سلطة الإعلام وقيم التحول في التنمية السياسية
الدكتور: بوحنية قوي
جامعــة قاصــدي مرباح ورقلـة
أولا: في الأبعاد السياسية لثورة الإعلام والاتصال:
أحدثت المنظومة الإعلامية الاتصالية الحديثة طفرة في مضامين العلاقات الدولية والمرجعيات الفكرية والممارساتية للتنمية السياسية والثقافية، لقد قدمت مصفوفات متداخلة ومتنافرة أحيانا أخرى يمكن أن نتلمس أهم ملامح التحولات التي أحدثتها تكنولوجيا الإعلام في مجال العلاقات السياسية فيما يلي:
1 – زيادة تفعيل مفاهيم الشفافية السياسية، وإعادة الهندسة السياسية والانتخابية، وهو ما ظهر في ما بعد في شكل منظمات دولية وفوق قطرية مثل المنظمة الدولية للشفافية (Transparency organization)، الحكومات الالكترونية Electronic goverments ([1]).
2 – كان في إمكان الدولة التحدث سابقا عن مفهوم السيادة الإعلامية وعن التحكم شبه الكامل أو شبه المطلق في عملية تدفق المعلومات إلى داخلها والعمل على تشكيل عقول أبناء شعبها وضمان ولاءهم التام لمصلحتها، ومع تعاظم فرص الاتصال أصبح من شبه المستحيل السيطرة التامة على نوع وكم المعلومات التي تصل إلى عقول المواطنين ([2]) (حدوث نوع جديد من العلاقة بين الحكام والمحكومين).
3 – حدوث توّحد متزايد للعالم كونه مكاناً للاتصال والتبادل بين الثقافات والمجتمعات الإنسانية بفعل التقاء الأفراد بصورة متزايدة في حياتهم اليومية بثقافات أخرى يكتشفون قيما متمايزة ومتغايرة ويتعرفون على تجارب إنسانية متعددة الأوجه، إن للثورة المعرفية الجديدة تأثيرات على “الشعوب” كما أضحى الشعب من زاوية أخرى ليس مجرد مجموعة من البشر كما يوحي التعريف القانوني للمصطلح، وإنما امتلك من جديد أهميته في ما له من تأثير مباشر في قوة الدولة وفي مدى تماسك هذا الشعب وإيمانه وولائه للدولة التي يقطنها وينتمي عمليا إليها، ونتيجة لتأثيرات الثورة المعرفية في استخدام مفاهيم جديدة للزمان والمكان، والتحكم في المسافات والقفز على الفواصل الجغرافية، يمكن أن يتكون نوع من الإحساس بالولاء والمشاركة وهو ما يطلق عليه بالمجتمعات الالكترونية، ومن شأن ذلك أن يضعف من ولاء الشعوب لأنظمتها السياسية وللدول التي يتواجدون داخل حدودها ([3]).
4 – في الوقت الذي تسهم فيه الثورة في تكنولوجيا الإعلام والاتصال في إحداث قدر عال من التوحيد والمركزة على نطاق دولي، وفق ما تقتضيه مصلحة دول المركز، فهي تتسبب وتحرض على مزيد من التفكك واللامركزية في دول المحيط والمصلحة دول المركز، وهو ما يُظهر لاحقا عجز الدولة الوطنية في علاج أزمة تغلغل النظام السياسي وتواجده داخل مجموع تراب الدولة، بل أكثر من ذلك إذ يساهم في إثارة “الهويات الهامشية” أو “الهويات الفرعية” وتعد “أزمة التغلغل” أحد أهم الأزمات التي تعيق عملية التنمية السياسية، بل وقد تعصف بمكونات الدولة. (يلاحظ بهذا الصدد بأنه ورغم تزايد المركزية، إلا أن عدد الدول الوطنية يتزايد من سنة إلى أخرى).
5 – كلما ذاعت قيم المركز (الغرب) في الأطراف من خلال وسائل الاتصال الحديثة ووسائل الإعلام انتشرت التغريب وازداد التحيز نحو الثقافات والمجتمعات في الأطراف إلى الغرب والميل نحو الإعجاب به وتقليده واعتباره. نموذجا للثقافة العالمية ونمطا للحداثة وانتشرت قيم الغرب في العنف والجريمة والجنس والشهرة والثروة والقوة، وانتشرت قيم الاستهلاك والوفرة والفردية والأنانية، وانحصرت قيم الإنتاج والتقشف وروح الجماعة والتضحية، وهذا الأمر في مجمله ساهم و يسهم في خلق أعباء إضافية، وربما معضلات مستقبلية، أمام مؤسسات الثقافة الوطنية، ويمكن أن يقود إلى رد فعل على الغرب وحداثته قد تتجسد بعض صوره في النزعات السلفية – نسبة إلى الأسلاف و الأوائل – التي ترفض الغرب وتحتقر الحداثة وتنفر من المعلومات وتفضل تراث الأنا على علم الأخر وحداثته.
وأمام هذه المظاهر تظهر عدة إشكالات سياسية تعيق عملية التنمية السياسية في دول العالم الثالث ولعل أهم هذه الإشكالات ما يلي:
- استمرار خضوع الدول النامية لعملية تدفق المواد الإعلامية المتزايدة.
- التعامل مع المواد الإعلامية في أحيان كثيرة على أنها من المصادر الأساسية للمعلومات وخصوصا من القائمين بالاتصال وخبراء السلطة وصانعي القار السياسي.
- تحرير أجندة (Agenda) الموضوعات لتجنب السياسة والصفوة، والتأثير على سلم الأولويات والاهتمامات.
- تساهم وسائل الإعلام الحديثة والغربية منا خصوصا في إضفاء صورة “الدولة المارقة” أو الدولة العسكرتارية” و “الدولة الديمقراطية” على دول تحددها أجندة الدول العظمى وفق سلم المصالح.
- العمل على تعزيز منطق التبعية للعالم الخارجي مما يؤدي إلى ظهور بعض الأشكال المقيدة التابعة للنمو لأن المستوردين لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتقدمة وأيضا للسلع الثقافية، يبدو أنهم في الغالب لا قوة حقيقية لهم في المقاومة وتأسيس مقياس حقيقي للسيطرة على عملية الإنتاج الثقافي الخاص بهم التي تشتمل على تنمية وسائل الاتصال الوطنية.
ثانيا: الدولة القطرية على محك التنمية السياسية في ظل عالم بلا حدود:
تبدو الدولة القطرية – في دول العالم النامي العربي- وفي ظل تزايد نزعتها التسلطية لن تبقى بمعزل عن تيارات العولمة، وهو ما يفرض عليها ضرورة تبني سياسات إصلاحية لإعادة تشكيل العلاقة مع المجتمع المدني، بفعل تزايد المتغيرات التالية ([4]):
- عولمة قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان: إذ لا يمكن للدول التسلطية إخفاء ممارستها غير الديمقراطية وهو ما يمثل ورقة ضغط تمارس عليها في تفاعلاتها الخارجية، لأنها قد تفقد شرعيتها في ضوء المعايير الكونية للديمقراطية، وربما تتعرض لعقوبات قد يطبقها المجتمع الدولي عليها بفعل تزايد قدرته على التدخل في الشؤون الداخلية للدول (يلاحظ بهذا الصدد، استقلال كوسوفو ودعم الدول الكبرى لذلك في شهر مارس، أزمة حقوق الإنسان في التبت خلال نفس الشهر، إعادة الجدل حول تعاطي حزب العدالة والتنمية التركي مع مسألة العلمانية والدور الأوروبي بهذا الخصوص … الخ.)
- تنوع مصادر المعلومات المتاحة للمواطن: ودور هذه المصادر في تغذية الوعي وممارسة التثقيف السياسي.
- تنامي دور المنظمات الدولية غير الحكومية أو ما يعرف بالمجتمع المدني العالمي بشكل يساهم في تعزيز قدرات المجتمع المدني العربي، ولا يخفى أن هذه المصادر المعلوماتية غير الخاضعة للرقابة تزيد من وعي وفاعلية المواطن ولا سيما في تأسيس علاقته بالسلطة الحاكمة.
- الثورة الهائلة في تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والاتصالات مما أفسح المجال أمام جماعات المعارضة والقوى المحجوبة عن الشرعية في استخدام هذه الأدوات والمسالك الحديثة للتعبير عن الشرعية في استخدام الأدوات والمسالك الحديثة للتعبير عن آرائها وسياساتها المناهضة لنظم التحكم، مثل ذلك ما أضحى يسمى “بالمدونات” أو الصالونات الالكترونية والمواقع الخاصة لدعم تعزيز حرية الرأي– مثل موقع [5](Youtube)
- في ظل المظاهرة السابقة ومع تنامي ظاهرة “عولمة الإعلام” ازداد الوعي العالمي بفكرة الوحدة العالمية أو الكونية وهو ما أحرج الدولة القطرية وجعلها في وضع انكشافي رخو أمام العالم المتقدم.
إن عولمة الإعلام عملية تهدف أساسا إلى التعظيم المستمر والمتسارع في قدرات وسائل الإعلام والمعلومات على تجاوز الحدود السياسية والثقافية بين المجتمعات بفعل ما توفره التكنولوجيا الحديثة والتكامل والاندماج بين وسائل الاتصال والمعلومات على حساب تقليص سيادة الدولة في المجالين الإعلامي والثقافي من ناحية أخرى.([6])
يجدر القول أن الإعلام يحفز ويغرز عملية التحول الديمقراطي، والتحول الديمقراطي ليس وليد اللحظة الراهنة لكن شأنه شأن العولمة نفسها، عملية متجذرة قديمة مرت بما أطلق عليه علماء السياسة وصف الموجات وكان أحدثها الموجة الثالثة التي دشنت في منتصف سبعينات القرن العشرين وطالت آثارها شطان دول العالم المتخلفة في آسيا وإفريقيا اللاتينية وشرق أوروبا والمنطقة العربية بحيث يمكن القول أن الديمقراطية أضحت النغمة السائدة في العالم ولغة العصر من الناحية السياسية، وتظهر سلطة الإعلام في قدرتها على وضع وإبراز ومواكبة عناصر التحول الديمقراطي لحظة بلحظة بدءا م مرحلة تجاوز النظام السلطوي، فمرحلة التحول وإقامة بديل ديمقراطي، فالمرحلة الأخيرة والمتمثلة في تدعيم أسس البناء الديمقراطي البديل.([7])
ثالثا: نحو حوكمة سياسة عالمية Global Political Governance:
المدخل الإعلامي الاتصالي
يشير مصطلح الحكومة إلى مضامين متداخلة “مفاهيمية وسائلية” بعضها قديم متجدد، وبعضها وفد إلينا كما وفدت العولمة فحرك الأنظمة وأوجد دولا بلا حدود، وتنادت الدول إلى تأسيس وتنظيم منتديات تنادي بالحكومة أو الحكم الراشد لاعتقاد مفاده أن الاستفادة من الوصفات الاقتصادية والثقافية والمالية ضمانة هامة لدخول قاطرة التحديث.([8])
في هذا المجتمع العالمي أصبحت المعلومات بالنسبة لصانع السياسة تعني أشياء كثيرة أنها الطاقة التي من دونها لا تعمل السياسية والدبلوماسية، وعندما نقلد المعلوماتيون – أي أباطرة إنتاج المعلومات وتطويرها وتسويقها مكانة الطبقة الارستقراطية كان ذلك بمثابة الإعلان عن التحرير للفرد والمجتمع المدني.
إن صانع القرار حاليا مثله مثل مستهلك أجهزة الإعلام ” الميديا” الحديثة أصبح يتلقى رسائل إعلامية تكاد تكون منزوعة التاريخ، يتلقى في دقائق أو ثوان وهي في الأغلب نبا عن مذبحة في كوسوفو أو تمرد في التبت أو حرب ضد الجيش الروسي، وهذا التلقي يظهر أن صانع القرار هو من أصبح في حاجة إلى امتلاك مصادر المعلومات لأنها هي من يصنع السياسة، وليس صانع القرار، “فصانع القرار ليس بالضرورة هو من يصنع السياسة”.
لأجل ذلك تتضح أهمية وسائل الإعلام والاتصال على أنها عملية ضرورية لدى صانع القرار فهي تنقل المعلومات أو القرارات من القيادة أو من صانع القرار إلى القاعدة الشعبية، ثم هو من ناحية أخرى يرفع للقيادة أو صانع القرار تقارير دقيقة عن اتجاهات القاعدة أو الجماهير وحاجاتهم ورغباتهم وموقف الرأي العام، وهكذا يربط الإعلام القيادة بالقاعدة ويخلق الإحساس الجمعي، وينمي الشعور بالتعاون.
إن وسائل الإعلام حسب (R. Hills) تعتبر أداة ذات أهمية متزايدة للسلطة في يد الصفوة بالمؤسسات الحاكمة، ذلك أن عملية صنع القرار السليم تتوقف على نوع وكمية ودقة الحقائق والمعلومات التي تنقلها وسائل الإعلام إلى المسئول عن صنع القرار، ثم هي بالتالي تصبح أداة عند صانع القرار، ثم هي بالتالي تصبح أو وسيلة لنقل القرارات التي يتخذها صانع القرار وتنشرها مع تقديم التحليل والتفسير والمبررات التي دفعت صانع القرار إلى اتخاذ ومثل هذا القرار والأهداف القومية التي تحققها هذا القرار. ([9])
وفي ظل طغيان الشفافية – كمعطي جبري قهري – نعيشه رغم تسلط الأنظمة، فإن مساحة التعاطي والعلاقة التداخلية بين وسائل الإعلام والمجتمع تشكل أداة علائقية تداخلية (Interdependence Relation) ضاغطة على صناعة القرار السياسي.
وبالنسبة لصانع القرار السياسي يبدو رجل الإعلام نافع ومضر معا ، نافع مادام يخرقها أي مادام يأتي بالإعلام الحدث الذي يتمكن من خلاله من فتح حقل الاتصال السياسي من جديد، هذا الحقل الذي يكاد يقفل على نقسه لشدة تعاطيه بالإعلام التمثيلي لأجل السياسة يربكه الإعلام لأنه يضطر على الكلام على نحو تقلت عملية التضليل من يده، من جراء تعدد المصادر ومن جراء استدعاء الإعلام للمجموعات المضادة والضاغطة المتمثلة بالمجتمع المدني.([10])
إن وسائل الإعلام “الميديا” لا تقول لنا كيف يجب أن نفكر، إنما تحديد لنا يوميا بماذا يجب ان نفكر، ولأنها أصبحت قادرة على تكميم الرأي مثلما هي قادرة على إنتاجه – على حد تعبير Eric Maigret – خصوصا في دول تبدو فيه إشكالية الإعلام كما إشكالية المجتمع المدني جزء من إشكالية أنظمته السياسية، والاجتماعية والاقتصادية.([11])
ومن خلال الإطلاع على تزايد تنامي ظاهرة الاتصال عالميا يبدو جليا ذلك التداخل المفصلي بين أهمية التغطية الإعلامية لأنشطة المجتمع المدني العالمي والمحلي وهشاشة الدولة القطرية، وهو ما يجعل الحديث عن صناعة القرار السياسي المحلي عملية عالمية قبل أن تكون محلية، ويمكن بهذا الصدد القرارات المحلية لدول العالم الثالث في مجال حقوق الإنسان، والحقوق الثقافية للأقليات وقوانين النوع (Gender)، وقوانين حماية البيئة، وغيرها … والتي جاءت كرجع صدى (Feed Back) لما طبق عالميا، إن القرار الداخلي أضحى مرهونا بامتياز بالقرار الدولي.
تبدو الدولة – مرهونة سياسيا شرعة فوق قطرية حسب وجهة نظري – إذ تقع هنا بين مطرقتين([12])، مطرقة تدق من فوقها، وهي مطرقة العولمة وثورة المعلومات والاتصال فتضعف السيادة وتخترق الحدود أو تقطع، وتتعرض الثقافة والاقتصاد والسياسة للغزو المنظم وغير المنظم، ومطرقة تدق من أدنى إلى أعلى منها تمرد الأقليات (مغلف بإطار المجتمع المدني) أو صحوة الأقليات من أجل حقوقها، ومنها أيضا الفجوة الجاذبة نحوها بشدة صحوة الأقليات وتمرد بعضها على السلطة المركزية، هذا الارتباط بين الفجوة الناشئة من الطفرة في سياسات السوق وصحوة الأقليات تعززه ثورة المعلومات، إذ لم يعد ممكنا حجب معلومات عن توزيع الثورة في المجتمع، أو عن حجم الفساد في أجهزة الدولة – بهذا الصدد النشاط في الجزائر ديوان مكافحة الفساد – أو عن جواب تعدد جيوب الدولة وخصوصا جيوب البطالة والبؤس و المال الفاسد وتجارة المخدرات والجريمة الالكترونية عابرة للثقافات عابرة للحدود، وفي حالات كثيرة يضع صانع القرار السياسي في حسبانه نفوذ المراكز وعلاقتها المافياوية الدولية التي بدورها توظف بكفاءة تكنولوجيا الحاسوب والاتصال.
رابعا: الاتصال وعملية التحديث السياسي
هناك علاقة تلازمية بين المنظومة الاتصالية وعمليات التنشئة السياسية والمشاركة السياسية والتحديث السياسي والتنمية ككل.
يبدو دور الاتصال في العملية السياسية في ضوء الاعتبارات التالية([13]):
1 – إن سياق الأفعال التي تشكل العملية السياسية يتعذر ملاحظته على كثير من الناس، وحتى يتسنى لهما الوقوف على ديناميات هذا السياق ومغزى الأحداث التي تجري خلاله، يتعين عليهم الاعتماد على وسائل الاتصال الجماهيري إلى حد كبير، وان يعرضوا أنفسهم لهذه الوسائل كثيرا.
2 – إن عملية الاتصال تقوم بدور فعال في بلورة توجهات الصفوة الحاكمة وتسليط الأضواء على اختيارها وأفعالها حتى يمكن إشاعتها والإحساس بها في شتى أرجاء المجتمع، وبدون شبكة اتصال قادرة على القيام بهذا الدور لا يتسنى لأي سياسة مهما كانت أهميتها أن تتغلغل أو تنتشر داخل المجتمع أو خارج حدود الدولة.
3 – لا يستطيع الناس مناقشة أي من القضايا العامة بشيء من الجريمة إن لم يكن لديهم رصيد مشترك من المعرفة والمعلومات، كما لا يمكنهم أيضا تقدير أفعال قادتهم وتصرفاتهم حق قدرها أو أن يحكموا على مدى حجيتها وحصانتها، إن لم يكونوا على درجة معينة من الوعي تمكنهم من معرفة كيفية إدراك الآخرين لمجريات الأمور.
4 – تستطيع عملية الاتصال أن توفر للناس إطار عاما من الفهم المشترك، يمكنهم الاعتماد عليه في تدبر شؤون الحاضر والمستقبل، والتعرف على مدى ما يتمتع به قادتهم من رؤية ثاقبة أو ضيقة، ومقدارها تعكسه تصرفاتهم من اتجاهات وسلوكيات.
5 – يمكن لعملية أن تساعد كثيرا في تجنب احتمالات الخطأ في تفسير الأحداث أو التخيير في تعليلها وذلك عن طريق تنقله إلى المجتمع من معايير للتعليل السياسي، وما تحدده من مؤشرات لهذا التعليل، وهي إذ تنقل هذه المعايير وتحدد هذه المؤشرات على نحو مقبول من القادة والمواطنين إنما تستوعب بالضرورة جموع المشتغلين والمنشغلين بالحقل السياسي في شبكة العلاقات السببية، وتساعد في ذات الوقت على تحديد القواعد الملائمة للمسؤولية السياسية وإرسائها.
6 – تساهم وسائل الإعلام في تعزيز عملية التسويق السياسي وتوطيد عملية الاتصال السياسي خصوصا في مجال الانتخابات وتتأكد حقيقة أهمية الإعلام السياسي في تلك المعركة من أجل السيطرة على وسائل الإعلام، وهو ما أدى إلى بروز “مبدأ الوصول إلى وسائل الإعلام على قدم المساواة” ([14]) إذ يجب أن تتاح فرصة معقولة لكل أولئك المتنافسين لكي يعلنوا عن رسالتهم , بهدا الصدد اوصى المعهد الدولي في دراسته لقانون الانتخابات في السنغال لسنة 1991 بأنه ينبغي استنباط “الصيغة المنصفة” التي يمكن أن تدخل قوة وسائل الإعلام وسجل الأحداث في حساباتها لضمان إتاحة فرصة كافية لكل الحزب لنقل مواقفها لجمهرة الناخبين، كما تعزز المادة 36 من قانون الانتخابات التي صاغته الأمم المتحدة لكمبوديا سنة 1993 منظورا دوليا لمبدأ الوصول إلى وسائل الإعلام، من ثم فإن الوصول إلى تغطية متوازنة ونزيهة هما مسالتان أساسيتان سواء في الديمقراطيات المستقرة و الناشئة ومن بين التوجهات الجديدة في مجال اعتماد حقوق دولية للممارسات الإعلامية في الانتخابات:
التزام الإعلام الحكومي بإعلام الجمهور, منح الوصول على التغطية الإعلامية على نحو غير متحيز، إلغاء أو تعليق القيود المفروضة على التعقيب العلني، و معاملة حملات الأحزاب على أساس من عدم التفرقة، ضمان التوازن والنزاهة، تقديم المعلومات للناخبين، منح إعادة النظر للقضاء في القرارات المتعلقة بالإذاعة والتلفزيون.([15])
أخيرا:
إن سلطة الإعلام والاتصال ناتجة من سلطة التدفق المعلوماتي، وهذه الأخيرة نتجت من عالم بلا حدود عالم كرسته ثقافة “ديمقراطية المعرفة” و “سلطة الموجة الثالثة” وهذه السلطات المتداخلة تتكافل بشكل كبير لتؤثر بدورها على نمط القيم الثقافية والسياسية المتحكمة بدورها في عملية التنمية السياسية، هذه الأخيرة التي وجب على القائمين عليها التحكم في تقانة الإعلام لمواجهة مختلف الأزمات المعرقلة للتنمية السياسية.
الهوامش و المراجع:
[1]حول أهداف هذه المنظمة وسياستها وأولوياتها ومنشوراتها، ينصح موقعها عل الانترنيت www.TrabsparencyInternational.org [2]عمرو الجويلي، العلاقات الدولية في عصر المعلومات، مجلة السياسة الدولية، العدد 123 1996، ص: 85. [3]خير الدين عبد اللطيف، بعض الأوجه السياسية والقانونية لثورة الاتصال الحديثة، مجلة السياسة الدولية، العدد 117، 1994، ص: 63.و عمرو الجويلي، المرجع السابق ص: 85.
[4]للاستزادة أكثر بهذا الصدد يطالع:نبيل عبد الفتاح والآخرون ” المنظمات الأهلية العربية والحكومية قضايا وإشكالات وحالات، مركز الدراسات السياسية والإستراتجية، الأهرام، القاهرة، 2004 ، 516 صفحة.
– حمدي عبد الرحمن حسن، العولمة وآثارها السياسية في النظام الإقليمي الغربي السياسية في النظام الإقليمي العربي، رؤية عربية، مجلة المستقبل، عدد 258، أغسطس 2000، ص: 199.
[5]حول Youtube يطالع ما يلي:1- stuard Cunningham, Political and Media leadership in the Age of youtube.
Epress. Anu. edu/an Zsog/public/eadership/pdf/ch 15.pdf
2- Fraser maclean
Magic Mirror, youtube and It’s implications for Democracy.
www.frieuds.ca/files/PDF/DCA 08-Fraser Maclean.pdf
[6]ممدوح محمود منصور العولمة دراسة في المفهوم القاهرة الإبعاد دار الجامعة الجديد للنشر 2003 ص33 (بتصرف) [7]حسن محمد سلامة أثر العولمة على تطور النظام السياسي مجلة الديمقراطية صيف 2001 العدد الثالث ص 29 (تصرف) [8]دراسات الحكم الراشد عديدة وكثيرة منها الغث والسمين، ومنه الموضوعي المتجرد ومنه غير البريء، يطالع بهذا الصدد وعلى سبيل المثال لا الحصر-Dr madhav godbole ; report of the one man committee on good governance ;July 2001 ; 89 pages
www.maharashtra.gov.in/pdf/goodgouv,h.pdf
-the independent commission on good governance in public services ; the good governance standard for public services ; 38 pages
www.cipfa.org.uk/pt/download/governance_ standard.pdf
[9]حنفي عوض، العلاقات العامة، الاتجاهات والمجالات، القاهرة، مكتبة وهبة، 1986، ص: 79. [10]نهوند القادري عيسى، المجتمع المدني حقل مناورة باسم الرأي العام، ضمن مؤلف جماعي بعنوان المجتمع المدني العربي والتحدي الديمقراطي، تجمع الباحثات اللبنانيات 2004، ص: 81. [11]نفس المرجع السابق (بتصرف)، ص: 86. [12]جميل مطر، حدود على السياسة في عالم بلا حدود، مجلة المستقبل العربي، العدد 236، أكتوبر، 1998، ص: 22 (بالتصرف). [13]السيد عبد الحليم الزيات، التنمية السياسية دراسة في الاجتماع السياسي، الجزء الثالث، الأدوات والآليات، دار المعرفة الجامعية، 2002، ص: 100 – 102 (بالتصرف). [14]ترجمة احمد أمين، فايزة حكيم، الانتخابات الحرة والنزيهة، القانون الدولي والممارسات العلمية تأليف جاي س – جودوين – جيل الدار الدولية للاستثمارات الثقافية، مصر، 2000، ص: 121.