الرئيسية / النظم السياسية / التحول الديمقراطي / التخلف وغايات التنمية السياسية – في التعريف بالظاهرة
التخلف وغايات التنمية السياسية
التخلف وغايات التنمية السياسية - عرب برف arabprf.com

التخلف وغايات التنمية السياسية – في التعريف بالظاهرة

التخلف وغايات التنمية السياسية (جزء أول) 

ملخص كتاب الدكتور أحمد وهبان:

 

القسم الاول – في التعريف بظاهرة التخلف السياسي ( أسبابها وسماتها )

مع أفول نجم الاستعمار وظهور العالم الثالث عقب الحرب العالمية الثانية، راحت قضية التنمية تشغل حيز اهتمام الباحثين من علماء الاجتماع والسياسة وكان جانب من دراساتهم ينصب على دراسة كافة الجوانب المتصلة بواقع التخلف السياسي الذي تعيشه بلدان العالم الثالث وتعريف عملية التنمية السياسية من حيث الغايات والوسائل التي من شأنها بلوغ هذة الغايات.

وتنوعت دراسات قضايا التنمية والتخلف ولم يوجد اتفاق بين الباحثين حول مدلول مفاهيم التنمية السياسية نظرا للتحيز الايديولوجي ، فقد راح البعض يعتبر التحديث مرادفا للتغريب والتنمية السياسية مرادفا للديمقراطية . وتعد أفكار كل من صامويل هنتجنتون ولوسيان باي هي الاكثر قبولا لدي المشتغلين بظاهرة التخلف السياسي.

أولا – هنتجنتون والتخلف السياسي :

يري هنتجنتون أن ثمة مقومات ثلاثة للحداثة السياسية هي:

1 – ترشيد السلطة : ويقصد بها استنادها الى اساس قانوني ينظم اعتلاءها وممارستها وتداولها  وقد أشار مونتسكيو في كتابه روح القوانين ان شرعية السلطة تقتضي انسلاخها عن شخص الحاكم لكي يصبح مجرد عامل عليها ويمارسها لحساب صاحبها الاصيل الممثل في الدولة .

2 – التمايز : ويعني ضرورة تباين المؤسسات التي تقوم على الوظائف السياسية والقضائية والمتمثلة في التشريع والتنفيذ والقضاء وهو يماثل مبدأ الفصل بين السلطات لمونتسكيو .

3 – المشاركة السياسية : وهي تشير الى ضرورة مشاركة الجماهير في العملية السياسية من خلال قنوات المشاركة في الاحزاب وجماعات المصالح وغيرها .

واستنادا الى مقومات مجتمع الحداثة عند هنتجنتون فإن سمات التخلف تبعا لذلك تتمثل في :

1 – استناد السلطة الى اعتبارات غير رشيدة كالانتماء الطبقي او العرقي او الفئوي أو غير ذلك من الاعتبارات التي تتنافي مع قيم الدستورية وسيادة القانون .

2 – تركيز وظائف الدولة السياسية في يد هيئة واحدة .

3 – تدني نسب مشاركة الجماهير في الحياة السياسية .

ونخلص مما تقدم ان هنتجنتون يعتبر الحداثة السياسية مرادفا للديمقراطية ، وبالتالي على دول العالم الثالث إن هي ارادت بلوغ الحداثة السياسية أن تحاكي نظم العالم الغربي المعاصر .

ورغم ان رؤية هنتجنتون تنطوي على تعصب ايديولوجي ، إلا أن أخطر مأخذ يؤخذ عليه بصدد تحديد سمات التخلف السياسي هو تركيزه على السمات المتصلة بالنظام السياسي دون أن يهتم بتخلف بنية المجتمع السياسي ذاته . فالهند على سبيل المثال تتسم بوجود نظام سياسي ليبرالي تتوافر فيه المقومات الثلاثة للحداثة السياسية حسب هنتجنتون ومع ذلك فثمة أزمات عديدة متأصلة في بنية المجتمع الهندي تجعله في عداد مجتمعات التخلف السياسي ، ومن ثم فالتخلف والحداثة ليسا مرتبطين فقط بالنظام السياسي، بل ببنية المجتمع السياسي، لذا تعد رؤية هنتجنتون قاصرة.

 

ثانيا – سمات التخلف لدي لوسيان باي:

يقدم لوسيان باي خمس سمات للتخلف تتمثل في أزمات الهوية والشرعية والمشاركة والتغلغل والتوزيع، وهذة الازمات تجسد مجتمعة سمات تخلف بلدان العالم الثالث وتقف حجر عثرة في سبيل انطلاقها للحداثة السياسية.

وأزمة الهوية تعني أن عتبة الولاء السياسي للفرد في دول العالم الثالث لجماعته العرقية أو الأولية تعلو على عتبة الانتماء للدولة ، وأن أزمة الشرعية تعني افتقار حكم الطبقات الحاكمة في دول العالم الثالث لرضا المواطنين، في حين أزمة المشاركة تتمثل في تدني معدلات مشاركة المواطنين في الحياة السياسية ، في حين راح لوسيان باي يتمثل أزمة التغلغل في عدم قدرة الحكومات المركزية في دول العالم الثالث على بسط سلطاته في كافة أرجاء الاقليم ، بينما يشير إلي أزمة التوزيع في سوء توزيع الموارد على أفراد المجتمع.

وهكذا يتضح أن رؤية لوسيان باي لم تقتصر على سمات التخلف المتعلقة بالنظام السياسي، بل امتدت لتشمل سمات التخلف للبنية المجتمعية .

المبحث الاول – في أزمة الهوية :

تمثل هذة الازمة واحدة من ابرز سمات التخلف السياسي إذ من شأنها تغييب فكرة الترابط الوثيق بين افراد المجتمع واشاعة الفرقة بينهم . وتشير ازمة الهوية الى غياب فكرة المواطنة بحيث يكون ولاء الفرد لجماعته العرقية وليس للحكومة المركزية ومايترتب على ذلك من افتقاد فكرة الشعب الواحد والحكومة الواحدة والولاء الواحد والمصير الواحد والهوية الواحدة .

ودراسة أزمة الهوية تنصب على المحاور الثلاث الاتية :

أولا – التباين العرقي وأزمة الهوية: 

تشير الملاحظة ان اغلب مجتمعات العالم الثالث مجتمعات متعددة العرقيات ، حيث يجمع المجتمع الواحد اكثر من جماعة عرقية واحدة ، وغالبا مايشعر افراد كل من هذة الجماعات بأنه لايوجد روابط مشتركة تربطهم بأفراد الجماعات الاخري ، مما يجعل هذة المجتمعات مهيئة للقلاقل والاضطرابات والمطالب الانفصالية، من وثم عدم استقرارها.

ولعل الحروب الاهلية التي اندلعت في العديد من دول العالم الثالث تسببت في عدم الشعور بالهوية المشتركة ، وايضا قيام المستعمر الاوروبي برسم حدود مصطنعة لهذة الدول أدي الى تمزيق الجماعات العرقية بين عدة دول والافتقار الى الوحدة الوطنية والولاء القومي وغياب الاستقرار الداخلي وانتشار صراعات الحدود ، ومن تغييب فكرة التكامل السياسي داخل هذة الدول.

ثانيا – التخلف الاقتصادي والحضاري كمسبب لأزمة الهوية:

حيث ان ادراك قطاع مهم من ابناء العالم الثالث للتفاوت الكبير بين مجتمعاتهم والمجتمعات المتقدمة من حيث القوة القومية ومستويات الرفاهية ، مما يفقدهم الثقة في مجتمعاتهم ونظمهم السياسية والاجتماعية ومقومات هويتهم ذاتها ، معتبرين ان هذة المقومات وتلك النظم هي سبب تخلفهم ، ولذا نجد بعض مثقفي العالم الثالث يطالبون بالتخلي عما يحكمهم من قيم موروثة وابدالها بقيم الغرب على اعتبار ان ذلك هو السبيل للحاق بركب التقدم .

وماتقدم يعبر عن ازمة هوية من شأنها اضعاف التكامل السياسي داخل المجتمع .

ثالثا – التفاوت الطبقي وأزمة الهوية : 

يعاني الكثير من دول العالم الثالث من ظاهرة التفاوت الطبقي الحاد ، إذ نجد طبقة ضيئلة تقع في قمة الهرم الاقتصادي والاجتماعي والطبقة الاخري رغم ضخامة حجمها في اسفل الهرم تعاني شظف العيش ، وتتضارب مصالح الطبقتين وتسود مشاعر السخط داخل الطبقة الدنيا على نحو يجعل الصراع الطبقي امرا لايمكن تجنبه داخل المجتمعات التي تعيش في ظل تفاوت طبقي حاد.  كما ساهمت العولمة وسياسات السوق الحر إلى اتساع هوة التفاوت الطبقي واختفاء الطبقة الوسطي ليختفي معها الاستقرار السياسي والتوازن الاجتماعي. وهذة الاوضاع تولد صورة جديدة لازمة الهوية، إذ ينظر ابناء الطبقة الدنيا الى نظام الحكم على انه مجرد أداة لحفظ امتيازات الطبقة العليا، وهذا يشير الى ارتباط تلك الازمة بأزمة التوزيع التي سنعرضها لاحقا.

المبحث الثاني – في أزمة الشرعية :

تمثل ازمة الشرعية احدي سمات ظاهرة التخلف السياسي ، وصلب شرعية السلطة يكمن في رضاء المحكومين عن السلطة وترتكز طبيعة السلطة السياسية الى عنصرين أساسيين هما:

1-السيطرة: يتمثل في قوة الاكراه المادي ويحتكرها القائمون على السلطة وتستخدم عند الاقتضاء

2 – الفاعلية: يتمثل هذا العنصر في تمتع قرارات السلطة داخل المجتمع بصفة النفاذ بغض النظر عما ترتكز اليه من اكراه مادي وهو مايؤكد على ضرورة اعتماد السلطة على رضا المحكومين.

ويميز ماكس فيبر عالم الاجتماع الالماني بين مصادر ثلاثة تستمد منها السلطة شرعيتها:

(أ) التقاليد: وهي تمثل اساسا لشرعية النظم الاوتوقراطية ، مثل نظم دول الخليج العربي.

(ب) الكاريزمية: وهي تتعلق بشخص القائم على السلطة من حيث تجسيده لآمال وتطلعات شعبه وطرحه لقيم وسلوكيات ثورية غير تقليدية وينظر اليه من قبل شعبه على انه قادر على مواجهة المشكلات والصعاب ومن امثلة هذة النظم جمال عبد الناصر وسوكارنو وهتلر وموسوليني.

(جـ) الدستور: والسلطة التي تستند في شرعيتها الى الدستور هي سلطة منظمة تنسلخ عن شخص الحاكم وتسند الى الدولة ويصبح الحاكم مجرد عامل على السلطة يمارسها لحساب صاحبها الاصيل (الدولة). ومن امثلتها النظم في اوروبا والولايات المتحدة .

وازمة الشرعية في دول العالم الثالث إنما ترجع الى عدم استناد السلطة الى رضا المحكومين واستمرارها في الحكم يعتمد فقط على ادوات الاكراه المادي ، وبالتالي يدرك المحكومون انه لاسبيل لتداول السلطة إلا باستخدام العنف مما يؤدي لعدم الاستقرار السيايى داخل هذة البلدان.

 

المبحث الثالث – أزمة المشاركة :

تشير الملاحظة أن أزمة المشاركة تمثل احدي السمات التي تتسم بها الحياة السياسية داخل بلدان العالم الثالث ويرجع ذلك الى ميل النخب الحاكمة الى تركيز السلطة في قبضتها وفرض قيود على مشاركة الجماهير في الحياة السياسية ، ونجد ان اغلب قادة الاستقلال رفضوا في البداية الاحزاب والمنظمات اللارسمية ثم انتقلوا في مرحلة لاحقة لتأسس نظام الحزب الواحد مثلما حدث في زائير في عهد موبوتو سيسيكو وتونس في عهد بورقيبة ومصر في عهد عبد الناصر ، وبالتالي عاشت شعوب دول العالم الثالث في حقبة مابعد الاستقلال في اجواء مارست فيها السلطة العنف والقمع مما أدي إلي خوف الجماهير من السياسة والساسة والابتعاد عن كل ماهو سياسي وسادت قيم اللامبالاة والسلبية والاغتراب وتضاءل نسب مشاركتهم السياسية . وبجانب ذلك فإن هناك اسباب اخري ساهمت في تكريس أزمة المشاركة ومنها:

1 – ارتفاع نسبة الامية داخل اغلب بلدان العالم الثالث ، حيث تنمو في اوساط الأميين اللامبالاة السياسية والامتثال التام للسلطة القائمة وعدم الاكتراث بقضايا السياسة والعزوف عن انشطتها ، وشيوع الاعتقاد لديهم ان شئون الدولة والحكم من اختصاص الفنيين المتخصصين فقط.

2 – تفشي الفقر داخل قطاعات واسعة من سكن العالم الثالث نظرا الى ندرة الموارد وسوء توزيعها ، فأغلب الثروات مركزة في يد طبقة قليلة العدد بينما الغالبية العظمي تعاني قسوة العيش وتعد المشاركة السياسية بالنسبة لتلك الاغلبية المطحونة بمثابة رفاهية ، فكل وقتها مكرس لتوفير لقمة العيش.

 

المبحث الرابع – في أزمة التغلغل :

يقصد بالتغلغل التواجد الفعال للحكومة المركزية ، وسريان كافة قوانينها وسياساتها على سائر اقليم الدولة سواء أكانت القوانين تتعلق بالضرائب أو التجنيد او تحقيق الانضباط ، وسواء اكانت السياسات تنصب على الرفاهية الاجتماعية أو ذات الصلة بالزراعة والسكان وقنوات المشاركة . وهناك بعدين متكاملين للقدرة على التغلغل .

الاول : ماترتكز اليه الحكومة من ادوات الاحتكار المادي بغض النظر عن رضا المحكومين . الثاني: مدي قدرة الحكومة على سريان قوانينها وسياساتها استنادا الى رضا المحكومين .

والحقيقة ان تغلغل الحكومة داخل ارجاء اقليم الدولة من شأنه أن يحدث استقرار سياسي ، وتشير الملاحظة ان الكثير من دول العالم الثالث تعاني من أزمة التغلغل إذ لايكون بمقدور حكوماتها المركزية بسط سيطرتها على سائر اقليم الدولة ، وقد يرجع ذلك الى اسباب جغرافية سواء تعاظم مساحة اقليم الدولة كالهند مثلا أو الاقليم المكون من عدة جزر مثل الفلبين واندونسيا فكلا الحكومتين تواجه ازمة التغلغل في بعض الجزر النائية .

أو أسباب متعلقة بالاقليات مثل العراق حيث تواجه الحكومة المركزية ازمة تغلغل في اقليم كردستان .

وازمة التغلغل قد تحدث داخل العالم المتقدم ويرجع ذلك لاسباب عرقية مثل كندا حيث تواجه الحكومة المركزية ازمة تغلغل في اقليم الكيبك ذا الاغلبية الفرنسية وكذلك تضعف قدرة حكومة اسبانيا على التغلغل في اقليم الباسك وضعف حكومة بريطانيا على التغلغل في ايرلندا الشمالية .  ونخلص الى ان ازمة التغلغل تتشابك مع ازمة الشرعية من جهة كما تتشابك مع ازمة الهوية من ناحية اخري وهكذا تتشابك الازمات وتتداخل مولدة ظاهرة التخلف السياسي .

 

المبحث الخامس – أزمة التوزيع :

ترتبط هذة الازمة بالقدرة التوزيعية للنظم السياسية أي بدور الحكومات في توزيع الموارد والخدمات بين فئات وطبقات المجتمع . وتشير الملاحظة الى ان اغلب دول العالم الثالث تعاني من الحرمان الاقتصادي نظرا لندرة الموارد من ناحية وسوء توزيعها من ناحية اخري ، حيث تمتع الاقلية بالجانب الاكبر من الموارد بينما تعاني الاغلبية من السكان من الحرمان والفقر . وازمة التوزيع مولدة للتفاوت الطبقي مما يهدد استقرار المجتمع نظرا لما يتجم عنه من صراع طبقي ، حيث تسعي الطبقة المهمشة الى مصارعة الطبقة المتميزة بغية انتزاع السلطة من اجل القضاء على هذا التفاوت . ويرجع ماركس الصراع السياسي لاسباب اقتصادية . وربما الثورة الفرنسية تعد ابرز الثورات التي ترجع الى التفاوت الطبقي الحاد ، الذي شهده المجتمع الفرنسي اثناء حكم اسرة البوربون وقد ثار المعدمين على السلطة على امل تحسين اوضاعهم المتردية . ونفس السبب المتعلق بالتفاوت الطبقي الحاد كان المحرك للثورة البلشفية في روسيا في عهد نيقولا الثاني آل رومانوف.

ونستطيع ان نخلص الى ان هناك تشابك وتداخل بين ازمة التوزيع وازمة الاستقرار السياسي . أزمة التوزيع وظاهرة الفساد السياسي : تعد ظاهرة الفساد السياسي من ابرز ظواهر بلدان العالم الثالث وتسهم في تفاقم ازمة التوزيع . والفساد السياسي يعني استخدام السلطة من اجل تحقيق اهداف ومكاسب شخصية والتعامل مع الممتلكات العامة وكأنها ممتلكات شخصية . وقد اتسم سلوك أغلب نخب العالم الثالث بالفساد السياسي حيث تضخمت ثرواتهم حتي اصبحوا من اثرياء العالم امثال سيسيكو في زائير وبوكاسا في افريقيا الوسطي وسوهارتو في اندونسيا وماركوس في الفلبين.

 

المبحث السادس – أزمة الاستقرار السياسي :

لاشك ان الاستقرار السياسي يمثل ضرورة تقتضيها التنمية ، كما يمثل في الوقت ذاته غاية لعملية التنمية السياسية . وتشر الملاحظة ان اغلب دول العالم الثالث تفتقر الى الاستقرار . وازمة الاستقر السياسي ذات بعدين:

1 –  أزمة استقرار الدولة

2 – أزمة استقرار النظام السياسي

 

البعد الأول – أزمة استقرار الدولة ذاتها:

يتفق المعنيون بدراسة الظواهر السياسية على ان الصورة المثلي للمجتمع السياسي تتمثل في صورة الدولة القومية التي يتجانس فيها العنصر البشري على نحو يهيئ لترسيخ التكامل السياسي والوحدة الوطنية. وهذا التجانس هو من يميز الدولة القومية على الامبراطوريات القديمة التي كانت تقوم على التجميع الاجباري للشعوب وبالتالي كانت تضم العديد من القوميات المتباينة لغة وأصلا ترتبط فيما بينها بعامل الاكراه السياسي . وكانت الامبراطوريات تمثل مجالا خصبا للحركات العرقية الانفصالية ولاسيما عندما تضعف قوة الامبراطوريات . وذلك على عكس الحال في الدولة القومية التي ترتكز على عنصر التجانس القومي وسواء تحقق هذا التجانس من خلال وحدة الاصل أو اللغة أو المصالح أو حتي الرغبة في العيش المشترك .

وتشير الملاحظة ان اغلب دول العالم الثالث تتسم بتعدد اعراقها ، ويقصد بالجماعة العرقية كل تجمع بشري يرتبط افراده بوحدة فيزيقية أو بيولوجية (كوحدة الاصل أو السلالة) أو ثقافية ( حال وحدة اللغة أو الدين) ويعيش في هذا التجمع في ظل مجتمع سياسي أرحب مشكلا لاطار ثقافي حضاري مغايرا للاطار الثقافي الحضاري لباقي المجتمع ويكون اعضاء هذا التجمع مدركين لتمايز مقومات هويتهم ، وساعين دوما للحفاظ على هذة المقومات من التحلل والضعف .

وتشير الملاحظة الى ان عدم المساواة بين الجماعات العرقية يمثل سمة للمجتمعات المتعددة العرقيات ولاسيما بلدان العالم الثالث ، فتكون هناك جماعات عرقية مسيطرة وأخري غير مسيطرة تعاني الاضطهاد والتمييز ، مما يولد لديها مشاعر السخط . وعادة تنشأ الجماعات العرقية غير المسيطرة حركات سياسية تهدف الى التخلص من مظاهر الاضطهاد أو الانفصال ، مما يشكل ارضية خصبة لعدم الاستقرار السياسي . مثل حركة نمور التاميل في سيرلانكا وحركة تيمور الشرقية في اندونسيا . كما يلاحظ ان الحركات العرقية في دول العالم الثالث غالبا ماتلجأ الى العنف في سبيل بلوغ غاياتها كالصراعات بين جماعتي التوتسي والهوتو في رواندا .

 

البعد الثاني – أزمة استقرار النظام السياسي :

يقصد بالنظام السياسي مؤسسات الدولة الرسمية المنظمة تنظيما قانونيا في كيانها العضوي والوظيفي المرتبطة بأيديولوجية المجتمع . وتتمثل مؤسسات الدولة التي تقوم على الوظيفة السياسية في مؤسستي التشريع والتنفيذ ، ومن ثم فإن استقرار النظام يستلزم استقرار مؤسساته ووضح ايديولوجيته . وتأسيسا على ذلك لاتعد المؤسسة العسكرية من المؤسسات السياسية فهي مؤسسة ادارية منوطة بحماية الامن القومي وادارة الحرب ، ووضع المؤسسة العسكرية في هذا الاطار يعد بمثابة مصلا واقيا من ظاهرة الحكومات العسكرية .

والمتتبع لواقع بلدان العالم الثالث سرعان مايدرك تعاظم الانقلابات العسكرية وتنامي نفوذ العسكريين في الحكم في العديد من بلدان امريكا اللاتينية وافريقيا واسيا . وترتد ظاهرة الانقلابات العسكرية الى أزمتي الشرعية وتنظيم السلطة حيث في الغالب لايوجد مجال لتداول سلمي للسلطة في دول العالم الثالث وان الانقلاب العسكري يعد الوسيلة الوحيدة للتغيير، وهكذا تتداخل الازمات الثلاثة مشكلة حلقات خبيثة مجسدة مع غيرها من الازمات لظاهرة التخلف السياسي .

 

المبحث السابع – أزمة تنظيم السلطة :

يقصد بتنظيم السلطة خضوع اعتلاءها وممارستها وتداولها لنظام قانوني (دستور) مسبق تنسلخ السلطة عن شخص الحاكم ، فهو مجرد عامل عليها يمارسها لحساب صاحبها الاصيل المتمثل في الدولة. وبالتالي فإن ظاهرة السلطة المشخصة تختفي في ظل التنظيم القانوني للسلطة .

كذلك فإن من المبادئ الراسخة للتنظيم السياسي مبدأ الفصل بين السلطات الذي نادي به مونتسكيو . هذا هو الاطار الذي يتعين ان تكون عليه نظم الحداثة السياسية ، غير ان الملاحظة تشير الى شيوع السلطة المشخصة في اغلب دول العالم الثالث ، نظرا لغيبة الدساتير من جانب أو عدم احترامها من قبل السلطة الحاكمة من جانب آخر . فضلا عن ذلك فأننا نشهد في بلدان العالم الثالث اجراءات استبدادية لاتستند الى نص قانوني من اجل دعم سلطة الحاكم ، كما ان احدي سمات الحكم في بلدان العالم الثالث هو عدم انتهاء مدة الحاكم إلا بوفاته أو من خلال انقلاب عسكري يطيح به . ومن ثم فإن التداول السلمي للسلطة يعد من المستحيل . ويلجأ الحاكم لاضفاء الشرعية الصورية على حكمه الى عمل استفتاءات أو انتخابات مزورة ، مما يدفع شعوب هذة الدول الى السلبية والاحجام عن المشاركة وهكذا تتداخل الازمات لتجسد مجتمعة ظاهرة التخلف .

ونخلص في الختام أن ظاهرة التخلف السياسي ظاهرة سياسية مركبة تعاني منها بلدان العالم الثالث وهي محصلة لجملة من أزمات تتشابك وتتداخل فيما بينها بحيث تؤدي كل منها إلي الاخري وتغذيها .

عن admin

شاهد أيضاً

"سلام ترام" .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين

“سلام ترام” .. كتاب جديد يرصد كيف غير ترام القاهرة حياة المصريين “سلام ترام” قصة …