الرئيسية / النظم السياسية / الرأي العام والإعلام / المواطن الرقمي: أثر الاستخدام المكثف لشبكات التواصل الاجتماعي علي مفهوم المواطنة
المواطن الرقمي: أثر الاستخدام المكثف لشبكات التواصل الاجتماعي علي مفهوم المواطنة
المواطن الرقمي: أثر الاستخدام المكثف لشبكات التواصل الاجتماعي علي مفهوم المواطنة

المواطن الرقمي: أثر الاستخدام المكثف لشبكات التواصل الاجتماعي علي مفهوم المواطنة

أثر الثورة الرقمية والاستخدام المكثف لشبكات التواصل الاجتماعي

في رسم الصورة الجديدة لمفهوم المواطنة:

من المواطن العادي إلى المواطن الرقمي

جيدور حاج بشير( طالب دكتوراه)

جامعة بسكرة ( الجزائر)

ملخص:

تتناول الدراسة مسألة الموطنة والشعور بها وممارستها في ظل الثورة الرقمية التي أصبحت سمة هذا العصر، حيث أخذ هذا المفهوم صورة مختلفة عن صورته التقليدية، والتي كانت تتلخص في الشعور بحب الوطن وبذل جهود حقيقية لرفعته وكرامته، ومن ثم الحصول على امتيازاتها وحقوقها، غير أن الثورة المعلوماتية وما جرته من تطور في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال وبروز ثقافة التواصل الاجتماعي وغلبة مضامين الإعلام الجديد وتقهقر الإعلام التقليدي الجماهيري، حذا بقطاع كبير من أفراد المجتمع إلى ممارستها بشكلها الإلكتروني بالانغماس المخيف في الفضاء السيبراني العام، فتحول المواطن عبرها إلى مواطن رقمي يمارس حبه للوطن ورغبته في سلامة أفراده عبر الانترنت وتطبيقات الإعلام الجديد، مما أفقد الموطنة بعدها الحقيقي وصورتها الواقعية، وذلك بغياب وجود المواطن في ساحة العمل السياسي والتطوعي الفعلي في الشارع.

Résumé :

Cette étude traite le sujet de la citoyenneté et sa pratique actuelle au sein de la révolution digitale, actuellement, la nouvelle image de la citoyenneté est reliée au développent aux technologies de la communication et le nouveau média et la culture de média sociale, sans oublier le recule des moyens traditionnels de communication. Dans ce nouvel environnement, beaucoup de gens et surtout les jeunes, ont commencé de la pratiquer dans le « Sybersphère » sans descendre à la rue, mais seulement derrière ses écrans et dans les coins des maisons, c’est pour cela, le citoyen devient digital, et la citoyenneté devient électronique.

مقدمة:

إن الحديث عن الوطن في أي سياق كان لابد أن يتمازج معه حديث عن المواطن الذي يرتبط به ومعه في حياته اليومية ومشاغله من حيث هو الفاعل الرئيس في المجتمع والدولة، وبالضرورة ينشأ مفهوم المواطنة، والذي يدل على إحساس الإنسان بالانتساب إلى المجموعة وتقاسم شعورها؛ إنها تعني الحنين إلى الوطن الذي يذّكر الإنسان بعاداته وتقاليده وسلوكيات مواطنيه، إذا فهي تحمل المواطن من حيث هو الفاعل على التفاعل في أوسع معاني التفاعل مع الوطن ومع غيره من المواطنين.

إن المواطنة والروح الوطنية هما المحركان الحقيقيان للحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تلك الروح الوطنية تتضمن مجموعة القيم التي تحدد علاقة الفرد بالمجتمع وتصل به إلى الالتزام بالعقد الاجتماعي الذي يربط بين المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات.

إذا كان هذا هو المفهوم العام والتقليدي لمصطلح المواطنة، فإن ذات المفهوم قد أخذ صورة جديدة عندما دخلت الثورة الرقمية والانفجار المعرفي الالكتروني على الخط، حيث أضحى لهاتين الثورتين بصمات على كل مناحي الحياة الجديدة، بل أصبحا معيارا للتصنيف حيث تصنف كل ظاهرة قبلهما في خانة التقليدي والقديم بينما تأخذ كل ظاهرة حدثت بعدهما دلالة الجديد والحديث، وعليه فإن مصطلح المواطنة وما تقاطع معه من مفاهيم كالوطن والمواطن قد أخذوا جميعهم صفة حديثة وصورة جديدة مقارنة بتلك الصورة التي كانوا يوصفون بها قبل الثورة الرقمية وانتشار ثقافة التواصل الاجتماعي وطغيان الإعلام الجديد بقيمه وتطبيقاته وصوره وأدواته وبيئة نشاطه.

إن التغلغل الرهيب لشبكة الانترنت وارتباط كافة وجوه الحياة بها تقريبا وانخراط المواطن في تطبيقاتها بالشكل الذي أصبحت بالنسبة إليه خيارا لا مناص منه، قد ساهمت بشكل أو بآخر في إعادة رسم صورة جديدة لمفهوم المواطنة والوطن والمواطن، حتى أن السلّط الحاكمة والأنظمة السياسية باتت تنوع من طرق تمظهرها باستخدامها لوسائل وأدوات هذه الثورات الرقمية والتكنولوجية، فظهرت للعالم مفاهيم الحكومة الالكترونية والديمقراطية الرقمية وغيرها من المصطلحات التي تعبر شكل من أشكال العلاقة بين الدولة بأفرادها المواطنين ومؤسساتها السياسية بالتكنولوجيا الحديثة وتطبيقات شبكة الانترنت والشبكات التواصلية الاجتماعية.

إن موضوع هذه الدراسة يتناول بالتحليل الصورة الحديثة لمفهوم المواطنة في ظل الانغماس المخيف في الفضاء السيبراني العام، وتحول المواطن من شكله العادي إلى مواطن رقمي مرتبط بتكنولوجيا التواصل الحديثة، وبناءً عليه يصبح تشّكل صورة جديدة لمفهوم المواطنة وبشكل مختلف عن الصورة التقليدية أمر ضروري ولابد منه.

إشكالية الدراسة:

في ظل الانخراط الواسع والمستمر والمخيف للأفراد ومؤسسات النظام السياسي للدولة في منظومة شبكة الانترنت وتطبيقاتها، وانتشار ثقافة التواصل الاجتماعي وتراجع دور الإعلام التقليدي لصالح طغيان الإعلام الجديد، كيف تصبح الصورة الجديدة لمفهوم المواطنة مقارنة بالصورة القديمة التي نشأ بها ذات المصطلح؟

المحور الأول: المواطن والمواطنة في الفضاء السيبرانيلقد بدأ مفهومي المواطن والمواطنة يأخذان أشكالا جديدة منذ ظهور ثقافة الانترنت وتطبيقاتها، واتجاه قطاع كبير من الناس إلى ارتياد ساحات شبكات التواصل الاجتماعي حيث بدأ الحديث عما يسمى بالثورة الرقمية أو الالكترونية، فهذه الأخيرة “ليست مجرد موقع ويب أو مجرد استخدام بعض أدوات المواقع الاجتماعية أو البريد الالكتروني، بل تتضمن إتاحة استخدام إمكانيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتغلب على الحجب والتعقب، واستخدام أدوات اتصالات شبكة الهاتف ورسائل الجوال ومراكز الاتصال الفردي والجماعي والأدوات اللاسلكية والنقالة ونظم الاتصال الأخرى وحشد القوى والتصرف”1.

أولاـ المواطنة وشبكات التواصل الاجتماعي: دراسة في المفاهيم:

تعددت تعاريف المواطنة وماهية الشبكات الاجتماعية تبعا للزاوية التي ينظر كل باحث منها إلى المفهوم.

1. ماهية المواطنة:

أ. تعاريف مصطلح المواطنة: المواطنة في الفلسفة السياسية المعاصرة هي الانتماء إلى الوطن، انتماءً يتمتع المواطن فيه بالعضوية كاملة الأهلية على نحو يتساوى فيه مع الآخرين الذين يعيشون في الوطن نفسه مساواة كاملة في الحقوق والواجبات وأمام القانون، فذلك يحتم زوال كل تمييز بينهم على أساس اللون أو العرق أو الدين أو الفكر أو الانتماء السياسي، فهي ليست حقوقًا فحسب بل واجبات أيضاً يستفيد منها الفرد، تتمثل في حقوق مدنية وسياسية واجتماعية وقانونية…الخ، وتضع على عاتقه واجبات قانونية والتزامات معنوية، كما تفرض عليه الولاء التام للوطن وحماية القانون والذود عن مصالح الجماعة.

يشير مصطلح المواطنة (Citizenship) أو (La citoyenneté) إلى المساهمة في حكم دولة ما على نحو مباشر أو غير مباشر، كما يستخدم أحياناً للدلالة على العملية أو الحالة التي يعد الفرد بمقتضاها مواطناً لمجرد أنه يعيش في رحاب دولة معينة، أو ينتمي إليها ويخلص لها؛ ومن ثم يحظى بالحماية. وفي معجم “هاراب” مثلا: (المواطن هو (أ). وساكن المدينة (ب) شخص له كل الحقوق كساكن في دولة، أما المواطنة فهي الاسم الذي يدل على حالة وجود المواطن)2.

المواطنة “صلة اجتماعية وسياسية وقانونية عندما تحمل معنى الحق القانوني للجنسية، تكون قائمة بين شخص ودولة وتجعله يمتلك حقوقا دينية واقتصادية وثقافية وممارسة حقه السياسي شرط أن لا يكون محروما كليا أو جزئيا من ممارسة هذا الحق، بسبب الحرمان من حقه القانوني الأساسي (الحرمان من الجنسية) أو بسبب إدانة جنائية (الحرمان من الحقوق المدنية)”3.

إن مفهوم المواطنة في الفكر المعاصر فهو “انتماء الإنسان إلى دولة إقليمية معينة، فهو يتطلب وجود دولة بالمعنى الحديث ووجود وطن ذي أنشطة وفعالية أو إقليم محدد وعلاقة اجتماعية بين الفرد والدولة والتزام بالتعايش السلمي بين أفراد المجتمع، بالإضافة إلى مشاركة في الحقوق والواجبات واحترام نظام الدولة وعلاقته بالحاكم على المستوى الدستوري والقانوني والسياسي، فيعبر المواطن في الدولة عن رأيه ومصالحة بحرية في مظلة ضمانات مقررة4.

هذا التعريف الواسع يمكن أن يرى مع اختلافات قليلة في أعمال مفكري القرن 18، وأيضا في مادة (مواطن) في موسوعة (Diderot) و(D’Alembert) التي تعرِّفه على أنه عضو في مجتمع حر مكوَّن من عدة أُسر، تتشارك في حقوق هذا المجتمع وتتمتع بحصانته5.

إن البعض يعتقد أن المواطنة تعني أن يكون المواطن عضوا في مجتمع سياسي معين أو دولة بعينها، وعادة ما تكون رابطة الجنسية” معيارا أساسيا في تحديد من هو المواطن، وبموجب ذلك ينال مختلف الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية، مقابل واجبات معينة يؤديها لصالح مجتمعه ودولته، ومن يراها مرتبطة بالانتماء الوطني، وهو يمس قضية سيكولوجية مهمة هي الشعور بالانتماء للوطن وليس مجرد الإقامة فيه، ومن يربطها بالجانب الاجتماعي الذي يشير إلى “حق كل مواطن في الحصول على فرص متساوية لتطوير جودة الحياة التي يعيشها6. وهذا تقريبا هو المفهوم السياسي للمصطلح، حيث “تجد المواطنة السياسية تعبيرها من خلال مضمونها القانوني ومرجعيته القطعية إلى الجنسية، ويترتب عليها أن للمواطنين الحق، شخصيا أو من ينوب عنهم في سن القوانين والحصول سواسية على الوظائف العمومية، وتضمن عدم مضايقتهم بسبب آرائهم حتى الدينية مادامت لا تخل بالنظام العام الذي رسمه القانون، كما تضمن لهم أيضا حرية التحدث والكتابة وطباعة الآراء ونشرها”7.

بناء على ما سلف، يتضح أن مفهوم المواطنة لا يتعلق بالانتماء الرمزي إلى بقعة ترابية معينة، يطلق عليها مجازا الوطن فحسب، بقدر ما يحيل على شتى المعاني القانونية والسياسية والاجتماعية والتعليمية، التي تترجم في شكل حقوق وواجبات مقننة، تنظم مختلف قطاعات المجتمع وأنساقه. ورغم جهود المؤسسات أوالأفراد، قصد تنظيم مجال المواطنة، تظل العديد من الأسئلة بخصوص هذه القضية مثار النقاش والجدل8.

ب. أسس المواطنة: للمواطنة كمفهوم نظري وتطبيقي مجموعة من الأسس، فمن الباحثين من جعلها ملخصة في أساسين اثنين فقط، وهما:

الأساس الأول: الحرية وعدم استبداد الحاكم: حيث يدل على تمتع قطاع المواطنين جميعهم على أرض الدولة التي تمنحهم هذه الصفة بالحريات المتعلقة بالرأي والفكر والإقامة والتنقل وغيرها، كما تحميهم في الآن نفسه من ممارسة تسلط واستبداد وديكتاتورية الحكام (رؤساء، ملوك، حكام …)، فتجعل للأول (المواطن) حدودا في ممارسة المواطنة، وتجعل للثاني (الحاكم) ضوابط في ممارسة السلطة واحتكار القوة وتطبيق القانون.

الأساس الثاني: توافر المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات: وذلك بغض النظر عن الدين أو المذهب أو العرف.

ولا يتوافر هذان الأساسان إلا بوجود نظام سياسي لخدمة الديمقراطية التي هي حكم الشعب بالشعب وللشعب، ونظام قانوني لمعرفة حقوق الإنسان المواطن وواجباته، ونظام اجتماعي يعتمد على حب الوطن، ومعرفة حقوق الوطن، والسلوك العملي المعبِّر عن احترام حقوق الوطن على أبنائه، كالدفاع عنه وعن المواطنين وحقوقهم وعن حقوق الدولة9 فالديمقراطية “تقوم على قيمتين أساسيتين لا غنى عن أي واحدة منهما، الأولى: الحرية، والثانية: توفر المساواة بين الماطنين في الحقوق والواجبات، ووفقا لهذا المنظور تتبلور فكرة المواطنة لترتبط بالتساوي في الحقوق والواجبات لكل حاملي جنسية الدولة، لتجد في المشاركة السياسية بمفهومها الواسع التعبير المباشر عن فكرة المواطنة في ظل مفهوم الدولة الديمقراطية الغربية”10.

أما الباحثون في القرن 21، فقد رأوا أن مفهوم المواطنة يشهد تطوراً يتجه به إلى منحى العالمية، وعليه فقد حددوا لهذا المصطلح مجموعة من الأسس تبعا لتطور بنيات المجتمعات البشرية في هذا القرن، ومن هذه الأسس:

$1·      الاعتراف بوجود ثقافات مختلفة واحترام حق الغير وحريته.

$1·      الاعتراف بوجود ديانات مختلفة والحرية في اعتناقها والقيام بشعائرها.

$1·      الاهتمام بالشؤون الدولية، والمشاركة في تشجيع السلام الدولي.

$1·      المشاركة في إدارة الصراعات والنزاعات بطريقة اللاعنف.

هذه الأسس والتي أصبحت مواصفات لمواطن القرن 21 يمكن فهمها بشكل أفضل في صورة كفاءات تنميها مؤسسات المجتمع لتزيد فاعلية الارتباط بين الأفراد على المستوى الشخصي والاجتماعي والمحلي والقومي والدولي، ويكون ذلك بتنمية قدرات معينة للتفكير تحسم وتنظم في الوقت نفسه الاختلافات الثقافية، ومواجهة المشكلات والتحديات كأعضاء في مجتمع عالمي واحد11.

2. مفهوم الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي: لم يعد العالم يتوقف عند أشكال تقليدية من الإعلام، ففي ظل الانفجار المعرفي بات عليه أن يُجدّد من أدواته في التواصل ونقل المعرفة، حيث بات للشبكة الدولية للمعلومات Internet المجال الأكبر والأوسع انتشاراً لتحقيق مثل هذه الغايات التي يطمح العالم ومتساكنوه إلى بلوغها.

في عالم اليوم، أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية على مستوى العالم مثل (Facebook)، (Twitter)، (Youtube) ملاذا للكثير من الأفراد، وأضحى استخدامها وعدم استخدامها معيارا لتصنيف المجتمعات إلى مجتمعات شبكية تواصلية تفاعلية وأخرى تقليدية ذات تواصل مباشر وكتابي.

أ. تعريف العولمة: كمفهوم تستخدم لوصف كل العمليات التي تكتسب بها العلاقات الاجتماعية نوعًا من عدم الفصل (سقوط الحدود) وتلاشي المسافة، بحيث تجري الحياة في العالم كمكان واحد (القرية الصغيرة)، فتصبح العلاقات الاجتماعية أكثر اتصالاً وتنظيمًا على أساس تزايد سرعة ومعدل تفاعل البشر وتأثرهم ببعضهم البعض. ويرتكز مفهومها على التقدم الهائل في التكنولوجيا والمعلوماتية، بالإضافة إلى الروابط المتزايدة على كافة الأصعدة على الساحة الدولية المعاصرة12.

للعولمة أيضا مفهوم سلبي يتأسس على علاقتها بالتكنولوجيات الحديثة، فهي بمقدار ما استطاعت أن “أن ستخدم تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية للتقريب بين الأفراد والشعوب، كذلك فقد أدت إلى إقصاء وتهميش أفراد شعوب أخرى لا تمتلك القدرة على الإنفاق على ثمن أو تكلفة التواصل، فضلا عن عدم قدرتها على امتلاك ثمن أو تكلفة معيشتها الإنسانية”13.

ب. تعريف الإنترنتعبارة عن شبكة عالمية من الروابط بين الحواسيب، تسمح للناس بالاتصال والتواصل بعضهم مع بعض واكتساب المعلومات من الشبكة الممتدة إلى جميع أرجاء الأرض بوسائل بصرية وصوتية ونصية مكتوبة، وبصورة تتجاوز حدود الزمان والمكان والكلفة وقيود المسافات، وتتحدي في الوقت نفسه سيطرة الرقابة الحكومية.وتعرف بأنها “شبكة دولية للمعلومات تتفاهم باستخدام بروتوكولات تتعاون فيما بينها لصالح جميع مستخدميها، وتحتوي على العديد من الإمكانات مثل البريد الإلكتروني، وإقامة المؤتمرات بالفيديو، وقوائم البريد بالإضافة إلى الملايين من مجموعات الأخبار والعديد من الملفات المتاحة لنقلها واستخدامها بطريقة شخصية وكذلك آلات البحث المرجعي14.

وهي عبارة عن استغلال متقدم للحاسب الآلي مرتبط من خلال الاتصالات الدولية مع وجوب توافر تقنية خاصة وهي شبكة ضخمة تتكون من عدد كبير من الشبكات15، وقد عرفت تطورات مذهلة في بناها وخوادمها وتقنياتها التكنولوجية منذ سنة 1940 إلى يومنا هذا.

ج. التواصل الاجتماعيإن مفهوم “التواصل الاجتماعي” بات مثيرا للجدل، نظرا لتداخل الآراء والاتجاهات في دراسته، لأن هذا المفهوم قد عكَس التطور التقني الذي طرأ على استخدام التكنولوجيا، وأُطلق على كل ما يمكن استخدامه من قبل الأفراد والجماعات على شبكة الإنترنت، أما “وسائل التواصل الاجتماعي فهي تركيبة اجتماعية إلكترونية تُصنع من قبل أفراد وجماعات وكذلك مؤسسات، ويتم تسمية الجزء المكون الأساسي لها مثل الفرد الواحد باسم العقدة (Node) بحيث تقوم هذه العقد بأنواع مختلفة من العلاقات كالانتماء إلى ناد رياضي أو شركة …”16 ، ومن الأمثلة عن تلك الشبكات:

– (Facebook)وهو موقع يساعد على تكوين علاقات بين المستخدمين، يمكنهم من تبادل المعلومات والملفات والصور الشخصية ومقاطع الفيديو والتعليقات، كل هذا يتم في عالم افتراضي، يقطع حاجز الزمن والمكان. ويعد الموقع واحد من أشهر المواقع على الشبكة العالمية، ورائد التواصل الاجتماعي، فهو اليوم منبر افتراضي للتعبير.

بدأ الفيسبوك على يد أحد طلاب جامعة هارفارد، يدعى “مارك جوكر بيرج“، حيث بدأ بتصميم موقع على الشبكة الإلكترونية يهدف من خلاله للتواصل مع زملاءه في الجامعة، ويمكنهم من تبادل ملفاتهم وصورهم وآراءهم وأفكارهم.

– (Twitter)موقع شبكات اجتماعية يقدم خدمة تدوين مصغر والتي تسمح بإرسال تغريدات (Tweets) بحد أقصى 140 حرفا للرسالة الواحدة. وذلك مباشرة عن طريق الموقع أو عن طريق إرسال رسالة نصية قصيرة (SMS) أو برامج المحادثة الفورية أو التطبيقات التي يقدمها المطورون.

فهي مواقع إلكترونية للتواصل الاجتماعي بين المستعملين عبر شبكة الإنترنت، وتهدف إلى إقامة علاقات اجتماعية بين هؤلاء17، ترتكز فلسفتها الرئيسة على أن يرتبط كل منتسب لواحدة من هذه الشبكات الاجتماعية بمجموعة من الأعضاء (الأصدقاء)، فيتبادلون كل أنواع المعلومات أو الصور أو الملفات أو الأفكار فيما بينهم. فخدماتها على ذلك تؤسسها وتبرمجها شركات كبرى لجمع المستخدمين والأصدقاء ولمشاركة الأنشطة والاهتمامات، وللبحث عن تكوين صداقات والبحث عن اهتمامات وأنشطة لدى أشخاص آخرين”18.

معظم الشبكات الاجتماعية الموجودة حالياً هي عبارة عن مواقع ويبتقدم مجموعة من الخدمات للمستخدمين مثل المحادثة الفوريةوالرسائل الخاصة والبريد الإلكترونيوالفيديووالتدوينومشاركة الملفات وغيرها من الخدمات. ومن الواضح أن تلك الشبكات الاجتماعية قد أحدثت تغيّر كبير في كيفية الاتصال والمشاركة بين الأشخاص والمجتمعات وتبادل المعلومات. وتلك الشبكات الاجتماعية تجمع الملايين من المستخدمين في الوقت الحالي وتنقسم تلك الشبكات الاجتماعية حسب الأغراض فهناك شبكات تجمع أصدقاء الدراسة وأخرى تجمع أصدقاء العمل بالإضافة لشبكات التدوينات المصغرة19.

تاريخيا، بدأت مجموعة من الشبكات الاجتماعية في الظهور في أواخر التسعينيات مثل: (Classmates.com) عام 1995  للربط بين زملاء الدراسة وموقع: (SixDegrees.com) عام 1997، وركز ذلك الموقع على الروابط المباشرة بين الأشخاص، وظهرت في تلك المواقع الملفات الشخصية للمستخدمين وخدمة إرسال الرسائل الخاصة لمجموعة من الأصدقاء. وبالرغم من توفير تلك المواقع لخدمات مشابهة لما توجد في الشبكات الاجتماعية الحالية إلا أن تلك المواقع لم تستطع أن تدر ربحاً لمالكيها وتم إغلاقها. وبعد ذلك ظهرت مجموعة من الشبكات الاجتماعية التي لم تستطع أن تحقق النجاح الكبير بين 1999 و2001، ومع بداية سنة 2005 ظهر موقع بلغ عدد مشاهدات صفحاته أكثر من (google) وهو موقع (MySpace) الأميركي الشهير ويعتبر من أوائل وأكبر الشبكات الاجتماعية على مستوى العالم ومعه منافسه الشهير “فيسبوك”والذي بدأ أيضاً في الانتشار المتوازي مع “ماي سبيس” حتى قام الفايسبوك سنة 2007 بإتاحة تكوين التطبيقات للمطورين وهذا ما أدى إلى زيادة أعداد مستخدميه بشكل كبير …  حالياً يتجاوز 800 مليون مستخدم على مستوى العالم20.

إن التعريف الشامل لمصطلح “التواصل الاجتماعي”، يرتبط بمصطلحي: الإعلام الاجتماعي والتفاعلية (Interactivité). فالإعلام الاجتماعي هو المحتوى الإعلامي الذي يتميز بالطابع الشخصي، والمتناقَل بين طرفين أحدهما مرسِل والآخر مستقبِل، وتشير أيضاً إلى: “الطرق الجديدة في الاتصال في البيئة الرقمية بما يسمح للمجموعات الأصغر من الناس بإمكانية الالتقاء والتجمع على الإنترنت وتبادل المنافع والمعلومات، وهي بيئة تسمح للإفراد والمجموعات بإسماع صوتهم وصوت مجتمعاتهم إلى العالم اجمع21، أما التفاعلية فتعني مرور الرسالة الاتصالية في اتجاهين، بين المرسل والمستقبل، فهي إذا “صفة طبيعية في الاتصال الشخصي، والمستخدم على الشبكة ليس مجرد مستقبل للرسائل وإنما منتج لها في ذات الوقت”22، فوسائل الإعلام الجديد على عكس التقليدية، تتيح فرصة أكثر للمتلقي بإبداء رأيه والتعليق على الرسالة بشكل أني ومتزامن.

ثانياـ المواطنة الإلكترونية والمواطن الرقمي: لقد أصبح لثورة الاتصالات الرقمية الحديثة الدور الأكبر في التسهيل والتسريع في عمليات الوصول إلى مصادر المعلومات والأخبار والتواصل مع المسؤولين وصناع السياسات العامة، وعليه نصبح مدينين لهذه الثورة التقنية والرقمية بما حملته لنا من نتائج ذات آثار إيجابية على الفرد والمجتمع، فتحول الفرد في هذا الفضاء في ممارسته للمواطنة من شكل المواطن العادي إلى شكل المواطن الرقمي.

1. ماهية المواطنة الإلكترونية: إن بداية التعامل مع هذا المصطلح ولد أثناء محاولة البحث عن سياسات ناجحة وناجعة ووقائية تحفيزية، ضد أخطار التكنولوجيا والثورة الرقمية الجديدة، ذلك أن كثيرا من قيم المجتمعات وأنماط حياة أفرادها قد باتت في حكم الخطر الشديد نتيجة تغلغل آليات الثورة الرقمية في أوصال المجتمعات فأخذت هذه الأخيرة تدابير وقائية من أجل حماية ما يسمى بـ “الخصوصيات المجتمعية” والتي تكون حمايتها حفظا لكثير من أساسيات هذه المجتمعات، ذلك أن القيم التي كانت تنطوي تحت مصطلح المواطنة في شكلها التقليدي مثل حب الوطن والإحساس بالانتماء إليه والشعور بالروح الوطنية بين أفراده قد بدأت هذه الثورة الرقمية تقوض فيها بعض الشيء، لأن الجيل الجديد من الشباب والمراهقين قد انزووا في أركان بيوتهم وثنايا حجراتهم يتفاعلون مع المحيط الخارجي (من الداخل)، فلم يصبح هذا الجيل مكترثا بالانفتاح على محيطه خارج بيته مادامت أخبار الخارج تصله وهو في الداخل، فلم تعد تستهويه التجمعات في الشوارع والساحات والأفكار المتداولة فيها مادامت كل تلك الأخبار والحوادث والأحاديث تأتيه سيلا متدفقا إلى المكان الذي ينزوي به في الحجرة أو البيت، فأصبحت بذلك المواطنة “الكترونية” والشعور بحب الوطن “رقمي” والتعبير عن الولاء إلى المجموعة “إعجابات وتعليقات” والدفاع عن حمى الدولة ومصالح الوطن “بالتنديد الإلكتروني والنشر عبر الفضاءات التفاعلية”.

وعليه يمكن تعريف المواطنة الرقمية على أنها “مجموعة القواعد والضوابط والمعايير والأعراف والأفكار والمبادئ المتبعة في الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا، والتي يحتاجها المواطنون صغارا وكبارا من أجل المساهمة في رقي الوطن … فهي توجيه نحو منافع التقنيات الحديثة، وحماية من أخطارها23.

كما يمكن أن تتشكل المواطنة في شكلها الرقمي أيضا من مجموعة قواعد السلوك المعتمدة في استخدامات التكنولوجيا المتعددة، كالتبادل الإلكتروني للمعلومات والمشاركة الإلكترونية للأفكار التي ترتقي بنظم المجتمع وأفراده، كما يمكن أن تشمل كل التعاملات بين المواطنين عبر شبكة الإنترنت كالدعوة إلى المشاركة السياسية أو الحث على التكافل المجتمعي أو غيرها، لذا فهي ترتبط أيضا بمصطلح الديمقراطية الرقمية وهي “توظيف أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية في توليد وجمع وتصنيف وتحليل وتداول كل المعلومات والبيانات والمعارف المتعلقة بممارسة قيم الديمقراطية وآلياتها المختلفة، بغض النظر عن الديمقراطية وقالبها الفكري ومدى انتشارها وملائمة مقصدها وفاعليتها في تحقيق أهدافها”24.

2. مفهوم المواطن الرقمي: يمكن اعتبار الإنسان الرقمي ذلك الذي ولد خلال طفرة التكنولوجيا أو بعدها وتفاعل مع التكنولوجيا الرقمية منذ سن مبكرة ولديه قدر كبير من الإلمام بهذه المفاهيم. فهذا المصطلح يركز على الأشخاص الذين نشئوا مع التكنولوجيا التي انتشرت في الجزء الأخير من القرن 20 واستمرت بالتطور حتى يومنا هذا. فهو ذلك الشخص الذي يفهم قيمة التكنولوجيا الرقمية ويستخدمها للبحث والسعي لإيجاد فرص ينفذها ويكون لها تأثير.

مصطلحات الشخص الرقمي أو الإنسان الرقمي أصبحت ديكورا يميز الكتابات الحديثة التي تتناول تعامل الأفراد في مجتمع الثورة الإلكترونية أو الرقمية أو ما يسمى أحيانا بالوطن الرقمي، فـ”إذا كان مصطلح المواطن الرقمي يشير إلى المستخدمين لتكنولوجيا المعلومات، فإن الوطن الرقمي يشير إلى التأثير الكبير الذي أحدثته تكنولوجيا المعلومات على الحياة البشرية، فهي لم تدع أي مجال إلا اقتحمته وبسطت نفوذها وسيطرتها عليه، فأنتجت ما يسمى بـالإنسان الرقمي الذي تتمحور حياته كلها حول تكنولوجيا المعلومات”25.

لقد أصبح المواطن حاليا في سوق الثورة المعلوماتية والفضاء المفتوح لاعبا أساسيا في مجال الإعلام وفي صنع المعلومة وإيصالها، حيث انتزع سلطة الإعلام الخامسة (والتي تدل على الإعلام المنبث عن طريق الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام الجديد)، “فقلب هذا المواطن الموازين لصالحه بفضل تكنولوجيا الاتصال الحديثة وتقنيات الانترنت، التي مكنت من زيادة قوة وسلطة المواطن الافتراضي، وزادت من هيمنته على المادة والرسالة الإعلامية المتداولة والمتناقلة، ليس فقط في وسائل الإعلام الجديدة بل حتى في وسائل الإعلام التقليدية، التي رضخت للمضامين التي ينتجها المواطنون واضطرت إلى بثها”26.

في هذا المجال يذهب الكاتب “يوشاي بنكلر” (Yochai BENKLER): “إن التغيير الحاصل في الإعلام الرقمي وتبني الأفراد لثقافة المشاركة، قد أثرا في سلطة الإعلام وفي كيفية تقديم القضايا ومعالجتها، وهذا ما جعل هذه التطبيقات الاتصالية الجديدة تكتسب تسمية (السلطة الخامسة)”27.

يقوم مصطلح الإعلام على “إيصال المعلومات أو التبليغ بها عبر وسائل الإعلام المتاحة، وهو التعريف بقضية محددة أو بمجموعة قضايا يعيشها الإنسان المعني بذلك التبليغ والإيصال”28.

يعد قطاع الإعلام والاتصال من الرابحين الأساسيين من ثورة التكنولوجيا … الوطن الرقمي يمكن وصفه بالمجتمع الإعلامي أو الاتصالي، ليس من حيث تعدد الوسائل الإعلامية والاتصالية وقدرتها فحسب وليس من حيث أنه أتاح للجميع أن يصبح صحفيا بديلا يعبر عن رأيه وفكره في الفضاء الإعلامي الرقمي البديل، وإنما أيضا حمل معه نوعية عالية من الجمالية في الإرسال والفنية في الأداء مما جعل الجماهير أسرى الشاشات الإلكترونية الساحرة من التليفزيون إلى الكمبيوتر29.

3. المواطن الرقمي والمواطنة الإلكترونية: علاقات التأثير والتأثر: يمكن أن نلمس تعامل المواطن بشكله الرقمي في الوطن بصيغته الرقمية من خلال عدة عناصر، أهما:

المشاركة الإلكترونية في المجتمع: حيث يلتزم مستخدمو التكنولوجيا بتكافؤ الفرص أمام جميع الأفراد فيما يتعلق بالتكنولوجيا. فنقطة الانطلاق في “المواطنة الرقمية” هي العمل نحو توفير الحقوق الرقمية المتساوية ودعم الوصول الإلكتروني.

الاتصالات الرقمية والتبادل الإلكتروني للمعلومات: من أبرز التغيرات الهامة التي استحدثتها الثورة الرقمية هو قدرة الأفراد على الاتصال فيما بينهم مهما بعدت الأماكن وتباينت الأوقات. وذلك باستخدام البريد الإلكتروني والهواتف النقالة والرسائل الفورية، حيث غيرت خيارات الاتصالات الرقمية واسعة الانتشار كل شيء في حياة البشر لمقدرتهم على إجراء اتصالات دائمة ومباشرة مع أي فرد آخر.

محو الأمية الرقمية: لا بد أن يتعلم الدارسون كيف يتعلمون في ظل مجتمع رقمي، فيتعلمون أي شيء في أي وقت وفي أي مكان.

القوانين الرقمية والمسؤولية الرقمية على الأعمال والأفعال: يعالج قطاع القوانين الرقمية مسالة الأخلاقيات المتبعة داخل مجتمع التكنولوجيا، ويفضح الاستخدام غير الأخلاقي نفسه في صورة السرقة أو الجريمة الرقمية،.فالالتزام بقوانين المجتمع الرقمي توجب تعريف المستخدمين بأن سرقة أو إهدار ممتلكات الآخرين، أو أعمالهم أو هويتهم عبر الإنترنت يعد جريمة أمام القانون.

الحقوق والمسؤوليات الرقمية: توجد حزمة من الحقوق التي يتمتع بها “المواطن الرقمي” مثل حقوق الخصوصية وحرية التعبير وغيرها.

الأمن الرقمي (الحماية الذاتية): هي إجراءات ضمان الوقاية والحماية الإلكترونية، إذا يجب أن يتوفر لدينا برامج حماية من الفيروسات وإنشاء نسخ احتياطية من البيانات وتوفير معدات وآليات التحكم الموجه، من أجل حماية ما لدينا من معلومات من أي قوة خارجية من شأنها أن تقوم بالسطو على بياناتنا30.

المحور الثاني: المواطنة الإلكترونية في بيئة الديمقراطية الرقمية:عندما تغلغلت الثورة الرقمية الجديدة في أوصال العالم وتلونت أغلب مناحي الحياة الحديثة بلونها، طال التحول العديد من المفاهيم والمصطلحات التي كانت تصنف سابقا في خانة “التقليدية” كمفهوم “الديمقراطية” و”المواطنة” و”المواطن”، حيث أخذت بعض ألوان التكنولوجيا وطفرة الاتصالات الحديثة فبرزت توصيفات جديدة كالديمقراطية الرقمية والمواطنة الالكترونية والمواطن الرقمي العالمي، ومن تسارع الحياة السياسية الراهنة تطورت مفاهيم أخرى لارتباطها بالثورة الرقمية مثل مفاهيم الديمقراطية المحلية الالكترونية والمواطنة الرقمية وغيرها.

أولا. المواطن ووظائفه في ظل الحكومة الإلكترونية: تعتبر الحكومة الالكترونية صورة عن الحكومة التقليدية، لكن مع وجود فارق هو استخدام التكنولوجيا الحديثة والتواصل الرقمي عبر وحداتها وأجزائها بالإضافة إلى استخدام التواصل الرقمي والوثائق الالكترونية، حيث تختلف الأولى عن الثانية في أهدافها وفلسفتها ونظم إداراتها وهيكلها التنظيمي وطبيعة العلاقات التي تربطها بالمواطنين وأسلوب إدارة الموارد البشرية فيها.

1. مفهوم مصطلح الحكومة الالكترونية: يعتبر مفهوم الحكومة الالكترونية جديدا في الأدبيات الأكاديمية، حيث يمكن تعريفها بأنها “عملية استخدام المؤسسات الحكومية لتكنولوجيا المعلومات والتي لديها القدرة على تغيير وتحويل العلاقات مع المواطنين ورجال الأعمال ومختلف المؤسسات الحكومية، وهذه التكنولوجيا يمكنها أن تخدم عددا كبيرا من الأهداف مثل تقديم خدمات أفضل للمواطنين وتحسين التعامل والتفاعل مع رجال الأعمال ومجتمع الصناعة، وتمكين المواطنين من الوصول إلى المعلومات ويوفر مزيدا من الشفافية وإدارة أكثر كفاءة للمؤسسات الحكومية، كما أن نتائج هذه التطبيقات يمكن أن تؤدي إلى تحجيم الفساد وزيادة الشفافية وتعظيم العائد ككل وتخفيض النفقات وزيادة قناعة المواطن بدور المؤسسة الحكومية في حياته”31.

على هذا يصبح تحول الحكومة من شكلها العادي إلى نسقها الالكتروني ضرورة ملحة تمليها ظروف العالم الجديد وتسارع وتيرة الأداء فيه وتعاظم عدد سكانه مما يجعل عامل الاستفادة من الوقت المهدر ضرورة لابد منها تسهيلا لأعمال المواطنين وتيسيرا لتعاملاتهم مع الإدارة.

2. وجوه تفاعل المواطن مع الحكومة الالكترونية: في دواليب الحكومة الالكترونية التي تنشأ بالضرورة مع تطور الحياة المعاصرة المبنية على استعمال التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة، يصبح المواطن فيها وقد اصطبغ بلونها وساير أهدافها وفلسفتها وتكيف مع نظمها وبناءها التنظيمي، وعليه يمكن أن تأخذ علاقات المواطن بهذا الشكل الجديد من الحكومة عدة وجوه أبرزها:

أ. الديمقراطية الالكترونية: في معادلة الديمقراطية الالكترونية والتي هي أعلى درجات النضج في تطبيق الحكومة الالكترونية، يعتبر المواطن هو العامل الأول فيها لأنه يلعب دور الفاعل والمستفيد: فهو الفاعل لأنه محركها وعمودها البشري، والمستفيد لأن نتاجها راجع إليه، فهي “استخدام كافة الوسائل التكنولوجية في إدارة مجموعة الأنشطة التي تعزز وتزيد حجم مشاركة المواطنين في جميع القضايا والمسائل السياسية، حيث تشمل عموما الاجتماعات الافتراضية على شبكة الانترنت والحملات الانتخابية وتسجيل أصوات الناخبين ونتائج الانتخابات”32، كما تشمل أيضا استطلاع آراء المواطنين وإتاحة الاطلاع على مختلف محاضر الفرز أو التصويت وغيرها.

من أهم أهداف هذا الشكل من الديمقراطية هو تقديم المعلومات عن العمليات السياسية والخدمات التي توفرها للمواطن عن طريق التكنولوجيا الرقمية والاتصالية والتواصلية فتتحول بناء عليه إلى ديمقراطية افتراضية، كما تهدف هذه الديمقراطية إلى تشجيع المشاركة النشطة للمواطن من خلال إعلامه وتمثيله واستشارته وتشجيعه على المشاركة السياسية والتعاون في خدمة البلاد والصالح العام.

ومن أبرز ملامح العلاقة المعلوماتية/السياسة هو ما يتعلق بالديمقراطية مفهوما وممارسة، “حيث يزعم الكثيرون أن الانترنت سوف تقضي على إعادة النظر في مفهوم الديمقراطية من أساسه، حيث وفرت الانترنت ساحة جديدة للرأي العام تسمح بظهور أشكال جديدة للممارسة الديمقراطية سواء في عمليات اتخاذ القرارات أو متابعة ما ينجم عنها من نتائج إيجابية أو سلبية”33.

ب. الخدمات الالكترونية: باعتبار أن المواطن هو صانع الديمقراطية الالكترونية فإنه سيكون أيضا أول المستفيدين من نتاجها من باب تسهيل معاشه وحياته اليومية، وعليه فإنه سيستفيد من الخدمات الالكترونية التي تنتجها وتصدرها، فتكون بذلك جل نشاطاته اليومية في كنفها ذات طابع رقمي وتكنولوجي، من طلب الوثائق إلى استخراجها إلى التماس مقابلة المسؤولين ومحاورتهم وقد تكون في شكل مقابلات “على الخط” (On line) من دون أن يغادر أحد مكانه، وقد يعمد المواطن أيضا إلى إجراء عمليات البيع والشراء وتسجيل المنتجات أو توريد سلع أو تصديرها بشكل الكتروني، وتشمل الخدمات الالكترونية أيضا الحجز الجوي أو البحري وإلغاء الحجز أو تعديل مواعيد الرحلات، وجلب العمالة للمشاريع وسحب الأموال وضخها ودفع الأجور وتحويل رؤوس الأموال …

إن الخدمات التكتولوجية قائمة في الغالب على معيار التواصل بين المواطن والإدارة، فالمواطن يتجه إليها طلبا لما يحتاجه من رفاهية، وهي بتواصلها معه توفر له مجموعة من التسهيلات في شكل مادي (خدمات) أو في شكل معنوي (تسهيلات ورضى داخلي)، فيتم ذلك في بيئة الديمقراطيىة الالكترونية عبر وسيط تكنولوجي هو في الغالب الانترنت (شبكة دولية خارجية) أو الأنترانت (كشبكة داخلية ومحلية)، لذلك فإن “الإعلام يقدم الجماهير إلى فكرة الانتماء ويهيؤهم لها بالطاقة والتأثير إلى مجموعة وتجمع أكبر منهم، وفي الوقت نفسه يعدهم لمشاركة جماهيرية أكبر، وأنه من قصر النظر رفض ونفي الفكرة القائلة أن تكنولوجيا الإعلام تفتح آفاق التواصل التي تشمل التواصل المحلي والعالمي، ولكن هذا لا يترجم إلى أشكال جديدة من تحديد الهوية أو التجمعات البشرية”34.

ج. الإدارة الالكترونية: تعني الإدارة إجمالا ضمان حسن سير المرافق العمومية أو الخاصة وتسيير الموارد البشرية والمادية لذات المرفق، وعند الكلام عن الإدارة الالكترونية تـأخذ معنى تسيير المرافق ومواردها البشرية بأدوات تكنولوجية وآليات رقمية ونظم اتصالية، حيث تعمد الإدارة إلى استخدام الحواسيب وشبكة الانترنت ووسائل التواصل الحديثة في عمليات التواصل مع الإطار البشري العامل وفي عمليات الرصد والمتابعة لأعمال الموظفين ونشاطات العمال، كما يتقلص التعامل بالأوراق والملصقات الحائطية فيتم الانتقال بذلك من النظم الورقية إلى النظم الرقمية من خلال الاعتماد على الأوامر الالكترونية والتعليمات الرقمية في حسابات الموظفين عبر البريد الالكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي، فتكون دعوات الاجتماع في هذه البيئة الكترونية ومحاضر الجلسات رقمية، ومنه تستفيد الإدارة من ربح هامش الزمن الذي كان يضيع في رتابة العمل اليومي.

ثانياـ  دور الشبكات الاجتماعية في ترقية فعل المواطنة: إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت واحدة من المناهل الفكرية التي باتت تغذي قطاعا كبيرا من الشباب وحتى الكبار في الوقت الراهن، وذلك بفضل الكم الهائل من المعلومات والأفكار التي يتداولها روادها عبرها ويتشاركونها فيما بينهم، ومنه أمكن القول أن مثل هذه الشبكات الاجتماعية بما تحويه من عدد ضخم جدا من المنتسبين وبما تتمتع به من سهولة في الاستخدام ويسر في التعامل قد أصبحت تؤدي دورا هاما في عملية ترقية فعل المواطنة لدى أولئك الذين يتخذون منها زادا معرفيا أو منهلا تثقيفيا أو مأوى للترويح وتبادل الأفكار والصداقات.

فإذا كانت المواطنة بمفهومها التقليدي تدل على إحساس الفرد بالانتساب إلى وطنه أو شعوره بالانتماء إلى مجموعة يتقاسم معها مشاعر حب البلد وغيرة على أفراد يتقاسمون معه ذات الشعور، فإن مواقع الشبكات الاجتماعية قد بدأت تعطي المفهوم صورة جديدة وتلعب في ترقيته دورا مهما، وذلك لأن كثيرا من صفحاتها ومجموعاتها وتطبيقاتها قد تأسست على قواعد حب الوطن ومعايير الذود على الحمى وتهدف في مجملها إلى البحث عن أفضل السبل للرقي بالموطن داخل مجموعته الوطنية إلى أعلى مراتب الكمال، وعليه فإن وجود قطاع كبير من المنتسبين عبر هذه الصفحات والمجموعات لابد أن يتشاركوا فيما بينهم مجموعة القيم والمعارف التي تبنتها صفحاتهم ودافعت عنها، حيث يصبح هؤلاء وقد نمت بينهم مشاعر المواطنة بشكلها الالكتروني وزرعت بينهم قيم الود للوطن والذود عليه ونكران الذات والعمل الجماعي من أجل الصالح العام في الدولة.

1. مساهمة مواقع الشبكات الاجتماعية في ترقية قيم المواطنة: بالنظر إلى الحجم الكبير لعدد المنتسبين في مواقع التواصل الاجتماعي فإن مساهمتهم مجتمعين (الشبكات والمنتسبون) في حفظ قيم المواطنة وترقيتها سيكون لا محالة واضح، ذلك لأن النشر والتعليق والتعبير يتم عبر هذه الفضاءات بحرية ويسر ودون رقابة أو حساب، فكما يوجد عبر صفحات الشبكات الاجتماعية المفسدون ومرتادو الجرائم الإلكترونية والعابرة للحدود، سوف يتواجد أيضا عبر هذه المنصات الشبكية المصلحون والراغبون في بناء أوطانهم على القيم والمثل والغيورين على مستقبل الأجيال، ومنه يمكن للفايسبوك مثلا كموقع تواصل اجتماعي أن يكون له إسهام واضح وجلي في الرقي بفعل المواطنة من خلال احتضانه صناعة مجموعة من القيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حيث خلصت دراسة أكاديمية عن قيم المواطنة التي يمكن لهذا الموقع الاجتماعي توفيرها والتي شملت عينة من الشباب الجامعي إلى أنه يتضمن:

$1-      قيم المواطنة ذات البعد السياسي: العدل، المساواة، الولاء الوطني، الاعتزاز بالوطن، المشاركة السياسية، الانتخاب، المحافظة على الأمن، الحرية.

$1-      قيم المواطنة ذات البعد الاجتماعيالتعاون، حسن الجوار، العمل التطوعي، التكافل الاجتماعي، احترام الآخرين، النظام، المسؤولية الاجتماعية، مساعدة المحتاجين، حب الناس والوطن.

$1-      قيم المواطنة ذات البعد الاقتصاديالاستثمار، الكسب، الإنفاق.

$1-      قيم المواطنة ذات البعد الإنسانياحترام الإنسان، احترام الأديان الأخرى، احترام التنوع العرقي، احترام التنوع السياسي، احترام التنوع الثقافي.

$1-      قيم المواطنة ذات البعد التربويطلب العلم، تقدير العلماء، تشجيع البحث العلمي …35.

هناك أيضا عاملين هامين يستفيد منهما غالبية مرتادي هذه الفضاءات وهما: غياب الرقابة ونسق المجهول (Anonyme)، حيث يمكن الاستفادة منهما في حث المنتسبين على ممارسة المواطنة وترقيتها بشكل لافت، ذلك أن تحرر المشتغلين داخل الفضاء الشبكي من كل رقابة تحسب عليهم تحركاتهم بالإضافة إلى نشاطهم داخل بيئة افتراضية وهم مجهولون لغيرهم، قد يمكنهم من الإبداع في التعبير عن حبهم للوطن وحرصهم على ترقية وتعزيز المثل العليا المرتبطة بمفهوم المواطنة الحقة، فكثيرة جدا تلك الصفحات عبر (Facebook) وحسابات (Twitter) وكذا قنوات خاصة عبر مواقع مشاركة الفيديو مثل (YouTube) التي تعمل من أجل صالح الأوطان، وذلك بكشف المفسدين وفضح المتلاعبين والمندسين وتعرية نشاطات المسئولين ذووا الغايات المنحطة ومواطن عجزهم وتقاعسهم في أداء مهامهم ووظائفهم، فتكون بذلك هذه الصفحات والحسابات بمثابة أعين ترصد كل ما يحاك ضد الصالح العام من مؤامرات أو خطط إفساد أو غيرها، ولو كان وراءها مسؤولون سياسيون أو أمنيون أو نافذون في دواليب السلط، كما تؤسس صفحات وحسابات أخرى في هذه الشبكات بغرض ترقية القيم الاجتماعية أو التربوية أو الثقافية مثل التكافل الاجتماعي أو خدمة المعوزين ومساعدة ذوي الاحتياجات أو إصلاح المنظومة التربوية أو الإشارة لمواطن القصور والتردي في قطاعات الصحة أو التكوين أو غيرها من الغايات التي تصب في المحصلة في خانة خدمة الوطن وترقية روح الانتماء والتكافل بين أفراد المجموعة الوطنية.

لقد “بزغت شبكات التواصل الاجتماعي الكبرى مثل (Facebook) و(Twitter) والمدونات الشخصية كقنوات بالغة التأثير، متيحة لشعوب المنطقة فرصاً لم يعهدوها أو يألفوها من قبل في التعبير عن آرائهم وحشد وتنظيم صفوفهم في أمور تمس حياتهم مثل العنف الأسري وحقوق الإنسان أو محاربة الفساد وغيرها من قضايا ساهمت تلك الشبكات في تحريكها والنجاح في تغيرها”36.

كما يوجد صنف آخر أيضا من هذه الصفحات يهتم بالمسائل السياسية البحتة كالتشجيع على المشاركة السياسية وتقديم إسهامات في السياسة العامة ضمن محاور التنشئة السياسية أو الثقافة السياسية، فيجد المرتاد لها شروحا لأنظمة الانتخابات وطرق الاقتراع وتحليلات سياسية وغيرها، كما يمكن أن تصنف الصفحات الإشهارية أو التعريفية للمرشحين ضمن هذا الصنف لأنها تحوي بيانا بأسمائهم وصورهم وأعمالهم وطبائعهم وتاريخهم النضالي وأقوالهم وخطاباتهم، فينساب ذلك كله إلى المواطن العادي أو الرقمي عبر شاشة حاسوبه أو لوحته الرقمية أو هاتفه الذكي من دون أن يغير مكان جلوسه أو يغادر منزله.

2. المواطنة الإلكترونية من خلال منشورات شبكتي “رصد” و”ضد الفساد السياسي“: تأسست عبر الشبكات الاجتماعية العديد من الصفحات والفضاءات التفاعلية التي تعني بشأن الديمقراطية في العالم، حيث يعمل أصحابها ومن معهم من المنتسبين إليها على التمكين للتحول الديمقراطي ومتابعة الشأن العام الداخلي بما يحقق مصلحة الشعب والمجتمع، فيتخذون من كشف الحقائق وتقديم المقترح الأصوب والأسلم دستور عمل بالنسبة لهم، كما تعتمد هذه الشبكات العاملة وفق منظور الديمقراطية الالكترونية على نشر الصور ومقاطع الفيديو التي تثبت صحة أخبارها ومعلوماتها، ومن بين هذه الفضاءات عبر الشبكات الاجتماعية تبرز “شبكة رصد” الإخبارية المصرية وصفحة “ضد الفساد السياسي” الفرنسية، واللتان تنشطان على معظم مواقع التواصل الاجتماعي.

أ. التأسيس والهدف العام لشبكتي “رصد” و”ضد الفساد السياسي“: أنشئت شبكة “رصد”37 الإخبارية المصرية من طرف مجموعة من الشباب الذين آمنوا بفعالية الإعلام البديل لإعلام السلطة المصرية سنة 2010، حيث اتخذوا من شبكة الانترنت مجالا للتحرك عبر تأسيس الشبكة بادئ الأمر عبر موقع التواصل الاجتماعي (Facebook) ليتم فتح حسابات للشبكة عبر كل المواقع الاجتماعية الأخرى بالإضافة إلى الموقع الرئيس على شبكة الانترنت، وذلك بهدف تقديم الصورة الأصح عن الراهن المصري للرأي العام وتغطية الحدث الذي تحاول السلطة القائمة وأجهزتها الإعلامية درأه وذلك بالصوت والصورة والأرقام إثباتا منها لمصدقيته.

من جانب آخر تبرز عبر موقع التواصل الاجتماعي (Facebook) الصفحة الفرنسية المعنونة بـ”ضد الفساد السياسي في فرنسا” (Contre la CorruptionPolitique en France)38 ، وهي صفحة تهدف كما يبرز ذلك مسؤولوها إلى الوقوف ضد كل أشكال الفساد السياسي في فرنسا، كما ترفع شعار المطالبة بقانون يحظر الشخصيات الفرنسية المتابعة قضائيا من النشاط السياسي39.

ب. حجم الانتساب ونوعية المنشورات: عندما انطلقت شرارة “الثورة المصرية” في 25 جانفي 2011 كانت صفحة “رصد” تواكب تفاصيلها منذ اليوم الأول وهي التي كانت تعمل منذ سنة خلت، لكن مشرفيها تعاونوا مع إدارة صفحة “كلنا خالد سعيد” من أجل الإعلان عن الصفحة الجديدة والإشهار لها باعتبار أنها سباقة في التأسيس، وعليه أخذت الصفحة الوليدة شهرة واسعة وحجم انتساب أكبر، لذلك انظم إليها منذ اليوم الأول 136315 عضوا ليرتفع العدد في اليوم الموالي فيصل عتبة 268694 عضوا، أما اليوم فإن الصفحة تحصي أزيد من 9132000 عضو مشترك.

بدأت منشورات “شبكة رصد” على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وبالخصوص (Facebook) في بادئ الأمر بمتابعة كل صغيرة وكبيرة من مجريات الحراك السياسي المرتبط بالربيع العربي الذي يوصف “بالثورة المصرية” منذ انطلاقتها في جانفي 2011 مرورا بتغطية الأحداث التي صاحبتها بالصوت والصورة الحية وأيام جمعات الغضب حتى إعلان سقوط نظام الرئيس “محمد حسني مبارك”، وما تبع ذلك من مرحلة انتقالية وتولي نظام جديد زمام الحكم ثم عزل الرئيس المنتخب “محمد مرسي” وما تبعه من أحداث دموية في ساحات رابعة والتحرير وغيرها وقيام نظام سياسي جديد ورئيس جديد، وفي الفترة الحالية تتميز منشورات الصفحة بالتحيين الدائم (La mise à jour) ومتابعة كل الأحداث التي تهم المواطن والمجتمع المصري، وتتنوع المنشورات بين الأخبار العاجلة الآنية والصور الفيديوهات الحية والأفلام والشهادات الصوتية.

أما بخصوص الصفحة الفرنسية “ضد الفساد السياسي في فرنسا” فإن حجم المنتسبين لها من رواد الفضاءات التفاعلية يبلغ حاليا (3228 عضوا)، وهو عدد قليل عندما يقارن مع عدد المنتسبين إلى “شبكة رصد” المصرية، مرد ذلك إلى مجموعة من الأسباب أهمها:

$1-      حداثة الظهور بالنسبة للصفحة الفرنسية التي تأسست سنة 2014 فقط.

$1-      عدم تدعيمها على شبكة الانترنت بموقع إلكتروني خاص كما فعلت ذلك “شبكة رصد” بإطلاقها لموقعها التفاعلي والمحيّن على الانترنت وباسم نطاق منفصل عن مواقع الشبكات الاجتماعية.

$1-      اقتصار هدفها على مكافحة الفساد السياسي لا غير حسب ما تعلنه إدارتها عبر الصفحة، وذلك لإيمان الفرنسيين بنظرية التخصص حتى في صفحات الشبكات الاجتماعية وانصراف كل صفحة أو شبكة إلى تحليل وتغطية جانب معين من جوانب الحراك في الدولة، في حين تتنوع مواضيع الصفحة المصرية بين الشأن السياسي والاجتماعي والثقافي والديني والأمني …

$1-      تعتبر الأحداث التي تغطيها الصفحة الفرنسية قليلة وغير مؤثرة بالعموم وذلك عائد إلى طبيعة الحراك السياسي في فرنسا والذي يتميز بالهدوء والرتابة والاحتكام إلى القانون، عكس الواقع السياسي المصري الذي تتميز أحداثه بالتسارع والعنف وحمل الجديد في كل لحظة، إضافة إلى مرور البلاد بفترة انتقالية بعد أحداث دامية وخطيرة ميزها زوال نظامين وتداول 03 رؤساء على كرسي الرئاسة خلال فترة وجيزة (2011-2014).

3. فلسفة عمل شبكات الديمقراطية الإلكترونية على الانترنت: تقوم فلسفة صفحة “شبكة رصد” على مواقع التواصل الاجتماعي على نظرية “المواطن الصحفي” و”المواطن الرقمي”، حيث كان شعار الشبكة بشكل دائم (“راقب.. صوّر.. دوِّن”)، ومنه يعتبر كل فرد في الشارع المصري صحفيا ومشروع مواطن رقمي كلما حمل هاتفه أو آلة التصوير ونقل الصورة كما هي إلى المنتسبين ومنهم إلى الرأي العام المحلي والدولي وأجهزة الدولة الأمنية والقضائية ومؤسساتها وهيئاتها، غير أن الشبكة الفرنسية ورغم قيام فلسفتها على مفهوم “الديمقراطية الالكترونية” أيضا، إلا أن عمل “المواطن الصحفي” لم يكن ظاهرا بشكل كبير عبر منشورات الصفحة عبر (Facebook)، حيث أن النشر من اختصاص إدارة الصفحة فقط ولا يسمح لمنشورات الأعضاء بالظهور إلا ما كان صحيحا موثوقا منه بالدليل، وذلك احتراما منهم لخصوصية رجال السياسة الفرنسيين لأنهم هدف وجود الصفحة، وخوفا من كل متابعة قضائية في حالة النشر الكاذب أو إيراد معلومات غير صحيحة.

بهذا يكون الجميع المنتسبين إلى الفضاء الافتراضي عبارة عن صحفيين ومحللين ومحررين ومصورين ومتابعين وصانعوا خبر ومعلقون عليه ومستهدفون به، وهم أيضا أصحاب رأي وصناع حدث، وبهذا نكون أمام تطبيق مصطلح ديمقراطية الانترنت (Internet Democracy) “وهي المشاركة من مستخدمي الانترنت في جميع أنحاء العالم على شكل هيئات غير حكومية، والتي تقوم بوضع سياسات الانترنت أو ما يسمى بعقد التأمين”40  وهو أيضا ما يمثل التفاعلية في الفضاء الافتراضي، والتي تعني أن كل طرف يمكنه الإرسال والنشر والقراءة والرد على الآخرين بشكل متزامن وآني.

خاتمة: تعتبر الثورة الرقمية والتكنولوجية التي اجتاحت العالم خلال  نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي نتاجا مباشرا لجهود البشر على وجه الأرض ممن كانوا يطمحون إلى الوصول إلى زمن تكون فيه الاتصالات متوفرة وشاملة وتكون فيه المعلومات متاحة للجميع في وقت قياسي وسريع، وبذلك توجت جهود هؤلاء في بناء أولى صور العولمة.

لقد ساهمت العولمة كحركة اجتماعية تتضمن انكماش البعدين الزمني والمكاني في جعل العالم يبدو صغيراً إلى الدرجة التي تحتم على البشر التقارب في كل شيء، ومن أبرز وجوه تقارب البشر في هذا العالم المعولم القيم السياسية، فبرزت مفاهيم الديمقراطية الالكترونية كصورة للديمقراطية التقليدية وكذلك المواطنة الرقمية كصورة للمواطنة في صورتها القديمة، غير أن ما ميّز الصورتين التقليدية والحديثة عن بعضهما هو دخول عامل التكنولوجيا والثورة الرقمية التي أعطت لهذه القيم السياسية بعدا جديدا وصورة حديثة أبرز ما يميزها عناصر التواصل السريع والفعال بين أفراد المجتمع، فأصبح العالم يتجه بصورة متسارعة إلى تقويض الأشكال التقليدية في المشاركة السياسية والانتخاب إلى انتهاج أساليب رقمية في حث أفراد المجتمع على المشاركة في صناعة السياسة والاشتراك في الانتخابات، كذلك أخذت المواطنة شكلا جديدا بدخول العوامل الرقمية والتكنولوجية على خط ممارستها، فأصبحنا نتكلم عن الوطن الرقمي والمواطن الرقمي والممارسة الرقمية، فحب الوطن أصبح مكمما، والتعبير عن الولاء والغيرة أصبحا في شكل منشورات واتصالات وصور غرافيك على المواقع الالكترونية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

ومنه وجب التفكير من الآن فصاعدا في إيجاد صورة أخرى أكثر واقعية من أجل حفظ القيمة التقليدية لمفهوم المواطنة، حيث نما الاعتقاد حاليا أن دخول العوامل التكنولوجية وثورة الاتصالات الحديثة على مفهوم المواطنة قد أفقدوه جزء كبيرا من صورته اللامعة، حيث يجري تمييعه بغياب وجود المواطن في ساحة العمل السياسي والتطوعي الفعلي في الشارع والوقوف الحقيقي لضمان وحدة الوطن والذود عن حماه، فالثورة الرقمية الجديدة أحالت الفرد إلى جهاز مشابه لذلك الذي يمتلكه، فعينه أصبحت صورة فوتوغرافية أو مقطع فيديو، وأحاسيسه أصبحت تترجمها تغريدات ومنشورات، وأفعاله وحضوره أصبح من وراء شاشة وعبر حركات افتراضية غابت عنها الروح الحقيقية وزالت عنها الحماسة والقوة عنفوان الفعل ورد الفعل.

الهوامش:

1- عبد الله بسيوني، ثورة مصر وتكنولوجيا المعلومات: الصراع في الفضاء السيبراني: من فايسبوك إلى ميدان التحرير، القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2013، ص 333.

2- محمد عثمان الخشت، تطور مفهوم المواطنة في الفكر السياسي الغربي، متوفر على الرابط التالي: http://anfasse.org

3- سيدي محمد ولد يب، الدولة وإشكالية المواطنة، عمان: دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، 2010، ص 59.

4- للمزيد أنظر: وهبة الزحيلي، مفهوم المواطنة في المنظور الإسلامي، متوفر على الرابط التالي:

http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=324

5- محمد عثمان الخشت، موقع سبق ذكره.

6- نفسه المرجع السابق.

7- سيدي محمد ولد يب، مرجع سبق ذكره، ص 50.

8- التجاني بولعوالي، مسألة المواطنة بين الإسلام والغرب، متوفر على الرابط التالي: http://aafaqcenter.com

9-  أنظر: وهبة الزحيلي، موقع سبق ذكره.

10- حبيبة رحايبي، إشكالية تبيئة مفهوم المواطنة في الفكر الاسلامي المعاصر، مداخلة غير منشورة مقدمة في الملتقى الدولي السادس حول: “فقه المواطنة في الفكر الإسلامي المعاصر“، باتنة، جامعة الحاج لخضر، أيام: 18-19 نوفمبر 2013.

11- للمزيد: أنظر: مفهوم المواطنة وحقوق المواطن، متوفر على الرابط التالي:

مفهوم المواطنة وحقوق المواطن -الجرء الثالث ـ

12– Voir : MONDIALISATION.ca, site du centre de recherche sur la mondialisation, disponible sur le lien : http://www.mondialisation.ca/

13- منير الحمش، العولمة وتأثيراتها، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، ماي 2012، ص12.

14- أنظر: موقع (Wikipedia)

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%B1%D9%86%D8%AA

15- ميلود بن عبد العزيز، الجرائم الأخلاقية والإباحية عبر الإنترنت وأثرها على المجتمع من منظور شرعي وقانوني، مجلة الواحات للبحوث والدراسات، جامعة غرداية، ع17، ديسمبر 2012، ص 160.

16- محمد عمر حبيل، “التواصل السياسي الجديد في ليبيا من خلال الشبكات الاجتماعية الالكترونية“، في: الاتصال السياسي في العالم العربي وافريقيا: المقاربات وآليات الممارسة، (131-147)، تونس: معهد الصحافة وعلوم الأخبار، ومؤسسة كونراد إيناور، 2014، ص 134

17- حسن علي، “المدونات و المدونون: وسائل الإعلام من المنادي إلى الانترنت“، القاهرة: دار الفكر العربي، 2009م، ص 269.

18- عامر إبراهيم القندلجي، الإعلام والمعلومات والانترنت، عمان: دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، 2013، ص 338.

19-  المرجع نفسه، ص 339.

20- ربحي مصطفى عليان وإيمان فاضل السامرائي، المصادر الإلكترونية للمعلومات، عمان: دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، 2014، ص 261

21- بشرى جميل الراوي، “دور مواقع التواصل الاجتماعي في التغيير: مدخل نظري“، متوفر على الرابط التالي:

http://www.philadelphia.edu.jo/arts/17th/day_two/session_six/bushra.doc

22- رحاب الداخلي، “انترنت الاتصال: وسائل الإعلام من المنادي إلى الانترنت“، القاهرة: دار الفكر العربي، 2009م، ص 62

23- Fabienne Greffet , La citoyenneté numérique : Perspectives de recherche, In : Réseaux, (125-159), 2014/2 n° 184-185, P131

24- محمد سيد ريان، الإعلام الجديد، القاهرة: مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع، ط1، 2003، ص 09

25- محمد لعقاب، المواطن الرقمي، الجزائر، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، 2011، ص 12.

26- إبراهيم بعزيز، “دور وسائل الاتصال الجديدة في إحداث التغيير السياسي في البلدان العربية“، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 31، صيف 2011، (ص ص 171-188)، ص171.

27- نفس المرجع السابق، والصفحة نفسها.

28- عامر إبراهيم القندلجي، الإعلام والمعلوماتية والإنترنت، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2013، ص 19.

29- محمد لعقاب، مرجع سبق ذكره، ص 50

30- للاستزادة: “المحاور التسعة في المواطنة الإلكترونية“، متوفر على الرابط التالي:

http://blog.naseej.com/2013/07/11/المواطنة الرقمية/

31- إيمان عبد المحسن زكي، الحكومة الالكترونية: مدخل إداري متكامل، القاهرة: منشورات المنظمة العربية للتنمية البشرية، 2009، ص 19.

32- نفس المرجع السابق، ص 96.

33- محمد سيد ريان، مرجع سبق ذكره، ص 09.

34- علي أحمد الطراح، وسائل الإعلام والهوية الوطنية: دراسة نقدية للآراء ذات المركزية التكنولوجية حول العولمة، في: الهويات الوطنية والمجتمع العالمي والإعلام، (غسان منير حمزة سنو وعلى أحمد الطراح محرران)، بيروت: دار النهضة العربية، ط1، 2002، ص 155.

35- محمد قارش وشهرزاد سوفي، الإعلام الاجتماعي وتشكيل قيم المواطنة لدى الشباب الجامعي الجزائري: موقع التواصل الاجتماعي “ Facebook” أنموذجا، مداخلة غير منشورة مقدمة في الملتقى الدولي السادس حول: “فقه المواطنة في الفكر الإسلامي المعاصر“، باتنة، جامعة الحاج لخضر، أيام: 18-19 نوفمبر 2013.

36- سعود صالح كاتب. (2011)، “الإعلام الجديد وقضايا المجتمع: التحديات والفرص“، ورقة مقدمة في المؤتمر العالمي الثاني حول: “تأثير الإعلام الجديد وتقنية الاتصالات على العالم الإسلامي”، جاكرتا، أندونيسيا، 13 – 15 ديسمبر 2011.

37- عنوان شبكة “رصد” على شبكة الانترنت: (http://www.rassd.com/)، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي:

(https://www.facebook.com/RassdNewsN)

(https://twitter.com/RassdNewsN)

(https://youtube.com/RassdNewsN)

(http://instagram.com/RassdNewsN)

(https://google.com/+RassdNewsN)

38- عنوان الصفحة على موقع (Facebook) للتواصل الاجتماعي هو:

(https://www.facebook.com/Contre-la-Corruption-Politique-en-France-1398795003721177)

39– Le principe de la page : (Contre la Corruption Politique en France et pour une LOI interdisant aux personnages politiques condamnés en justice d’exercer.)

40- محمد سيد ريان، مرجع سبق ذكره، ص 09

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …