الرئيسية / النظم السياسية / السياسة المقارنة / وجهات نظر مركزية حول الدولة الحديثة.. نظريات تفسير علاقة “الدولة والمجتمع” “مترجم”
وجهات نظر مركزية حول الدولة الحديثة.. نظريات تفسير علاقة "الدولة والمجتمع" "مترجم"
وجهات نظر مركزية حول الدولة الحديثة.. نظريات تفسير علاقة "الدولة والمجتمع" "مترجم"

وجهات نظر مركزية حول الدولة الحديثة.. نظريات تفسير علاقة “الدولة والمجتمع” “مترجم”

مقدمة: وجهات نظر مركزية حول الدولة الحديثة

 

عرض فصل*:

Introduction: Central Perspectives on the Modern State

David Held by:

 

كلية الاقتصاد والعلوم السياسية

برنامج الدكتوراه

نظرية السياسية المقارنة

مقدم إلي:

أ.د/ علي الدين هلال

إعداد الطالبة/شروق علي

 

مقدمة

ديفيد هيلد هو استاذ بريطاني في العلوم السياسية و متخصص في مجال العلاقات الدولية.  وحاليا  يعمل كأستاذ للعلوم السياسية في كلية لندن للاقتصاد. وقبلها عمل  كأستاذ زائر في العديد من الجامعات في الولايات المتحدة واستراليا وكندا واسبانيا  و قد شارك في تأسيس الصحافة بوليتي في عام 1984 ، الذي أصبح ناشر الرائدة في مجال العلوم الاجتماعية والانسانية. وقام بنشر العديد من الكتب منها:(السياسة الثقافية في عصر العولمة  : 2007 ) ، (الثقافة السياسية في عصر العولمة: 2007 ) ،  (الديمقراطية والنظام العالمي : من الدولة الحديثة إلى الحكم كوزموبوليتان 1995)،  (النظرية والسياسية في الدولة الحديثة 1989) و غيرهم.

كتاب الدول والمجتمعات حرره دافيد هيلد في 1984 و تم نشره في مطابع Robertson Oxford in association with The Open University .و يقوم الكتاب بدراسة الدولة و المجتمعات و العلاقة بينهم  فالدولة عنصرا مركزيا في عمل علماء السياسة والفلاسفة.  وهذا كان محور الكثير من المناقشات في علم الاجتماع والاقتصاد. ويقدم الكتاب مجموعة شاملة من الكتابات الكبرى في هذا المجال تفيد دارسين علم السياسة وعلم الاجتماع.  فيعرض الكتاب تطور الدولة الحديثة منذ القرن السادس عشر،فيقوم بدراسة التطور التاريخي للدولة و النظريات الحديثة لتطورها ، ويستخدم اقترابات مختلفة منها الاقتراب التاريخي و الفلسفي و الاقتصادي. يتناول هذا الفصل في الكتاب نظريات تطور الدولة و التركيز على قوة الدولة بين الحكام و المحكومين من خلال الاجابة على تساؤلات مختلفة مثل: ما هي الدولة ؟ ما هي العلاقة بين الدولة والمجتمع؟ و ما هو افضل شكل لهذه العلاقة؟ ما هي حدود دور الدولة؟

وللإجابة علي هذه التساؤلات تم تقسيم الدراسة إلي أربعة  فروع رئيسية : اولا، الاتجاه الليبرالي : هذا الاتجاه يتمحور حول العلاقة بين السيادة والمواطنة. و الاتجاة الثاني هو الديمقراطية الليبرالية: و التي تركز المحاسبة السياسية. والاتجاه الثالث هو الاتجاه الماركسي و الذي قدم نقض لليبرالية و الليبرالية الديمقراطية و قام بالتركيز على الصراع الطبقي وعلاقته بدور الدولة، و اخيرا الاتجاه الرابع قام بالتركيز على علم الاجتماع السياسي. هذه الاتجاهات قامت بدراسة الدولة من جوانب مختلفة ، وكان لكل منها اسهامه الخاص ووجهة النظر المنفردة في العناصر المؤثرة في دور الدولة. وسيتم عرض هذه الاتجاهات المختلفة من خلال تقديم اسهامات بعض العلماء في كل اتجاه.

  1. الاتجاه الأول: السيادة ،المواطنة ، و التطور الليبرالي:
  • توماس هوبز

توماس هوبز كان من أول من حاولوا فهم طبيعة السلطة العامة ، و اعتبرها مؤسسة ذات طابع  خاص. وعلى حد تعبيره ، وصف الدولة بأنها “انسان اصطناعي”.  و انصب اهتمامه الاساسي بتنظيم الدولة، و قام بطرح سوالين اساسيين ، اولها: ما هي ضرورة الدولة ؟ و ما هي اشكال هذه الدولة؟ وسعى هوبز – مستخدما نظريات تحليل الطبيعة البشرية، والسلطة السيادية، و الالتزام السياسي – لإثبات أنه يجب الربط بين  الطبيعة المطلقة للدولة  وشرعيتها على حد سواء.

و نظرية هوبز كانت تجمع بين شق ليبرالي و اخر غير ليبرالي. ففي الشق الليبرالي كان يعمد الى تفسير العلاقة بين الدولة و المجتمع من خلال الإشارة إلى ان الأفراد  “أحرارا ومتساوين”. و انصب جزء من اهتمامه على الطبيعة البشرية – و التي تتصف بالانانية و النفعية – في كثير من المواقف. بالاضافة إلى ذلك، شدد على أهمية الموافقة و القبول المجتمعي في صنع القرارات، ليس فقط لضمان تنظيم شؤون الافراد  وتحقيق قدر من الاستقلال وحرية الاختيار في المجتمع بل ايضا لتبرير فرض مثل هذه اللوائح و التنظيمات. و الشق غير الليبرالي يتمثل في خلاصة استنتاجاته السياسية الى ضرورة قيام دولة قوية لفرض القوانين، وتأمين ظروف الحياة الاجتماعية والسياسية. و تبقى حججه مثيرة للاهتمام بسبب الدمج بين التركيز على الاهتمام بالافراد و حقوقهم من جهة والقوة اللازمة للدولة لضمان التعايش السلمي من جهة اخرى.

و في كتابه ” التنين” ” leviathan “، قام هوبز بتقديم حججه بطريقة منتظمة للغاية للوصول الى استنتاجات مبنية على اسس علمية ، وخلص إلى أن فكرة  التعايش السلمي و الاحترام و الثقة المتبادلة بين الافراد تبدو صعبة التحقيق في الواقع. ومع ذلك، هذا لا يؤدي إلى صراع لا نهاية له على السلطة . و للبرهنه على حججه قام بعرض ‘تجربة فكرية” استخدم فيها  أربعة مفاهيم: “حالة الطبيعة””state of nature”  ، “الحقوق الطبيعة” “”rights of nature ،”القوانين الطبيعة” laws of nature”” و”العقد الاجتماعي””social contract”. وتساءل عن الشروط التي بموجبها يمكن للأفراد التعايش تحت مظلة واحدة.فاطروحته باختصارتقول بان، إذا ما كان للأفراد القدرة على نقل حقوقهم الطبيعية إلى سلطة قوية والتي يمكن من خلالها  الحفاظ على وعودهم وعهودهم – و المقصود بها النظام الاجتماعي والتعايش سويا- فهذه السلطة ذات الفاعلية والمشروعية-  على النطاق العام و الخاص- يمكنها تشكيل المجتمع والدولة.

فالعقد الاجتماعي يتمثل في تسليم الأفراد حقوقهم في الحكم الذاتي لسلطة واحدة شريطة أن يفعل كل فرد نفس الشيء. وينتج عن ذلك علاقة ذات طابع سيادي بهذه السلطة. و تبني عليها قوة سياسية فريدة: و هي ممارسة السلطة السيادية من قبل الاشخاص او المجالس المخول لها هذه السلطات. و عليه فالاشخاص او المؤسسات الممارسة لهذه السلطة السيادية لابد من امتلاكها للقوة لتجعل هذه السلطة نافذة و ذات فاعلية. ومع ذلك، استنتاجات هوبزتنتطوي على ضرورة توافر سيادة شعبية أو حكومة ديمقراطية تمثيلية.

حجج هوبز تشير الى اهمية التوافق المجتمعي الممنوح للسلطات من خلال العقد الاجتماعي. و تطروحاته المقدمة في كتاب ” التنين” تعد مواكبة للتطورات الحديثة في  المجتمع. فبعض الدول – في الوقت المعاصر- يتم ادارتها من قبل اشخاص  غير محدودي السلطات و في بعض الاحيان تتم بدعم من القوات المسلحة. كما ان رؤيته للطبيعة البشرية على انها فردية ونفعية تعد ايضا رؤية مواكبة للوقت الحالي، و يتم استخدام هذه النظرة  في المذاهب الاقتصادية والسياسية للكثير من الكتاب اليوم.

  • جون لوك :

اما بالنسبة لجون لوك فقام بتقديم اطروحة مضادة لهوبز ، فقال بانه اذا كان من الصعب على الافراد التعايش سويا والثقة ببعضهم بعض، فكيف لهم ان يضعوا ثقتهم في الحكام بل و يعطوهم صلاحيات لادارة شئونهم ؟ فمن هذا المنطلق رفض فكرة هوبز عن الدولة – “او وصفها كالتنين” ، وايد فرض الحدود الدستورية على سلطات الحكام.

فبالنسبة للوك ينبغي تصور الدولة كأداة للدفاع عن حرية وحياة واستقرار اوضاع مواطنيها، فالسبب الاساسي  لوجودها هو حماية حقوق الأفراد على النحو المنصوص عليه من قبل إرادة الاله وعلى النحو المنصوص عليه في القانون. و قدم المجتمع على أنه مجموع الأفراد، ووجوده سابق على وجود الدولة، و عليه فكان قيام الدولة لتوجيه المجتمع وتنظيمه. و اكد ايضا على أهمية الاتفاق المجتمعي على الحكومة و ادائها، و قدرة المجتمع على اسقاط إذا كانت الحكومة- ونوابها – اذا فشلت في الحفاظ على مصلحة المحكومين.

في رأي لوك، وتشكيل الدولة ليست مؤشرا على نقل جميع الحقوق اليها. فيتم نقل حق وضع القوانين وإنفاذها، ولكن العملية كلها مشروطة بتمسك الدولة بهدفها الأساسي الا و هو الحفاظ على الحياة والحرية والاستقرار. اما بالنسبة للسلطة السيادية فتظل في نهاية المطاف مع الشعب، الهيئة التشريعية تكون بمثابة وكيلا للشعب و تقوم بسن القواعد و القوانين وعلى السلطة التنفيذية فرض النظام القانوني و ضمان نفاذه.وبالتالي، فإن الدولة المطلقة والاستخدام التعسفي للسلطة تتعارض مع وحدة وسلامة المجتمع. فيؤكد لوك على ضرورة وجود قوة دستورية لضمان فاعلية السلطة التنفيذية واهمية وجود برلمان لضمان فاعلية السلطة التشريعة. ويتم الحفاظ على شرعيه الحكومة و نظامها من خلال “موافقة” الأفراد عليها ، لان هذه الموافقه يتولد عنها شرعية النظام ،كما انه يتوجب على الحكومة  اتباع ” قانون الطبيعة ” و المرتبط اساسا بدورها كضامن  الحياة والحرية و الاستقرار. و لكي يتسنى لها القيام بهذا الدور يجب على الافراد الانصياع للقانون، إلا إذا انتهكت الدولة  “قانون الطبيعة “من خلال سلسلة من الإجراءات السياسية المستبدة، وينبغي في مثل هذا الوضع ان يحدث تمرد  من المجتمع ويقوم بتشكيل حكومة جديدة.

فالدولة تكون بمثابة المنظم والحامي للمجتمع والأفراد قادرون خلال مجهودهم الخاص على تلبية احتياجاتهم وتطوير قدراتهم في عملية التبادل الحر مع الآخرين. و يقول لوك بان النشاط السياسي  هو اداه لضمان الإطارالعام  للحرية ، و التي يمكن من خلالها أن تتحقق الغايات الخاصة للأفراد في المجتمع المدني. مقارنة بهوبز،  كان هذا الرأي اكثر دلاله  وراديكالية نظرا لرؤيته للدولة على انها الضامن لحماية حقوق وحريات المواطنين الذين هم في نهاية المطاف أفضل من يحكم على مصالحهم الخاصة، وتبعا لذلك يجب أن يكون هناك تقييد واقتصار لدور الدولة في نطاق ممارسات محددة  من أجل ضمان أقصى قدر ممكن من الحرية لكل مواطن.

  1. الاتجاه الثاني: السلطة ،المساءلة ، و الليبرالية الديمقراطية:

هذا الاتجاه يقدم تصورا مختلفا عن وجهات نظر هوبز ولوك عن الدولة. فكانت نظرتهم ان الدولة بمثابة  المنظم والحامي، كما أنهم لا يعتقدون في قدرة الجماهير ادارة الحياة السياسية، وبالتالي فإنها في حاجة إلى مجلس الأمناء. ومع ذلك، لم يكن يؤمن لوك بالثقة المطلقة في مثل هذه المجالس ، وبالتالي لابد من وجود قيود قانونية على السلطة السياسية.

مؤيدي الديمقراطية الليبرالية- و بالاخص بنتام و ميل – ايدوا هذا الطرح من خلال تأكيدهم على ارتباط الديمقراطية الليبرالية بمبدأ المسأله، و ضمان قدرة المحكومين على محاسبة الحكام في المؤسسة السياسية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تأمين وسائل مرضية لاختيارالقائمين على اتخاذ القرارات السياسية بما يتناسب مع المصالح العامة. فطرحت فكرة “القضية حماية الديمقراطية” “protective case for democracy” و مفادها أن المطلوب هو حكومة ديمقراطية لحماية المواطنين من الاستخدام الاستبدادي للسلطة السياسية سواء من قبل الملوك، الأرستقراطين أو اي مجموعات أخرى، وتتحقق هذه الحكومة من خلال التنافس بين الزعماء السياسيين المحتملين.

ظهر هذا الاتجاه ذروة نشاط المدرسة السلوكية التي تأثتر بشدة بمنهجية العلوم الطبيعية وتأثير الداروينية على العلم . فقدموا نقد للمنهجية القديمة، والمفاهيم المستخدمة في تفسير الظواهر السياسية ، والعلاقة بين المواطنين والدولة — مثل مفاهيم العقد الاجتماعي، والحقوق الطبيعية والقانون الطبيعي، وكان أطروحتهم المقترحة أن الدافع الأساسي للبشر هو تحقيق رغباتهم، وتعظيم المنافع وتقليل معاناتهم – استنادا إلى نظرية الاختيار العقلاني-  وتجنب الصراع بين مختلف احتياجات ورغبات الأفراد، وعليه ينبغي أن يكون هناك نظام انتخابي دوري لتقرير ما إذا كانت اهدافهم قد تم تحقيقها.

لذا، فإن الدور الاساسي للحكومة هو تعظيم المنفعة ، والتي تتم من خلال حسابات دقيقة لتحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس – او بمعنى أخر، تحقيق الصالح العام. هناك أربعة أهداف فرعية أخرى، توفير الموارد الكافية للعيش ، وفرة الإنتاج ، تحقيق المساواة، اهمهم هو الحفاظ على الأمن، نظرا لاهميته في توليد الثروة والازدهار التجاري. وتحقيق هذه الاهداف يستوجب الاتي: تدخل الدولة في نطاق محدود للغاية، سن و تفعيل القوانين المدعومه من قبل القوى القسرية للدولة، وإنشاء مؤسسات جديدة بالدولة للعمل على تحقيق مبدأ المنفعة. وبناء عليه تم تأسيس نموذج الديمقراطية في المجتمعات الصناعية الحديثة بمراعاه التطور في هذه المجتمعات و محاولة ايجاد حكومات تتعامل مع رغبات الافراد التي لا تنتهي من جانب وتحاول تعظيم مبدأ المنفعة و تعظيم المكاسب. و في هذا النطاق تعد الديمقراطية وسيلة لتحقيق  تعزيز هذه الغايات وليست غاية في حد ذاتها.

 

  • ميل :

كان ميل من دعاة الديمقراطية و انصب تركيزه على الاهتمام بحرية الفرد في شتى المجالات. وحظت الديمقراطية الليبرالية  او الحكومات التمثيلية بجزء كبير من اهتمامه ليس فقط لأنها أنشئت حدود لتحقيق رضا الفرد، ولكن أيضا لكونها جانبا هاما من جوانب تطور الافراد:فالمشاركة في الحياة السياسية أمر حيوي للاهتمام بالحكومة و انشاء علاقة للفرد بهذه الحكومة،  وبالتالي تصبح أساس لايجاد مجتمع واعي و مشارك . وأعرب عن اعتقاده بأن الحرية والديمقراطية ادوات  للتميز البشري، وأن الحكومات التمثيلية أمر ضروري لحماية وتعزيز الحرية والعقل على حد سواء، و بدون هناك الحكومات تزيد احتماليه سن قوانين تعسفية و ينتج عنها استبداد الحكام. و على الصعيد الاقتصادي كان ميل يؤمن بتعظيم الحرية الاقتصادية

وخلص في النهاية الى أن نظام الديمقراطية التمثيلية يجعل الحكومة مسئولة أمام المواطنين ويخلق المواطنين أكثر حكمة، و لديهم قدرة على تحقيق المصلحة العامة، بما يؤدي إلى تحقيق المجتمع التعددي الذي هو غاية في حد ذاتها ومطلب ضروري للنظام الديمقراطية.

  • روسو:

على الرغم من وجود بعض الاختلافات في اراء الكتاب التي ناقشناها حتى الآن، إلا أنها تمثل المدرسة الليبرالية الديمقراطية ، والتي تختلف عن ” الديمقراطية المباشرة” أو “ديمقراطية المشاركة” والتي ستعرض من خلال حجج روسو. فروسو، فضلا عن هوبز ولوك، يعتقد في دور العقد الاجتماعي في تنظيم الحياة الاجتماعية للأفراد في مجتمع معين. ومع ذلك، كان لديه وجهة نظر مختلفة تفيد بأن السيادة لا تنبع من الشعب فقط ، بل يجب أن تبقى هناك.  فيطرح فكرة الحكم الذاتي كغاية في حد ذاتها. فالنظام السياسي الذي  يتيح فرصا للمشاركة ، فادارة الشؤون العامة لا ينبغي أن تقتصر على الدولة، يترتب عليه تكوين مجتمع مشارك تتكامل فيه شؤون الدولة مع شؤون المواطنين العاديين، و نادى ايضا بزيادة دور الأفراد . فممارسة السلطة من قبل المواطنين هو السبيل الشرعي الوحيد الذي يمكن أن يضمن استمرار الحرية.

و يفضل روسو  النظم السياسية التي تتسم بترسيم واضح بين مهام السلطات التشريعية والتنفيذية. السلطة التشريعية تعد ملكا للشعب، والذين يشكلون الجمعية التشريعية وسلطة الدولة والحكومة والتي تلزمهم فيما بعد بتنفيذ القانون. فإرادة الشعب تتطلب الحكومة من أجل تنسيق الاجتماعات العامة، وعمل مشاريع القوانين وفرض النظام القانوني. في حين أن الحكومة هي نتيجة لاتفاق بين المواطنين ،  وتستمدر شرعيتها  من مدى وفائها لرغبات عامة، و في حال عدم قدرتها على تلبيه هذه الرغبات يكون للشعب حق اسقاطها. و اخيرا انصب اهتمامه على مستقبل الديمقراطية في المجتمعات غير الصناعية- تلك القائمة على الزراعة.

باختصار، منافسة الأفراد مع بعضها البعض، وحرية الاختيار، استخدام الساحة السياسية للحفاظ على المصالح الفردية، وحماية الدولة لل “الحياة والحرية والاستقرار” ، الديمقراطية باعتبارها آلية مؤسسية للتعبير عن العامة أو المصلحة العامة،كل هذه تعد المقومات الأساسية للديمقراطية الليبرالية.

 

  1. الاتجاه الثالث: الطبقة، الإكراه ، نقد الماركسية:

ماركس وانجلز لم ينكرا قدرات الافراد. ومع ذلك، هاجموا الفكرة القائلة بأن نقطة الانطلاق في تحليل للدولة هي للأفراد وعلاقتهم بالدولة. فلتقديم تحليل  للافراد ، أو للتفاعلات الاجتماعية، أو تطور المؤسسات يجب تفسيرها من خلال سياق تطورها تاريخيا و علاقتها بالظواهر الاجتماعية الأخرى. ولفهم العلاقات بين الناس يجب النظر الى البنية الطبقية. ومن خلال دراستهم لم يتم العثور على الانقسامات الطبقية في جميع أشكال المجتمعات، و عليه فالطبقات هي من صنع التاريخ وفي المستقبل سوف تختفي.

فرؤيتهم عن العلاقة بين الطبقات انها تتسم بالاستغلالية وتعبر بالضرورة عن الانقسامات في المصالح بين الطبقات الحاكمة والمحكومة. و  بطبيعه الحال هذه الانقسامات الطبقية المتناقضة كثيرا ما تؤدي إلى زيادة الصراع الطبقي. وتستند هذه الانقسامات الطبقية في هذه المجتمعات على علاقة استغلال من قبل ذوي رؤوس الأموال الى العاملين. وكلما زادت الرأسمالية، فإن الغالبية العظمى من السكان تكون من العاملين الذين يقوموا بتقديم عملهم  لتأمين لقمة العيش. وهذا النوع من العلاقات اصبح ضرورة للبنية الاجتماعية والسياسية في العصر الحديث.

و تم نقض مفهوم الدولة التي تدافع عن “العامة” أو “المجتمع”، و زعموا  بوجودها في مجتمع غير طبقي، ولكن مع تطور المجتمعات،و وجود تعارض بين مصالح القطاعين العام والخاص يختفي هذا الدور للدولة و تصبح مدافعا عن مصالح اصحاب روؤس الاموال فقط. على هذا الأساس، وفقا لرؤيتهم، فالدولة ليست بنية مستقلة أو مجموعة من المؤسسات فوق المجتمع. على العكس من ذلك هو أنها متأصلة في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية ومرتبطة بمصالح خاصة.

اقترح ماركس نوعين من العلاقة بين الطبقات والدولة:

  1. الدولة عموما- والمؤسسات البيروقراطية على وجه الخصوص- قد تأخذ أشكالا مختلفة، وتشكل مصدر قوة، وليس من الضروري أن ترتبط مباشرة بمصالح أو أن تكون تحت سيطرة الطبقة المهيمنة. فيمكن للدولة أن تحتفظ بقدر من الاستقلالية و الهيمنة على هذه الطبقة. هذا المقترح يعطي للدولة قوة نسبية  مع وجود درجة من السلطة يضمن استقلالها عن القوى الطبقية.

 

  1. الدولة وبيروقراطيتها تعد أدوات من أجل التنسيق بين الطبقات المختلفة في المجتمع ، و لكنها في النهاية تكون في صالح الطبقة الحاكمة. هذا المقترح يؤيد الرأي القائل بأن الدولة هي مجرد “البنية الفوقية” التي تخدم مصلحة الطبقة المهيمنة.

بناء على هذه الاقتراحات، من الممكن أن نفكر في الدولة باعتبارها ساحة للصراع التي يمكن أن تتحول الى قوة رئيسية للتغيير الاجتماعي. فمؤيدين الديمقراطية الاشتراكية تستند حججهم الى المقترح  الأول؛ فعلماء مثل بيرنشتاين قام بتوضيح هذه الفكرة قائلا إن من خلال صناديق الاقتراع يمكن التحجيم من سلطة الدولة واستخدامها ضد الأكثر حظوة، في حين أنه يمكن تغييرالمؤسسات تدريجيا ضد مصالح رأس المال. و على الصعيد الاخر، الاشتراكية الثورية تستند الى المقترح الثاني، مع علماء مثل لينين، بناء على تحليل ماركس، اقر بان القضاء على علاقات الإنتاج الرأسمالية يجب ان يكون مصحوبا بتدمير جهاز الدولة: فالدولة باعتبارها أداة لابقاء الطبقية، لابد من تدميرها و احلالها  بديمقراطية مباشرة كما شرحها روسو.

صور لينين الدولة بأنها “آلة قمع”  تستخدمها طبقة ضد طبقة اخرى، فتمثل الدولة الحديثة “أداة لاستغلال” لليد العاملة- ذات الأجور- من قبل رأس المال وبالتالي، فإن السمة المميزة للدولة هي اعتمادها على القوة والتي تمارس من خلال هيئات متخصصة مثل الجيش والشرطة والسجون، وهناك تبلور دائم لهذه القوة الطبقية داخل أجهزة إدارة الدولة، فما دامت الدولة موجودة، ليس هناك حرية. و حينما توجد حرية فلن يكون هناك دولة، ولكن سيكون هناك ضرورة لسيطرة مركزية قوية بعد الثورة – في حالة حدوث ثورات للقضاء على الطبقية-  ولكن شرط مسبق لنجاح الثورة هو تدمير آليات الدولة القديمة.

قدم ميليباند Milliband مساهمة مختلفة، مفادها انه لتحقيق الفاعلية الدولة  السياسية يجب ان تكون قادرة على فصل نفسها عن الخلافات و المصالح الطبقية؛ و أضاف أنه في ظل ظروف استثنائية يمكن للدولة تحقيق الاستقلاليتها من خلال هذه المصالح الطبقية. بينما رفض بولانتز Poulantzas هذا الرأي  و حاول تفسيرالعلاقة بين الطبقات، والبيروقراطية والدولة من خلال العلاقات الشخصية. فاشار الى امكانية حفاظ الدولة على هذه الوظيفة إذا كانت هي مستقلة نسبيا مصالح الطبقات، وشدد على أن الدولة في حد ذاتها ليست كيان متجانسة، بل هي ساحة للصراع والانقسام. وقد أدت إعادة النظر في الاعتبار الماركسي الكلاسيكي للدولة إلى إعادة تقييم بعض الماركسيين للتقاليد الديمقراطية الليبرالية، مع التأكيه على أهمية الحريات الفردية وحقوق الإنسان، وقد تم التأكيدعلى أهمية حقوق المواطنة كحد لزيادة سلطة الدولة.

  1. الاتجاه الرابع: البيروقراطية، البرلمانات، والدولة القومية:

أكد ويبر على أوجه التشابه بين المنظمات الخاصة والعامة، فضلا عن ديناميتها المستقلة، ورفض الحجة الماركسية القائلة بتحطيم مؤسسات الدولة الحديثة في عملية التحول الثوري. واستبعد جدوى الديمقراطية المباشرة. فينادي فيبربضرورة عدم  الخلط بين المشاكل المتعلقة بطبيعة ادارة الدولة في حد ذاتها مع المشاكل المتعلقة بالسيطرة على جهاز الدولة الاداري.

فقام بوضع واحدا من أهم تعريفات الدولة الحديثة، مع التركيز على عنصرين مميزة في تاريخها: الإقليم والعنف. فالدولة الحديثة-على عكس سابقاتها المضطربة من قبل الفصائل المتحاربة باستمرار- لديها القدرة على احتكار الاستخدام المشروع للعنف داخل إقليم معين، بل هي دولة قومية – قد تجمعها علاقات مضطربة مع دول أخرى- ولكن ليس مع الشرائح المسلحة من سكانها.ومع ذلك، هناك عنصرثالث رئيسي في تعريفه للدولة و هو الشرعية. فتقوم الدولة على احتكار الإكراه بدافع الايمان بشرعيه و / أو قانونية هذا الاحتكار. فيقول فيبران الناس لم تعد تمتثل للسلطة التي تطالب بها القوى المبنية على العادات ، التقاليد ، أو الكاريزما ،وبدلا من ذلك، هناك طاعة العامة بموجب “الشرعية”.

و في راي فيبر ان الدولة الحديثة ليست نتاج للرأسمالية، بل سبقت وساعدت في تعزيز التطور الرأسمالي. كما انه قان بتطبيق مفهوم البيروقراطية على نطاق واسع في (الخدمات المدنية، والأحزاب السياسية، والمؤسسات الصناعية والجامعات وما إلى ذلك )، واعتقد ان والإدارات العامة والخاصة  أصبحت تتسم بالبيروقراطية اكثر مما مضي، مما ادى الى طرح اسئلة اساسية تتعلق بكيفية  مراجعة ‘السلطة البيروقراطية” ؟ حيث ان غياب الضوابط والتنظيم العام سيخضع البيروقراطية  لتحقيق المصالح الخاصة للأقوياء الذين لن ينصب اهتمامهم على تحقيق مصالح الدولة القومية  ؛ علاوة على ذلك، في أوقات الطوارئ الوطنية، لن تكون هناك قيادة فعالة. و لضمان عدم اساءة استخدام البيروقراطية يجب انشاء برلمان يخلق أرضية تنافسية للتدريب على القيادة و التي ستوازن قوى البيروقراطية سواء الحكومية اوالخاصة.

روبرت دال استخدم افكار فيبر لدحض البديهيات الماركسية حول الطبقية  كمحدد اساسي للدولة و سياستهامن خلال إعادة صياغة للعلاقات بين الدولة ،المنظمات البيروقراطية ،و الطبقات.  وتحول اهتمام علم الاجتماع السياسي والعلوم السياسية لتلك المؤسسات المصممة لضمان استجابة القادة السياسيين للمواطنين ، و استيعابها للمنافسة الانتخابية،  وأنشطة الجماعات الاجتماعية و جماعات المصالح في اطار علاقتهم بالحكومة. اما سكوتشبول Skocpol  فرفضت نهج ” محورية المجتمع  ” في تفسير العلاقة بين الحكومة و الدولة، ذلك لأنق يرى الدولة باعتبارها مجرد ساحة للتمايز، أو مجرد كيان وظيفي لتلبية ضرورات أو احتياجات المجتمع المدني ، أو الاقتصاد الرأسمالي. هناك  حدود ضمنية في جميع النظريات التي تتبنى هذه النهج – سواء التعددية أو الماركسية –  هذه الحدود تحد من القدرة على النظر للدولة “ككيان مميزة له التاريخ الخاصة به”.

 

خاتمة

مفهوم الدولة مفهوم محوري في العلوم السياسية، و عليه فكانت هناك تناولات مختلفة للمفهوم باختلاف توجهات و ايدولوجيات المفكرين. فبداية من كتابات توماس هوبز و الذي قدم رؤية متوسطة بين الدور المطلق للدولة و الدور الليبرالي. بينما كتابات جون لوك قامت باتقديم رؤية مختلفة عن تلك التي تبناها هوبز، فبدلا من النظر للدولة على انها شخص( او بدلا من شخصنة الدولة) قام لوك بربط الدولة بالنظرة المؤسسية و اشار الى الفصل بين القوى التنفيذية والتشريعية.

الفيصل الرئيس في هذه النظرة للدولة– و النقطة الاساسية في اهتمام الاتجاهات الليبرالية و النظرية الليبرالية الديمقراطية- يتمثل في تعريف حدود العلاقة بين الدولة – كجهة مستقله ذات صلاحيات و قوانين – و بين الاشخاص كمصدر الاساسي لقوة الدولة ،وحريتهم – فالتساؤل الاساسي يقع في الفصل بين هيمنة  الدولة وعلاقتها  بالمجتمع فالنظرية الليبرالية الحديثة و الليبرالية الديمقراطية حاولت دائما تبرير و معرفة اسس هيمنة الدولة و في نفس الوقت معرفة حدود قوتها. او كما يضعها منظري الليبرالية الديمقراطية في المساواة بين السلطات و الحريات.و المعضلة الاساسية تكمن في تعريف الحدود و تحقيق التوازن بين دور الدولة كمسيطر و محافظ على الامان و على حدود الحياة الاجتماعية بما يكفل للافراد امكانية العيش سويا. وبين تقييد هذه القدرات بما لا يضر بحريات الافراد و يضمن عدم اساءة استخدام هذه السلطات من قبل ممثلي الدولة. و عليه فحاول منظري الليبرالية الديمقراطية هم من حل هذه المعضلة عن طريق الديمقراطية التمثيلية.

و من الجدير بالذكر ان الاختلاف في تحديد دور الدولة بين كتاب الاتجاة الليبرالي و اخرين مثل ماركس وانجليز يكمن في طريقة طريقة تحقيق هذه المساواة. فالاتجاة الليبرالي يرى ان تلك المسارواة تتحقق بالمنافسة في ظل نظام اقتصاد حر و منافسة سياسية مفتوحة للجميع، في حين ان المجتمعات ا لطبقية لا ينظروا للدولة باعتبارها الطريق المؤدي لهذه المساواة بل ان هذا هذه الحرية ستؤدي الى زيادة في عدم المساواة. و يرى ماركس ان الدولة هي امتداد للمجتمع المدني والذي يفرض التوازن الاجتماعي لتحقيق المطالب المجتمعية، و هذا لا يتحقق في النظم الراسمالية نظرا لتحقيق متطلبات الطبقة المتحكمة في رأس المال. و هناك اختلاف- في الفكر الماركسي خصوصا و الاشتراكي عموما-  في تحديد استراتيجيات الدولة و اهدافها و بالتالي كان هناك اطروحات كثيرة عن دور الدولة و الاحزاب و طبيعة الانتقال الى الاشتراكية، و عليه فكان الاهتمام بقوة الدولة و حدودها ياتي في المرتبة الثانية بعد الاهتمام بالتحول الى الاشتراكية  – وعوامل بدء الثورات . على النقيض، يرى ماكس فيبر انه لا يمكن اختزال  تاريخ الدولة و الصراعات السياسية في صورة العلاقة بين الطبقات المختلفة. فدور الدولة ليس مبني بالاساس على البنية الاقتصادية. فمفاد رايه ان البيروقراطية هي الملجأ الاساسي لحل مشكلات المجتمع و تنظيمه ما لم تظهر مؤسسات اخرى لمراقبة قوة الدولة.

 

 

*David Held, ” Introduction: Central Perspectives on the Modern State,” in David Held, James Anderson, Giben, eds., State and Societies, (Oxford in association with The Open University, 1984).

 

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …