الرئيسية / النظم السياسية / السياسة المقارنة / معتقدات النخب ونظرية الديمقراطية النخبوية “مترجم”
معتقدات النخب و نظرية الديمقراطية النخبوية
معتقدات النخب و نظرية الديمقراطية النخبوية

معتقدات النخب ونظرية الديمقراطية النخبوية “مترجم”

 

معتقدات النخب و نظرية الديمقراطية النخبوية

Elite Beliefs and the Theory of Democratic Elitism

Mark Peffley and Robert Rohrschneider

 

 الفصل الرابع من كتاب: دليل أكسفورد للسلوك السياسي

The Oxford Handbook of Political Behavior

Russll Dalton, Hans-Dieter Klingemann

 

مقدم إلى

الأستاذ الدكتور علي الدين هلال

 

مقدم من

عقل محمد أحمد إبراهيم

جامعة القاهرة

كلية الاقتصاد و العلوم السياسية

قسم العلوم السياسية

مسار النظم السياسية

 

2011-2012

Peffley M, and Rohrschneider R. Elite Beliefs and the Theory of Democratic Elitism. In: Dalton R, and Klingemann H D. The Oxford Handbook of Political Behavior. Oxford University Press. 2007. Presented in 18/12/2011.

 

قائمة المحتويات

العنوان رقم الصفحة
التعريف بالمؤلفين 3
هدف الدراسة الرئيسي 3
أسئلة الدراسة 4
الطريقة التي استخدمها الباحث في دراسته 4
الموضوعات التي تناولتها الدراسة 4
المقدمة 4
المصادر طويلة المدى لمعتقدات النخب 5
بحوث التسامح السياسي 7
مواقف النخب في المجالات القيمة الأخرى 11
المصادر الإستراتيجية لمعتقدات النخب 13
أهم النتائج التي توصلت لها الدراسة 14
أهم الأبواب التي فتحتها هذه الدراسة أمام الباحثين 14
تقييم الدراسة 15

 

 

التعريف بالمؤلفين:

هذه الدراسة هي عبارة عن الفصل الرابع من كتاب دليل أكسفورد للسلوك السياسي, و قد قام بتأليف هذا الفصل المؤلفين مارك بيفلي Mark Peffley)) و روبرت روهرشنيدر (Robert Rohrschneider)

  1. مارك بيفلي: حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة مينيسوتا في عام 1984, تخصص في مجالات عدة كالرأي العام, و علم النفس السياسي, و التسامح السياسي. يعمل حاليا مديرا للمبادرة الكمية للبحوث السياسية و الاجتماعية. و قد منح جائزة روبرت لين على أفضل كتاب في علم النفس السياسي من قسم علم النفس السياسي لجمعية العلوم السياسية الأمريكية (مع جون هرويتز) بعنوان العدالة في أمريكا: حقائق منفصلة للسود و البيض في 2011.
  2. روبرت روهرشنيدر: يحمل جنسيتين إحداهما ألمانية و الأخرى أمريكية, حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة فلوريدا في عام 1989. من مجالات اهتماماته الأكاديمية: التمثيل السياسي, الاتحاد الأوروبي, السياسة الألمانية, الثقافة السياسية, الديمقراطية, الحركات البيئية العالمية, الانتخابات, الأحزاب السياسية, النخب السياسية, و منهجية البحث. عمل أستاذا للعلوم السياسية في العديد من الجامعات و لكن منذ يوليو 2008 شغل منصب أستاذ متميز للرأي العام الدولي و البحوث المسحية في قسم العلوم السياسية في جامعة كنساس.

هدف الدراسة الرئيسي:

“هو تقييم مدى صمود أركان الأطروحة النخبوية عند عرض الأدلة من منظور عبر وطني.”

وفي هذه الدراسة قام الباحثان بتقييم ادعاءات النخب من خلال تقييم الأدلة العملية من ثلاثة هيئات بحثية:

  • دراسة مجموعة متزايدة من بحوث النخبة حول التسامح السياسي, في كل من الولايات المتحدة والخارج, و الذي قدم دليل مباشر حول كيفية التزام النخب بقيم الديمقراطية مقارنة مع كتل العامة.
  • استكشاف تحليلات لمعتقدات النخب في المؤسسات الديمقراطية الجديدة سواء على المستوى الوطني أو العالمي, لتحديد ما إذا كانت النخب السياسية تدعم معايير المؤسسات الديمقراطية التي أنشئت حديثا.
  • تقديم تقييم نهائي للنظرية و البحث آخذين بعين الاعتبار الدراسات الأخيرة للنخب التي تسلط الضوء على سؤال الدراسة المركزي.

أسئلة الدراسة:

  • السؤال المركزي:

ماذا تخبرنا الأدلة المتوفرة حول مدى جودة صنع القرار لدى النخب في بداية القرن الحادي و العشرين؟

  • الأسئلة الفرعية: تم طرح بعض الأسئلة الفرعية و هي:
  1. ما هي العوامل التي شكلت معتقدات النخبة؟
  2. هل تمنع النخب بفعالية الاضطهاد, كما تفترض نظريات النخب؟
  3. هل النخب لا تشجع حشد الجماهير المتعصبة ضد الجماعات الهجومية؟
  4. هل النخب السياسية تتصرف مثل الساسة, ينحنون للحسابات السياسية عندما تكون وسيلة للترويج لقمع الجماعات الغير شعبية بغض النظر عن مواقفهم؟
  5. إلى أي مدى يتصرف النخب كأوصياء على الديمقراطية كما تدعي نظرية النخب (ركيزة الوصاية)؟

الطريقة التي استخدمها الباحث في دراسته:

اعتمد الباحثين في عرضهم للحجج و الأدلة على ما يلي:

أجروا مراجعات للدراسات المسحية التي قارنت آراء النخبة و آراء الجمهور عبر السياقات الوطنية الشاملة, وهذه الدراسات ساعدت على التغلب على واحدة من المعيقات الأكثر جدية في البحوث الأولية: و هي التركيز الحصري على الديمقراطيات الناضجة, بشكل عام, و الولايات المتحدة بشكل خاص. لأنه عندما ينتقل المرء إلى ما بعد الولايات المتحدة ركائز الديمقراطية النخبوية تصبح موضع تساؤل على نحو متزايد. ثم قاموا بتحليل النتائج المترتبة على هذه الدراسات لبيان مدى صمود أركان نظرية الديمقراطية النخبوية.

الموضوعات التي تناولتها الدراسة:

  1. المقدمة:

كشفت دراسات الرأي العام السابقة عن عدد من المقارنات المذهلة بين نظم المعتقدات للجمهور و النخب. في سلسلة من الدراسات التاريخية, محلل تلو الآخر وثق حالة التطور السياسي للرأي العام عند مقارنته بالنخب و بخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية: على نحو ملفت للنظر, فلديهم مستويات منخفضة من المعلومات السياسية, و يفتقرون إلى التفكير الأيدلوجي, و لديهم القليل من القيود بين المواقف السياسية المختلفة, و قلق من عدم وجود التزام تجاه مبادئ الديمقراطية الأساسية مثل التسامح السياسي و حقوق الأقليات. كان العزاء الوحيد في هذه الدراسات هو المستوى العالي نسبيا من التطور الديمقراطي و الفضيلة التي اكتشفت بين الناشطين و النخب .لم تكن مواقف النخب السياسة تستند فقط على مخزون من المعلومات و الخبرات, و لكنها كانت منظمة للغاية من قبل الإيديولوجيات و كانت راسخة على الالتزام المستمر بمبادئ الديمقراطية و المؤسسات. هذه النتائج تأتي من مصادر مختلفة, و التي ظهرت لتأكيد المطلب الرئيسي لنظرية الديمقراطية النخبوية: أن النخب السياسية و النشطاء هم “الحاملين لعقيدة الديمقراطية” والحامين للنظام الديمقراطي في كثير من الأحيان من العامة البسطاء و غير الديمقراطيين.

و قال الباحثين أيضا الكثير حول المصادر و المزايا عالية الجودة لمعتقدات النخب في السياسة الديمقراطية. وقيل إن النخب هم أكثر تعقيدا, لأن لديهم كل المزايا إلى جانبهم: إنهم أفضل تعليما, اجتماعيا هم أفضل في الأخذ والعطاء في السياسات الديمقراطية, و يمتلكون قدرا غير متكافئ من الخبرة, و يتم اختيارهم من الطبقات الاجتماعية و الاقتصادية الأقدر. تواصل النخب سهل جدا بسبب اعتمادهم على أيديولوجية مشتركة توفر إرشاد قوي و فعال لجعل معنى للمعلومات المحيرة في العالم السياسي. نقاش النخبة ساعد على هيكلة الجدل السياسي بحيث يمكن للعامة اعتماد حزمة أفكار النخب لمعرفة ما يجري مع ما, حتى لو كانوا لا يعرفون لماذا (كونفيرس 1964). و علاوة على ذلك, إذا كان هناك إجماعا في الرأي بين النخب في دعمهم لقيم الديمقراطية, تلك القيم هي التي يحتمل أن تنتقل إلى العامة بوجه عام, أو على الأقل للنشطاء السياسيين (ماكلوسكي 1964, ماكلوسكي و زيلر 1984).

ادعاءات النخب كانت محور نقاش مطول في أدب السلوك السياسي على مدى السنوات الخمسين الماضية, هذا الفصل لا يقوم بمراجعة كاملة لدراسات النخب, لأن العديد من الكتاب الآخرين قد قاموا بإجراء دراسة شاملة تغطي كافة الجوانب الخاصة بالنخب (بلوندل و ميلر- روميل, هوفمان-لانج) و الجمهور (كوكلينسكي وبيتون, ماتز, جيبسون) التي هي خارج نطاق هذه المراجعة .بدلا من ذلك تم التركيز في هذه الدراسة على الأدلة العملية لأربعة من أكثر الدعائم إثارة للجدل لأطروحة الديمقراطية النخبوية التي حددتها الدراسات (Democratic elitism thesis) و هي:

  • الاتفاق الجماعي بين النخب موجود في دعمها و التزامها بقيم الديمقراطية (دعامة توافق الآراء)
  • مواقف النخب الديمقراطية منظمة للغاية (دعامة القيد)
  • النخب إلى حد ما أكثر ديمقراطية من كتل العامة (دعامة الجمهور- النخبة)
  • النخب هم بمثابة أوصياء موثوق بهم للديمقراطية و حماة للمؤسسات الديمقراطية من العامة المتعصبين (دعامة الوصاية).

2) المصادر طويلة المدى لمعتقدات النخب:

معظم التحليلات بينت أن التنشئة الاجتماعية كانت مصدرا مهما لمعتقدات النخب. الفكرة الأساسية للتنشئة الاجتماعية هي أن نقطة التقاء ما قبل النضوج الاجتماعي, و التعليم السياسي للبالغين, و التجنيد الانتقائي للأفراد ذوي الصفات المرغوبة جميعها تسهم في ظهور الاختلافات للنخب- الجمهور في المعتقدات السياسية (بوتنام 1973, 1976. سيرينج 1971).

في بداية التنشئة الاجتماعية للنخب تتعرض النخب لمجموعة من المصادر التي يتعرض لها جميع أفراد التنظيم السياسي و معظمها من خلال الآباء و الأقران بالإضافة إلى المؤسسات الدينية و وسائل الإعلام و شبكات الصداقة (بوتنام 1976). تعمل هذه القوى على المستويين الوطني و العالمي. مثل النخب الأوروبية قبل الخبرات الوطنية شكلت اختياراتهم على الاندماج. و هذا يشير إلى أن التعليم السابق للنخب يشكل تأثيرا قويا على معتقدات النخب.

إضافة إلى ذلك, النخب السياسية معرضون لقواعد النظام, و بالتالي لديهم المزيد من الفرص لاستيعاب هذه القواعد مقارنة مع المواطنين العاديين (بوتنام 1973, أبيرباتش و بوتنام و روكمان 1981, روهرشنيدر 1999). التجنيد الانتقائي يتطلب أن يتم اختيار الأفراد المطابقين لمواصفات النظام لشغل المناصب القيادية في المقام الأول (سوليفان و آخرون 1993). بحوث النخب بالتالي و بشكل منظم يروا أن الأفراد المتعلمين تعليما عاليا أو مطابقين لمواصفات النظام هم مؤهلين أكثر لمناصب بارزة من الأفراد الذين يفتقرون لهذه الصفات. أخيرا, النخب السياسية هم العناصر الفاعلة. يأخذون بعين الاعتبار العوامل قصيرة المدى مثل أداء النظام, أو المنافع الشخصية التي تنبع من مجموعة معينة من المؤسسات (هوجهي 2001). و بالتالي ليس فقط الأثر طويل المدى للتنشئة الاجتماعية على مواقف النخب التي يجب أن يحتسب, و لكن أيضا المصلحة الشخصية قصيرة المدى التي ينبغي أن تتنبأ بمعتقدات نظامهم السياسي. فقط مزيج من العوامل الاجتماعية و المصلحة الشخصية من المرجح أن توفر فهما أفضل لكيفية تصرف النخب بالطريقة التي يتصرفون بها و عما إذا كانوا من المحتمل أن يقوموا بدور المدافعين عن مذهب الديمقراطية.

نظرا للمجموعة المتنوعة من المصادر التي تسهم في تعليم معتقدات النخب, فإنه من الصعب, بل ربما من المستحيل, تحديد المساهمة الفريدة لكل مرحلة. و مع ذلك, و كما لو أن العديد من الدراسات تثبت أن التنشئة الاجتماعية شكلت مواقف النخب, إلا أن هذه الدراسات تلقي بعضا من الشكوك حول دعامة توافق الآراء و دعامة الوصاية على الديمقراطية النخبوية و بخاصة في الديمقراطيات الحديثة. لأننا لا نستطيع أن نفترض أن النخب السياسية هم حملة معايير عقيدة الديمقراطية في الدول الاستبدادية سابقا حيث أن تعلم الديمقراطية لم يكن يحدث. في الواقع, فكرة أن التعليم هو بمثابة مصدر ليس فقط للتنوير و لكن أيضا للتلقين أدى ببعض المحللين ليفترضوا منذ عدة قرون مضت على أن المرء يجب أن ينظر في الظروف الغير ديمقراطية التي بموجبها جاءت النخبة لتكون متعلمة: إذا كانت النخب متعلمة في سياق السلطة, قد يكونوا في الواقع أكثر عزوفا في تأييد قيم الديمقراطية (كلينجمان 1966). و هكذا, عندما نتحرك خارج نطاق الديمقراطيات الناضجة, حجج التنشئة الاجتماعية تشير إلى احتمالات مقلقة أن نخب ما بعد السلطوية لا تؤيد قيم و معتقدات الديمقراطية للدرجة نفسها مقارنة مع نظرائهم الأمريكيين.

  • بحوث التسامح السياسي:

البحوث المقارنة لمستويات و مصادر التسامح السياسي (الذي يعرف على أنه رغبة أو استعداد للسماح بالتعبير عن الأفكار المعارضة) بخصوص الجمهور و النخب قدمت واحدة من أكثر التقييمات تركيزا على النظرية النخبوية الديمقراطية. ستوفير (1953) و ماكلوسكي (1964) وجدوا من خلال دراساتهم أن مستويات التسامح بين النخب أعلى بشكل مثير مقارنة مع الجمهور, و التي قدمت الكثير من الدعم التجريبي للديمقراطية النخبوية. كشف ستوفير في دراسته حول معالم التسامح السياسي في الولايات المتحدة خلال عهد مكارثي (الخوف الأحمر), (1955) عن وجود فجوة كبيرة بين الجمهور و النخب (يعرفون على أنهم قادة المنظمات المحلية السياسية و المجتمعية) في تسامحهم مع مجموعات الجناح الأيسر (الشيوعيين في المقام الأول). مكلوسكي (1964) وجد أيضا أن النخب السياسية كانوا أكثر التزاما بمعايير و قيم الديمقراطية من جمهور العامة. إن النتائج المستخلصة من هذه الدراسات و غيرها (بروثرو و جريج 1960) وضعت الأساس لنظرية نخبوية الديمقراطية عن طريق الاقتراح بأن الديمقراطيات من المرجح أن تستمر إذا كان النخب يتصرفون “كحماة للديمقراطية” و “حملة لعقيدة الديمقراطية” و يحمون النظام من العامة المتعصبين.

نان,و كروكت, و وليامز (1978) أعادوا تكرار للدراسة المسحية لستوفير (1970) و خلصوا إلى أن الاختلافات ما بين النخب و الجمهور في مستويات التسامح السياسي يمكن أن يعزى إلى التجنيد الانتقائي للنخب من الطبقات الاجتماعية و الاقتصادية العليا. إضافة إلى ذلك, ماكلوسكي و بريل (1983) خلصوا إلى أن النخب في استطلاعات الرأي كانوا أكثر دعما لقيم الديمقراطية لأنهم كانوا في موقع أفضل لمعرفة هذه القواعد المعقدة من المواطنين العاديين. ليس فقط النخب من المرجح أن يتعرضوا لمبادئ التحررية و الدروس العملية لتطبيق هذه المبادئ على الحالات الحقيقية. و لكن النخب من المرجح أنهم يمتلكون الدافع و المعرفة و التنوير و الانفتاح على صيغ بديلة للفكر و السلوك الذي في كثير من الأحيان لا يتواجد بين كتل العامة. إن الحكمة التقليدية مغلفة في النخبوية الديمقراطية بحيث تعكس الأدوار التقليدية للمواطنين المدققين بالنخب في نظرية الديمقراطية الكلاسيكية. كما جادل ماكلوسكي و بريل (1983), نحن يجب :”أن نأخذ الراحة من الحقيقة, كما فعل ستوفير, أن قادة المجتمع الذين هم أكثر تسامحا من عامة الناس و الذين من المحتمل أن يمارسوا نفوذا غير محبذ على السياسة العامة”. هذه الدراسة, باختصار, ساعدت في إنشاء الدعامة الأولى للأطروحة النخبوية- أن النخب في الأساس موحدة خلف قيم الديمقراطية.

في أواخر 1980 و أوائل 1990, نظرية الديمقراطية النخبوية فيما ينطبق على التسامح السياسي جاءت تحت هجوم سياسي من قبل الباحثين في دراسات التسامح الذين أثارت نتائجهم في الولايات المتحدة و خارجها تساؤلات جدية حول حكمة الاعتماد على النخب حتى يكونوا بمثابة أوصياء على الديمقراطية. أحد أكثر الانتقادات اللاذعة للنخبوية الديمقراطية يأتي من سيندرمان و زملائه (1989,1991,1996) ميثاق حقوق الدراسة في كندا. هذا المشروع يتألف من عينة كبيرة من الجمهور وعينة من النخب السياسية من السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية الحكومية. وجد المؤلف أنه حتى في الديمقراطيات الناضجة مثل كندا, الخلافات بين النخب من مختلف الأحزاب السياسية في كثير من الأحيان تؤدي إلى خسف معدل الاختلافات في مستويات التسامح السياسي ما بين الجمهور و النخب. سيندرمان و زملائه وجدوا أن النخب في أكثر من حزب سياسي كندي واحد كانوا أقل تسامحا في المجمل من العامة

إضافة إلى ذلك, سيندرمان و آخرون (1989) مددوا رؤيتهم إلى الولايات المتحدة, حيث أعادوا دراسة نتائج ماكلوسكي و بريل (1983) لإظهار أن, بينما ماكلوسكي و بريل قارنوا فقط متوسط مستويات الاختلافات بين النخب-الجمهور في التسامح السياسي, هدم كلا الفريقين بواسطة الإيديولوجية التي تثبت أن النخب المتحفظة في الولايات المتحدة كانوا أقل تسامحا من المواطنين المتحفظين و كانوا بشكل ملحوظ أقل تسامحا من المواطنين الليبراليين. و هكذا, في كل من كندا و الولايات المتحدة, المقارنات ما بين النخب و الجمهور عموما قد تكون مضللة. و إنما, هي شؤون أي من النخب في السلطة و أي من النخب يصنع السياسة. لنطرح مثال آخر من أوروبا الغربية, عندما ظهرت الأحزاب اليمينية أو الأحزاب المتطرفة المعادية للأجانب, تم قيادتهم من قبل نخب غير ديمقراطية. النقطة العامة هنا هي أنه قد تكون هناك اختلافات كبيرة عبر الأطراف بشأن مدى دعم النخب السياسية لعقيدة الديمقراطية. باختصار, ركيزة التوافق أو الإجماع قد لا تنطبق على جميع النخب.

يمكن للمرء أن يضيف أيضا أي القيم (أو المجموعات) في الجدل حول الحريات هو في تناقض. سيندرمان و آخرون (1998) وجدوا أنه عندما يتم تقديم النخب و المواطنين للتحدث عن آرائهم الأولية عن التسامح, النخب من الممكن أن يبدلوا مواقفهم كالمواطنين. حتى أكثر إثارة للقلق, , النخب (و المواطنين) الذين يبنون في البداية موقفا متسامحا هم أكثر عرضة لتغيير وجهات نظرهم من أولئك الذين يبنون موقفا متعصبا منذ البداية.

سيندرمان و آخرون (1991) خلصوا إلى أن “ليس هناك أدلة قاطعة على أن النخب السياسية, لمجرد كونهم نخب, هم الأوصياء الموثوقين للحريات المدنية. هناك تباين ملحوظ بين النخب من قبل الأطراف, في الواقع إن ما يهم ليس النخب أو المواطنين بل أي النخب تصنع سياسة الحريات المدنية”. بوضوح, التعليم السياسي على مستوى النخب يشمل ليس فقط التعرض للقيم الثقافية الكبرى و لكن أيضا لقواعد جماعات معينة, و التي قد تكون أو لا تكون متسامحة. و باختصار, تفترض النخبوية الديمقراطية أن التناقض الحاسم هو بين الجماهير و النخب, متجاهلا بذلك أي النخب التي تسود. لكن النظام الانتخابي يختار بين مجموعات متنافسة من النخب. و بالتالي ما يهم أي النخب هي التي تقارن بكتل العامة عند تقييم صحة أول (توافق الآراء) و ثالث (اختلافات الجمهور- النخب) ركائز الأطروحة النخبوية.

ركيزة توافق الآراء في النظرية النخبوية واجهت مقاومة كبيرة من دراسات التسامح السياسي خارج الولايات المتحدة و غيرها من الدول الناطقة بالانجليزية (بريطانيا, نيوزيلندا). كما أشار العديد من الباحثين, إذا كانت النظرية النخبوية تدعي أن النخب هم أكثر ميلا إلى تعلم الأعراف السائدة للنظام من الجمهور, فإن النخب من الأنظمة غير الديمقراطية سابقا أو في الديمقراطيات الناشئة حديثا يمكن أن تكون أضعف التزاما بقيم الديمقراطية و ممارساتها (كلينجمان 1966, جيبسون و دوتش 1991). من الواضح, لاختبار هذا الافتراض يحتاج المرء لدراسات استقصائية يتم تطبيقها في الدول التي تتعرض فيها النخب لقواعد أنظمة و ممارسات ديمقراطية مختلفة.

دراسة روهرشنيدر (1996,1999) عن التسامح السياسي بين أعضاء البرلمان في برلين المتحدة بعد وقت قصير من سقوط جدار برلين و الإتحاد, يقدم واحدة من التجارب الأكثر صرامة لهذا الاقتراح. هذه الدراسة حققت فوائد تحليلية حيث أن الفرق الرئيسي بين أعضاء البرلمان الشرقيين و الغربيين هو اختلاف الخبرات التعليمية على المستوى المؤسسي التي تعرضوا لها قبل الإتحاد. و بالتالي, أي اختلاف بين شرقي و غربي نواب البرلمان يعزى إلى التعلم المؤسسي. و نتائج روهرشنيدر تؤكد على أهمية التعلم المؤسسي عندما يتعلق الأمر بتوسيع نطاق الحريات المدنية للجماعات الهجومية. من ناحية أخرى, نواب البرلمان من شرقي و غربي ألمانيا أظهروا مستويات مماثلة من الدعم لقيم الديمقراطية العامة, لأنه يفترض أن المواطنين في الأنظمة الاستبدادية السابقة طوروا أفضلية لقيم الديمقراطية الغربية من خلال مجموعة متنوعة من المصادر (الوصول إلى التلفزيون الغربي, الاتصالات مع الغرب, الخ). من ناحية أخرى, النخب الشرقية من المحتمل أنها من المجموعات الأقل التي تعمل على ربط دعمها لقيم الديمقراطية بتطبيقات معينة من التسامح. و هكذا, على الرغم من وضعهم الاجتماعي و الاقتصادي المرتفع, توفر النخب أساسا هشا للتسامح إذا كانت خبرات المؤسسات التعليمية تشجع التعصب.

الدراسات السابقة تثير تساؤلات جدية حول دعامة توافق الآراء ودعامة النخب- الجمهور, و بخاصة في البلدان الغير غربية و في ظروف من التهديد الكبير و المعارضة للجماعات الهجومية. في ظل ظروف طبيعية تحت مستويات معتدلة من التهديد, وجدت العديد من الدراسات أن النخب السائدة غالبا ما تراوغ في دعمها لقيم الديمقراطية, إلا أنها مازالت أكثر تسامحا من جمهور العامة. باختصار الدعامة الثالثة لأطروحة الديمقراطية النخبوية قد لا تزال معلقة, على الأقل في ظل ظروف معينة. لماذا فقط في حالة الدول الأربع (بريطانيا, إسرائيل, نيوزيلندا, و الولايات المتحدة) يتم دراسة مصادر الفجوة في التسامح بين المواطنين و المشرعين الوطنيين من قبل محققين عملهم السابق هو نقد مختلف جوانب النظرية النخبوية (سوليفان و آخرون 1993). بعد تحليل مستفيض, سوليفان و زملائه وجدوا أن هناك تفسيران للاختلاف ما بين الجمهور و النخب في مستويات التسامح: 1) التجنيد الانتقائي لأعضاء البرلمان, الكنيست, و الكونجرس من بين هؤلاء الناخبين, لأن الديمغرافيا, الايدولوجيا, و الخصائص الشخصية تهيئ لهم أن يكونوا متسامحين. 2) تحول الخبرات الاجتماعية السياسية للراشدين المرتبطة بكونه سيصبح زعيما سياسيا و التي تؤثر على التسامح السياسي علاوة على تأثير المستوى الفردي والخصائص الشخصية, مثل ضرورة وجود تسوية مع المعارضين و مسؤولية وجود حاجة فعلية للحكم.

من المحتمل أن يكون هناك استثناءات كثيرة للظروف التي يندرج تحتها إما التجنيد الاختياري أو التنشئة السياسية هما المسئولان عن توليد مستويات عالية من التسامح السياسي بين النخب من بين الجمهور. أولا, كما ناقشنا بالأعلى, العديد من النخب أقل تسامحا من الجمهور في قضايا الحريات المدنية. ثانيا, سوليفان و آخرون يشيرون بوضوح لتجارب التنشئة الاجتماعية للقادة السياسيين الذين يعملون في النظام الديمقراطي, و ليس نظاما أكثر استبدادا أو حديثا, نشوء الديمقراطية في القواعد الليبرالية التي هي أقل توافقية و أقل استيعابا بين النخب.

إضافة إلى ذلك, التنشئة الاجتماعية للنخب نحو التسامح يمكن أن تؤدي إلى الفكر الثاني المعتدل عندما تدرك النخب أن التهديد من الجماعات المنشقة هو دون عتبة معينة. كما لاحظ آخرون, أن الفجوة بين النخب و الجمهور في التسامح حدثت أساسا لما كانت الفئة المستهدفة غير معتبرة من قبل النخب لتشكل تهديدا خطيرا لنظام الديمقراطية. على النقيض لاختبارات التسامح, عندما تدرك النخب السياسية أن هناك مستوى عال من التهديد من قبل الجماعات المنشقة, فجوة التسامح بين النخب و الجمهور ستتقلص بشكل كبير. في مثل هذه الحالات, لا خصائص النخب الفردية و لا التنشئة السياسية هي كافية لتدفع النخب إلى مستويات أكبر بكثير من التسامح من المواطنين العاديين. و هكذا, عندما يواجهون مع الجماعات المتطرفة و التي يعتقد أنها غاية في التهديد, القادة السياسيين في إسرائيل, ألمانيا, و كندا و النخب المحلية في الولايات المتحدة في 1950 و الذين لم يكونوا بشكل كبير أكثر ميلا للانخراط في الفكر الثاني المعتدل أكثر من المواطنين العاديين.

تحذير نهائي لوحظ من قبل بارنوم و سوليفان (1989) و غيرهم (جيبسون و بينجهام 1985), هو أن معظم الدراسات, باستثناء دراسة ستوفير, حددت النخب بشكل ضيق, بوصفهم أعضاء في الهيئات التشريعية الوطنية. المسئولين على المستوى المحلي (مثل الشرطة, المسؤولين المحليين المنتخبين, و قضاة المحاكم الابتدائية) الذين هم في وضع يمكنهم من تقييد الحرية السياسية ليسوا بالضرورة أكثر تسامحا أو حتى متسامحين كأفراد المجتمع (جيبسون 1988, شامير 1991, ماكلوسكي و بريل 1983, و بارنوم 1982).

بحوث التسامح تساءلت بجدية عن شمولية الدعامة الأولى من دعائم الأطروحة النخبوية (النخب هي موحدة بالتراضي) كما توفر أدلة هامة على أن دعامة القيد و دعامة النخب-الجمهور تبرز أساسا عند توفر شروط معينة (مثل مؤسسات ديمقراطية مستقرة, مستويات منخفضة أو معتدلة من التهديد). عموما, و مع ذلك, إن الدعامة الثالثة للتسامح الكبير للنخب مقارنة مع الجمهور تتلقى ربما دعما أكثر عبر مجموعة من السياقات, و لكن حتى هنا مختلف الاحتمالات و المحاذير تنطبق.

معيق نهائي للنظرية النخبوية في سياق بحوث التسامح هو أنه يفترض أن تترجم مواقف النخب إلى سلوك. الدليل للدعائم الثلاث الأولى هو غالبا يأخذ كركيزة للدعامة الرابعة, و هي ركيزة الوصاية, و التي تؤكد على سلوك النخب السياسية في حماية الديمقراطية من الجمهور المتعصب. معظم أبحاث النخب, لا تقدم دليلا مباشرا على كيفية تصرف النخب لأنها تركز بشكل حصري تقريبا على مواقف النخب (و الجمهور), و إعطاء القليل من الاهتمام للمراسلات بين مواقف النخب و دورهم في عملية صنع السياسة عندما يتقرر إما أن يتم مسامحة الجماعات الغير شعبية أو أن يتم قمعهم.

نجد أجوبة مقلقة في الدراسات القليلة التي تفحص دور النخب في صنع سياسة التسامح. دراسة جيبسون (1988) عن القمع السياسي للشيوعيين في عهد مكارثي في الولايات المتحدة بينت أن مدى التسامح عند الشيوعيين بين الجمهور أو النخب كان أكثر قدرة على شرح عدد من قوانين الدولة التي تم تمريرها لقمع الشيوعيين خلال أواخر 1940 و أوائل 1950. في تحليل جيبسون لبيانات ستوفير حول الآثار المستقلة لمواقف النخب و الجمهور من سياسات الدولة أشارت أكثر إلى النخب من المواطنين العاديين. على الرغم من أن الجمهور قد يرغب بالتواطؤ, خلافا لنظرية النخب, هناك أدلة وافرة على أن النخب لعبت دورا حاسما في عهد مكارثي, ليس باعتبارهم كأوصياء على الديمقراطية, و لكن كقوة للقمع السياسي في الولايات.

دراسة ميشال شامير (1991) عن التسامح السياسي في إسرائيل ألقت مزيدا من الشكوك حول الافتراض القائل أن النخب السياسية هم بمثابة أوصياء موثوقين للديمقراطية. بواسطة الاستقصاء عن النخب و الكتل خلال الوقت الذي كان فيه الكنيست الإسرائيلي يقر حظر الجماعات المتطرفة الذين فازوا بمقاعد في المجلس التشريعي, شامير درست تحديات نظرية النخب على ثلاث حسابات رئيسية. الأولى, على النقيض من نظرية النخب, في دراستها المسحية الوطنية لأعضاء الكنيست الإسرائيلي و المواطنين وجدت أن السابقين متعصبين كما اللاحقين. ثانيا, وجدت أن حوار النخب و رسم السياسات بشأن الأسئلة المهمة لحظر الجماعات السياسية كان قد تأثر بحساباتهم السياسية أكثر من مواقفهم السياسية. شامير وثقت أن الأعضاء الذين صوتوا لحظر الجماعات كان نتيجة لحسابات سياسية و بناء للتحالف. النخب المتنافسة لم تقيد تعصب بعضها البعض تجاه مجموعات معينة و لكنهم عوضا عن ذلك تعاونوا في الحد من مجموعة أوسع من الجماعات. الثالثة, كما هو الحال في عهد مكارثي في الولايات المتحدة, لم تكن النخب حماة للديمقراطية و لكنهم استغلوا الجهود المختلفة لتعبئة التعصب بين العامة, الذي كان إلى حد كبير سلبي الموقف و ليس مصدرا للسياسة القمعية.

مرة أخرى, الدليل على نظرية النخب في كونها ضعيفة هي في المواقف الأكثر تهديدا و اعتراضها على المجموعات الهجومية. من ناحية, يمكن القول أن نتائج هاتين الدراستين هما الأكثر إثارة للقلق لأن دور الوصاية للنخب يكون أكثر حرجا في الحفاظ على الحريات المدنية عند التهديد من الجماعات غير الشعبية. من ناحية أخرى, قد تلعب النخب مع ذلك دورا هاما في الوصاية عندما يكون التهديد دون عتبة معينة و المخاطر السياسية لحماية المجموعات غير الشعبية لا ينظر إليها على أنها باهظة.

  • مواقف النخب في المجالات القيمة الأخرى:

إذا وسعنا نطاق دراستنا لقيم ديمقراطية أخرى إلى جانب التسامح, نجد أن الدعم لركائز الأطروحة النخبوية يعتمد على السياق و بخاصة عندما نتحرك خارج نطاق الديمقراطيات الصناعية المتقدمة. الدراسات القليلة لقيم النخب الديمقراطية تبين أن النخب في أوروبا الغربية تدعم الديمقراطية الليبرالية (بوتنام 1973, أبيرباتش بوتنام و روكمان 1981, روهرشنيدر 1994), في حين أشكال أخرى من الديمقراطية, مثل النماذج الاشتراكية, تتلقى دعما ضئيلا. بشكل عام, النخب الأوروبية الغربية في الواقع من أشد المؤيدين لأشكال الحكم الديمقراطي الليبرالي. بما يتفق مع ركيزة توافق الآراء.

كلما انتقلنا إلى ما بعد الديمقراطيات المستقرة للغرب تصبح الأدلة التي تدعم ركيزة توافق الآراء أضعف بكثير. سلسلة من المقارنات ما بين النخب و الجمهور في روسيا و أوكرانيا لميلر, هيسلي, و ريسنجر, تشير إلى أن النخب الذين انتخبوا بعد انهيار الاشتراكية اعتمد مفهومهم لمصطلح الديمقراطية لدرجة كبيرة على أساس الليبرالية للحريات السياسية, و سيادة القانون, و المشاركة السياسية و إنهم يؤيدون إلى حد ما إصلاحات السوق, بالرغم من تنشئتهم الاشتراكية (ميلر و آخرون 1997و 1995, ريسينجر و آخرون 1996). في الوقت نفسه, كان هناك اختلافات جوهرية في قطاع النخب, نفسه و اعتمادا على ما إذا كانت النخب سياسية أو بيروقراطية, أو ما إذا كانوا يقيمون في المناطق الريفية أو الحضرية. في سياق مماثل, دراسة عن النخب الصينية المحلية بينت أن النخب مقسمة على الحريات المدنية: أعضاء الحزب الشيوعي المحلي هم أقل تأييدا لإجراءات الديمقراطية من النشطاء المؤيدون للتغيير المؤسسي (شن 1999). و هكذا, مثلما جادل سيندرمان و آخرون (1996) في سياق الحريات المدنية في كندا و الولايات المتحدة, إذا كنا وجدنا دعما لركيزة توافق الآراء فإنه يعتمد بشكل حاسم على أي من النخب تم دراستها.

ليس هناك سوى دعم ضعيف لركيزة أطروحة الديمقراطية للنخب- الجماهير. من ناحية, جماهير العامة هم أكثر عرضة من النخب للإشارة إلى المساواة الاجتماعية لحماية الديمقراطيات. هذا يشير إلى أن النخب هم أكثر التزاما بعقيدة الديمقراطية الليبرالية من جمهور العامة. و من ناحية أخرى, “الاختلافات ليست كبيرة” (ميلر, هيسلي, و ريسينجر 1997). و كما وجد روهرشنيدر (1999) في ألمانيا, أن ما بعد النخب السلطوية كانوا أكثر التزاما بمبادئ الديمقراطية من جمهور العامة. في الوقت نفسه, النخب السياسية ليسوا بالضرورة موحدين برضاهم خلف مبادئ الديمقراطية, ليست خلافات الجمهور- النخب جوهرية كما وجدوا في غرب أوروبا. نستنتج بالتالي أن دعامة توافق الآراء ودعامة النخب- الجمهور من أطروحة الديمقراطية النخبوية غير معتمدة بشكل كامل في سياق ما بعد التسلط, و بالتأكيد ليست إلى الدرجة التي تفترضها الأطروحة النخبوية.

فيما يتعلق بدعامة القيد, نجد أدلة مختلفة في الأبحاث حول معتقدات النخبة. في أوروبا الغربية, النخب السياسية و النشطاء السياسيون معرضون لمستويات من القيود أعلى بكثير من جمهور العامة (كونفيرس و بيرس 1986). و بالمثل, تظهر النخب السياسية قدرا كبيرا من التماسك في المواقف عبر مجموعة من المواقف الديمقراطية, مثل الحقوق الديمقراطية الليبرالية, مفاهيم الصراع, و المنافسة التعددية الحزبية (بوتنام 1973). في المقابل, النخب السياسية في الديمقراطيات الحديثة تفتقر إلى هذه البنية. على سبيل المثال, ميلر, هيسلي, و ريسنجر وجدوا أن الترابط بين معتقدات الديمقراطية على مستوى النخب هي نوعا ما منخفضة و أحيانا لا تزيد عن جمهور العامة. و يجادلون أن القيود المنخفضة نتجت من عدم الاتساق في بيئة المعلومات في الديمقراطيات الناشئة التي “تفتقر إلى المؤسسات و الترتيبات التي تعزز القدرة على التنبؤ في الإجراءات, و التحالفات المستقرة للأحزاب, و المسائلة التمثيلية” (ميلر, هيسلي, و ريسينجر 1995). ثمة استنتاج مماثل تقريبا يظهر في دراسة النخب السياسية و المواطنين في بكين (شن 1999). عموما, فإن هذه الآثار المترتبة على هذه التحليلات مثيرة للقلق: عندما نتحرك خارج نطاق الديمقراطيات الناضجة نجد أنه ليس المحتوى لمعتقدات النخب التي لا ترقى للأطروحة النخبوية بل هي بنيتها و تركيبها أيضا.

باختصار, نقاشنا و الأدلة حول معتقدات النخب بجدية يعقد دعائم أطروحة الديمقراطية النخبوية. لا يجوز أن نفترض دون أي دراسة منهجية عملية, أن النخب حتى في الديمقراطيات الناضجة هم متوافقون من حيث الآراء وراء عقيدة الديمقراطية. و لا يمكن أن نفترض أيضا أن النخب في الأنظمة الجديدة هم المدافعون عن العقيدة. الدعامة الثانية تشكل إشكالية أيضا: إن نظام الاعتقاد للنخب في الديمقراطيات الحديثة هو غالبا غير منظم. دعم أقوى لحجة الديمقراطية النخبوية ينبثق من الدعامة الثالثة, الجمهور- النخب: لدرجة أن معتقدات العامة و النخب تم مقارنتها, و الدراسات تكشف بشكل عام أن النخب هم أكثر ديمقراطية من جمهور العامة, و على الرغم من ذلك هذه الاختلافات ليست كبيرة جدا.

  • المصادر الإستراتيجية لمعتقدات النخب:

في حين أن نقاشنا في الأعلى لهذه النقطة قد أكد أن النظام الاجتماعي هو أساس التزام النخب بمبادئ الديمقراطية, البحوث دلت على وجود تباين كبير في الدرجة التي أي من النخب المختلفة في نفس الدولة تدعم قيم الديمقراطية. هذا يبين لنا أن النخب لا تسن ببساطة القيم التي يكتسبوها خلال عملية التنشئة الاجتماعية, و لكنهم أيضا الأطراف الإستراتيجيون الذين يجرون مجموعة من العمليات الحسابية على المدى القصير عندما يقررون فيما إذا كانوا سيدعمون النظام الديمقراطي. نظريا, من المهم أن ندرك أن تقييم النخب المؤسسي لا يعتمد فقط على ميولهم طويلة المدى, و لكن أيضا على منظورهم الشخصي و أهدافهم السياسية. النخب السياسية تنجذب بشكل طبيعي للبنية الإدارية التي تنتج بكفاءة المخرجات السياسية المرغوب بها (بوتنام, ليوناردي, و نانيتي 1993) و التي تتيح لهم الوصول إلى عمليات صنع القرار (هايلي و جنثير 1992).

إن المهم بالنسبة للنخب ذوو الأداء الحكومي الجيد قد تبين من قبل روبرت بوتنام و مساعديه في دراستهم للنخب الإيطالية (1993). تحليلهم العبقري بين أنه عندما يتم استبدال المؤسسات المعطوبة بمؤسسات تقوم بأداء أفضل, نفس السياسيين يصبحون أكثر دعما لهذه المؤسسات. ميادين الأدلة هذه مع المؤلفات الكثيرة على اتجاه الدول التي تشهد مزيدا من النجاح الاقتصادي لتعزيز الاستقرار الديمقراطي على المدى الطويل (ليبست 1959, بيرزاويريسكي 1991), صلة تتطلب مزيدا من الدعم لأداء المؤسسات الديمقراطية بنجاح من قبل النخب السياسية (و العامة). النقطة الهامة هنا, هي أن تفضيل النخب لمؤسسات محددة لا يمكن فصله عن رغبتهم في المؤسسات التي تؤدي عملها على نحو كاف. كما يجادل ميلر, و هيسلي, و ريسينجر “إذا كان يعتقد المواطنون أن النظام الحالي لا يفي بتوقعاتهم عن الديمقراطية المثالية, فإنه سيكون عندئذ أقل دعما للمحاولات الجارية للدمقرطة ” (1997) و بعبارة أخرى, قد ترفض النخب نظام ديمقراطي لأسباب تتعلق بالأداء, و ليس لأنهم يفتقرون للالتزام بقيم الديمقراطية.

و العامل الثاني الذي قد يدخل في الحسابات الإستراتيجية للنخب, و يؤثر لاحقا على مضمون معتقدات النخب حول العمليات الديمقراطية, هو أن النخب السياسية قد وصلت إلى مؤسسات صنع القرار في النظام. بعض الأنظمة المصممة حديثا استبعدت نخب الأقليات, إلى جانب الديانة, الأيديولوجية, أو العرقية و هذا يقلل عادة من استعدادها لقبول البنية الديمقراطية. لهذا السبب, فإن عددا من المحللين أشاروا إلى أنه خلال التغييرات الديمقراطية المسماة  Pact- making (التحالف) إن النخب يجب أن تشمل جميع قطاعات النخب (هايلي و جنثير 1992) من أجل تشجيع معظم النخب لقبول المؤسسات الديمقراطية الجديدة. هذه الاعتبارات التكتيكية أيضا أصبحت واضحة في تحليل هوجينز للبيروقراطيين في المفوضية الأوروبية: الحوافز المادية تشكل اختياراتهم المؤسساتية (هوجهي 2005).

باختصار, هذه الدراسات تشير بقوة إلى أن الحسابات السياسية على المدى القصير تأثر على رغبة النخب بتأييد المؤسسات الديمقراطية. هذا قد يتغلب على بعض أوجه القصور في الديمقراطية الاجتماعية إذا كان أداء الأنظمة الجديدة مفضل. و بعبارة أخرى, قد تصبح النخب المدافعين عن عقيدة الديمقراطية حتى لو كانوا بداية ليسوا ملتزمين بقوة بقيم الديمقراطية. بيد أنه إذا فشلت الديمقراطيات الحديثة بأداء دورها بشكل كاف أو أن النخب ممنوعين من الوصول إلى مؤسسات صنع القرار. فإنهم قد يكونوا غير راغبين في دعم أنظمة الديمقراطية.و بالتالي, حسابات السياسيين قصيرة المدى تقودهم بعيدا عن كونهم الضامنين للديمقراطية, تماما كما أشارت الدراسات حول التسامح السياسي (جيبسون 1988, شامير 1991).

  • الخاتمة و تشتمل على أهم النتائج التي توصلت لها الدراسة:
  1. لا يمكن الافتراض بأن ركيزة توافق الآراء لأطروحة الديمقراطية النخبوية هي صحيحة عالميا. لأنه بينما تدعم النخب معتقدات الديمقراطية, هناك أدلة كافية تشير إلى أن هناك استثناءات كثيرة لهذه القاعدة التي لا ينبغي أن تكون أمرا مفروغا منه.
  2. كقاعدة عامة, معتقدات النخب تميل لأن تكون أكثر تنظيما من معتقدات الجمهور. و مع ذلك, وجد الباحثين أدلة على أن دعامة القيد يجب أن تأهل بشكل جدي في الديمقراطيات الحديثة, لأننا نصادف العديد من الاستثناءات المشكوك بها بأن هذه الركيزة تنطبق على غير ديمقراطيين.
  3. الدعم الأقوى يبرز من ركيزة النخب- الجمهور. إلى درجة أن الاختلافات بين المستويين يظهر بوضوح أن النخب السياسية هي أكثر ديمقراطية من الجمهور العادي. هذا القول نسبي, لأنه في ظل ظروف التهديد و في الكثير من الديمقراطيات الغير غربية الفجوة ما بين الجماهير و النخب في التزامهم بمبادئ الديمقراطية تتقلص إلى حد كبير.
  4. الدراسات القليلة التي قامت بدراسة سلوك النخب في أدائهم لدور الوصاية أثارت تساؤلات خطيرة حول ما إذا كانت النخب التي تم انتخابها هم الأوصياء الموثوقين للديمقراطية في ظل ظروف عالية من التهديد.

و خلص الكاتبين في نهاية الفصل إلى الاستنتاج الرئيسي و هو أن النخب قد تكون أفضل رهان في ضمان الحقوق الديمقراطية و الحريات المدنية, لكنها أبعد ما تكون عن الرهان الآمن.

أهم الأبواب التي فتحتها هذه الدراسة أمام الباحثين:

  • يرى الكاتبان أن دراسات النخب قدمت بعض التقدم في دراسة و بلورة مكونات نظرية النخبة, و لكنهم أوصوا بضرورة إجراء أبحاث تعتمد الأساليب التكنولوجية الحديثة, فيرى الكاتبان أن دراسات المقطع العرضي المسحية هي الشكل السائد لاستطلاع رأي النخب و هي مناسبة تماما لتقييم توافق الآراء لقيم النخب و إجراء مقارنات ثابتة مع عينات من الجمهور. و لكن أشار البعض الآخر بأنها لا يمكنها تقديم تقييم لديناميكية المنطق السياسي أو قياس مدى قوة التزام المشاركين بالمثل العليا المختلفة.
  • يرى الكاتبان أيضا أن هناك ضرورة لوجود دراسات أكثر من أجل تقييم مدى مراوغة النخب في التزامهم بمبادئ الديمقراطية في ظل الظروف السياسية المختلفة.
  • يضيف الكاتبان أن هناك حاجة لدراسات على المدى الطويل لمواقف النخب في البلاد التي تتوافر فيها بيئة سياسية متغيرة من أجل تقييم ديناميكية التعلم السياسي و الاجتماعي للنخب.
  • بين الكاتبان أن هناك نقصا في الدراسات التي تدرس السلوك الفعلي للنخب و بخاصة على المدى القصير, و العوامل الإستراتيجية, و نقاط الضعف التي تؤدي بالنخب للتخلي عن دورهم كخبراء في صنع القرار و مدافعين عن حقوق الديمقراطية.
  • هناك حاجة أيضا لدراسات استقصائية يتم تطبيقها في الدول التي تتعرض فيها النخب لقواعد أنظمة و ممارسات ديمقراطية مختلفة.

تقييم الدراسة:

  1. لقد قام الكاتبان بتحديد هدف عام و قد نجحا في تحقيق هذا الهدف في نهاية الدراسة, حيث كان الهدف الرئيسي يتمثل بمدى صمود أركان الأطروحة النخبوية عند عرض الأدلة من منظور عبر وطني, و قد خلص الباحثان في النهاية إلى أن النخب هي أفضل رهان حالي لضمان الحقوق الديمقراطية و الحريات المدنية و لكنه ليس بالرهان الآمن.
  2. لقد تميزت الدراسة في إضفاء مزيد من الموضوعية العلمية على الدراسات المتعلقة بالنخب. إضافة إلى أنها فتحت المجال أمام دراسات مستقبلية.
  3. لم يكتف الكاتبان بتناول الدراسات التي أيدت أركان نظرية النخب الديمقراطية و إنما تناولوا أيضا الدراسات التي شككت في أركان النظرية.

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …