مُرَكَّب دور المسلم
مُرَكَّب دور المسلم

مُرَكَّب دور المسلم

مُرَكَّب دور المسلم

كتب/ تامر نادي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فـ”الدور” هو مفهوم يُستخدم في علم الاجتماع، يُقصد به المهام والوظائف والمسؤوليات التي يقوم بها شخص ما في إطار تواجده في جماعةٍ، مثل الأسرة، العمل، أو المجتمع؛ فكل فرد في الأسرة له دور يجب أن يقوم به؛ فللأب دور، وللأم دور، وكذلك الطبيب والمعلِّم والمهندس، وهو يشمل المهام الوظيفية والمهام الاجتماعية والإنسانية التي تحدد شكل العلاقة بينه وبيْن باقي أعضاء الدائرة التي يتعامل فيها: البيت، الشارع، العمل، الوطن، الأُمَّة.

أما “مُرَكَّب الدور” فيعني: أن الفرد الواحد -في الأسرة أو المدرسة أو المستشفى- يقوم بعددٍ مِن الأدوار التي تتكامل في أداء مَهَامِّه، وقد تتعارض في كيفية أدائها، فمثلًا الأب الذي يفرض عليه دوره أن يعمل لينفق على الأسرة ما يجعله لفتراتٍ طويلةٍ خارج المنزل، وعليه أن يتواجد داخل البيت لتربية أبنائه ويُعَلِّمهم الأخلاق وينشئهم على الفضيلة، وعندما تتعارض المهمة الأولى مع الثانية، فإننا نقول: إنه قد فشل في تأدية كامل دوره كأبٍ للأسرة؛ فقد وَفَّر لهم المال دون التربية. قِس على ذلك باقي الوظائف داخل المجتمع.

نفهم الأن مُرَكَّب دور المسلم على أنه مجموع الأدوار التي يجب أن يقوم بها الإنسان المسلم تجاه الدوائر التي يتعامل معها خلال يومه، والتي يجب أن يديرها وفق مقتضيات أنه مُكَلَّف بحمل الرسالة وأدائها، وأن مقياس نجاحه في أداء دوره هو قدرته على المُوازَنة بيْن عناصر هذا المُرَكَّب.

يمكن تقسيم مُرَكَّب دور المسلم إلى عددٍ مِن المستويات، بدءًا مِن دور المُسْلِم الفكري، ودوره مع المتوافقين معه، ودوره مع المخالفين له، ودوره تجاه المجتمع، ودوره كإنسان مُسْتَخْلَف في الكون.

والمطلوب منه هو نشر التكليف المُحَمَّل به -كونه مسلمًا- في هذه الدوائر المختلفة، والتعامل مع كل مستوى وفق طبيعته الخاصة، وبالتالي فإن أي إهمال لمستوى منها حتى لو كان لحساب مستوى آخر هو تقصيرٌ في دوره كمسلم، ومِن ثَمَّ نقصٌ أو إهمال في أداء الرسالة المُحَمَّل بها، وفشلٌ في أداء دوره كمسلم.

فالمطلوب هو العمل بدءًا مِن البناء الذاتي للشخصية المُسْلِمة المُدْرِكة لِكُنْهِها، كونه مخلوقًا توحيديًّا لله -عَزَّ وَجَلَّ- “مهمة التوحيد”، وانتهاءً بإدراكه أنه خليفة الله في الأرض والمؤتمن على الأمانة الإلهية “الاستخلاف”، وأن يُمارِس الإسلام مِن خلال سعيه لتذليل جميع العقبات أمام تحقيق مَطلَبي: “التوحيد والعمران”، ومعالجة مشكلات الناس في أنشطتهم كافة مِن خلال الاجتهاد المنضبط.

يتحقق ذلك ليس بمجرد دعوة الناس للإسلام وأحكامه، بل دعوتهم إلى أصل قدرة الإسلام على حل مشاكلهم وتسيير شؤونهم، وأن نُمارِس أحكام الإسلام ونضعها أمامهم بأسلوب مُجَرَّد، وأن نُمارِس الدعوة مُدرِكين أنها مع أناسٍ يعتنقون ذات المبادئ الدينية ويعتبرونها عقيدتهم وأساس وجودهم.

فالعمل على إشاعة السلوك الإسلامي، والترويج للأفعال وعدم الاكتفاء بالأقوال، والممارسة بالأنشطة في كافة الميادين المتاحة، ومُمارَسة الإسلام مِن خلال الاجتهاد في معالجة أوضاع الحاضر ومشكلاته، هو جوهر النموذج المطلوب للمُسْلِم المُدْرِك لمُرَكَّب دوره في المجتمع.

عن تامر نادي

شاهد أيضاً

نحو نهاية الرأسمالية العالمية: بين إعادة الضبط الكبيرة والصحوة العظمي

نحو نهاية الرأسمالية العالمية: بين إعادة الضبط الكبرى والصحوة العظمى

نحو نهاية الرأسمالية العالمية: بين إعادة الضبط الكبرى والصحوة العظمى الكسندر دوجين ترجمة: تامر نادي …