاً من الإصلاح التدريجي والتوسع المنظم للحقوق السياسية، ويتضح هذا النمط في الوقت الحاضر في تعبئة الجماهير المفاجئة والغير متوقعة والتي قادت لسقوط الأنظمة الشيوعية وتفكك الدول متعددة القوميات وبناء ديمقراطيات تعددية في أوربا الشرقية.

ولم تقم الديمقراطيات الأولى بتوسيع الحقوق السياسية لتشمل كل المواطنين وإنما كانت تهتم بشئون النخبة فقط واستبعدت كثير من المواطنين على أساس الثروة أو النوع أو العنصر، ونادراً ما يحدث امتداد للديمقراطية لتشمل فئات مستبعدة دون صراع سياسي كثيف من قبل الحركات الاجتماعية نيابةً عن هذه الفئات، فالقضاء على الثروة والطبقة كمعايير لحقوق التصويت تطلب معركة طويلة من قبل حركات العمال، ولعبت الحركات النسوية دوراً مشابه في امتداد الحقوق السياسية للمرأة، وسنوات طوال من التعبئة الاجتماعية كانت لازمة لمواجهة سياسة التمييز العنصري في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا.

وفي التأسيس لأحدث موجات الديمقراطيات الجديدة أصبحت القضية هي ترسيم الحدود السياسية على غرار خطوط الدين والعرق، وهذه الصراعات لم تكن داخل ساحات البرلمانات والحكومات أوالمحاكم، ولكن امتدت خارجها وتولتها مؤسسات خارج هذه الحدود، وفي الوقت الحاضر استمر الصراع في الديمقراطيات القديمة في أوربا الغربية وأمريكا الشمالية على حدود الديمقراطية من خلال الصراعات العنيفة حول الحقوق الثقافية والمدنية للجماعات المهاجرة الجديدة، وهذه الصراعات توجد بشكل جزئي جدا داخل السياسات الحزبية والبرلمانية.

ولا يعني امتداد وتوسيع الديمقراطية إدراج جماعات اجتماعية معينة مثل العمال والمرأة فقط، وإنما أيضاً الاهتمام بقضايا هذه الجماعات ووضعها على الأجندة السياسية، ورغم أن العملية السياسية المعتادة تكون أنسب وأفضل من أي بديل أخر للتعامل مع هذه القضايا وقياس الرأي العام حيالها من خلال الاقتراعات وأدوات المسوح الأخرى، كما أن الساسة يمكنهم توضيح مدى اهتمام الأحزاب التي ينتمون إليها بهذه القضايا في حملاتهم الانتخابية ويكون للناخبين في هذه الحالة محاسبة الساسة عن أدائهم في هذه القضايا من خلال التصويت في الانتخابات، ولكن رغم ذلك فإن القضايا الجديدة والخاصة بجماعات اجتماعية بعينها غالباً ما تبرز خارج إطار البرلمانات والحكومات؛ فمثلاً قضية حماية البيئة والحفاظ على مصادر الطاقة نشأت من خارج القنوات المؤسسية الرسمية من خلال خبراء ومواطنين وتنظيمات بيئية لينتقل الاهتمام مع تردد كبير إلى بعض الفاعلين السياسيين وهو ما هيأ الفرصة لتأسيس الأحزاب السياسية والحركات المعروفة باسم “أحزاب الخضر”.

وخلال حقبة الستينيات والسبعينيات دشنت الحركات النسوية الجديدة وحركات الهوية الأخرى قضايا اجتماعية جديدة مثل الحقوق الانجابية وحقوق المثليين وغيرها، وأصبحت من القضايا التي تهم الرأي العام وتتطلب تصرف سياسي.

ورغم هذه الأهمية للحركات الاجتماعية والتي ترسم صورة لها وكأن دورها التاريخي هو إفراز أشكال شاملة وكاملة من الديمقراطية، إلا أن التحديات المؤسسات الإضافية التي تفرضها على حدود الديمقراطية غالباً ما تذهب في اتجاه أخر لمنع حقوق سياسية أكثر أو حتى تجاه محو الديمقراطية كليةً، فمعظم حركات التحرر الأثني والاستقلال الوطني والإحياء الديني التي تطالب بالتضمين وتوسيع الحقوق والديمقراطية غالباً ما تنقلب مطالبها إلى استبعاد أو حتى تصفية جسدية لأعضاء الإثنيات والجماعات الدينية المتنافسة، ويمكن أن ينطبق هذا الأمر على حقوق المهاجرين حيث تعارض جماعات اليمين المتطرف مطالباهم بعدم التمييز العنصري وتوسيع حقوقهم وتسعى للاحتفاظ أو الرجوع إلى صورة المواطنة التي تميز الجماعات العرقية المهيمنة.

ثانياً: الاقترابات النظرية لدراسات الحركات الاجتماعية:

  1. الاقترابات النظرية التقليدية:

حتى عقد الستينيات انتشرت صورة سلبية عن دور الحركات الاجتماعية، فالأفرع المختلفة للنظرية التقليدية اتفقت على أن “السلوك الجماعي” لا يتضمن فقط الحركات الاجتماعية وإنما يحوي في طياته الغوغاء والذعر كظاهرة مدمرة وغير عاقلة، فهذه التقاليد النظرية المبكرة افترضت أنه حينما يندمج الأفراد في مجموعات فإنهم يفقدون شخصيتهم ويصبحون عرضة للسلوك اللاعقلاني، ورغم أن سلوك الأفراد قد يشمل شجاعة وتضحية كبيرة من أجل الجماعة ولكن أيضاً يتضمن عنف غير منضبط تجاه من هم خارج الجماعة (Gustave Le Bon “1960- 1985) ويمكن أن نجد أثر هذه الأفكار النفسية الحاشدة أيضاً في تفكير ماكس فيبر عن القيادة الكاريزمية، وعند إيميل دوركايم عن الضمير الجماعي.

وقدمت نظريات فترة ما بعد الحرب تباين اجتماعي هيكي أكثر حول هذه الأفكار، فوفقاً لدور كايم فإن التغير الاجتماعي السريع يؤدي إلى انهيار الروابط والقيم الاجتماعية التقليدية وفي إطار البحث عن إعادة البناء الاجتماعي الجديد يكون الأفراد المعزولين أو المهمشين من الكتلة المجتمعية أهداف سهلة للحركات الاجتماعية الشمولية، وتكون هذه الحركات عامل جذب للشخصيات السلطوية (Adorono et Al. 1950) ، وفي ظل التأكيدات على النظم المعيارية المتكاملة وظيفياً فإن الحركات الاجتماعية المنحرفة لا يمكن أن تظهر في شكل إيجابي جداً، وقدم (Neil Smelser “1962”) رؤية وظيفية هيكلية ربطت الحركات الاجتماعية بالصدع الهيكلي والذي يمهد الطريق لنشر اللاعقلانية والتجزئة.

وتعد نظريات الحرمان النسبي أخر فروع هذا الاتجاه التقليدي، ووفقاً ل(Ted Gurr “1970”) فإن الحرمان النسبي هو فجوة بين ما يحصل عليه الأفراد وبين ما يتوقعون ويطمحون الحصول عليه على أساس توجهات الماضي والمقارنة مع الجماعات الأخرى، ولا يرتبط الحرمان النسبي بالضرورة بركود اقتصادي (وفقاً لـ Ted Gurr و (James Davis”1962  ففي فترة الستينات رغم وجود وفرة اقتصادية وجدت هذه الجماعات التي تعاني من الحرمان النسبي طالما أن مستوى الطموح يتجاوز قدرات النظم السياسية والاقتصادية للوفاء بها.

ويرجع السبب في غلبة النظريات التي تؤكد على جوانب العنف واللاعقلانية للحركات الاجتماعية ـ ووصف مشاركيها بأنهم أهداف سهلة للجذب من قبل جماعات سلطوية ومقتلعون اجتماعياً ومحبطون ـ في جزء كبير منه إلى المسافة الايديولوجية والاجتماعية بين الحركات الاجتماعية المسيطرة والمفكرين الذين قاموا بدراسة هذه الحركات، فمعظم هؤلاء المفكرين لم يكن لديهم تعاطف مع حركات العمال، كما أن ظهور الفاشية والستالينية قوى من كراهية ونفور الأكاديمين من الدراسات الشعبية.

ويوجد هذا التفسير التقليدي في الوقت الحاضر في الدراسات التي لا تتعاطف مع الحركات الاجتماعية وتركز على اليمين المتطرف وكره الأجانب والذي يُنسب للإحباط ونقص التكامل الاجتماعي لأولئك الخاسرون من الحداثة.( Heitmeyer et al.1992)

  1. نظريات تعبئة الموارد:

قادت موجات الاحتجاج التي شهدتها فترتي الستينيات والسبعينيات إلى تحول جذري في النظرة للحركات الاجتماعية، وكانت النظرية الاقتصادية للعمل الجماعي (Mancur Olson “1965”) مصدر إلهام لظهور مدرسة تعبئة الموارد كنظرية جديدة تتناقض مع النظريات التقليدية السابقة في دراسة الحركات الاجتماعية، فوفقاً لـ Olson تعد الحركات الاجتماعية فواعل راشدة وعظيمة الفائدة، وبدأت تظهر مصطلحات جديدة فلم يعد الحديث عن القيادات الكاريزمية  وإنما حركة رجال الأعمال التي أنشأت تنظيمات الحركات الاجتماعية وصناعات الحركات الاجتماعية والتي تقدم منتجاتها للزبائن وليس للأفراد المحبطين الغير عاقلين، فهي تعتبر ربحية الاستثمار الموارد التقديرية في أنشطة الحركات الاجتماعية، وفيما يتعلق بالحالة الاجتماعية البنيوية للتعبئة أكد منظري مدرسة تعبئة الموارد على تضامن الجماعة وتكامل الأفراد في الشبكات الاجتماعية بدلاً من تحطيم القيم والاقتلاع الاجتماعي للمنظورات الكلاسيكسة.

وقامت دراسات عديدة بمقارنة تنبؤات الاقترابات التقليدية مع منظور تعبئة الموارد وأعطت تأييد كبير للأخير، فهذه الدراسات وجدت أن المشاركين في الحركات الاجتماعية يميلون لأن يكونوا متكاملين مع مجتمعاتهم ويتم تعبئتهم من خلال شبكات اجتماعية ضيقة (Useem “1980”, Jinkins and Perrow”1970”)، كما أن Charles Tilly ورفاقه حشدوا أدلة توضح أنه لم يكن هناك رابط مباشر بين التغير الاجتماعي السريع وعواصف في تعبئة الحركات الاجتماعية، ولكن Piven and Cloward وهما اثنان من أصوات قليلة أشارا إلى أن هذه النتائج المؤيدة لنظرية تعبئة الموارد ركزت على الحركات أو أقسام الحركات التي كانت منظمة بشكل جيد وإصلاحية وتنتمي للطبقة الوسطى وتميل إلى تقليل الجوانب الثورية والتخريبية في الحركات الاجتماعية.

وتتمثل مشكلة هذه النظرية في صعوبة التطبيق على المستوى التجريبي فيما يتعلق بالجماعات الاجتماعية فقيرة الموارد وضعيفة التنظيم والتي لا يوجد لديها حوافز او ما تقدمه لأعضائها في مقابل مخاطر (تكلفة) المشاركة، وبعض منظري هذه النظرية حاول تغاضي النظرة التجريبية والبعض حاول حل هذه المشكلة من خلال تقديم حوافز عقلية، ومن مشكلات هذه النظرية أيضاً أنها تعير قدر محدود للمحتوى الخارجي في تشكيل الاستراتيجيات والأشكال التنظيمية وفرص تعبئة الحركات الاجتماعية.

وتظهر التغيرات الهيكلية في نظرية تعبئة الموارد أساساً في شكل النمو الاقتصادي والذي يزيد من إتاحة التصرف في الموارد، كما تلفت النظرية الانتباه للفواعل السياسية في بيئة الحركات الاجتماعية مثل الأحزاب السياسية والحكومات وتقيد النظر إليهم كمصادر محتملة لدعم الموارد لتنظيمات الحركات.

 

  1. هيكل الفرص السياسية:

قاد النقد الموجه إلى نظرية تعبئة الموارد فيما يتعلق بإغفال البيئة السياسية للحركات الاجتماعية إلى ظهور مفهوم هيكل الفرص السياسية والذي قدمه (Peter Eisinger “1973”)، وطوره كثيرون (Charles Tilly “1978”and Doug Mc Adam “1982”)

وعلى عكس التركيز الكبير لنظرية تعبئة الموارد على الحركة الداخلية فإن أنصار اقتراب العملية السياسية يرون أن الاختلافات في كمية وأنواع نشاط الحركة الاجتماعية يُفسر بالاختلافات في السياق (المحتوى) السياسي الذي تواجهه، يرى  Eisinger على سبيل المثال أن الحركات الاجتماعية في المدن تتأرجح وفق هياكل وانفتاح السياسات المحلية، كما ربط Mc Adam زيادة حركات الحقوق المدنية في الولايات المتحدة للتحولات في الدوائر الانتخابية للجمهوريين والديمقراطيين كنتيجة لهجرة الكتل السكانية للولايات الشمالية وتآكل قبضة الديمقراطيين على البيض الجنوبين.

وفي أوربا، كان هيكل الفرص السياسية مثمراً في تحفيز البحث عبر القوميات مثل مقارنة الحركات الاجتماعية المناهضة للطاقة النووية في بلدان عديدة (Herbert Kitschelt) أو مقارنة (Donatella Della Porata”1995”) لليسار الجديد في ألمانيا وإيطاليا أو مقارنة الحركات الاجتماعية الجديدة في ألمانيا وفرنسا وهولندا وسويسرا (Hanspeter Kriese)، ولقد ربطت هذه الدراسات المقارنة دراسات الحركات الاجتماعية باهتمامات تيار العلوم السياسية من خلال توضيح كيف يرتبط توقيت وسياسات وحجم تعبئة الحركات الاجتماعية بعوامل مثل العملية الانتخابية وتشكيل النظام الحزبي والمركزية المؤسسية وفصل السلطات واستراتيجيات حل صراعات النخب السياسية.

وكشفت دراسة (Kriesi et al.) عن الحركات الاجتماعية الجديدة إلى ميل هذه الحركات للتكيف مع وعكس خصائص النظام السياسي، على سبيل المثال توفر قنوات الاتصال المتعددة وسياسات النخبة التوافقية في سويسرا السياق المناسب للحركات الاجتماعية المعتدلة والمستمرة واللامركزية نسبياً، وعلى العكس مركزية السياسات الفرنسية وعزل النخب السياسية عن الضغط الجماهيري قاد إلى تحديات أكثر عنصرية ومتقطعة وأكثر مركزية، كما أنه يتناقص مستوى تعبئة الحركات الاجتماعية بوضوح في النظام السياسي السويسري المفتوح عنه في نظام دولة فرنسا المركزية، ويرجع إلى المستوى المرتفع من التعبئة التقليدية في سويسرا (العرائض، الاستفتاء، العضوية المؤسسية) وعلى النقيض من ذلك يحتل الاحتجاج الغير تقليدي مستوى مرتفع في فرنسا، وبداخل فئة الاحتجاج الغير تقليدي تحتل فرنسا أعلى معدل في الاحتجاج العنيف متبوعة بألمانيا ثم هولندا وأخيراً سويسرا.

وهكذا، تمشياً مع اقتراب هيكل الفرص السياسية ازدهرت أشكال أكثر عنصرية وتخريبية للتعبئة في دولة مثل فرنسا تقدم قنوات قليلة نسبياً للاتصال بالحركات الاجتماعية، في حين أن النظم السياسية المنفتحة الشاملة تدعو إلى أشكال معتدلة لتعبئة الحركات.

ورغم أن هذا الاقتراب (العملية السياسية) يقدم مجموعة من الأدوات التفسيرية فيما يتعلق بالعمل المقارن عبر القومي، إلا أنه يوجه له نقد بأنه نظرية غير ديناميكية رغم أنه يحمل كلمة (process) أي عملية في اسمه، فالبحث عن التناسق المستقر في العلاقات بين المتغيرات الهيكلية وعمل الحركة الذي يميز اقتراب العملية السياسية يكون صعب بدرجة كبيرة، والأمثلة على ذلك عديدة فالدراسات التي تبحث أثار القمع على عملية التعبئة (Davenport 2005) كأنما يوجد قانون عالمي للقمع تكشف استقلال إدراج التفاعلات المادية بين الحركات والسلطات في الزمان والمكان (Koopmans 2004) ونفس الأمر ينطبق على دراسات تأثيرات هياكل الفرص السياسية الأكثر عمومية والتي كشفت تأثيرات متشعبة (أو قد لا تشمل على تأثيرات على الإطلاق) لنفس المتغيرات عبر الدراسات (Meyer 2004).

ورغم أن (Tilly, Tarrow, Mc Adam “2001”) اقترحوا التركيز على الآليات التي تكررت في الأشكال المتشابهة وبنتائج متشابهة عبر الأنواع والأمثلة المتنوعة للخلاف مثل التركيز على التحليلات والبديل للنماذج العالمية الثابتة واقتراب دراسة الحالة الكلي، ورغم أنه يبدو كإتجاه واعد إلا أنه لا يظهر كبديل لنموذج العملية السياسية الحالي، ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى أن Mc Adam وغيره تجنبوا أي نوع من النظرية العامة على الإطلاق كما أنهم وضعوا قائمة طويلة ومفتوحة لعشرات الآليات الغير مرتبطة داخل إطار العمل النظري الموحد، بالإضافة إلى أن كل ظاهرة تتطلب مجموعة خاصة بها من الأليات وحتى نفس الأليات تستخدم لشرح حالات عديدة وغالباً يكون لها تأثيرات متباينة والتي تقودنا للشك بأننا نتعامل مع أليات حقيقية، كما أنه بعض آليات الحركات الاجتماعية لا تذكر على الإطلاق.

 

 

ثالثاً: التحديات الحالية التي تواجه نظرية العملية السياسية:

  1. الثقافة والخطاب(Culture and Discourse) :

تواجه نظرية العملية السياسية المهيمنة داخل حقل العلوم السياسية مجموعة من الانتقادات من قبل مجموعة من الاتجاهات، وأول هذه الانتقادات هو الرؤية السياسية المفرطة لمنظور العملية السياسية في النظر إلى الحركات الاجتماعية والتي تتجاهل الأبعاد الثقافية، فاعتماد الحركات الاجتماعية لا يكون فقط على المؤسسات السياسية ولكن أيضاً بصورة متزايدة على طبيعة الخطاب العام وخاصةً ما يحدث في وسائل الإعلام، فبينما مطالب واستراتيجيات بعض الحركات الاجتماعية (مثل حركات السلام، والحركات المناهضة للطاقة النووية) تخاطب في المقام الأول السلطات السياسية، فإن هناك بعض الحركات الأخرى مثل حركات النساء والحركات الدينية لها مستوى أوسع من المطالب والمخاطبات والتي قد لا تكون السلطات السياسية الشخصية المحورية فيها بالضرورة، ولكنها تغوص في المؤسسات الاجتماعية والقطاع الخاص.

وأصبح مفكرو الحركات الاجتماعية أكثر إدراكاً لمركزية الصراعات المتنقلة في مجموعة متنوعة من المجالات لتحديد جدول أجندة العامة وتشكيل القضايا بطرق معينة وتحديد الهويات الجماعية، ونال هذا الجانب الاستطرادي الاهتمام في عدة متغيرات حيث أكد

(Snow et al.1986, Snow and Benford 1992) على استراتيجية توظيف التقنيات لتعبئة التابعين وإقناع العامة، كما أكد أخرون أن الخطاب العام بجانب السياسات المؤسسية يلعب دوراً هاماً، فخطاب وسائل الإعلام يلعب دور محوري وينسب المصداقية والملاءمة والشرعية لقضايا وآراء بعينها، فالحديث عن قضية مثل الإجهاض في الولايات المتحدة يختلف كليةً عن النقاش العام حول نفس القضية في ألمانيا.

كما استخدمت دراسة حديثة اقتراب نظري مشابه لتدرس تعبئة المهاجرين في دول أوربية عديدة وتوضح أنه حتى الهويات الجماعية التي يتم تعبئة الحركات الاجتماعية حولها يمكن أن تتأثر بقوة من خلال هيكل الفرص الاستطرادية (Koopmans et al. 2005)، فالاختلافات عبر القوميات تجعل المهاجرين يجعلون مطالبهم العامة حول الهويات الإثنية أو الدينية أو العنصرية أو على أساس موقعهم كمهاجرين، ففي ألمانيا مطالب أكثر من ثلثي المهاجرين تكون باسم الفئات الإثنية القومية مثل الأتراك والبوسنيون، بينما في بريطانيا وفرنسا هذه الهويات الإثنية والقومية تتأكد في أقل من 20% من المطالب، وعلى النقيض من ذلك المهاجرون الفرنسيون يميلون إلى التعبئة على أساس مواقع المهاجرين المشتركة، بينما نظرائهم في بريطانيا يصيغون مطالبهم التي تهدف لتعريف الفئات ككتل أو تجمعات، وهذه الاختلافات مستقلة عن تكوين السكان المهاجرين وتربطهم بالخطابات المسيطرة على المواطنة واندماج المهاجرين والتي أكدت على الأصل القومي في ألمانيا والجنس في بريطانيا، والتي تنزع الشرعية عن الهويات المختلفة في فرنسا.

  1. الوكالة والانفعالات (Agency and Emotions) :

يصف البعض هذا العنصر بتحول ثقافي في دراسات الحركات الاجتماعية، حيث ينتقد هذا العنصر مفهوم الوكالة في نموذج العملية السياسية (Kurzman 2004, Whittier 2002, Goodwin and Jasper 1999)، ففي تناقض حاد للصورة الذاتية لنشطاء الحركات كفواعل مبتكرة ومتجاوزة للحدود يترك منظور الفرص السياسية غالباً مساحة صغيرة للوكالة، وينظر لنشطاء الحركة في تشكيلهم واتصالهم من خلال الهياكل السياسية وتكوينات السلطة، ويبقى تأثير المتغيرات الهيكلية على اختيارات نشطاء الحركة غامض، ويعتمد معظم منظري منظور العملية السياسية مثل نظرية التعبئة على اختيار عقلاني ككيان لنظرياتهم.

ولكن استخدام هذا الاختيار العقلاني كرابط بين هياكل الفرص السياسية وسلوك الحركة يقود إلى مجموعة من المشاكل منها النظر فقط للفرص السياسية على أنها يمكن أن تؤثر في أفعال الحركات وهذا يؤدي إلى تعقيد التفاعلات بين الفواعل المتعددة في العمليات السياسية، كما أنه من المحتمل ألا يكون لدى نشطاء الحركة معرفة تفصيلية بالهياكل المؤسسية وانقسامات النخبة والتحالفات الانتخابية والتي هي ضرورية في الحسابات الاستراتيجية في نماذج العملية السياسية، وتفرض الفرص السياسية الغير محددة والتفاعلات المستمرة المعقدة ضرورة على نشطاء الجماعات لتحديد معنى واتجاه لموقفهم الاستراتيجي، والفرص وفقاً لهذا الرأي ليست متغيرات خارجية ولكن تُصنع وتُكشف من خلال إبداع وتخيل وشجاعة نشطاء الحركة.

وعلاوةً على ذلك فإن الحساب العقلاني غير حاسم في مواقف نقص المعلومات ودرجة عدم التأكد الكبيرة والانفعالات مثل الغضب والسخط والكبرياء والتي لها دور هام في تمكين الأفراد من المشاركة في نوع من السلوكيات الخطيرة والمكلفة ذات النتائج الغير مؤكدة، وبطريقة ما، هذه الانتقادات تشكل إعادة تقدير لبعض الأليات النفسية- الاجتماعية والتي هي أساس الاقترابات التقليدية وإن كان هذا مع اختلاف هام حيث تُرى هذه الأحاسيس كمنتجات للبناء الاجتماعي وتمكين للوكالة بدلاً من قوى تشمل الفاعلين بطريقة يخسرون فيها قوتهم (نشاط انعكاسي).

ورغم جدارة الانتقادات الموجه إلى بنيوية وعقلانية اقتراب العملية السياسية، إلا أن مشكلة كبيرة تتعلق بالبديل البنائي الاجتماعي الذي لا يعطي تفسيرات سببية أو مقترحات قابلة للاختبار، وتقود مخاطر الاقتراب البنائي الاجتماعي نحو حسابات وصفية لتاريخ الحركات أو مهن النشطاء بدون إعطاء إطار نظري لمنهجة النتائج، فقد فشل الدافعون عن هذا المنظور في الإجابة عن تساؤلات مثل: كيف تنشأ الحركة في نقاط معينة من التاريخ الذي تصنعه، ما سبب الاختلافات التي نجدها بين الجماعات المتشابهة في النسق السياسية والاقتصادية المختلفة؟، كيف نفسر التحولات في الاستراتيجيات، والأهداف، والأشكال التنظيمية والتي نلاحظها في خطاب موجات الاحتجاج.

  • اقترابات تطويرية:

تقوم على أساس توظيف نموذج تطويري للتفسير يربط الهيكل والسلوك وتركز على التفاعل بين العناصر الخارجية (البيئة) والعناصر الداخلية (داخل الحركة)، في الاقتراب التطويري لا تدخل الهياكل في التفسير كقوى مجردة تجبر الفواعل بطريقة أو بأخرى على سلوك معين، ولكن في شكل ملموس من ردود الأفعال من خلال المتنافسين السياسيين الأخرين (اختيار إيجابي أو سلبي على سبيل المثال عن طريق تقديم التنازلات، اهتمام وسائل الإعلام، القمع) والتي يثيرها سلوك حركة معينة، وتتميز التفسيرات المتطورة في إنها لا تتطلب افتراضات قوية حول الأليات المعرفية أو النفسية التي تولد القرارات الاستراتيجية لنشطاء الحركة ومعارضيهم والتي تتوافق مع نظريات تمتد من الفائدة المتوقعة من اختيار عقلاني عبر تلك التي تجمع بين العقلانية والعواطف إلى تلك الاستراتيجيات العشوائية، كما أن في النماذج التطويرية يكون هناك تنوع في المدخلات طالما هناك قدر من التنوع في الاختيار البيئي الذي يمكن أن تعمل فيه.

ولا تُفسر استمرار وانتشار أنماط تصرف الحركة من خلال العقلانية أو البروز العاطفي ولكن من خلال النتائج التي يولدونها، فعلى سبيل المثال، لو تطرفت حركة ما تجاه العنف فلا يمكن تفسير هذا السلوك بشكل كامل من خلال تحليلات استراتيجية سابقة وتطلعية للنشطاء ولا من خلال حالات انفعالية (الغضب أو اليأس) ولكن الواقع إن العنف يولد نوع من النتائج (على سبيل المثال: انتباه الإعلام أو تقديم تنازلات) والتي تقود هؤلاء والذين لهم تجربة مع العنف لتحتفظ به وتقنع النشطاء الأخرين بتطبيقه، وما زال هذا البديل التطويري في مراحله الأولى ولذا فإنه سيأخذ وقت لاختباره نظرياً وتطبيقياً، ولكن يبدو أن هذا الاقتراب لديه القدرة على أن يقوم بدور وسيط بين ذلك الذي يعتمد على الوكالة والاقتراب الهيكلي داخل بحث الحركات الاجتماعية.

 

 

 

رابعا: مكانة الحركات الاجتماعية في علم السياسية:

كما أن الحركات الاجتماعية تعد التحديات التي تواجه حدود السياسات الديمقراطية فإنها تعد اللاعبين المركزين في امتداد الديمقراطية، ورغم دورها الحاسم في كل مثال عملي كبير للتغير السياسي، الإ أن دراسة الحركات الاجتماعية تحتل مكانة هامشية في علم السياسة، ففي الولايات المتحدة نادراً ما تتضمن صحف العلوم السياسية الرئيسية عمل عن الحركات الاجتماعية وتُترك القضية لعلم الاجتماع رغم أنها من أهم الحقول الفرعية البارزة في هذا النظام.

وفي أوربا، رغم أن دراسة الحركات الاجتماعية تسيطر على علم السياسة، ولكنها تميل إلى أن تكون مجزأة إلى موضوعات فرعية (على سبيل المثال تتعامل المجالات الحيوية الحالية مع التطرف السياسي أو مع مشاركة المهاجرين، وصعود وهبوط أنواع معينة من الحركات الاجتماعية)، وكان من نتاج الاهتمامات بدراسة الحركات الاجتماعية في أوربا ما يسمي بالحركات الاجتماعية الجديدة (علم البيئة، السلام، تحرر المرأة، وغيرها) والتي ظهرت خلال سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، وحفزت عدد كبير من الدراسات المؤثرة على جانبي الأطلنطي، ولكن بعد مأسسة هذه الحركات ودمجها في السياسة اختفت مرة ثانية المجالات المزدهرة سابقاً في دراسات الحركات الاجتماعية بشكل كبير من تيار علم السياسة الأوربي.

ويبدو عدم الاهتمام بالحركات الاجتماعية مبرر في فترات السياسة الروتينية لأن الحركات الاجتماعية تظهر في الغالب كفواعل بدون تأثير تعمل في هامش علم السياسة، ولكن حينما تأتي الحركات الاجتماعية لفهم الموجات الرئيسية للديمقراطية وصعود القضايا والقيم السياسية الجديدة إضافة إلى التهديدات الحالية للديمقراطية، لايكاد يوجد أي فاعل سياسي له صلة كبيرة بالدراسة أكثر من الحركات الاجتماعية، وتظل مساحة وأهمية دراسة الحركات الاجتماعية داخل علم السياسة بالغة الأهمية.

ملاحظات على المقال:

  • أبرز الكاتب دور الحركات الاجتماعية في التغير السياسي وتوسيع حدود الديمقراطية.
  • ركز الكاتب فقط على النظم الديمقراطية ولم يتطرق للحركات الاجتماعية في النظم الغير ديمقراطية.
  • ركز الكاتب فقط على العلاقة بين الحركات الاجتماعية والنظم السياسية ولم يتطرق إلى علاقة الحركات الاجتماعية بالفاعلين الأخرين في النظام السياسي، وكذلك علاقة الحركات الاجتماعية ببعضها البعض.

[1] Ruud Koopmans,”Social movements”, In: Russell J.Dalton and Hans-Dieter Klingemann The Oxford Handbook of Political Behavior(New York: Oxford University Press, 2009)

 

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …